التالي

بحث عاشر

التشريع القرآني هداية الى التشريع الكتابي

إن التشريع القرآني هداية الى التشريع الكتابي ، وذلك بنص القرآن القاطع : "يريد الله ليبيّن لكم ويهديكم سنَن الذين من قبلكم ، ويتوب عليكم ، والله عليكم حكيم" (النساء 26) . إن صراحة هذا التصريح تدلنا على سعة مدلول التحدي في قوله : "قل : فأتوا بكتاب من عندالله هو أهدى منهما اتّبعه ، ان كنتم صادقين" (القصص 49) . إنه يتحدى المشركين بهدى الكتاب والقرآن معا أي بعقيدتهما وشريعتهما . فالتحدي بالشريعة لا ينفرد به القرآن حتى يكون معجزة له ، إنما هو ميزة الكتاب والقرآن معا . وكما أن القرآن تابع في هداه لكتاب الإمام ، فهو تابع له في الشريعة أيضا : فالاعجاز في الشريعة والسُنن يكون في الإمام المتبوع قبل التابع . بذلك تزول عن القرآن صفة التحدي بشريعته كمعجزة له .

والقرآن في الدين كله ، سواء العقيدة والشريعة والصوفية ، في سننه وأحكامه ، إنما يشرع للعرب دين موسى وعيسى معا ، أمةً واحدةً : شرع لكم من الدين ... ما وصينا به ابراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ، ولا تتفرقوا فيه ، كبر على المشركين ما تدعوهم إليه" (الشورى 13) . فدين الكتاب ، دين موسى وعيسى معا ، هو الدين للعرب : "تلك أمتكم أمة واحدة" (الأنبياء 92 ؛ المؤمنون 52) في وحدة الأمة والدين والشريعة . فلا ميزة

للقرآن وأهله بها ينفردون ، وبها يتحدّون . فإن الأمر ، منذ رؤيا غار حراء ، جاء محمدا أن يقتدي بهداهم : أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم (الحكمة) والنبوة ... أولئك الذين هدى الله ، فبهداهم اقتدِهْ " (الانعام 89 – 90) في العقيدة والشريعة ، في الأحكام والسنن . فالاعجاز في الهدى ، من عقيدة وشريعة ، الذي به يقتدي في الدعوة القرآنية . "والذين آتيناهم الكتاب والحكم" هم الذين يقيمون "الكتاب والحكمة" معا ، دين موسى وعيسى معا ، النصارى من بني اسرائيل ، الذين يختصّهم باسم "مسلمين" ، ويُؤمر بأن ينضم اليهم ويتلو قرآن الكتاب على طريقتهم : "وأُمرتُ أن أكون من المسلمين ، وأن أتلو القرآن" (النحل 91 – 92) . فالاعجاز في العقيدة والشريعة هو عند هؤلاء "المسلمين" : فما محمد سوى تلميذ لهم في "الاسلام" . وهؤلاء "المسلمون" هم "أولو العلم المقسطون" الذين يشهدون مع الله وملائكته "ان الدين عند الله الاسلام" (آل عمران 18 – 19) . فشهادتهم من شهادة الله وملائكته . والقرآن يشهد بشهادة هؤلاء "الراسخين في العلم" بالاسلام في عقيدته وشريعته . فالإعجاز الحق في الشريعة ، كما في العقيدة والهدى ، هو عند هؤلاء "المسلمين" . لذلك فالتشريع القرآني هداية الى التشريع الكتابي . ومَن كانت هدايته في الحقيقة والشريعة من هدى غيره ، فالاعجاز الحق الذي به يتحدى هو عند غيره : "ليهديكم سُنَنَ الذين من قبلكم" .

التالي