التالي

بحث عاشر

الاختلاف في بعض الآيات (الإتقان 2: 27 – 31)

فالاختلاف في تعليم القرآن يشمل تعاليمه، ولا يقتصر كما يقول السيوطي على بعض آيات (الإتقان 2: 27 – 31).

أوّلاً: الآيات المختلفة التي يذكرها السيوطي

1 – نفي المساءلة يوم القيامة وإثباتها، في قوله " فإذا نفخ في الصور، فلا أنساب بينهم يومئذٍ ولا يتساءَلون" (المؤمنون 101)؛ وفي قوله: "وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون" (الصافات 27) – (أما الصافات 50 ففي الجنة؛ والطور 25 ففي الجنة).

قيل فيها عن ابن عباس: نفي المساءلة قبل النفخة الثانية، وإثباتها بعد ذلك – ولا أثر في النصين ب مثل هذا التخريج.

وقيل فيها عن السدي: نفي المساءلة عند تشاغلهم بالصعق والمحاسبة والجواز على الصراط وإثباتها فما عدا ذلك – ولا أثر أيضًا في النصين لمثل هذا التخريج.

أما التساؤل في الصافات 50، والطور 25، فهو فيما بين أهل الجنة، بعد الحساب.

2 – كتمان المشركين حالهم ثم إفشاؤه باقي قوله: "ولا يكتمون الله حديثًا" (النساء 42)، وفي قوله: "ثم لم تكن فتنتهم إلاّ أن قالوا: والله ربنا ما كنا مشركين" (الأنعام 23).

ققيل فيها عن ابن عباس: انهم يكتمون بألسنتهم فتنطق ألسنتهم وجوارحهم – ولا أثر في النصين لهذا التفسير، انما هو استخدم آية اخرى لا ذكر فيها للسؤال، بل هي شهادة بلسان الحال: "يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون" (النور 24)، وهي شهادة أهل جهنم: "هذه جهنم... اليوم نختم على أفواههم، وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون" (يس 63 – 65).

وقيل فيها عن ابن الازرق عن ابن عباس: إن الله لا يقبل الاّ ممّن وحّده، فيسألهم فيقولون: "والله ربنا ما كنا مشركين"، فيختم على أفواههم وتُستنطق جوارحهم هذا تقريب بعيد للمتعارضين بآية أخرى بعيدة عنهما، فهو تنسيق لا يرفع التعارض.

3 – خلق السماء أو الأرض، أيهما تقدًّم؟ في قوله: "أم السماء بناها، رفع سمكها فسوّاها، وأغطش ليلها وأخرج ضحاها، والأرض بعد ذلك دحاها، أخرج منها ماءًها ومرعاها، والجبال أرساها" ( ا لنازعات 27 – 32)، مع قوله: "قلْ: أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين، وتجعلون له أنداداً، ذلك رب العالمين، وجعل فيها رواسي من فوقها، وبارك فيها وقدَّر فيها أوقاتها في أربعة أيام سواء للسائلين. ثم ا ستوى الى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض: ائتيا طوعاً أو كرهاً، قالتا أتينا طائعين، فقضاهن سبع سموات في يومين، وأوحى في كل سماء أمرها، وزيّنا السماء الدنيا بمصابيح" (فصلت 9 – 12).

قيل عن أبن عباس: "بدأ خلق الأرض في يومين غير مدحوة، ثم خلق السماوات فسوّاهن في يومين، ثم دحا الأرض بعد ذلك وجعل فيها الرواسي وغيرها في يومين، فتلك أربعة أيام للأرض". وهناك أجتهادات أخرى للخروج من التعارض المكشوف.

