الرسالة الثانية

 

أخي القارئ الكريم، أختي القارئة الكريمة

 

هذه هي رسالتنا الثانية لك، آملين أن تكون سبب بركة لك. وفى الرسالة الأولى عرفنا أن القرآن يشهد لسلامة كل من التوراة والإنجيل من التحريف، وتعرفنا في لمحة سريعة حول شخصية المسيح يسوع في القرآن. واليوم نتناول وحدانية الله وبنوة المسيح يسوع لله ومعناها الروحي، وهناك من يدّعى أننا نؤمن بثلاثة آلهة، ولكن الآية القرآنية التالية تدحض هذا الإدعاء: "ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن... وقولوا آمنا بالذي أُنزل إلينا وأُنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد" (العنكبوت 46) ففي هذه الآية يُثبت القرآن أن أهل الكتاب يؤمنون بالله الواحد الذي يؤمن به المسلمون أيضاً، فما هو السر وراء بعض الآيات الأخرى التي تريد إثبات عكس ذلك، ومنها على سبيل المثال: "لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد" (المائدة 73) أو "إذ قال الله يا عيسى بن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله" (المائدة 116)، أو "بديع السماوات والأرض أنّى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة" (الأنعام 101) وهذه الآيات تستنكر أن يكون هناك ثلاثة آلهة أو أن المسيح أمر الناس بعبادة أمه مريم وتستنكر أيضاً أن يكون لله عز وجل صاحبة يُنجب منها أولاد. والعجيب أن المسيحيين المؤمنين يستنكرون هذه الأشياء أيضاً، فنحن نؤمن أن الله واحد، والآيات التالية من الإنجيل تؤيد هذا الكلام: "فأجابه يسوع أن أول كل الوصايا هي اسمع يا إسرائيل الرب، الرب إلهنا رب واحد وتحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك ومن كل قدرتك، هذه هي الوصية الأولى" (إنجيل مرقس 12: 29)، "لأن الله واحد" (روميه 3: 29)، "أنت تؤمن أن الله واحد. حسناً تفعل" (يعقوب 2: 19.(

والمسلمون يفهمون المسيحيين بطريقة خاطئة فنحن نؤمن أن الله واحد في ثلاثة أقانيم، الآب والابن والروح القدس. وكلمة الابن لا تعنى الولادة الجسدية ولكن الروحية، وعندما يقول القرآن "ابن السبيل" لا يعنى بذلك الولادة الجسدية، كذلك تعبير "ابن الوطن" أو "ابن العلم"...ولعل الآية القرآنية التالية توضح معنى الثالوث: "إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه" (النساء 171)، فالله مذكور مع كلمته وروحه القدس، وهذا ما نقوله نحن المسيحيين، فليس هناك عاقل يدعى أن المسلمين في هذه الآية ينادوا بثلاثة آلهة بل بإله واحد الله وكلمته وروحه وهذا هو الإيمان المسيحي أيضاً أي الله الآب والابن والروح القدس. والآية القرآنية التالية تعود فتؤكد أن أهل الكتاب يؤمنون حقاً بالله الواحد: "من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله إناء الليل وهم يسجدون، يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات" (آل عمران 113 : 114).

ومن المستحيل أن يدرك العقل المحدود الإله غير المحدود، والكتاب المقدس يقول: "أإلى عمق الله تتصل أم إلى نهاية القدير تنتهي. هو أعلى من السماوات فماذا عساك أن تفعل، أعمق من الهاوية فماذا تدرى" (أيوب 11: 7-8)، وأيضا: "يا لعمق غنى الله وحكمته وعلمه وما أبعد أحكامه عن الفحص وطرقه عن الاستقصاء، لأن من عرف فكر الرب أو من صار له مشيرا" (رومية 11: 33-34). ويحتاج الأمر إلى إعلان إلهي أو ما يطلق عليه اسم الإشراق الإلهي. إن الله مستعد أن يعلن لك عن نفسه، فالمسيح يسوع في صلاته قال: "أحمدك أيها الآب رب السماء والأرض لأنك أخفيت هذه عن الحكماء والفهماء وأعلنتها للأطفال" (متى 11: 25)، والمقصود بالأطفال هنا هم الناس البسطاء، وذلك بخلاف الذين يريدون أن يدركوا الله بالعقل.

