مدخـل إلى العقيدة المسيحية

مقدمة

الفصل الأول فى دستور الإيمان.
  دستور الإيمان النيقاوى القسطنطينى
أولاً تلاوة دستور الإيمان جزء لا يتجزأ من القداس الإلهى
ثانيًا دستور الإيمان يؤكد وحـدة الكنيسة
ثالثًا وحدتنا فى الإيمان ملتصقة بالمحبة
رابعًا الالتزام الشخصى " أؤمن"

الفصل الثانى الإيمان بالله الخالق.
1ـ فى الإيمان
تحـديد الإيمان
الإيمان يختلف عـن المعـرفة العـقلية البحتة
أ ـ لأن الله لا يحـويه العـقـل
ب ـ لأن حقيقة الله لا تفـرض ذاتها عـلى الإنسان
ج ـ لأن الإيمان اعـتراف بالوجـود الشخصى لله
الله يكشف ذاته لنا فيجعـل الإيمان ممكنًا
أسئلة
2 ـ الله يكشف نفسه لنا
الله يكشف ذاته لنا من خـلال الخليقة
أ ـ إرتباط كل ما فى الكون بأسباب
ب ـ نظـام الكـون
الجسم الإنسانى
غـرائز الحيوانات
ج ـ عطش الإنسان المطلق
الله يكشف ذاته لنا بالوحى الإلهى
أسئلة
ملحـق (1)
ملحـق(2)
3 ـ الإيمان والحياة
الإستعـدادات الضـرورية لإقتبال كشف الله
الإيمان لا يكتمل إلا بالحياة
أسئلة
4 ـ الإيمان والعـلم
هـل من تناقض بين الإيمان والعـلم؟
أ ـ لأن العلم والإيمان يعـملان عـلى صعـيدين مختلفين
ب ـ لأن معظم بناة العـلم الحـديث كانوا مؤمنين
ج ـ لأن الاختراعـات الحديثة لا تنفى سلطة الله
أسئلة
ملحـق (1)
  ملحـق (2)


الفصل الثالث الخلق والسقوط.
‏1ـ الخـلق والتطـوّر
‏ رواية الخـلق فى سفـر التكـوين ونظـرية التطـوّر‏
مراحـل التطـوّر‏
أ ـ تطـوّر المـادة‏
ب ـ قـفـزة الحـياة‏
ج ـ تطـوّر الحـياة‏
د ـ قـفـزة الفـكر‏
التطـوّر فى تعـليله الأخـير ومعـناه‏
أ ـ التطـوّر لا يعـلّل بمجـرّد الصـدفة‏
ب ـ التطـوّر لا يُعـلّل بفـعـل " الطبيعـة"‏
ج ـ نظـرة إيمانية إلى التطـوّر
أسئلة‏
  ملحـق
2 ـ خـلـق الإنسان
إرتـباط الإنسان بالطبيـعـة المـادية ‏
  الإنسان عـلى صـورة الله ومثـاله‏
تصميم الله فى اتحـاد الرجـل والمـرأة
أ ـ الجنسان متعـادلان ومكـملان أحـدهما للآخـر‏
ب ـ إتحـاد الجنسين يتم بالزواج الذى هـو صـلة عـميقـة وإرتبـاط نهـائى‏
أسئلة‏
3 ـ مقـاصد الله نحـو الإنسان
غـاية خـلق الإنسان‏
  تصميم الله الخـاص بالإنسان‏
أ ـ التنعم بتمام القـوى النفسية‏
ب ـ الخـلود‏
ج ـ السيادة عـلى الطبيعـة‏
د ـ الإنسان كاهـن الكـون‏
دور حـرية الإنسان‏
ملحـق
4 ـ السقـوط
أسئلة
5 ـ نتـائج السقـوط
أ ـ تصـدعـت وحـدة الإنسان مع ذاته‏
ب ـ تصـدعـت الوحـدة بين الإنسان والغـير
ج ـ تصـدعـت الوحـدة بين الإنسان والطبيعـة
أسئلة
‏‏6 ـ صـورة الله فى الإنسان بعـد الخطـيئة‏
أسئلة


الفصل الرابع ألوهـة الابن.
1ـ ألوهـة الابن
أسئلة
2 ـ شهادات من الكتاب المقدّس على ألوهة الابن
أ ـ فقد أطلق الكتاب المقدس على يسوع المسيح الأسماء الإلهية نفسها التى يطلقها على ‏الله‏
ب ـ وقد نسب الكتاب المقدس لابن الله الجوهر الإلهى نفسه‏
ج ـ وقد نسب له أيضًا الوحدة التامة مع الآب‏
د ـ أخـيرًا نسب الكتاب المقدس للابن الصفات والأعمال الإلهية
1 ـ الأزلية
‏2 ـ السلطة التشريعـية
‏3 ـ السلطة عـلى غفران الخطايا‏
‏4 ـ السلطة الإلهية عـلى الحـياة والموت‏
أسئلة‏
ملحق


الفصل الخامس التجسد.
أولاً غـاية التجسد‏
ثانيًا تهيئة التجسد‏
الناموس
الحوادث التاريخية
الأنبياء
ثالثًا التجسّد فى كتابات القديس كيرلس الكبير‏
1 ـ مفهوم كلمة " صار" فى عبارة " والكلمة صار جسدًا"
2ـ ما معنى كلمة" المسيح"؟
3 ـ كيف يجب أن نفهم " عمانوئيل"؟
4 ـ من هو يسوع؟
5 ـ لماذا دعى كلمة الله إنسانًا؟
6 ـ كيف قيل أن الكلمة أخلى أو أفرغ ذاته؟
7 ـ كيف يكون المسيح واحـدًا؟
8 ـ كيف يكون عمانوئيل واحـدًا؟
9 ـ ما هو هذا الاتحاد؟
أمثلة كتابية عن كيفية الاتحاد
أ ـ الجمرة
ب ـ سوسنة الأودية
ج ـ تابوت العـهد
10 ـ الله الكلمة واحد من اثنين لاهوت كامل وناسوت كامل
براهـين كتابية عـلى أن كلمة الله وإن كان قـد صـار إنسانًا إلا أنه ظل إله‏
‏11 ـ المسيح ليس الله لبس جسدًا, وليس كلمة الله الذى حلّ فى ‏إنسان, بل الله الذى تجسّد فعلاً حسب شهادة الكتب
رابعًا دور العـذراء مريم فى التجسد
 

