التالي

بحث ثالث

الهداية والضلالة من الله أم من العبد؟

أوّلاً: في حجج الجبرية (من أهل السنة): إثباتهما لله

1- "في نفي الهداية – في اكثر من عشرين موضعاً (غير النظائر): منها (في اربعة مواضع): "الله لا يهدي القوم ال كافرين ". (وفي عشرة مواضع): " الله لا يهدى القوم الظالمين". (وفى خمسة مواضع): "الله لا يهدي القوم الفاسقين".

والباقي في عبارات مختلفة. (في البقرة) والله لا يهدي القوم الكافرين. (وفي التوبة) زيّن لهم سوء اعمالهم، والله لا يهدي القوم الكافرين. (وفي النمل) وان الله لا يهدي القوم الكافرين. (وفي الانعام) ان الله لا يهدي القوم الظالمين. (وفي التوبة) والله لا يهدي القوم الظالمين. (وفيها) والله لا يهدي القوم الظالمين. (وفي آل عمران) والله لا يهدي القوم الظالمين. (وفي القصص) ومَن أضلّ ممن اتبع هواه بغير هدى من الله ان الله لا يهدي القوم الظالمين. (وفي التوبة) والله لا يهدي القوم الفاسقين. (وفي آل عمران) كيف يهدي الله قوماً كفروا بعد أيمانهم. (وفي النساء) لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلاً. (وفي النحل) أن تحرص على هداهم، فإن الله لا يهدي من يضل، وما لهم من ناصرين. (وفيها) الذين لا يؤمنون بآيات الله، لا يهديهم الله، ولهم عذاب أليم. (وفي الزمر) إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار. (وفي الاعراف) وما كنا لنهتدي لولا ان هدانا الله. (وفي إبراهيم) قالوا: لو هدانا الله لهديناكم.

2 – " في إثبات الضلالة – أثبت الله الإضلال في اثنين وثلاثين موضعاً: (في البقرة) يضلّ به كثيراً، ويهدي به كثيراً. (وفيها) وما يضل به الاّ الفاسقون. (وفي النساء) أتريدون أن تهدوا مَن أضل الله. ومَن يضلل الله، فلن تجد له سبيلاً. (وفيها) ومَن يضلل الله، فلن تجد له سبيلاً. (وفي الأنعام) مَن يشأ الله يضلله، ومَن يشأ يجعله على صراط مستقيم. (وفيها) ومَن يرد ان يضله يجل صدره ضيقًا حرجاً. (وفي الأعراف) فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة. (وفيها) إن هي إلاّ فتنتك تضل بها من تشاء، وتهدي من تشاء. (وفيها) من يهدي الله فهو المهتدي، ومَن يضلل فأولئك هم الخاسرون. (وفيها مَن يضلل الله فلا هادي له، ويذرهم في طغيانهم يعمهون. (وفي الرعد) قلْ: إن الله يضل من يشاء، ويهدي إليه من أناب. (وفيها) ومن يضلل الله فما له من هاد. (وفي إبراهيم) فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء، وهو العزيز الحكيم. (وفي النحل) فمنهم من هدى الله، ومنهم من حقّت عليه الضلالة. (وفيها) ان الله لا يهدي من يضل. (وفيها) ولكن يضل من يشاء. (وفي بني إسرائيل) ومن يهد الله فهو المهتد، ومن يضلل الله، فلن تجد لهم اولياء من دونه. (وفي الكهف) مَن يهد الله فهو المهتد، ومن يضلل الله فلن تجد له وليّاً مرشدًا. (وفي الروم) فمن

يهدي من اضل الله، وما لهم من ناصرين. (وفي الملائكة) أفمن زُين له سوء عمله فرآه حسنًا. فإن الله يُضل من يشاء، ويهدي من يشاء. (وفي التوبة) وما كان الله ليضل قومًا بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون. (وفي الزمر) ذلك هدى الله، يهدي به من يشاء، ومن يضلل الله فما له من هاد ، ومن يهد الله فما له من مضلّ، أليس الله بعزيز ذى انتقام. (وفى حم المؤمن) ومن يضلل الله، فما له من هاد. (وفيها) كذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب. (وفيها) كذلك يضل الله الكافرين. (وفي حمعسق) ومَن يضلل الله فما له من ولى من بعده، (وفيها) ومن يضلل الله فما له من سبيل. (وفي الجاثية) أفرأيت من اتخذ إلهه هواه، وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه، وجعل على بصره غشاوة، فمن يهديه من بعد الله، أفلا تذكرون. (وفي المدثر) كذلك يضل الله من يشاء، ويهدي من يشاء".

إذن ان الهداية والضلالة من الله يؤكد ذلك في اثن ت ين وخمسين آية.

