التالي

بحث رابع

" في التعريف و التنكير" (الإتقان1: 191)

المبدأ عند السيوطي : " اعلم ان لكل منهما مقاماً لا يليق بالآخر " .

أولاً - ومن غرئب التنكير فيه أنه يأتي للوحدة والنوع جميعاً ، كقوله : " وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى"- فالمراد واحد؛ وكقوله : " هذا ذكر " أي نوع من الذكر – لكنه

عرفه بالإضافة في قوله : " هذا ذكر م َ ن معي وذكر من قبلي " – فما الحكمة البالغة في التنكير تارة والتعريف تارة .

وقد تأتي الوحدة والنوعية معاً كما في قوله : " والله خلق كل دابة من ماء" .

ومن غرائب التنكير فيه أن يأتي للتعظيم والتحقير جميعاً، كقوله في التعظيم : " وسلام عليه (يح ي ي) يوم "ولد"، " سلام على ابراهيم " – لكنه يقول في حق المسيح : " والسلام علي يوم ولدت ويوم اموت ويوم أبعث حياً " – وكقوله في التحقير : " أن نظن إلا ظناً "- مع قوله أيضاً : " إن يتبعون إلا الظن".

ومن غرائب التنكير فيه أن يأتي للتكثير والتقليل جميعاً، كقوله في التكثير : " أإن لنا لأجراً " اي وافراً؛ وكقوله في التقليل : " ورضوان من الله أكبر " اي رضوان قليل منه تعالى أكبر من الجنات وما فيها. ومن التقليل تجاهل الع ا رف : " هل ندلكم على رجل ينبئكم "، بعكس التنكير مع (لا) نافية الجنس : " لا ريب فيه "،"فلا رفث".

ثانياً - وكذلك التعريف فيه قد يأتي للتعظيم والتحقير جميعاً كقوله في الت ع ظيم عند ذكر يعقوب باسم اسرائيل؛ وكقوله في الاهانة : " أهذا الذي يذكر آلهتكم"؟ " أهذا الذي بعث الله رسولاً!

وقد عدوا من التعظيم في التعريف قصد تعظيمه بالبعد : " ذلك الكتاب لا ريب فيه " (البقرة1-2) – وفاتهم ان " ذلك" اشارة للبعيد الماضي، لا للقريب الآتي .

وقد يأتي التعريف لإرادة الخصوص أو العموم جميعاً، كقوله في الخصوص " والذي قال لوالديه : أف لكما"! " وراودته التي هو في بيتها "! وكقوله في العموم : " أن الذي قالوا : ربنا الله، تم استقاموا "، " والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا" .

وأشكل عليهم قوله : " قل : هو الله أحد، الله الصمد" (سورة الاخلاص ) فالخبر في الأول نكرة، وفي الثاني معرفة.

كما أشكل تكراره : " فإن مع العسر يسر اً : إن مع العسر يسر اً "! فتعريف الاسم يدل على الوحدة، وتنكير الخبر يدل على التعدد.

ف ا شتقو ا لاستساغة غرائبه هذه القاعدة : " إذا ذكر الاسم مرتين فله أربعة احوال، لأنه إما ان يكونا معرفتين؛ أو نكرتين؛ أو الأول نكرة والثاني معرفة؛ أو بالعكس ". لكنهم

وجدوا ان الواقع القرآني ينقض ذلك، كقوله في الحال الأولى : " هل جزاء الاحسان إلا الاحسان "؟- فإنهما معرفتان والأول غ ير الثاني، كما في قوله أيضاً " ان النفس بالنفس " اي القاتلة بالمقتولة؛ وكما في قوله أيضاً : " وكذلك أنزلنا اليك الكتاب، فالذين آتيناهم الكتاب يؤمنون به "، فإن الأول القرآن، والثاني التوراة والإنجيل. ومنها في الحال الثانية كقوله : " وهو الذي في السماء اله، وفي الأرض إله "، أو كقوله : " يسألونك عن الشهر الحرام : قتال فيه؟ قل : قتال فيه كبير "- فإن الثاني فيهما هو الأول وهما نكرتان. ومنها في الحال الثالثة والرابعة، كقوله : " أن يصالحا بينهما صلحاً، والصلح خير"، "ويؤت كل ذى فضل فضله"، "ويزدكم قوة الى قوتكم"، "ليزدادوا ايماناً مع ايمانهم"، " زدناهم عذاباً فوق العذاب "،" ما يتبع أكثرهم الا ظناً إن الظن "- فإن الثاني فيها غير الأول .

وهكذا ليس من قاعدة مقررة في " غرئبه"، بل يعود البيان والتبيين فيه الى القرائن اللفظية أو المعنوية، لا الى التعابير المتشابهة وحدها .

التالي