الفصل السادس الفـداء.
1ـ الصلب
‏*بالصليب حطم المسيح حواجز أنانيتنا
‏* بالصليب أخذ المسيح عـلى ذاته خطيئتنا
‏* بالصليب انتصر المسيح عـلى الألم والموت بدخوله فيهما
‏* ملحق‏
2 ـ القـيامة‏
‏* القيامة فيض الحياة الإلهية فى إنسانية يسوع المنفتحة إلى الله بعطاء كامل
‏* القيامة تفجير لمملكة الموت بدخول سيد الحياة فيها‏
‏* ملحق‏
‏3 ـ إشتراكنا فى صليب الرب وقيامته
‏* تمسك الإنسان بأنانيته مخافة من الموت‏
‏* الكلمة المتجسّد الوحـيد الذى استطاع أن يتخـلى عـن تملك ذاته‏
‏* المسيح نائب عـن البشر أجمعـين‏
‏* إرادة الإنسان والخـلاص‏
* التوبة والأعـمال‏
1ـ محبة المسيح لنا‏
2 ـ ثقتنا بانتصار المسيح عـلى الموت‏
‏* الرب يعـين ضعـفنا‏
‏* إقـتبال الأسرار الإلهية‏
‏* التوبة المستمرة‏
4 ـ الفداء ومحبة القريب‏
‏* محبة الفادى لنا تلهم محبتنا للناس‏
‏* إن محبة الفادى لنا تعين نوعية محبيتنا للناس‏
أ ـ مبنية عـلى بذل الذات‏
ب تتجلّى بالمشاركة‏
ج ـ توجه الإرادة والعمل‏
د ـ مجانية, غـير مشروطة
هـ ـ موجهة بصورة خاصة إلى المتألمين‏
‏* من قيامة المسيح نستمد المقدرة عـلى محبة القريب‏
‏* ملحق
5 ـ الصعـود‏
‏*الصعود تتويج لعملية الفداء‏
‏* تلك هى السماء التى صعد إليها يسوع‏
‏* لكن يسوع صعد إلى السماء ليصعد البشرية معه‏
‏* لقد فتح لنا يسوع بصعوده طريق السماء
‏*الصعود لا يعنى إذًا هـروبًا من الأرض وواجباتها‏
‏* ولكن المسيحى يعلم أن تحوّله هو وتحوّل الكون لم يكتملا إلا عند المجئ الثانى فى نهاية الأزمنة
‏*‏ ولكننا ندخل هـذا الكـون المتجـدد منذ الآن‏‏


الفصل السابع الثالوث القـدوس
*ليس الثالوث فلسفة
‏*ما يُنسب للإنسان لا يُنسب لله
‏*الثالوث يتعدى العدد ‏
‏*موقف روحى صوفى ‏
‏*من هو إله المسيحيين؟ ‏
‏*الابن مولود من الآب والروح القدس منبثق من الآب ‏
‏*المعنى الأخير للثالوث ‏
‏*الثالوث متجلى الله ‏


الفصل الثامن الكنيسة.
‏* الروح القدس يحقق الكنيسة جسد المسيح ‏
‏* الكنيسة شركة المؤمنين فى مواهب الروح ‏
‏* الإكليريكى والعلمانى وعضوية شعب الله ‏
‏* مواهب الروح ومعية الكنيسة ‏
‏* شركة المواهب وشركة المائدة ‏
‏* القداسة هى الهدف ‏
‏*معية القديسين‏
‏* شفاعة القديسين ‏
‏* يسوع المسيح الشفيع الوحيد ‏


الفصل التاسع المعـمودية.
* الأسرار فى الكنيسة
* سر المعمودية
1 ـ المعمودية موت وحياة
2 ـ المعمودية فى الديانات
3 ـ المعنى المسيحى للمعمودية
* ملحق معمودية الأطفال
1ـ المسألة
2 ـ معـمودية الأطـفال فى العـصر الرسولى
3 ـ معـمودية الأطـفال فى العـصور الأولى
4 ـ الأساس التاريخى واللاهـوتى لمعـمودية الأطـفال
5 ـ الولادة الطبيعـية من أبوين مسيحـيين دعـوة إلى العـماد

الفصل العاشر المجئ الثانى والحياة الأبدية.
تمهـيد
1 ـ المجئ الثانى للمسيح
أ ـ يسوع نفسه ‏
ب ـ الأحداث التى تشير إلى المجئ الثانى‏
ج ـ اليقظة والسهر‏
د ـ صـلاة يسوع‏
2 ـ نهاية العالم" الأرض الجديدة"‏
أ ـ فى العـهد القـديم‏
ب ـ فى العـهد الجديد‏
ج ـ الأرض الجديدة‏
3 ـ الموت‏
أ ـ فى المزامير وعند الأنبياء‏
ب ـ موت الأبرار فى سفر الحكمة
ج ـ الحياة الأبدية فى العهد الجديد‏
د ـ ماذا عـن الذين لم يعرفوا يسوع أو لم يقبلوه؟‏
هـ ـ صـلاة‏
4 ـ قيامة الموتى والحياة الأبدية
أ ـ فى العهد القديم ‏
ب ـ فى العهد الجديد
5 ـ تجلى الجسد
أ ـ الحوار مع موتوفيلوف
ب ـ مغزى الحادثة
ج ـ الجسد واسطة لتمجيد الله‏
د ـ مجد القـيامة الأخـير
هـ ـ بدء جـيل المستقبل‏
و ـ تجلى العالم
6 ـ الدينونة
أ ـ عدل الله وحكمه‏
ب ـ المسيح هو الديان
ج ـ شرط الدينونة
7 ـ الصلاة من أجل الموتى
‏ صلاة البار وشركة القديسين

حمل هذا الكتاب

عودة للصفحة الرئيسية

الفصل الثامن

الكنيسة

" ..وبكنيسة واحدة ، مقدسة ، جامعة ، رسولية..."

