نجّار . . وأعظم

تـمهيد

ما الذي يـميّز المسيح؟

رب أم كذاب أم مجنون؟

ماذا عن العلـم؟

هل يمكن الإعتماد على الأسفار الكتابية؟

من لديه استعداد للموت من أجل كذبة؟

ما الفائدة من مسيح ميت؟

هل سمعت بـما حدث لشاول؟

هل يمكن أن يرى تقيّك فساداً؟

فليتفضل المسيح الحقيقي بالوقوف والإعلان عن نفسه!

أليست هنالك طريقة أخرى؟

لقد غيّر حياتي

مسابقة الكتاب

أسئلة من كتاب نجار .. وأعظم

أجب على هذا السؤال وأنت من تقول إني أنا؟

الصفحة الرئيسية
هل يمكن الإعتماد على سجلات الأسفار الكتابية؟ 

العهد الجديد هو المصدر التاريخي الرئيسي للمعلومات المتوفرة لدينا عن يسوع. ولـهذا فقد هاجم كثير من النقاد في القرنين التاسع عشر والعشرين مصداقية الوثائق الكتابية. ويبدو أن هناك شلالاً من الإتهامات المستمرة التي لا يوجد لها أساس تاريخي أو دحضتها الإكتشافات الأثرية والبحوث.
بينما كنت أحاضر في جامعة أريزونا الحكومية، اقترب مني أستاذ جامعي بصحبة طلاب الفصل الذي يعلمه وقال لي بعد "خطاب حر" في الهواء الطلق: "يا سيد ماكدويل، أنت تبني كل مزاعمك حول المسيح على ثقة ثانوية عتيقة عفا عليها الزمن. لقد برهنت اليوم لطلابي أن العهد الجديد كتب بعد المسيح بمدة طويلة وأنه لا يمكن أن يكون ما ورد فيه دقيقاً." أجبته "إن آراءك واستنتاجاتك حول العهد الجديد عتيقة، ولقد عفا عليها الزمن منذ 25 عاماً." لقد اعتمد ذلك الأستاذ الجامعي في آرائه حول الوثائق المختصة بيسوع على استنتاجات ناقد ألماني اسمه ف. س. بور. افترض بور أن معظم أسفار العهد الجديد لـم تكتب إلاّ في مرحلة متأخرة من القرن الثاني. وخلص إلى أن هذه الكتابات أخذت بشكل أساسي من خرافات وأساطير نشأت خلال الفترة الطويلة ما بين حياة يسوع والوقت الذي دوّنت فيه هذه الروايات.
بحلول القرن العشرين أكدت الحفريات الأثرية والإكتشافات صحة وثائق العهد الجديد ودقتها. مخطوطات ورق البردي المبكرة (مخطوطة جون رايلند، 130 ب. م.، مخطوطة تشستر بيتي، 155 م. ومخطوطة بودمر الثانية، 200 ب. م.) جسرت الهوّة بين زمن المسيح والمخطوطات التي تعود إلى وقت لاحق.
يقول ميلر باروز وهو أستاذ من جامعة يل: "وهنالك نتيجة أخرى نشأت عن مقارنة العهد الجديد المدوّن باللغة اليونانية، بلغة المخطوطات الجديدة المكتشفة (مخطوطات البردي) أدت إلى إزدياد ثقتنا في النقل الدقيق لنصوص العهد الجديد نفسه." لقد زادت هذه الوقائع المكتشفة ثقة الباحثين في صحة الكتاب المقدس ومصداقيته.
كتب ويليام أولبرايت الذي كان أعظم عالـم آثار كتابي عرفه العالـم: "نستطيع أن نقول بكل ثقة بأنه لـم يعد يوجد أي أساس ثابت لإرجاع تاريخ تدوين العهد الجديد إلى أبعد من 80 ب.م. أي قبل مدة جيلين كاملين من التاريخ الذي يضعه النقاد الأكثر تشدداً للعهد الجديد وهو بين 130-150م." ولقد أعاد تأكيد موقفه في مقابلة أجرتها معه مجلة "المسيحية اليوم" قال: "في رأيي أن كل سفر من أسفار العهد الجديد قد كتب على أيدي يهود أمنوا بالمسيح واعتمدوا له بين الأربعينات والثمانينات من القرن الأول" (على الأرجح بين 50 ـ 75 ب. م.).
