القرآن حوار مع بنى إسرائيل من يهود ونصارى  

توطئة الهدف الثاني للقرآن دعوة أهل الكتاب إلى الإسلام  

 

إن الهدف الأول للقرآن هو دعوة العرب إلى دين الكتاب : شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك – وما وصينا به ابراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه شورى  13  ودين الكتاب هو الإسلام الذي يشهد به أولوا العلم قائما بالقسط 

ان الدين عند اللّّه الإسلام  آل عمران 18 و 19

والهدف الثاني هو دعوة اهل الكتاب إلى هذا الإسلام :  يا اهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبيّن لكم على فترة من الرسل ان تقولوا : ما جاءنا من بشير ولا نذير !  فقد جاءكم بشير ونذير واللّه على كل شئ  قدير المائدة 21 لذلك فهو يصرح : وقل للذين أوتوا الكتاب والاميين : أأسلمتم؟ فان اسلموا فقد اهتدوا وان تولوا فإنما عليك البلاغ واللّه بصير بالعباد آل عمران 20

لكن هذا الإسلام تدين به أمة من اهل الكتاب قبل القرآن : الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون واذا يتلى عليهم قالوا :آمنا به  انه الحق من ربنا ،انا كنا من قبله مسلمين  القصص 52-53  وتلك الأمة المسلمة من اهل الكتاب يحددها بقوله : ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون  الاعراف158  وبقوله : فآمنت طائفة من بنى إسرائيل بدعوة الحواريين للمسيح وكفرت طائفة : فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين  الصف14  فالدعوة للقرآن تأييد للنصارى على عدوهم اليهود حتى النصر المبين في الحجاز والجزيرة  فأهل الكتاب هم اليهود والنصارى على العموم

 والقرآن يقصد بأهل الكتاب اليهود والنصارى من بنى إسرائيل على الخصوص : ان هذا القرآن يقص على بنى إسرائيل اكثر الذي هم فيه يختلفون  النمل76    وما اختلفوا إلا في المسيح والانجيل فالقرآن دعوة لاهل الكتاب إلى الإسلام الذي يؤمن بالمسيح والانجيل على شريعة من الامر الجاثية 17

أهل الكتاب هم اليهود والنصارى على العموم

في القرآن ثلاثة تعابير مترادفة : أهل الكتاب أهل الذكر أولوا العلم او الذين يعملون  فلا يصح ان ننسى ذلك خصوصا بالنسبة لاصطلاح اولي العلم

واصطلاح اهل الكتاب يشمل اليهود والنصارى على العموم ؛والقرائن اللفظية والمعنوية القريبة والبعيدة هي التي تحدد هوية الفريق المخاطب  ما بين أساليب القرآن في التعميم والتخصيص فأهل الكتاب على العموم فريقان بالنسبة للدعوة القرآنية : فريق المعارضة وهم اليهود اول كافر به البقرة وفريق الموالاة  وهم النصارى نكتفي ببعض الاستشهادات  ودّ  كثير من اهل الكتاب ان  يردونكم  من بعد ايمانكم كفارا حسدا من عند انفسهم من بعد ما تبين لهم الحق     البقرة 109   ولما جاءهم رسول من عند اللّه مصدّق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب اللّه وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون  البقرة 101  فالفريق الكثير من اهل الكتاب يكفرون بالدعوة القرآنية بينما الفريق الآخر يؤمن بها ونعرف هوية الفريقين من خصومتهم تجاه الدعوة القرآنية وانتسابها إلى الكتاب الذي عند اهله من الفريقين  وقالت اليهود

ليست النصارى على شىء ! وقالت النصارى :  ليست اليهود على شىء !- وهم يتلون الكتاب كذلك قال الذين لا يعملون مثل قولهم فاللّه يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون البقرة 113  ان الذين يتلون الكتاب هم اهل الكتاب  وهم فريقان : اليهود والنصارى وصفتهم المتواترة انهم الذين يعملون اولوا العلم وسيميز بين اليهود والنصارى اولى العلم  بصفة الراسخين في العلم  آل عمران 7 ،النساء161  أو  أولوا العلم قائما بالقسط  آل عمران 18  أو اصطلاح   "المحسنين"   "المقسطين" "المسلمين"   من قبله ونعرف من القرائن والتصاريح العديدة انهم النصارى  لذلك فصفة المشركين تجاههم انهم الذين لا يعلمون  فهم بحسب اصطلاحه ايضا الأميون آل عمران 20     الجمعة