 

واليك في النهاية هذه القصة القصيرة بعنوان "الصراط المستقيم"، ونأمل أن تحوز إعجابك وتكون دافعا لك للتفكير في حياتك الأبدية.

 

الصراط المستقيم

مقدمة

 

 

أنتمي إلى عائلة دينية صوفية  في العراق ينتهي نسلها إلى الحسن بن علي بن أبي طالب حفيد نبي الإسلام محمد.

جدي لأبي كان ملا فخليفة لشيخ طريقة. وظيفة الملا هي أن يقوم بتدريس العلوم الدينية للطلبة الصغار السن وهذه العلوم هي القرآن والشريعة. ومن وظيفته أيضا أن يقوم مقام القاضي في القضايا الشرعية، وفي إمامة الصلاة والخطابة والوعظ يوم الجمعة.

ارتقى جدي مراتب روحية عديدة جعلته أهلا لأن يصبح خليفة لشيخ الطريقة في منطقته وكان الشيخ يمت له بصلة قرابة.

ابتعد والدي علن الجو الديني للعائلة وخالف رغبة والده  في أن يصبح ملا هو الآخر.

حيث أن أغلب أجدادنا كانوا يعملون إما ملالي أو شيوخ طرق. التحق أبي بالكلية العسكرية وصار ضابطا في الجيش العراقي.

 

 

طفولتي وشبابي

 

لم يكن أبى من المحافظين على الصلاة أو الصيام . وبالذات بعد أن توفى جدي. ولكن ما كان يقصه عليّ عن ورع جدي وتقواه جعلني متشبث بصورة هذا الجد الشيخ ذو اللحية والعمامة البيضاء. كنت على اتصال وأنا صغير بباقي أقربائنا الذين مازالوا ينهجون في الطريق الصوفي الذي اختطه لنا أجدادنا. ووجدتني متأثر وأنا في سني الصغيرة بهذا الجو الروحي.

ابتدأت في ممارسة فرائض الإسلام وأنا ما زلت صغير قبل سن البلوغ الشرعي. وكان والدي يسخر من هذا الطفل الصغير الذي ابتدأ يلتزم بفرائض الإسلام وهو مازال تحت سن الرخصة. ولكن هذا لم يفت في عضدي فظللت على نهجي. كان أول دعوة قمت بها هي إقناعي لوالدتي بضرورة الانتظام في الواجبات الدينية وارتداء الحجاب.

تعلمت على يد أقاربي الشيوخ القرآن والسنة والفقه والتصوف. بعد فترة من وجودي معهم ابتدأ عقلي يرفض ما يفعلون مثل غرز سيخ حديد في الخد وإخراجه من الجانب الآخر والتواجد (وهو تمثيل حالة الوجد التي يصل فيها المريد إلى مكاشفات ربانية).

وجدت أن كل هذا لم يكن معروف على أيام النبي ولم يُسجل في السنة النبوية. ألح على الحديث النبوي (كل بدعة في النار). فوجدتني ارفض قيم هذا المجتمع لاعتبارات فقهية وهى أنهم مبتدعين في الدين. شكّل فكري السني الجديد شيخ الإسلام ابن تيميه وابن القيم الجوزية. سعيت بكل إخلاص أن أسير على النهج السني الخالص بمعنى آخر صرت سلفي. اجتذبتني التيارات الوهابية الحديثة التي بدأت تظهر في العراق على حياء. حيث أن الدين أو التحدث فيه أمر غير مرغوب فيه في بلدنا.

وغالبا ما تجد المسجد فارغا في الصلوات الخمسة إلا من الإمام وبضعة مصلين لا يتجاوزون عدد أصابع اليدين. أغلبهم من المسنين والمتقاعدين. لم يكن هناك فتية وشباب كثيرون لذا وجدت كل تشجيع من شيخ الجامع السني. واجتذبني علم هذا الشيخ الذي يحمل لقب دكتور في الشريعة. وابتدأت أتعلم على يده في حلقة دراسية يومية بعد صلاة المغرب حتى صلاة العشاء.

كانت مكتبة الجامع تحتوي على كتب قيمة للغاية أثرت فكري وتعطشي في البحث عن أقوم الطرق لله.

في ذلك الوقت اكتشفت بعض المؤلفات الهامة في علم الكلام مثل الفرق بين الفرق، وعدد من المؤلفات في علم الكلام للأشعري والغزالي والخياط وابن تيميه وغيرهم.

