حجة الله على العالمين في معجزات سيد المرسلين

المعجزات النبوية 

 

 

حجة الله على العالمين في معجزات سيد المرسلين للشيخ يوسف بن اسماعيل النبهاني الجزء 2 /2 : اخرج ابو نعيم من طريق المعتمر ابن سليمان عن ابيه ان جبريل اخذ النبي فاجلسه على بساط كهيئة الدرونوك فيه اللؤلؤ والياقوت فقال له جبريل اقرأ باسم ربك الذي خلق ... ثم قال له لا تخاف يامحمد فانك رسول ، فاقبل راجعا فجعل لا يمر بشجرة ولا حجر الا وهو ساجد يقول  السرم عليك يا رسول الله .

 

اخرج ابو نعيم عن انس بن مالك قال : دخل النبي حائطا للانصار ومعه ابو بكر وعمر وفي الحائط غنم فسجد له فقال اعرابي الى النبي انه سرق ناقة فقالت الناقة من خلف الباب والذي بعثك بالكرامة ان هذا ما اسرقني ولا ملكني احد سواه

 . 2/26 .

 

 فصل : فيما ظهر من الأيات عند مولده


 تدلي النجوم ، و ظهور النور عند ولادته ، حتى ما تنظر إلا النور .
و قول الشفاء أم عبد الرحمن بن عوف : لما سقط صلى الله عليه و سلم على يدي و استهل سمعت قائلاً يقول : رحمك الله ، و أضاء لي ما بين المشرق و المغرب حتى نظرت إلى قصور الروم . راجع الشمائل لابن كثير باب

وايضا الشفاء للقاضي عياض  وددرئل النبوة ايضا للقاضي عياض .

 

و ما جرى من العجائب ليلة مولده ، من ارتجاج إيوان كسرى ، و سقوط شرفاته ، وغيض بحيرة طبرية ، و خمود نار فارس ، وكان لها ألف عام لم تخمد .

ما ذكر من أنه كان لا ظل لشخصيته في شمس و لا قمر ، لأنه كان نوراً .
و أن الذباب كان لا يقع على جسده و لا ثيابه . راجع الشمائل لابن كثير باب

فيما ظهر من الأيات عند مولده  . وايضا الشفاء للقاضي عياض  وددرئل النبوة ايضا للقاضي عياض .

 

 

 

    فصل في نبع الماء من بين أصابعه و تكثيره بركة
أما الأحاديث في هذا كثيرة جداً .
روى حديث نبع الماء من أصابعه صلى الله عليه و سلم جماعة من الصحابة ، منهم أنس ، و

 

عن أنس بن مالك: رأيت رسول الله ، و حانت صلاة العصر ، فالتمس الناس الوضوء فلم يجدوه ، فأتى رسول الله بوضوء ، فوضع رسول الله في ذلك الإناء يده ، و أمر الناس أن يتوضئوا منه . قال : فرأيت الماء ينبع من بين أصابعه ، فتوضأ حتى توضئوا من عند آخرهم . قال : كم كنتم ؟ قال : كنا زهاء ثلاثمائة .

وعن ابن مسعود: بينما نحن مع رسول الله ، و ليس معنا ماء ، فقال لنا رسول الله : اطلبوا من معه فضل ماء ، فأتى بماء فصبه في إناء ، ثم وضع كفه فيه ، فجعل الماء ينبع من بين أصابع رسول الله.
و في الصحيح عن سالم بن أبي الجعد ، عن جابر: عطش الناس يوم الحديبية و رسول الله بين يديه ركوة ، فتوضأ منها ، و أقبل الناس نحوه ، و قالوا : ليس عندنا ماء إلا ما في ركوتك ، فوضع النبي يده في الركوة ، فجعل الماء يفور من بين أصابعه كأمثال العيون .
و فيه : فقلت : كم كنتم ؟ قالوا : لو كنا مائة ألف لكفانا ، كنا خمس عشرة مائة .

