من وحي الكتاب المقدس

نعمة المسيح المجانية

النعمة التي نحن فيها مقيمون ونفتخرعلى رجاء مجد الله  ( رو 1:5-2).

تهنئة من قلب داود الملك مزمور32 : 1و2

الى المقيمين في ملكوت ابن محبته  الإنجيل كولوسي 13:1

لأن الناموس بموسى اعطي اما النعمة والحق فبيسوع المسيح صارا  يوحنا1 :17

من تأملات  الدكتور جورج رشيدخوري

 نسخة جديدة موسعة في 15 أذار 2001)

 

 

يكتب الرسول بولس :"فإذ قد تبررنا بالإيمان لنا سلامٌ مع الله بربنا يسوع المسيح , الذي به ايضا قد صار لنا الدخول بالإيمان الى هذه النعمة التي نحن فيها مقيمون ونفتخرعلى رجاء مجد الله "( رو 1:5-2).

وفي الرسالة الثانية الى اهل كورنثوس يكتب الرسول ايضا : "نعمة ربنا يسوع المسيح ومحبة الله وشركة الروح القدس مع جميعكم آمين"(2كو14:13)

من المؤسف ان اقول, ان معظم المسيحيين اليوم باتوا يعتبرون ان الناموس الذي اعطي لموسى على جبل سيناء , لم يزل المبدأ الاساسي الذي ينبغي ان يسير عليه المسيحيون اليوم . ويسهى عن بالهم , ان المسيح قد افتدانا منه, اذ اخذ مكاننا وسوَّا قضيتنا كلياً. وقد اعطانا كل فوائد عمله وانتصاراته ,كما لو كنا نحن قد قمنا بها بالذات. لأن المؤمن الحقيقي قد مات وقام في المسيح وهو الآن حيٌّ في حياته .من هنا قول الرسول : "إذا يا اخوتي انتم ايضا قد متم للناموس بجسد المسيح لكي تصيروا لآخر للذي أُقيم من الاموات لنثمر لله" (رومية4:7) .

كان الناموس (شريعة موسى) في العهد القديم هو الرباط القوي الذي يربط المؤمن بالله. وكنَّا بالطبيعة لا نستطيع ان نثمر لله ما دمنا تحت لعنته (التوراة تثنية ص27و28). اما الآن فالأمر قد اختلف كليًّا ومن اساسهِ . إذ أن المسيح قد احتمل اللعنة عنَّا على الصليب وحررنا من الناموس ونقلنا من ملكوت الظلمة الى ملكوته ابن محبته (الانجيل كو13:1), وقد ربطنا بشخصه المبارك الى الابد . واصبحنا واياه مسيحاً واحداً امام الله, ومطلب ناموسه العادل. فانه مكتوب:"لأنني قد متُّ بالناموس للناموس لاحيا لله . مع المسيح صلبت فأحيا لا انا بل المسيح يحيا فيَّ " (الانجيل غل 19:2و20). وعندما عُلِّقَ المسيح على الصليب كنَّا نحن جسده المعلَّق وهو رأسنا المنكَّس بسبب خطايانا. "لاننا اعضاء جسمه من لحمه وعظامه" .(اف 30:5). وهذا لا نستطيع فهمه وسبر غوره في عقولنا البسيطة الآن , بل علينا ان نعتمد على ما كتبه لنا الروح القدس بواسطة انبيائه ورسله القديسين. يكتب الرسول بولس: "لما كنت طفلا كطفل كنت أتكلم وكطفل كنت أفطن وكطفل كنت أفتكر. ولكن لما صرت رجلا ابطلت ما للطفل.فاننا ننظر الآن في مرآة في لغز لكن حينئذ وجها لوجه.الآن أعرف بعض المعرفة لكن حينئذ سأعرف كما عرفت.اما الآن فيثبت الايمان والرجاء والمحبة ولكن أعظمهن المحبة" (اكو: 11:13-13).

في الرسالة الى رومية وغلاطية وعبرانيين, يعطينا الروح القدس عن فداء المسيح صورة لاهوتية عميقة. فهو لا يصور لنا المسيح كمجردِ فادٍ او بديلٍ فقط, بل يوصلنا عن طريق التأمل الى أعمق الحقائق الالهية الازلية . وهي ان الله في علمه السابق, ومعرفته الغير محدودة. قد هيَّأ للمسيح جسدًا قبل تأسيس العالم ,هو الكنيسة. يكتب صاحب رسالة العبرانيين في هذا تجاوبا لما جاء في (مز6:40), ان المسيح عند دخوله الى العالم يقول : "ذبيحة وقرباناً لم ترد ولكن هيأت لي جسداً "(راجع عب5:10). ويكتب ايضا عن دم المسيح وقيمته في تطهير المنجسين , بالمناظرة مع دم الذبائح في الهيكل الحرفي القديم فيقول :"فكم بالحري يكون دم المسيح الذي بروح ازلي قدم نفسه لله بلا عيب يطهر ضمائركم من اعمال ميتة لتخدموا الله الحي" (عب 14:9).

نرى ان المسيح هنا يقدم دمه لله في الازل قبل تأسيس العالم , وقد أُظهر في الازمنة الاخيرة بقصد الفداء وتطهير الضمائر ( راجع 1بط19:1و20وعب22:10). وقد ابتدأ الرب في إنجاز هذا القصد الالهي , وتحضير جسده, الكنيسة, وهو في مياه الاردن. بوضعه هناك مخططا للعمل الفدائي, الذي قد جاء من اجله, وهو فداء آدم ونسله. بقوله ليوحنا المعمدان :" اسمح الآن لانه هكذا يليق بنا ان نكمل كل بر"–أي على هذه الصورة سنبرر الناس من خطاياهم, وهي موت ودفن وقيامة. وهذا ما تمثله معمودية الماء المسيحية (مت15:3ورو2:6-6).

وجسد المسيح هذا,كان يُرمز اليه في القديم بخيمة الاجتماع, من ثم بالهيكل الحرفي وقدس اقداسه وتابوت عهده. وقد ابدله الرب أخيرا بهيكلٍ حيٍّ جديدٍ آخرَ , هو الكنيسة الحية . يكتب الرسول الى المؤمنين بالمسيح : "فإنكم انتم هيكل الله الحي كما قال الله : اني سأسكن فيهم وأسير بينهم واكون لهم الها وهم يكونون لي شعبا" (راجع 2كو16:6).

لم يقل الله , الابن الذي ظهر في الجسدا طبعًا, انه سيسير بينهم على هذه الارض دون ان يسكن فيهم اولاً, كما قرأنا اعلاه . حيث انه بالتالي يريد ان يؤلف معهم شخصية واحدة يسير بها الى الصليب. فتموت معه لتحيا ايضا معه . والاَّ لما امكننا فهم الرسول عندما يقول : "مع المسيح صلبت فأحيا لا انا بل المسيح يحيا فيَّ . فما احياه الآن في الجسد احياه في الايمان ايمان ابن الله الذي احبني واسلم نفسه لاجلي" (غل 2 :20). وقال ايضا "قد متم للناموس بجسد المسيح لكي تصيروا لآخر للذي أُقيم من الاموات لنثمر لله" (رومية4:7). "وقوله ايضا: "إننا نحن اعضاء جسمه من لحمه ومن عظامه" (اف30:5) الخ.