يعتبر السير ويليام رامزي أحد أعظم علماء الآثار على الإطلاق. كان أحد تلاميذ المدرسة التاريخية الألمانية التي علمت أن سفر أعمال الرسل كان نتاج منتصف القرن الثاني الميلادي وليس القرن الأول كما يستدل من قراءته. أصبح مقتنعاً بعد قراءته كتب النقد الحديث لسفر أعمال الرسل بأنه رواية غير جديرة بالثقة حول أحداث وقعت سنة (50 ب.م.)، وهو لـهذا غير جدير بالإعتبار من قبل مؤرخ. فعندما كتب بحثه عن تاريخ آسيا الصغرى، لـم يعر إهتماماً كبيراً للعهد الجديد. غير أن تحقيقاته وأبحاثه قادته في النهاية إلى أن يأخذ كتابات لوقا مأخذ الجد. لاحظ دقة التفاصيل التاريخية الشديدة، فبدأت نظرته نحو سفر أعمال الرسل بالتغير تدريجياً. واضطر إلى أن يخلص للنتيجة بأن "لوقا مؤرخ من الطراز الأول... ويجب أن يوضع بين مصاف أعظم المؤرخين." اعترف رامزي بسبب دقة أصغر التفاصيل التي يتميز بها سفر أعمال الرسل بأنه لا يمكن أن يكون نتاج القرن الثاني، بل يعود إلى منتصف القرن الأول.
يجد الكثير من المؤرخين المتحرريـن أنفسهم مـجبرين على أن يأخذوا في اعتبارهم تواريخ أقدم لتدوين العهد الجديد. إن النتائج التي توصل إليها المؤرخ الدكتور أ. ت. روبنسون في كتابه الجديد "إعادة تاريخ العهد الجديد" مذهلة. ولقد أدّى بحثه إلى قناعة بأن كل العهد الجديد كتب قبل سقوط أورشليم في 70 م.
يقول اليوم نقاد المدرسة الشكلية بأن مادة العهد الجديد انتقلت شفاهة إلى أن تم تدوينها على شكل البشائر الأربعة. وعلى الرغم من أن هذه الفترة أقصر بكثير مما كان يعتقد سابقاً، فإنهم يستنتجون بأن البشائر الأربعة اتخذت شكل الأدب الشعبي الفولكلوري (الأساطير والقصص والخرافات والأمثال). إن أحد الإنتقادات الرئيسة ضد قول النقاد الشكليين بتطور التقليد الشفوي هو أن فترة التقليد الشفوي (كما يعرفه النقاد) ليست طويلة بما يكفي للسماح بالتغييرات التي حدثت في التقليد حسب زعم هؤلاء النقاد. تحدث سيمون كيستنمكر أستاذ الكتاب المقدس في جامعة دورت حول قصر الفترة التي استغرقتها كتابة العهد الجديد: "يستغرق تراكم الفولكلور في الحضارات البدائية عادة أجيالاً عديدة، إنها عملية انتشار تدريجية عبر قرون طويلة من الزمن. ولكن علينا أن نتفق مع النقاد الشكليين في أن روايات البشائر الأربعة كتبت وجمعت في مدة تزيد قليلاً عن جيل واحد. ويجب أن يفهم تشكيل كل إنجيل من الأناجيل الأربعة، حسب المنهج النقدي الشكلي، على أنه مشروع واسع النطاق بعيد النظر وذو مسار متسارع من الأحداث."