 

 

* الروح القدس يحقق الكنيسة جسد المسيح :

فى الكنيسة مهـمتان: مهـمة للمسيح ومهـمة لـلروح القـدس...

فالمسيح بتجسده، بأبعـاد التجسد الكاملة أى الفـداء والقـيامة، وضع الأساس...

[ فَإِنَّهُ لاَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَضَعَ أَسَاساً آخَرَ غَيْرَ اَلَّذِي وُضِعَ اَلَّذِي هُوَ يَسُوعُ اَلْمَسِيحُ ] [ 1 كورونثوس 3: 11 ]...

 

والأساس يصل إلينا نحن عـن طـريق الكلمة أيضًا، الكلمة المعـبّر عـنها بشتى المظاهر أى الإنجيل مقـروءًا, مدروسًا, ممثلاً ومسكوبًا فى طـقـوس، فى خـدمة وفى عـبادة...

هـذا هـو الأساس...

 

هـذا الأساس ينقـله الـروح القـدس ويبـنى عـليه...

الـروح القـدس هـو الذى ينشئ فى العتالم هـيكل الله أى الكنيسة...

هـيكل الله، حضـور الله فى العالم, مؤسس وقائم عـلى هـذه الكلمة الواردة إلينا فى الإنجـيل والتى ظهـرت، أولاً، بشخـص يسوع،...

وهـذا الهـيكل له نمو بالـروح القـدس الذى يشكـل فى هـذا العالم جسد المسيح...

أى أن هـذه الكنيسة هى جسد المسيح...

أى هى محضـر المسيح ومكان تجلّيه...

من هـنا أنه يوجـد عـمـلان لا ينفـصلان:

عـمل المسيح البنيانى، الأساسى، ثم عـمل الـروح القـدس الذى لا يأتى بمسيح جـديد، بل يشكل المسيح فينا، ونفتحته هى التى تنشئ هـذا المسيح فينا...

لهـذا كانت الأسرار وهى مبنية عـلى كلمة المسيح ولكنها محقـقة بالـروح القـدس...

مثال عـلى ذلك:

المسيح عـندما قال " ... خـذوا كلوا هـذا هـو جسدى ... واشربوا منه كلكم هـذا هـو دمى ... لمغـفرة الخـطايا" , أسس سرّ الشكر...

كلامه هـذا هـو كلام التأسيس الذى أوجـد هـذا السر...

أما اليوم، بعـد صعـود المسيح، فالـروح القـدس هـو الذى يبنى عـلى هـذا الأساس...

أى هـو الذى يحـوّل الخـبز إلى جسد المسيح والخـمر إلى دمه...

إذًا، فالمسيح يظهـر ويشكل إنطـلاقًـا من خـبز وخـمر، بنفـخة الـروح القـدس وبنزول هـذا الـروح عـلى القـرابين وعـلى الجماعة...

كما أن كلام الله للإنسان فى الفـردوس:

" تكـثران وتملآن الأرض" أسس الزواج فجعـله ممكنًا، إلا أن إتصال الرجـل بالمرأة هـو الذى يحقـق كلمة الله...

الروح القـدس هـو، إذًا، المحقـق لحضـور المسيح...

 

* الكنيسة شركة المؤمنين فى مواهب الروح :

هـذا الـروح هـو الذى يوحّـد أعـضاء الكنيسة وقـد صاروا أعـضاء فيها بالمعـمودية...

ولكن يجب أن تتعـمق عـضويتهم وأن يقـوى إنتسابهم للمسيح بالقـداسة...

ما كانت المعـمودية سوى مدخـل إلى الكنيسة، ولوج إليها...

ولكن لايصل الإنسان إلى ملء قامة المسيح، أى لا يحقـق الإنسان فى نفسه كل أبعـاده المسيحية، كل قامته إلا بالنمو اليومى الدائم بالروح القـدس...

ومعايشة المسيحيين بعـضهم بعـضًا وتساندهم بالمحبة هما اللذان يجعلان هـذه الكنيسة شركة الروح القـدس...

يقـول الرسول بولس:

[ نعمة ربنا يسوع المسيح ومحبة الله الآب وشركة الروح القـدس لتكن معـكم ]...

من هنا أننا نصبح جسدًا للمسيح أى نصبح واحدًا له ومتجـلى وإمتدادًا ليس فـقـط بالمعـمودية ولكن عـلى قـدر هـذا النمو الذى هـو، أصلاً، حصيلة الميرون...

هتذا يعـنى أن نموّنا يأتى بالميرون وأننا به ندخـل فى الميثاق مع الله...

فكما أن الإنسان فى العـهد العـتيق كان يولد وفى اليوم الثامن يُخـتن أى يدخـل فى ميثاق الله، هـكذا، فى العهـد الجـديد، يولد الإنسان للمسيح بالمعـمودية ولكن بالميرون يدخـل فى ميثاق الله أى العهـد...

معاهـدة الله بهذا السرّ وختم الله عـلينا، ختم موهبة الروح القـدس...

 

روح القـداسة هـو الأقـنوم الثالث...

وهذه القـداسة تتمّ عـن طريق توزيع المواهـب المختلفة...

الكلمة المستعملة فى اللغة اليونانية والتى ترجـمت فى العربية بكلمة موهبة Charisma وهى مشتقة من لفظة Charis  أى النعمة...

والنعـمة تعـنى، طبعًا، العـطاء المجانى، أى أن الواحـد يعـطى الآخـر لقاء لاشئ...

Charisma تعـنى، حـرفيًا، حصيلة النعـمة فينا وهى التى ترجمناها بـ " موهـبة"...

وكلمة موهـبة، فى العـربية، تدل عـلى الفاعـلية والمفعـولية...

