الخروج من مصر
عندما
مات أبكار المصريين أمر فرعون بني إسرائيل أن
يخرجوا من مصر فوراً، فخرجوا بسرعة. وما إن
أشرقت أشعة نور الصباح حتى كان الرجال يسيرون
في خمسة صفوف، تتبعهم زوجاتهم وأولادهم
ومتاعهم ومواشيهم، وكان عدد الرجال ستمئة
ألف، وهذا يعني أن عدد الخارجين كان نحو
مليونين ونصف مليون شخصاً.
ولا شك أن موسى وهو يقود تلك الفرقة
الكبيرة، كان يفتخر فخراً مقدساً، يمتزج
بتواضع عميق، بأن الله شرَّفه أن يستخدمه
كآلة بيده ليتمم خلاصاً عظيماً لشعبه.
بدأ بنو إسرائيل رحلتهم من سكوت،
وهي تبعد نحو عشرين كيلو متراً من محل
إقامتهم، وهناك استراحوا. ثم ابتدأوا من
المحطة التالية وهي إيثام، على أطراف
الصحراء، وليس بها أثر لزرع - مجرد رمال. ولكن
التوراة تقول: »وَكَانَ الرَّبُّ يَسِيرُ
أَمَامَهُمْ نَهَاراً فِي عَمُودِ سَحَابٍ
لِيَهْدِيَهُمْ فِي الطَّرِيقِ، وَلَيْلاً
فِي عَمُودِ نَارٍ لِيُضِيءَ لَهُمْ - لِكَيْ
يَمْشُوا نَهَاراً وَلَيْلاً. لَمْ يَبْرَحْ
عَمُودُ السَّحَابِ نَهَاراً وَعَمُودُ
النَّارِ لَيْلاً مِنْ أَمَامِ الشَّعْبِ«.
نعم، كان هناك عمود يرشدهم، يظللهم في
النهار، ويبعد عنهم الحيوانات المتوحشة في
الليل، ويقودهم بالليل والنهار إلى الطريق
السليم (خروج 13:21 - 22).
أيها القارئ الكريم، إن كنت تطيع
الله وتسير في طريقه، فإنه بالتأكيد يرشدك
دائماً. إن عمود السحاب نهاراً وعمود النار
ليلاً كان للإرشاد. والله دوماً يرشدنا. وهو
اليوم يرشدنا بروحه القدوس في داخل قلوبنا،
كما يرشدنا بالمثال الذي تركه السيد المسيح
لنا. ويرشدنا بكلمات الإنجيل المقدس، وبأعمال
عناية الله التي تعلّمنا ما يريده الله منا.
اسلك دوماً في إرشاد الله. اطلب
دوماً هدايته. لا تتعجل متسرعاً، ولا تتصرف
بحسب أوهامك ولا أفكارك الشخصية، لكن اطلب
دوماً من الله أن يكشف لك ما يريدك أن تفعله.
لا تتلكأ خلف إعلان الله في بلادة أو كسل، فإن
الإنجيل المقدس يقول: »الَّذِينَ
يَنْقَادُونَ بِرُوحِ اللّهِ فَأُولئِكَ
هُمْ أَبْنَاءُ اللّهِ« (رومية 8:14).
أرسل الله عموداً من نار في الليل
ليرشد بني إسرائيل وليضيء لهم. وهذا يعني أن
الله يحمينا، فتحت ظل جناحي الله يختبئ
المؤمن الذي يحب الله من شمس التجارب، كما
يختبئ من شمس النجاح الذي قد يؤذيه ويضلّله
ويبعده عن الله. يقول إمام الحكماء سليمان: »اِسْمُ
الرَّبِّ بُرْجٌ حَصِينٌ، يَرْكُضُ إِلَيْهِ
الصِّدِّيقُ وَيَتَمَنَّعُ« (أمثال 18:10). ونحن
ندعوك أن تجد حمايتك في الرب.
ثم أن عمود السحاب وعمود النار كانا
نوراً لبني إسرائيل، هذا يعني أن الذين
يتبعون الله لا يسيرون في ظلمة جهل ونجاسة
وحزن. ما أجمل قول السيد المسيح: »أَنَا هُوَ
نُورُ الْعَالَمِ. مَنْ يَتْبَعْنِي فَلَا
يَمْشِي فِي الظُّلْمَةِ بَلْ يَكُونُ لَهُ
نُورُ الْحَيَاة« (يوحنا 8:12).
تقول التوراة: »لَمْ يَبْرَحْ
عَمُودُ السَّحَابِ نَهَاراً وَعَمُودُ
النَّارِ لَيْلاً مِنْ أَمَامِ الشَّعْبِ«.
هذا يعني أن الله يظلل أولاده دائماً، لا
لأنهم صالحون، بل ليجعلهم صالحين.
أدعوك أن تختبر محبة الله العظيمة
لك. كن من ضمن جماعته، من أفراد شعبه، واطلب
منه أن يكون سيد حياتك، وعندئذٍ ستختبر
تظليله الدائم لك وعنايته التي لا تنتهي بك.