وفى إطلاق التعميم في مواطن التخصيص نعرف من القرائن الفريق المقصود : ولن ترضى عنك اليهود  ولا النصارى حتى تتبع

ملتهم ! قل :إن هدى الله هو الهدى  !  ولئن اتبعت اهواءهم بعد  الذي جاءك من العلم

ما لك من اللّه من ولى ولا نصير  البقرة  120  سنرى ان  ولا النصارى  مقحمة على الآية بسبب الآية التالية التي تعلن إيمان النصارى بالقرآن : الذين آتيناهم الكتاب  يتلونه حتى تلاوته  أولئك يؤمنون به  ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون آية عمران121   فالنصارى " الراسخون في العلم "  و " الذين يتلون الكتاب حق تلاوته "  بدون تحريف معاينة كما يفعل اليهود هم بمحمد  والقرآن يؤمنون   أما اليهود بعد كفرهم بالمسيح ثم  بمحمد لم يبقوا على ملة إبراهيم : وإذ  ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن  قال : إني جاعلك للناس إماما قال : ومن ذريتى ؟ قال :  لا ينال عهدي الظالمين 124

ويجدر بالملاحظة ان كل ثناء على  اهل الكتاب هو  للنصارى اهل الموالاة والمودة   المائدة 85  وكل حملة على اهل الكتاب

فهى محصورة باليهود وهذا التخصيص في معرض التعميم اسلوب  مضطرد فيه لا يصح ان نسهو عنه

فعلى العموم فريق المعارضة هم اليهود وفريق الموالاة  للقرآن هم النصارى وسنرى أن وفد نجران المسيحي قد ظّل على الحياد والموادعة   وهو وفد من بدعة مسيحية لا يمثل المسيحية كلها خارج الجزيرة   فمن هم إذن  النصارى  على التخصيص

في عرفه؟  

القرآن يقصد بأهل الكتاب اليهود والنصارى من بنى إسرائيل

 في نظر القرآن ان اهل الكتاب الذين سيخاطبهم هم بنو إسرائيل من يهود ونصارى -  ما عدا حواره مع وفد نجران الذي وزّعوه على سور آل عمران والنساء والمائدة      

والإعلان الصارخ في دعوة أهل الكتاب هو :  أن هذا القرآن يقص على بنى إسرائيل اكثر الذي هم فيه يختلفون  النمل 76 فقد اختلف بنو إسرائيل إلى يهود ونصارى في المسيح والإنجيل   الصف 14

ذاك الإعلان يعنى أولا أن دعوة القرآن لاهل الكتاب محصورة ببني إسرائيل من يهود ونصارى -  فالمسيحيون من الأميين هم خارج صراع الدعوة  وثانيا أن  النصارى  في لغة القرآن هم على سبيل الحصر والقصر من بنى إسرائيل كما يعلن في النهاية فآمنت طائفة من بنى إسرائيل  بالمسيح  وكفرت طائفة (اليهود)  فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين  الصف 14 فالدعوة القرآنية انتصار للنصرانية على اليهودية حتى الظهور المبين في الجزيرة هذا هو القرآن كله دعوة وجهادا  لذلك فالقرآن دعوة " نصرانية "

ان القرآن دعوة  نصرانية  موجهه لبنى إسرائيل لأنهم اهل الكتاب والحكمة التوراه  والانجيل   ولقد آتينا بنى إسرائيل الكتاب والحكم (الحكمة) والنبوة ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على العالمين وآتيناهم بينات من الأم فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ان ربك يقضى بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون  الجاثية 16-17   ونعرف ان اللّه قضى بينهم على الأرض في المدينة بتصفية اليهود انتصارا للنصارى من بنى إسرائيل ومن تنصر معهم من العرب  الصف14   فالبينات والعلم جاءتهم مع المسيح بالإنجيل فلما كفروا بالمسيح لعنهم وجاء القرآن يصدق لعنته لليهود المائدة78   فالقرآن يقتصر دعوته على بنى إسرائيل من اهل الكتاب لأنهم هم الذين أوتوا الكتاب والحكمة التوراة والانجيل