تحدّى أ. هـ. ماكنيل الأستاذ الملكي السابق لعلم اللاهوت في جامعة دبلن نظرة النقاد الشكليين للتقليد الشفوي. فهو يوضح أنهم لا يتعاملون مع تقليد كلمات يسوع عن كثب كما يجب. ترينا نظرة فاحصة لـ 1كورنثوس 10:7،12،25 أن هنالك وجوداً لتقلـيد حقيقي في تسجيل هذه الكلمات وحفظها حفظاً دقيقاً. جرت العادة في الديانة اليهودية أن يستظهر التلميذ تعاليم معلمه. فقد كان الطالب النجيب مثل "وعاء مقوّى لا تضيع منه نقطة." وإذا اعتمدنا على نظرية سي. ف. بيرني (في كتابه "الشعر في كلام إلهنا" الذي صدر عام 1925)، فإننا نستطيع أن نفترض بأن كثيراً من تعاليم الرب قيلت بصيغة شعرية باللغة الآرامية. وقد سهل ذلك على الناس حفظها. 
يقول بول ل. ماير أستاذ التاريخ القديم في جامعة متشيجن الغربية "إن الرأي القائل بأن المسيحية فرخت أسطورة الفصح والقيامة على فترة طويلة من الزمن، أو أن الإنجيل المقدس كتب بعد هذه الحوادث بسنوات طويلة، هو قول غير واقعي وغير صحيح." كتب أولبرايت محللاً النقد الشكلي: "لا يستطيع إلاّ الباحثون الحديثون الذين يفتقرون إلى المنهج والنظرة التاريخيين أن ينسجوا مثل هذا النسيج من التساؤل والشك الذي لفه النقاد الشكليون حول تقليد البشارة." كان استنتاج أولبرايت الخاص بأن "فترة عشرين إلى خمسين سنة أقصر بكثير من أن تسمح بأي تحريف له وزنه لمحتوى التقليد الحقيقي أو حتى للصياغة المحددة لأقوال يسوع."
عندما أتحدث إلى بعض الناس أحياناً عن الكتاب المقدس، فإنهم يجيبون باستهزاء بأنه لا يمكننا أن نثق بما يقوله الكتاب المقدس. والسبب في ذلك أنه كتب قبل حوالي ألفي سنة، ويضيفون بأنه مليء بالأخطاء والإختلافات، فأجيبهم بأني أعتقد أن بإمكاني أن أثق فيه. ثـم أصف لهم حادثة وقعت خلال محاضرة في التاريخ قلت في محاضرتي بأني أؤمن بأن هنالك أدلة على مصداقية العهد الجديد وصحته تفوق تقريباً مصداقية أية عشرة أعمال أدبية كلاسيكية معاً. أخذ الأستاذ الجامعي الذي استضافني للحديث يضحك ضحكات مكبوتة وكأنه يهزأ بي متهماً إياي بالمبالغة. فقلت له "ما الذي يضحكك؟" أجاب "جرأتك الكبيرة في القول لطلاب التاريخ بأنه يمكن الوثوق بالعهد الجديد. إن هذا شيء سخيف." أحس عادة بالإمتنان عندما يقول أحدهم شيئاً من هذا القبيل لأن لدي سؤالاً أوجهه إليه. (وبالمناسبة لـم أتلق أي جواب إيجابي عنه حتى الآن) قلت له: "أخبرني يا سيدي، ما هي الإختبارات التي تطبقها كمؤرخ على أي عمل أدبي قديم لتقرير مدى صحته ومصداقيته؟" والأمر الغريب أنه لـم تكن لديه أية اختبارات. فأجبته "لدي بعض الإختبارات." أعتقد بأنه يجب أن تخضع لنفس الإختبارات التي تخضع لها كل الوثائق التاريخية. يذكر المؤرخ العسكري سي. ساندرز ثلاثة مبادىء أساسية لإعتماد الوثائق التاريخية ثـم يشرحها. وهذه المبادىء هي الإختبار المخطوطي، وإختبار الدليل الداخلي واختبار الدليل الخارجي.