ان قصد الروح القدس من هذه الآيات جميعها, ان يبين لنا المركز المرموق الذي اصبح لنا في المسيح يسوع . وهو اننا نحن فيه وهو فينا. واننا واياه شخصية واحدة فقط لا غير. او بتعبيرٍ كتابيٍّ اوضح, اننا وإياه مسيح واحد, هو رأسه ونحن الاعضاء .

ان المسيح لم يتخذ لحماً ودماً وعظاماً, الا عندما أتى في الجسد وحل بيننا. وكانت إقامته في هذا الجسد محددة بمدةٍ قدرها ثلاثاً وثلاثين سنة ونصف السنة.

نستنتج من هذا, إننا كنا اعضاء جسم المسيح من لحمه ومن عظامه, ضمن هذه المدة المحددة بالتاريخ والزمن, التي عاشها سيدنا على الارض . وبعد ان صعد المسيح الى السماء وأرسلَ الروح القدس, أصبحنا نحن المؤمنين بإسمه هيكلا حيًّا لسكناه, مع ابيه والروح القدس (راجع يو23:14).

كان رئيس الكهنة في عهد الناموس حاملا على صدره صدرة القضاء المرصعة باثنتي عشرجوهرة, وكانت هذه الجواهر الكريمة,ترمز آنذاك الى اسباط اسرائيل الاثني عشر. يتخللها الاوريم والتميم-النور والكمال-.وهما الحجران اللذان كانا يمثلان شعب الرب في نوره وكماله, امام الله في الهيكل القديم. وكان على رئيس الكهنة ان يُدخلَ الشعب مرة واحدة في السنة, مع البخور ودم الذبيحة, الى محضر الرب وراء الحجاب في قدس الاقداس. وهو المكان الوحيد للشفاعة, والتكفير عن خطايا الشعب وضعفاته, في عهد الناموس والهيكل الحرفي (راجع خر16:28و29).

أما هذا الرئيس , فقدكان يُرمزُ بهِ الى رئيس كهنتنا المعظم ربنا يسوع المسيح . وقد حملنا في شخصه وعلى قلبه وسار بنا كل الطريق, من الاردن الى جبل الجلجثه فالصليب على جبل المريَّا أو الجلجثة . وهو المكان الصحيح, الذي كان معدًّا من الله منذ القديم, للفداء وكفارة الاثم. ليؤتى بالبر الابدي (دا24:9). وكانت ترمز اليه جميع اعمال الهيكل الحرفي وذبائحه واقداسه, وكمال مقاييسه . يكتب صاحب رسالة العبرانيين فيقول : "وليس بدم تيوس وعجول بل بدم نفسه دخل مرة واحدة الى الاقداس فوجد فداء ابديا" (راجع خر29:28وعب9 :12) .

إنطلاقا من هذا المعنى , نستطيع ان نفهم الرسول بولس عندما يكتب لنا: "اننا اعضاء جسمه من لحمه ومن عظامه" (اف 30:5). وإنطلاقاً من هذا المعنى ايضا نستطيع ان نفهم الكتاب عندما يقول أن هناك آدمين."آدم الانسان الاول تراب من الارض , وآدم الانسان الاخير الرب من السماء" ( 1كو 45:15)

لقد حملنا آدم الأول في جسده, ونلنا ما ناله من عقاب في عدم حفظه الوصية في جنة عدن. وهكذا المسيح ايضا كآدمٍ ثانٍ , فقد حمل شعبه في جسده من جديد , وسار به تلك المرحلة الصعبة, وهي حفظ الوصية. التي عجز آدم وجميع نسله البشر عن حفظها. وقد وصفها الرسول بطرس بقوله,"حملٌ ثقيلٌ, لم يستطع آباؤنا ولا نحن ان نحمله" (راجع اع10:15). وقد سار بنا المسيح حافظاٌ الناموس بأكمله كل الطريق الى صليب الجلجثة. وهناك متنا بموته وقمنا بقيامته ( راجع كو20:2و1:3). وها نحن الآن" نخلص بحياته" (راجع رو10:5). فهو لم يزل حيًا فينا ونحن أحياء فيه. يقول الرسول: "متى أُظهر المسيح حياتنا حينئذ تظهرون انتم ايضا معه في المجد"( كو3:3و4) الخ.

إن المسيح قد حفظ الناموس عنَّا بكاملهِ عندماكان في الجسد على الارض. بل هو الوحيد الذي استطاع كانسانٍ ان يحفظه بين كل الانبياء والبشر. قال الرب ذات يوم لليهود المحيطين به : "من منكم يبكتني على خطية". فلم يستطع احد ان ينبسَ ببنتِ شفة (يو45:8). ورسول العبرانيين يخاطبه كما خاطبه غيره من الانبياء بقوله : "احببت البر وابغضت الاثم" (عب9:1ومز7:45واش53 :9)الخ.

وجسد المسيح هذا, هونحن المؤمنين باسمه . فعندما سُمِرَ جسد المسيح على الصليب كنَّا فيه. فأنه مكتوبٌ : "مع المسيح صلبت فأحيا لا انا بل المسيح يحيا فيَّ " (غل 19:2و20). وعندما مات المسيح على الصليب كنا نحن جسده المائت. فانه مكتوبٌ :"وانتم ايضا قد متُّم للناموس بجسد المسيح لكي تصيروا لآخر للذي أُقيم من الاموات لنثمر لله " (رو4:7).

فان المسيح كانسان كان قد حفظ الوصية واكملها في حياته البشرية على الارض , عندها استطاع ان يقول كلمته الاخيرة وهو على الصليب, قد أُكمل واعمض عينيه وأسلم الروح, وانتهى أمر الفداء. وقد قام في اليوم الثالث من الموت بارًّا لكي يستطيع ان يبرركثيرين ( رو 15:5-19).

وان الرب قال لليهود مطمئناً : "لا تظنوا اني جئت لانقض الناموس والانبياء .ما جئت لانقض بل لاكمل. فاني الحق اقول لكم الى ان تزول السماء والارض لا يزول حرف واحد او نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل" (مت17:5و18) . وهذا الكل الذي يختص بحقوق الناموس ومطلبه العادل من الانسان, كان الرب قد أكمله في حياته على الارض وعلى الصليب. للفداء والتكفير عن الخطية.

يسأل ايوب رفاقه الثلاثة قائلا :"من يخرج الطاهر من النجس" ؟ (أي4:14) . وقال ايضا : "من هو الانسان حتى يزكو او مولود المرأة حتى يتبرر. هوذا قديسوه لا يأتمنهم والسموات غير طاهرة في عينيه. فبالحري مكروه وفاسد الانسان الشارب الاثم كالماء "(أي 14:15). وسأل ايضا اليس بيننا مصالح يضع يده على كلينا" ؟ (أي33:9).

