التالي

بحث أوّل

النظم عند الأنبياء

ان نظم الأنبياء فى الكتاب شعر عبرانى؛ وهذا الشعر العبرانى لا يقوم على التفاعيل المحكمة، وعلى القافية، مثل الشعر العربى. إنما هو موزون على نظم متقارب، ينتهى بقوافٍ متقاربة. إنه قائم على الوزن المرسل والفاصلة، مثل القرآن، بينما الشعر العربى يقوم على الوزن المقيد والقافية الواحدة.

وميزة نظم الأنبياء أنه يأتى بأسلوب الرباعيات كما فى لغة أهل الهلال الخصيب على أيامه، فيصير بالعربية ثنائيات من بيتين متوازيين .. وهذا نموذج من نبوءة أشعيا (40 : 12 – 31)

أولاً: فى توحيد الله القدير

من قاس بكفه البحار؟

من كال بمكيال تراب الأرض؟

من أرشد روح الله فى عمله؟

من استشار فأفهمه، وسبيل العدل أرشده؟

ها إن الأمم كنقطة على دلو

ها إن الجزائر تُنفض كذرة

جميع الأمم لديه كلا شىء

فبمن تشبهون الله؟

أما علمتم؟ أما سمعتم؟

إنه جالس على كرة الأرض

ينشر السماوات كسرداق

يجعل العظماء كلا شىء

ومسح بشبره السموات؟

ووزن الجبال بالقبان، والتلال بالميزان؟

أو كان له مشيراً فى علمه؟

أو من لقّنه المعرفة، وطريق الفهم علمه؟

تخالها كهبوة فى ميزان!

ولبنان غير كاف للوقود، وحيوانه للمحرقة!

تحسب أمامه عدماً وخواء

أنه ليس كمثله شىء! ....

أما بلغكم من قبل؟ من أسس الأرض؟

وسكانها أمامه كالجراد!

ويمدهن كخباء للسكنى!

ويصيّر قضاة الأرض كخواء!

إنهم لم يُغرسوا ولم يُزرعوا

حتى هبت عليهم ريح فيبسوا

فبمن تشبهونى؟ ومن مثلى؟ يقول القدوس

من يستعرض اعدادها ويدعوها بأسمائها؟

فلِمَ تقول يا يعقوب

ان مصيرى يخفى على الله!

أما علمت؟ أما سمعت؟

لا يتعب ولا يعيى ولا حد لعلمه

الفتيان يتعبون ويعيون

ويرتفعون بأجنحة كالنسور

ولم يتأصل فى الأرض جذرهم

ورفعتهم الزوبعة كالعاصفة!

ارفعوا عيونكم الى العلاء: من خلق هذه!

فلا يتخلف أحد، لعظمة قدرته وشدة قوته؟

وتنطق بهذا، يا اسرائيل:

ودعواى تفوت إلهى!

أن الله إله سرمدى خالق أقاصى الأرض؟

وهو يُؤتى التعب قوة، والمنهوك حولا!

والمختارون يعثرون، أما الراجون الله فيتجددون

يعدون ولا يعيون، يسيرون ولا يتعبون!

ثانياً: فى المسيح الموعود (52 : 13 - 53 : 12)

هوذا عبدى يُبدى جهداً

لقد أدهش الكثيرين بمنظر قد تشوه

لكنه يفجّر العالمين تفجيراً

لأنهم رأوا ما لم يُخبروا به

فمن يؤمن بما يسمع منا؟

انه ينبت كفرع أمامه

ها هو، لا جمال له ولا بهاء

مزدرى ومخذول من الناس

انه مثل ساتر وجهه عنا

لأجل معاصينا، وسحق لأجل آثامنا،

يتعالى ويرتفع ويتسامى جداً

أكثر من كل إنسان، وصورةٍ أكثر من بنى البشر!

وأمامه يسد الملوك أفواههم

وعاينوا ما لم يسمعوا به!

ولمن أعلنت ذراع الله؟

وكأصل من أرض قاحلة!

يستهوى، ولا منظر يُشتهى؟

رجل أوجاع ومتمرس بالعاهات

فحسبناه ذا برص ضربه الله وذلّله!

فتأديب سلامنا عليه، وبشدخه شُفينا!

________________________

(1) كناية عن المصاب بالبرص.

(2) المسيح الموعود مصيره عجب، ينتهى بمنظر قد تشوه، يقصد الصلب كما سيظهر من الوصف، لكنه بذلك يسيطر على الناس والملوك. وهذا المصير لم يخبروا به من قبل؛ وهذا الخبر غاية هذه النبوة.

(3) تكرار لما قاله اشعيا الأول: " يخرج قضيب من جذر يسّى ينمى فرع من أصوله" (11 : 1 و 10 )

_______________________

كلنا، كالغنم قد ضللنا،

فألقى الله عليه إثم كلّنا

كشاة سيق الى الذبح، وكحمل

فى الضيق والقضاء أُخِذ أخذاً

لقد انقطع من أرض الأحياء قطعاً

كان مع المجرمين فى موته

مع أنه لا يأخذه جور

وقد رضى الله أن يسحقه بالألم

لذلك يرى ذريةً وتطول أيامه

لأجل عناء نفسه يرى ويرتوى

لقد حمل آثامهم فأجعل العالمين نصيبه

لقد أُحصى مع المجرمين العصاة

ومال فى طريقه كل واحد منا!

قدّم وهو خاضع ولم يفتح فاه!

صامت أمام الجزازين لم يفتح فاه

ولا من يسأل عن ذريته!

لكن لأجل معصية شعبى أصابته الضربة

وكان مع الموسرين فى قبره!

ولم يوجد فى فمه مكر

لأنه جعل نفسه ذبيحة اثم

ومرضاة الله تنجح على يده

وبألمه يبرّر الصديق عبدى العالمين

وأفاض للموت نفسه فأجعل الأعزاء غنيمته

وهو حمل خطايا العالمين وشفع فى العصاة

  _____________________

(1) فى المخطوطات العبرية خلاف فى القراءَة بين (ألمه) و (علمه ) ، ومخارج التعبير واحدة. وقراءَة (ألم ) أصح.

التالي