مسألة تحريف الكتاب المقدس

 

الحنيفية من هم ..؟

 

لفظ "حنف " عرفتها اللغات التي كانت سائدة في تلك المنطقة آنذاك (وقد ذهب بعض المستشرقين إلى أن اللفظة من أصل عبراني هو " تحنيوث" أو من " حنف " ومعناها " التحنث " في العربية )

وكما يقول الراغب الأصفهاني في كتابه (المفردات في غريب القرآن ، ص 133) :" الحنف هو الميل عن الضلال إلى الاستقامة ،وتحنف فلان أى تحرى طريق الاستقامة ، وسمت العرب كل من حج أو إختتن حنيفاً.تنبيهاً إلى أنه على دين إبراهيم ".
ويذهب الألوسى في كتابه ( بلوغ الإرب في معرفة أحوال العرب .. ج 2 ، ص 225) إلى أن الصابئة هم قوم النبي إبراهيم وأهل دعوته ، مما دفع بعض العلماء إلى حسبان الحنفاء صنفاً من الصابئة ، وبالتحديد - الصنف المؤمن أو من بقى على الإيمان منهم .

وكان منهم بالجزيرة العربية نفر غير قليل . إلا أننا لا نرى ذلك ، وقد سبق و بينا ذلك ، وهنا سنزيده إيضاحاً . والطريقة الغالبة على الحنفاء هي التوحيد والزهد . والحنفاء لم يكونوا مشتتين لا يجمعهم رابطة ، ولم يكونوا جماعة دينية بالمعنى الحصرى ، بل كانت تربطهم بعض العادات وتميز دعوتهم .

ومما كان يجمعهم أيضاً كفرهم بشرك قومهم ، وسخريتهم من أصنامهم وذبائحهم ، ثم دعوتهم إلى التوحيد التي تحملوا في سبيلها صنوفاً من الإهانات ، مما حمل أكثرهم وهم في الغالب من مكة وأطرافها ، على الفرار من بلدتهم إلى أطرافها المنعزلة الآمنة ليكونوا في أمان من إيذاء قومهم لهم (راجع في ذلك ، " المفصل في تاريخ العرب قبل

الإسلام ل د جواد علي- ج 5 ص 399.

كان يفصل بين الحكماء الموحدين وهم ما سنتناولهم فيما بعد والحنفاء ، أن الأولين كانوا عائشين مندمجين في مجتمعهم ، فيما الحنفاء المضطهدين كانوا منعزلين يميلون إلى الزهد ، والاقتداء برهبان النصارى ونساكهم .

كان الحنفاء من كل القبائل في كل أجزاء الجزيرة العربية ، ولكن إستقلوا خاصة في الحجاز ومكة.

قد عد الأخباريون في زمرة الحنفاء : قس بن ساعدة الإيادى ، وزيد بن عمرو إبن النفيل ، وأمية إبن أبى الصلت ، وأرباب بن رئاب ، وسويد بن عامر المصطلقى ، وأسعد أبو كرب الحميى ، ووكيع بن سلمة سيف بن ذى يزن اليمنى ، وورقة بن نوفل القرشى ، وعامر بن ظرب العدوانى ، وعبد الطابخة بن ثعلب بن وبرة بن قضاعة ، وعلاف بن شهاب التميمى ، والملتمس بن أمية الكنانى ، وزهير بن أبى سلمى ، وخالد بن سنان بن غيث العبيسى ، وعبد الله القضاعى ، وعبيد بن أبرص الأسدى ، وكعب بن لؤى بن غالب القرشى ! كان الحنفاء ، بسبب نزعتهم التوحيدية المستقلة يدخلون في النصرانية ثم من بعد في الإسلام ! وقد يعود بعضهم إلى توحيدهم المستقل الحنفى ، بدون حرج ، لوحدة التوحيد بين الحركات الثلاث ... هذا بالنسبة إلى

مفهومهم .

ومن الحنفاء من تنصر ، وبقى على نصرا نيته ، فيجب إخراجه من زمرتهم مثل : عدى بن زيد ، وأرباب بن رئاب ، والقرشيين الثلاثة الذين إحتضنوا محمداً يوم مبعثه : ورقة بن نوفل وعبد الله بن جحش ، وعثمان بن الحويرث .