ولكن ايوب عندما رأى مسبقاً, آلام المسيح الفدائية على الصليب (اقرأ أي ص 16) عندها كتب في سفره , بلسان صديقه اليهو, عن قيمة فداء الانسان الخاطي فوصفه بقوله : " إن وجد عنده مرسل وسيط واحد من ألف ليعلن للانسان استقامته, يترأف عليه ويقول اطلقه عن العبور الى الحفرة قد وجدت فدية . يصير لحمه أغض من لحم الصبي ويعود الى ايام شبابه. يصلي الى الله فيرضى عنه ويعاين وجهه بهتاف فيرد الى الانسان بره. يُغنِّي بين الناس فيقول قد اخطأت وعوَّجت المستقيم ولم أجازى عليه. فدى نفسي من العبور الى الحفرة فترى عيناي النور" (اي23:33-28)الخ.

انطلاقاً من هذا المقطع الصغير الذي قرأناه من سفر أيوب بالذات : نستطيع ان نسأل نفوسنا والآخرين ايضا, الذين لا يثقون في خلاص المسيح الكامل على الصليب, والآني المجاني. نقول لمثل هؤلاء : ان كان هذا الانسان الخاطي, بعد ان استحصل على وساطةٍ هي واحدٍ من الف كما قرأنا اعلاه , وذلك بعد ان أخطأ وعوج المستقيم استطاع ان يغني بين الناس ويقول قد أخطأت وعوجت المستقيم ولم أجازى عليه. فدى نفسي من العبور الى الحفرة فترى عيناي النور. فبالاحرى كثيرا جدا ان نُغنِّي نحنُ الذين لنا وسيط كامل, وشفيع دائم , هو الرب يسوع المسيح, وقد فدى نفوسنا. ليس من العبور الى الحفرة فقط, بل من العبور الى جهنم ذاتها.

ان المعنى الاعمق في هذا يكمن في اننا نحن اعضاء جسد المسيح الفادي , مبررين نظيره. فقد حفظنا به الناموس بكامله دون لائمة. ونلنا رضى الآب القدوس بابنه يسوع المسيح. "الذي صار لنا من الله حكمة وبرًّا وقداسة وفداء" ( 1كو30:1). وإننا الآن قديسون مئة بالمئة . ومتأكدون من اننا ذاهبون مع رأسنا المسيح ,الىالمجد الابدي. الذي سبق واعده لنا من قبل تأسيس العالم .لاننا نحن فيه وهو فينا وبتعبير رسوليٍّ اوضح . لقد اصبحنا مع رأسنا المسيح مسيحاً واحدا فقط لا غير. "لاننا بعد ان قبلنا فدائه وكفارته على الصليب اصبحنا اعضاء جسمه من لحمه ومن عظامه"(اف 30:5).

وقد أعلنها الرب يسوع المسيح لتعزيتنا في حديثه مع الآب قائلا : "ولست اسأل من اجل هؤلاء فقط"- مشير بعبارة هؤلاء الى تلاميذه الرسل- " بل أيضا من اجل الذين يؤمنون بي بكلامهم . ليكون الجميعُ واحدًا كما انكَ انت ايها الآب فيَّ وانا فيك ليكونوا هم أيضا واحدًا فينا ليؤمن العالم انكَ أرسلتني وانا قد اعطيتهم المجد الذي اعطيتني ليكونوا واحدا كما اننا نحن واحد. انا فيهم وانت فيَّ ليكونوا مكملين الى واحد وليعلم العالم انك ارسلتني واحببتهم كما احببتني" يو20:17-23).

لقد صلى الرب يسوع المسيح هذه الصلاة الشفاعية ليس من أجل رسله فقط كما قرأنا اعلاه, بل من أجل الذين يؤمنون به بكلامهم "(العدد20). وقد صلى ايضا قائلا: "ايها الآب أريد ان هؤلاء الذين اعطيتني يكونون معي حيث اكون انا لينظروا مجدي الذي اعطيتني لانك احببتني قبل انشاء العالم" (راجع يو17 :24).

ان ما جاء في صلاة الرب يسوع المسيح الشفاعية لاجلنا, لمما يبهجنا ويعزي نفوسنا, ويُطمئِنُنا من اننا ذاهبون الى المجد الابدي مع سيدنا المسيح , دون شك اوخوف من ابالسة الجحيم وعملائهم, في هذا العالم. باتِّهامنا باطلا بالادعاء والكبرياء. فان المؤمن الحقيقي وهو في المسيح يسوع, يستطيع ان يعلنها على الملا, بكل اعتزاز وافتخار وفم مفتوح, وأعطاء المجد للرب أنه قديس . وهو ذاهب الى المجد الابدي مع رأسه المسيح. آمين ثم آمين .

القداسة التي بدونها لن يرى احد الرب

لنلاحظ هنا : فانه مكتوب : "كونوا قديسين لاني انا قدوس" (لا26:20و1بط15:1) . ومكتوب ايضا: "اتبعوا السلام مع الجميع والقداسة التي بدونها لن يرى احد الرب, ملاحظين لئلا يخيب احد من نعمة الله" (عب 14:12و15).

وقد انذر الرب يسوع المسيح تلاميذه قائلا : "فاني اقول لكم انكم ان لم يزد بركم على الكتبة والفريسيين لن تدخلوا ملكوت السموات" (مت20:5). واخيرا يقول الرب ابضا "فكونوا انتم كاملين كما ان اباكم الذي في السموات هو كامل" (مت 48:5).

هنا يبرز أكثر من سؤال واحد: ماذا يترتب علينا عمله لكي نكون قديسين ويزيد برنا على الكتبة والفريسيين. او ما معناه ان نكون كاملين كما ان ابانا الذي في السموات هو كامل لكي نستطيع ان ندخل ملكوت السموات ونعاين الله ؟ . سوى ان نموت للناموس بجسد المسيح لكي نصير لآخر للذي قد اقيم من الاموات لنثمر لله "(راجع رو 4:7), وهذا ما فعله الرسول بولس وسائر الرسل القديسون ايضا. فاننا نقرأ ان الرسول بولس, وهو الذي ادَّعى قبلا ,عندما كان تحت الناموس, انه بلا لوم. أماعندما تعرف بولس على الرب صرَّح قائلا :" ما كان لي ربحا فهذا قد حسبته لاجل المسيح خسارة ". وزاد قائلا: "اني احسب كل شيء خسارة من اجل فضل معرفة المسيح يسوع ربي" (راجع في (6:3-10).

ويزيد ايضا موضح فيقول: "لانه لما كنا في الجسدكانت اهواء الجسد تعمل في اعضائنا لكي نثمرللموت واما الآن فقد تحررنا من الناموس . اذ قد مات الذي كنا ممسكين فيه حتى نعبد بجدة الروح لا بعتق الحرف".(راجع رو5:7و6)).

