مقالات بقلم المسيح يحبك

إختبار

 

ماضيَّ، عذابٌ أليمْ، وحاضريْ، فرحٌ عميمْ

هناك بين الأهل والأحباب، وعلى سفح جبال أراراط التي تسحر الألباب، وُلِدَت وترعرعت جدتي لأمي في قرية صغيرة اسمها أفيون كارايسار في شمالي تركيا. وهناك كانت تلعب مع الصغار من الأصدقاء والخلاّن، يقطفون الزهور والورود ويطوفون الجبال والسهول. لكنَّ فرحتها هذه لم تدمْ طويلاً إذ تعرَّضت تلك البلدةُ الأرمنية الآمنة كسائر المدن والقرى الأخرى في 24 إبريل من عام 1915 إلى هجوم
جارف من قِبَل الأتراك الذين جاءوا إليها مطالبين أهلها بتغيير معتقدهم. ولمَّا فوجئوا بموقف أهلها الأرمن الصامد قتلوا كلَّ من في البلدة من صغير وكبير. أما جدتي فنَجَتْ بأعجوبة وكانَ عمرُها آنذاك سبعَ سنوات. هربت جدتي ركضاً على الأقدام، ومشتْ لأيام وليال كثيرة في أراض لم تعرفْها من قبل، إلى أن وصلت إلى قرية صغيرة في كردستان في شمالي العراق. وهناك التقت امرأة كردية فسألتها من أين أنت؟ قالت: لقد فقدتُ عائلتي بأكملها في شمالي تركيا. ونجوتُ أنا وحدي.
فقالت لها المرأة : امكثي هنا يا ابنتي وعيشي معنا أنا وزوجي وولديّ الاثنين. ومن الآن فصاعداً ستكونين ابنتي.

ولم تمضِ أربع سنوات حتى أتاها والدها بعريس من الأكراد يريد تزويجها به.
ولمَّا فاتحتها والدتها بالموضوع أجابتها: لا، لا يمكنني أن أتزوج به، فأنا فتاة أرمنية مسيحية، وفقدت كل عائلتي بسبب إيمانهم بالمسيح، وتريدينني الآن أن أتزوج برجل من غير ديني. هذا مستحيل. عندها حذّرتها والدتها من أنَّ هذا سوف يُغضِب والدها كثيراً جداً. لكنَّ الفتاة الصغيرة عزمت في قلبها على "ألا تتنجس". وفي جُنح الظلام حملت جدتي صرّة وضعت فيها القليل من الطعام والشراب، وهربت من البيت فيما الجميع نيام. لكنَّ أخويها تبعاها في الصباح وهم على صهوة الجواد وشرعا يفتشان عنها في الصحراء حتى وجداها. ولمَّا أرادا أن يُجبراها على العودة معهما، لم تقبل. فهدداها بالقتل. إلا أن هذا لم يُثنِ عزيمتها. فركعت على الأرض وقالت لهما: حتى لو قتلتماني فأنا لن أتراجع عن مسيحيتي . كنت مسيحية وسأموت مسيحية.


عندها قالا لها بأنه لا بد أنَّ وحشاً بريا سيأكلها ما لم تعد معهما. لكن هذا لم يردعْها. فتركاها ورجعا. ولما التفتت لتراهما إذا بأخيها الأصغر يمسح دموعه من عينيه. أما هي فعادت إلى المشي من جديد. ومشت إلى أن وصلت إلى مخيم للأرمن المهاجرين في مدينة كركوك. فعاشت في المخيم هناك مع عائلة أرمنية، وشعرت بأنها بين أهلها وشعبها. وتزوجت من شخص أرمني وأنجبت منه خمس بنات وولد واحد. ولمّا كبُر ابنها وتزوج أنجب ابنا وبنتا، وأسماهما باسم جده لأمه وخاله (بطرس وقيامة) الَّلذين راحا شهيدين من أجل المسيحية. وبعدها هاجرت جدتي إلى أميركا وعاشت بين أهلها وأحفادها الكثيرين وماتت وهي في التسعين من العمر.

والآن قد يستغرب القارئ لماذا أقصّ عليكم يا إخوتي وأخواتي قصة جدتي الغالية هذه؟ أقصها عليكم لأن جدتي زرعت فيّ أنا بذرة الإيمان، وفكرة أهمية الانتماء المسيحي الصحيح كما زرعتها فيها أمها وأبوها قبلاً. مع أن هذه البذرة لم تثمرْ فيَّ إلا الآن بعد كل هذه السنوات الطوال، إلا أنها كانت السبب في أن يبزغَ فجر جديد في حياتي، فيغيّر ماضيَّ الأليم إلى حاضر مغمور بالفرح العميم.

