الإسلام دين العِلم (1).

الإنباء بالعِلم الحديث

اجتهد المدافعون عن القرآن أن يجدوا إشارات قرآنية إلى ما وصل إليه العِلم الحديث، ليبرهنوا الأصل السماوي للقرآن. ولا اعتراض على هذا، ولو أن ما وصلوا إليه ليس اكتشافاً يضيف جديداً، بل سبق وروده في التوراة، كما سنرى في نهاية هذا الفصل. كما أن ادّعاءاتهم هذه فتحت الباب لمشاكل فقهية.

1 - دورة الماء والبحار:

يقول د. بوكاي (ص 198-203) ود. تركي (2) إن القرآن سبق وذكر دورة الماء، فالماء (1) يتبخر من البحار والأرض، و(2) يصبح سحباً تُنزل (3) مطراً، يسبّب (4أ) إنبات الأرض، و (4ب) وجود آبار وينابيع سفلى.

ويقول د. بوكاي إنه حتى القرن 16 كان للناس مفاهيم مغلوطة تماماً عن جريان المياه في الطبيعة وعلى هذا فإن الآيات القرآنية التي تقدم معلومات صحيحة عن هذه الدورة والجريان لا تكون قد جاءت من مصدر إنساني. واقتبس د. بوكاي آيات من سورة ق 9-11 وسورة فاطر 9 وسورة الروم 48 وسورة الأعراف 57 وسورة الفرقان 48 و49 وسورة الجاثية 5 تبرهن النقاط 2 و3 و4أ. وكمثالٍ لنتأمل سورة الأعراف 7:57 (وهي من العهد المكي المتأخر)، وتقول:

وَهُوَ الذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ المَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ المَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ .

ولكي يبرهن خطوة 4ب اقتبس آيات من سورة المؤمنون 18 و19 وسورة الحِجْر 22 وسورة الزمر 39:21 حيث نقرأ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ .

ولا شك أن ما يقوله د. بوكاي صحيح. ولكن هل حقاً أنبأت هذه الآيات القرآنية بحقائق علمية تبرهن أنها من أصل سماوي؟.. الإجابة: لا! فكل إنسان (حتى من سكان المدن) يمكن أن يصف خطوات 2 و3 و4أ، وكل من يتعامل مع الفلاحين أثناء الجفاف يسمعهم يتحدثون عن جفاف الآبار والينابيع، مما يبرهن معرفتهم بخطوة 4ب وهي أن المطر مصدر المياه الجوفية.

أما أن البَخْر هو مصدر السحب المطيرة (خطوة 1) فهو ما لا تقدر الملاحظة وحدها أن تدركه. وهذه الخطوة هي التي لم يورد القرآن لها ذكراً. وقد أدرك د. تركي هذا، واقترح سورة النبإ 78:12-16 كعلاج للموقف، إذ تقول: وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً وَأَنْزَلْنَا مِنَ المُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجاً لِنُخْرِجَ بِهِ حَبّاً وَنَبَاتاً وَجَنَّاتٍأَلْفَافاً . وافترض د. تركي أن السراج الوهاج (وهو الشمس) المتبوع بذكر المطر يقدم الخطوة 1. ولكن هذا الافتراض بعيد الاحتمال، فسورة النبأ تذكر عطايا إلهية للبشر لا يربطها معاً إلا أنها عطايا إلهية، منها الجبال والنوم والزواج. والشمس والمطر هما الأمران الثامن والتاسع في سلسلة هذه البركات الإلهية.

ولكن إذا قرأنا العهد القديم وجدنا ثلاث آيات تحوي الخطوة 1: جاء في نبوة عاموس 5:8 (وقد كُتبت قبل الهجرة بألف وثلثمائة سنة): اَلَّذِي صَنَعَ الثُّرَيَّا وَالجَبَّارَ، وَيُحَوِّلُ ظِلَّ المَوْتِ صُبْحاً، وَيُظْلِمُ النَّهَارَ كَاللَّيْلِ. الذِي (1) يَدْعُو مِيَاهَ البَحْرَ وَ (3) يَصُبُّهَا عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ، يَهْوَهُ ا سْمُهُ .