وان سأل سائلٌ لماذا ناموس موسى إذاً ؟ . لمثل هذا الانسان, يجاوب الرسول نفسه : "قد زيد بسبب التعديات الى ان يأتي النسل, الذي قد وُعد له مرتَّباً بملائكة بيد وسيط" (غل19:).

كنا محروسين تحت الناموس مغلقا علينا

يتابع الرسول بارشاد الروح القدس فيقول : "لانه لو اعطي ناموس قادر ان يحيي لكان بالحقيقة البر بالناموس. لكن الكتاب أغلق على الكل تحت الخطية ليعطي الموعد من ايمان يسوع المسيح للذين يؤمنون. ولكن قبلما جاء الايمان كنا محروسين تحت الناموس مغلقا علينا الى الايمان العتيد ان يعلَن. إذاً قد كان الناموس مؤدبنا الى المسيح لكي نتبرر بالايمان . ولكن بعدما جاء الايمان لسنا بعد تحت مؤدب. لانكم جميعا ابناء الله بالايمان بالمسيح يسوع. لأن كلكم الذين اعتمدتم بالمسيح قد لبستم المسيحفان كنتم للمسيح فأنتم إذاً نسل ابراهيم وحسب الموعد ورثة" (راجع غل19:3-29).

يا أباَ الآب

ان المعرفة الخاطئة التي وصلت الينا عن الله في القديم, مع عدم اللجوء الى كتبه وأنبيائه لكشف الحقائق, قد جعلت من الله مجهول الهوية . فأصبحنا نتصور الله الكلي القدرة والغير منظور, هو إله مخيف لدرجةٍ ان البعض من البشر ابتدأوا يقدمون اولادهم ذبائح لمرضاته. اما الان إذ ارسل الله ابنه الوحيد وكلمته الى العالم, فقد تبلورت الامور وأُعلنت الحقائق الالهية للبشر. فان هذا الاسم المخيف الله, الكلي القدرة, ساكن الاعالي, قد اصبح بالنسبة لنا, اسما محبوبا. انه الآب المحب الكلي القدرة. القريب من الذين يدعونه بالحق. لدرجةٍ فيها نستطيعُ ان نصرخَ اليه مع ابنه الوحيد, قائلين : "يا أباَ الآب" (راجع إنجيل مرقس36:14). وقد نُقلت إلينا هذه العبارة "يا أباَ الآب",كما جاءت أصلا في اللغة الآرامية لإطمئناننا. لأنها تحمل معنىً للأبوةِ والبنوةِ لا يوجد في اللغات الآخرى.جميعها لهذا نفلت كما هي الى كل البشر. ويقول الوحي المقدس ايضا: "ثم بما انكم ابناء أرسل الله روح ابنه إلى قلوبكم صارخا يا أباَ الآب" (راحع ايضا الانجيل غل6:4).

لقد اختبرنا بالمسيح, ان الله المخيف الكلي القدرة, اسمه الآب المحب الكلي القدرة. ففي ظهور ابنه في الجسد قد انتفى الخوف وبطل القول انه الاله المخيف الغير منظور. وقد اصبحت علاقتنا مع الهنا متبادلة. فبدلا من ان يخيفنا هو اصبحنا نخافه نحن. وهكذا فقد اصبحت العلاقات المسيحية مع الله قوية مبنية على حب متبادل. يقول المسيح في صلاته الشفاعية لاجلنا: "انا أظهرت اسمك للناس الذين اعطيتني من العالم "كانوا لك فاعطيتهم لي وقد حفظوا كلامك...من أجلهم أنا أسأل.لست أسأل منأجل العالم بل من أجل الذين أعطيتني لأنهم لك...أيها الآب القدوس إحفظهم في إسمك ال>ي أعطيتني الذين اعطيتني ليكوزوا واحدا كما نحن...لست أسأل أن تأخذهم من العالم بل أن تحفظهم من الشرير...قدسهم في حقك.كلامك هو حق.كما أرسلتني إلى العالم أرسلتهم أنا إلى العالم...ولست أسأل من أجل هؤلاء فقط بل ايضا من أجل الذين يؤمنون بي بكلامهم.ليكون الجميع واحدا كما إنك أنت أيها الآب فيَّ وأنا فيك ليكونوا هم أيضا واحدا فينا ليؤمن العالم إنك أرسلتني.وأنا قد أعطيتهم المجد الذي أعطيتني ليكونوا واحدا كما إننا نحن واحد.أنا فيهم وأنت فيَّ ليكونوا مكملين إلى واحد وليعلم العالم إنك أرسلتني وأحببتهم كماأحببتني.أيها الآب أريد أن هؤلاء الذين أعطيتني يكونون معي حيث أكون أنا لينظروا المجد الذي أعطيتني لأنك أحببتني قبل إنشاء العالم.أيه الآب البار إن العالم لم يعرفك.أما أنا فعرفتك وهىلاء عرفوا أنك أنت أرسلتني". ويختتم الرب المسيح صلاته لأبيه السماوي بقوله:"وعرَّفتهم اسمك وسأعرِّفهم ايضا ليكون فيهم الحب الذي احببتني به وأكون أنا فيهم" (يو6:17).(راجع انجيل يو6:17-26 ) .

الذين سبق الله فعرفهم سبق فعينهم

إن الاختيار المسبق من قبل الله للانسان المؤمن بالمسيح, لهو من أعظم مواضيع الكتاب المقدس واخطرها على الاطلاق . وهو ايضا الموضوع الذي قد أسيء فهمه من الكثيرين الى هذا اليوم , وقد اضل الكثيرين ايضا. فعلاوة على اتهام الله,من غير المؤمنين, بالمحاباة واللامبالات وهو منزه عنها سبحانه. نراهم ايضا ينسبون اليه القساوة وعدم المحبة والشفقة , وهو المحب الرحوم. اذ يعتبرون انه ما دام امر اختيار المخلصين بالمسيح يرجع لله الذي اختارهم قبل تأسيس العالم , وليس للانسان, فلماذا يلوم بعد ؟؟. وما هو ذنبنا ؟. لانه من يقاوم مشيئته. إذا هو يرحم من يشاء ويقسي من يشاء (راجع رو18:9و19).

ولكن اذ نأتي الى نوركلمة الله وإعلاناته, نرى ان للانسان الدور الرئيسي في هذا الاختيار المسبق من الله . فاننا نقرأ في رسالةرومية الاصحاح الثامن : "ان الذين سبق الله فعرفهم سبق فعينهم ليكونوا مشابهين صورة ابنه ليكون هو بكرا بين اخوة كثيرين . والذين سبق فعينهم فهؤلاء دعاهم ايضا. والذين دعاهم فهؤلاء بررهم ايضا وحده. والذين بررهم فهؤلاء مجدهم ايضا" (راجع رو28:8-30).

ففي هذا الإطار , نرى ان الامر يرجع بالكلية الى الناس الذين يريدون, او لا يريدون, ان يكونوا مشابهين صورة ابنه وليس لله نفسه."الذي يريد ان جميع الناس يخلصون والى معرفة الحق يقبلون"(1تي4:2). "ومكتوب ايضا: "لانه هكذا احب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الابدية. لانه لم يرسل الله ابنه الى العالم ليدين العالم بل ليخلص به العالم" (راجع يو 14:3-21).

