مسجد الشقاق ـ الأزْمة السياسيّة عشيّة حَمْلَة تَبُوكَ*

مالك مسلماني

في السّنة التّاسعة للهجرة و بعد أن بلغ جيش المسلمين مشارف المدينة قافلاً من تَبُوك ، أمر محمّدٌ فريقاً من جنده بالتوجه إلى مسجدٍ من أجل هدمه ، و قد نعتت المصادر التاريخيّة الإسلاميّة المسجد مدار البحث بمسجد الشقاق ، و لم تقدم هذه المصادر أيّة معلومات إضافيّة عن دوافع القرار ، لكنّ التسميّة توحي بأنّ بُناة المسجد كانوا يسعون للقيام بحركة ذات طابع انشقاقيّ عن الإسلام و في نطاق الإسلام ، و الحادثة تغري باستجلاء أبعادها على الرغم من أنّ المؤرخين لم يولوها أيّة أهميّة باعتبارها حادثة ثانويّة في التاريخ الإسلامي المبكر ؛ و غرضنا في هذا البحث تحليل المعطيات المتوفّرة في المصادر التاريخيّة المختلفة من أجل استجلاء غموض الحدث ، و استكناه دلالة تسميّة المسجد شقاقاً .

من أجل دراسة هذه الحادثة يتأتى علينا دراسة البيئة الاجتماسيّة في المدينة حينذاك ، و لكي تكـون الصورة جليةً فنحن مضطرون على وجه الخصوص لدارسة أحداث السنتين الماضيتين السياسيّة ؛ إذ إنّ فيهما تمكّن محمّدٌ من الاستيلاء على مَكَّة ، و هزيمة هَوازِن ، فعزز هذان النصران نفوذه السياسيّ في الجزيرة العربيّة ، و في الحجاز تحديداً من جهة ، و عرضا سلطته لخطر الانهيار داخل المدينة من جهة أخرى ؛ و تعود هذه النتيجة المتناقضة إلى تفاصيل هذين الانتصارين .

الأحداث السياسيّة للسّنة الّثامنة للهجرة

أ ـ الاستيلاء على مَكَّة ( رمضان 8 هـ / كانون الثاني 630 م )

مستغلاً موقعة مسلحة حدثت بين بني بكر ـ حلفاء قريش ـ و خزاعة ـ حلفائه ـ ، و الّتي نشبت على أرضية أَثْآر قديمة متجذّرة في العهد الجاهلي ، قام محمّدٌ بنقض صلح الحُدَيبيَة و الّذي عُقد في 6 هـ / 628 م بينه و بين قريش ، و لم يكن قد مضى عليه أكثر من اثنين و عشرين شهراً ؛ فرأى أنه في حلٍّ من الالتزام بميثاق الهدنة مع قريشٍ بعدما قامت قريشٌ بإمداد بني بكر بالسلاح ، و شارك بعض مقاتليها ضد حلفائه الخزاعيين .

          تمكّن مُحمّدٌ من جمع عشرة آلاف مقاتل : من بني سُلَيم ، و بني غِفار ، و من أسْلَم ، و من مُزَيْنة ، و من جُهينة ، و هي قبائل متمركزة حول المدينة ، علاوة على المهاجرين و الأنصار ، و مجموعات من تميم ، و قيس ، و أسد [1].

لما وصلت الجيوش إلى مشارف مَكَّة ، كان سعد بن عبادة يحمل راية المسلمين ؛ فتناقلت الألسن قولاً على لسانه : (( اليوم يوم المَلحَمَة ، اليوم تُستَحَلُّ الحُرْمَة ، اليوم أذلّ اللّه قريشاً )) ، فأخبر أحد المهاجرين محمّداً [2]. و قيل إن سعداً قالها أمام أبي سفيان عندما مرت أمامه كتيبة الأنصار ، و إنه قال : (( يا أبا سفيان اليَوْمَ يَوْمَ الْمَلْحَمَة الْيَومَ تُسْتَحَلّ الْكَعْبَةُ )) [3]؛ مما دفع عثمان ، و عبد الرحمن بن عوف إلى التحذير من عواقب هذا الوعيد ، و قالا : (( ما نأمن أن تكون له في قريش صَوْلةٌ ! )) ، و خوفاً من ذلك أخذ مُحَمَّدٌ منه الرّاية و أعطاها لعليّ بن أبي طالب ، أو للزبير [4]، أو لقيس بن سعد ـ ابنه ـ [5]، و رفض مقالة سعدٍ ، فقال : (( كذبَ سعدٌ و لكنْ هذا يوم يُعظّم اللّه فيه الكعبة )) [6]. و يبدو أنّ السبب الذي دفع بسعد لهذا القول هو إنّه لم يكن قد نسي كيف أنّ قريشاً قد قبضت عليه عقب بيعة العقبة الثانية بينـا كان يغادر مَكَّة ، و ربطوا يديه إلى عنقه بِنِسْع[7] رَحْله ، و جاءوا به  إلى مَكَّة يضربونه ، و يجرونه بشعره ، و لم يتحرر منهم إلا عندما حرره جبير بن مطعِم [8]و الحارث بن أميّة ، و كان يجيروهما في يثرب [9].

          لم تلقَ جيوش المسلمين مقاومة من القرشيين ، باستثناء مجموعة تمركزت بالخَنْدمة لتقاتل بقيادة صَفْوان بن أُميَّة ، و عِكْرمة بن أبي جهل ، و سُهيل بن عمرو ، فجرت بينها و بين قوات خالد بن الوليد مناوشات انهزمت على إثرها المجموعة المدافعة .

لم يحاول الفاتح التنكيل بالمنهزمين ، أو خرق نظام المدينة المستسلمة الداخلي ، و قد تجلّى ذلك عندما طلب عليّ بن أبي طالب من مُحَمَّدٍ أن يجمـع لبني هاشم الحِجابـة مع السِّقاية [10]؛ فرفض مُحَمَّدٌ ذلك ، و طلب استدعاء عثمان بن طلحة ـ الذي كان مسؤولاً عن الحجابة ـ ، فدُعِي له ، فقال : (( هاكَ مِفتاحك يا عثمان ،اليومُ يومُ برّ و وفاء )) . لكنّ بعض وجوه قريش لم تكن تشعر بالرضى  ، فوصلت إلينا بعض التعليقات الساخطة .

تعليقات القرشيين الساخطين على الاستيلاء على مَكَّة

لما جاء وقت الظهر أمر مُحَمّدٌ بلالاً أنْ يؤذن على ظهر الكعبة ، فلما أذّن استنكر القرشيون أنْ يؤذن على ظهرها رجل أسود ، و قالت جويرية بنت أبي جهل : (( لقد أكرم اللّه أبي حين لم يشهد نهيق بلال فـوق الكعبة )) ، و قيل إنّها قالت : (( لقد رفع اللّه ذكر محمّد ، و أمّا نخن فسنصلي و لكنّا لا نحب من قتل الأحبة )) ، و أضافت ـ حسب الأزرقي ـ (( و لقد جاء إلى أبي الذي كان جاء إلى محمّد من النّبوّة فردها و لم يرد خلاف قومه )) .

          و قال خالد بن أسد [11] : (( لقد أكرم اللّه أبي فلم يرَ هذا اليوم )) ، و كان والده قد مات عشيّة الاستيلاء على مَكَّة ، و قال الحارث بن هشام : (( ليتني متّ قبل هذا اليوم )) ، أو (( وا ثكلاه ! ليتني متّ قبل أنْ أسمع بلالاً فوق الكعبة )) أو (( ما وجد محمّد غير هذا الغراب مؤذناً )) [12].