ونقرأ في نبوّة إشعياء 55:9-11 (وترجع لنفس تاريخ كتابة نبوّة عاموس) كَمَا عَلَتِ السَّمَاوَاتُ عَنِ الأَرْضِ هَكَذَا عَلَتْ طُرُقِي عَنْ طُرُقِكُمْ وَأَفْكَارِي عَنْ أَفْكَارِكُمْ. لِأَنَّهُ كَمَا (3) يَنْزِلُ المَطَرُ وَالثَّلْجُ مِنَ السَّمَاءِ وَلَا (1) يَرْجِعَانِ إِلَى هُنَاكَ، بَلْ يُرْوِيَانِ الأَرْضَ وَ (4أ) يَجْعَلَانِهَا تَلِدُ وَتُنْبِتُ وَتُعْطِي زَرْعاً لِلزَّارِعِ وَخُبْزاً لِلْآكِلِ، هَكَذَا تَكُونُ كَلِمَتِي التِي تَخْرُجُ مِنْ فَمِي. لَا تَرْجِعُ إِلَيَّ فَارِغَةً، بَلْ تَعْمَلُ مَا سُرِرْتُ بِهِ وَتَنْجَحُ فِي مَا أَرْسَلْتُهَا لَهُ .

ونقرأ في سفر أيوب 36:26-28 هُوَذَا اللّه عَظِيمٌ وَلَا نَعْرِفُهُ وَعَدَدُ سِنِيهِ لَا يُفْحَصُ. لِأَنَّهُ (1) يَجْذِبُ قْطَرَاتِ المَاءِ. تَسُحُّ (3) مَطَراً مِنْ ضَبَابِهَا الذِي (2) تَهْطِلُهُ السُّحُبُ وَتَقْطُرُهُ عَلَى أُنَاسٍ كَثِيرِينَ .

وقد أوردت هذه الآيات كل الخطوات ما عدا 4ب. وفي سفر هوشع 13:15 (قبل الهجرة بنحو 1400 سنة) تتضح خطوة 4ب تَأْتِي رِيحٌ شَرْقِيَّةٌ. رِيحُ الرَّبِّ طَالِعَةً مِنَ القَفْرِ فَتَجِفُّ عَيْنُهُ وَيَيْبَسُ يَنْبُوعُهُ . فالريح الشرقية لا تحمل مطراً، فتجف الآبار والعيون والينابيع، ويمتنع الزرع والخير. وهكذا ترى أن العهد القديم ذكر كل الخطوات الأربع، بما فيها الخطوة الصعبة الإدراك، وهي الخطوة 1.

2 - التيارات البحرية:

اقتبس د. بشير تركي من سورة النور آيتي 39 و40 (وترجع لعام 5 أو 6 هـ ) وَالذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الحِسَابِ أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ .

ويقتبس د. تركي قول أحد مديري البرامج الفضائية، وكان قد التقط صوراً للمحيطات: الأمواج والتيارات في أعماق المحيط أكثر أهمية وأكبر من الأمواج السطحية . ويقترح د. تركي أن قول القرآن بحر لجي يغشاه موج من فوقه يُظهِر معرفة سابقة بعلوم البحار، من أمثال تيارات الخليج وتيار اليابان. ولو أني أعتقد أن هذا وصف رمزي للظلمة التي يحيا فيها الكافر بالله. ولكن لو صدق زعم د. تركي في أن هذا إنباءٌ قرآني بالعلم الحديث، لقلتُ إن هذه النبوءة جاءت في سفر يونان النبي وفي مزامير داود. فقد تنبأ يونان عام 750 ق م عندما ابتلعه الحوت فَصَلَّى يُونَانُ إِلَى الرَّبِّ إِلَهِهِ مِنْ جَوْفِ الحُوتِ وَقَالَ: دَعَوْتُ مِنْ ضِيقِي الرَّبَّ، فَاسْتَجَابَنِي. صَرَخْتُ مِنْ جَوْفِ الهَاوِيَةِ، فَسَمِعْتَ صَوْتِي. لِأَنَّكَ طَرَحْتَنِي فِي العُمْقِ فِي قَلْبِ البِحَارِ. فَأَحَاطَ بِي نَهْرٌ. جَازَتْ فَوْقِي جَمِيعُ تَيَّارَاتِكَ وَلُجَجِكَ. فَقُلْتُ: قَدْ طُرِدْتُ مِنْ أَمَامِ عَيْنَيْكَ. وَلَكِنَّنِي أَعُودُ أَنْظُرُ إِلَى هَيْكَلِ قُدْسِكَ. قَدِ ا كْتَنَفَتْنِي مِيَاهٌ إِلَى النَّفْسِ. أَحَاطَ بِي غَمْرٌ. التَفَّ عُشْبُ البَحْرِ بِرَأْسِي. نَزَلْتُ إِلَى أَسَافِلِ الجِبَالِ. مَغَالِيقُ الأَرْضِ عَلَيَّ إِلَى الأَبَدِ. ثُمَّ أَصْعَدْتَ مِنَ الوَهْدَةِ حَيَاتِي أَيُّهَا الرَّبُّ إِلهي (يونان 2:1-6).

