دراسة تطبيقية فى  الإصحــــاح الــرابــــع من سفر نشيد الأناشيد

كيف تستفيد من هذه الدراسة التطبيقية ؟

مقدمــــة

1) عــــيناك حمـــــامتان

2) حـــيــاة التـــكريــس

3) حـــيــاة التــأمــــل

4) حـــيــاة التســـبيــح

5) صــــفات ذات مـعنـــى

6) إنــهــزام الظــــــلال

7) دعـــــوة ملوكـــــية

8) ســبــيـت قـــلـــبى

9) مـا أحســــن حــــبك

10) جــنـــةٌ مغـــلـــقةٌ

11) مراجــــعة عامـــــة

12) خــاتــمـــــــــة

حمل هذا الكتاب

عودة للصفحة الرئيسية

مقـــــــــــدمة



سفر نشيد الأناشيد هو سـفر الغَزَل الروحانى المقدس ، الذى فيه يمتدحنا الله ونمتدحه .. فهو سفر الحب الحقيقى الذى فيه نرى المسيح كعريس سماوى لكنيسته العروس المجيدة .. كما نرى فيه الرب يسوع عريساً شخصياً لكل نفس تقبله وترحب به ليدخل ويتعشى معها وهى معه (رؤ 3 : 20) ..
ويقول قداسة البابا الأنبا شنوده الثالث : [ الروحيون يقرأون هذا السفر فيزدادون محبة لله .. أما الجسديون فيحتاجون فى قراءته إلى مرشد يفسر لهم ، لئلا يسيئوا فهمه ، ويخرجوا عن معناه السامى إلى معانٍ عالمية .. ]
من أجل هذا وجب علينا أن نتحذر من أن نحبس أفكارنا فى نطاق الجسد والجسديات ونحن نغوص فى أعماق هذا الحب السماوى المقدس فى هذا السفر .. بل يجب أن تتحول أنظارنا إلى العريس السماوى الذى قال عنه معلمنا بولس الرسول : " فإني أغار عليكم غيرة الله لأني خطبتكم لرجل واحد لاقدم عذراء عفيفة للمسيح " (2كو 11 : 2)
وأكد هوشع النبى نفس المعنى بقوله : " وأخطبك لنفسى إلى الأبد وأخطبك لنفسى بالعدل والحق والإحسان والمراحم .. أخطبك لنفسى بالأمانة فتعرفين الرب " (هو 2 : 19 ، 20) .

وحين يعزف الرب يسوع ألحانه الشجية على أوتار القلب المتلهف للحب الحقيقى ، فإننا نرى هذا القلب وقد سُبى فى حب من مات لأجله ، وتخرج من جدران قلبه أنغام الهيام بعشقٍ سماوىٍ مقدسٍ ، ويفيض فمه بأعذب الأنغام فلا يرى أعذب من نشيد الأناشيد لينطق به .. وهو نشيد الحب الذى يحمل إنعكاسة حب المسيح الأسمى..

لذا قال القديس يوحنا سابا ( الشيخ الروحانى ) :
[ أولئك الذين أشرقت عليهم بشعاع من حبك.. لم يحتملوا السكنى بين الناس ، بل ألقوا عنهم كل حب جسدانى وتغربوا عن كل شئ فى طلب الحبيب ..

نزعوا كل أفراحهم وذهبوا يلتمسون طريق الحبيب بدموع ، بكوا لما وجدوا أنفسهم فى الطريق غير مستأهلين لجمال المحبوب .. ساعة أن أدركوا شهوة الحب حب الوحيد ما صبروا أن يبقوا فى أفراح العالم لحظة ، ولما لم يجدوا عندهم شيئاً يليق بتقديمه إليك .. قدموا ذواتهم بالحب على مذبحك واسلموا أجسادهم حتى الموت .. فرحين إذ وجدوا شيئاً يقدمونه إليك ..
آه منك أيها الحبيب .. لقد سلبت منهم كل شئ .. ]
لذا فهذا السفر الجليل يدور حول هذا الحب المتبادل بين المسيح العريس ، والكنيسة أو النفس البشرية كعروس لهذا العريس السامى .. ولقد سار هذا الحب فى ثلاث مراحل .. يمكن على أساسها تقسيم هذا السفر إلى ثلاثة أقسام ، هى :

أولاً : لهفـــة الحـب الأول .
ثانياً : رباط الزيجـة الأكــمل .
ثالثاً : عودة إلى الحياة الأفضل .

