عن النسخ في القران

 

كتاب الشيخ محمد الغزالي  اسم الكتاب : كيف نتعامل مع القرآن ــــــــــــــ في مدارسة أجراها الأستاذ عمر عبيد حسنة مع الشيخ محمد الغزالي ـــــــــــــــــــــــ الطبعة الأولى 1412هـ / 1992 م دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع ص 77.....

 

 [ طالما أن الخلود سمة القرآن الكريم ، فهذا يعني من وجه آخر خلود المشكلات والقضايا الإنسانية التي جاء القرآن لمعالجتها في أصولها ، وإن تغيرت في بعض فروعها وألوانها..

أي أن القرآن خالد ، والقضايا الإنسانية المطلوب علاجها أيضاً خالدة . ولا تزال في الإنسانية حالات كفر ونفاق ، وضعف في الإيمان واستكبار وعلل نفسية، وصور من الولاء والبراء والسقوط والنهوض ، والنصر والهزيمة .... إلخ

فكيف يمكن والحالة هذه أن نعمل بعض الآيات ونعطل بعضها بسبب القول بالنسخ؟ وفي الوقت نفسه نقول بالخلود؟

وكيف يمكن مواجهة الحالات المتعددة التي ستطرأ على الحياة الممتدة المتطورة ، ومعالجتها بحل واحد انتهت إليه الجماعة المسلمة الأولى ، في ظرف تاريخي معين ، وشروط ميلاد وتطور معروفة ؟

هذه قضية هامة في نظري ، ولابد أن نعرض لها بشيء من الإفاضة والتفصيل إلا إذا اعتبرنا المجتمع الإسلامي الأول هو البداية والنهاية ، وبذلك نكون قد وقتّنا ( أي جعلناه موقوتاً) القرآن بشكل عملي وإن كنا نرفض ذلك بشكل نظري..]

ويقول في صفحة 78.... [ المجتمع القديم الذي نزل فيه القرآن هو مجتمع بشري ، وأحواله صورة مما يعتري البشرية على امتداد الزمن إلى انتهاء الحياة . فالحكم في أي صورة من هذه الصور هو حكم بطبيعته ممتد ، لأنه ليس خاصاً بهذه الصورة بل هو يتجدد مع كل صورة مشابهة لها إلى قيام الساعة. ومن هنا جاء الخلود. ]

وفي صفحة 79..... [ لكن حينما نأتي لنقول : هذه الآية نسخت التي جاءت لمعالجة حالة معينة، نسخت بعد انتهاء الحالة في مجتمع النبوة فمعنى ذلك أن هذه الحالة سوف لن تتكرر في البشرية، وليست بحاجة إلى هذا الحل.

لا يمكن أن يقع هذا في القرآن .. آية بطلت لأن حكمها انتهى ، والشخص أو الجزء الذي اتصل بها تلاشى ، لا يوجد هذا في القرآن إطلاقاً ] وفي صفحة 80

الذين قالوا بالنسخ في بعض الآيات التي كانت في مرحلة من المراحل تشكل حلاً لمشكلة قائمة ، وقدمت لها حلاً ، ثم حينما ارتقى المجتمع وجاءت مرحلة أخرى ، قالوا : بأن الآية السابقة نسخت مع أن المجتمعات تتكرر فيها مثل هذه الحالة السابقة التي كانت !

 

هذا عيب الذين يقولون بالنسخ : إنهم يظنون أن حكماً انتهى أمره لأن القصة لا تتكرر .. القصة إذا تكررت تكرر معها المتصل بها ..