ومن قبل ذلك، عام 1000 ق م (1600 سنة قبل الهجرة) قال النبي داود بوحي الروح القدس في مزمور 8:4 و6 و8 فَمَنْ هُوَ الإِنْسَانُ حَتَّى تَذْكُرَهُ وَابْنُ آدَمَ حَتَّى تَفْتَقِدَهُ! تُسَلِّطُهُ عَلَى أَعْمَالِ يَدَيْكَ. جَعَلْتَ كُلَّ شَيْءٍ تَحْتَ قَدَمَيْهِ. وَطُيُورَ السَّمَاءِ، وَسَمَكَ البَحْرِ السَّالِكَ فِي سُبُلِ المِيَاهِ .

وقد يكون التعبير سبل المياه أسلوباً شعرياً يكرر ما سبق أن قاله في الآية السابقة له. ولكن التعبير الداودي، وما قاله يونان يصفان التيارات البحرية كما نعرفها في القرن العشرين.

3 - حاجز بين المياه المالحة والمياه الحلوة:

يقتبس د. بوكاي سورة الرحمان 55:19-22 (وهي من العهد المكي الأول) مَرَجَ البَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَ يَبْغِيَانِ,,, يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وا لْمَرْجَانُ لا يبغيان.. يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان . فهو يذكر البرزخ أو الحاجز الذي يفصل بين نوعين من المياه. وقد جاء المعنى نفسه في سورة الفرقان 25:53 (وهي أيضاً من العهد المكي المبكر): وَهُوَ الذِي مَرَجَ البَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً وَحِجْراً مَحْجُوراً . والحِجر المحجور يعني الممنوع الذي لا يمكن اجتيازه. ويشرح د. بوكاي الفكرة باختصار (ص 205 و206) بينما يتوسع د. تركي في شرحها، ويقول إنه قد تمّت برهنة الضغط الأزموزي في أنابيب على شكل حرف U وأغشية شبه منفذة (نفاذ الجزيئيات منها يتوقف على حجم الجزيء لا على الكمية)، وذلك في المعمل (المختبر). ثم يقول:

لم يكن عند محمد معمل (مختبر) ولا وسائل بحث ليكتشف كل هذه الأسرار، وليفهم الحواجز المذكورة في القرآن. وهذا يبرهن مرة أخرى أن القرآن لم تخُطّه يد إنسان، ولكنه وحي الإله الأحد .

ونحن نتساءل: أليست هذه الحقيقة ظاهرة طبيعية معروفة لدى كل صياد بسيط يصيد في نهر عذب يصبّ ماءه في بحر مالح؟.. لقد قام محمد برحلات تجارية في خدمة خديجة، وسافر حتى حلب شمالي دمشق، ولعله في رحلةٍ من هذه ذهب إلى ساحل سوريا أو لبنان، وسمع من بحّار عن عدم امتزاج الماءين المالح والعذب.

وهل إذا صدق الإعجاز في النصف الأول من الآية يَصْدق أيضاً في النصف الثاني منها، والذي يقول إن اللؤلؤ والمرجان يخرجان منهما (أي العذب والمالح) وهو ما يخالف الحقائق العلمية؟

وفي كتاب د. بوكاي الإنسان يمتدح أهل القبائل البدائية على قدراتهم في الملاحظة وترتيب ما يرون، ويقول:

لقد انذهل علماء الطبيعة من صحّة ودقّة تصنيف أهل القبائل البدائية للحيوانات التي تعيش حولهم، حتى لكأنهم متخصصون مرتفعو المهارة، رغم أنهم لم يتلقّوا أي تعليم! .