الاختبار المخطوطي:

الاختبار المخطوطي هو فحص لعملية النقل الحرفي للوثائق والمخطوطات التي تصلنا. أي أننا ندرس، في غياب المخطوطات الأصلية، مدى مصداقية النسخ فيما يتعلق بعدد المخطوطات والفترة الزمنية الفاصلة بين النسخة الأصلية والنسخة الموجودة فعلاً.
نستطيع أن نقدر الثروة الهائلة للمخطوطات التي تثبت سلطان العهد الجديد بمقارنتها مع مواد النصوص الأخرى التي تعود لمصادر قديمة مشهورة أخرى.
إن تاريخ ثوسيدايدس (460-400 ق.م.) متوفر بين أيدينا من ثـماني مخطوطات يرجع تاريخها الى حوالي 900 ب. م.، أي بعد حوالي 1300 عاماً من كتابته لمخطوطته الأصلية. كما أن المخطوطات التي تعود لهيرودوتس متأخرة كثيراً عن تاريخ كتابته للنسخة الأصلية، بالإضافة إلى أنها نادرة. 
غير أن ف.ف. بروس يقول: "لا يمكن لأي باحث تقليدي أن يلتفت إلى أي رأي أو قول يشكك في مصداقية كتابات هيرودوتس وثوسيدايدس وحقيقتها على أساس أن أقدم نسخ المخطوطات عن أعمالهما تعود في تاريخها إلى ما يزيد عن 1300 عاماً من تاريخ كتابة النسخ الأصلية."
كتب أرسطو أشعاره حوالي 343 ق.م. غير أن أقدم نسخة متوفرة لدينا عنها تعود إلى 1100 م. أي أن هنالك فجوة زمنية تبلغ حوالي 1400 سنة، كما أنه لا يوجد إلا خمس نسخ من هذه المخطوطات.
كتب سيزار كتاباً عن تاريخ الحروب الغاليّة بين 58 ـ50 ق.م.، وتعود المخطوطات المنسوخة التي نعتمد عليها، وعددها عشرة، إلى ألف سنة بعد وفاته. 
لكن حين يتعلق الأمر بالمخطوطات المنسوخة المعتمدة للعهد الجديد، فإن كثرة المواد المتوفرة محرجة للباحثين بالمقارنة مع أي عمل آخر. ظهرت إلى دائرة الضوء كميات هائلة من المخطوطات المنسوخة عن العهد الجديد بعد اكتشاف مخطوطات ورق البردي التي جسرت الهوة بين زمن المسيح والقرن الثاني. يوجد لدينا اليوم ما يزيد عن 000ر20 نسخة من مخطوطات العهد الجديد. أمّا الإلياذة، وهي التي تلي العهد الجديد في مصداقية مخطوطاتها وعددها، فلا يوجد منها إلا 643 مخطوطة منسوخة. 
كتب السير فريدريك كينيون الذي كان يشغل منصب مدير المتحف البريطاني ورئيس أمناء المكتبة فيه، وهو أكثر الخبراء جدارة بالثقة دون منازع فيما يختص بالحكم على المخطوطات "إن الفترة بين تواريخ كتابة العهد الجديد وأقدم المخطوطات الموجودة لدينا الآن قصيرة جداً بحيث يمكننا أن نهملها. ولقد زال الآن آخر أساس لأي شك في أن أسفار العهد الجديد قد وصلت إلينا كما كتبت أصلاً."
يضيف جي. هارولد جرينلي عالـم اللغة اليونانية في العهد الجديد قائلاً: "بما أن الباحثين يقبلون الكتابات الكلاسيكية القديمة على أنها جديرة بالثقة بشكل عام، على الرغم من أن أقدم المخطوطات المنسوخة عنها قد نسخت بعدها بزمن طويل وأن عدد هذه المخطوطات المنسوخة قليل جداً، فإن من الواضح أن مصداقية نص العهد الجديد أكيدة أيضاً."
يؤكد لنا تطبيق الإختبار المخطوطي على العهد الجديد بأنه يعوّل عليه أكثر من أي عمل أدبي قديم. وإذا أضفنا إلى ذلك الأبحاث والدراسات النقدية المكثفة لنصوص العهد الجديد على امتداد ما يزيد عن مائة عام، فإن المرء يستطيع أن يخلص إلى أننا أثبتنا أن نص العهد الجديد كما هو متوفر بين أيدينا اليوم حقيقي وصحيح وجدير بالثقة.