بالنتيجة نرى في النهاية, ان اللائمة كلها تقع على الانسان وليس على الله, بحجة معرفته المسبقة لاولاده المخلَّصين بالمسيح. فاننا قد قرأنا اعلاه: ان الذين سبق الله فعرفهم سبق فعينهم., وقد جاء المسيح ليجمع هؤلاء الذين رأى انهم سيتجاوبون مع دعوة الله الى واحد (راجع يو52:11).

ويقول الوحي بلسان داود مخاطب الرب: "لكي تتبرر في اقوالك وتزكو في قضائك"–(راجع مز4:51.أو "وتغلب متى حوكمت"(رو4:3) .

ومن جهة أخرى نرى ان الله في معرفته المسبقة للاحداث, يرينا من جديد محبته الفائقة لبني البشر وطول اناته عليهم .كما يكتب بذلك الرسول بطرس "ان الرب يتأنى علينا وهو لا يشاء ان يهلك أناس بل ان يقبل الجميع الى التوبة" (راجع 2بط9:3).

ومن جهة ثانية نرى ان هؤلاء الناس الذين يتأنى الرب عليهم , هم الذين يرى في علمه السابق , ان من نسلهم سيأتي بعد اولادا يصيرون بايمانهم مشابهين لصورة ابنه يسوع المسيح, فتكون اسمائهم ايضا منذ القديم, قذ كتبت ايضا في سفر الحياة . وان الله من شدة محبته للبشر يتأنى على الكل الى مجيئه. وإرادته ان الجميع يخلصون والى معرفة الحق يقبلون (تي4:2) الخ.

وهذا الاختيار المسبق من الله للمولودين ثانية بالمسيح آدم الثاني والاخير, فهو اختيار ابدي لميراث حي , "لا يفنى ولا يتدنس ولا يضمحل محفوظ في السموات لاجلنا" (راجع1بط3:1-5).

في هذا ايضا قال الرب : "خرافي تسمع صوتي وانا اعرفها فتتبعني. وانا اعطيها حياة ابدية ولن تهلك الى الابد ولايخطفها احد من يدي" (يو27:10-28). وقال ايضا لمرثا اخت لعازر الميت : "انا هو القيامة والحياة من آمن بي ولو مات فسيحيا. وكل من كان حيا وآمن بي فلن يموت الى الابد. اتؤمنين بهذا,قالت له مرثا نعم يا سيد". فيا ليت جميع الناس يأتون الى الرب, فيكون لهم هذا التأكيد بالرجاء المبارك, فيصرخون من كل قلوبهم مع مرتا: نعم يا سيد نؤمن بهذا (راجع يو23:11-27).

وقد قال الرب ايضا : "لأن هذه هي مشيئة الذي ارسلني ان كل من يرى الابن ويؤمن به تكون له حياة ابدية وانا اقيمه في اليوم الاخير" (يو40:6).

يكتب يوحنا في رسالته مزيدا لتعزيتنا وانذارنا في آن واحد فيقول:"من يؤمن بابن الله فعنده الشهادة في نفسه . من لا يصدق الله فقد جعله كاذبا لانه لم يؤمن بالشهادة التي قد شهد بها الله عن ابنه. وهذه هي الشهادة ان الله اعطانا حياة ابدية وهذه الحياة هي في ابنه. من له الابن فله الحياة ومن ليس له ابن الله فليست له الحياة" (1يو10:5-12).

ان المؤمن الذي ولد ثانية من المسيح, آدم الجديد, وتُبنِّيِّ للآب السماوي سبحانه, سوف لا يخسر بنوته وميراثه الابديين مطلقاً. فانه لهذا قد جاء ابن الله, لفداء الانسان وإعطائه تأكيدا بالحياة الابدية لكل من يؤمن به . هذا ما تصرح به كلمة الله الأمينة الصادقة .

حياة جديدة افضل

فان المؤمن الذي مات ودفن مع المسيح , فقد قام معه الى حياة جديدة افضل (راجع رو1:6-14). واصبح تحت تبكيت الروح القدس وارشاده المباشر. بعيدا كل البعد عن الحياة القديمة. التي كان فيها تحت وصايا موسى وفرائضه ولعنته (راجع تث ص27و28), وقدكانت بجملتها موضوعة الى وقت الاصلاح (راجع عب 9 :10 و10: 22). فان كل ما جاء به ناموس موسىكان موقوتا بمجيء المسيح (راجع عب 13:9و14). لهذا يكتب الرسول بولس : "اذاً قد كان الناموس مؤدبنا الى المسيح لكي نتبرر بالايمان. ولكن بعد ما جاء الايمان لسنا بعد تحت مؤدب" (غل24:3-25).

البعض منطبيعة ناموس موسى وعمله

يشرح الرسول بولس شيئا عن طبيعة الناموس وبعضا من عمله في كلمة الله فيقول. "لان بالناموس معرفة الخطية"(رو20:3). وقوله ايضا "لان الناموس ينشيء غضبا إذ حيث ليس ناموس ليس ايضا تعد"ٍ ( رو15:4)."وان الخطية لا تحسب ان لم يكن ناموس" (13:5).وقوله ايضا:"واما الناموس فقد دخل لكي تكثر الخطية" (رو20:5). "وانه باعمال الناموس كل ذي جسد لا يتبرر امام الله". ولانه "لما كنا في الجسد كانت اهواء الخطايا التي بالناموس تعمل في اعضائنا لكي نثمر للموت. واما الآن فقد تحررنا من الناموس إذ مات الذي كنا ممسكين فيه حتى نعبد بجدة الروح لا بعتق الحرف".

وزاد الرسول الامر توضيحا فكتب : "لم اعرف الخطية الا بالناموس . فأنني لم اعرف الشهوة لولم يقل الناموس لا تشتهي. ولكن الخطية وهي متخذة فرصة بالوصية انشأت فيَّ كل شهوة. لان بدون الناموس الخطية ميتة. أما انا فكنت بدون الناموس عائشا قبلا ولكن لما جاءت الوصية عاشت الخطية فمت انا .فوجدت الوصية التي هي للحياة هي نفسها لي للموت. لان الخطية وهي متخذة فرصة بالوصية خدعتني بها وقتلتني ".

ويختم الرسول بقوله: "اذا الناموس مقدس والوصية مقدسة وعادلة وصالحة. ويسأل الرسول قائلا: فهل صار لي الصالح موتا .حاشا...بل لكي تصيرالخطية خاطئة جدا بالوصية (راجع رو5:7-11)..

لهذا يكتب رسول العبرانيين : "فانه يصير إبطال الوصية السابقة من اجل ضعفها وعدم نفعها. إذ الناموس لم يكمل شيئا.ولكن يصير إدخال رجاء افضل به نقترب الى الله" "وعلى قدر ذلك قد صار يسوع ضامنا لعهد افضل"(عب18:7-23).

