عدم وجود نَسْخ في اليهودية والمسيحية:

إذا نظرنا إلى الديانة اليهودية والمسيحية رأيناهما منزَّهتين عن الناسخ والمنسوخ، فلم يأت موسى بأمر ثم نسخه، وكذلك لم يأت المسيح كلمة الله ولا الرسل بأمر ثم أتوا بخلافه. بل نقول إنه لم ينسخ نبي ديانة نبي آخر، فإن أعمال الله منذ الأزل منزَّهة عن التناقض والتشويش، فكُتب موسى وكُتب المسيح هي إعلانات لحقائق واحدة، ففي كتب موسى اُعلنت هذه الحقائق برموز وإشارات، وأُعلنت في الثاني بصريح الكلام بطريقة أوضح وأفصح وأبلغ. قال احد القديسين : العهد القديم هو نبوة عن العهد الجديد، وكان العالم يستعد لمجيء المسيح قبل ظهوره بزمان طويل، وكان العهد القديم نبوة سامية ورمزاً جليلاً إلى المسيح المزمع أن يأتي، وقد أتى . وقال أيضاً: من يقدر أن ينكر أن الأنبياء المقدسين في العهد القديم رأوا بالروح مجيء المسيح قبل مجيئه بزمان طويل، ووضعوا التعليم الإنجيلي بروح النبوة بكلام متفاوت في الوضوح، مثل كُمُون الورق والثمر في البذرة التي كانت محتاجة إلى الشمس الإلهية لتُظهرها .

وإذا تأملنا نبوات العهد القديم عن المسيح وصفاته وكمالاته وأعماله وموته وصلبه وقيامته، وعن سلطانه وقوته وجبروته، وعن رسله وكنيسته، ظهر لنا توافق الوحي في العهدين. وقالت رسالة العبرانيين إن الناموس اليهودي الطقسي، مع كل فرائضة وغسلاته وذبائحه، كان رمزاً إلى النظام الإنجيلي. بل إن مشاهير العهد القديم كملكي صادق وموسى وداود وسليمان كانوا يرمزون إلى المسيح، وكثير من حوادث التاريخ اليهودي كعبور البحر الأحمر وخروف الفصح والحية النحاسية والمن من السماء والماء من الصخرة، كانت مثلاً عن الحوادث الإنجيلية. قال كايل: ارتقت النبوة بواسطة المسيح من صورتها الزمنية إلى جوهرها، وبه كل الأرض تصير أرض كنعان . ونختم كلامنا بقول المسيح: “لَا تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لِأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ الْأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لِأَنْقُضَ بَلْ لِأُكَمِّلَ. فَإِنِّي الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِلَى أَنْ تَزُولَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ لَا يَزُولُ حَرْفٌ وَاحِدٌ أَوْ نُقْطَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ النَّامُوسِ حَتّى يَكُونَ الْكُلُّ ; (متى 5: 17 - 18).

الصفحة الرئيسية