أجل يا إخوتي، فلقد تزوجت من رجل أرمني وأنجبت منه صبيين توأمين، كانا وما زالا قرَّةَ عيني وكل ما لديّ. خاصة أنني لم أحظَ بزواج سعيد، بل ذقتُ فيه كافةَ أنواع العذاب. تألمت في حياتي وعشتُ أياماً صعبة للغاية. وكان جلُّ همي أن أحمي ولديَّ من أي خطر يحدق بهما. فاعتنيت بهما ورعيتهما تحت جناحي كما ترعى الدجاجة فراخها وتحميهم. وعانيتُ الكثير من الأمراض المستعصية والدائمة وأنا بعدُ في ريعانِ الصِّبا والشباب. وأجازني الله في محن عديدة لا مجال لذكرها الآن، وأصبح عالمي محصوراً في دائرتي الصغيرة، أعيش فقط لولديّ، وجلُّ همي أن أحميهما، وأن أعمل وأحصل على المال حتى أنشئهما تنشئة صالحة، وأؤمّن ما يلزمهما من مأكل ومسكن ومشرب وكساء. وهكذا عشتُ مع ولديّ أعتني بهما وأرعاهما. ولم أشعر يوما قط باكتفاء في داخلي. إذ كنت أحسّ بأن هناك فراغاً فظيعاً يعيش فيَّ كل الوقت. ولم أكن أفقه كُنْهَهُ، أو ماهيّته. وعلى الرغم من أننَّي أصبحتُ حرّةً من زوجي إذ انتهى زواجي آنذاك إلى غير رجعة، إلاَّ أنني لم أدرك لماذا هذا الفراغ في داخلي؟


ومضتِ السنونُ والأيام، وكَبُر ولديّ، وأصبح أحدهما مؤمناً حقيقياً وتزوَّج من شابة مؤمنة فاضلة. وبدأت العائلة كلّها تنظر إليه نظرة الاحتقار والازدراء.
وصاروا يُسمّعونه كلاماً قاسياً هو وزوجته، وهكذا آل مصيرُه إلى قائمةِ المضطهدين والمنبوذين. حزنتُ عليه جداً. ووقفتُ أنا كالمتفرجة أنظر ما يجري وليس باليد من حيلة لإنقاذه. وأتى يوم دعتني فيه إحداهُنَّ إلى حضور اجتماع في كنيسة المجتمع العربي المسيحية في غلنديل، فواجهتُ تلك الدعوةَ بالرفض القاطع.
إذ عادَ منظرُ ابني المضطهد من أجل إيمانه المسيحي الحقيقي ليلاحقَني كالشبح.
وأبيتُ أن أصيرَ يوما مثله. وتكرَّرت الدعوات لي لأحضُرَ تلك الكنيسة، وفي كل مرةٍ كنتُ أمتنع وأوجِّه السخرية لكلِّ من يدعوني. وحدثَ في أحد الأيام أن أخبرتني صديقتي عن حاجة الكنيسة إلى من يعتني بالأطفال في Nursery أثناء انعقاد الكنيسة كل يوم أحد. فقلت لعائلتي: لا بأس سأذهب لكي أشتغل. قالوا: لا تفعلي فهم سوف يجرُّونك لكي تصبحي واحدة منهم. قلت هذا غير ممكن.

ولمّا أتيت وشرعت بالاهتمام بالصغار لم أستطع أن أقاوم هذا الإحساس الغريب الذي انتابني. فلقد كنت أسمع من الميكروفون وأرى من خلال الزجاج الواعظ وهو يعظُ كلمات لم أسمعْها من قبل. ولم يمضِ أسبوع آخر حتى اتصلتُ بصديقةٍ أرمنية وطلبتُ إليها أن تحلَّ مكاني في العمل. وقررت أن أجلس أنا في الكنيسة في ذلك اليوم. إذ قد أُعجبت حقاً بمحبة الإخوة لبعضهم البعض. ولمّا جلست على المقعد اعتبرت ذلك امتيازا عظيما لي. وكنت أصغي إلى الواعظ بكل شغف وصار قلبي كالإسفنجة التي تمتصّ كل شيء. وبدأ الرب في تعامله معي. لكنَّ صوتا آخر في عقلي بدأ يزعجني ويخيفني من مصيري مع العائلة إذا آمنت. وسمعت أول ترنيمة ترنّم وتأثرت بها جداً:

يللي أمامك حياتي من قبل تكويني،

مكشوفة ليك يا جابلني أيامي وسنيني.

أرتاح على صدرك، واتدفّى بالحنان

ترويني من نهرك، راحة وفرحة وأمان.

وتكلم القس ميشيل بطارسة عن يسوع المسيح وعن الخلاص. وبدأتِ الدموع تنهمر من عيوني. كنت عطشانة إلى الحق، وعطشانة إلى كلمة الله. فدخلت الكلمة إلى قلبي وأحسست بشجاعة لا مثيل لها. وأحسست عندها بالتغيير في داخلي. ولما عدت في ذلك اليوم إلى البيت، دخلتُ إلى غرفتي وركعت بجانب سريري وصلّيت وحدي صلاة العشار الذي لم يشأ أن يرفع عينيه نحو السماء بل قرعَ على صدره قائلاً: اللهمَّ ارحمني أنا الخاطئ. وطلبتُ المغفرة من الله لأنني رفضت في الماضي كلَّ الدعوات، وتأكَّدت عندها أن خطاياي قد غُفرت وأنَّ دمَ يسوع المسيح ابنِه طهَّرني من كلِّ خطية. وعندها فقط عرفت ما معنى السعادة الحقيقية يا إخوتي. أجل، السعادة التي لا يمكن أن أصفها بكلمات. غمرني شعور بفرح عجيب لا يوصف وحلَّ روح الله القدوس في داخلي. وانضممت إلى قائمة المنبوذين من أجل إيمانهم في المسيح ليس من قِبَلِ الأكراد أو الأتراك هذه المرة، ولكن من قِبَل عائلتي. أجل، لقد كانوا مسرورين حين كنت عائشة في الهم والغم والقلق والألم الدفين، واليوم هبُّوا لكي يقاطعوني. وخطيئتي الكبرى هي أنني كنت عمياء والآن أبصرت النور الحقيقي. وهذا لم يرُقْ لهم البتة.