وابتدأت أقرأ بشغف متعرفا على باقي الفرق الإسلامية الكبرى: أهل السنة والجماعة، والشيعة، الخوارج، المرجئة، والمعتزلة. كما بدأت في دراسة باقي الأديان الكبرى مثل المسيحية واليهودية.

 

 

الجدال مع المسيحيين

 

وابتدأت في هذه السن في مناقشة باقي الفرق والأديان التي أرى فيها البطلان مثل الشيعة، الصوفية والمسيحيين. لم يكن من الصعب علىّ أن أكيل الاتهامات للصوفية والشيعة، حيث أن هناك شئ مشترك بيننا وهو الإيمان بأن لا إله إلا الله وبنبوة محمد وبقدسية القرآن. ولكني حقا فشلت في إقناع المسيحيين لأنهم يرفضون نبوة محمد وقدسية القرآن.

في تلك الأثناء بدأ عقلي الباحث عن الحقيقة ينضم إلى جانب المعتزلة. وأول ما آمنت به هو مقولتهم الشهيرة بأن القرآن مخلوق (أي أن الله خلق القرآن مثل ما خلق أي شئ آخر) ورفضهم أن يكون لله أي شبيه (ليس كمثله شئ) (فاطر 11). لم يستطع شيخ الجامع أن يجيب على أسئلتي العديدة إلا بابتسامة. لا أدري حتى الآن لماذا؟ فقط قال لي: ستدخل قسم الفلسفة يا بني. وتحققت نبوءته بعد هذا.

أصبحت أصول المعتزلة الخمسة هي مبادئ إيماني وهي:

1.             العدل (بأن الله أعطى الإنسان إرادة حرة في الاختيار)

2.             التوحيد (تنزيه الخالق من كل صفة جسدانية أو تشبيهية مثل أن يكون له يد "يد الله فوق أيديهم").

3.             المنزلة بين المنزلتين (فاعل الكبيرة هو فاسق وليس بكافر أو مؤمن، وهو أول أصل أدى إلى انشقاقه عن وحدة الصف وتلقيبهم بالمعتزلة).

4.             الوعد والوعيد (الوعد بالجنة والوعيد بالنار)

5.             الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (الخروج على طاعة الحاكم الجائر وهو أمر يرفضه أهل السنة "وأطيعوا الله ورسوله وأولوا الأمر منكم").

 

لم يكن هذا فقط ما آمنت به، فقد وجدت عدد كبير من الأفكار المعقولة لديهم مثل: انتهاء معجزة التحدي القرآني "فأتوا بسورة من مثله" البقرة 23، هذه المعجزة كما يقول النظام قد انتهت بموت النبي، حيث أن الله صنع معجزة بأن منع العرب من أن يأتوا بمثله وهم قادرون عليه، لا لأن القرآن أبلغ ما كُتب في العربية. وجدت هذه الفكرة مقبولة أكثر لديّ، لأني أنا نفسي شككت في هذا، إذ أنه من السهل على أي شخص ذو علم أن يأتي بمثل القرآن كما قال د. طه حسين.

في خضم هذه التحولات الفكرية الكبيرة لدىّ، ابتدأت بدعوة المسيحيين إلى الإسلام وحيث أني فشلت لجهلي بالمسيحية، بدأت في دراسة ما يقع تحت يديّ من كتب مناوئة لهم. أذكر أني تأثرت للغاية بكتاب د. مصطفى محمود "التوراة". وجدتني أسعى بشتى الطرق كي أحصل على الكتاب المقدس، كي يكون لديّ كتاب المسيحيين فأستطيع أن أبارزهم بكتابهم. وحصلت على نسخة، وبدأت أقرأ كتابهم بنهم شديد وسخرية. بدأت بالجدال مع بعض الأصحاب المسيحيين الجهلاء بدينهم، فأصبت منهم ما أريد. إذ أوقعتهم في حيرة أرضت غروري، ولكن هذا لم يمر مرور السحاب، إذ أني كنت مصمما على جرهم إلى حظيرة الإسلام.

