مسألة تحريف الكتاب المقدس

 

النسخ في علوم القران

 

يذكر السيوطي في ( الإتقان 2: 20-21) معاني النسخ،  فيقول: 

1) يرد النسخ )بمعنى الإزالة ، ومنه قوله : فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته ) الحج52.

 

2) وبمعنى التبديل ، ومنه : وإذا بدلنا آية مكان آية ، . الآية نحل 101 .

3 ) وبمعنى التحويل ، كتناسخ المواريث من واحد إلى واحد.

4 ) وبمعنى النقل ، من موضع إلى موضع ومنه ( نسخت الكتاب) إذ نقلت ما فيه حاكيا للفظه وخطه يشهد قوله تعالى: ( إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون) النسخ مما خص الله به هذه الأمة لحكم منها التيسير . وقد اجمع المسلمون على جوازه . وأنكره اليهود ظنا منهم انه بداءٍ .

في هذه المعاني كلها يحصر القران أنواع النسخ وأسماءه وأشكاله بنفسه، ولا تطال سواه .

القول بنسخ القران للتوراة والإنجيل ينقض القران نفسه

الكتاب في الثلاثة واحد

1) القران يعلن وحدة الكتاب في التوراة والإنجيل والقران : (كان الناس أمة واحدة ، فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين ، وانزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه) البقرة 212. فالكتاب واحد في التوراة والإنجيل والقران، فلا نسخ بينها.

والقران ينذر بعذاب النار من يكفر بأحد الكتب  الثلاثة لأنها كلها الكتاب: ( الذين كذبوا بالكتاب ، وما أرسلنا به رسلنا ، فسوف يعلمون إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل ، يسبحون في الحميم ، ثم في النار يسجرون)  غافر .

 

2) التنزيل في الثلاثة واحد

( الله انزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يده، وانزل التوراة والإنجيل من قبل هدى للناس ؛ وانزل الفرقان ) ال عمران.

فالكتب الثلاثة تنزيل الله ، فلا ينسخ بعضها بعضا ، بل ، في نظر القران ، يصدف بعضها بعضا وقفينا على آثرهم بعيسى ابن مريم مصدقا لما بين يديه من التوراة . وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ، ومصدقا لما بين يديه من التوراة ، وهدى وموعظة للمتقين   وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه ( أي شاهدا له) المائدة 46 51.  فلكتاب الذي يصدق كتابا لا ينسخه!.

 

3) الإسلام في الثلاثة واحد

قل آمنا بالله وما انزل علينا وما انزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط، وما أوتى موسى وعيسى والنبيون من ربهم : لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون : ومن اتبع غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين )  ال عمران .

فالإسلام في نظر القران ، واحد من إبراهيم إلى موسى إلى عيسى إلى محمد ؛ ولا دين عند الله غير هذا الإسلام التوراتي الإنجيلي القرآني . فهل يعقل بان ينسخ الإسلام نفسه بنفسه ؟.

 

4) ومن الإسلام الايمان بكتبه تعالى ورسله بلا تفريق   

( يا ايها الذين آمنوا، آمنوا بالله ورسوله، والكتاب الذي انزل على رسوله ، والكتاب الذي انزل من قبل : ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، فقد ضل ضلالا بعيدا ) النساء . والمسلمون مأمورون بالايمان بالكتاب كله . آل عمران .  وهذا الايمان لا يضره اختلاف طرق العبادة : ( ليس البر ان تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ! ولكن البر من امن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتب والنبيين ) البقرة .

فالكتاب واحد ، والنبوة واحدة ،  والإسلام واحد، والايمان واحد: فهل من نسخ مقبول معقول ، بعد هذا كله ، في نظر القران .

 

5) إعلان القران المتواتر انه تصديق الكتاب برهان ينفي النسخ .

وَآمِنُوا بِمَا أَنزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِي .

وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ  . البقرة 89.

لَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ . البقرة 101.

َإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ .ال عمران 81 .

وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا .الانعام 92 .

وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ .الاحقاف 12 .

وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ.  البقرة 91.

قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ . البقرة 97 .

نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَ لْإِنْجِيلَ .ال عمران 3 .

وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنْ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ .ال عمران 50 .

يَاأَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ  

النساء 47 .

 

وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ  لْإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ التَّوْرَاةِ وهدى وموعظة للمتقين . المائدة 46.

وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ . المائدة 48 . مهيمنا عليه أي شاهد عليه .

وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنْ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ. فاطر 31 .

قَالُوا يَاقَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ .الأحقاف 30 .

وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ.الصف 6.

وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ .يونس 37 .

لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُوْلِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ . يوسف 111.

 

فالقران تصديق الكتاب أي مطابق له : فكيف يتجاسر أحدهم ويزعم انه نسخه ؟!.

فالقول بان القران نسخ التوراة والإنجيل هو نقض لتعاليم القران كله .

وما يقول بذلك إلا جاهل بالقران او متجاهل لتعليمه .

صفة القران انه ( تصديق التوراة والإنجيل : والقول بالتصديق والنسخ نقيضان لا يتفقان .

فليس في القران تعليم لنسخ التوراة والإنجيل ؛ بل (تصديق الذي بين يديه) أي قبله . يونس 37 .

 

رابعا

القول بنسخ شرع القران لشرع التوراة والإنجيل ينقض القران. 

في هذا الباب للقران ثلاثة مواقف . وفيها جميعا لا ذكر لنسخ شرع بشرع .

1) في الموقف الأول يعلن انه ينقل للعرب شرع الكتاب وسننه : شَرَعَ لَكُمْ مِنْ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ .42 الشورى 13 .

في هذه الآية ثلاثة تصاريح : الأول ان الشرع من نوح آلي إبراهيم إلى موسى الى عيسى  إلى محمد هو واحد ؛ الثاني ان القران يشرع للعرب شرع الكتاب ؛ الثالث انه لا يصح تفريق في الشرع بين شرع إبراهيم وشرع موسى وشرع عيسى وشرع محمد.  فالقران الذي يشرع للعرب شرع الكتاب لا ينسخ شرعه شرع الكتاب .

 

2) يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ . النساء 26 .

فسره الجلالين : " يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ سُنَنَ  الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ : أي طرائق الأنبياء في التحليل والتحريم فتتبعوهم  وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ  .

فالقران الذي يهدي العرب ويبين لهم سنن (طرائق) الأنبياء الذين قبلهم في التحريم والتحليل ، كيف ندعي انه ينسخ شرائع الأنبياء في التحليل والتحريم ؟.

 

في الموقف الثاني يعلن القران استقلال كل أمة في شرعها .

وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ  وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ. ال عمران 46.

وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنْ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ال عمران 46-49.

ولما فارق محمد قبلة اهل الكتاب جاء : وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمْ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شيء قدير .

قال العوفي عن ابن عباس "ولكل وجهة هو موليها" يعني بذلك أهل الأديان يقول لكل قبيلة قبلة يرضونها ووجهة الله حيث توجه المؤمنون وقال أبو العالبة: لليهودي وجهة هو موليها وللنصراني وجهة هو موليها وهداكم أنتم أيتها الأمة إلى القبلة.

لكل أمة إذن قبلة مستقلة : فلا تنسخ قبلة قبلة . والقبلة عنوان الدين .

 ولما شرع الحج الى مكة ،  بدل بيت المقدس ، جاء :

وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ واحد فله اسلموا . الحج 34.

لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ ) الحج 67.

تحويل الحج من بيت المقدس إلى مكة ليس تحويلا في الإسلام : فلا داعي للنزاع في الأمر . والمبدأ العام : لكل أمة مناسك وحج ، كما لكل أمة شرع مستقل .

فسره الجلالين : لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا  شريعة هُمْ عاملون بها .

وهكذا يشرع القران جملة وتفصيلا استقلال الأمم الثلاثة في شرعها .وفي هذا الموقف  أيضا لا ينسخ القران شرعا بشرع!.

وهكذا كيفما تأملنا القران في موقفه كلها لا نجد أساسا لشبهة النسخ لشرع بشرع آخر . والمقالة بذلك بدعة في الإسلام ، وفرية على القران .

عودة للصفحة الرئيسية