          بالرغم من أنّ هذه التعليقات كانت تعبيراً عن عدم الرضى على الاستيلاء على مَكَّة ، إلاّ إنّ الدخول السلمي للمدينة ، و مراعاة الفاتح ـ الابن المنشق ـ لأهلها سمح بدمج مَكَّة عمليّاً بالمشروع المحمّدي ، وهذا ما سيثبته التاريـخ فيما بعد عندما تقف مَكَّة إلى جانب المدينة عقب وفاة مُؤسّس الإسلام ، بقيادة النخبة القرشيّة ضد أجزاء العربيا الرافضة للاندماج في الدّولة النّاشئة .

ب ـ معركة حُنَيْن ـ بُعيد الاستيلاء

لم يكد محمّدٌ يمكث في مَكَّة نصف شهر ؛ حتّى زحفت نحوه هَوازِن و ثَقيف ، بقيادة مالك بن عوف النصَّرْي ـ رئيس هَوازِن ، و كان عمره يومئذ ثلاثين سنة [13]ـ فعسكروا بحُنَيْن من أجل محاربة المسلمين ، و قد طلب ابن عوف من المقاتلين اصطحاب أموالهم و نسائهم و أبنائهم كي لا يفكر أحد من مقاتليه بترك ساحة المعركة ، لأنّه أراد أن تكون المعركة دامية ، و نهائيّة .

خرج مُحَمّدٌ لمواجهة القوات القادمة و معه ألفا مقاتل من أهل مَكَّة مع المقاتلين الذين شاركوا في الاستيلاء على مَكَّة ، فبلغ عددهم اثنا عشر ألفاً .

          اصطدمت القوتان في وادي حُنَيْن ، فدارت الدوائر على قوات المسلمين إذ انهزم في البدء بنو سُليم ، و تبعهم أهل مَكَّة ، ثم بقية المجموعات القبليّة [14]؛ فعبّر أبو سفيان بن حرب عن شماتته ، فقال : (( لا تنتهي هزيمتهم دون البحر )) ، و صرخ جَبَلة بن الحنبل ،[15] ـ أخ صفوان بن أميّة لأمه ـ : (( ألا بطل السِّحْرُ اليومَ ! )) ، فقال صفوان ـ و هو غير مقر بالإسلام بعد ـ : (( اسكت فضَّ اللّه فاكَ ، فو اللّه لأن يَرُبَّني [16] رجلٌ من قريش أحب إليّ من أن يربَّني رجل من هَوازِن )) [17].

          و في خضم هذا الاضطراب قام العباس بن عبد المطَّلب ينادي الأنصار بطلب من مُحَمَّدٍ ؛ و كانت الدّعوى أوّل ما كانت : (( يا لَلأنصار ))[18]، ثم انتهت أخيراً : (( يا لَلْخزرج )) ، و قيل إنّ النّداء اقتصر أخيراً على بني الحارث من الخزرج ، و كانوا مشهورين بالثبات في المعارك . و أخيراً انقلبت موازين القوى ، فصار النصر حليف المسلمين .

انسحبت هَوازِن منهزمة ، و تعرضت بني مالك ( الجناح الثقفي الثاني ) لأكبر الخسائر البشريّة ، فقُتل منهم سبعون رجلاً  ، وكان من بين القتلى عثمان بن عبد اللّه بن ربيعة ، فلما بلغ مُحمّداً مقتله ، قال : (( أبعَدَه اللّه ! فإنّه كان يبغض قريشاً )) [19].

في هذه الّلحظات الحرجة ، و قوات المسلمين ما زالت في ساحة المعركة ، و النّصر الّذي تحقق بالكاد بفضل الأنصار ، تكلّم محمّدٌ بعفويّة ، و ببساطة ، فكشفت هذه العبارة عن أنّه بقي يوالي قريشاً حتى عندما كان النصر ابن هنيهاته ، و الّذي تحقق بفضل الأنصار ، أو على الأقلّ أنّ تماسكهم هو ما سمح بتغير اتجاه المعركة .

حصار الطائف بعد حُنَيْن

          تراجعت قوات ثقيفٍ المنهزمة نحو الطائف ، فتحصّنت فيها لمواجهة قوات المسلمين ، الّتي كانت تسير إليهم . ثم إنّ جيوش المسلمين وصلت إلى الطائف ، فضربت عليها الحصارَ . دام الحصارُ عشرين ليلة تقريباً ، و لم يجرِ اشتباك مباشر بين الطرفين [20].

تيقّن مُحَمَّدٌ من استحالة اقتحام الطائف ، فقرّر الرّحيل ، ثمّ توجه بعد فشل الحصار صوب منطقة الجعْرانة ، و بها سبي ( نساء ، و أبناء ) هَوازِن ؛ و كانت حصيلتهم ستة آلاف من نساءٍ ، و أبناءٍ ، إضافةً إلى عدد كبير من الإبل و الشّاءِ .

ج ـ قسمة الغنائم ، و عطاء المؤلفة قلوبهم

            جاء مُحَمّداً وفدُ هَوازِن و هو لم يشرع بعد بتوزيع الغنائم ، فأعلن استسلام قومهم ، و أقروا بالإسلام ؛ عند ذلك خيّرهم مُحَمَّدٌ بين نسائهم و أبنائهم ، أو أموالهم ، فاختاروا أبناءهم و نساءهم ، فقال لهم : (( أمّا ما كان لي و لبني عبد المطَّلب فهو لكم ، فإذا صلّيتُ بالناس فقولوا : " إنّا نستشفع برسول اللّه إلى المسلمين ، و بالمسلمين إلى رسول اللّه في أبنائنا و نسائنا ، فسأعطيكم و أسأل فيكم " )) . فلمّا صلّى الظهر ، فعلوا ما أمـرهم به ؛ فقال مُحَمَّدٌ : (( ما كان لي و لبني عبد المطلب فهو لكم )) ، فقال المهاجرون ، و الأنصار نفس المقالة ؛ لكنّ زعماء القبائل البدوية رفضوا بالنيابة عن قبائلهم ، فرفض الأقرع بن حابس زعيم تميم ، و عُيَيْنة بن حصْن زعيم فزارة ، و العبّاس بن مِرْداس زعيم بني سُلَيم ، لكنّ قوم الأخير لم يقبلوا بقراره ، فقال لهم : (( و هنّتموني )) .

          لمّا رأى مُحَمَّدٌ أنّ الأغلبيّة رافضة للتنازل عن المغانم ، قال : (( أمّا من تمسَّك منكم بحقه من هذا السَّبي فله بكلّ إنسان سِتُّ فرائض [21]، مـن أوّل سَبي أصيبُه ، فـردُّوا إلى النّاس أبناءهم و نِساءهم )) [22]. و ما أنْ سوّى مُحَمّدٌ مسألة السّبيّ حتى تَّبعه المقاتلون يطالبون قسمة الفيء من الإبل و الغنم ، حتّى ألْجَئُوه إلى شجرة ، فتشبكت بردائه حتّى نزعته عن ظهره [23].

عطاء المؤلفة قلوبهم

          كانت استراتيجيّة مُحَمَّدٍ تتلخص بكسب أشراف القبائل ، من أجل الحصول على اعترافهم بسلطته ، و ضمان ولاءهم لدولته الناشئة ؛ و لهذا شرع بإعطاء أشراف الناس ، فأعطى : أبا سفيان بن حرب و ابنه معاوية ، و صفوان بن أميّة ـ العدو الّلدود السابق ، و الَّذي لم يقر بالإسلام بعد ـ ، و حكيم بن حِزام ، و الحارث بن الحارث بن كَلَدة ، و الأقرع بن حابس و عُيَيْنَة بن حصِنْ  ـ الّلْذَين رفضا التخلي عن السبي ـ كل منهم مئة بعير ؛ و أعطى دون المئة رجالاً منهم العبّاس بن مِرْداس ؛ فرفض الأخير العطاء ، فأعطاه مُحمّدٌ حتّى رضى [24]، و ربّما كي لا ينكسر بعد أنْ رفض قومـه طاعته ، و يزداد وهنه على وهن . و قد بلغ عدد المؤلفة قلوبهم الأربعين [25]. و من أجل نفس الهدف أرسل إلى مالك بن عوف يعرض عليه صفقة تتضمن إعلان الإسلام مقابل رد أهله ، و ماله ، إضافة لحصوله على مئة بعير ؛ فأُخبر مالك بذلك ، فخرج من الطائف ، و أعلن إسلامه [26].

