رابعا : مولد المسيح المعجز بحسب القرآن

 

سورة مريم 15-32

وأذكر فى الكتاب مريم     أذ إنتبذت من أهلها مكانا شرقيا

فأتخذت من دونهم حجابا   فأرسلنا إليها من روحنا فتمثل لها يشراًً سويا

قالت إنى أعوذ بالرحمان   منك إن كنت تقيا !

قال : إنى رسول ربك    لأهب (ليهب) لك غلاما زكيا

قالت آنى يكون لى غلام   ولم يمسسنى بشر ولم أكُ بغيا !

قال كذلك !قال ربك هو على هين !   ولنجعله آية للناس ورحمة منا !

وكان أمرا مقضيا !   فحملته . فإنتبذت به مكانا قصيا

فاجاءها المخاض الى جذع نخلة    قالت : ليتنى مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا !

فناداها من تحتها : ألا تحزنى    قد جعل ربك تحتكٍ سريِا !

وهزى إليك بجذع النخلة   تساقط عليك رطبا جنيا !

فكلى وأشربى وقرى عينا   فإما ترين من الناس أحدا

فقولى : إنى نذرت للرحمان صوما   فلن أكلم اليوم إنسيا

فأتت به قومها تحمله    قالوا : يا مريم لقد جئت شيئا فريا

يا أخت هارون , ما كان أبوك   امرء سوء ! وما كان أمك بغيا !

فأشارت إليه . قالوا :   كيف نكلم من كان فى المهد صبيا ؟

قال : إنى عبد الله   آتانى الكتاب وجعلنى نبيا

وجعلنى مباركا أينما كنت    وأوصانى بالصلاة والزكاة مادمت حيا

وبرا  بوالدتى     ولم يجعلنى جبارا شقيا

والسلام علىً يوم ولدت   ويوم أموت ويوم ابعث حيا

من سورة آل عمران 45-48

 

أذ قالت الملائكة :  يا مريم   إن الله يبشرك بكلمة منه

أسمه المسيح عيسى بن مريم   وجيها فى الدنيا والآخرة ومن المقربين

ويكلم الناس فى المهد   وكهلا و ومن الصالحين

قالت آنًى يكون لى ولد   ولم يمسسنى بشر ؟ قال : كذلك !

الله يخلق ما يشاء ! اذا قضى أمرا   فأنما يقول له : كن ! فيكون !

ويعلمه الكتاب والحكمة   والتوراة والانجيل .....

 

من سورة الأنبياء 91

 

والتى أحصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا وجعلناها وأبنها آية للعالمين

 

من سورة التحريم 12

 

ومريم بنت عمران التى أحصنت فرجها فنفخنا فيه (فيها) من روحنا وصدقت بكلمات (بكلمة) ربها وكتبه (كتابه) وكانت من القانتين

تلك هى النصوص القرآنية فى البشرى بعيسى ومولده . يترتب عليها مسائل ومشاكل , نقتصر منها على ما تيسر .

 

المسألة الأولى 

  كان الحبل بالمسيح معجزة اى من غير أب وإجماع النصوص وإجماع المفسرين المسلمين يدفع تخرصات الذين زعموا أن جبريل قام مقام الأب فى مولد المسيح إستنادا الى بعض المفسرين المسلمين .

 

إستند هذا البعض الفاجر الى قوله : لأهب لك  مريم 18 !!

 

وفاتهم قراءة ليهب لك والقرائن القريبة والبعيدة : والملاك نفسه يفسر قوله قال : كذلك !قال ربك هو على هين ولنجعله آية للناس مريم 20  فسره الجلالان : قال : كذلك اى الامر كذلك من خلق غلام منك من غير أب .

 

وما حمل  بعض المستشرقين على الشطط هو قول القرآن : فنفخنا فيها من روحنا  الأنبياء 91 فنفخنا فيه من روحنا  التحريم 12 كما فسره الجلالان : فنفخ جبريل فى جيب درعها فأحست بالحمل ا فى بطنها مصور مريم 20  والبيضاوى : فحملته بأن نفخ فى درعها فدخلت النفخة فى جوفها .

 

وفات هؤلاء وأولئك صريح آية العمران : قالت آنى يكون لى ولد ولم يمسسنى يشر ؟  قال هو كذلك : الله يخلق ما يشاء إذغ قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون  47  والمسيح كون فى مريم بأمر خلاق من دون واسطة على الإطلاق حتى دون نفخة جبريل فى درع مريم ! ويؤيد ذلك قوله فى آية النساء وكلمته ألقاها الى مريم وروح منه 170 الله ألقى مباشرة الى مريم كلمته الذى هو روح منه تعالى وبدون واسطة .