فصل : في كلام الشجرة و شهادتها له بالنبوة و إجابتها دعوته
 عن بريدة : سأل أعرابي النبي آية ، فقال له : قل لتلك الشجرة رسول الله يدعوك .
قال : فمالت الشجرة عن يمينها و شمالها و بين يديها و خلفها ، فتقطعت عروقها ، ثم جاءت [ 106 ] تخد الأرض تجر مغبرةً حتى وقفت بين يدي رسول الله ، فقالت : السلام عليك يا رسول الله . قال الأعرابي : مرها فلترجع إلى منبتها ، فرجعت ، فدلت عروقها فاستوت .
فقال الأعرابي : ائذن لي أسجد لك . قال : لو أمرت أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها . قال : فأذن لي أن أقبل يديك و رجليك ، فأذن له .

و روى أسامة بن زيد نحوه ، قال : قال رسول الله في بعض مغازيه : هل تعني مكاناً لحاجة رسول الله ؟ فقلت : إن الوادي ما فيه موضع بالناس . فقال : هل ترى من نخل أو حجارة ؟ قلت : أرى نخلات متقاربات . قال : انطلق و قل : لهن : إن رسول الله يأمركن أن تأتين لمخرج رسول الله ، و قل للحجارة مثل ذلك . فقلت ذلك لهن ، فو الذي بعثه بالحق ، لقد رايت النخلات يتقاربن حتى اجتمعن ، و الحجارة يتعاقدن حتى صرن زكاماً خلقهن . فلما قضى حاجته قال لي : قل لهن يفترقن ، فو الذي نفسي بيده لرأيتهن و الحجارة يفترقن حتى عدن إلى مواضعهن .

    فصل : و مثل هذا في سائر الجمادات
عن ابن مسعود : كنا نأكل مع رسول الله الطعام و نحن نسمع تسبيحه .
و قال أنس : أخذ النبي كفا من حصى ، فسبحن في في يد رسول الله حتى سمعنا التسبيح ، ثم صبهن في يد أبي بكر فسبحن ، ثم في أيدينا فما سبحن .

و عن أنس : صعد النبي، و أبو بكر ، و عمر ، و عثمان، أحداً ، فرجف بهم ، فقال : اثبت أحد ، فإنما عليك نبي و صديق ، و شهيدان .
و مثله عن أبي هريرة في حراء ، و زاد معه : علي و طلحة ، و الزبير ، و قال : فإنما عليك نبي ، أو صديق ،أو شهيد .

    فصل : في الآيات في ضروب الحيوانات
 
عن أبي سعيد الخذري : بينا راع يرعى غنماً له عرض الذئب لشاة منها ، فأخذها الراعي منه ، فأقعى الذئب ، و قال للراعي : ألا تتقي الله ! حلت بيني و بين رزقي ! قال الراعي : العجب من ذئب يتكلم بكلام الإنس ! فقال الذئب : ألا أخبرك بأعجب من ذلك ؟ رسول الله بين الحرتين يحدث الناس بأنباء ما قد سبق .

و عن أنس: دخل النبي حائط أنصاري و أبو بكر و عمر و رجل من الأنصار ،و في الحائط غنم فسجدت له . فقال أبو بكر : نحن أحق بالسجود لك منها ... الحديث .

وعن أبي هريرة رضي الله عنه :دخل النبي صلى الله عليه و سلم حائطاً ، فجاء بعير فسجد له ، و ذكر مثله .

و عن أم سلمة : كان النبي في صحراء ، فنادته ظبية ، يا رسول الله ، قال : ما حاجتك ؟ قالت : صادني هذا الأعرابي ، و لي خفشان في ذلك الجبل ، فأطلقني حتى أذهب فأرضعهما و أرجع . قال : و تفعلين ؟ قال : نعم . فأطلقها ، فذهبت ورجعت ، فأوثقها ، فانتبه الأعرابي وقال : يا رسول الله ، ألك حاجة ؟ قال : تطلق هذه الظبية فأطلقها فخرجت تعدو في الصحراء ، وتقول : أشهد أن لا إله إلا الله ، و أنك رسول الله .