فرعون وجنوده وراء بني إسرائيل:
ما إن
سافر بنو إسرائيل حتى ندم فرعون، لأن أعمال
البناء لديه ستتعطل بسبب هجرة الأيدي العاملة.
كما أن كبرياء فرعون منعته من أن يسلم بخروج
بني إسرائيل بمثل هذه السهولة. فقال فرعون في
نفسه: »مَاذَا فَعَلْنَا حَتَّى أَطْلَقْنَا
إِسْرَائِيلَ مِنْ خِدْمَتِنَا؟«. وأسرع
فرعون خلف بني إسرائيل بجيش مصر الجبار. وتقول
التوراة إنه أخذ ستمائة مركبة منتخبة، وسائر
مركبات مصر وجنوداً مركبية. فسعى المصريون
وراء بني إسرائيل وأدركوهم. ولعله كان اليوم
الخامس للخروج عندما رأى بنو إسرائيل الجيش
المصري القوي قادماً من وراء الجبال نحوهم،
منتظراً نور الصباح ليهجم عليهم. فصرخ بنو
إسرائيل يقولون لموسى في يأس: »هَلْ
لِأَنَّهُ لَيْسَتْ قُبُورٌ فِي مِصْرَ
أَخَذْتَنَا لِنَمُوتَ فِي الْبَرِّيَّةِ؟
مَاذَا صَنَعْتَ بِنَا حَتَّى أَخْرَجْتَنَا
مِنْ مِصْرَ؟ كان خيراً أن نموت هناك من أن
نموت هنا. لماذا لم تتركنا وشأننا؟ أين هو
إلهك؟«. وهنا وقف موسى يخاطب الله، وفي ثقة
كاملة يدعوه لينقذ شعبه وليخلصهم. واستجاب
الله له، ومنحه الإرشاد في ما يجب أن يفعله (خروج
14:5 - 14). وطاعة لهذا الإرشاد قال موسى للشعب: »لَا
تَخَافُوا. قِفُوا وَانْظُرُوا خَلَاصَ
الرَّبِّ الَّذِي يَصْنَعُهُ لَكُمُ
الْيَوْمَ. فَإِنَّهُ كَمَا رَأَيْتُمُ
الْمِصْرِيِّينَ الْيَوْمَ لَا تَعُودُونَ
تَرُونَهُمْ أَيْضاً إِلَى الْأَبَدِ.
الرَّبُّ يُقَاتِلُ عَنْكُمْ وَأَنْتُمْ
تَصْمُتُون«.
يا لهذه الكلمات العظيمة من تعبير
صادق من قلب مؤمن بالله، مدرك أنه لا بد يخلّص
شعبه ولا يمكن أن يتركهم.. صرخ موسى إلى الله
طالباً النجدة والإنقاذ، فقال الرب لموسى: »مَا
لَكَ تَصْرُخُ إِلَيَّ؟ قُلْ لِبَنِي
إِسْرَائِيلَ أَنْ يَرْحَلُوا. وَارْفَعْ
أَنْتَ عَصَاكَ وَمُدَّ يَدَكَ عَلَى
الْبَحْرِ وَشُقَّهُ، فَيَدْخُلَ بَنُو
إِسْرَائِيلَ فِي وَسَطِ الْبَحْرِ عَلَى
الْيَابِسَةِ. وَهَا أَنَا أُشَدِّدُ
قُلُوبَ الْمِصْرِيِّينَ حَتَّى يَدْخُلُوا
وَرَاءَهُمْ، فَأَتَمَجَّدُ بِفِرْعَوْنَ
وَكُلِّ جَيْشِهِ، بِمَرْكَبَاتِهِ
وَفُرْسَانِهِ. فَيَعْرِفُ الْمِصْرِيُّونَ
أَنِّي أَنَا الرَّبُّ حِينَ أَتَمَجَّدُ
بِفِرْعَوْنَ وَمَرْكَبَاتِهِ
وَفُرْسَانِهِ« (خروج 14:15 - 18).
عصا موسى:
لقد سبق
أن لعبت عصا موسى أدواراً عظيمة في مناسبات
كثيرة. نبتت تلك العصا في غابة في شبه جزيرة
سيناء، وهي لا تدري ما سيؤول إليه مصيرها، حتى
قطعها موسى الذي كان يرعى أغنامه ليرعاها
بها، وليطرد بها الوحوش المفترسة. وكانت
العصا في يد موسى عندما التقى الله به وأمره
أن يطرحها على الأرض لتتحول إلى حية. واستخدم
الله عصا موسى في كثير من الضربات التي حلت
بأرض مصر، فهي التي ضربت النهر، فتحوَّلت
المياه دماً. وهي التي ارتفعت إلى السماء
لتدعو العاصفة، وضرب موسى بها تراب الأرض
فصار بعوضاً يلدغ المصريين، وهي التي
استخدمها فيما بعد لكسب الحرب ضد عماليق، وهي
التي استُخدمت لتفجّر ينابيع من الصخر. ولذلك
كانوا يسمّونها »عَصَا اللّهِ« (خروج 17:9). على
أن أعظم المعجزات التي قامت بها تلك العصا
كانت شق البحر الأحمر إلى نصفين كما أمر الله.
