الفصل الثاني:

الحقائق الخاصة بحياة المسيح

1 - أزلية المسيح

أزلية المسيح هي أول تلك الحقائق التي أثبتها القرآن بقوله: كلمة الله وروح منه ، وبما أن المسيح هو كلمة الله وروح منه فهو إذاً أزلي. وبما أن الأزلية صفة خاصة بالله تعالى، فقد أصبحت دعوة القرآن المسيح بكلمة الله وروح منه إقراراً للمسيح بالأزلية، ومصادقة على عقيدة المسيحيين عن لاهوت المسيح. ويتضح هذا من النظر في قوله: وكلمته ألقاها إلى مريم. فقول القرآن ألقاها إلى مريم دليل على أن هذا الكلمة كائن قبل أن يُلقى إليها ويولد منها. ووجوده قبل أن يظهر في الجسد يحمل معنى أزليته، والأزلية صفة خاصة بالله تعالى, ولا يمكن أن يكون قد مضى على الله وقت كان فيه بغير كلمة! وإذاً نستطيع القول إن الإسلام قد أقرّ معنا بلاهوت المسيح.

2 - الولادة العجيبة

والحقيقة الثانية التي اعترف بها القرآن هي ولادة المسيح بطريقة سرية عجيبة لم تتم لكائن بشري سواه. فقد أثبت القرآن أن المسيح لم يولد من زرع بشري كالمتَّبع في تناسل جميع الناس بلا فارق أو استثناء، إذ قال في سورة مريم 19: 20 - 21 : قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْراً مَقْضِيّاً فليس هذا القول إلا مصداقاً لما ذكرته الكتب المقدسة عن ذلك الميلاد العجيب. فالنبي إشعياء يقول في العهد القديم: وَلَكِنْ يُعْطِيكُمُ السَّيِّدُ نَفْسُهُ آيَةً: هَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْناً وَتَدْعُو اسْمَهُ عِمَّانُوئِيلَ (إشعياء 7: 14) ولوقا الإنجيلي يشرح لنا كيف بشَّر الملاك العذراء بميلاد المسيح، وكيف تمت الولادة بطريقة سرية خارقة للعادة (لوقا 1: 26-38) .

ومن الخطأ البيّن أن يعتبر البعض خلق آدم شبيهاً بميلاد المسيح، وأن يتخذ تلك المشابهة المزعومة دليلاً ينفي ما في ذلك الميلاد من البرهان على امتياز المسيح المبارك. فآدم خُلق خلقاً ولم يولد ولادة. وآدم خُلق من طين، ولم يُذكر عنه أنه كلمة الله وروح منه. وآدم كان ينبغي أن يوجد من غير أب لأنه كان الأب الأول للبشر، أما المسيح فعند ولادته كانت الأرض قد عُمرت من الآباء الوالدين والأبناء المولودين.

فولادة المسيح لا شبيه لها ولا مثال. والطريقة التي تمت بها تثبت له شخصية خاصة خارجة عن دائرة البشر. وإقرار الإسلام بهذا الميلاد العجيب مصادقة منه على سمو شخصية المسيح وحقيقة لاهوته الممجد.

3 - الصعود إلى السماء

أما الحقيقة الثالثة فهي إقرار الإسلام بارتفاع المسيح إلى السماء دون أن يعبث الموت بجسده الطاهر. فقد جاء في سورة آل عمران 3: 55 إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الّذينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الّذينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الّذينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وقوله في سورة النساء 4: 158 رَفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ .

فالقرآن بهذه الأقوال أثبت الاعتقاد الخاص بارتفاع المسيح إلى السماء، وأقرّ للمسيحية بصحة تعليمها عن صعود المسيح حياً بعد قيامته من الأموات.

والمسيحية قدمت صعود المسيح إلى السماء برهاناً على حقيقة لاهوته الممجد كما يُرى في أقوال الرسل العديدة. فإقرار الإسلام بهذه الحقيقة إقرار منه بصحة العقيدة المسيحية في لاهوت المسيح.

الخلاصة

نستخلص مما سبق أنّ الإسلام قد أقرّ بأن المسيح كائن منذ الأزل، موجود قبل أن يولد، وأنه في ولادته قد تخطى الناموس الطبيعي ووُلد بكيفية سرية عجيبة، منفرداً بها عن جميع البشر، وأنه ترك العالم بكيفية ممتازة إذ صعد إلى السماء حياً وبقي فيها خالداً، بينما الكل يموتون وتفسد أجسادهم. ومعنى هذا أن المسيح أزلي أبدي، كائن قبل أن يراه العالم، وهو الآن حي باق.

فإذا كان المسيح دون عامة البشر أزلياً أبدياً، وكانت الأزلية والأبدية من صفات الله الحي القيوم وحده، فإذاً يكون إثبات هاتين الصفتين للمسيح إقراراً بلاهوته.

وما دام الإسلام قد أقرّ للمسيح بهاتين الصفتين، فقد صادق على هذا الحق الذي لا شك فيه.

الصفحة الرئيسية