أسئلة سابقة

· سليمان سعيد (عُمان)

    "قل الله أحد, الله الصمد, لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا أحد".

    التعليق:

    لقد خلق الله الإنسان الأول (آدم) نقياً طاهراً, لا عيب فيه, حر الإرادة والاختيار وأعطاه سلطاناً على الخليقة. وعندما سقط آدم في الخطية بعصيان الله, فإنه بذلك أخذ زمام المبادرة للانفصال عن الله, وصار شعار البشرية كلها بعد ذلك "أبعد عنا وبمعرفة طرقك لا نسر", "وقال الجاهل في قلبه ليس إله".

    ولكن الله في محبته لم يشأ أن يترك الإنسان للهلاك بل رتب أن يعيد الإنسان إليه.

    إن الإنسان في بشريته المحدودة, لم يكن في إمكانه أن يعرف الله, لأن الله روح وغير محدود, ولأن عقل الإنسان محدود ولا يستطيع أن يدرك أعماق الله. قال أحدهم: الإله الذي يدركه العقل, ليس بإله.

    لذلك فالإنسان يعرف الله بمقدار ما أعلن الله عن نفسه.

    وكان الدرس الأول الذي أعلنه الله سبحانه للبشرية في مهدها, وفي محدودية تطورها ومعرفتها هو أن "الله واحد أحد" وذلك للقضاء على تعدد الآلهة والمعبودات الوثنية في ذلك الوقت, مع العلم بأن القول بأنه "الله واحد أحد" لا يعني "واحداً" بالمفهوم الحسابي. فلقد سُئل يوماً الإمام علي عن التوحيد فقال:

    "إن القول بأن الله واحد على أربعة أقسام: وجهان لا يجوزان على الله سبحانه, ووجهان ثابتان له.

    فمن قال إن الله واحد وقصد باب العدد, فهذا غير جائز, لأن ما لا ثاني له, لا يدخل في باب العدد.

    ومن قال إن الله واحد وأراد النوع أو الجنس, فقوله باطل, لأن الله سبحانه منزه عن النوع وعن الجنس".

    وأما الوجهان الصحيحان, فقول القائل: إن الله واحد, أي متفرد عن الأشياء ومنزه عنها, أو قول القائل: إن الله واحد أحد, أي لا ينقسم في وجود أو عقل أو وهم. فكذلك الله ربنا. (مجلة المسرة. عدد 56 (1970) ص 689-695 وقال أحد الدارسين: "إن كلمة "واحد" مساوية لأداة التنكير في اللغات الهندوأوروبية, والصفة من العدد واحد بمعنى أول في المجموعة الهندوأوربية. واللغات السامية تشتق الكلمة من جذر مختلف عن اسم العدد.

    وهي صفة أفعل التفضيل بمعنى أسبق في المكان أو الزمان"

    اقرأ المرجع "فقه اللغة العربية" للدكتور لويس عوض صفحة رقم 303).

    وبذلك يكون القول "واحد أحد" يعني أنه متفرد عن الأشياء ومنزه عنها وأنه الأسبق في الزمان والمكان, وليس وحدانية العدد.

    ونحن نؤمن بوحدانية الله الجامعة المانعة, وليس وحدانية مجردة, لأننا إذا قلنا بها نفينا عن الله الذات والصفات, والحال أنه ذات وله صفات. وإذا قلنا أنها مطلقة, افترضنا اتصافه بصفات لا علة لها ولا عمل. ونكون بذلك قد اسندنا إليه التغيير والتطور بدخوله في علاقة جسدية مع الكائنات التي خلقها وكل ذلك باطل.

    وهذا هو الدرس الثاني الذي أعلنه الله لنا من خلال الكتاب المقدس, ولهذا نحن نؤمن به, فوحدانية الله جامعة مانعة معلنة لنا في كلمة أقانيم. وقد أعلنها الله ونحن نؤمن بها لأنها قضية إيمانية, تسمو فوق إدراك عقولنا البشرية المحدودة, ولا ننس أن الله كلم البشر من جلال الكتاب المقدس باللغة التي يفهمونها, ولأن اللغة - أيضاً، محدودة بمحدودية الإنسان, فالتعبيرات اللغوية المستخدمة للإعلان عن الله, هي بالتأكيد قاصرة. ولكن هذا ما يستطيع الإنسان إدراكه عن الله, والحق يقال إن الإنسان لا يستطيع أن يدرك الله إلا في حدود ما أعلنه الله له.