وكما كانت العصا في يد موسى، كان موسى في يد
الله.
وهكذا أيها القارئ الكريم، يجب أن
نسلم نحن نفوسنا لله دوماً بثقة كاملة
ليستخدمنا في خدمته. دع الرب يمسك بيدك ليجعل
منك شيئاً نافعاً. اسمح لله أن يصوغك ويصنع
منك الشخص الذي يريد أن تكونه. سلِّم للرب
قلبك ونفسك. سلم للرب طريقك واتكل عليه وهو
يُجري (مزمور 37:5).
شق البحر الأحمر:
صرخ موسى
إلى اللهِ لينقذ بني إسرائيل من فرعون القادم
وراءهم ليعيدهم إلى عبوديته، وكان البحر
أمامهم. واستجاب الله لدعاء موسى، فنقل ملاكه
الذي كان يسير أمام بني إسرائيل ليسير
وراءهم، وانتقل عمود السحاب من أمام بني
إسرائيل ووقف، وراءهم. وهكذا دخل عمود السحاب
بين جنود فرعون وبين بني إسرائيل، وصار
السحاب والظلام في الجانب الذي يقف فيه
المصريون، بينما أضاء الليل في الجانب الذي
كان فيه بنو إسرائيل، فلم يقترب جنود فرعون من
بني إسرائيل الليل كله. كان عمود السحاب لجيش
المصريين قاتماً يعوقهم عن التقدم، ويحجب
تحركات الجماعة الهاربة، ولكنه كان لبني
إسرائيل منيراً يعكس لمعاناً على الرمال،
وعلى مياه البحر، ليبيّن لهم بدقة لا تخطئ
الطريق الذي يجب أن يسلكوا فيه (خروج 14:19، 20).
أيها القارئ الكريم، عندما تسلم نفسك بين يدي
الله، تعطل الذين يريدون أن يوقعوا بك الأذى،
وتنير لنفسك طريق الصلاح.
ومدَّ موسى يده على البحر كما أمره
الله، فأجرى الرب البحر بريح شرقية شديدة كل
الليل، فجعل البحر يابسة، وانشق الماء. فدخل
بنو إسرائيل في وسط البحر على اليابسة،
والماء سور لهم عن يمينهم وعن يسارهم. وحالما
أدرك المصريون أن بني إسرائيل هربوا تبعوهم
وسط البحر. وكان في هذا التصرف كثير من
الكبرياء والعناد.
وأمر الرب موسى أن يمدَّ يده على
البحر ليرجع الماء على المصريين، فرجع البحر
وأغرق مركباتهم وفرسانهم. نعم، مدَّ موسى يده
على البحر فرجع البحر عند إقبال الصبح إلى
حاله الدائمة، وغرق المصريون وسط البحر. أما
بنو إسرائيل فمشوا على اليابسة في وسط البحر،
والماء سور لهم عن يمينهم وعن يسارهم، فخلَّص
الرب في ذلك اليوم بني إسرائيل من يد المصريين.
ونظر بنو إسرائيل المصريين أمواتاً على شاطئ
البحر (خروج 14:21 - 31).
عندئذٍ بدأ موسى يرتل ترتيلة
النجاة، قال: »أُرَنِّمُ لِلرَّبِّ
فَإِنَّهُ قَدْ تَعَظَّمَ. الْفَرَسَ
وَرَاكِبَهُ طَرَحَهُمَا فِي الْبَحْرِ.
الرَّبُّ قُوَّتِي وَنَشِيدِي، وَقَدْ صَارَ
خَلَاصِي. هذَا إِلهِي فَأُمَجِّدُهُ، إِلهُ
أَبِي فَأُرَفِّعُهُ... تُرْشِدُ
بِرَأْفَتِكَ الشَّعْبَ الَّذِي فَدَيْتَهُ.
تَهْدِيهِ بِقُوَّتِكَ إِلَى مَسْكَنِ
قُدْسِكَ... الرَّبُّ يَمْلِكُ إِلَى
الدَّهْرِ وَالْأَبَدِ« (خروج 15:1 - 18).
عندما تستودع أمرك بين يدي الله
تكتشف أمانته، وأنه ينقذك ويمجدك، ويحوّل
مخاوفك وانزعاجاتك إلى أوقات للتسبيح
والترنم، فما أجمل ما قاله المرنم في مزاميره:
»عِنْدَ الْمَسَاءِ يَبِيتُ الْبُكَاءُ،
وَفِي الصَّبَاحِ تَرَنُّمٌ« (مزمور 30:5).