تدل عـلى المواهب " الله الواهب" ـ ولهذا يُقال أن فـلانًا عـنده موهبة للدلالة بذلك عـلى أن الله هو الواهب ـ، وعـلى الشئ الموهوب...

والمقـصود بـ Charisma هنا هـو هـذا العـطاء الذى وُهبه الإنسان من الروح القـدس، بل إن هـذا العـطاء هـو الروح القـدس نفسه...

ومعـنى هـذا أن عـطاء الـروح القـدس لنا ليس شيئًا خـارج الله، مستقـلاً عـنه ولكنه قـوة تفـيض من الله نفسه...

لذلك، كل من أخـذ موهـبة فقـد أخـذ الله: " أخـذنا الروح السماوى"، ولكن الله له مفاعـيل مختلفة...

 

* الإكليريكى والعلمانى وعضوية شعب الله :

يصف بولس الرسول، فى رسالته الأولى إلى أهـل كورونثوس، مواهب الروح القـدس...

[ فَأَنْوَاعُ مَوَاهِـبَ مَوْجـُودَةٌ وَلَكِنَّ الرُّوحَ وَاحِـدٌ.

وَأَنْوَاعُ خِـدَمٍ مَوْجُـودَةٌ وَلَكِنَّ الـرَّبَّ وَاحِـدٌ.

وَأَنْوَاعُ أَعْـمَالٍ مَوْجُـودَةٌ وَلَكِنَّ اللهَ وَاحِـدٌ الَّذِي يَعْـمَلُ الْكُلَّ فِي الْكُلِّ.

وَلَكِنَّهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ يُعـطَى إِظْهَارُ الرُّوحِ لِلْمَنْفَعَةِ.

فَإِنَّهُ لِوَاحِـدٍ يُعْـطَى بِالـرُّوحِ كَلاَمُ حِكْمَةٍ. وَلآخَرَ كَلاَمُ عِـلْمٍ بِحَسَبِ الرُّوحِ الْوَاحِـدِ.

وَلآِخَـرَ إِيمَانٌ بِالـرُّوحِ الْوَاحـِدِ. وَلآخَـرَ مَوَاهِـبُ شِفَاءٍ بِالـرُّوحِ الْوَاحِـدِ.

وَلآخَـرَ عَـمَلُ قـُوَّاتٍ وَلآخَـرَ نُبـُوَّةٌ وَلآخَـرَ تَمْيِيزُ الأَرْوَاحِ وَلآخَـرَ أَنـْوَاعُ أَلْسِنَةٍ وَلآخَـرَ تَرْجَمَةُ أَلْسِنَةٍ.

وَلَكِنَّ هـَذِهِ كُلَّهَا يَعـْمَلُهَا الرُّوحُ الْوَاحِـدُ بِعَـيْنِهِ قَاسِماً لِكُـلِّ وَاحِـدٍ بِمُفْـرَدِهِ كَمَا يَشَاءُ ] [ 1كورونثوس 12: 4 ـ 11]...

وثمة فى مواضع أخـرى ذكـر لموهبة الشفاء، مثلاً، وموهـبة التدبـير وموهـبة ترجمة اللغات وموهـبة النبـوّة وما إلى ذلك...

هناك، إذًا، مواهب متعـددة ومنها الموهـبة العامة التى هى أن يكـون الإنسان عـضوًا فى شعب الله، ويسمّى فى العامية عـلمانيًا...

وربما أتـت هـذه اللفـظة من السريانية " عُـولِم"...

أو هى فـقـط من عـلم أى الاهـتمام يأمر هـذه الدنيا...

العـلمانى، فى العـامية، تعـنى من ليست له عـلاقة بالعـلوم اللاهـوتية الروحية ولكنه يتعاطى العـلم الاعـتيادى...

وإذا أتت من " عُـولِم" فهى تعـنى من يتعاطى شؤون هـذه الدنيا...

هـذا التفسير لكلمة عـلمانى خاطئ، طبعًـا، وهـو صادر عـن التفكـير اللاهـوتى الغـربى...

عـلمانى تعـنى Laicos وهـذه كلمة يونانية مشتقة من Laos التى تعـنى شعـب...

و Laicos اليونانية تعـنى العـضو، ومن الأفـضل تعـريبها بكلمة " عامّى" أى بالنسبة لعامّة الشعـب...

وهكـذا فإن العامى، أى الذى من الشعـب، هـو عـضو فى الشعـب الإلهى، والحقـيقـة أن كل إنسان، حتى الإكليريكى ، عـضو فى الشعب الإلهى، الإكليريكى عامى أيضًا، والقـول الذى شاع فى هـذه البـلاد ، وهـو أيضًا هـناك إكليريكيًا وعـلمانيًا, قـول لا أساس له...

فكـل من نال الميرون صار من شعـب الله، والاكليريكى عـندما صار إكليريكيًا لم يبطـل أن يكـون من شعـب الله أى عـلمانيًا...

 

ضمن هـذه الشركة المواهـب متنوعة، الله ينوّعها...

هـو الذى يجعـل كـلاً منّا عـضوًا فى شعـب الله، وهـو الذى يعـطى الحـياة الأبـدية للمؤمنين، أى أن حياة الله فيهم يعـطيها هو بدفـق دائم...

وإذا تآزرت هـذه المواهـب تتشكل الكنيسة...

أى يخرج المؤمنون من كـونهم جماعة زمنية تعـيش فى هذا التاريخ، جماعة سوسيولوجية، يخـرجـون من وضعـهم الاجتماعى إلى وضع أبدى...

أى أنهم يأخـذون حجمهم الإلهى عـن طـريق الروح القـدس...

أى كما أن ثمة قـوة فيهم حتى يشهدوا فى العالم، هكـذا أيضًا، وبعـكس ذلك، فيهم قـوة حتى يتصفـوا من تقـلبات هـذا العالم، من خطايا هـذا العالم ليصبحوا شعـبًا لله...