أخبرت ابني وزوجته بإيماني الجديد، فَسُرّا للغاية وقالا لي بأنهما كانا يصليان من أجلي. واحتفلنا جميعاً بميلادي الجديد السعيد. وبعد ستة أشهر تبعتُ الرب بالمعمودية. والآن صار الكتاب المقدس رفيقي وأنيسي في وحدتي. أقرأ منه في كل يوم وأفرح، ووعود الرب تتجدَّد في كل يوم. وها أنا أطلب من عائلتي العزيزة والغالية على قلبي ومن كل قارئ لم يختبر هذا الاختبار المجيد بعد، أن يأتي إلى نبع الحياة الحقيقي، الرب يسوع المسيح، الذي عنده الماء المتدفق وكل من يشرب منه لن يعطش أيضا. تعالوا يا أحبائي وذوقوا ما أطيب الرب. افتحوا كلمة الله واقرأوها وتعرّفوا عن كثب ماذا يريد الله منكم. لا تغيّروا كنيستكم، أو مجتمعكم. بل كل ما هنالك هو أن تقرأوا كلمة الله التي هي سلاح ذو حدين. واسترجِعوا ذاكرة أجدادكم الأقدمين الذين ماتوا في سبيل إيمانهم.

وتحضُرني كلمات هذه الترنيمة التي كان وقعها بالغا عليّ إذ تقول:

كيف أخلص من ذنبي دون عمل الصليب

من يطهّر لي عيبي غير يسوع الحبيب

كيف لا أمجّده وقد فداني

وبدمه الكريم اشتراني

فلتجثُ له كلُ القلوب ولتمجِّدْه كل الشعوب..

نعم، فنحن جميعاً محكوم علينا بالإعدام بسبب خطايانا،" لأن أجرة الخطية هي موت." لكن الله منحنا فرصة أخرى عندما أرسل يسوع المسيح لكي يموت عنا ويفدينا ويعطينا حياة أبدية. لأنه يقول أيضاً: "وأما هبة الله فهي حياة أبدية بالمسيح يسوع ربنا." فالخلاص لا يتم إلا عن طريق الإيمان بيسوع المسيح وحده الذي مات على الصليب من أجلي أنا ومن أجل كل شخص. تعالوا يا أحبائي إلى المسيح واختبروا محبته وحنانه وعطفه وغفرانه وخلاصه العجيب..

وها إنني أقف الآن لأصرّح بأن الله أبقاني حية حتى الآن لكي أقبل خلاصه هذا. لقد أمرّني بتجارب وأمراض وصعوبات لكي يوصِّلني إلى هذه المرحلة من حياتي. كان له هدف معين لم ينكشف أمامي حتى اليوم. لقد استشهد أجدادي في سبيل إيمانهم بالمسيح، لكنَّ بذرة الإيمان ترعرعت فيَّ ونمَت. نعم، كان ماضيَّ عذابا أليما أما حاضري ففرحٌ عميم.. لأنني منذُ سنةٍ ونيف لا أستطيع إلاَّ إن أشهد وأقول بأنني أعيش أجمل أيام حياتي. أما آيتي المفضلة فهي: "قلباً نقياً اخلق فيّ يا الله وروحاً مستقيمة جدّد في داخلي." والشكر للرب على الدوام والمجد لاسمه العظيم.

أختكم: أناهيد تافيتيان

 لا شئ فى الكتاب المقدس حول محمد

من يستطيع تغيير كلمة الرب؟
هل لديك الأمل؟
المسيح هو إبن الله
إختبار مصطفى
يسوع الوديع لماذا يبّس شجرة التين غير المثمرة؟؟
العلم والقرآن
إختبار من العراق
أنا والآب واحد ( يوحنا 14:11)
إختبار فؤاد
ماذا تفعل لو أخطأ أخاك ؟
إنه لا ينعس ولا ينام
ساعته لا تتعطل أبداً
تذكر إحسانات الله العديدة التى صنعها معك
انا انسى ما هو وراء
لاتقلق.. لاتفكر كثيراً..
ليس كل مسيحى حقيقى
الفتى حافى القدمين
هل تنام جيدا؟
إختبار
الحب لا يفشل أبدا
ثروة لا تخضع للضرائب
هل تصلى؟ فالرب يستجيب للصلاة
ما اروع أن نكون أولاده

حمل هذا الكتاب

الصفحة الرئيسية