والواقع القرآني المتواتر ان الله خلق السماء قبل الأرض، فتأتي قصة (النازعات) بصورة تخالف القرآن كله. وبسبب صراحة تفصيلها يردّون إليها سائر القرآن. قال الجلالان: "والأرض بعد ذلك دحاها بسطها، وكانت مخلوقة قبل السماء من غير دحو" (النازعات 30)، "لتكفرون بالذي خلق الأرض... وجعل فيها: مستأنف ولا يجوز عطفه على صلة الذي للفاصل الأجنبي" (المؤمن 10) مع انه اسلوب مطرد في القرآن الفصل بالأجنبي مع دوام الوصل. ولذلك قال قوم آخرون: "ثمَّ استوى" بمعنى ألواد، وقيل المراد ترتيب الخبر لا المُخبر به. وقيل هي لتفاوت ما بين الخلقين لا للتراخي في الزمان، وقيل: خلق بمعنى قدَّر...

وكل هذه التخريجات بعيدة عن صراحة النص: فآيات (المؤمن) تجعل أيام الخلق ثمانية ، وهو خلاف القرآن كله الذي يصرح أيضاً أنه في الخلق: يدبر الأمر من السماء الى الأرض (السجدة 5)، وتجعل تدبير الأرض في ستة أو أربعة أيام، والسماوات السبعة في

يومين: فهل يرضى علم بذلك؟ ويقولون: "وزينا السماء الدنيا الدنيا بمصابيح" أي نجومها، وهذه المصابيح أكبر من الأرض فكيف تكون لها، مصابيح، معلّق ة في سقف السماء؟ فهناك تعارض قرآني، وتعارض ما بين القرآن والعلم. وما أحرانا ان نأخذ كتب الله على اسلوبها البياني، بدون معارضة للعلم فيها!

4 – القول مرارًا: "كان الله عزيزًا حكيمًا"، ليس من قبيل التعارض، بل هو من متشابه التعبير. اجل انها للماضي، لكنها تستوعب معنى الدوام، لا كفعل ناقص، بل كفعل تام، لا يستلزم الانقطاع. لكن ما الحاجة الى المتشابه الظاهر في أوصاف الله تعالى وأخباره؟

5 – توقف أبن عباس في البت بمعنى قوله: "الله الذي خلق السماوات والأرض... يدبّر الأمر من السماء الى الأرض، ثم يعرج اليه في يوم كان مقداره ألف سنة ممّا تعدّون" (السجدة 5)، ومعنى قوله: "سأل سائل بعذاب واقع... من الله ذي المع ار ج، تعرج الملائكة والروح اليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة" (المعارج 1 – 4).

ونرى في الآيتين قرينة تدل على انهما يومان مختلفان ، فيوم الالف سنة ورد في ذكر الخلق، فهو يوم الخليقة، وكل يوم فيها كألف سنة بشرية (السجدة 5)، ويوم الخمسين الف سنة ورد ذكره في عذاب اليوم الأخير، فهو قرينة على يوم الدين الذي سيكون كخمسين الف سنة بشرية، وقوله فى الآيتين "يعرج" أو "تعرج" يفسره لفظ "المعارج"، ما بين السماء والأرض، وهى "المصاعد" (الجلالان). فأمر الخلق يعرج نزولاً وصعوداً فى يوم كألف سنة بشرية؛ وأمر الحساب يعرج نزولاً وصعوداً في يوم كخمسين الف سنة بشرية. ويدل على ذلك قوله: "وان يومًا عند ربك كألف سنة مما تعدون" (الحج 47).

أنهما تعبيران للبيان، لا للميزان. لكنه بيان متشابه مشبوه لأن أمر الخلق، كأمر الحساب آني. ثم يتطور الخلق بحسب أمر الله، وينقضي الحساب بأمر الله من دون زمن، ومظاهر بشرية . فليس في اليومين تعارض، انما تعبير متشابه مشبوه ليس من الأعجاز في البلاغة والبيان.

خلق الله آدم: " من تراب" (59:3)؛ بل "من طين" (71:38)، بل "من صلصال، من حمأ مسنون" (26:15و28و33)، بل "من طين لازب" (11:37)، بل "من صلصال كالفخار" (14:55).

قيل: "هذا من قبيل وقوع المخبر به على أحوال مختلفة وتطويرات شتى"، نقله السيوطي عن الزركشي في (البرهان). ولكن هل في خلق الانسان من تطويرات على أحوال مختلفة، وهو يقول: "إنا كل شيء خلقناه بقدر، وما أمرنا إلاّ واحدة كلمح البصر" (القمر 49 – 50)، "كمثل آدم خلقه من تراب، ثم ققال له: كن فيكون" (آل عمران 59).