          أثار ذلك حنق بعض المقاتلين ، فجاء رجلٌ إلى مُحَمَّدٍ من بني تميم يُقال له ذو الخُوَيْصِرَة ، فقـال : (( يا محمّد ، قد رأيتُ ما صنعتَ في هذا الـيوم )) ، و تابـع الرجلُ قائلاً : (( إنّك لم تعدل اليومَ )) [27].

          لكن ردّة الفعل الأخطر جاءت من الأنصار .

موقف الأنصار

ما إنْ أعطى مُحَمَّدٌ قريشاً ، و قبائل العرب المشاركة ، و لم يعطِ للأنصار شيئاً ، حتى شرعوا بالاحتجاج على نتائج القِسْمَة ، فقالوا لبعضهم : (( لقد لقي واللّه النّبيّ قومه )) ، و قال رجل من الأنصار (( ما أراد بها وجه اللّه )) [28]، و قالوا : (( سيوفنا تقطر من دمائهم و غنائمنا تقسم فيهم )) [29]، و ثمّة شعر لحسان بن ثابت ـ شاعر مُحَمَّدٍ ـ بصدد حرمان الأنصار من غنائم حُنَيْن ، و إنْ كان من غير المعروف على وجه الضبط زمن قوله أفي ساحة المعركة أم عندما رجعوا إلى المدينة ؛ على أنّ المصادر التاريخيّة ترويه كتفصيل جرى في ساحة المعركة .

توجه سعد بن عبادة إلى مُحَمَّدٍ من أجل أنْ ينقل إليه اعتراض الأنصار على قِسْمَة الفيء ، و حرمان الأنصار منها [30].

أدرك مُحَمّدٌ خطورة الوَضْع ؛ فجمع الأنصار ، فخطب فيهم قائلاً :

(( و اللّه لو شئتم لقلتم فصدقتم : أتيتنا مكذّباً فصدّقناك ، و مخذولاً  فنصرناك ، و طريداً فواسيناك ، أوَجدتم يا معشر الأنصار في أنفسكم في لُعاعة[31] من الدنيا تألّفت بها قوماً ليُسْلموا ، و وكلتكم إلى إسلامكم ، أفلا ترضون أن يذهب الناسُ بالشاة و البعير ، و ترجعوا برسول اللّه إلى رحالِكم ؟ و الَّذي نفسي بيده لولا الهجرة لكنتُ امرأً من الأنصار ، و لو سلك النّاس شِعباً و سلكتِ الأنصار شِعباً لسلكتُ شِعبَ الأنصار )) [32].

تمكّن مُحَمَّدٌ من السيطرة على احتجاجاتهم بخطابه المؤثّر ، و قيل إنّ القوم قد بكوا حتّى بلّوا لحاهم بالدموع ، و قالوا : (( رضينا برسول اللّه قسماً و حظاً )) [33].

لكنّ جمرات مشاعر الغبن و الحرمان كانت تتقد تحت الرماد ، و سرعان ما بدأت تطفوا إلى السطح .

تفاعل الأزْمَة و حملة تَبُوك [34]( رجب ـ 9 هـ / 630 م )

بعد إقامة مُحَمَّدٍ في المدينة ثمانية أشهر ـ ما بين ذي الحجَّة إلى رجب ـ ، أمر الناسَ بالتَّهيُّؤ لغزو الروم ، و قد أخبر عن مقصده خلافاً لعادته [35]؛ فأعلن سببَ قيام الحَمْلَة أنباءً بلغته بأنّ هرقل ملك الروم ، و حلفاؤه العرب المسيحيون قد عزموا على التوجه إليه [36].

كان الحـرّ شديداً ، و البلاد مجدبةً ، و أوضاع النّاس الماديّة سيئةً ، فتجهّز المقاتلون على كره ، و لذلك سُمي الجيشُ جيش العُسْرة . و زد من سوء الأمر أنّ قرار الحَمْلة جاء و الحالة الداخليّة في المدينة كان بالغ الحساسيّة ؛ إذ تعقد الوَضْع في المدينة سياسيّاً و اجتماعيّاً ، و برزت أعراض أزمة خطيرة هدّدت بتقويض استقرار المركز الإسلاميّ الوحيد ، و حيث توجد سُلْطَة راسخة لجنين الدّولة الإسلاميّة ، و قد برزت أعراض هذه الأزْمَة عبر انتشار النفاق ـ المعارضة ـ في المدينة بعد الاستيلاء على مَكَّة ، و انتصار حُنَيْن ، و كان مسجد الشقاق أحد منعكسات هذه الأزمة في المدينة ، الّتي نتجت عن خيبة الأنصار من  المعاملة الخاصّة الّتي حظي بها المكّيّون بُعيد الاستيلاء علـى مدينتهم ، و بعد موقعة حُنَيْن ؛ سِيّما إنّ الأحداث جرت خلافاً لتوقعاتهم ، أو ربّما لآمال الَّذين أردوا صنع مَلْحَمةٍ بالقرشيين كما عبّر عـن ذلك زعيمهم سعد ؛ كما لم يكن الأنصار يشعرون بالرضى على إعلان مُحَمَّدٍ قُبيل دخول مَكَّة ، و الّذي نصّ على أنّه : (( مَنْ دخل دارَ أبي سفيان فهو آمن ، و مَنْ أغلقَ بابه فهو آمن ، و مَنْ ألقى السلاح فهو آمن )) ، فقال بعضهم لبعض : (( أمّا الرّجُل فأدركته رغبة في قرابته و رأفة بعشيرته )) [37].

كان الأنصار يأملون بالحصول على غنائم تعوضهم تكاليف سنوات الصراع الثّمانية مـع قريش ، و لتكون أيضاً اعترافاً بمركزيّة نضالهم المشترك مع المهاجرين في تحقيق النصر الكبير على قريش . لكنّ دهشة الأنصار كانت عظيمة بصدور قرار العفو ، دون الرجوع إليهم ، و دون أنْ يسفر الاستيلاء على مَكَّة عن أيّة غنائم ؛ و زاد من تعقد الوَضْع موقعة حُنَيْن ، و الّتي أبلى فيها الأنصار بلاءً حسناً ، و بفضلهم تحولت المعركة إلى نصر ، بعد أنْ كادت قوات المسلمين تُمنى بالهزيمة ، و مُحَمَّدٌ نفسه هو من استنجد بهم بعدما رأى فرار المقاتلين ؛ فعبّر الأنصار عن هذه المفارقة ، فقالوا بعد قِسْمَة غنائم حُنَيْن : (( إنّ هذا لهو العجب أنّ سيوفنا تقطُر من دمائهم و إنّ غنائمنا تُرَدُّ عليهم )) [38].

كانت غنائم حُنَيْن كثيرة ، و كافية ، و كان يمكن أن تُعوّض الأنصار نسبيّاً عن نتائج مَكَّة المخيبة لآمالهم ، لكنّ مُحَمَّداً وفق حسابات تراعي الظروف السياسيّة المحيطة به ، قرّر أنْ يقدّم ثمن الاستيلاء على مَكَّة للقبائل المشاركة في صنع هذا الحدث ، و الّتي شاركت من أجل الحصول على الغنائم و حسب ؛ و أحد أبرز الأمثلة هو عُيَينَة بن حِصْن الَّذي شارك قريشـاً في غزوتها الفاشلة للمدينـة ـ الخندق ـ في شوال سنة ( 5 هـ / 627 م ) [39]، كما شنّ في سنة ( 6 هـ ) هجوماً على مشارف المدينة ، و استطاع الاستيلاء على إبلٍ مُحمّدٍ نفسه ، و قتل راعيها ، و خطف زوجه [40]. و في حصار الطائف علّل عُيَينَة مساعدته مُحَمَّداً برغبته في الحصول على فتاة منهم كي تنجب له ولداً ، لأن ثقيفاً كانت مشهورة بالدهاء و الفطنة [41].