إختبار البرهان الداخلي:

إن كل ما أثبته الإختبار المخطوطي هو أن النص الموجود بين يدينا اليوم مطابق للنص الأصلي. غير أن على المرء أن يقرر ما إذا كان هذا السجل المكتوب معقولاً ككل وقابلاً للتصديق وإلى أي مدى. وهذه هي المشكلة التي يتعامل معها اختبار البرهان الداخلي، وهو الإختبار الثاني الذي يذكره سي. ساندرز. 
وهنا فإن الناقد الأدبي ما زال يتبع مقولة أرسطو "يجب تبرئة أية وثيقة من التهم عند غياب الأدلة القاطعة على صحتها، ولا يجب اعتبارها في مصلحة الناقد." فكما يقول جون و. مونتغمري: "يجب على المرء أن يستمع لمزاعم الوثيقة وإخضاعها للتحليل دون افتراض الزيف أو الخطأ إلاّ إذا حكم مؤلف الوثيقة على نفسه بعدم الأهلية لوجود التناقضات والمغالطات والمخالفات للواقع التي تزخر بها وثيقته."
يوضح الدكتور لويس جوتشوك، أستاذ التاريخ في جامعة شيكاجو منهجه التاريخي بدليل يستخدمه الكثيرون في تحقيقاتهم التاريخية. يقول جوتشوك بأن قدرة الكاتب أو الشاهد على قول الحقيقة تساعد المؤرخ على تقرير مصداقية شهادته "حتى لو كانت موجودة في وثيقة حصل عليها بالقوة أو الإحتيال، أو كانت خالية من العيوب والأخطاء، أو مبنية على دليل من الإشاعات، أو كانت صادرة عن شاهد غير محايد." 
وترتبط هذه القدرة على قول الحقيقة ارتباطاً وثيقاً بقرب الشاهد الجغرافي والزمني من الأحداث التي يسجلها. لقد سجلت أحداث العهد الجديد وتعاليم يسوع من قبل أشخاص كانوا إمّا شهود عيان لها أو ممّن كانت لهم علاقة بشهود العيان على هذه الأحداث وتعاليم يسوع.
يقول لوقا 1:1-3: "إذ كان كثيرون قد أخذوا بتأليف قصة في الأمور المتيقنة عندنا، كما سلّمها إلينا الذين كانوا منذ البدء معاينين وخداماً للكلمة، رأيت أنا أيضاً إذ قد تتبعت كل شيء من الأول بتدقيق أن أكتب على التوالي إليك أيها العزيز ثاوفيلس."
ويقول 2 بطرس 16:1 "لأننا لـم نتبع خرافات مصنعة إذ عرّفناكم بقوة ربنا يسوع المسيح ومجيئه بل قد كنّا معاينين عظمته."
ويقول يوحنا في 1 يوحنا 3:1 "الذي رأيناه وسمعناه نخبركم به لكي يكون لكم أيضاً شركة معنا. وأمّا شركتنا نحن فهي مع الآب ومع ابنه يسوع المسيح". ويقول في يوحنا 35:19 "والذي عاين شهد وشهادته حق وهو يعلم أنه يقول الحق لتؤمنوا انتم." ويقول لوقا في إنجيله 1:3 "وفي السنة الخامسة عشرة من سلطنة طيباريوس قيصر إذ كان بيلاطس البنطي والياً على اليهودية وهيرودس رئيس ربع على الجليل وفيلبس أخوه رئيس ربع على أيطورية وكورة تراخونيتس وليسانيوس رئيس ربع على الأبليّة."