ينتهي الرسول بالقول: "ان الخطية لن تسودكم لأنكم لستم تحت الناموس بل تحت النعمة" (رو14:6). ويتابع قائلا :" فماذا اذا . انخطيء لاننا لسنا تحت الناموس بل تحت النعمة. حاشافانكم لما كنتم عبيد الخطية كنتم احرارا من البر فأي ثمر كان لكم حينئذ من الامور التي تستحون بها الآن . لان نهاية تلك الامور هي الموت. واما الآن اذ اعتقتم من الخطية وصرتم عبيد لله فلكم ثمركم للقداسة والنهاية حياة ابدية" (رو 20:6).

في الرسالة الى كولوسي يكتب رسول الامم بولس ايضا : "واذ كنتم امواتا في الخطايا وغلف جسدكم احياكم معه مسامحا لكم بجميع الخطايا.اذ محا الصك الذي علينا في الفرائض الذي كان ضدا لنا وقد رفعه من الوسط مسمرا اياه بالصليب" (راجع كو12:2-15). وتابع الرسول قائلا: "فلا يحكم عليكم احد في اكل او شرب او من جهة عيد او هلال او سبت التي هي ظل الامور العتيدة واما الجسد فللمسيح. راغبا في التواضع وعبادة الملائكة متداخلا في ما لم ينظره منتفخا باطلا من قبل ذهنه الجسدي وغير متمسك بالراس الذي منه كل الجسد بمفاصل وربط متوازرا ومقترنا ينمو نموا من الله" (كو16:2-19).

ويتابع الرسول يؤكد شرطية موتنا وقيامنا مع المسيح , للانتقال من ملكوت الظلمة الى ملكوته, ناصح ايانا بعدم الاصغاء الى البشر فيقول : "اذاً ان كنتم قد متم مع المسيح عن اركان العالم فلماذا كانكم عائشون في العالم تفرض عليكم فرائض لا تمس ولا تذق ولا تجس. التي هي جميعها للفناء في الاستعمال.حسب وصايا وتعاليم الناس.التي لها حكاية حكمة بعبادة نافلة"-أي زائدة-"وتواضع وقهر الجسد ليس بقيمة ما من جهة اشباع البشرية" (كو20:2-23).

حياتنا هي مستترة مع المسيح في الله

يتابع الرسول : "فان كنتم قد قمتم مع المسيح فاطلبوا ما فوق حيث المسيح عن يمين الله. اهتموا بما فوق لا بما على الارض. لانكم قد متم وحياتكم مستترة مع المسيح في الله . متى أظهر المسيح حياتنا فحينئذ تظهرون انتم ايضا معه في المجد" (كو4:3-4) .

لهذا يحذرنا الرسول قائلا :"انظروا ان لا يكون احد يسبيكم بالفلسفة وبغرور باطل حسب تقليد الناس حسب اركان العالم وليس حسب المسيح" (كو8:2).

قد متم للناموس بجسد المسيح

واخيرا يكتب الرسول : "ان الناموس يسود على الانسان ما دام حياً. فان المرأة التي هي تحت رجل"-أي متزوجة برجل-"هي مرتبطة بالناموس"-اي بالزواج-"بالرجل الحي. ولكن ان مات الرجل فقد تحررت من ناموس الرجل. وهي حرة في ان تصير لرجل آخر(راجع رو3:7). يتابع الرسول: "اذا يا اخوتي انتم ايضا قد متم للناموس بجسد المسيح لكي تصيروا لآخر للذي اقيم من الاموات لنثمر لله" (راجع رو1:7-6).

فكأني بالرسول بولس في هذا المثل يريد ان يبيِّنَ لنا أننا بحسب الطبيعة نحن مرتبطون بناموس الله , الذي يمثل كماله وعدالته,كما ترتبط المرأة الأمينة بزوجها الأمين والقديس العادل . وان هذا الزوج بسبب صفاته الكاملة هذه, فهو يحاسب زوجته عن كل شاردة وواردة . وهذا الزواج حسبما يكتب الرسول هنا هو زواجٌ غير موفق البتة. بسبب ضعف الزوجة البشري , وهي تمثل الكنيسة, وقدسية الزوج الكامل, ويمثل بدوره ناموس الله الكامل.

فقد رأى الرسول ان زواجا كهذا سيقود حتماً, عاجلا ام آجلا, الى الهلاك الابدي . وقد رأى ايضا انه لا يمكن التحرر من هذا الزواج وفك روابطه , دون ان يموت احد الطرفين . وحيث ان ناموس الله, وهو يشير الى طبيعته وقداسته وعدله, لا يمكن ان يموت, فعلى الزوجة اذًا , وهي تمثل هنا كنيسة المسيح , ان تموت بجسسد المسيح وتقوم معه الى حياة افضل. تستطيع فيها ان تعيش وتثمر لله . بعيدة كل البعد عن زوجها الاول ,الناموس .

ينتهي هنا الرسول بالقول : "اذا يا اخوتي انتم ايضا قد متم للناموس بجسد المسيح لكي تصيروا لآخر للذي اقيم من الاموات لنثمر لله"(راجع رو1:7-6).

ان المعنى الاعمق في هذا يكمن في اننا, نحن المؤمنون بالمسيح , قد متنا للناموس بجسد المسيح. فقدحملنا المسيح كجسده, وسار بنا حافظٌ الناموس كل الطريق. الى صليب الجلجثة. حيث هناك صلبنا بصليبه ومتنا بموته.من ثم دفنا معه وقمنا بقيامته ابرارا كاملين وقديسين نظيره. لاننا جسده (رو25:4).

ففي هذه الحالة فقط نكون فديسين, لانه هو القدوس. وكاملين, لان ابانا الذي في السموات هو الكامل . ويكون برنا قد زاد اضعافا عن الكتبة والفريسيين الذين يدَّعون خطأ انهم بلا لوم امام الله والناس (راجع في (6:3).

وهذا العمل الذي قام به المسيح آدم الثاني والاخير,كان عمل رئيس الكهنة في عهد الناموس والهيكل الحرفي كرمز له, مع الفارق العظيم. اذ انه كان حاملا على الدوام شعب اسرائيل في شخصه. ممثلا بالجواهر الاثنتي عشر التي كانت مرصعة على صدرته وكتفيه, ويسير بها الى قدس الاقداس في هيكل الله. حيث هناك على غطاء تابوت العهد,يوجد كرسي الرحمة. هناك كان رئيس الكهنة يقدم البخور والدم للتكفير عن خطايا الشعب الذي يحمله . وهذه جميعها كانت رموزا تكلم عنها الانبياء وبلَّغتها الملائكة ونادى بها الرسل وحملت الانجيل وما يزالون الى اليوم الى مجيء الرب وانقضاء الدهر.