فالتعبير البياني في تنوعه، متعارض مشبوه.

7 – وكذلك قوله "فألقى (موسى) عصاه، فإذا هي ثعبان مبين" (107:7؛32:26)، وهو الكبير من الحيات؛ مع قوله: "فلمّا رآها تهتز كأنها جان" (10:27؛31:28)، وهو الصغير من الحيات. إنه اختلاف تعبير، لا اختلاف أحوال.

8 – هل من سؤال في يوم الدين؟ يقول: "وقفوهم انهم مسؤولون" (24:37) ويقول: فلنسألن الذين أرسل اليهم، ولنسألن المرسلين" (6:7)؛ ثم يقول: لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان" (39:55).

حملها بعضهم على اختلاف الموضوع، في الأولى عن التوحيد، وفي الثانية عن شرائع الدين. وحملها بعضهم على اختلا ف الأماكن لأن في القيامة مواقف كثيرة، في موضع يسألون، وفي آخر لا يسألون. وقيل أن السؤال المثبت سؤال تبكيت وتوبيخ، والمنفي سؤال المعذرة وبيان الحجة. لكن ليس في النصوص من قرينة لفظية أو معنوية لهذا التخريج. والكلام الذي يحتاج الى مثل هذا التخريج ليستوي ويستبين ليس من الاعجاز في البلاغة والبيان والتبيين.

9 – مدى تقوى الله. يقول: "اتقوا الله حقّ تقاته" (102:3) ثم يقول: "فاتقوا الله ما استطعتم" (16:64).

نقل السيوطي : "حملت الأولى على التوحيد، والثانية على الأعمال". ولمّا لم يستقم التخريج لتعارضه مع الواقع، ققيل: "الثانية ناسخة للأولى" والنسخ برهان الأختلاف والتعارض الذي لا مفر منه.

10 – في تعدد الزوجات والعدل بينهن. قال: "فإن خفتم ألاّ تعدلوا فواحدة" (النساء 3)، ثم قال: "ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء، ولو حرصتم، فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة؛ وان تصلحوا وتتقوا فإن الله كان غفورًا رحيمًا" (النساء 129).

قيل: "الأولى تفهم امكان العدل والثانية تنفيه. والجواب ان الأولى في توفية الحقوق، والثانية في الميل القلبي، وليس في قدرة الانسان" – لكن ليست الثانية (129) محصورة مخصوصة بالميل القلبي، بل بالعدل على اطلاقه كما فى الآية (3)، يشهد لذلك الآية التالية (130) التي تنص على الفراق: "وإن يتفرق ا يغ ْنِ الله كلاّ من سعته"، فالتعارض قائم بين الآيتين، وكأنه بالثانية ينسخ الاباحة بتعدد الزوجات لاستحالة العدل بينهن. ولم يقولوا بالنسخ هنا لأنه لا خير فيه.

11 – الأمر بالفحشاء. يقول: "إن الله لا يأمر بالفحشاء" (28:7 كذلك 90:16؛ 45:29) – ولا يأمر بالفحشاء الاّ ابليس (169:2؛ 268:2؛ 21:24) – ولكنه يقول أيضًا: "أمرنا مترفيها ففسقوا فيها" (16:17).

قيل: "الأولى في الأمر الشرعي، والثانية في الأمر الكوني بمعنى القضاء والتقدير" – وهل يخالف الله بين أمره الشرعي وأمره الكوني، وهو الظلم بعينه؟ واذا كان فسق المترفين آمرًا كونيًا فسد الكون منذ تكوينه، وهو القائل: "لقد خلقنا الانسان في أحسن تقويم... ثم رددناه أسفل سافلين" (4:95 – 5).

12 – بصر الكافرين في يوم الدين. يقول: "فبصرك اليوم حديد" (22:50). ثم يقول: "خاشعين من الذل ينظر و ن من طرف خفي" (45:42).

