2-مشهور الحديث الشريف في نزول القرآن "على سبعة أحرف".


أ:- نقل السيوطي في (الاتقان 1: 46): " ورد حديث (نزل القرآن على سبعة احرف) من رواية جمع من الصحابه...فهؤلاء أحد وعشرين صحابيا. وقد نص أو عبيد على تواتره. واخرج ابو يعلى في (مسنده) ان عثمان قال على المنبر: اذكر الله رجلا سمع النبي ص قال: " ان القرآن أنزل على سبعة احرف كلها شاف كاف". وعلق على هذا الحديث بقوله: "اختلف في معنى هذا الحديث على نحو اربعين قولا...(منها) ان المراد سبعة اوجه من المعاني المتفقة بالفاظ مختلفه....قال ابن عبد البر: الحروف التي نزل عليها القرآن، انها معان متفق مفهومها، مختلف مسموعها...."

 

ب:- والطبري، شيخ المفسرين، يصدر تفسيره بشرح الحديث المشهور: " ان اختلاف الاحرف السبعه هو اختلاف الالفاظ باتفاق المعاني".

ويعرض الطبري للسؤال البديهي: ...ما بال الاحرف السته غير موجوده، إن كان الامر على ما وصفت، وقد اقرهن رسول الله ص وامر بالقراءة بهن الامة، وهي مأمورة بحفظها: فذلك تضييع ما قد أمروا بحفظه؟ أم ما القصه في ذلك؟ - قيل له: لم تنسخ فترفع، ولا ضيعتها الامة، ولكن الامه أملات بحفظ القرآن، وخيرت في قراءته وحفظه بأي تلك الاحرف شاءت. فرأت – لعلة من العلل اوجبت عليها الثبات على حرف واحد – قرائته بحرف واحد، ورفض القراءة بالاحرف السته الباقيه"

ويقول: "ان الاحرف السته الاخر اسقطها عثمان، ومنع من تلاوتها...."

ج:- ومن الذين تابعوا الطبري في تفسيره الصحيح لحديث الاحرف السبعه المتواتر، الزنجاني، قال: " المراد بالاحرف السبعه اوجه من المعاني المتفقه، بالالفاظ المختلفه"

 

د:- وابو جعفر النحاس في كتاب (الناسخ والمنسوخ) قال: " يفهم من...ان معنى (نزل القرآن على سبعة احرف) من انه انزل بسبع لغات، وأمر بقرائته على سبعة السن، باختلاف الالفاظ واتفاق المعاني..." وروى ايضا حديث محمد "ان الله امرني ان اقرأ القرآن على سبعة احرف".

 

من هذا العرض الصريح لحديث الاحرف السبعه وجمع القرآن العثماني نستخلص الحقائق التاليه:-

أولا:- كان للقرآن قبل عثمان سبعة احرف او نصوص، متفقة المعاني، مختلفة الالفاظ.

ثانيا:- أتلف الخليفه عثمان بن عفان ستة نصوص مختلفه للقرآن الواحد واحتفظ بنص واحد فرضه على الامه، وهو النص الوحيد الذي تقرأ به القرآت حتى اليوم.

ثالثا:- لم تكن لجان عثمان معصومة في اختيار النص الافضل، انما عملت برأيها.

 

ونعرف من الاناجيل الاربعه القائمه في المسيحيه حتى اليوم، وبشهادة التاريخ المسيحي كله، ان الانجيل الواحد دوّن بأربعة احرف او نصوص، الانجيل بحسب متى، الانجيل بحسب مرقس، الانجيل بحسب لوقا، الانجيل بحسب يوحنا، وبحسب لغة الحديث الاسلامي نترجم هذا الواقع بقولنا:

نزل الانجيل على اربعة احرف" ، باختلاف الالفاظ واتفاق المعاني.
ولم يختلف فيها المسيحيون، ولم يقتتلوا عليها، مع ان كل واحد منها ظهر في مكان وفي زمان غير الاخرين. بل قبلوها جميعهم بسبب " رسوليتها " التي تشهد بصحتها، وصحة وحيها، وصحة تدوينها لانجيل المسيح. وصدور تدوينها عن الرسل او كتبتهم شاهد لعصمتها، لتأييدهم بالروح القدس.

لذلك لم يكن المسيحيون بحاجه الى اتلاف حرف من تلك الحروف الاربعة للانجيل، لان الاحرف الاربعة رسوليه قدسيه موحى بها، فهي تتمتع بعصمة الوحي.

وبعد عهد الرسل، وتداول الاحرف الاربعة المنزله، حاول بعض المسيحين، عن تقى او عن هوى، وضع " اناجيل منحوله" باسم الرسل، وشاعت بين المسيحين، لكنهم لم يعترفوا بها اناجيل صحيحه، ومع ذلك لم يتلفوها، لانه ليس في وجودها خطر على الانجيل الصحيح في احرفه الاربعة.

من هذا الواقع التاريخي نستنتج:-

أولا:- ان الانجيل الواحد نزل بأربعة احرف او نصوص، باختلاف الالفاظ واتفاق المعاني.

ثانيا:- ان صحابة المسيح وكنبسته من بعدهم حفظت "الذكر" المسيحي بنصوصه الاربعه، فكانت وفيه اكثر من صحابة محمد وجماعته الذين أتلفوا ستة نصوص او احرف للقرآن، واكتفت بتدوين ونقل وحفظ الحرف العثماني وحده. ففي المسيحين اكثر من المسلمين تصح الاية: انا نحن مزلنا الذكر، وانا له لحافظون" (الحجر 9).

ثالثا:- لم تكن لجان عثمان معصومة من اختيار الحرف الافضل للقرآن، بينما احرف الانجيل الاربعة تحوي الشهادة فيها لعصمتها.

رابعا:- الاحرف الاربعه الانجيل الواحد، باختلاف الالفاظ واتفاق المعاني، هي شهادة قاطعة لصحة الوحي الانجيلي، لان اربع شهادات، مختلفة الالفاظ متفقة المعاني، افضل من شهادة واحدة، تقوم على نص واحد، لا له ولا عليه، لمعرفة الوحي القرآني معرفه عمليه. وفي الشرع العام: " على فم شاهدين او لثلاثه تقوم كل حجه".

ن القدر الذي يربط تاريخ تدوين القرآن، بتاريخ تدوين الانجيل، نصل الى هذه المقارنه اللطيفه

  عودة