التالي

بحث تاسع

" فيما وقع فيه بغير لغة الحجاز" (الاتقان 1 : 134)

ذكر السيوطى (الاتقان 1 : 48)، على حديث الاحرف السبعة، قولهم فيه : " إن المراد سبع لغات . والى هذا ذهب أبو عبيد، وثعلب، والزهرى، وآخرون. واختاره ابن عطية. وصححه البيهقى فى (الشعب) وتعقب: بأن لغات العرب أكثر من سبعة؛ وأجيب بأن المراد أفصحها".

أولاً: الاختلاف فى تعيين اللغات العربية التى نزل بها القرآن

" فجاء عن ابن عباس قال: نزل القرآن على سبع لغات : منها خمس بلغة العجز من هوازن ويقال لهم " عليا هوازن". ولهذا قال أبو عمرو بن العلاء: أفصح العرب عليا هوازن، وسفلى تميم يعنى بنى دارم.

" وأخرج أبو عبيد من وجه آخر عن ابن عباس قال: نزل القرآن بلغة الكعبين كعب قريش وكعب خزاعة . قيل: وكيف ذلك؟ قال: لأن الدار واحدة، يعنى ان خزاعة كانوا جيران قريش فسهلت عليهم لغتهم.

وقال ابو حاتم السجستانى: نزل بلغة قريش وهذيل وتميم والأزد وربيعة وهوازن وسعد بن بكر. واستنكر ذلك ابن قتيبة وقال: لم ينزل القرآن إلا بلغة قريش ، ورده بقوله " وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه" ، فعلى هذا تكون اللغات السبع فى بطون قريش. وبذلك جزم أبو على الأهوازى.

" وقال أبو عبيد: ليس المراد ان كل كلمة تقرأ على سبع لغات، بل اللغات السبع مفرقة فيه : فبعضه بلغة قريش، وبعضه بلغة هذيل، وبعضه بلغة هوازن، وبعضه بلغة اليمن وغيرهم. قال: وبعض اللغات أسعد به من بعض، وأكثر نصيباً.

" وقيل: نزل بلغة مضر خاصة، لقول عمر: نزل القرآن بلغة مضر. وعين بعضهم - فيما حكاه ابن عبد البِر - السبع من مضر: أنهم هذيل وكناية وقيس وضبة وتيم الرياب وأسد بن خزيمة وقريش. فهذه قبائل مضر تستوعب سبع لغات.

" ونقل ابو شامة عن بعض الشيوخ أنه قال: أُنزل القرآن أولاً بلسان قريش ومن جاورهم من العرب الفصحاء. ثم أبيح للعرب أن يقرأوه بلغاتهم التى جرت عادتهم باستعمالها، على اختلافهم فى الألفاظ والأعراب ؛ ولم يكلف أحد منهم الانتقال عن لغته الى لغة أخرى للمشقة، ولما كان فيهم من الحمية، ولطلب تسهيل فهم المراد".

والنتيجة الحاسمة بواقع اختلاف اللغات فى القرآن:

أولاً: ان قبائل العرب كانت تتكلم لغات " مختلفة فى الألفاظ والاعراب".

ثانياً: " ان القرآن نزل بلغة قريش ومن جاورهم من العرب الفصحاء - وهذه هى لغة الشعر الجاهلى التى وحدتها زعامة قريش والحج الى كعبة مكة وأسواق العرب، فيها - ثم أبيح للعرب أن يقرأوه بلغاتهم التى جرت عادتهم باستعمالها، على اختلافهم فى الألفاظ والاعراب" وهكذا يكون حديث نزول القرآن على سبعة أحرف انما هو تسجيل واقع القرآن بعد نزوله بلغة قريش، لا تنزيل على سبع لغات مختلفات.

ثالثاً: هذا الواقع فى توزّع القرآن على لغات العرب جعل " اللغات السبع مفرقة فيه: فبعضه بلغة قريش، وبعضه بلغة هذيل، وبعضه بلغة هوازن، وبعضه بلغة اليمن وغيرهم".

رابعاً: إن تفرتق القرآن على لغات العرب على صحة حرفه المنزل؛ وشبهة على اعجاز حرفه المنقول فى الحرف العثمانى.