فالبدائيون الذين صنَّفوا الحيوانات لم يغفلوا أن هناك حاجزاً بين الماء المالح والماء العذب. ولكن هذا الحاجز لا يدوم إلى ما لانهاية، فإن نوعي الماء يمتزجان بعد مسافة معينة! بينهما برزخ لا يبغيان إلا بعد مسافة! ولا يوجد في البحر حاجز، ولا أغشية تمنع اختلاط نوعي الماء. وقد استدرك د. بوكاي فقال في نهاية حديثه عن البحار: فاختلاط المياه لا يتم أحياناً إلا في عرض البحر .

المشكلة الفقهية

وكل من يحاول إثبات إنباء القرآن بمعلومات العلم الحديث يواجه في أغلب الأحيان مشكلة فقهية، ذلك أن القرآن يسمّي هذه آيات . فإن كانت فعلاً من آيات الله فلا بد أن الذين سمعوا بها لأول مرة من محمد أدركوا منها معاني. وإلا فإنها لا تكون لهم آيات .

إن الله على كل شيء قدير، لذلك فهو يقدر أن يعلن حقائق لا يعرفها البشر، ولا يمكنهم أن يعرفوها إلا إذا أوحى بها. عندها تكون تلك الحقيقة آية . ومثالٌ لذلك ما نقرأه في سفر أيوب 26:7 يَمُدُّ الشَّمَالَ عَلَى الخَلَاءِ، وَيُعَلِّقُ الأَرْضَ عَلَى لَا شَيْءٍ . ولم يكن ممكناً لأيوب أن يعرف هذا لولا إعلان الله له.

وهناك مثال ثانٍ من سفر التثنية 23:12-14 حيث الوصية الإلهية عن الصحة العامة: وَيَكُونُ لَكَ مَوْضِعٌ خَارِجَ المَحَلَّةِ (المعسكر) لِتَخْرُجَ إِلَيْهِ خَارِجاً. وَيَكُونُ لَكَ وَتَدٌ مَعَ عُدَّتِكَ لِتَحْفُرَ بِهِ عِنْدَمَا تَجْلِسُ خَارِجاً وَتَرْجِعُ وَتُغَطِّي بُرَازَكَ. لِأَنَّ الرَّبَّ إِلهَكَ سَائِرٌ فِي وَسَطِ مَحَلَّتِكَ، لِيُنْقِذَكَ وَيَدْفَعَ أَعْدَاءَكَ أَمَامَكَ. فَلْتَكُنْ مَحَلَّتُكَ مُقَدَّسَةً .

ويعرف كل قارئ أن هذه الوصية تتناسب مع القوانين الصحية المعروفة في يومنا الحاضر. ولا ندري لماذا لم يوردها القرآن، مع أن بعض المسلمين يقولون إن القرآن ذكر كل ما له قيمة في الكتب السابقة له. إن هذه الوصية تمنع توالد الذباب وانتشار الأمراض، ولكن الوصية لا توضح كل هذا، بل تذكر أن محلّة (معسكر) بني إسرائيل يجب أن تكون مقدسة في عيني الله. ولكن الله لا يدعو هذه الوصية التوراتية آية . ولم يكن من المهم لسامعي هذه الوصية أن يدركوا أبعادها العلمية.

الآيات

دعا المسيح معجزات الشفاء التي أجراها أعمالاً ولكنها كانت آيات ليؤمن الناس بسببها. ويقول المسيح إِنْ كُنْتُ لَسْتُ أَعْمَلُ أَعْمَالَ أَبِي فَلَا تُؤْمِنُوا بِي. وَل كِنْ إِنْ كُنْتُ أَعْمَلُ، فَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا بِي فَآمِنُوا بِالأَعْمَالِ، لِكَيْ تَعْرِفُوا وَتُؤْمِنُوا أَنَّ الآبَ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ (يوحنا 10:37 و38).