شرع مُحَمَّدٌ يوزع الغنائم على هذه القبائل ، و أعطى بسخاءٍ لقياداتها ، مثل عُيَينَة الَّذي وصفه بـ (( الأحمق المطاع )) [42]، مستثنياً الأنصار ، كما كان مضطراً لرشوة القرشيين ، و لتهدئتهم من أجل كبح نزعات التمرّد فيهم على سلطته ، بوصفهم حديثي العهد بالإسلام كما شرح للأنصار [43].

و إذ تمكّن مُحَمَّدٌ من السيطرة على انفعالات الأنصار بخطبة مؤثرة فـي ساحة المعركة ، و منع الحدث من التفاعل سلبياً في حينه ، إلاَّ أنه لم يستطع إنهاء تداعيات هذه القضيّة ، و أخفق في إخماد جذوة الغضب الثاوي في نفوس الأنصار . فكان هذا الوَضْع بلا شك البيئة المثلى لمشاعر الإحباط و الغضب ، و الشّعور بالظّلْم ، و ربّما لبروز أسئلة مشروعة من قِبل الأنصار عن مصيرهم بعد كلّ ما قدموه من تضحيات للإسلام ؛ و لما لا و العشرة الَّذين بشرهم مُحَمّ‍دٌ بالجنّة كلهم قرشيون .

و لهذا بالضبط تقرر القيام بغزوة تَبُوك ، بالرغم من تبرّم النّاس منها ، و بروز معارضة جديّة لهذه الغزوة ، و كانت إحدى الحجج الرئيس لمعارضي الحملة هي شدة الحر ، و عدم ملائمة الطقس للقيام بهذه المهمة ، فكان تحذير القرآن لهم شديداً : (( و قالوا لا تنفِرُوا في الحرِّ ، قُل نَارُ جَهَنّم أشدُّ حرّاً لو كَانُوا يَفْقَهُون )) [44]. كما كان بعض المعارضين يجتمعون في بيت سويلم اليهودي ، يثبّطون النّاسَ عن المشاركة في الحملة ؛ و إذ كان الوَضْع لا يحتمل التساهل فقد بعث مُحَمَّدٌ إليهم طلحة بن عبيد اللّه في مجموعة من المسلمين و أمرَهُ أن يُحرّق البيت على المجتمعين [45].

و من أجل الإسراع بتجهيز الحملة ، حثّ مُحَمَّدٌ أغنياء المسلمين على تمويلها ، و قد أدركت هذه النّخبة الماليّة خطورة الموقف ، و مدى حرجه ، و استشعرت إرهاصات الانفجار الاجتماعيّ ؛ فقامـت بواجبهـا ، و كان أبرز المموّلين لها عثمان بن عفان [46].

في هذا الظرف الحساس أُنجز بناءُ المسجدِ ، و عشيّة خروج مُحَمَّدٍ لتَبُوك قدم إليه بُناته ، و طلبوا منه المجيء ليصلّي في مسجدهم ؛ و قد علّل بُناة المسجد سبب بنائه بأنّـه للضعفاء منهم ، و أهل العلّة في اللّيْلَة الماطرة ، و يبدو أنّ شكوكاً كانت تراود مُحَمَّداً بشأن الهدف من بنائه ، و حقيقة توجهات بُناته ، فاعتذر منهم ، قائلاً : (( إنّا على سفر ، و لكن إذا رجعنا إن شاء اللّه )) [47].  أمّا لِمَ لم يهدم المسجد كما فعل ببيت سويلم مع وجود هذه الشكوك ، بينا قرره هدمه بعيد حملة تَبُوك ؟ فهو يعود إلى الأسباب التالية :

أولاً ، إنّه لم يكن متأكداً من توجهات بُناته ، و إنّه كلّف من يراقب له طبيعة النّشاط في المسجد ؛ فلما آب من تَبُوك ، و نزل بذي أوان [48] في طريق عودته إلى المدينة أتاه خبرُ المسجد [49]، أي بكلمات أخرى جاءته معلومات دقيقة عن الأهداف الكامنة وراء بنائه ؛ ثانيّاً ، لم يرَ فيه خطراً مباشراً على سلطته أو على دعوته لحملة تَبُوك ، ففضل التريث بشأنه كي لا يزيد التوتر في المدينة ؛ و أخيراً ، تعرض مُحَمَّداً لمحاولة اغتيال أثناء عودته من تَبُوك ، و الراجح أن هذه الحادثة قد لعبت الدور الأهم في قرار إحراق المسجد .

          تجمّعت القوات المتجهة إلى تَبُوك ، و توزعت إلى قسمين : القسم الأول مع مُحَمَّدٍ ، و تمركز في ثنيَّة الوَدَاع ؛ و القسم الثاني مع عبد اللّه بن أبيّ ابن سلول ، فكانت قوات بن أبيّ لا تقلّ عدداً عن قوات مُحَمّدٍ ، فلمّا سار بقواته ، تخلّف عنه ابن سلول بقواته ، و ينقل الطبري قول الحسن البصري إن فيهم جاءت الآية : (( لقد ابتغوا الفِتْنةَ مِنْ قَبْلُ ، و قلّبوا لكَ الأمُورَ )) [50].

وصل مُحَمَّدٌ إلى تَبُوك ، و هناك عقد اتفاقاً مع يُوحَنَّا بن رُؤبة صاحب أيْلَة [ العقبة اليوم ] ، مقابل إعطاء الجِزْيَة ، و أتاه أهل جَرْباء و أذْرُح ، فأعطوه الجِزْيَة ، مقابل اتفاقات محددة [51]. ثُمّ أقام في تَبُوك بضع عشرة ليلة ـ  كما تقول المصادر و دون أن تعين عدد أيام إقامته ـ ، و لم يحدث الصدام المسلح مع الروم و العرب المسيحييّن ، فعاد إلى المدينة [52]. و في طريق عودته أمر الجيش بالمسير من وادٍ ، و صعد هو طريقاً في أعلى الجبل و كان معه عمار بن ياسر ، و حذيفة بن اليمان .

اغتنمت مجموعة معادية لِمُحَمَّدٍ هذه الفرصة ،  فتوجهت إليه ، و كان أفرادها متلثمين و حاولوا طرحه من رأس هذه العقبة في الطريق ، لكن المحاولة لم تنجح لأن حذيفة لوح أمام وجوه رواحلهم بمحجنة ( عصى معوجة ) ، فأسرعوا بالفرار و دخلـوا بين الجند ، فقال القرآن : (( وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا )) [53] و لا يُعرف أحد مِنَ المشاركين في هذه العملية الفاشلة ، لكن توجد رواية تذكر أسماء المجموعة و فيها أفرد من بُناة مسجد الشقاق [54]، فكانت هذه المحاولة من عواقب الأزمة السياسيّة في المدينة ، و سبباً إضافياً لهدم المسجد .

على أي حال تحقق الهدف الرئيس للغزوة ، و هو نزع فتيل الأزمة الداخليّة ، و تجاوز مخاطر وقوع صراع بين المهاجرين و الأنصار في المثابة الوحيدة للسلطة الإسلاميّة . و سيتمكن مُحَمَّدٌ من تجاوز هذه المعضلات عندما يبدأ بحصد نتائج سياسته التي اتسمت ببعد النظر فور رجوعه للمدينة مع قدوم وفود القبائل العربيّة إليه ؛ و هذا ما دفع مجتمع المدينة إلى أنْ يُظهر تماسكاً داخليّاً من أجل الحفاظ على النفوذ الصّاعد للمدينة و خصوصاً إنّ استسلام الطائف ـ صنْو مَكَّة في الحجاز ـ كان فور إيابه من تَبُوك ( رمضان ، 9 هـ / 630 م ) .