ثانيًا: في حجج القدرية (من المعتزلة)

" في نفي الهداية والضلال من الله، وذلك في ثلاثين موضعًا:

"(في النساء) ويريد الشيطان ان يضلهم ضلالاً بعيداً. (وفيها) ولولا فضل الله عليك ورحمته، لهمّت طائفة منهم أن يضلّوك، وما يضلون إلاّ أنفسهم. (وفيها) ولأضلنّهم. (وفي المائدة) قد ضلّوا من قبل وأضلّوا كثيرًا، وضلوا عن سواء السبيل. (وفي الانعام) وان تطع أكثر من في الأرض يضلّوك عن سبيل الله. (وفيها) فمن أظلم ممن افترى على الله كذبًا، ليضل الناس بغير علم. (وفي الاعراف) قالت اخراهم لأولاهم. ربنا هؤلاء أضلونا. (وفي التوبة) وما كان الله ليضل قومًا بعد إذ هداهم. (وفي يونس) ومَن ضلّ فإنما يضلّ عليها. (وفي النحل) ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم. (وفي بني إسرائيل) من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه، ومن ضلّ فإنما يضل عليها. (وفي طه) وأضل فرعون قومه وما هدى. (وفيها) وأضلهم السامري. (وفي الفرقان) ويوم نحشرهم... أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء، أم هم ضلوا السبيل؟ (وفي الحج) كتب عليه أنه من تولاه فإنه يضله ويهديه، الى عذاب السعير. (وفيها) ثاني عطفه ليضل عن سبيل الله، له في الدنيا خزي، ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق، ذلك بما قدّمت يداك، وأن الله ليس بظلاّم للعبيد. (وفي الفرقان) يا ويلتنا، ليتني

لم أتّخذ فلانا خليلاً، لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني، وكان الشيطان للإنسان خذولا. (وفي الشعراء) وما أضلنا الاّ المجرمون. (وفي لقمان) ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم. (وفي الأحزاب) وقالوا: ربنا ان اطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا. (وفي يس) ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان انه لكم عدوُّ مبين، وان اعبدوا في هذا صراط مستقيم، ولقد أضل منكم جبلاًّ كثيرًا، أفلم تكونوا تعقلون؟ (وفي ص.) ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله. (وفي الزمر) وجعل لله أنداداٍ ليضل عن سبيله. (وفي حم السجدة) أرنا ا ل لذين أضلانا من الجن والأنس. (وفي نوح) ولا يغوث ويعوق ونسرًا، وقد أضلوا كثيراً. (وفيها) إنك، ان تذرهم، يضلوا عبادك ولا يلدوا إلاّ فاجرًا كفّارًا. (وفي حم السجدة) وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى. (وفي الانسان) آنا هديناه السبيل إما شاكرًا وإمّا كفورًا. (وفي حمعسق) وانك لتهدي الى صراط مستقيم".

نرى هنا إذن نفي الهداية والضلال عن الله، ونسبتهما الى المخلوق، في ثلاثين موضعًا. هذا هو الواقع القرآني في مصدر الهداية والضلال: ثلاثون آية تنفيها عن الله تعالى، واثنتان وخمسون آية تثبتها لله تعالى مباشرة. والتعارض ظاهر فى أسلوب القرآن، كما يدل عليه أيضاً انقسام المسلمين في الإثبات والنفي.

وهذا التع ا رض مزدوج. إنه تعارض في المبدأ بين الإثبات والنفي. وأنه تعارض بين المبدأ والواقع؛ فهو يعلن لأهل مكة والمدينة المشركين الكافرين بالدعوة القرآنية والإسلام أن الله لن يهديهم: "ان الله لا يهدي مَن يضل" (النحل)؛ "ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلاً" (النساء)، "أتريدون أن تهدوا مَن أضل الله ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلاً" (النساء). مع ذلك فإن أهل مكة وأهل المدينة قد اهتدوا للإسلام، وحسن إسلامهم وفتحوا الع ا لم للإسلام. فالواقع يتعارض مع المبدأ طردًا وعكساً.

إنه يقول: "ومن يضلل الله فما له من هاد؛ ومَن يهدِ الله فما له من مضل" (الزمر). وقد جرت ردّة خاصة عن الإسلام في آخر العهد بمكة؛ وقد جرت ردة عامة عن الإسلام ب عد موت النبي. فكيف ينسجم هذا الواقع مع المبدأ المقرر: "ومن يهد الله فما له من مضل"؟ لذلك لا نرى وجه الحق في قوله: "أفلا يتدبرون القرآن، ولو كان من عند غير الله لوجدوا
فيه اختلافًا كبيرًا". لقد تدبروه وانقسموا الى فئتين متعارضتين، تستندان إلى القرآن نفسه. قد تزول أو تتبدل الفرق، لكن الواقع القرآني المتعارض لا يزول.

التالي