 

 

حواري مع القسيس

 

ابتدأ هؤلاء الفتية يسألون أهلهم، أسئلة حادة أزعجت الأهل، فاضطروا إلى أن يرجعوا إلى قسيسهم. طلب هذا القسيس من أهل هؤلاء الفتية إحضاري وإحضار أبنائهم، وهو كان يهدف إلى إحراجي وإفحامي أمام هؤلاء الفتية كي يرجع لهم ثقتهم في دينهم. وابتدأت ألقي بما ظننت أنه كافي لتدمير المسيحية من جذورها. كما كانت دهشتي عندما وجدت هذا القسيس يرد علىّ بكل ثقة وهدوء، ويجيب أسئلة ظننت أن لا رد لها. وعندما وجدت أنه سيفحمني بدأت أكيل الاتهامات الغير عاقلة التي يلقيها المسلمون مثل: أنتم المسيحيون غيّرتم كتابكم! أنتم تعرفون بأن محمد مذكور لديكم! أنتم تعلمون أن القرآن من عند الله! كيف تؤمنون بأن الله له ابن، وهكذا...

أجاب هذا الشيخ الجليل بكل محبة وصدر رحب على أسئلتي العجيبة. وطلب مني أن أعود إليه إن شئت الاستئناف. خرجت من عنده وأنا في قمة الإحراج، وضحكات التهكم على شفاه الشبان الذين أتعبتهم لفترة بسهامي.

عدت إلى بيتي وأغلقت غرفتي علىّ، وبقيت بين كتبي ومراجعي وابتدأت أقرا كل الكتاب المقدس. أنهيته في بضعة أسابيع، وعدت إلى القسيس حاملا أسئلتي وجلسنا نتناقش بهدوء. أجابني على كل ما رأيت أنه ينقص المسيحية وينزل بها إلى مستوى أدنى من الإسلام. وأعطاني بعض الكتب التي توضح لاهوت المسيح. شرح لي فكرة الثالوث ممثلا إياها مثل قرص الشمس ونورها وحرارتها.وأنها مظاهر نابعة من الشمس ولكنها أيضا صفات واجبة الوجود فيها. وعندما أدرك إلمامي بالفلسفة ابتدأ يحدثني عن صفات الله كما يراها المسيحيون.

قال لي: ما هي في نظرك صفات الله الأصيلة؟

فقلت له: الوجود، العلم، الحياة، القدرة.

قال لي: أوافقك على الثلاثة الأولى، ولا أوافقك على القدرة.

قلت له : لماذا؟

أجابني: بأن القدرة هي قدرة الله على الخلق وهي ليست بصفة واجبة الوجود في الله.

حيث انه من الممكن أن يكون موجودا من غيرها.

هززت له رأسي بالموافقة. فأكمل قائلا: قلت بأن الله موجود وهو ما نطلق عليه اسم الآب. وقلت بأنه ذو علم ودعني أصوغها في كلمة أخرى وهى العقل، أن الله عاقل ، وهذا العقل نسميه بالابن اللوغوس الكلمة يسوع المسيح. فيسوع هو عقل الله الناطق أو نطق الله العاقل.

تذكرت وقتها مشكله خلق القرآن وقول أئمة السنة بأن القرآن كلام الله وكفى. وكيف أن المعتزلة أجابوهم بأن الله لا يتكلم بلسان.

قال لي: أما صفة الحياة فنسميها بروح الله القدوس، والروح في الإنسان هو سبب حياته، كذلك الحال في الإنسان. وهكذا لا نستطيع أن نقول بأن الله موجود وعاقل ولكن بلا حياة. ولا بأن الله موجود وحي ولكن بلا عقل، ولا عاقل و حي ولكن بلا وجود.

ألست أنت نفسك مركب من جسد ونفس (عقل ) وروح؟! لو فقدت واحد منهم لانتفى سبب وجودك وفقدت خاصية الوجود.

أذهلني ما قاله لي القسيس. فأجبته بحدة: ولكنكم تقولون بأن عيسى ابن الله؟ كيف هذا هل ولده الله، وهل الله يلد؟

أجابني: نعم الله ولده (فابتسمت لإحساسي بالظفر به ) كما أن العراق ولدك؟ ألست ابنا للعراق؟! هل يعنى هذا أنك ابن جسدي للعراق ؟!

قلت له محتدا: حسنا ولكنكم تقولون بأن الله صُلب؟! كيف تصلبون الله؟! هل الله يموت؟! ولو مات لانتفى وجوده.

قال لي: الذي صُلب هو الأقنوم الثاني لله. الله الابن أو الكلمة هو الذي مات. مات الجسد الذي اتحد به وانطلقت الروح الإلهية إلى الهاوية صارعت وصرعت الموت،  لأنها ذات إلهية فهي قادرة على الانتصار أما ذوات الأبرار الآخرين فلم تقدر على أن تقوم من الأموات لأنها لا تملك قوة الله.