ومن هذا الباب ما روي من تسخير الأسد لسفينة مولى رسول الله ، إذا و جهه إلى معاذ باليمن فلقي الأسد فعرفه أنه مولى رسول الله و معه كتابه ، فهمهم و تنحى عن الطريق ، و ذكر في منصرفه مثل ذلك . حجة الله على العالمين 2/34 .

 

عبور الخيل فوق المياه في خيبر

عن على بن ابي طالب قال : لما خرجنا الى خيبر فاذ نحن بواد سحب وقدرناه فاذا هو باربعة عشرة قامة فقالوا : يا رسول الله العدو  من ورائنا والوادي من أمامنا، كما قال اصحاب موسى : انا لمدركون فنزل رسول الله فعبرت الخيل لا تبدى حوافرها والابل لا تبدى اخفائها. شمائل الرسول لابن كثير 2/252-253.

 

 

 

    فصل : في إحياء الموتى و كلامهم ، و كلام الصبيان و المراضع و شهادتهم لهم بالنبوة عن الحسن : أتى رجل النبي، فذكر أنه طرح بنية له في وادي كذا ، فانطلق معه إلى الوادي ، و ناداها باسمها : يا فلانة ، أجيبي نإذن الله فخرجت و هي تقول : لبييك و سعديك ! فقال لها : إن أبويك قد أسلما ، فإن أحببت أن أدرك عليهما ؟ قالت : لا حاجة لي فيهما ، و جدت الله خيراً منهما .
و عن أنس أن شاباً من الأنصار توفي و له أم عجوز عمياء ، فسجيناه ، و عزيناه ، فقالت : مات ابني ؟ قلنا : نعم . قالت : اللهم إن كنت تعلم أني هاجرت إليك و إلى نبيك رجاء أن تعينني على كل شدة فلا تحملن علي هذه المصيبة . فما برحنا أن كشف الثوب عن وجهه ، فطعم و طعمنا .

 روي عن عبد الله بن عبيد الله الأنصاري : كنت فيمن دفن ثابت بن قيس بن شماس ، و كان قتل باليمامة ، فسمعناه حين أدخلناه القبر يقول : محمد رسول الله ، أبو بكر الصديق ، عمر الشهيد ، عثمان البر الرحيم ، فنظرنا فإذا هو ميت .
و ذكر عن النعمان بن بشير أن زيد بن خارجة خر ميتاً في بعض أزقة المدينة ، فرفع وسجي إذ سمعوه بين العشاءين و النساء يصرخن حوله يقول : أنصتوا ،أنصتوا ، فحسر عن و جهه ، فقال : محمد رسول الله ، النبي الأمي ، و خاتم النبيين ، كان ذلك في الكتاب الأول ، ثم قال صدق ، صدق ، و ذكر أبا بكر ، وعمر ، و عثمان ، ثم قال : السلام عليك يا رسول الله ،ورحمة الله و بركاته ، ثم عاد ميتاً كما كان .
      

    فصل : في إبراء المرضى و ذوي العاهات
عن ابن عباس : جاءت امرأة بابن لها به جنون ، فمسح صره ، فثع ثعة فخرج من جوفه مثل الجرو الأسود ، فشفي

ودمتم للإسلام والمسلمين

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
هذا الكلام الذي يحكيه الأخ السائل عن أحد الحاضرين في
مجلسه، بعضه حق، وبعضه باطل، فليس كل ما يشيع بين الناس من المعجزات الحسية للنبي - صلى الله عليه وسلم - صحيحًا ثابتًا، وليس كلها أيضًا باطلاً .

والصحة والبطلان في هذه الأمور، لا يرجع فيها إلى مجرد الرأي أو الهوى والعواطف، وإنما يرجع إلى الأسانيد.
والناس في هذه القضية - قضية المعجزات المحمدية المادية - أصناف ثلاثة:.