يقتصرها على بنى إسرائيل  لان المسيح نفسه جاء " رسولا إلى بنى إسرائيل " آل عمران 49  فاختلفوا إلى يهود كافرين ونصارى مؤمنين  بعد ما جاءهم العلم

وقد جعل اللّه السيد المسيح "مثلا لبنى إسرائيل" (الزخرف 53) ولا يقول للعالمين  فهو رسالة المسيح ودعوة القرآن محصورتين في نطاق بنى اسرائيل0ان هدى التوراه وحكمة الإنجيل ببني إسرائيل :" ولقد آتينا موسى الهدى أورثنا بنى إسرائيل الكتاب  غافر 53  وجعلناه عيسى  مثلا  لبنى إسرائيل ولما جاء عيسى بالبينات قال: قد جئتكم بالحكمة و لأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه فاتقوا اللّه وأطيعون الزخرف 63  فتعبير الحكمة  في اصطلاحه كناية عن الانجيل فالكتاب والحكمة   التوراه  والانجيل  قد أوتيا بنى إسرائيل فهو لذلك يحصر حواره مع بني إسرائيل ، من يهود ونصارى  ولا يتطلع في دعوته كلها إلى غيرهم  

والقول الفصل انه يجعل أمته على مثال انصار المسيح ،الحواريين ، ويعلن أخيرا بصراحة مطلقة ان دعوته لنصرة النصرانية  على اليهودية :  فآمنت طائفة من بنى إسرائيل وكفرت طائفة  فأيدنا الذين آمنوا النصارى على عدوهم (اليهود) فاصبحوا ظاهرين الصف 14

ففى التعبير العام " اهل الكتاب "  يقتصر القرآن دعوته على ببني إسرائيل من يهود ونصارى بتعبير خاص فيزل المسيحيون من غير بنى إسرائيل خارج الصراع حتى عام الوفود في جدال وفد نجران  

تعبير اهل الكتاب ،بالنسبة للمسيحين ،لا يعنى إلا اليعقوبيين

لم يتصل النبي العربي إلا بالحبشة  بهجرة جماعته الأولى أليها ثم في عام الوفود قبل وفاته بسنة بوفد نجران مع غزوتين في مؤتة وتبوك إلى شمال الحجاز عند مشارف الشام  وبالمناسبة تظهر جماعة الراهب أبى عامر بالمدينة وقصة مسجد الضرار وتلك الجماعات الأربع كانت على مذهب اليعقوبية بحسب شهادة التاريخ وإجماع المفسرين

قصة الاتصال بالحبشة تقتصر على هجرة الجماعة الأولى أليها وتتمثل بسورة مريم كذلك قصة مسجد الضرار وجماعة الراهب ابى عامر تقتصر على بضع آيات من التوبة 108 – 111

وجدال وفد نجران هو الذي ترك في مخيلة القوم الصدى البعيد  وشغلت جلساته حيزا من القرآن المدني  فوزعوه على سور آل عمران والنساء والمائدة  ففى قصص آل عمران 33- 64  يسرد عقيدته بالمسيح وأمة وهو مقحم من عام الوفود على سورة كلها جدال مع اليهود وتشريع للجهاد ووصف بعض وقائعه  والجدال نفسه يأتي في سورة النساء 170- 171   في التعريف الجامع المانع بالمسيح ابن مريم وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه وبناء عليه يستنكر :  لن يستنكف المسيح ان يكون عبدا للّه ولا الملائكة  المقربون 171  وانصرف وفد نجران على  عهد الموادعة  فعلق القرآن على جدالهم  في عقيدتهم  بتكفيرات سورة المائدة  لقد كفر الذين قالوا : ان اللّه هو المسيح ابن مريم 19 و 75  لقد كفر الذين قالوا : ان اللّه ثالث ثلاثة 76  وبعد تقويم العقيدة في المسيح وأمه 77 – 79  يختم بقوله :  قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق  (80 )  وفى قصص تمثيلي رائع من يوم  يجمع اللّه الرسل   للحساب  يجعل المسيح نفسه يستنكر  اتخاذ الهين من دون الله  (120)   ففي  تلك الفصول من السور الثلاث يقصد القرآن بأهل الكتاب وفد نجران وكان بإجماع المفسرين من أهل البدعة اليعقوبية في المسيحية الرسمية في دولة الروم على الاطلاق