ابطل الموت وانار الحياة والخلود

ان الله من محبته قد خلصنا ودعانا دعوة مقدسة لا بمقتضى اعمالنا بل بمقتضى القصد والنعمة التي اعطيت لنا قبل الازمنة الازلية". ويتابع الرسول : "وانما قد اظهرت الآن بظهور مخلصنا يسوع المسيح الذي ابطل الموت وانار الحياة والخلود بواسطة الانجبل" (راجع2تي9:1و10).

ان هذه العبارة , ابطل الموت وانار الحياة والخلود هي وعد بالبقاء الابدي بالشركة مع الآب والآبن والروح القدس التي ليس بعدها فراق. لان الذي قبل المسيح مخلصاً قد اصبح واحدا في المسيح وخالدا نظيره . وسوف لا يعتريه فساد او سقوط او انفصال مطلقا (راجع رو38:8) الخ . قان الملائكة القديسين, وهم خدام الرب ومفدييه معرضون للسقوط عند القيام باي عمل لا يوافق مشيئة الله. اما نحن البشر اولاد آدم, فاننا خلقنا في الاصل على صورة الله ومثاله. وقد كشف لنا المسيح بفدائه العجيب عن هُويَّتنا الخالدة المفقودة وارجعها لنا

يكتب داود قي احدى ترنيماته عن المسيَّا وعهده الجديد فيقول: "الله قائم في مجمع الله.بين الآلهة يقضي". ويتابع في العدد السادس فيقول : "انا قلت انكم آلهة وبنو العلي كلكم. لكن مثل الناس تموتون وكأحد الرؤساء تسقطون" (راجع مز82).

في هذا يتكلم داود كعادته عن المسيح والكنيسة انها مجمع الله , والرب قائم يقضي في وسطها (راجع ايضا مز5:89-7ورؤ4:20)الخ. ويجتمع الرب فيها مع اخوته وابنائه البررة , الذين قد بررهم ودعاهم دعوة مقدسة وجعلهم آلهة نظيره.هذا, لأن المسيح في تجسده على الارض قد اشترك مع البشر في طبيعتهم, وشارك المؤمنين به في طبيعته,الآلهية الخالدة .

يكتب الرسول بطرس : "ان الله قد وهب لنا كل ما هو للحياة والتقوى بمعرفة الذي دعانا بالمجد والفضيلة, اللذين بهما قد وهب لنا المواعيد العظمي والثمينة لكي نصير بها شركاء الطبيعة الالهية " (2بط4:1).

ويرنم داود مخاطب اصله وذريته المسيح الملك فيقول:"السموات تحمد عجائبك يا رب-يهوه- وحقك ايضا في جماعة القديسين . لانه من في السماء يعادل الرب-يهوه-. من يشبه الرب بين ابناء الله. اله مهوب جدا في جماعة القديسين وحقك من حولك. انت متسلط على كبرياء البحر. عند ارتفاع لججه انت تسكنها" (مز 7:89-12).

فان المؤمن الحقيقي الذي تخلَّصَ مرة بالولاده الجديدة, من المسيح آدم الثاني والاخير, فلا خوف عليه البتة من ان يُحرم من ميراثه الابدي. فان وعود المسيح الصادقة والامينة كفيلة بان تقوي فينا كل ضعف بشري , وتحمينا من مكايد ابليس وفخاخه. ومن السنة الناس الغير مؤمنين وما شابه. فإن الرب هوالذي وعد وقال:"خرافي تسمع صوتي وانا اعرفها فتتبعني. وانا اعطيها حياة ابدية ولن تهلك الى الابد ولايخطفها احد من يدي" (يو27:10-28).

الله لا يرفض شعبه ولا يترك ميراثه

قد يضعف المؤمن المسيحي احيانا لسببٍ بشريٍّ معَّينٍ , ويحيد عن الطريق السويّ , ولكنَّ راعي الخراف العظيم , يحمله على كتفيه ويأتي به في كل مرة من جديد. وذلك, الى "سبعين مرة سبع مرات "(راجع مت21:18-22). تارة ينخسه نخسات التأديب الحنونة , وتارة اخرى بوسيلة حبية اخرى تكون اشد قساوة من تلك, ذلك لكي يرجعه الى طريق الحظيرة الضيق خوفا عليه من الضياع بين الكثيرين في الطريق الواسع . وان استمر هذا المؤمن في البعد عن القطيع واللامبالات , تأتي حينذاك الضربات الموجعات, والتأديبات القاسيات, والمرور في بوتقة النار والصعوبات. من عزلٍ من شركة القديسين, وضيقٍ بالروح المؤمنة, وما شابه ذلك.

فان المؤمن الروحي الصحيح, الذي ذاق العشرة مرَّة مع الرب, لا بد وان تحن احشائه, ويرجع اليه سريعا , قبل فوات الاوان. يقول داود :"طوبى للرجل الذي تأدبه يا رب وتعلمه من شريعتك, لتريحه من ايام الشر لان الرب لا يرفض شعبه ولا يترك ميراثه (راجع مز12:94-14).

تأديباً يأدبني الرب والى الموت لا يسلمني

فانه مكتوب : لانه قد وضع للناس ان يموتوا مرة ثم بعد ذلك الدينونة (عب 27:9). لهذا يسمح الرب بتأدبنا في هذه الحياة, لكي نشترك في قداسته . لئلا يداهمنا الموت فندان ساعتئذ مع الناس وبئس المصير. لذا يقول داود : "تأديباً يأدبني الرب والى الموت لا يسلمني" (مز 18:118).

يتكلم الرب مع نبيِّهِ داود مؤكد صدق مواعيده له وانها ثابتة الى الدهر والابد فيقول: "الى الدهر احفظ له رحمتي وعهدي يثبَّتُ لهان ترك بنوه شريعتي ولم يسلكوا باحكامي, ان نقضوا فرائضي ولم يحفظوا وصاياي, افتقد بعصا معصيتهم وبضربات إثمهم. أما رحمتيفلا انزعها عنه ولا اكذب من جهة امانتي. لا انقض عهدي ولا اغير ما خرج من شفتيَّ " (راجع مز30:89-37)الخ.

كما في العهد القديم كذلك في الجديد ايضا

واذ ننتقل الى العهد الجديد نرى ايضا بعضا من هذه الامراض الروحية الخبيثة والضعفات. والرقاد الروحي احيانا بين اولاد الله. ونرى معها ايضا تأديبات الله الصارمة وإنذاراته, ونتائجها المفرحة احيانا. فاننا في وسط الغيوم السوداء نرى الشمس المشرقة للانسان المؤمن, حتى لا يفقد الامل من خلاصه, في هذا المشوار الطويل احيانا.

كتب الرسول بولس الى كنيسة كورنثس : حسب نعمة الله المعطاة لي كبناء حكيم قد وضعت اساسا وآخر يبني عليه. ولكن فلينظركل واحد كيف يبني عليه. فانه لا يستطيع احد ان يضع اساسا آخر غير الذي وضع الذي هو يسوع المسيح. ولكن ان كان احد يبني على هذا الاساس ذهبا فضة حجارة كريمة خشبا عشبا قشا فعمل كل واحد سيصير ظاهرا لان اليوم سيبينه. لانه بنار يستعلن وستمتحن النار عمل كل واحد ما هو. ان بقي عمل أحد قد بناه عليه فسيأخذ أُجرة . ان احترق عمل احد فسيخسر واما هو فسيخلص ولكن كما في نار (1كو10:3-15).