فالصنف الأول: يبالغ في الإثبات، وسنده في ذلك ما حوته الكتب، أيًا كانت هذه الكتب: سواء كانت للمتقدمين أو المتأخرين، وسواء كانت تعني بتمحيص الروايات أم لا تعني، وسواء وافق ذلك الأصول أم خالفها، وسواء قبله المحققون من العلماء أم رفضوه.
المهم أن يروي ذلك في كتاب وإن لم يعرف صاحبه، أو يذكر في قصيدة من قصائد المدائح النبوية، أو في قصة " مولد " التي يُتلى بعضها في شهر ربيع الأول من كل عام، أو نحو ذلك.
وهذه عقلية عامية لا تستحق أن تناقش، فالكتب فيها الغثّ والسمين، والمقبول والمردود، والصحيح والمختلق الموضوع.

وقد ابتليت ثقافتنا الدينية بهؤلاء المؤلفين الذين
يتتبعون " الغرائب " ويحشون " بها بطون الكتب، وإن خالفت صحيح المنقول، وصريح المعقول.

وبعض المؤلفين، لا يعني بصحة ما يروي من هذه الأمور، على أساس أنها لا يترتب عليها حكم شرعي، من تحليل أو تحريم أو غير ذلك . ولهذا إذا رووا في الحلال والحرام تشددوا في الأسانيد، ونقدوا الرواة، ومحصوا المرويات . فأما إذا رووا في الفضائل والترغيب والترهيب . ومثلها المعجزات ونحوها، تساهلوا وتسامحوا.

ومؤلفون آخرون، كانوا يذكرون الروايات بأسانيدها 0 فلان عن فلان عن فلان - ولكنهم لا يذكرون قيمة هذه الأسانيد: أهي صحيحة أم غير صحيحة ؟ وما قيمة رواتها: أهم ثقات مقبولون أم ضعاف مجروحون، أم كذابون مردودون ؟ معتمدين على أنهم إذا ذكروا السند فقد أبرأوا أنفسهم من التبعة، وخلوا من العهدة.

غير أن هذا كان صالحًا وكافيًا بالنسبة للعلماء في العصور الأولى، أما في العصور المتأخرة - وفي عصرنا خاصة - فلم يعد يعني ذكر السند شيئًا . وأصبح الناس يعتمدون على النقل من الكتب، دون أي نظر إلى السند.

وهذا هو موقف جمهرة الكتاب والمؤلفين في عصرنا، حين ينقلون من تاريخ الطبري، أو طبقات ابن سعد أو غيرها.
والصنف المقابل: يبالغ في النفي والإنكار للمعجزات والآيات الحسية الكونية ، وعمدته في ذلك: أن معجزة محمد - صلى الله عليه وسلم - هي القرآن الكريم وهو الذي وقع به التحدي: أن يأتوا بمثله، أو بعشر سور مثله، أو بسورة من مثله.
ولما طلب المشركون من الرسول بعض الآيات الكونية تصديقًا له، نزلت آيات القرآن تحمل الرفض القاطع لإجابة طلباتهم . كما في قوله تعالى: (وقالوا: لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعًا . أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرًا . أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفًا وتأتي بالله والملائكة قبيلاً . أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقي في السماء . ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابًا نقرؤه، قل: سبحان ربي، هل كنت إلا بشرًا رسولاً ؟). (سورة الإسراء: 90 - 93).

وفي موضع آخر، ذكر المانع من إرسال الآيات الكونية التي يقترحونها فقال: (وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون، وآتينا ثمود الناقة مبصرة، فظلموا بها، وما نرسل بالآيات إلا تخويفًا). (سورة الإسراء: 59).
وفي سورة أخرى، رد على طلب الآيات بأن القرآن وحده كاف كل الكفاية ليكون آية لمحمد - صلى الله عليه وسلم - قال تعالى: (أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم ؟ إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون). (سورة العنكبوت: 51).