 

وآية النساء : روح منه  تجعل الملقى الى مريم  روحا منه تعالى – وهذا يفسر الغموض الذى فى آيتى الأنبياء والتحريم فنفخنا فيها من روحنا حيث التعبير قد يكون على الفاعل أوعلى المفعول على الفاعل هو جبريل النافخ , وعلى المفعول هو المسيح روح الله الملقى الى مريم – وبما أن الملقى الى مريم هو روح منه تعالى , فيكون قوله : فنفخنا فيها من روحنا على المفعول : اى نفخ الله روحه اى كلمته فى مريم  بدون واسطة جبريل .

 

وبهذا تنسجم كل القرائن القرآنية وتتضح عقيدة القرآن فى الحبل المعجز بالمسيح بدون واسطة مخلوق على الإطلاق : إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن ! فيكون  -  ومعحزة تكوين المسيح تشبه معجزة تكوين آدم : إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم , خلقه من تراب ثم قال له كن ! فيكون آل عمران 59  وفى الحالتين تكوين بلا واسطة .

 

قال الزمخشرى فى تفسير المؤمنون 51 إن مريم ولدت من غير مسيس وعيسى روح من الله إلقى إليها .

 

المسألة الثانية : مدة الحمل

 

ظاهر القرآن يجعل الحمل والولادة متلاحقين كأنه لا زمن بينهما : فحملته فانتبذت به مكانا قصيا , فاجاءها المخاض  مريم 21-22

 

فقال المفسرون : والحمل والتصوير والولادة فى ساعة !! الجلالان  -  وكانت مدة حملها سبعة أشهر وقيل سنة وقيل ثمانية ولم يعش مولود وضع فى ثمانية أشهر غيره  وقيل ساعة البيضاوى  وقال غيرهم ثلاث ساعات .

 

ولا حاجة لهذه التخرصات لأن اسلوب الإيجاز فى القرآن يختصر القصص , وتذوب فيه الأوقات والمسافات  والأصح أن نقول : القرآن لا يذكر مدة الحمل وبحسب ظاهره مدة الحمل القصيرة تشير الى معجزة آخرى .

 

المسألة الثالثة : ولادة المسيح

 

هل كانت طبيعية أم معجزة مثل الحمل ؟ المفسرون المسلمون الذين يجعلون مع ابن عباس ترجمان القرآن : الحمل والتصوير والولادة فى ساعة -  يجعلون الولادة معجزة مثل الحمل .

 

قال البيضاوى : كما حملته نبذته مريم اى بمعجزة وظلت مريم بتولا فى الحمل .

 

يظن بعضهم أن الولادة كانت طبيعية لقوله : فجاءها المخاض مريم 22 -  يفسره الجلالان : بوجع الولادة  ولكن تفسير البيضاوى أصح : المخاض مصدر مخضت المرأة إذا تحرك الولد فى بطنها للخروج وليس فى أصل اللغة معنى وجع الولادة فى المخاض لكنه العرف والعادة .

 

ونحن فى مولد المسيح مع عالم المعجزة : كما حملته نبذته -  وتدل القرائن على أن مريم لم تقاسى وجع الولادة وهى فى حال الولادة : تهز بجذع النخلة  مريم 24  وتأكل وتشرب وتقر عينا مريم  25  وللحال أتت به قومها تحمله مريم 26 -  وهذه كلها إشارات لاتدل بأى حال على وجع الولادة .

وفى الحديث عن عدم صراخ المسيح الوليد عند ولادته : ما من مولود يولد إلا والشيطان يمسه حين يولد فيستهل صارخا من مسه إلا مريم وابنها – دليل على أن المسيح فى مولده لم يقاس مع أمه ألم المخاض ولا وجع الولادة .

 

المسألة الرابعة : تطق المسيح منذ مولده

 

فى سورة مريم : قالوا كيف نكلم من كان فى المهد صبيا ؟ قال انى عبد الله آتانى الكتاب وجعلنى نبيا  مريم 28- 29

وفى آل عمران : يكلم الناس فى المهد وكهلا مريم 46

 

فسره البيضاوى : إنى عبد الله : أنطقه الله به ... وقيل أكمل الله عقله وإستنبأه طفلا مريم 29 نطق المسيح فى المهد صريح بنص القرآن القاطع كما هى أيضا صريحة بولادته نبيا : آتانى الكتاب وجعلنى نبيا ونطقه المعجز معجزة نبؤته , ونبؤته فى المهد يكلم الناس فى المهد آل عمران 46 دليل نطقه المعجز .