ودعوة الحنفاء إلى التوحيد كانت أحياناً بالحكمة والموعظة الحسنة ، كما فعل أمية بن أبى الصلت، من ثقيف في الطائف ، الذي نافس محمداً في دعوته إبان عهدها المكي .

وأحياناً كانت بالحديد الذي فيه بأس شديد " مثل سيف بن ذي يزن ، الذي أستنصر كسرى ، والنعمان إبن صيفى الراهب الذي أستنصر قيصراً  : ومما يلفت النظر أن قبيلة قريش ضمت عدداً من " الأحناف " ، و يؤكد بعض الإخباريين أن " الحنيفية " بدأت فيها مبكرة مع " قصى بن كلاب " الجد الأكبر لمحمد مؤسس دولة قريش في يثرب .

ويقول الشهرستانى عنه :" وكان قصى بن كلاب ينهى عن عبادة غير الله تعالى من الأصنام وهو القائل أرباً واحدا أم ألف رب أدين إذا تقسمت الأمور تركت اللات والعزى جميعاً كذلك يفعل الرجل البصير ! ويطلق عليه الدكتور سيد محمود القمنى - في كتابه " الحزب الهاشمي وتأسيس الدولة الإسلامية " - لقب أستاذ الحنيفية وزعيمها ! وإن كان لنا تحفظ على هذا الرأي ذو النظرة السياسية للتاريخ الإسلامي ، لأنها تقر حقائق مبنية على فروض أولية ، إلا أنها غير مرفوضة على كل حال وعلى الجانب الأخر " الأستاذ يوسف الدرة حداد " ذو القراءة الدينية للتاريخ الإسلامي جاعلاً من التوراة والإنجيل أساس واعي للعرب في حياتهم ، حتى أنه في معرض

كلامه عن الحنيفية يقول : " إنها - الحنيفية - تعريب للتوحيد الكتابي (من التوراة والنبيين إلى الحكمة إلى الزبور إلى الإنجيل ) على ما كانت تقتضيه بيئة الحجاز البدائية.

 

ونحن في بحثنا هذا ،نرى أنه يخرج عن نطاقه الكشف عن مكان نشأتها ، ونقطة انطلاقها ، فسواء انبثقت في اليمن باعتبارها ديانة توحيدية ( ثم إمتد دين الوحدانية المجردة ، كما أمتد التوحيد المتجسد إلى قلب الجزيرة العربية لتوصيل المسيرة ، مسيرة خلق الدولة الموحدة لعموم المنطقة العربية) ويميل إلى هذا الرأي " عز الدين كشار " في كتابه "اليمن دين ودنيا " ، مستدلاً على ذلك بكثرة " الحنفاء اليمنيين " من أمثال ( قس بن ساعدة الأيادي ، وأرباب بن رئاب ، وأسعد أبو يكرب الحميرى ، ووكيع بن زهرة الأيادي .. وسيف بن زي يزن ، وخالد بن سنان بن غيث العبسى ، وعبد الله القضاعى ، وعلاف بن شهاب التميمى ... وقيس بن عاصم بن تميم ... وعفيف بن معد ى كرب من كندة ....... وغيرهم من الأسماء التي يبدو أنها يمنية الأصل ، كذلك ما هو معروف من أهل الجنوب قد عرفوا التوحيد ولو بصورة أولية قبل عرب الشمال التي تذكر في هذا الشأن ذو سموى ، والمقة التي يرجع بعض الباحثين أن أسم مكة هو تحوير لها . أو أن الحنيفية قد نشأت في اليمامة ، وهى إحدى

المناطق المتحضرة والمتقدمة نسبياً في الميادين الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، وإنتشرت في غربي الجزيرة العربية . نقول سواء كان هذا أم ذلك فإن الثابت تاريخياً أنها كانت منتشرة في أنحاء عديدة من جزيرة العرب ، ولو أننا نؤيد الباحثين اليمانيين في أن بدايتها كانت في اليمن . قريش من القبيلة إلى الدولة المركزية / خليل عبد الكريم .
عودة للصفحة الرئيسية