** أولاً : لهفة الحب الأول :
( نش 1 : 1 إلى 3 : 5 )
ونرى فى هذا الجزء :
1) أشواق العروس الملتهبة وتلهفها للعريس (1 : 1 ـ 8)
2) حضور العريس استجابة لأشواقها (1 : 9 ـ 2 : 7)
3) أغنيات العروس عن ذكريات حبها وامتزاجه بفتنة الربيع وبهجة المراعى .. (2 : 8 ـ 3 : 5)

** ثانياً : رباط الزيجة الأكمل :
( نش 3 : 6 إلى 5 : 1 )

ونرى فى هذا الجزء وصفاً بديعاً لحفلة العرس ، ومشاعر العروسين فيُصور لنا :
1) تخت [ موكب ] سليمان محاطاً بالحراس يتقدم نحو أورشليم ، وعلى رأس الملك تاج ساطع صنعته له أمه ليوم عرسه ، وهذه اللمحة الخاطفة توحى لنا بعظمة هذا العرس (نش 3 : 6 ـ 11)
2) أناشيد هيام متبادلة بين العريس والعروس (نش 4 : 1 ـ 5 : 1)

** ثالثاً : عودة إلى الحياة الأفضل :
( نش 5 : 2 ـ 8 : 14)
فطالما أن الإنسان حبيس فى هذا الجسد، فهو معرض للأخطار ، وهذا ما حدث للعروس ، فقد تجمعت سحب الضعف الداكنة لتحجب حرارة شمس المحبة عنها ، لكنها لم تطق الإنفصال ، فهبت عائدة إلى أحضان عريسها ، وهى هنا تحكى لنا مرارة البعد عن أحضان العريس السماوى الدافئة ، ثم تعود لتشدو بلحن الرجوع واستئناف الحياة السعيدة مع عريسها ..

يا لروعة هذه العلاقة المجيدة التى ترفعنا من مزبلة الخطية لتمتعنا بالخطبة السماوية الروحانية لملك الملوك ورب الأرباب !!!

الإصــحاح الــرابـع مـن سـفر النشـيد

فى هذا الإصحاح الرابع من هذا السفر العذراوى المقدس ، نلتقى بأناشيد الهيام والعشق التى فيها يتغزل العريس السماوى فى محبوبته التى اشتراها بدمه الثمين على عود الصليب ، فيراها جميلة بلا عيب فيها ..
كما يشرِّفها بلقب : أختى العروس .. الذى يتكرر أربع مرات فى هذا السفر ، يحظى هذا الإصحاح بثلاثٍ منها .. فيناديها :

 " قد سبيت قلبي يا أختي العروس قد سبيت قلبي " (نش 4 : 9)
 " ما أحسن حبك يا أختي العروس كم محبتك اطيب من الخمر وكم رائحة أدهانك أطيب من كل الأطياب " (نش 4 : 10)
 " أختي العروس جنة مغلقة عين مقفلة ينبوع مختوم " (نش 4 : 12)
 " قد دخلت جنتي يا أختي العروس قطفت مري مع طيبي أكلت شهدي مع عسلي شربت خمري مع لبني كلوا أيها الأصحاب اشربوا واسكروا أيها الأحباء " (نش 5 : 1)

