الرد على الشبهات

 

الشبهة الأولى – قصة الشبه : ولكن شبه لهم

فسره الجلالان : شبه لهم المقتول والمصلوب وهو صاحبهم بعيسي اى ان الله ألقى عليه شبهه وظنوه إياه – وان الذين إختلفوا فيه اى فى عيسي لفى شك منه من قتله , حيث قال بعضهم لما رأوا المقتول : الوجه وجه عيسي والجسد ليس جسده , وليس به , وقال آخرون : بل المقتول هو هو .

 

فسره البيضاوى : روى أن رهطا من اليهود سبوه وأمه فدعى عليهم فمسحهم الله قردة وخنازير وأجتمعت اليهود على قتله وأخبره الله تعالى أنه سيرفعه الى السماء . فقال لأصحابه : من منكم يرضى أن يُلقى عليه شبهى فيُقتل ويصلب ويدخل الجنة وقام رجل منهم فألقى الله عليه شبهه وصلب وقتل , وقيل : دخل طيطاوس اليهودى بيتا كان عيسي فيه ولم يجده وألقى الله عليه ( على طيطاوس ) شبهه ولما خرج ظنوه عيسي فأخذوه وصلب . وأمثال ذلك من الخوارق التى لا تستبعد فى زمن النبوة _ وإنما ذمهم الله تعالى من جرأتهم على الله وقصدهم قتل نبيه المؤيد بالمعجزات القاهرة وتبجحهم به بقولهم هذا على حسب حسبانهم .

 

ُشبْه – مسند الى الجار والمجرور وكأنه قيل : ولكن وقع لهم التشبيه بين عيسي والمقتول , أو فى الأمر على قول من قال : لم يُقتل أحد ولكن ارجف بقتله وشاع ذلك بين الناس ؛ أو الى ضمير المقتول للدلالة على أن ثمة قتيلا - إنا قتلناه 

 

ولما وقعت تلك الواقعة اختلف الناس وقال بعض اليهود : إنه كان كاذبا فقتلناه حقا وتردد آخرون وقالوا إن كان هذا عيسي فأين صاحبنا ؟ الوجه وجه عيسي والبدن بدن صاحبنا وقال من سمع منه ان الله يرفعنى الى السماء : أنه رُفع الى السماء  _  وقال قوم :. (صلب الناسوت وصعد اللاهوت )

 

وهنا يخلط البيضاوى مقالة النصارى (صلب الناسوت وصعد اللاهوت ) بمقالات اليهود وما كان أحد من اليهود يقول بلاهوت فى المسيح .

 

الاختلاف بين المفسرين فى : هل قتل أحد بدل المسيح أم لم يقتل – بل أرجف بذلك فشاع بين الناس ؟ - هذا الإختلاف وقول القائلين لم يقتل أحد بل هى أشاعة ينقض قصة الشبه .

 

فسره الزمخشرى : مل معنى قوله شُبه لهم ؟ و شُبه مسند الى ماذا ؟ إن جعلناه مسندا الى المسيح  فالمسيح ُمشبه به وليس بمشبه – وإن أسندناه الى المقتول – وقد زعموا أن اليهود قتلوا رجلا آخر شيبها بعيسى – فالمقتول لم يجر له ذكر . قلت : هو مسند الى الجار والمجرور ( لهم ) كقولك خيل إليهم – كأنه قيل وقع لهم التشبيه ويجوز أن يسند الى ضميرالمقتول .

 

ونحن نقول : ان الصعوبة اللغوية فى إسناد لهم تجعل الضمير هنا فى لهم لا يعنى المسيح ولا المقتول المزعوم بدلا عنه . وهذه حجة لغوية ضد قصة الشبه – والمعنى الصحيح ما قاله الزمخشرى : خيل إليهم الأمر .