لما اقترب من المدينة بعث فريقاً إلى ذلك المسجد من أجل هدمه قبل دخوله المدينة . و قد كان بُناة المسجد صلوا فيه ثلاثة أيام [55]، فانضاف عامل أخر ـ تفعيل البناء ـ إلى المعلومات الّتي وصلته و هو بذي أوان ، و محاولة اغتياله ، و التي نرى أنّها الدافع الرئيس للتخلص من بؤرة الخطر هذه على سلطته ؛ فبعث مُحَمَّدٌ مالك بن الدخشم ، و معن بن عدي أو أخاه عامر بن عدي ، و ضم القرطبيّ و البغوي في تفسيرهما وحشياً ـ قاتل حمزة ، بينا أضاف البغوي عامر بن السكن .

ندد القرآن ببُناة المسجد ، و اتهمهم بأنهم كانوا يخططون لجعل المسجد مركزاً لِمن حاربَ اللّهَ و رسولَه ، فقال : (( و الّذينَ اتَّخذُوا مَسْجِداً ضِراراً و كُفراً و تفريقاً بين المؤمنينَ و إرْصَاداً لِمن حاربَ اللّهَ و رسولَهُ من قبلُ و ليَحْلِفُنَّ إنْ أردنا إلاّ الحُسنى و اللّهُ يشهدُ إنّهُمْ لَكَاذِبُونَ )) [56].

تقول التفاسير بأن (( إرْصَاداً لِمن حاربَ اللّهَ و رسولَهُ من قبلُ )) ، أي انتظاراً و إعداداً لِمَنْ حارب اللّه و رسوله ، و إنّ المقصود بالآية أبا عامر الرّاهب ؛ فمن هو أبو عامر الراهب ؟ 

أبو عامر الراهب

 أبو عامر الرّاهب لقب لعبد عمرو بن صيفيّ الّذي كان يعيش في المدينة قبل الهجرة النبويّة و هو ينتمي للأوس [57]؛ و لُقّبَ بالرّاهب لأنّه كان يلتزم سلوكاً زهديّاً ، مما حدا ببعض المؤرخين لاعتباره مسيحيّاً ؛ مع أنّه لم تُوجد دلائل على حضور المسيحيّة في يثرب .

أعتنق أبو عامـر الرّاهب المذهب الدينيّ ذا الطابع التوحيديّ الّذي لـقي اهتمامـاً في العربيا ـ الحنيفية ـ ؛ و توجد معطيات تسمح لنا بافتراض أنّ الحنيفية مذهب نشأ تحت تأثير المسيحيّة ، دون أن تكون المسيحيّة منبعه الوحيد ؛ و لأنّ المؤرّخين كانوا يفتقدون للثقافة اللاهوتيّة التي تسمح لهم بتصنيف الأديان و المذاهب فإنّهم اعتبروا أبا عامر مسيحيّاً عن غير حقٍ ، و على الرغم من أنّه وصف نفسه حنيفياً .

يعتقد " جيب " بأنّ كلمة حنيفي ذات جذر سرياني ، فقال إن السريان كانوا يعتبرون الأحناف وثنيـين ، استناداً إلى الكلـمة السريانية حَنفُو ( أي وثني ) [58]؛ و نجد في القاموس السرياني : حَنُفُتوا ( وثني ، كافر ) ، حَنفُويْت ( بوثنية ) ، حَنفُوتو ( وثنية ، إلحاد ) ، حَنِف ( يوثن ، يجعله وثنياً ) [59]. و تعزز رواية أخباريّة هذا الفرض ، إذ تفيد هذه الرّواية بأنّ وفداً مسيحيّاً قدم على مُحَمَّدٍ في عهد الدّعوة المكيّة ، و تقول الرّاوية إنّ الوفد جاء من الحبشة ، و رواية أخرى إنّه جاء من نجران [60]. و الرّاوية إنْ صحت فإنّها تشير إلى علاقة مبكرة بالحبشة تعود لوجود قواسم دينيّة مشتركة ، و ربّما كان الوفد يقوم بجولات تبشيريّة ، أو زيارات رعويّة لأتباع الديانة المسيحيّة أو لِمَنْ يُعتقد أنّه يقع ضمن دائرة الأتباع ؛ و هذا ما يفسر ـ برأينا ـ سبب اختيار مُحَمَّدٍ الحبشة مرتين مقصداً لهجرة المسلمين الأوائل .

كان ثمّة تطورات اجتماعيّة خلقت الحاجة إلى شكلٍ دينيٍ توحيديٍ ، و قد فشلت المسيحيّة في تلبية حاجات العربيا الروحيّة ـ مثلها في ذلك مثل اليهوديّة ـ ، و لهذا عجزت على اختراق مجتمعات الجزيرة العربية إلاّ في حدود ضيقة . و عندما تكوّنت الحنيفية فإنّها خضعت أثناء هذه السيرورة لشروط العربيا السيا ـ اقتصاديّة ، و برزت شخصيّات عبّرت عن هذا التوجه الديني الجديد ؛ فكان منهم في مَكَّة زَيْدُ بن عَمْرو بن نُفَيل ، الّذي كان يقول : (( إلهي إله إبراهيم ، و ديني دين إبراهيم )) ، و هناك روايات تتحدث عن جولات كان يقوم بها ، و أنّه تعرّف على معالم الديانتين اليهوديّة والمسيحيّة . و قد تُوفي قبل الدعوة الإسلاميّة بحوالي خمس سنوات في أثناء هذه الجولات ، و ربّما يجب دراسة دوره ـ و دور الحنيفية ـ في تهيئة الجو الديني في مَكَّة من أجل استقبال الإسلام .

كان أبو عامر ينتسب إلى هذا التيار ، و كان يتمتع بنفوذ معنوي في قومه و هذا يعود لمكانة اجتماعيّة لم تحددها المصادر التاريخية ؛ مما أعلى من شأنه في يثرب قبل الهجرة ، و في الحقيقة لم يكن يضاهي نفوذه إلاّ نفوذ ابن خالته عبد اللّه بن أُبّيّ ابن سلول [61]، الَّذي رشحه اليثاربة ليصبح زعيمهم الأوحد بعد أنْ أنهكتهم الفوضى الاجتماسيّة ، و غياب الأمن فيها بسبب من افتقاد المجتمع اليثربي لمؤسسات سياسيّة تدير شئونه و تنظم حياته .

          بعد هجرة مُحَمَّدٍ إلى المدينة ( 622 م ) جرى لقاءٌ بينه و بين أبي عامر ، و قد وصلنا نصٌ مجتزأ من الحوار :

ـ أبو عامر : ما هذا الذي جئت به ؟

ـ مُحَمَّدٌ : جئت بالحنيفية ، دين إبراهيم .

ـ أبو عامر : أنا عليها .

ـ مُحَمَّدٌ : إنك ليست عليها .

ـ أبو عامر : بلى ، إنّك أدخلت يا محمّد في الحنيفية ما ليس فيها .

ـ مُحَمَّدٌ : ما فعلت ، و لكنّي جئت بها بيضاء نقية [62].

يتبين من الحوار إنّ كلا الرجلين كانا يتحاوران بوصفهما ممثلا اتجاه ديني واحد ، و عندما لم يتمخض الّلقاء عن اتفاقٍ صار الخلاف حتميّاً بينهما ، إذ كان كلُ واحدٍ منهما يرى نفسه ممثل الاتجاه الصحيح للحركة الحنيفية ، و مما وسع شقة الخلاف بين مُحَمَّدٍ و أبي عامر أن نفوذ أبي عامر أصبح مهدداً من قِبل نفوذ النّبيّ المهاجر . و بهذا خرج كلُ واحدٍ من هذا الّلقاء ـ هذا إذا لم يكن ثَمَّ لقاءات أخرى ـ و هو يرفض الاعتراف بشرعيّة الآخر ـ كما يتضح من الحوار ـ بعد أنْ عجزا على التوصل إلى نقطة مشتركة ، و إخفاق مُحَمَّدٍ في إقناع أبي عامر بالانضمام إليه ؛ و بهذا التقى البعد الشّخصيّ بالبعد الدينيّ في رفض أبي عامر لحنيفية مُحَمّدٍ .