ويُعتبر هذا الإصحاح منعطفاُ خطيراً ينزلق إليه الجسديون الذين يفـتقرون إلى البصيرة الروحية فيخلطون بين الذهب والتراب .. فحين يلتقـون بكلمات العشق السماوى المقدس التى فيها يتغزل العريس فى محبوبته العروس الثمينة ، فعلى الفور يتعثرون ويتساءلون : كيف يمكن لكلمات الوحى الإلهى أن تنطق بمثل هذه الكلمات ، وكيف يكون الروح القدس هو كاتبها ؟؟
والواقع أن كلمة الله تقدم لنا التفسير الواضح لحالة هؤلاء الجسديين فتقول : " ولكن الإنسان الطبيعي لا يقبل ما لروح الله لأنه عنده جهالة ولا يقدر أن يعرفه لأنه إنما يحكم فيه روحياً " (1كو 2 : 14) ، لكن حين تسقط القشور من على العيون ، وتتوارى سحب المادة ، تستطيع النفس أن تعاين وترى ما لا يُرى ... فترى بالروح وتعاين السماويات بالروح وتقرأ الكتاب وتفهمه وتطبقه عملياً بالروح .. فترى الكنوز السماوية الموجودة خلف الكلمات فتخلص وتدخل وتخرج وتجد مرعى (يو 10 : 9)

كذلك يلفت الأبصار ، شدة إعجاب العريس السماوى بعروسه النفس البشرية ، فهى التى قيل عنها قبلاً : " كلنا كغنم ضللنا ملنا كل واحد إلى طريقه .. " (إش 53 : 6) لقد ضلت وتشتت وسارت وراء الباطل فصارت باطلاً (إر 2 : 5) .. فكيف يمكن أن يجد فيها جمالاً ؟ وما هو سر هذا الجمال الذى استطاع أن يراه فيها ليمتدحها ؟

نلتقى بهذه الواقعة المغيِّرة فى الإصحاح السادس عشر من سفر نبوة حزقيال النبى وهو يتكلم عن النفس البشرية التى إلتقى بها العريس السماوى فغيّر حالها من النجاسة إلى القداسة ، ومن العرى إلى الثياب المطرزة ، ومن قارعة الطريق إلى ملكوت إبن محبته ... تعال بنا نقرأ ما سجله الوحى عن هذا اللقاء ... حتى يعمل الرب فينا نفس هذا التغيير قبل أن ندخل إلى أقداس العشرة والغزل السماوى فى هذا الكتاب :

" مخـرجك ومولـدك من أرض كنـعان [ أرض الطبيعة البشرية الفاسدة (تك 9 : 26) ] .. أبوك أموري وأمك حثية [ من الأمم اللذين حاربوا شعب الله ] .. أما ميلادك يوم وُلِدت فلم تقطع سرتك [ استمرار الإتصال بالعالم والخطية ] ، ولم تغّسلي بالماء للتنظف ولم تملحي تمليحاً ولم تقمطي تقميطاً [ وهى أشياء كانت تعملها الأم لتحمى وليدها من الميكروبات علامة اهتمامها به وعلامة أنه طفل مهم ومرغوب فيه ، وعدم عمل مثل هذه الأشياء دلـيل على أنها كانت مكروهة حتى من أمها .. ] ، لم تشفق عليك عين لتصنع لك واحدة من هذه لترق لك بل طرحت على وجه الحقل بكراهة نفسك يوم ولدت .. فمررت بك ورأيتك مدوسة بدمك [ مبادرة الحب الأبوى من المسيح الذى جاء ليصالحنا مع الآب بدم نفسه .. ] .. فمـررتُ بـك ورأيتك وإذا زمنك زمن الحب فبسطت ذيلي عليك وسترت عورتك [ علامة أن المسيح عرض أن يكون عريساً سماوياً للنفس البشرية ] وحلفت لك ودخلت معك في عهد يقول السيد الرب فصرت لي .. فحممتك بالماء [ المعمودية ] وغسلـت عنك دماءك [ طهرتك من الخطية الموروثة ] ومسحتك بالزيت [ مسحة الميرون ] وألبسـتك مطرزة [ بثياب البر ] ونعلـتك بالتـخس [ ألبستك أحذية من جلود ثمينة رمزاً لذبائح الغفران والتطهير ] وآزرتك بالكتان وكسوتك بزاً [ رمز البر والنقاء ] وحليتك بالحلي [ أى زينة الروح القدس وفضائله التى يزين بها النفس ] فوضعت أسورةً في يديك وطوقاً في عنقك ووضعت خزامة في أنفك وأقراطاً في أذنيك وتـاج جـمالٍ على رأسـك [ وهى ثمار الروح التى يمنحها الله لأولاده فيجمِّلهم بالخلاص ] فتحليت بالذهب [ بالقداسة ] والفضة [ بالإستقامة ] ولباسك الكتان والبز [ النقـاء الداخلى ] والمطرز وأكلت السميذ [ جسد الرب ودمه ] والعسل [ كلمة الله ] والزيت [ الشبع بعمل الروح القدس ] وجملت جداً جداً فصلحت لمملكة وخرج لك أسم في الأمم لجمالك لأنه كان كاملاً ببهائي الذي جعلته عليك يقول السيد الرب .. " (حز 16 : 3 ـ 14)