واتصال النبي العربي بالمسيحية العربية أيضا تم في غزوتي مؤتة وتبوك في شمال الحجاز على مشارف الشام وردت إشارة إلى غزوة مؤتة الفاشلة  في آخر سورة  الحديد29   لئلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون على شئ  من فضل الّله والفضل بيد اللّه ذو الفضل العظيم وسورة التوبة كلها  في ملابسات غزوة  تبوك الظافرة حيث يشرع   قاتلوا من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون (30)  ويختم بالتصدير نفسه يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين  يلونكم  من الكفار  وليجدوا فيكم غلظة واعلموا أن اللّه مع المتقين (124)   ففي السورة كلها يقصد بأهل الكتاب أهل  تبوك  بإجماع اسباب النزول  وكما يدل حرف التبعيض في شرعه جهادهم  من أهل الكتاب  وغاية جهادهم ليست إسلامهم كما في شرعه جهاد المشركين براءة 1-29  بل إخضاعهم للجزية أي لسلطان المسلمين حتى لا يبقى في جزيرة العرب دينان  كما أوصى محمد على فراش الموت قبل الانتقال إلى الرفيق الاعلى

وهكذا يتضح لنا ان الكتاب بالنسبة للمسيحيين يقتصر على اليعقوبيين العرب منهم لا يتعداهم إلى غيرهم هذا واقع اول

واقع ثان ان حوار القرآن المتواصل مع أهل الإنجيل ظل مقصورا طوال أدوار الدعوة القرآنية على النصارى من بنى إسرائيل في انتصار القرآن لهم على عدوهم اليهود  النمل 76 والصف 14  

وواقع ثالث ان اتصال الدعوة القرآنية بالمسيحية العربية اليعقوبية كان عابرا في غزوة تبوك وعام الوفود فليس هو موضوع الدعوة القرآنية

وواقع رابع ان السيرة النبوية والدعوة القرآنية لم يتصلا  بالمسيحية الرسمية على الإطلاق وما آية " الروم "  سوى خبر من بعيد عن هزيمة ونصر فتعبير أهل الكتاب في كل تلك المواطن جاء على التعميم في معرض التخصيص   كما يتضح  من قرائن النصوص و أساب النزول

خاتمة : يدور حوار القرآن على بني إسرائيل من يهود ونصارى 

تلك هي النتيجة الحاسمة  :  ان هذا القرآن يقص على بنى إسرائيل اكثر الذي هم فيه يختلفون النمل 76  وما اختلف  بنو إسرائيل إلى يهود ونصارى إلا في المسيح والإنجيل  فأيدنا الذين  آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين الصف 14  فجهاد القرآن مثل دعوته يقتصر على انتصاره  للنصرانية  الإسرائيلية والعربية على اليهودية

ولم تتصل الدعوة القرآنية إلا بالمسيحية اليعقوبية العربية مع وفد نجران ومع جماعة الراهب عامر بالمدينة ومع مؤتة وتبوك لذلك تصح النتيجة المطلقة ان الدعوة القرآنية لم تتصل بالمسيحية الرسمية كما في دولة الروم ولم نحاورها أبدا فالقرآن لا يذكر المسيحية الرسمية على الاطلاق

فمن الكفر بالقرآن ومن الظلم للمسيحية الرسمية إطلاق خطاب القرآن لبدعة مسيحية على المسيحية الرسمية جمعاء

وهذا الواقع القرآني الضخم يزيل اكبر عقبة وأعظم شبهة من سبيل الحوار الإسلامي المسيحى

الصفحة الرئيسية