ما يثير الانتباه هو قول أبي عامر لِمُحَمَّدٍ : (( إنك أدخلت في الحنيفية ما ليس فيها )) ، فماذا كان يقصد به ؟

حسب المعلومات المتوفّرة بحوزتنا عن رموز التّيّار الحنيفي نستطيع القول إن النشاط الديني الحنيفي كان ذا طابعاً تبشيرياً ، و هو ما يتفق مع شكل دعوة مُحَمّدٍ في المرحلة المكيّة . و في نهاية هذه المرحلة طرأ تحوّل كبير على طابع نشاط مُحَمَّدٍ بسبب عوامل داخليّة و تزايد العداء القرشيّ له و لاتباعه ، و انفتاح آفاق جديدة أمام الحركة الإسلاميّة مع هجرة مُحَمَّدٍ إلى المدينة ، فاصطبغت الدعوة الإسلاميّة بلون سياسي خالص ، و هذه قفزة حادة ، لا يمكن أنْ تنال موافقة رموز هذا التّيّار من جهة ، و غياب ما يدل على أنّ الحنيفية كانت تيّاراً موحّداً من جهة ثانية ، و الّتي يبدو أنّها أخذت أشكالاً عديدة تبعاً للبيئة الّتي كانت تتوطن فيها . و بيئة مَكَّة كانت أغنى دينيّاً و سياسيّاً و اجتماعيّاً من بيئة المدينة ، و بطبيعة الحال كان النشاط الديني أكثر غنىً و أشد ديناميكيّة ؛ و بالتالي كانت الحركة الحنيفية فيها أكثر نضجاً بالمعنى التاريخي و أقدر على الفعل نتيجةً لهذه الحيويّة . و تبعاً لذلك وُجد فارق آخر بين مُحَمّدٍ و بين بقية رموز هذا التّيّار ، يكـمن في أنّ مُحَمَّداً سعى لشعبنة الفكر الحنيفي ، و هذا شرط جعل الحنيفية فاعلةً في المجتمع الّتي توجد به ؛ و هذا أبرز ما كان يميزه عن شخصيات هذا التّيّار ، و بطبيعة الحال سيُرفض التيار الشعبي من قبل ممثّلي الاتجاه النّخبوي .

بعد انتصارُ بدر ( 2 هـ / 624 م ) ، و الّذي غيّر من تركيبة الخريطة السياسيّة للمدينة ، مع توطد سلطة مُحَمَّدٍ فيها على حساب مواقع مناوئيه اليثاربة ـ و هم عموماً أصحاب النفوذ السابق و زعماء القبائل فيها ـ قرر أبو عامر الالتحاق بمَكَّة حيث قريش ـ أعداء مُحَمّدٍ الرئيسيون ـ ، و خرج معه خمسون شاباً من الأوس ، و بعض الرّواة يقولون خمسة عشر [63]؛ و بذلك أخذت معاداته لِمُحَمَّدٍ منحاً حاداً ، و لهذا طلب مُحَمَّدٌ من أتباعه تسميته (( فاسقاً )) [64].

أمّا عبد اللّه بن أبيّ ، الَّذي لم يكن في وسعه إيقاف حركة اعتناق الدِين الجديد فقد قرر اعتناق الإسلام ظاهرياً ، من أجل مجابهة نفوذ مُحَمَّدٍ في المدينة ، و إن بقي على عدائه العملي للإسلام ؛ متخذاً بذلك أسلوب المعارضة من الداخل ، و التي ستعرف في التاريخ الإسلامي باسم النفاق .

عندما قرّرت قريش الثأر لهزيمتها في بدر ، اشترك أبو عامر معهم في معركـة أُحد ( 3 هـ / 625 م ) ، لأنّه كان قد توعّد مُحَمَّداً ، قائلاً له : (( لا أجد قوماً يقاتلونك ، إلاّ قاتلتك معهم )) [65]. و شاركه خمسون رجلاً من قومه[66] و يبدو أنّهم أولئك الذين خرجوا معه ، أو ربّما آخرون التحقوا به ، فكان أوّل من اصطدم بجيش المسلمين في الأحابيش [67] و أرقّـاء مَكَّة .

حاول أبو عامر قُبيل المعركة التأثير على الأنصار ، لكنّه فشل في مسعاه و سمع منهم كلاماً مقذعاً ، فقال : (( و اللّه لقد أصاب قومي بعدي شر )) [68]؛ و مع ذلك حقّق بعض ثأره من مُحَمَّدٍ فقد أُتهم بالتسبب بجـرح وجه مُحَمَّدٍ ، و كسر رباعيته اليمنى ، و السفلى ، و جرح شفته السفلى لأنّه قام بحفر حفر فيما بين الصفين ليقع فيها المسلمون ، فوقع مُحَمَّدٍ في إحداهنّ [69].

بعد أنْ نجح مُحَمَّدٍ في الاستيلاء على مَكَّة ( 8 هـ / 630 م ) ، و ألحق هزيمة نكراء بهَوازِن في موقعة حُنَيْن غادر أبو عامر الجزيرة العربيّة إلى الشام [70]، و تدّعي الرّوايات أنّه طلب معونة البيزنطيين لمحاربة المسلمين ، و المؤكد إنّه لم يجد و لم يكن يتوقع من البيزنطيين غير ملاذٍ له ، إذ ليس ثمّة ما يدلّ على أنّ البيزنطيين حاولوا أن يُورّطوا جيوشهم في صحراء الجزيرة العربيّة ، أو حتّى إنهم قدّموا معونة ماليّة لأبي عامر .

من الشام شرع أبو عامر يتصل ببعض رجال المدينة ، و قد تمكن فعلاً من استمالة بعض الأنصار إليه ؛ فطلب منهم أن يتخذوا له مركزاً دعويّاً ، و ربما ليكون معقلاً لأنصاره في المستقبل . و تقرر أن يكون هذا المركز مسجداً [71].

يعود نجاح أبي عامر في تحقيق هذا الاختراق المتأخر إلى عاملين :

أولهما ، و هو الأهم المناخ المتوتر في المدينة و الّذي سبب لِمُحَمَّدٍ جملة من المعضلات السياسيّة و قد وصلت ذروتها في محاولة اغتياله ، فساعدت هذه الظروف أبا عامر على اكتساب بعض الأتباع ، و لقيت نداءاته للتمرّد أذناً صاغية من قِبل بعض الأنصار .

ثانيهما ، هو طبيعة مجتمعات الجزيرة العربية و التي تتسم بالتشظي ، فكان السبب المباشر الذي حفز بناء المسجد ـ المركز ـ هو قيام بنو عمرو بن عوف ـ من الأنصار ـ ببناء مسجد قباء ، و طلبوا من مُحَمّدٍ القدوم إليهم ليصلي في مسجدهم ؛ فأشعل ذلك نار الحسد في بني عمومتهم بني غنم بن عوف ، و قرروا بدورهم في حمّى المنافسة بناء مسجد [72]، و وافقـوا أيضاً على جعل المسجد مركزاً لأبي عامـر في حال قدومه [73]. و الجلي هنا إنّ قرار بُناة المسجد بجعله معقلاً لأبي عامر في حال مجيئه هو رغبتهم في إضفاء بعدٍ مقدسٍ على مكانهم ، و يستطيع أبو عامر بوصفه حاملاً لصفة الرّاهب أنْ يمنح مسجدهم القداسة في مواجهة البعد المقدس لمنافسيهم ـ بُناة مسجد قباء ـ ، الَّذين تلقوا مباركة مُحَمّدٍ .