وقد اقتضت الحكمة الإلهية أن تكون معجزة محمد - صلى الله عليه وسلم - معجزة عقلية أدبية، لا حسية مادية، وذلك لتكون أليق بالبشرية بعد أن تجاوزت مراحل طفولتها، ولتكون أليق بطبيعة الرسالة الخاتمة الخالدة . فالمعجزات الحسية تنتهي بمجرد وقوعها . أما العقلية فتبقى.
وقد أيد ذلك ما جاء في صحيح البخاري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " ما من الأنبياء من نبي إلا وقد أعطى من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحيًا أوحاه الله إليّ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعًا يوم القيامة ".

ويبدو لي أن مما دفع هذا الصنف إلى هذا الموقف أمرين:.
أولاً: افتتان الناس في عصرنا بالعلوم الكونية، القائمة على ثبات الأسباب، ولزوم تأثيرها في مسبباتها، حتى ظن بعض الناس أنه لزوم عقلي لا يتخلف في حال، فالنار لابد أن تحرق، والسكين لابد أن تقطع، والجماد لا يمكن أن ينقلب إلى حيوان، والميت لا يمكن أن يرجع إلى الحياة ... إلخ.
الثاني: غلو الصنف الأول في إثبات الخوارق، بالحق والباطل، إلى حد يكاد يلغي قانون الأسباب والسنن، التي أقام الله عليها هذا العالم . وكثيرًا ما يقاوم الغلو بغلو مثله.
وهنا يظهر الرأي الوسط بين المبالغين في الإثبات، والمغالين في الإنكار . وهو الرأي الذي أرجحه وأتبناه.
وخلاصة هذا الرأي:.
1- أن القرآن الكريم هو الآية الكبرى، والمعجزة الأولى، لرسولنا محمد - صلى الله عليه وسلم - وهو الذي تحدّى به العرب خاصة، والخلق عامة . وبه تميزت نبوة محمد على غيرها من النبوات السابقة، فالدليل على صدق نبوته هو نفس موضوع رسالته ؛ وهو كتابه المعجز بهدايته وبعلومه، وبإعجازه اللفظي والمعنوي، وبإتيانه بالغيب: ماضيه وحاضره ومستقبله.

2- أن الله تعالى أكرم خاتم رسله بآيات كونية جمة، وخوارق حسية عديدة، ولكن لم يقصد بها التحدي، أعني إقامة الحجة
بها على صدق نبوته ورسالته . بل كانت تكريمًا من الله له ، أو رحمة منه تعالى به، وتأييدًا له، وعناية به وبمن آمن معه في الشدائد ؛ فلم تحدث هذه الخوارق استجابة لطلب الكافرين، بل رحمة وكرامة من الله لرسوله والمؤمنين ، وذلك مثل " الإسراء " الذي ثبت بصريح القرآن، والمعراج الذي أشار إليه القرآن، وجاءت به الأحاديث الصحيحة، ونزول الملائكة تثبيتًا ونصرة للذين آمنوا في غزوة بدر، وإنزال الأمطار لإسقائهم فيها وتطهيرهم، وتثبيت أقدامهم، على حين لم يصب المشركين من ذلك شيء وهم بالقرب منهم . وحماية الله لرسوله وصاحبه في الغار يوم الهجرة، رغم وصول المشركين إليه، حتى لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآهما ، وغير ذلك مما هو ثابت بنص القرآن الكريم.
ومثل ذلك إشباع العدد الكثير من الطعام القليل في غزوة الأحزاب، وفي غزوة تبوك.

3- إننا لا نثبت من هذا النوع من الخوارق إلا ما نطق به القرآن، أو جاءت به السنة الصحيحة الثابتة . وما عدا ذلك مما انتفخت به بطون الكتب، فلا نقبله، ولا نعبأ به.
فمن الصحيح الثابت:.
( أ ) ما رواه جماعة من الصحابة من حنين الجذع الذي كان يخطب عليه - صلى الله عليه وسلم - أول الأمر، فلما صنع له المنبر، وقام عليه للخطبة، سمع للجذع صوت كحنين الناقة إلى ولدها . فأتاه النبي - صلى الله عليه وسلم - فوضع يده عليه فسكت.
قال العلامة تاج الدين السبكي: حنين الجذع متواتر، لأنه ورد عن جماعة من الصحابة، إلى نحو العشرين، من طرق صحيحة كثيرة تفيد القطع بوقوعه . وكذلك قال القاضي عياض في الشفاء: إنه متواتر.