 

و يقول أيضاً صفحتي 80 ، 81

شاع بين المتأخرين من المفسرين من أن النسخ ، بمعنى إبطال آيات في القرآن موجود .. وجدت أن الشيخ الفقيه المؤرخ الأستاذ الخضري رفض النسخ رفضاً باتاً وقال : لا يكون إلا تخصيص عام ، أو تقييد مطلق أو تفصيل مجمل .. والشيخ رشيد رضا فعل هذا بما هو أوضح وتكلم عن آية " وما ننسخ من آية أو ننسها " البقرة :106

فبين أن الآيات تكليفية وتكوينية ، وأن الذي تنسخه آية سورة البقرة هنا هو الآيات التكوينية ، وليست هناك آيات تكليفية نسخت بهذه الآية .. ومعنى التكوينية معروف وهو خوارق العادات التي كانت يؤيد بها الأنبياء ، وهي التي تتغير بتغير الأزمنة .. أما الآيات التكليفية فأنا نظرت إليها نظرة واقعية عند قوله تعالى " وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر " النحل : 101

الخازن قال أن هذه الآية جاءت رداً على أسئلة بأن محمداً يقرر حكماً ثم ينسخه ! فتساءلت : هذه الآية من سورة النحل مكية ، أين هي الأحكام التي تندر المشركون بها لأنها نسخت بعد أن نزلت وحدث اضطراب في تقرير الأحكام بسبب ذلك ؟ .. لا يوجد .. وهذا الكلام عن سبب نزول الآية مختلق. ولم يوجد أحد من المشركين قال : أن محمداً يقرر حكماً شرعياً ثم ينسخه .. ما وجد .. لأنه ما وجد حكم في مكة نسخ بآية مكية .. لم يعرف في تاريخ النزول ولا في تاريخ البشرية أن حكماً نزل في مكة نسخ بآية مكية ، القرآن لم يعرف ذلك..

فإذاً الكلام باطل ، ولا توجد أحكام بطل معناها .. وكل ما هنالك أن هناك عدة آيات نظر فيها ، وكان النظر قاصراً مثل قوله تعالى " الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفاً " الأنفال : 66

فالآيات الأولى تأمر بوقوف الواحد لعشرة ، ثم نسخت بأن يقف لاثنين.. الشيخ الخضري رحمه الله قال : إن هذه رخصة مع عزيمة ، والرخصة مع العزيمة ليست نسخاً. الحكم الدائم الباقي : أن يقف المسلم لعسرة..

 

ويعود ليقول في صفحة 82

والزعم بأن 120 آية من آيات الدعوة نسخت بآية السيف ، هو حماقة غريبة دلت على أن الجماهير المسلمة في أيام التخلف العقلي والعلمي في حضارتنا جهلوا القرآن، ونسوا بهذا الجهل كيف يدعون إلى الله وكيف يحركون الدعوة وكيف يضعون نماذج حسنة للعرض الحسن .. ولعل هذا من أسباب فشل الدعوة الإسلامية ووقوف هذه الدعوة في كثير من الأيام عن تبليغ رسالتها ، ظن أن السيف هو الذي يؤدي واجب التبليغ ! وهذا باطل باتفاق العقلاء.

فقصة النسخ ، أو تحنيط بعض الآيات ، فهي موجودة لكن لا تعمل ، هذا باطل ، وليس في القرآن أبداً آية يمكن أن يقال أنها عطلت عن العمل وحكم عليها بالموت .. هــــــــذا باطـــــــل .. كل آية يمكن أن تعمل ولكن الحكيم هو الذي يعرف الظروف التي يمكن أن تعمل فيها الآية ، وبذلك توزع آيات القرآن على أحوال البشر بالحكمة والموعظة الحسنة.]

وبالنسبة لآية " وما ننسخ من آية أو ننسها " البقرة 106 يقول في صفحة 83

السياق قاطع بأنه لا مكان للقول بالنسخ التكليفي هنا .. و الشيخ رشيد ذكر هذا الموضوع .. فالكلام في آية " وما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير " هو كلام عن قدرة وليس أحكام تكليفية وإلا قال : ( ألم تعلم بأن الله عليم حكيم ، مثلاً بدل "قدير" ).

الصفحة الرئيسية