وعـلى قـدر ما يصيرون شعـبًا لله يعـودون ليشغـلوا فى هـذا العالم باستقلال عـنه، أى تكـون هـناك، بينهم وبين العالم، فسحة من الحياة الأبدية...

فالحياة الأبدية التى فيهم تجعـلهم يحكمون فى شئون هذا العـالم ويوجهـونه...

 

ولكن ثمة وجهًا إلى الله أولاً...

الروح القـدس هـو الذى يوجهـنا إلى الله...

يوجهنا تعنى، فى العربية، يلفـت وجوهـنا إلى الله، يديـرها حتى تتطـلع إليه...

وعـلى قـدر ما تنظـر هـذه الوجـوه باتجاه واحـد، عـلى هـذا القـدر، نكـون كنيسة...

نصبح كنيسة عـلى قـدر ما يلتفـت وجه كل واحـد منا ليتطـلع إلى الله...

ولكن، عـندما نتطـلع إلى الله ونحن نمارس الخـدمة، تبقى لكل من موهـبته الخاصة...

عـندنا جميعًا موهـبة العـلمانية،أى موهـبة الميرون، وهى أن نكـون مختـومين لله، محفـوظين للمسيح، مخصصين له...

فإذًا، إذا كنا نحن مختـومين ليسوع المسيح معـنى هـذا أننا ننفتح له فـقـط، فبهـذا الاتجاه الواحـد إلى الله، ونحـن فى هـذا العالم، نشكل الكنيسة...

الكنيسة إذًا، هى، دائمًا، متجهة إلى الله الآتى إليها، وهى، بسبب الخـدمة من أجل تحـويل هـذا العالم، متجهة عـلى العالم...

 

* مواهب الروح ومعية الكنيسة :

من هـنا أنن نحتمـل بعضـنا بعضًا، كما يقول الرسول بولس فى رسالته إلى أهل رومية، ليس لمحاكمة أفكار، ونحمل بعضـنا لاثقـال بعض ولا ندين أحـدًا بل نقـبل الموهـبة التى فى الآخـر...

نقبل، مثلاً، أن فـلانًا واعـظ كـبير وأن فـلانـًا مدبّـر صالح...

ولذلك، لا يفتش الواعظ الكبير عـن أن يصبح مدبـرًا أى إداريًا، وإذا فعل ذلك فإنما هو يضيع وقته لأن الروح القـدس لم يعـطه هـذه الموهبة...

وايضًا, لا يفتش الإدارى الكـبير عـن أن يصبح واعـظًا...

الإنسان لا يستطيع أن يأخـذ شيئًا لم يعـطه إيّـاه الله، أساسًا...

تبقى هناك، طبعـًا، جهـود بشرية...

كل الأمور التى بمتناول الإنسان يجب السعى إليها...

الوعـظ، مثلاً، يُتعـلّم كتقـنية، كفـن، ولكـن قـد يستمـر الواحـد عشرين سنة فى تعـلّم الفـن وقـد يُتقـن خطـابـًا سياسيـًا أو أدبيـًا دون أن يتوصّـل إلى إتقـان عـظة دينية إذا لم تكـن عـنده النفحـة لذلك...

 

الأسقفية، أساسًا، تجمع مواهـب فى الكنيسة مختلفـة كالتعـليم والإدارة، وما إلى ذلك...

والأسقفية ليست سلطة أو إمتيازًا ولكنها موهـبة...

والإنسان لا يعـمل، فى الأساس، شيئًا حتى ينال الموهـبة...

فهـو لا يستطيع أن يصنع نفسه كاهنـًا...

فإمّـا أن يكون من بطن أمه كاهنـًا أو لا يكون...

وهو يستطيع أن يكتشف ذلك فيما بعـد إذا كان موهـوبًا له، والبطـريرك يقـول له ذلك والكنيسة جمعـاء تستطيع أن تقول له ذلك...

يبقى أن أصحاب المواهب يتبنّون بعضهم بعضًا، يقبـلون بعضهم بعضًا ويقبلون تنوعّهم...

هذه عملية من أصعب ما فى الدنيا: ان أقـبل أن يكون فـلان إداريـصا بينما أنـا لست إداريـًا، أو أن يكـون فـلان معلمـًا بينما أنـا لست معلمـًا...

والخطـأ يكـون عـندما يهيج كل منا نفسه ليجمع المواهب كلها...

نحن نقـبل التنوع لأننا نقـبل الله مصـدرًا للكـلّ...

 

لا شك أنن، فى الكنيسة، حتى نكـون معـية يجب أن ننمى المواهب فى كل إنسان...

فالذكى مثلاً يجب أن لا نطمسه حسدًا ولكن نظهـره لأن المسيح يستفـيد من ذكائه، ولأن القضـية التى نحملها تنجح بالاشتراك...

بالمحبة، إذًا، والتشجيع نجعل الآخـرين يتقـدمون...

إذا كانت تهمنا، فعـلاً، مصلحة المسيح، فيهمنا بالتالى أن يبقى فـلان تقـيًا لا أن نقص له حواجبه وننمّ عـليه...

ومن أجـل هـذا نستر بعضنا عـيوب بعض...

من واجبنا، طبعـًا، أن نوقظ المواهب فى الناس، ذلك أن الإنسان لا يعرف نفسه موهـوبًا...

المحبة الأخوية هى القوة التى توقظ المواهب...

فنحن، إذًا، نحيط الناس بعـناية وعـطف حتى تستفـيق فيهم مواهب الروح القـدس لتنمـو بالتنـوّع...

من هنا اننا لا نستطيع، إعـتباطـًا، أن نقـرّر ما هـو الأكـثر فائـدة للكنيسة فى هـذا لابظـرف أو ذاك...

أى أننـا لا نستطيع نحن أن نقـرّر، مثلاً، أن الكنيسة، اليوم، بحاجة إلى إداريين فنأتى بأحسن الإداريين ونجعلهم رؤساء، أو إكليروسًا أو غـير ذلك...

هـذا تفكـير خاطئ...