إن هذا القرب الشديد من الأحداث المسجلة وسيلة فعالة جداً للتصديق على دقة شهادة الشاهد. غير أن على المؤرخ أن يتعامل أيضاً مع الشاهد الذي يروي الزيف بوعي أو بدون وعي حتى لو كان قريباً من الحدث ومؤهلاً لقول الحقيقة.
لقد تـمّ تداول روايات العهد الجديد عن المسيح في زمن أشخاص كانوا على قيد الحياة في عهده. وقد كان بإمكان هؤلاء الناس أن يؤكدوا صحة هذه الروايات أو ينفوها. وحين كان الرسل يدافعون عن قضية الإنجيل أمام خصومهم الألدّاء، أشاروا إلى المعلومات العامة الشائعة فيما يتعلق بالمسيح. فهم لـم يكتفوا بالقول، "لقد رأينا ذلك" أو "سمعنا ذلك"، ولكنهم تحدّوا نقادهم وخصومهم بشكل سافر بقولهم "أنتم أيضاً تعرفون عن هذه الأمور.. وقد رأيتموها." وعلى المرء أن يكون حذراً حين يقول لخصمه، "أنت تعرف ذلك أيضاً" لأنه إن لـم يكن دقيقاً في سرد التفاصيل، فسيكون كلامه شاهداً عليه لا شاهداً له، وسيخسر قضيته.
يقول بطرس في أعمال 22:2 "أيها الرجال الإسرائيليون، اسمعوا هذه الأقوال: يسوع الناصري رجل قد تبرهن لكم من قبل اللـه بقوات وعجائب وآيات صنعها اللـه بيده في وسطكم كما أنتم أيضاً تعلمون."
ونقرأ في أعمال 24:26-26 "وبينما هو يحتج بهذا قال فستوس بصوت عظيم: أنت تهذي يا بولس. الكتب الكثيرة تحولك إلى الهذيان. فقال: لست أهذي أيها العزيز فستوس بل أنطق بكلمات الصدق والصحو. لأنه من جهة هذه الأمور عالـم الملك الذي أكلمه جهاراً. إذ أنا لست أصدّق أن يخفي عليه شيء من ذلك، لأنه لـم يفعل في زاوية."
يقول ف.ف. بروس أستاذ مادة نقد الكتاب المقدس وتفسيره في جامعة مانشستر بخصوص قيمة المصدر الرئيسي لمخطوطات العهد الجديد: "لـم يكن الوعاظ يهتمون بشهود العيان الودّيين فقط، فقد كان هنالك أشخاص أقل ميلاً منهم لاتخاذ موقف ودي على الرغم من إطلا عهم على حقائق خدمة يسوع وموته. ولـم يكن بإمكان التلاميذ أن يخاطروا بذكر أية تفاصيل غير دقيقة (ناهيك عن التلاعب المقصود بالحقائق) يمكن أن يكتشفها أعداؤهم ويشهّروا بها عن طيب خاطر. لكننا على النقيض من ذلك، نجد أن إحدى النقاط القوية التي اعتمدوا عليها في وعظهم الرسولي الأصلي ثقتهم بمعرفة مستمعيهم للأحداث التي تحدثّوا عنها. لـم يكتفوا بالقول: "نحن شهود لهذه الأمور" ولكنهم قالوا أيضاً "كما أنتم أيضاً تعلمون" أعمال 22:2. فلو ظهر أي ميل لدى التلاميذ إلى الإبتعاد عن الحقائق المادية فإن الوجود المحتمل لأي شهود من خصومهم بين الجمهور سيكون عاملاً مقاوماً آخر لقضيتهم."