هذه خلفية بناء المسجد ، و الذي تحوّل بعد ذلك أنقاضاً ، و صار مكباً للنّفايات بأمرٍ من مُحَمَّدٍ نفسه [74]. و بذلك يكون أبو عامر ـ الحنيفي ـ قد فشل في آخر مساعيه لتقويض سلطة النّبيّ الحنيفي ، فمات في المنفى الاختياريّ في قنسرين [75]، أو في الحبشة عند النجاشي [76]. و تتحدث الأنباء عن أنّ موته كان سنة تسع أو عشر هجريّة [77]. و بذلك حدثت القطيعة النهائيّة بين تيّارات الحنيفية ، و كانت آخر محاولات هذا التّيّار للبقاء هي بناء مسجد بني عوف ، و نهايته كانت منسجمة مع ضيق أفق روّاد التّيّار ، و نكوصهم عن تطوير العقيدة الحنيفية ، و قد أساء أبو عامر تقدير موازين القوى في المدينة ، و كان على ما يبدو يتجاهل انتصارات الحركة الإسلاميّة الأخيرة ، و أنّه أمام جنين دولة . و توحي شكل المحاولة ـ مسجد للضعفاء ـ عن أنّ أبا عامر أراد التوجه لنفس القاعدة الاجتماعيّة الّتي كان يتوجه إليها مُحَمَّدٌ في الفترة المكّيّة ، لكنّ محاولته جاءت متأخرة زمنياً و خارج البيئة بعد أن تمكّن مُحَمَّدٌ من استنهاض مجتمع المدينة ، و توحيده نسبياً في مسار نضال ضارٍ لبناء المجتمع المتماسك ؛ و ربّما لو حاول في الفترة الأولى للهجرة لكان مصير تحركه مختلف ، و أخّر تعزيز سلطة مُحَمَّدٍ في المدينة ، لكنّه كان يفتقد لبعد الرؤية ، علاوة على أنّه لم يكن يملك العوامل الأساسية ، و إلا لكان نهض بيثرب قبل هجرة محمّدٍ إليها ، فولدت محاولـته ميتةً ، في حين كان مُحَمَّدٌ يحوز كل شروط النجاح . و إذ أنجز مُحَمّدٌ التطور المطلوب في الحركة الحنيفية ، فإنّه أحتفظ لنفسه بحق تمثيل هذا التّيّار في العربيا ؛ و لهذا فإن إطلاق تسمية مسجد الشقاق على البناء تضمن فكرة انشقاق عن الإسلام بوصفه الشكل الناجز للحنيفية ، حيث صار الإسلام وريثاً وحيداً لكل التيارات الحنيفية ، و التي فقدت شرعية وجودها بعدما فشلت في ترسيخ جذورها في مجتمعات الجزيرة العربية .

بعد سنيّ نضالٍ طويلة ، و بالصبر و بالعزيمة الّتي لا تلين ركم مُحَمَّدٌ أسساً لا يُستهان بها من القوة الماديّة ؛ و لهذا رفض وجودَ مركزٍ يمثّل أيّ جناح لهذا التّيّار ؛ دون أنْ يدفعه ذلك إلى أنْ يغمط لروّاد هذا التيار حقهم ، فقال عن زَيْد بن عَمْرو بن نُفَيل  : (( يُبْعَثُ يومَ القيامة أمّةً وَحْدّهُ )) [78]، و عندما جاءه وفد عبد قيس سألهم عن قس بن ساعد الأيادي ، و شرع يتذكّر كيف كان قس يدعو لمذهبه بعكاظ ، و فحوى خطبه بالناس ، فقال عنه : (( رحم اللّه قساً ، إنّي أرجو أنْ يبعثه اللّه عز وجل أمّة وحده )) [79]، و عن خالد بن سنان قال : (( نبيّ ضيّعه قومه )) [80].

هذا هو عين الوفاء للجذور ، حيث يقرّ مُحَمّدٌ بريادتهم لكنّه لا يقبل تضيع إنجازاته لحساب هذا الإقرار ، و لو خطفت المنيّة أبا عامر قبل الهجرة لما عدم مُحَمّداً بحقه كلمات تليق بمكانته ، لكن شاءت الأقدار أنْ تضعه في مواجهة نّبيّ الإسلام ، فقرر التاريخ الإسلامي تجاهله ؛ و لهذا لا نعلم شيئاً عنه و عن سيرته قبل الهجرة ، و عمّا إذا كانت له أسجاع كقس بن ساعدة .

إنّ الفرق الأساسي بين مُحَمّدٍ و أبي عامر يكمن في أنّ مُحَمَّداً أدرك جيداً حركة التّاريخ و تحرك ضمن معطيات بيئته الاجتماعيّة ، بينا كان الثاني بعيداً عن هذا الفهم ، و عاجزاً على الفعل التّاريخي ، و إذ أضاع أبو عامر مسار التّاريخ فإنّ التاريخ بدوره قد أضاعه في مساره ؛ و بقدر ما ابتعد أبو عامـر عن دائرة الفعل فيه بقدر ما أبعده التّاريخ عنه ، و لهذا عجـز عن المشاركة في كتابته ، فشطبه كاتبو التاريخ من صفحاته . 

أسماء بُناة المسجد

1 ـ خذام بن خالد ، و من داره أُخرج المسجد ( من بني عمرو بن عوف ) .

2 ـ ثعلبة بن حاطب [81].

3 ـ معتِّب بن قُشَير ( من بني ضبيعة بن زيد ) .

4 ـ أبو حبيبة بن الأزعر ( من بني ضبيعة بن زيد )  .

5 ـ جارية بن عامر[82] ، و ابناه : 6  ـ مُجَمِّع ، 7  ـ زيد .

8 ـ نَبتل بن الحارث ( من بني ضبيعة ) .

9 ـ بَخْرج ( من بني ضبيعة ) .

10 ـ بجاد بن عثمان ( من بني ضبيعة ) [83].

11 ـ وديعة بن ثابت  .

12 ـ عبّاد بن حُنَيف [84].

          ينفرد القرطبي بذكر : عباد بن الأزعر [85]. و قد صلى بهم مجمع بن حارثة .[86]


* نُشرت الدراسة في مجلة " النّهج " عدد 23 / صيف 2000 ، ص 30 ـ 45 .

[1] تاريخ الأمم و الملوك ، أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري ، دار الكتب العلمية ، لبنان ، م 2 / 163 .

[2] قال ابن هشام هو عمر بن الخطاب ، السيرة النبويّة ، ابن هشام ، تحقيـق : مصطفى السقا ، إبراهيم الأبياري ، عبد الحفيظ شلبي ، دار ابن كثير ، دمشق ـ بيروت ، م 2 / 406 ـ 407 .

[3] موسوعـة الحديث الشريف ( م. ح. ) ، شـركـة البرامـج الإسلامـيّة الـدولـيّة ، الإصــدار الثانـي ( CD ) ، 1997 م ، صحيح البخاري ، كتاب المغازي ، رقم 3944 .

[4] تاريخ الطبري : 2 / 159 ؛ أُسد الغابة في معرفة الصحابة ، عز الدين بن الأثير ، دار الفكر ، بيروت ، 1414 هـ / 1995 م ، م 2 / 223 ؛ تاريخ ابن خلدون ، دار البيان ، د. ت. ،  م 2 ، ج 2 / 43 .

[5]  الطبقات الكبرى ، ابن سعد ، دار صادر ، بيروت ، 1418 هـ / 1998 م ، م 2 / 135 .

[6] صحيح البخاري ، رقم 3944 .

[7] النسع : الشراك الذي يشد به الرحل .

[8] عند ابن سعد : مطعم بن عدي  .

[9] تاريخ الطبري : 1 / 564 ـ 565 ؛ ابن سعد : 1 / 223 ؛ خلدون ، م 2 ، ج 2 / 13 .

[10] ثمّة روايات تفيد بأن العباس بن عبد المطلب هو من طلب ذلك .

[11] أسيد عند الأزرقي ؛ عتاب بن أسيد عند القرطبي .