لا نستطيع نحـن ان نقـرّر أن الكنيسة بحاجة إلى لاهـوتيين أكـثر مما هى بحاجة إلى ناس عمليين...

الكنيسة بحاجة إلى مواهب متنوعـة ومتعـددة كما رسمها الله عـلى لسان الرسول بولس...

نحـن ليس لنـا أن نقـرّر ما هـو المهم وما هـو غـير المهم...

ما يكشفه الله أنه مهم هـو المهم...

وبالتالى فإن هـذه المواهـب تتـآزر ونوقظهـا نحـن فى النـاس...

 

* شركة المواهب وشركة المائدة :

إذا عرفنا ذلك فنحن نعرف أن هذه الشركة بين أصحاب المواهب تتوطـد عـلى قـدر إلتفافنـا حـول المائدة، مائدة القـرابين حيث يتغـذى أصحاب المواهب لينتقـلوا إلى العـالم...

عـندما نـأكل جسد المسيح ونشرب دمه نكون، بالتالى، فى حالة التقوى بمواهب الروح كل حسبما وُهب...

الإكليروس والعلمانيون يشتركون معـًا فى حـياة الكنيسة حسبما أُعطى كل منهم من مواهب الروح...

الاشتراك الأمثل والضرورى جدًا والذى لا حياة لنا بدونه هو الاشتراك بجسد ابن الله فى كل قداس إلهى حيث تكون الـ " بيرارخيـا"...

والـ " بيرارخـيا" كلمة يونانية ليست لها ترجمة فى أيّة لغـة، وهى تعـنى الجماعة المتشاركة...

إنها مشتقـة من كلمة تعـنى القـدسى...

وهى تعنى هـنا المبدأ القدسى...

وباتصـال الكلمتين صارت تعنى المشاركة حسب رتب مختلفة...

الـ " بيرارخـية" عندما صورها ديونيسيوس الأريوباغى ـ راهب من القرن السادس، وهو على الآرجح، سورى ـ صـوّر المائدة المقدسة وحولها الأسقف والكهنة والشعب المؤمن وتسع طغمات منها المعمودية والميرون، وهذه الطغمات صورها واقفة حول المذبح...

وفى السماء أيضًا تسع طغمات ملائكية حول العرش الإلهى...

الرتب هنا على الأرض تناسب التى فى السماء...

هذا يعنى، بكلمة ثانية، أن عمل الله ينبث من القرابين، من المذبح، وهكذا إلى هذه الحلقات الملحقة حول جسد ابن الله...

هذا ما يسمّى بالـ " بيرارخـيا"... 

الذى نال الميرون صار فى الـ" بيراخيا" العامة فى الكنيسة...

فجسد ابن الله، إذًا، هو المصدر، ولكنه يأتى أيضًا بحلول الروح القدس على القربان والخمر...

وبالتالى فإن تناولنا لجسد ابن الله هو تناولنا لقوة الروح القدس...

بالنتيجة، إن جسد ابن الله يجمعنا بمعنى أن كـلاً منا يزداد فى موهبته، وهكذا يرتفع مستوى الكنيسة...

 

ليست غاية المناولة، إذًا، أن يسر الواحـد بها أو يشتاق إليها فـقـط، غـاية المناولة أن تتشكل الكنيسة...

أن تصير موحـدة لأننا بتناولنا الجسد والدم ننضم إلى ابن الله الجالس فى السماوات...

ينمو جسده وينمو كل منا بموهـبته الخاصة وتنتقل الكنيسة من جسم مبعـثر غارق فى الدنيويات والشهـوات إلى جسم مُرَوْحَن أكـثر فأكـثر أى معبأ بقـوة الروح...

 

* القداسة هى الهدف :

المسيحى، إذًا، هـو من يسلك درب القـداسة فى شركة الأخـوة...

ليس من أحـد يفهم إلا على قـدر ما يتقـدس...

ليس الفهم بالدماغ، إنه بالروح القـدس إذا حـلّ عـليك...

دماغـك لا يقـدّم فى هـذا ولا يؤخـّر، هـو يفسّر لك بعـض الأمور ويوضحها، والتوضيح والتفسير هما فـقـط لتنظـيم الأشياء وترتيبها ولا يخلقان فاعـلية إلهية...

كما أنه إذا شرحت أمامكم لوحة فنية فمجرد الشرح لا يخـلق عـندكم شعـورًا بالجمال ما لم يكن فيكم حس الجمال...

ليست القـضية بالشرح، والحياة المسيحية ليست بالمحاضرات ولكنها أن ينزل الله عـليك أو لا ينزل...

القـضية قضية نعـمة إلهـية تأتى عـلى الإنسان وعـلى قـدر قـداسته بفهم...

ولكون الإنسان لا يستطيع أن يتقـدّس لوحـده وجب عـليه أن يحب لكى يتقـدس ـ فالذى لا يحب ليس عـنده شئ ـ وعـليه أن يعـيش مع الجماعة فى خدمة عـملية...

وعـلى قـدر ما يتساند والجماعة هـذه، كلهم بعـضهم مع بعـض، يصبحون إنسانًا واحـدًا فى المسيح يسوع...

إذا أحبت هـذه الجماعة الموجـودة هنا بعـضها بعـضًا حقيقة وفى الأعـماق، وإذا تطهّر كل واحـد فيها من شهواته، تصبح قادرة عـلى الفهم والحياة فى المسيح يسوع...

العـملية الأرثوذكسية هكـذا تكون:

{ لنحب بعضنا بعضًا لكى، بعـزم متفق ( بقلب صادق ) نعـترف مقـرين بآب وابن وروح قدس...}...

المحبة شرط المعـرفة ومفتاح المعـرفة...

ولذلك أن أتعاطى شهـواتى المختلفة، والبغـض والحقـد والحسد والإغراء وما إلى ذلك وأن أذهب بعـد ذلك لأقـوم بإجتماع دينى فهذا غـير ممكن، ذلك أن الناس الذين هم عـلى شئ من البصيرة يدركـون أن كلامى مكرر، مجـتر وأنه مجرد نقـل عـن الكتب ولم يصدر من داخلى أو يمر فى عـظامى كلها لأننى ما زلت محافظًا عـلى شهـواتى وبالتالى لا يمكننى أن أتكلّم ولا أن أخـدم...