قالوا: "الاختلاف من وجهين واعتبارين" – فهو اذن خلاف لفظي لا موضوعي؛ والحقيقة انه خلاف موضوعي حقيقي: فالبصر الحديد لا ينسجم مع البصر الخاشع من الذل.

13 – الحصر في التعبير. يقول: "وما منع الناس أن يؤمنوا، اذ جاءهم الهدى، ويستغفروا ربهم، إلا أن تأتيهم سُنة الأولين (المعجزة) أو يأتيهم العذاب قبلاً" (55:18). ثم يقول: "وما منع الناس أن يؤمنوا، إذ جاءهم الهدى، إلاّ أن قالوا: أبعث الله بشرًا رسولاً" (94:17). "فهذا حصر آخر في غيرهما".

ق يل: حصر المانع من ا لإ يمان يختلف باختلاف السبب الحقيقي – هذه حذلقة لا أصل لها في النص. فليس من تعارض في الحقيقة لأن الموانع قد تكون عديدة؛ انما التعارض في صيغة التعبير والبيان، لذلك فهو شبهة على الأعجاز في البلاغة والبيان.

14 – ومن الحصر في التعبير أيضًا قوله: "فمن أظلم ممن افترى على الله كذبًا" (21:6 و 93 و 144) وقوله: "فمن أظلم ممن كذب بآيات الله" (157:6)؛ مع قوله: "ومن أظلم ممن ذكّر بآيات ربه فأعرض عنها، ونسي ما قدمت يداه" (57:18)؛ وقوله: "ومَن أظلم ممن منع مساجد الله" (114:2)، الى غير ذلك من الآيات على اسلوب واحد (22:32؛ 37:7؛ 17:10؛ 18:11؛ 15:18؛ 68:29؛ 7:61).

أجيب عليها بأوجه" "ان نفي الأظلمية لا يلزم منه نفي المساواة. وقيل هذا استفهام مقصود به التهويل والت فظ يع من غير قصد اثبات الأظلمية للمذكور حقيقة، ولا نفيها عن غيره".

وحقيقة البيان فيها انها استفهام انكاري، فيكون المعنى لا أحد أظلم، فيكون خبرًا، وتعددت انواع الأظلمية مع الحصر في كل واحدة. نقول: انه اسلوب بياني لا يقصد منه حقيقة الحصر، بل التركيز على المقصود؛ لكنه جاء بأسلوب متشابه متعارض. وهذا الاسلوب القرآني في البيان شبهة على الأعجاز في البلاغة والبيان.

15 – ومن أساليب التعبير التي تجعل البيان متشابها قوله: "لا أقسم بهذا البلد، وأنت حِلٌ بهذا البلد" (1:90 – 2)، مع قوله وهذا البلد الأمين" (3:95).

فقد تكون (لا) للنفي أو للاستفتاح كقولهم "كلاّ". واستعمال أداة بدون قرينة تفيد معناها هو عين المتشابه في البيان الذي يوهم الاختلاف والتناقض.

تلك بعض الآيات المتعارضات التي حاولوا تصويبها. والبيان الذي هو بحاجة الى تصويب ه ... والبيان الذي يوهم لفظه واسلوبه ظاهر الاختلاف والتناقض لا ي كون من الاعجاز المطلق في البلاغة والبيان.

ثانيًا: حكمة "موهم الاختلاف والتناقض" في القرآن (الاتقان 30:2)

1 – "قال الاسفرياني: اذا تعارضت الآي وتعذر فيها الترتيب والجمع، طُلب التاريخ وتُرك المتقدم بالمتأخر، ويكون ذلك نسخًا . وإن لم يُعلم، وكان الاجماع على العمل باحدى الآيتين، عُلِم بإجماعهم أن الناسخ ما أجمعوا على العمل بها. (قال) ولا يوجد في القرآن آيتان متعارضتان تخلوان عن هذين الوصفين".

فهم يشهدون بالتعارض الصريح، ويؤولونه بالنسخ . والواقع يشهد بأن فيه تعارضًا بيانيًا غير التعارض في الأحكام؛ ولذلك يسمونه من متشابه القرآن.