يعلق لورنس جي. ماكنلي الأستاذ في جامعة القديس بطرس عن قيمة الشهود المعادين (شهود الخصوم) وعلاقتهم بالأحداث المسجّلة فيقول: "أولاً وقبل كل شيء، كان شهود الأحداث التي نحن بصددها على قيد الحياة عندما اكتمل تشكيل التقليد، وقد كان من بينهم أعداء لدودين لهذه الحركة الدينية الجديدة. غير أن التقليد زعم أنه يروي سلسلة معروفة من الأعمال والأحداث وتعاليم عُلّمت جهاراً في وقت يمكن فيه تحدّي مثل هذه المزاعم لو كانت غير صحيحة."
ويقول روبرت جرانت عالـم العهد الجديد في جامعة شيكاجو: "في الوقت الذي كتبت فيه (الأناجيل الثلاثة الأولى) أو الذي يفترض أنها كتبت فيه، كان هنالك شهود عيان، ولـم تكن شهادتهم مهملة. وهذا يعني أن علينا أن نعتبر الأناجيل شهادات موثوقة عن حياة يسوع وموته وقيامته." 
كتب ويل ديورانت الذي تدرب جيداً على عملية التحقيق التاريخي وأمضى حياته في تحليل المخطوطات الأثرية: "على الرغم من وجهة النظر غير المحايدة التي يبديها كاتبو الأناجيل ومفاهيمهم اللاهوتية المسبقة، فإنهم يسجلون حوادث كثيرة كان يمكنهم أن يخفوها لو كانوا مؤلفين مخترعين للحوادث. كتنافس التلاميذ على من سيحتل أعظم مكان في الملكوت. وهربهم بعد القبض على يسوع، وإنكار بطرس له، وعدم قدرة المسيح على القيام بمعجزات في الجليل، وإشارات بعض المستمعين إلى إحتمال كونه مجنوناً، وما بدا لهم من عدم تأكده المبكر من مهمته، واعترافه بعدم معرفة المستقبل، ولحظات حزنه، وصرخته اليائسة على الصليب، فإن أحداً لا يستطيع أن يقرأ هذه المشاهد ويشك في حقيقة الشخصية التي تقف وراءها. إن فكرة اختراع رجال بسطاء اجتمعوا في جيل واحد لمثل هذه الشخصية القوية الجذابة السامية الأخلاقية وهذه الرؤيا الملهمة عن الأخوة الإنسانية، هي في حد ذاتها معجزة أقل قابلية للتصديق من أي شيء سجّل في الأناجيل. لقد بقيت الخطوط العريضة لحياة يسوع وشخصيته وأعماله بعد قرنين مـن "النقد العالي" واضحة وضوحاً جيداً وتشكل أعظم شخصية مبهرة في تاريخ الإنسان الغربي."