ويأتى " فيما وقع فيه بغير لغة الحجاز" تأييداً لذلك.

______________________________

(1) وقوم محمد هم العرب، لا قريش وحدها. لأنه ابن اسماعيل جد العرب المستعربه فى الحجاز

___________________________

ثانياً: " فيما وقع فيه بغير لغة الحجاز"

بعد تصفية القرآن ، وكتابته بلغة قريش، كما أمر عثمان عند جمعه وتدوينه، نجد فى الحرف العثمانى كلمات وتعابير غير حجازية. ونحن ننقلها عن تحقيق السيوطى لها فى (الاتقان 1 : 134):

1) بلغة اليمن

وأنتم سامدون: الغناء - الأرائك جمع أريكة: السرير - ولو ألقى معاذيره: دستوره - لا وزر: لا حيل - وزوجناهم بحور: حوراً - لو أردنا أن نتخذ لهواً: امرأة - أتدعون بعلاً: رباً - المرجان: صغار اللؤلؤ - فنقبوا: هربوا - سيل العرم: المسناة.

2) بلغة كنانة

السفهاء: الجهال - خاسئين: صاغرين - شطره: تلقاءَه - لا خلاق: لا نصيب - وجعلكم ملوكاً: أحراراً - قبيلاً: عياناً - معجزين: سابقين - يعزب: يغيب - تركنوا: تميلوا - فجوة: ناحية - موئلاً: ملجأً - مُبلسون: آيسون - دحوراً: طرْداً - الخراصون: الكذابون - أسفاراً: كتباً - أُقتت: جُمعت - كنود: كفور للنعم.

3) بلغة هذيل

الوزر: ولد الولد – الرجز: العذاب - شروا: باعوا - عزموا الطلاق: حققوا - صلداً: نقياً - آناء الليل: ساعاته - فورهم: وجههم - مدراراً: متتابعاً - يجعل لكم فرقاناً: مخرجاً - حَرَض: حض - عيلة: فاقة - وليجة: بطانة - انفروا: اغزوا -

السائحون: الصائمون - العنت: الإثم - فاليوم ننجيك ببدنك: بدرعك - غمة: شبهة - دلوك الشمس: زوالها - شاكلته: ناحيته - رجماً بالغيب: ظنا - لن أجد (تجد) من دونه ملتحدا: ملتجئاً - يخاف هضماً : نقصاً - هامده : مغبرة - واقصد فى مشيك: أسرع - الاجداث: القبور - ثاقب: مضىء - بالهم : حالهم - يهجعون: ينامون - ذنوبا: عذابا - مرغماً: منفسخاً - على ذات ألواح ودسر : المسامير - فى خلق الرحمان من تفاوت : عيب - أرجائها: نواحيها - أطواراً: ألوانا - برداً: نوماً - واجفة: خائفة - مَسغَبة: مجاعة - المبذَر: المسرف.

4) بلغة حمير

فى الكتاب مسطوراً: مكتوباً (وهم يسمون الكتاب: اسطوراً) - تفشلا: تجبُنا - عثر: اطلع - سفاهة ً : جنوناً – زيّلنا : ميزنا - مرجواً: حقيراً - السقاية : الإناء - مسنون : منتن - إمام مبين: كتاب - ينفضون : يحركون - حسبانا: برداً - من الكبر عتياً: تحولاً - مأرب : حاجات – خرجاً: جعلاً - غراماً : بلاءً - الصرح: البيت - أنكر الأصوات: أقبحها - يَتِرَكُم : ينقصكم - مدينين: محاسبين (فالدين بلغته معناه الحساب) - فأخذهم أخذة رابية : شديدة - وبيلاً: شديداً.

5) بلغة جرهم

بحبّار: بمسلّط - مرض : رنا - القطر : النحاس - محشورة: مجموعة - معكوفاً: محبوساً - فباؤوا: استوجبوا - شقاق : ضلال - خيراً: مالاً - كدأب: كأشباه - أدنى ألا تعولوا : تميلوا - يغنوا : يتمتعوا - شرد : نكل - أراذلنا: سفلتنا - عصيب: شديد - لفيفاً: جميعاً - محسوراً: منقطعاً - حدب : جانب - الخلال: السحاب - الودق: المطر - شرذمة: عصابة - ريع : طريق - ينسلون : يخرجون - شوبا : مزجاً - الحبك: الطرائق - سور: الحائط.