ولذلك السؤال:

لماذا المسيحيون متقاعـسون ومتكاسلون؟...

جوابه:

لأنهم لا يحبـون الله أو لأن خطاياهم تمنعـهم من النشاط...

لا يوجـد تفسير ثانٍ...

وليس فى الأرثوذكسية غـير هذا التفسير الوجـودى...

إذًا فهذه الشركة وهذه المعـية تقـويان بالمحبة اليومية العـملية...

 

*معية القديسين:

إن المشاركة بين المؤمنين، بالروح القـدس الواحد فيهم، لا يقـطعها الموت...

المحبة أقوى من الموت...

وما سمّى شركة القـديسين، ونترجمه هنا معـيّة القديسين ـ والمعـيّة كلمة عربية جميلة جدًا لا ترادفها كلمة فى أيّة لغـة أخرى ـ وهى تعنى هنا القـديسين الذين عـلى الأرض والقديسين الذين فى السماء، بحيث أن الرسول بولس يسمى المسيحيين، هنا عـلى الأرض، قديسين، وحيث أن القـديس هو الذ خُصّص لمسيح وكُرّس له، والقـديس ليس هو البطـل، فالمسيحية ليس فيها ما يسمّى بطولة ـ هذه المعـيّة تعنى أن ثمّة عُرى لا تنفـصم بين الذين هم عـلى الأرض والذين إنتقلوا إلى الله...

إن البروستانتية، حين ألغـت ذكر القـديسين الممجـدين، حرمت نفسها من كنز لا يثمن...

حرمت نفسها من أن تبقى واحدة مع المواكب، مع هـذه الأجـيال البارة التى سبقـتنا...

لأنه إذا كان المسيح واحـدًا، إذا كان المسيح غـالبًا الموت فغـلبته تفعـل الآن وإلا فليست شيئًا...

إذا قلنا أننا كلنا أموات ونفـنى فى القـبور وأن المسيح سوف يعـيدنا إليه فـقـط فى اليوم الأخـير فهـذا القـول يعـنى أن ثمة فجـوة بين قيامة المخلص واليـوم الأخـير وأن هـذه الفجـوة لا يسدها أحد...

 

خطـأ البروستانتية الأساسى أنها لا تعـرف الشركة...

هى تعـرف أن الإنسان مع ربه فقط...

ولكن حقيقة الإنسان أنه مع الإنسان الآخـر والله بينهما جامع...

ليس صحيحًا أنى أنا مع الله لوحـدى...

أنا معـكم وكلنا، بعـضنا البعـض، مع الله...

هـذه هى الإنسانية، هـذا هـو جسد المسيح...

المسيح هـو فى الذين يحبونه، هـؤلاء أعـضاء لا ينفـصل بعـضها عـن البعـض الآخـر...

والله الآب هـو أبو هـذه العائلة والمسيح يشكلها والروح القـدس مبثـوث فيها...

هـذه حقيقة الإنجيل...

وحيث أن إيماننا أن المسيح قـد قام حقًا فهـو، من الآن، مهـيمن عـلى هذه الجماعة، أى أن قيامته، إنقاذه الإنسان من الخطيئة والفساد، هذه القـيامة فاعـلة وإلا فمعـنى هـذا أن اليوم الأخير مفـصول عتن القيامة وكأن المسيح ذكرى نلهج بها...

أى أن ثمة هـوة هائلة بين المجئ الأول والمجئ الثانى إذا لم يكن هـناك قـديسون، إذا لم يوجـد أنـاس موصـولون بعـضهم مع بعـض...

الكنيسة، بالتالى، فى جانب من جوانبها، وهى هـذه الموصولية بين كنيسة الأرض وكنيسة الأبكار المكتوبين فى السماء...

وهتذه الموصولية تمثلها الكـاس المقـدسة عـندما نضع فيها أجزاء الأحياء والأموات، بعـد مناولة المؤمنين، فتمـتزج الأعـضاء الحية، أى الأحياء العائشون هـنا، والأعـضاء الذين انتقـلوا إلى الله، الذين ذُكروا، والقـديسون ممثلين بتسع طغـمات عـن يسار الحمل، ووالدة الإله التى هى عـن يمين الجوهرة فى الصينية...

يتحد هـؤلاء بالدم الإلهى...

هذا يعـنى أن دم المسيح الذى سُكب انبث فى الدنيا ويجمع الأحياء والأموات، يجمع الذين مُجـدوا فى قـداسة معـلنة والذين انتقـلوا ولم يُمجّـدوا فى قـداسة معـلنة ولكنهم يساهمون فى حـياة الله والذين، هم عـلى الأرض، يسعـون سعـيًا...

هـؤلاء كلهم مربطـون بعـضهم مع بعـض بدم الحمل الإلهى وهم معـيّة...

 

ولذا فالإنسان ليس هو، فقط، ابن اليوم...

الإنسان مسنود...

أنا موصول، منذ ألفى سنة، بأناس سبقـونى، بهـذه المواكب التى تتعاقب بالشهادة والدم والأسقـفية والذبيحة المستمرة...

 

* شفاعة القديسين :

من أجـل هـذا فالدعاء للقديسين ـ وهو ما يسمّمونه الشفاعة ـ هو نتيجة منطقية لكونهم:

[ وَلَيْسَ هُوَ إِلَهَ أَمْوَاتٍ بَلْ إِلَهُ أَحْيَاءٍ لأَنَّ الْجَمِيعَ عِنْدَهُ أَحْيَاءٌ ] [ لوقا 20: 38 ]...

ويقول صاحب نشيد الأنشاد:

[ أَنَا نَائِمَةٌ وَقَلْبِي مُسْتَيْقِظٌ ] [ نشيد الأنشاد 5: 2 ]...