الذي صُلب على الصليب هو يسوع. الإنسان والإله. والموت هو انفصال الروح عن الجسد. الجسد إلى العدم والروح. إلى مكان الانتظار. فالروح هي هبة إلهية.ألم ينفخ الله في آدم من روحه؟ إذن يسكن فيك روح من الله. هذه الروح لا تذهب إلى العدم بل إلى الهاوية، حيث تنتظر على رجاء القيامة. والذي حدث أنه كان يجب أن ينزل الله إلى الهاوية لأنه هو خالقه وهو الوحيد القادر على الخروج منه مرة أخرى. فبهذا يُخرج أرواح الأبرار منه ويعلن فتح باب الفردوس الذي ارتجته أرواح الأنبياء والأبرار. وبعد انتصار الله عاد إلى دنيانا وقام كي يبشر أيضا الأحياء. فهو قد بشر الأموات والأحياء على السواء برجاء القيامة.

وحيث انه إله فكان يجب عليه أن يعود من حيث أتى بعد أن أدى مهمته. عليه أن يعود إلى السماء موضع عرشه.

ولكن لماذا كل هذا؟! سألته متعجبا.

قال لي: بأن الذنوب التي يقترفها الإنسان مميتة. حيث أن كتابنا يعلمنا بأن أجرة الخطية هي موت. وحيث أن ولا واحد فينا صالح و كامل، اقتضى عدل الله عقابنا. ولكننا هكذا سنفنى كلنا. وحيث أن رحمة الله ومحبته كبيرة اقتضى بأن يُضحي من أجلنا بقربان مقبول لديه. قربان بلا دنس ولا عيب، فتجسد في هيئة البشر من أجل أن يضع على نفسه إثم كل وحد فينا إذا آمنا بعمله الكفاري على الصليب.

 

 

هل أنت واثق؟

 

سألني فجأة: هل أنت واثق بأنك ستدخل الجنة بأعمالك الخيرة وحدها؟!

قلت له: الله وحده أعلم. ربما قبل أن أموت بدقيقة أصنع ذنبا ولا أجد وقتا للتوبة وأذهب إلى جهنم، كلا لست متأكد من أني سأدخل الجنة حتى أدخلها. سأظل أجوز الصراط برعب وقلب خائف حتى أعبره كله.

قال لي: ولكني أنا متيقن من دخولي الجنة.

قلت له: ومن أين لك هذه الثقة العجيبة؟

أجابني: من كتابي المقدس. وقرأ علىّ: لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية (يوحنا 3: 16).

أجبته: ولكن كتابكم محرّف؟! هذا ما يقوله كتابي؟

قال لي: كل دين جديد يريد أن يكون له مبرر فأنه يجب أن يتهم الدين الذي يسبقه بشيء كي يصبح لوجود الدين الجديد سبب. فإذا أدعى صاحب هذا الدين بأنه قد تُنبأ به في كتابين لدينين سابقين. وحيث أنه لا يجد أي إشارة له في هذه الكتب تجده مضطرا إلى القول بأن هذه.الكتب قد غُيرت وحُرفت من أجل أن لا تثبت نبوته. وهو اتهام سهل من الممكن أن تلقيه على غيرك، ولكن لا تقدر أن تثبته. لماذا لم يٌثبت محمد لليهود أنهم قد غيروا كتابهم؟! لماذا لم يُنزل عليه إلهه التوراة والإنجيل من عنده كي يُفحم بها اليهود والنصارى؟! أم أن الله نسى أن يحتفظ بنسخة؟! إلى جانب ذلك، أي ذو ضمير ودين سيغير كتابه بيده كي لا يجعل نبواته تنطبق على شخص بعينه؟! بالأحرى أن اليهود والنصارى كانوا سينتظرون هذا الموعود كما ينتظر الحبيب محبوبته، بشوق وتحرق.

قلت له:القرآن يقول: الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذين يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل.الأعراف157.

قال لي: أن اليهود ينتظرون المسيح (المسيّا). ومحمد لم يقل لهم أنه المسيح. والنصارى تنتظر المجيء الثاني للمسيح. ومحمد لم يقل لهم أيضا أنه المسيح.

بل قال لليهود بأنه النبي المنتظر المكتوب عندهم في التوراة. واليهود ينتظرون مسيحا ملكا من نسل داود ومحمد ليس من نسل داود وليس بملك.