( ب ) ما رواه البخاري ومسلم وغيرهما من أصحاب السنن والمسانيد عن جماعة من الصحابة، من إفاضة الماء بغير الطرق المعتادة، وذلك في غزواته وأسفاره - صلى الله عليه وسلم - مثل غزوة الحديبية، وغزوة تبوك وغيرهما.
روى الشيخان عن أنس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه كانوا بالزوراء فدعا بقدح فيه ماء، فوضع كفه فيه، فجعل الماء ينبع من بين أصابعه، وأطراف أصابعه، فتوضأ أصحابه به جميعًا.

وروى البخاري عن البراء بن عازب أنهم كانوا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الحديبية أربع عشرة مائة (أي 1400)، وأنهم نزحوا بئر الحديبية فلم يتركوا فيها قطرة، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسالم فأتاها، فجلس على شفيرها، ثم دعا بإناء من ماء، فتوضأ، ثم تمضمض ودعا، ثم صبه فيها . قال: فتركناها غير بعيد، ثم إنها أصدرتنا (سقتنا وروتنا) ماشيتنا نحن وركابنا.
والأحاديث في إجراء الماء له - صلى الله عليه وسلم - كثيرة مستفيضة، ومروية بأصح الطرق.

(جـ) ما حفلت به كتب السنة من استجابة الله تعالى لدعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - في مواضع يصعب حصرها، مثل دعائه بإنزال المطر . ودعائه يوم بدر بالنصر، ودعائه لابن عباس بالفقه في الدين، ودعائه لأنس بكثرة الولد، وطول العمر، ودعائه على بعض من آذاه .. إلخ.

( د ) ما صح من الأنباء بمغيبات وقت كما أخبر بها - صلى الله عليه وسلم -، بعضها في حياته، وبعضها بعد وفاته، مثل فتح بلاد اليمن وبصرى وفارس، وقوله لعمار: " تقتلك الفئة الباغية " وقوله عن الحسن: إن ابني هذا سيد، وسيصلح الله به بين فئتين من المسلمين ... إلخ . ومثل إخباره بفتح القسطنطينية وغيرها.

4- أما ما لم يصح من الخوارق والآيات، فلا نثبته ولا نقيم له وزنًا، وإن شاع ذكره بين الناس.
ونكتفي هنا بما اشتهر من أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حين اختفى في الغار عند الهجرة من المدينة، جاءت حمامتان فباضتا على فم الغار كما أن شجرة نبتت ونمت فغطت مدخل الغار . فهذا ما لم يجئ به حديث صحيح، ولا حسن، ولا ضعيف.
أما نسج العنكبوت على الغار فقد جاءت به رواية حسنها بعض العلماء، وضعفها آخرون .

وظاهر القرآن يدل على أن الله تعالى أيد رسوله يوم الهجرة بجنود غير مرئية كما قال تعالى: (فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها) والعنكبوت والحمام جنود مرئية ولا شك والنصر بجنود غير مشاهدة ولا محسة أدل على القهر الإلهي والعجز البشري . وإنما اشتهرت هذه الخوارق بين جمهور المسلمين بسبب المدائح النبوية، للمتأخرين وبخاصة مثل " البردة " للبوصيري التي يقول فيها:.
ظنوا الحمام، وظنوا العنكبوت على خير البرية لم تنسج ولم تحم.
وقاية الله أغنت عن مضاعفة من الدروع وعن عال من الأطم.
فهذا هو موقفنا من الخوارق والمعجزات النبوية المنسوبة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -.
والله أعلم
.

عودة