وإن الرسول بولس بعد ان سمع ان هناك خطيئة شنيعة في الكنيسة عينها,كورنثوس , يكتب الى المسئولين فيها فيقول: "كان ينبغي مثل هذا ان يسلم الى الشيطان لهلاك الجسد لكي تخلص الروح في يوم الرب" (راجع 1كو5:6). أي كان ينبغي لمثل هذا الانسان المؤمن , ان يُقطع وقتيا من الشركة المسيحية الروحية, ويُسلَّمُ من جديد الى العالم ورئيسه, الشيطان" (يو 12: 31). الى ان يعود الى نفسه بعد تأديبه من الرب وتوبته فتخلص الروح في يوم الرب. الا ان هذا الانسان يكون قد خسر فرحه المسيحي والشركة الاخوية في حضرة الرب لبعض الوقت. وهذه ستكون له سببا رئيسيا لخجله في يوم المسيح .يكتب الرسول يوحنا والآن ايها الاولاد اثبتوا فيه حتى اذا اظهر يكون لنا ثقة ولا نخجل منه في مجيئه. ان علمتم انه بار هو فاعلموا ان كل من يصنع البر مولود منه "(1يو 28:2)

اعرف انسانا قد وصل الى هذه الحالة من الضعف والموت الروحي . وعندما قطعته الكنيسة بكى ورجع في الحال الى الرب, والى الشركة مع الاخوة.

وقد وبخ الرسول بعضا من هؤلاء , في الكنيسة المذكورة,كورنثس, لسوء استعمالهم فريضة العشاء الرباني إذ يقول لهم: "من اجل هذا فيكم كثيرون ضعفاء ومرضى وكثيرون يرقدون"-أي فاترين ومائتين روحياً-." ويتابع الرسول: لاننا لوكنا قد حكمنا على انفسنا لما حكم علينا. ولكن اذ قد حكم علينا نؤدب من الرب لكي لا ندان مع العالم" (1كو30:11و31).

ان الذي يحبه الرب يؤدبه

يكتب صاحب رسالة العبرانيين الى الضعفاء والمرضى في الكنائس المسيحية, وبنوع خاص الى اليهود منهم فيقول: "قد نسيتم الوعظ الذي يخاطبكم كبنين يا ابني لاتحتقر تأديب الرب ولا تخر اذا وبخك. وان الذي يحبه الرب يؤدبه ويجلد كل ابن يقبله. إن كنتم تحتملون التأديب يعاملكم الله كالبنين.فإي ابن لا يأدبه أبوه. ولكن ان كنتم بلا تأديب قد صار الجميع شركاء فيه فانتم نغول لا بنون .ثم قد كان لنا آباء لأجسادنا مؤدبين وكنا نهابهم. افلا نخضع بالاولى جدا لابي الارواح فنحيا.لان أُولئك أدبونا اياما قليلة حسب استحسانهم.وأما هذا فلأجل المنفعة لكي نشترك في قداسته.ولكن كل التأديب في الحاضر لا يرى انه للفرح بل للحزن. وأما أخيرا فيعطي الذين يتدربون به ثمر بر للسلام" .يتابع رسول العبرانيين يقول : "لذلك قَوِّموا الايادي المسترخية والركب المخلَّعة. واصنعوا لارجلكم مسالك مستقيمة لكي لا يعتسف الاعرج بل بالحري يشفى" . راجع الرسالة الى العبرانيين (4:12-15).

ويكتب يوحنا الرسول بدوره الى المؤمنين بالمسيح مشجع فيقول:"وهذا هو الوعد الذي وعدنا هو به الحياة الابديةوالآن ايها الاولاد اثبتوا فيه حتى اذا أظهر يكون لنا ثقة ولا نخجل منه في مجيئه. ان علمتم انه بار هو فاعلموا ان كل من يصنع البر مولود منه" (راجع 1يو24:2-29).

نستنتج من هذا , ان المؤمن المسيحي المولود ثانية من فوق, من آدم الأخير , والعائش في المسيح, لا خوف عليه البتة . فهو في حرز حريز ويد أمينة من جميع نواحي حياته.حاضراً ومستقبلا. فهو عضوٌ في جسد الرب وَممْسوكٌ في يده. وحيثما يكون الرب فهو ايضاً.

نقرأ في كلمة الله ان نوحا عندما كان وعائلته في الفلك, وقد انصبَّت عليه جميع تيارات غضب الطبيعه واحاطت به من كل جانب , كان بمنجات من كل شر. وخرج اخيراً سالما منتصراً مع الذين معه. فان الدينونة جميعها قد انصبَّت على الفلك وليس على سكانه. هكذا نحن ايضا ما دمنا في المسيح يسوع. فان كل الدينونة طمت عليه. قال يسوع متكلم بلسان داود : "غمر ينادي غمراً عند صوت ميازيبك .كل تياراتك ولججك طمت علي"(مز:43).

ان فداء المسيح وكفارته التي صنعها بنفسه على الصليب, وما جاء في صلواته الشفاعية لاجلنا, مما يعزي نفوسنا ويُطمئِن قلوبن من اننا ذاهبون الى المجد الابدي. دونخوفٍ او شكٍّ من ابالسة الجحيم او عملائهم في هذا العالم. الذين لا يصدقون الله ووعوده الصادقة الامينة. بإتِّهامناباطلا بالادعاء والكبرياء. عندما نعطي المجد للرب ونشهد امام الآخرين, اننا مخلصون بنعمته وفدائه وذاهبون الى المجد. يكتب الرسول يوحنا"من لا يصدق الله فقد جعله كاذبا (يو10:5) فان المؤمن الحقيقي وهو في المسيح يسوع , يستطيع بكل فخرٍ وقلبٍ فَرِح وفمٍ مفتوح, ان يعلنها على الملا, وهو مرفوع الرأس , أنه قديس مئة بالمئة. وهو ذاهب مع المسيح الى مجده الاسنى فانه مكتوب:"ومتىأُظهرَ المسيح حياتنا حينئذ تظهرون انتم ايضا معه في المجد (كو4:3). وقال الرب يسوع ايضا مطَمْئِناً تابعيه : "انا امضي لاعد لكم مكانا. وان مضيت واعددت لكم مكاناً آتي ايضا وآخذكم اليَّ حتىحيث اكون ُاناتكونون انتم ايضًا" (يو3:14). وقدصلَّىالرب ايضاًكإنسان الى ابيه قائلاً: ايها الآب أريد أن هؤلاء الذين أعطيتني يكونون معي حيث أكون أنا لينظروا مجدي الذي أعطيتني لانك أحببتني قبل إنشاء العالم. (يو 24:17). آمين ثم آمين

رجوع