لَوْ لَمْ أَكُنْ قَدْ عَمِلْتُ بَيْنَهُمْ أَعْمَالاً لَمْ يَعْمَلْهَا أَحَدٌ غَيْرِي لَمْ تَكُنْ لَهُمْ خَطِيَّةٌ، وَأَمَّا الآنَ فَقَدْ رَأَوْا وَأَبْغَضُونِي أَنَا وَأَبِي (يوحنا 15:24).

ويقول القرآن إن الأرض القاحلة التي تثمر (بعد سقوط المطر عليها) آية من الله ليؤمن الناس بالبعث، فيقول في سورة الحديد 57:17 (وتعود لعام 8 هـ )ا عْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ . ويقول في سورة الأنعام 6:67 و68 لِكُلِّ نَبَأٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ وَإِذَا رَأَيْتَ الذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ .

وجاء في سفر أيوب 28:23-28 أن للريح وزناً، مما يبرهن حكمة الله. يقول: اللّه يَفْهَمُ طَرِيقَهَا (الريح) وَهُوَ عَالِمٌ بِمَكَانِهَا. لِأَنَّهُ هُوَ يَنْظُرُ إِلَى أَقَاصِي الأَرْضِ. تَحْتَ كُلِّ السَّمَاوَاتِ يَرَى. لِيَجْعَلَ لِلرِّيحِ وَزْناً وَيُعَايِرَ المِيَاهَ بِمِقْيَاسٍ. لَمَّا جَعَلَ لِلْمَطَرِ فَرِيضَةً وَسَبِيلاً لِلصَّوَاعِقِ حِينَئِذٍ رَآهَا وَأَخْبَرَ بِهَا، هَيَّأَهَا وَأَيْضاً بَحَثَ عَنْهَا وَقَالَ لِلْإِنْسَانِ: هُوَذَا مَخَافَةُ الرَّبِّ هِيَ الحِكْمَةُ، وَالحَيَدَانُ عَنِ الشَّرِّ هُوَ الفَهْمُ .

وكان يمكن أن ندخل في نقاش هنا لنتحدث عن البارومتر الذي يقيس وزن الهواء، وعن أجهزة أخرى تقيس سرعة الرياح. ولكن أيوب يورد ما أورده ليبيّن حكمة الله. فهل نرى في ذلك إنباءً بمكتشفات العلم الحديث؟ الأغلب لا! لقد كان أيوب (شأنه شأن سائر مواطنيه) يحسّ باندفاع الريح في وجهه، ويراه يملأ شراع السفن.

وفي كل هذه الأمثلة، من معجزات المسيح، والصحراء التي تزهر بعد المطر، ووزن الريح، آياتٌ ومعانٍ يفهمها المستمعون.

وتظهر المشكلة لما نقول عن شيء ما إنه آية لأنه لم يكن مفهوماً حتى أظهر العلم معناه في القرن العشرين. ونحن لا نتصوَّر نبياً يستخدم ظواهر الطبيعة الغامضة المجهولة من سامعيه ليبرهن لهم رسالته. فكيف يؤثر المجهول في عقل السامع؟.. إن الله يعطي النبيَّ أمثلة بسيطة ليفهمها كل مستمع.

فإن لم تكن التيارات البحرية العميقة معروفة لأهل مكة والمدينة، فكيف يفهمون التعبير بحر لجى يغشاه موج من فوقه . لا بد أنهم فهموا التعبير كمثَلٍ عن متاعب الكافر، أو لم يفهموه مطلقاً. وفي هاتين الحالتين لا يكون ذلك آية .

ويمكن أن يكون للتعبير معنيان: معنى ظاهر يدركه كل من سمعه من النبي، ومعنى أعمق يتضح بعد مرور الوقت. وربما كان هذا ما قصده د. بوكاي ود. تركي من التعبير بحر لجي يغشاه موج من فوقه ومن الحديث عن الماء المالح والعذب. وفي الفصل القادم سنتحدث عن بعض الآيات القرآنية التي يبدو أنها أعطت معنى خاطئاً عندما قيلت منذ 1400 سنة، ولا تزال تضع أمامنا مشاكل فقهية.

الصفحة الرئيسية