وقال للنصارى أنه هو النبي المنتظر، وهم لا ينتظرون نبي بل مسيحا ملكا منتصرا يأتي من السماء. في كلتا الحالتين كان اليهود والنصارى ينتظرون ملك وليس راعي غنم لا يعرف أصلا ما هو المكتوب في كتبهم المقدسة. ويدعي مثل هذا الإدعاء الخطير. بلا أدنى دليل أو سند سوى شهادته انه يتلقى وحيا من الله لا يراه أحد غيره،  بلا معجزة سوى القرآن الذي هو ليس بمعجزة كافية أبدا.

خرجت مذ هذا النقاش متعبا متسائلا أين هو الحق؟! بقيت سائرا في طريق الحياة أدرس الكتاب والقرآن. وحدث أن توفي هذا الشيخ الجليل الذي بذر في داخلي أول بذور المسيحية.

بدأت حدتي تخف، وبدأت أرى العلامات التي تدل على أن المسيح سيتألم ويموت من خلال دراستي للعهد القديم، بل رأيت نبوات بأن هذا المسيح المُنتظر سيُدعى إلها كما يقول أشعياء :لأنه يولد لنا ولد و نُعطى ابنا وتكون الرياسة على كتفه ويُدعى اسمه عجيبا مشيرا إلها قديرا أبا أبديا رئيس السلام (أشعياء 9: 6).

 

 

من أنت يا سيد؟

 

ولكني رفضت أن أتحول إلى المسيحية. وفي يوم من الأيام حدث حادث كان هو القشة التي قسمت ظهر البعير. كنت نائما ورأيت رؤيا:

رجل ملتح بلا عمامة يتحدث إلىّ قائلا: يا بني، لماذا تهاجم خرافي؟!

قلت له: من أنت يا سيد

قال:أنا يسوع المسيح

فأجبت خائفا: أنا لا أهاجم خرافك يا سيدي بل أحاول أن أعيدها إلى الصراط المستقيم.

فقال لي: وما أدراك أنك أنت على الصراط المستقيم؟! أنا هو الصراط المستقيم.

صحوت فزعا. يا ترى هل رأيت حقا يسوع المسيح؟! تذكرت وقتها حديث عن محمد مضمونه (لا أذكره. حرفيا): من رأى منكم نبيا في منام فإنه يراه حقا، فالشيطان لا يتمثل بصورة الأنبياء وما يقول لك عليك أن تطيعه.

قد يعترض بعض المسلمين هنا بأن هذا الحديث حديث ضعيف أو مفرد. وإنه لم يرد في البخاري أو مسلم. في ذلك الوقت لم أكن بحاجة إلا إلى أي سبب واهي كي أترك الإسلام حيث أن ارتباطي به لم يعد إلا ارتباط شكلي. حقيقة أن الحديث هذا كان كافيا لنزع ما تبقى من تعلق بالإسلام في صدري. أطيع محمد؟ إذن علىّ أطيع عيسى؟ وهو يقول بأني لست على الطريق السليم. لا أطيع عيسى؟ إذن فإني لن أطيع محمد؟ وهكذا أكون قد تركت الإسلام. كانت لدىّ مبررات كافية ومقنعة في ذلك الوقت لهجر دين يروي ظمأي الروحي للعثور على الله. وحتى عندما أدركت بأن هذا الحديث من الممكن ألا أعول عليه. إلا أني كنت متيقن من عدم وجود أي حيز للإسلام في صدري. حيث أني عندما تركت الإسلام بسبب هذه الرؤية أو الحلم لم أدخل المسيحية، أبدا بل شكرت يسوع لأنه حررني من كل ارتباط بالإسلام وبالدين.

بإمكاني الآن أن أعربد وأعيث في الأرض فسادا لأني قلت في قلبي ليس هناك إله. أشكر داود لأنه كتب بالوحي في الزبور (المزامير 14: 1) واصفا إياي في تلك الفترة بالجهل "قال الجاهل في قلبه ليس هناك إله".

 

 

هربي من بيتي وبلدي

 

في تلك الفترة قُتل أبي في حادث بدا لي طبيعيا، ولكن بعد فترة قصيرة رأيت رؤية أخرى قال لي يسوع فيها: أترك الآن بيتك وبلدك أهرب الآن.