    إن وجود الله ووحدانيته وثالوثه وتجسده أمور وإن كانت لا تناقض العقل, فهي تسمو عليه ونحن نؤمن بها حسب إعلان الله.

    وكما يقول الشيخ د. عبد الحليم محمود: "كل فكرة تصدر عن العقل لا عن الوحي, في عالم ما وراء الطبيعة, أي عالم العقيدة, إنما هي فكرة وثنية, أي أنها فكرة لا حق لها في الوجود, لأن عالم العقيدة، إنما هو من اختصاص الله يبينه على لسان رسله, وكل تدخل من الإنسان في هذا العالم, إنما هو تدخل فيما ليس للإنسان حق التدخل فيه, لأنه اقتحام لساحة مقدسة, لا ينبغي للإنسان أن يدخلها, إلا دخول الساجد الخاضع المسلِّم لما جاء به الوحي الإلهي".

    (مقالة تحت عنوان "إثبات وجود الله في الجو الإسلامي" مجلة الجديد. عدد 93 ن 1/4/1972 ص 6).

    ونحن نؤمن أن الله لم يلد ولم يولد, فالله روح والروح لا يتزاوج ولا يتناسل. وعندما نقول عن السيد المسيح إنه ابن الله, فهذه هي المفردات اللغوية المحدودة, والمقصود هو توضيح العلاقة الخاصة بين الله والسيد المسيح. إن الله منزه عن كل ما يعبر به البشر من تعبير مادي, وفي مقدمة ذلك موضوع التوالد والتناسل, ولكن في حدود عقولنا البشرية ومداركنا المحدودة وباللغة التي ندركها, كلمنا الله وعبر عن ذاته بالألفاظ التي نستعملها, ليمكن لأفهامنا أن تعيها.

    وإذا كنا نقول إن "الله على العرش استوى".

    ولا يعتبر هذا القول كفراً, أو شركاً, رغم أننا لا نستطيع أن ندركه.

    قال الإمام مالك "الاستواء معلوم والكيف مجهول, والسؤال عنه بدعة".

     وقال الإمام الغزالي:

كيف تدري من على العرش استوى
لا تقل كيف استوى كيف النزول
كيف يحكي الرب أم كيف يرى
فلعمري ليس ذا إلا فضول
فهو لا ابن له ولا كيف له
وهو رب الكيف. والكيف يحول
وهو فوق العقل لا فوق له
وهو في كل النواحي لا يزول
جل ذاتاً وصفات وسما
وتعالى قدره عما تقول

    لهذا نحن نؤمن بالله كما أعلن لنا ذاته من خلال الوحي في الكتاب المقدس إن الله أزلي أبدي, لم يلد فهو ليس بإنسان حتى يتخذ له زوجة أو صاحبة وإذا قيل إن لله ولد, فهو تعبير بلغة يفهمها الإنسان لتوضيح العلاقة الخاصة بين الله والسيد المسيح, وبالطبع لا تعني أن السيد المسيح هو ابن زواج الله من إنسية. حاشا لله.

    ملحوظة:

    الصمد: إن كلمة "صمد" في العربية هي من الأسماء الحسنى, كلمة محيرة لأنها جامدة, لم تشتق من فعل, ولم يشتق منها فعل, ولا صلة لها بالهومونيم "صمد" "يصمد" وهي مورفولوجيا ثابتة. الاسم فيها هو الصفة والصفة هي الاسم. وهي غامضة المعنى, نادرة الاستعمال, وأشهر استعمال لها في الصمدية

    ثلاثة: باللغة المصرية القديمة = خمت.

    وطبقاً لقوانين الفونوطيقيا "خمت" المصرية = صمد العربية.

    "قانون خ الحامية = س السامية". فإذا كان الأمر كذلك كان معنى الصمدية: الثالوث أو الثلاثة (فقه اللغة العربية. د. لويس عوض صفحة 306).

    أي أن:

    الله أحد: أي أنه المنزه عن الأشياء, والأسبق في الزمان والمكان.

    الصمد: أي أنه ثالوث.

    لم يلد: نقي الولادة الجسدية.

    لم يولد: أي ليس له سابق, بل واحد الوجود.

    لم يكن له كفؤا أحد: أي ليس له مثيل أو شبيه وهو ما يؤمن به المسيحيون.

الصفحة الرئيسية