إذًان فهؤلاء النائمون فى القبور ليسوا أمواتًا، قلوبهم يقظة...

وإذا أردتم تمييزًا فلسفيًا بين النفس والجسد، فنفوس هؤلاء، منذ الآن، قائمة من الموت...

نفوسهم قائمة بفعل المسيح وأجسادهم منحلة وهذه المقبرة ختمناها بالماء المقدس فأشرنا بهذه الطريقة الرمزية إلى أنها استهلال للقيامة، إنها بدء، إنتظار...

هذا الانتظار هو تطلّع على ما سوف يكون...

 

ولكن عندنا، هنا، امـران:

عندنا ـ وهذا رأى أورثوذكسى وليس عـقـيدة ـ أن بعض الأجساد لا تفنى ولكن تبقى طرية، مثال على ذلك:

المطران صـدقة الموضوع فى دير مارإلياس ـ شوبا، وقد توفى منذ ما يقرب من مئة وخمسين سنة ولم يزل اللحم على جسده وكذلك شعره...

وكثيرين من أجساد القديسين لم تر فسادًا محفوظة بالكاتدرائية بكلوت بك بالقاهرة...

عن هذه الحالات يقـول سمعان اللاهوتى الحديث انها حالة وسط وأن ثمة إنتظار لملكوت السماوات بحيث أن الجسد لا ينحل ويبقى فى حالة وسطى للدلالة على أن هذه الأجساد سوف تبعث...

وبصرف النظر عن هذا الرأى ، ثمة أمر آخـر مهم هو بقايا رفات القديسين وبقايا الشهداء المحفوظة فى الكنائس والأديرة...

 

المهم هنا اننا نؤكد هذه المعية بكل هذه الرموز والأعمال، تؤكد هذه المعية الواحدة بيننا وبين الذين ذهبوا، نؤكد ان الروح القدس الواحد يجمع بينهم وبيننا...

 

ولهذا فالموقف الأرثوذكسى فى إستشفاع العـذراء والقـديسين، أى طـلب دعائهم لنا، الموقف الأرثوذكسى فى ذلك ليس أنهم جسر يوصلنا إلى الله ـ ذلك أن الله أقرب إلينا مما هم إلينا، وهذا التصوير أن الله بعأيد وأنهم هـم يقـربوننا إليه تصوير خاطئ ـ إنما هو أنهم هم معـنا فى صلاة واحدة...

والقضية هى فقـط قـضية ناس مرتـبين حـول عـرش الله...

ويمكننا القـول أن الذين سبقـونا إلى المجـد الإلهى انتهى جهادهم، أكملوا الجهاد الحسن...

من هـذه الناحية هـم ثبتـوا فى سكون الله...

نحسبهم كذلك بحيث أننا نعـتبر أنفسنا خطأة وأننا ما زلنا فى الجهاد فـيما هـم أكملوا الجهاد...

ولا يختلف موقـف الإستشفاع هـذا عـن أى طـلب شفاعة...

فمثلاً، عـندما يقـدّم أحـدنا تقـدمة للكنيسة فى عـيد قـديس ما يطلب إلى الكاهن أن يذكـر له اسمه فطـلب الشفاعة باسم هـذا القتديس أو ذاك يكون من باب أن طـلبة البار تقـتدر كـثيرًا فى فعـلها...

البار يصلى، طـبعًا فى الكنيسة، ولست أتكلم عـن الصلاة الطـقسية التى يرأسها الكاهـن من حيث الوظيفة، ولكنى اتكلم عـن الدعاء الخاص الذى نطـلب فيه شفاعة الأبـرار...

من هـذه الناحية نحن نطـلب شفاعة الأولـين هـؤلاء الذين ينتـمون إلى الصف الأول من هـذه الصفـوف التى، فى النهاية، تتحـلق كلها حـول السيد المسيح...

 

* يسوع المسيح الشفيع الوحيد :

من هـنا أنه يصبح سطـحـيًا هذا السؤال:

لماذا نصلّى طـلبًا لشفاعة مريم العـذراء عـند الله فى حتين أن الشفـيع الوحـيد عـند الله هو يسوع المسيح؟...

المسيح هو الشفيع الوحـيد بين الله والناس ليس بمعـنى أنه يقـصينا ولكن بمعـنى أنه يقـصى شفاعة العهد القديم...

أى أن موسى لا يمكن أن يكـون شفـيعًا بين الناس والله، فالناس فى اليهودية بقـوا مفـصولين عـن الله إلى حـين أتى المسيح فاتحـدهم به...

إذًا، فالوسيط الوحـيد الذى يجـمع بين الله والناس هو يسوع المسيح، كما يقـول الرسول بولس...

أى هـو الذى عُـلّـق عـلى الخشبة...

فلأنه رُفع عـلى الخشبة ومات ثم قام ألصق الله بالناس...

هـذا يعـنى أنه لا يوجـد إلتصـاق بين الله والناس عـن طـريق اليهـودية ولكن عـن طـريق العهـد الجـديد...

وهكذا عـبارة الشفيع الوحـيد هى ليست لإقـصاء مريم أو بقية القديسين، كلمة وحـيد هى لإقـصاء الذين سبقـوا أى لإقـصاء شرعـية اليهود...

وبالتالى فالمسيح يبقى الشفيع الوحـيد بين الله والناس ونحـن فـيه...

إذًا، فهـذا الشفـيع الوحـيد بين الله والناس هو المسيح النامى العـملاق الذى ينمو من الآن وإلى آخـر الدهـر...

والذى يتناول جسد المسيح ودمه يلتصق به ويصبح جـزءًا من المسيح...

إذًا، فالذى أصبح فى المسيح قائمًا من بين الأموات، الذى يتغـذى من القـيامة ويصبح إنسانًـا قياميـًا، هذا الإنسان يصلى فى المسيح، من جـوف المسيح يصلى ويبقى فى هـذه الوحـدانية المتشفعة، يبقى فى هـذا الكائن الوحـيد المتشفع من أجـل الناس...