صحوت فزعا من هذا الحلم العجيب، فلا يوجد مبرر منطقي يستدعي هربي من بيتي وبلدي، فأنا من عائلة توالي الحكومة ويُؤخذ منها ضباط المخابرات والأمن وكل مركز حساس في البلد. لسنا شيعة ولسنا أكراد، ولسنا معارضين للحكومة. غير أني أتمتع ببحبوحة في العيش بعد أن ورثت من أبي مبلغ كبير من المال، حوالي المليون دينار عراقي، أي ثلاثة مائة ألف دولار أمريكي بسعر السوق السوداء في ذلك الوقت. لم أجد أي مبرر، ولكن الصوت كان يرن داخلي، كان قويا للغاية، بحيث أجبرني على إطاعته. وضعت بعض الملابس القليلة في حقيبة صغيرة وأخذت ما توفر من مال في البيت. ولم أوقظ والدتي. ذهبت إلى المطار واشتريت تذكرة إلى بلد عربي تنتمي أمي له ولي فيه أقارب. وركبت الطائرة باكرا ذلك اليوم، وفي الطريق وأنا في الطائرة ابتدأت أفيق مما حدث. سألت نفسي: هل أنا أحمق؟ لماذا أهرب من بلدي؟ هل هناك شئ فعلته؟ لا شئ. على العموم أشكر يسوع، هذا إذ أنعم علىّ بإجازة مفاجئة. ارتسمت على شفتاي ابتسامة شريرة وابتدأت أخطط للركض وراء الذنوب والمعاصي وإرضاء الملذات عندما أصل.

 

 

أحبك وأريدك لنفسي

 

عندما وصلت إلى بيت أهل والدتي تذكرت أني خجلت أن أقول لوالدتي أني ذاهب إلى بلدها، لعدم وجود مبرر. اتصلت بها، وقلت لها لا تقلقي، سأعود بعد أسبوع.

قالت لي: لا تعود... لقد أتى بعض رجال الأمن هنا اليوم وقلبوا البيت رأسا على عقب، وقالوا لي بأن والدك أخفى مستند عسكري هام وأنه قد أُغتيل بسببه؟؟؟ (لم أكن أعرف أن والدي قد أُغتيل حتى هذه اللحظة). هم أتوا كي يقبضوا عليك، حيث أنهم يعتقدون أنك تعرف أين هو. (بالطبع لا أعرف لأن والدي لا يتكلم معي في مثل هذه المواضيع).

ملاحظة: لم يلقي أحد القبض على والدتي لأنها كانت تعمل في سفارة بلدها.

ما الذي يحدث؟؟؟ ابتدأت أحس بهبوط مفاجئ في الضغط وبدوران، كيف هربت من أيدي هؤلاء؟ إنهم لم يكونوا بالطبع سيستجوبوني بلطف، فالاستجواب في العراق يترافق مع التعذيب كروتين. ناهيك عن أن الموت أهون بكثير من الوقوع في قبضة هؤلاء السفاحين.

كيف نجوت؟ من نجاني؟ ومن يعرف المستور والغيب غير الله؟

الذي أمرني بالهرب هو يسوع؟ إذن هو الله؟ لأنه عرف المستور؟ اطلع على الغيب فأراد أن تكون لي حياتين، أن أحيا جسديا وأن أحيا فيه روحيا.

ولكن لماذا كل هذا العذاب يا رب؟ لماذا تهتم بشخص مثلي؟ وجدت صوت داخلي يخبرني: لأني أحبك وأريدك لنفسي فهلا أتيت؟

بدأت في البكاء لهذه المحبة الغامرة التي لا تنبع إلا من قلب الله المحب. وأعطاني الله ينابيع بكاء كثيرة في ذلك اليوم، حتى أني لما أتذكر هذه اللحظات أجد عيناي تدمع. وجدت نفسي أعترف به كإله ومُخّلِص. سلمته زمام حياتي وقلت له: يا رب آتي إليك رغم كل المصائب، رغم الموت الذي ينتظرني لقراري هذا. أنت الذي أنقذت عبدك من الموت بالعذاب، كي تُخّلص روحه أيضا. أنا مديون لك بحياتي، فهي ملك لك منذ الآن، سامحني لأني أخطأت في حقك كثيرا.