إختبار البرهان الخارجي:

الإختبار الثالث للصحة التاريخية هو البرهان الخارجي. والقضية المعالجة هنا هي مسألة وجود مواد تاريخية أخرى تؤكد أو تنفي شهادة الوثائق نفسها. هل توجد لدينا أية مصادر أخرى، غير الوثائق والسجلات الأدبية التي هي موضوع تحليلنا ودراستنا، ثبتت صحتها ودقتها وموثوقيتها؟
يقول جوتشوك بأن "التوافق أو الإنسجام مع الحقائق التاريخية أو العلمية الأخرى المعروفة يكون غالباً الإختبار الحاسم للبرهان سواءً تعلق الأمر بشاهد واحد أو أكثر."
يثبت صديقان للرسول يوحنا البرهان الداخلي كما رواه يوحنا. حفظ المؤرخ يوسيبيوس كتابات بابياس مطران هيرابوليس (130 م) "كان الشيخ (الرسول يوحنا) يقول أيضاً ما يلي: كان مرقس مترجم بطرس وكاتبه. فدوّن بدقة كل ما ذكره (بطرس) سواء كان أقوال المسيح أو أعماله، لكن دون ترتيب زمني، لأنه لـم يكن من الذين سمعوا الرب أو رافقوه، وصاغها كما تقتضي الضرورة، دون أن يكون القصد حصر كل أقوال الرب. فمرقس إذاً لـم يرتكب أي خطأ عندما كتب بطريقته بعض الأمور كما سمعها، فقد كان همه الوحيد ألاّ يحذف شيئاً ممّا سمع، وألاّ يدخل أي شيء غير صحيح فيه."
كتب أيرينيوس، مطران ليونز (180 م. تتلمذ على يد بوليكارب مطران سميرنا الذي أمضى ثـمانية وستين سنة في حياة الإيمان، وكان أحد تلاميذ الرسول يوحنا): نشر متى إنجيله بين العبرانيين (اليهود) وكتبه بلسانهم، في الوقت الذي كان فيه بطرس وبولس في روما يبشران ويؤسسان الكنيسة هناك. وبعد رحيلهما (أي موتهما الذي يؤكد التقليد أنه حصل في زمن الاضطهاد النيروني عام 64 م.) قام مرقس تلميذ بطرس وكاتبه، بتسليمنا بنفسه مواعظ بطرس كتابة. بينما كتب لوقا، تلميذ بولس، الإنجيل الذي بشر به معلمه. وهنالك أيضاً يوحنا، تلميذ الرب والذي اتكأ أيضاً على صدره (هذه إشارة إلى يوحنا 25:13، 20:21) كتب الإنجيل المسمّى باسمه أثناء إقامته في أفسس في آسيا."
يقدم لنا علم الآثار برهاناً خارجياً قوياً. وهو يساهم في النقد الكتابي، ليس في مجال الوحي والإعلان، وإنما في تقديم الأدلة على دقة الحوادث المسجلة. كتب عالـم الآثار جوزيف فري: "لقد أثبت علم الآثار صحة فقرات كتابية لا حصر لها كان قد رفضها النقاد على اعتبار أنها غير صحيحة تاريخياً أو مخالفة للحقائق المعروفة."
لقد رأينا كيف جعل علم الآثار السير وليام رامزي يغير قناعاته السلبية الأولية حول صحة كتابات لوقا تاريخياً، ويستنتج أن سفر أعمال الرسل دقيق في وصف جغرافية آسيا الصغرى وآثارها ومجتمعها.
يقول ف.ف. بروس "ما دامت كتابات لوقا قد اتهمت بعدم الدقة، وثبتت دقتها بالبرهان الخارجي، فقد يكون مشروعاً لنا أن نقول بأن علم الآثار قد أثبت صحة العهد الجديد."
كتب أ.ن. شيروين، وهو أحد المؤرخين الممتازين "إن الأدلة التي تثبت الصحة التاريخية لسفر أعمال الرسل قاطعة" ويستمر قائلاً "لابدّ أن تبدو أية محاولة لرفض صحته التاريخية حتى في الأمور التفصيلية عبثاً. ولقد اعتبرها المؤرخون الرومان أمراً مسلّماً به لمدة طويلة."
بعد أن حاولت شخصياً أن أحطم صحة الكتاب المقدس التاريخية وشرعيته، توصلت إلى نتيجة أنه جدير تاريخياً بالثقة. وإذا رفض أحدهم الكتاب المقدس بحجة أنه لا يعوّل عليه بهذا المعنى، فإن على هذا الشخص أن يرفض تقريباً كل الوثائق الأدبية التاريخية ويعتبرها غير جديرة بالثقة. 

هنالك مشكلة تواجهني دائماً، وهي رغبة الكثيرين في تطبيق مقياس أو إختبار معين على وثيقة أدبية دنيوية، ومقياس آخر على الكتاب المقدس. يجب علينا أن نطبّق الإختبار سواء كانت الوثيقة موضوع البحث دينية أم دنيوية. وبعد أن فعلنا ذلك، فإننا نستطيع القول، "الكتاب المقدس جدير بالثقة ويعوّل عليه تاريخياً في شهادته ليسوع."
يقول الدكتور كلارك هـ. بينوك، أستاذ اللاهوت النظامي في جامعة ريجنت: "لا توجد أية وثيقة من العالـم القديم كالكتاب المقدس يشهد لصحتها هذا العدد الممتاز من الشهادات النصّية والتاريخية، وتقدم مثل هذه المجموعة الرائعة من المعلومات التاريخية الأولية والتي يمكن أن نبني على أساسها قراراً حكيماً. لا يستطيع أي شخص أمين أن يرفض مصدراً من هذا النوع. وإن الشك الذي يدور حول الوثائق التاريخية للمسيحية مبني على تحامل غير منطقي (غير طبيعي)."