هذا هو سر التحول الجِذرى الذى حدث فى النفس البشرية ، فنقلها من قارعة الطريق إلى أن صلُحَت لمملكة .. والسر هو فى قوله: " كان كاملاً ببهائى الذى جعلته عليك .. " فحين تفتح حياتك لنور المسيح ليدخل إلى قلبك فيضيئ بنوره فى ظلمة الخطية الرابضة فى القلب ..
اسمعه وهو يقول : " كن غيوراً وتب .. هنذا واقف على الباب وأقرع إن سمع أحد صوتي وفتح الباب أدخل إليه وأتعشى معه وهو معي .. " (رؤ 3 : 19 ، 20)

أخى الحبيب ، هل تأتى معى لندعوه ليدخل إلى القلب الذى خلقه ليكون له ، فنقول له كما نصلى فى قطع صلاة الساعة الثالثة من الأجبية المقدسة :

[ أيها الملك السماوى المعزى روح الحق الحاضر فى كل مكان ، والمالئ الكل .. كنز الصالحات ومعطى الحياة، هلم تفضل وحل فينا وطهرنا من كل دنس أيها الصالح وخلص نفوسنا .. ]

من الرب نسأل أن يمتعنا ببركة دراسة هذا السفر دراسة عملية تطبيقية ، حتى نتمتع بعريس النفس الغالى الرب يسوع المسيح ونحن فى غربة وبرية هذا العالم ببركة صلوات أمنا القديسة والدة الإله العذراء مريم ، وسائر آبائنا القديسين ، وبركة صلوات خليفة القديس مار مرقس الرسولى البابا المعظم الأنبا شنوده الثالث .. أدام الرب حياته .. آمين .

عريس نفسى الغالى الرب يسوع المسيح ، أشكرك لأنك حملتنى على ذراعيك الأبديتين وغسلّتنى بالمعمودية ومسحتنى بالميرون .. صرت أنت ثوب برى .. أختفى فيك .. بل صرت أكلى وشربى .. فرحتى وبهجتى .. أشرقت ببهائك علىَّ فصارت أعماقى جميلة ببهائك ..
حسبتنى إبناً لك .. عروساً مقدسة لملك الملوك .. اجلستنى فى السماويات .. ناديتنى : أختى العروس ...
من يهتم بى مثلك .. تعال إلى قلبى يا عريس نفسى .. لتدخل وتتعشىَّ معى ، فأنا عروسٌ لك ولغيرك لن أكون ..
أحبك يا من أحببتنى ..