[12] الكامل في التاريخ ، ابن الأثيـر ، دار صادر ، بيروت ، 1399 هـ / 1979 م ، م 2 / 254 ؛ أخبار مَكَّة ، محمّد بن عبد اللّه الأزرقي ، مكتبة الثقافة ، مَكَّة ، 1414 هـ / 1995 م ، ج : 1 / 274 ـ 275 ؛ تفسير القرطبي ، الحجرات : 13 .

[13] ابن سعد : 2 / 150

[14] ابن سعد : 2 / 151

[15] قال ابن هشام : كَلَدةُ بن الحنبل .

[16] يكون رباً لي ، أي مالكاً علي .

[17] ابن هشام : 2 / 443 ـ 444 ؛ تاريخ الطبري : 2 / 168 ؛ أُسد الغابة : 2 / 421

[18] أو : (( يا معشر الأنصار ، يا أصحاب السّمْرة ، يا أصحاب سُورة البَقَـرة )) ( ابن سعد : 2 / 151 ، 4 / 18 ـ 19 )

[19] تاريخ الطبري : 2 / 169

[20] تاريخ الطبري : 2 / 172 .

[21] الفرائضُ : جمع فَريضةٍ ، و هو البعير المأخوذ في الزكاة ، و سُميّ فريضةً لأنـه فرضٌ واجب على ربّ المال ، ثم اُتسع فيه حتى سُميّ البعيرُ فريضة في غيـر الزكاة ، لسان العرب ، لابن منظور ، مادة ، فرض .

[22] تاريخ الطبري : 2 / 174  ؛ الكامل في التاريخ : 2 / 269 .

[23] م. ح. ، موطأ مالك ، رقم 866 .

[24] الكامل في التاريخ : 2 / 270  .

[25] ابن خلدون ، نفسه ، ص 48 .

[26] الكامل في التاريخ : 2 / 269 .

[27] الكامل في التاريخ : 2 / 271  ؛ تاريخ الطبري : 2 / 176 .

[28]م. ح. ، صحيح البخاري ، حديث رقم 2917 ، و 3153 .

[29] ابن خلدون ، م 2 ، ج 1 / 293 .

[30] تاريخ الطبري : 2 / 176 .

[31] اللعاعة : نبات الهِندبا ، حيث شبه بها غنائم حُنَيْن .

[32] الكامل في التاريخ : 2 / 271 ـ 272 .

[33] ابن هشام : 2 / 500 .

[34] تَبُوك هي مدينة في الطريق من دمشق إلى المدينة .

[35] تاريخ الطبري : 2 / 181 .

[36] الكامل في التاريخ : 2 / 277 .

[37] فتوح البلدان ، أبي الحسن البلاذري ، مراجعة ، رضوان محمّد رضوان ، دار الكتب العلميّة ، بيروت ، 1412 هـ / 1991 م ، ص 52 .

[38] م. ح. ، مسند أحمد ، رقم : 12269 .

[39] ابن هشام : 2 / 215 .

[40] ابن هشام : 2 / 281 ؛ تاريخ الطبري : 2 / 105 .

[41] ابن هشام : 2 / 485 ؛ تاريخ الطبري : 2 / 175 .

[42] ابن هشام : 2 / 214 ، هامش ( 4 ) .

[43] م. ح. ، صحيح البخاري ، رقم : 3989 .

[44] القرآن ، لتوبة : 81 .

[45] ابن هشام : 2 / 517 ؛ تاريخ الطبري : 2 / 182 .

[46] ابن هشام : 2 / 517 ـ 518 .

[47] تفسير ابن كثير ؛ و القرطبي ، التوبة : 107 ؛ ابن هشام : 2 / 529 .

[48] بلد على مشارف المدينة .

[49] ابن هشام : 2 / 530 ؛ تاريخ الطبري : 2 / 186 .

[50] تفسير الطبري ، التوبة ، 48 ؛ تاريخ الطبري : 2 / 182 .

[51] الكامل في التاريخ : 2 / 280 .

[52] الكامل في التاريخ : 2 / 281 .

[53] القرآن ، لتوبة : 74 .

[54] سيرة ابن كثير ، غزوة تَبُوك ؛ تفسير ابن كثير و البيضاوي ، التوبة : 74 .

[55] القرطبي ، التوبة : 107 .

[56] القرآن ، التوبة : 107 .

[57] في تفسير ابن كثير للخزرج .

[58] Islam: A Historical Survey, H. A. Gibb, London, 3rd, impression, 1978, p 26.

[59] قاموس سِرْيَاني ـ عربي / إنجليزي / فرنسي  Louis Costaz, S.J.  ، Imprimerie Catholique ، Beyrooth ، ص 110 .

[60] عيون الأثر في فنون المغازي و الشمائل و السّير ، فتح الدين أبو الفتح سيد الناس ، دار القلم ، بيروت ، 1414 هـ / 1993 م ، م 1 / 150 .

[61] ابن هشام : 2 / 584 ؛ تفسير ابن كثير ، التوبة : 107 .

[62] ابن هشام : 2 / 585 ، عيون الأثر : 1 / 255 ؛ تفسير البغوي ، التوبة : 107 .

[63] تفسير ابن كثير ؛ تاريخ الطبري : 2 / 64 ؛ الكامل في التاريخ : 2 / 149 .

[64] ابن هشام : 2 / 585 .

[65] تفسر القرطبي ، التوبة : 107 .

[66] ابن سعد : 2 / 37 .

[67] الأحابيش : حلفاء قريشٍ من القبائل .

[68] تاريخ الطبري : 2 / 64 ؛ الكامـل في التاريخ : 2 / 150 ؛ ابن سعد : 2 / 40 ؛ تفسير ابن كثير ، التوبة : 107 .

[69] تفسير ابن كثير ، التوبة ، 107 ؛ عيون الأثر : 2 / 20 ـ 21 . و هذا يلقي ظلالاً من الشك على أن قوات قريش انهزمت في البدء ، و يبدو أن انسحابهم كان ضمن خطة مسبقة ، و هذا ما تدل عليه الحفر .

[70] يقول ابن كثير في تفسيره إنّ رحيل أبي عامر كان بعد معركة " أُحد " ، و هذا أمر مستبعد ، ففي هذه الموقعة هُزمت قوات المسلمين ، و لم يكن ميئوساً بعد القضاء على الحركة الإسلامية .

[71] مسجد " الضرار " حسب اصطلاح القرآن أو " الشقاق "حسب المؤرخين .

[72] تفسر القرطبي ، التوبة : 107 ؛ فتوح البلدان ، 18 .

[73] يُورد البلاذري في فتوحه تبريراً يفيد بأن سبب رغبتهم في بناء المسجد يعود إلى أن موضع مسجد قباء كان يُربط فيه حمار ، فقالوا : (( أنحن نسجد في موضع كان يربط في حمار ؟ )) ( ص 17 ) .

[74] تفسير الطبري و البغوي ، التوبة : 107 ؛ تفسير القرطبي ، التوبة : 108 .

[75] تفسر القرطبي و البغوي ، التوبة : 107 .

[76] الكامل في التاريخ : 2 / 292 .

[77] أُسد الغابة : 1 / 621 .

[78] أُسد الغابة : 2 / 157 .

[79] عيون الأثر : 1 / 83 ـ 87 .

[80] عيون الأثر : 2 / 322 .

[81] يشكك القرطبي في مساهمته نظراً لمشاركته في معركة بدر ( ! ) .

[82] في تفسير ابن كثير : حارثة بن عامر .

[83] في تفسير ابن كثير : بجاد بن عمران .

[84] غير مذكور عند ابن كثير .

[85] تفسير الآية : 107 من سورة التوبة عند : ابن كثير ، و القرطبي ، و الطبري ، و البغوي ؛ ابن هشام : 2 / 530 ؛ تاريخ الطبري :  / 186 .

[86] تفسير البغوي ، التوبة : 107 .

الفهرس