 

قال البيضاوى : يكلمهم حال كونه طفلا , وكهلا كلام الأنبياء من غير تفاوت ونبؤة المسيح فى المهد مثل نبؤته فى كهولته ورسالته -  معجزتان إنفرد بهما على الرسل ,

 

المسألة الخامسة : مثل عيسى كمثل آدم

 

كان مسيحيو نجران يجعلون من مولد المسيح المعجز دليلا على الهيته وبنوته لله -  أجابهم القرآن ان مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن ! فيكون آل عمران 59

فى الرد عليهم قارن القرآن الغريب بالأغرب : المسيح ولد بدون أب  وآدم كان بدون أب ولا أم وكما أن مولد آدم لا يجعله إلها كذلك مولد المسيح لايجعله ابن الله -  هذا منطق القرآن ومنطوقه .

 

القرآن لا ينكر فضل المسيح على المرسلين بمولده المعجز الذى تفرد به على العالمين – إنما ينكر برهنته على إلهية المسيح .

 

لذا نستغرب قول الذين لا يرون للمسيح فضلا على المرسلين أجمعين بمولده المعجز ونستغرب إستشهادهم بهذه الآية لأن خلق آدم بدون أب ولا أم ليس بمعجزة – لآن المعجزة تكون خرق العادة

خلق آدم بدء لناموس الطبيعة البشرية ولا خرق فيه لهذا الناموس بينما مولد المسيح من أم بلا أب هو خرق للعادة وهو المعجزة عينها , وبما أن الله خص المسيح بمعجزة مولده من دون المرسلين أجمعين فقد فضله فيها عليهم أجمعين . لا ينكر القرآن ذلك , بل يستنكر البرهنة به على بنوته وعلى إلهيته .

 

وختم القرآن قصص مولد المسيح المعجز بإستجماع المعجزات التى تمت فيه :

 

تمثل جبريل رئيس الملائكة لمريم يشرا سويا وكلمها شفاها وعيانا  مريم 16

بشرها بغلام زكى اى طاهر من الذنوب  البيضاوى منذ الحبل به   مريم 18

الحمل بالمسيح يتم بمعجزة إلهية دون واسطة مخلوق

مدة الحمل بالمسيح معجزة  ذلك بإجماع المفسرين المسلمين

كيفية المولد أيضا : كما حملته نبذته  البيضاوى

فناداها من تحتها ألا تحزنى مريم 13 -  من المنادى ؟ جبريل كان يقبل الولد البيضاوى  فالمسيح وحده فى العالمين قام جبريل مقام القابلة فى مولده  او كان المولد الوحيد الذى حضره جبريل .

معجزة النخلة : وهزى اليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا  مريم 25 -  روى أنها كانت نخلة يابسة لا رأس لها ولا ثمر وكان الوقت شتاء فهزتها فجعل الله تعالى لها رأسا وخوصا ورطبا   البيضاوى

معجزة النهر السرى : قد جعل ربك تحتك سريا  قال الجلالان : ناداها جبريل وكان أسفل منها : ألا تحزنى قد جعل ربك تحتك سريل أى نهر ماء كان قد إنقطع   وقال الزمخشرى  :  لم تقع التسلية بهما من حيث أنهما طعام وشراب بل من حيث أنهما معجزتان تريان الناس أنهما من أهل العصمة .

نطق المسيح منذ مولده , ولم يحدث ذلك لأحد من العالمين .

نبؤة المسيح منذ مولده مريم 30  آل عمران 46  المسيح وحده ولد نبيا .

هذه النبؤة تقتضى كمال العقل فى المهد : أكمل الله عقله واستنبأه طفلا  البيضاوى .

ينال كمال الوحى والتنزيل منذ مولده : ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والانجيل آل عمران 48 يكلم الناس فى المهد وكهلا على حد سواء .

معجزة التكليف بالفروض الدينية وهو طفل : وأوصانى بالصلاة والزكاة ما دمت حيا  مريم 30 يقولها المسيح فى مهده .

معجزة القداسة والعصمة منذ مولده : وجعلنى مباركا أينما كنت  مريم 30 فهو وحده المبارك فى الزمان والمكان .

معجزة نبؤته بموته وبعثه حين ولده : والسلام على يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا  مريم 32 .

هل جرى شئ من ذلك لأحد من العالمين وأكابر المرسلين مثل إبراهيم وموسى ومحمد ؟ حقا لقد ـ تفرد المسيح فى مولده ومعجزات مولده على العالمين وعلى المرسلين أجمعين -  والمسيح آية الله الكبرى  فى مولده .

  الصفحة الرئيسية