6) بلغة أزد شنؤة

لا شية: لا وضح - العَضْل : الحبس (" فلا تعضلوهن" : فلا تحبسوهنّ) - أمة : سنين - الرس : البئر - كاظمين: مكروبين - غسلين : الحار الذى تناهى حره - لوّاحة : حراقة.

7) بلغة مذحج

رفث: الجماع - مقيتاً: مقتدراً - بظاهر من القول: بكذب - الوصيد : الفناء - حقباً: دهراً - الخرطوم : الأنف.

8) بلغة خثعم

تسيمون : ترعون - مريج: منتشر - صفت: مالت - هلوعاً: ضجوراً - شططا: كذباً.

9) بلغة قيس عيلا

نحلة: فريضة - حرج: ضيق - لخاسرون: مضيعون - تفندون: تستهزئون - صياصيهم : حصونهم - تجرون: تنعمون - رجيم: ملعون - يَلتْكُم: ينقصكم.

10) بلغة سعد العشيرة

بنين وحفدة : أختان - كل على مولاه: عيال.

11) بلغة كنده

فجاجاً: طرقاً - وبُسّت الجبال بَسّاً: فتتت - تبتئس: تحزن.

12) بلغة حضرموت

ربيون: رجال - دمّرنا: اهلكنا - لُغوب: إعياء - منسأته: عصاه.

13) بلغة غسان

طفقاً: عمداً - بئيس: شديد - سىء بهم: كرههم.

14) بلغة مزينه

لا تغلوا: لا تزيدوا

15) بلغة لخم

إملاق: جوع - ولتعلُنّ: تقهرنّ.

16) بلغة جزام

فجاسوا خلال الديار: تخللوا الأزقة

17) بلغة نبى حنيفة

العقود: العهود - الجناح : اليد - الرهب: الفزع.

18) بلغة اليمامة

حصرت: ضاقت.

19) بلغة سبأ

تميلون ميلاً عظيماً: تخطئون خطأ ً بيّناً - تبرنا: أهلكنا

20) بلغة سليم

نكص على عقبيه: رجع.

21) بلغة عمارة

الصاعقة: الموت

22) بلغة طىء

ينعق: يصيح - رغداً: خصباً - سفه نفسه : خسرها - يسن : يا إنسان

23) بلغة خزاعة

أفيضوا: انفروا - الافضاء: الجماع

24) بلغة عمان

بوراً: هلكى - خبالاً: غياً - نفقاً: سرباً - حيث أصاب: أراد - اعصر خمراً: (وهم يسمون العنب خمراً).

25) بلغة تميم

أمد: نسيان - بغياً من عند أنفسهم: حسداً

26) بلغة أنمار

طائره : عمله - أغطش: أظلم

27) بلغة أشعر

لأجتنكنّ: لأستأصلنّ - تارة: مرة - اشمأزت: مالت ونفرت

28) بلغة الأوس

لينة: النخل

29) بلغة الخزرج

ينفضوا: يذهبوا

30) بلغة مدين

فافرقْ بيننا: اقض ِ

31) بلغة بلى

الرجز: العذاب

32) بلغة ثقيف

طائف من الشيطان: نخسة - العول: الميل - الاحقاف : الرمال.

33) بلغة همدان

الريحان : الرزق - العيناء : البيضاء - العبقرى : الطنافس.

34) بلغة نصر بن معاوية

الختّار: الغدار

35) بلغة عامر بن صعصعة

بنين وحفدة: الخدم

36) بلغة عك

الصور: القرن.

37) بلغة هوازن

أفلم ييأس الذين آمنوا: أفلم يعلموا

38) بلغة بنى عيسى

لا يلتكم: لا ينقصكم

بلغة عذرة

اخسئوا: اخزوا.

ثالثاً: نتائج هذا الواقع القرآنى

الأولى ما قاله أبو بكر الواسطى فى كتابه (الارشاد): " فى القرآن من اللغات العربية خمسون لغة: لغة قريش وهذيل وكنانة وخثعم والخزرج وأشعر ونمير وقيس عيلان وجرهم واليمن وأزدشنوءة وكندة وتميم وحمير ومدين ونجم وسعد العشيرة وحضرموت وسدوس والعمالقة وأنمار وغسان ومذحج وخزاعة وعطفان وسبأ وعمان وبنو حنيفة وثعلب وطى وعامر بن صعصعة وأوس ومزينة وثقيف وجذام وبلى وعذرة وهوازن والنمر واليمامة.