 

ونجد القول الفصل فى تفسير الرازى : اختلفت مذاهب العلماء فى هل قتل أحد بدل المسيح وذكروا طرقا :

الأول قال كثير من المتكلمين إن اليهود لما قصدوا قتله رفعه الله تعالى الى السماء وخوف رؤساء اليهود من وقوع  الفتنة بين عوامهم أخذوا إنسانا قتلوه وصلبوه ولبسوا على الناس أنه المسيح

الثانى أنه تعالى ألقى شبهه على إنسان آخر ثم ذلك فيه وجوه :

دخل طيطاوس اليهودى بيتا كان المسيح فيه فلم يجده وألقى الله عليه شبهه ولم خرج ظنوه عيسي فأخذوه وصلبوه

وكانوا يحرسون عيسي برجل فرفع عيسي الى السماء وألقى الله شيهه على الرقيب فصلبوه وهو يقول لست بعيسي !!

تطوع أحد أصحابه والقى الله شبه عيسي عليه فأخرج وقتل بينما رفع عيسي .

نافق احد تابعيه ودلهم على عيسي ليقتلوه ولما دخل مع اليهود لآخذه ألقى الله عليه شبه عيسي فقتل وصلب

وهذه الوجوه متعارضة متدافعة والله أعلم بحقائق الأمور .

 

ومقالات الذين يقولون أن ثمة قتيل بدل عيسي متعارضة متدافعة ينقض بعضها بعضا وبالتالى ينقض وجود قتيل بدل المسيح .

 

بقيت أسطورة الشبه ؛ والرازى يفندها تفنيدا محكما فى آل عمران 55 يقول كيفما كان ففى إلقاء شبهه على الغير اشكالات :

 

الاشكال الأول : أنه إن جاز القول أن الله تعالى يُلقى شبه إنسان على إنسان آخر فهذا يفتح باب السفسطة ويفضى أيضا الى القدح فى التواتر : وفتح هذا الباب أوله سفسطة وآخره ابطال النبوءات بالكلية .

 

 

الأشكال الثانى : أن الله أيد عيسي بروح القدس , جبريل , فهل عجز هنا عن تأييده ؟ وهو الذى كان قادرا على إحياء الموتى , هل عجز عن حماية نفسه ؟

 

الأشكال الثالث :أنه تعالى كان قادرا على تخليصه برفعه الى السماء فما الفائدة من إلقاء شبهه على غيره ؟ وهل فيه إلا إلقاء مسكبن فى القتل من غير فائدة إليه ؟

 

الأشكال الرابع : وإلقاء الشبه على غيره ليعتقد اليهود أن هذا الغير هو عيسي مع أنه ما كان بعيسي : فهذا كان إلقاء لهم فى الجهل والتلبيس – وهذا لا يليق بحكمة الله تعالى .

 

الأشكال الخامس : النصارى واليهود على كثرتهم فى مشارق الأرض ومغاربها وشدة محبتهم للمسيح وغلوهم فى أمرهأو شدة بغض اليهود له : شاهدوه مقتولا ومصلوبا – ولو أنكرنا ذلك كان ذلك طعنا فيما ثبت بالتواتر – والطعن بالتواتر يوجب الطعن فى نبوة محمد وعيسي ةسائر الأنبياء .

 

الأشكال السادس : ألا يقدر المشبوه به أن يدافع عن نفسه أنه ليس بعيسي ؟   والمتواتر أنه فعل – ولو ذكر ذلك لاشتهر عند الخلف هذا المعنى وحيث لم يوجد شئ من ذلك علمنا أن الأمر ليس على ما ذكرتك ..

 

وبالجملة الأسئلة التى ذكروها أمور تتطرق الاحتمالات إليها من بعض الوجوه ....

ويختار الرازى مقالة الاشاعة الكاذبة التى انطلقت على الناس – ويرد الرازى ردا مبرما على قصة الشبه برمتها .

 

وآن للقوم أن يتخلصوا من هذه الخرافة التى ينقضها العقل ولا تستند الى النقل – فلا يعنى قوله شبه لهم  قصة الشبه بل خيل إليهم – كما يقول أصح العارفين فى لغة القرآن الزمخشرى – إن فلسفة القرآن وعلم الكلام والتفسير الصحيح تنقض نقضا مبرما تلك الاسطورة السخيفة

الصفحة الرئيسية