بعد أن أفقت من الإغماء الطويل الذي سببه هبوط ضغطي والبكاء. أحسست بشيء عجيب، سلام غريب ، وفرح كثير؟؟ ما هذا يا رب ؟ من أين أتت هذه الأحاسيس. أجابني صوت الرب من داخلي: هذه عطيتي التي أعطيتها للمؤمنين بي. منذ الآن لا تفارقك نعمتي السلام والفرح ألا إذا فارقتني.

لا يا رب لن أفارقك أبدأ، لم يحدث في حياتي أن اختبرت سلام وفرح مثل هذا. عندما كنت مسلم وكنت أصلي كنت أشعر بالخوف والرعب من أني سأحرق بنار جهنم .لا يا رب لن أعود إلى الخوف، نعمة سلامك أجمل وأفضل. سرت مع المسيح بعد ذلك دائما. ولكني في حداثة إيماني حزنت لأني فقدت كل ما أملك حيث أن الحكومة صادرته وصرت فقيرا . ولكن بعد فترة قصيرة أراني الله ماذا كان سينتظرني من فقر أشد لو بقيت في العراق . حدث أن احتل العراق الكويت وان هبط الدينار العراقي بأبشع صورة وأصبحت الثلاثمائة ألف دولار التي كنت أتحسر عليها . لا تعادل سوى ثلاثمائة دولار. ركعت أمام الرب شاكرا نعمته. لأنه علمني درسا وهو أن لا أتكل على فهمي وحكمتي. بعد فترة طويلة تمتد إلى سنين، اكتشفت بعض الجماعات الإسلامية تنصري، وضيقت علىّ الخناق، إما الإسلام أو القتل لأني مرتد.

حاولت الاحتماء منهم بإبلاغ السلطات الأمنية، إلا إني سقطت في مشكلة أخرى، حيث أن مثل هذا العمل (ترك الإسلام) يُعد جريمة بحد ذاتها. سجنوني لفترة وأخذوا هم أيضا يضيقون علىّ محاولين معرفة من هم الذين بشروني، ومن أعرف من المتنصرين، ومن عمّدني، وإلى أي الكنائس أذهب.

لكوني أجنبي ارتأوا أنه من الأفضل كي لا يقعوا في مشكلة أن أغادر البلد. وأمروني أن أترك البلد خلال شهر.

الرب دبر لي تأشيرة دخول إلى بلد آمن، وأعيش الآن باحثا عن ملجأ لي، حيث أنه لم يُبت في قضية لجوئي بعد. لكن الرب حنون وودود هو. لم يتركني يوما من غير متطلباتي الحياتية اليومية. شكرا لك يا من أنقذت نفسي من شرك الأنبياء الكذبة. لأنك أعتقت روحي كي تكون لك خالصة.

 

 

الخاتمة

 

والآن يا أخي ويا أختي... بعد أن قرأتم قصتي، هل تريدون أنتم أيضا أن تُعتقوا من عبودية مرة؟ العبودية لأديان الناس التي لن تخلصوا بها؟ إن المسيح هو الطريق والحق والحياة.

إنه يمد يداه التي ثقبتهما خطاياك، أنت بالذات، كي تأتي إليه. فهلا أتيت.

 

أخوكم

أثاناسيوس (خالد) عبد الرحمن

 

 

قال السيد المسيح:

 

تَعَالَوْا إِلَيَّ يَا جَمِيعَ الْمُتْعَبِينَ وَالثَّقِيلِي الأَحْمَالِ

وَأَنَا أُرِيحُكُمْ

اِحْمِلُوا نِيرِي عَلَيْكُمْ وَتَعَلَّمُوا مِنِّي

لأَنِّي وَدِيعٌ وَمُتَوَاضِعُ الْقَلْبِ

فَتَجِدُوا رَاحَةً لِنُفُوسِكُمْ

لأَنَّ نِيرِي هَيِّنٌ وَحِمْلِي خَفِيفٌ

 

(الإنجيل حسب متّى 11: 28-30)

 

حضرة القارئ العزيز، حضرة القارئة العزيزة، انه ليُسعدنا تلقى آرائك وأفكارك حول هذه القصة القصيرة، وإذا كان لديك أسئلة أو استفسارات برجاء إرسالها على العنوان التالي:

 

 

 

النادي العربي

دعوة لمعرفة يسوع المسيح

 

A.S.

Postfach 66

A-6854 Dornbirn Messepark

Austria النمـســـا

 

www.arabic-club.de

info@arabic-club.de

 

 


Up الرسالة الأولى الرسالة الثانية الرسالة الثالثة الرسالة الرابعة

Back Up Next