2 – "قال غيره: وتعارض القراءتين بمنزلة تعارض الآيتين. نحو (أرجلكم) بالنصب والجر. ولهذا جمع بينهما بحمل النصب على الغسل والجر على مسح الخف".

فالتعارض البياني قد يجر الى التعارض في التشريع. وهذا شاهد على ذلك.

3 – "وقال الصيرفي: في جماع الاختلاف والتناقض ، إن كل كلام صح أن يُضاف بعض ما وقع الاسم عليه الى وجه من الوجوه، فليس فيه تناقض؛ وإنما التناقض في اللفظ ما ضاده من كل جهة ولا يوجد في الكتاب والسنة شيء من ذلك أبدًا، وإنما يوجد فيه النسخ في وقتين ".

"ان التناقض في اللفظ ما ضاده من كل جهة" هو التناقض المطلق الذي لا يوجد إلا بين الوجود والعدم، ولا ينطبق حتى على النسخ الصريح بالإجماع، ولذا قال بعضهم بأن لا نسخ في القرآن، مع ان القرآن نفسه ينص على مبدأ وواقع النسخ فيه (البقرة 106). و ه ذا النسخ هو البرهان على وجود التعارض في القرآن.

4 – "وقال القاضي أبو بكر: لا يجوز تعارض آي القرآن والآثار وما يوجبه العقل. فلذلك لم يجعل قوله "الله خالق كل شيء" معارضاً لقوله "وتخلقون إفكَّا" و "إذ تخلق من الطين" – لقيام الدليل العقلي انه لا خالق غير الله؛ فتعيّن تأويل ما عارضه فيؤول "وتخلقون" على "تكذبون" و "تخلق" على "تصور".

والحاجة الى التأويل في الخطاب تدل على انه متشابه وموهم الاختلاف والتناقض. وكلام بحاجة الى تأويل لرفع التعارض عنه ليس من الأعجاز المطلق في البلاغة والبيان.

5 – "قال الكرماني: الاختلاف على وجهين: اختلاف تناقض وهو ما يدعو فيه أحد الشيئين الى خلاف الآخر، وهذا هو الممتنع على القرآن؛ واختلاف ت لازم وهو ما يوافق الجانبين كاختلاف وجوه القراءة أو اختلاف مقادير السور والآيات، واختلاف الأحكام من الناسخ والمنسوخ، والأمر والنهي، والوعد والوعيد".

لا يطعن في الإعجاز البياني اختلاف التناقض وحده، بل يكفي اختلاف التلازم كاختلاف الناسخ والمنسوخ، ليلقي على الإعجاز في البلاغة والبيان شبهة لا تزول. فالبيان

المتشابه، والبيان الذي يوهم الاختلاف والتعارض، وهو بحاجة الى مبد أ النسخ ، أو الى مبدأ المتشابه ، لتصويبه؛ وهو بحاجة الى تأويل قريب أو بعيد ليستقيم ويستبين، لا يكون من الاعجاز المطلق في البلاغة والبيان، ليصح ان يكون معجزة الهية تشهد بصدق النبوة وصحة التنزيل. ففي البيان القرآني "ما يوهم الاختلاف والتناقض؛ وهذه هي الشبهة السابعة والكبرى على الاعجاز في البلاغة والبيان. والآية الكريمة نفسها تشهد بذلك. ففي قوله "أفلا يتدبرون القرآن، ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافًا كثيرًا" (النساء 82)، ينص ان ليس فيه كثير اختلاف. فهذا الوصف يشهد بان المقصود "كثير" الاختلاف. وهذه شهادة ضمنية بأن فيه اختلافًا يسيرًا. والاختلاف اليسير يرفع صفة الاعجاز المطلق عن البيان الذي يصح ان يكون معجزة الهية للتحدي. وكل كتاب بشري يحترم نفسه يتحدى بأنه ليس فيه "اختلاف كثير"، اذ الاختلاف اليسير دليل بشرية المؤلف و التأليف.

التالي