" ومن غير العربية : الفرس والروم والنبط والحبشة والبربر والسريانية والعبرانية والقبط".

نقول: قد تكون بعض تلك الألفاظ قد دخلت فصحى قريش بتفاعل اختلاط القبائل. ولكن بقاء هذه اللغات العربية غير القرشية فى الحرف العثمانى، بعد تصفية القرآن وتدوينه بلغة قريش، دليل على أن النص المنزل قد تعدل بتلاوة القرآن بجميع لغات العرب قبل تدوينه.

ونعرف من الواسطى ان " كلام قريش سهل لين واضح؛ وكلام العرب وحشى غريب " . ومن الأمثلة التى ينقلونها عن اللغات العربية التى دخلت القرآن نعرف انه دخله كلام وحشى غريب، ليس من فصاحة اللغة القرشية بشىء.

ولقد روى عن ابن عباس، ترجمان القرآن أنه قال: كل القرآن أفهمه إلا أربعاً: غسلين، وحنانا، وأواه، والرقيم. وكان أبو بكر يقول: اى سماء تظلنى، وأى أرض تقلنى، إن أنا قلت فى كتاب الله ما لا أعلم. ونُقل عن أنس أن عمر بن الخطاب قرأ على المنبر " وفاكهة وأبّا" فقال: هذا الفاكهة عرفناه، فما الأب؟ ثم رجع الى نفسه فقال: ان هذا لهو الكلف، يا عمر. ومنه أيضاً ما قيل: ان عمر سأل عن معنى " التخوف" فى قوله " أو يأخذهم على تخوف" ! فيقوم له رجل من هذيل يفسر له الكلمة ويقول: التخوف عندنا: التنقص .

ان الصحابة - وهم أهل الحجاز وأصحاب اللغة التى نزل بها القرآن؛ وكانوا اعلم الناس بما جاء فيه لملازمتهم للنبى واخذهم عنه، ولأن لهجتهم هى لهجته - لم يفهموا بعض الغريب فى آيات الكتاب . وهذا برهان قاطع أنه دخل على النص المنزل القرشى من كلام العرب الوحشى الغريب. عند قراءته بلغاتهم قبل تدوينه. ولم تأت التصفية العثمانية عليه كله. فبقى بعضه شبهة على فصاحته.

الثانية ما قاله ابن عبد البر فى (التمهيد): قول من قال نزل بلغة قريش معناه عندى الأغلب، لأن غير لغة قريش موجودة فى جميع القراءات ، من تحقيق الهمزة ونحوها، وقريش لا تهمز.

" وقال الشيخ جمال الدين بن مالك: أنزل الله القرآن بلغة الحجازيين إلا قليلاً، فانه نزل بلغة التميميين كالادغام فى " من يشاق الله " وفى " من يرتد منكم عن دينه" فإن ادغام المجزوم لغة تميم ، ولهذا قل، والفك لغة الحجاز ولهذا كثر.

" وقد أجمع القراء على نصب " إلا اتباع الظن " لأن لغة الحجازيين التزام النصب فى المنقطع، كما أجمعوا على نصب " ما هذا بشراً " لأن لغتهم اعمال (ما). وزعم الزمخشرى فى قوله تعالى: " قل لا يعلم من فى السموات والأرض الغيب الا الله " أنه استثناء منقطع جاء على لغة بنى تميم" .

تلك براهين ثلاثة على ان غير لغة قريش الفصحى دخلت القرآن وبقيت فيه بعد التصفية العثمانية.

____________________________

(1) السيوطى: الاتقان 1 : 196

(2) محمد زغلول سلام: أثر القرآن فى تطور النقد العربى. ص 28

(3) الاتقان 1 : 136

______________________________

والنتيجة الحاسمة ان القرآن وقع فيه ما ليس بلغة الحجاز. وهذا شبهة كبرى على صحته وعلى فصاحة لغته القرشية.

التالي