مدخل إلى العهد الجديد

+ مرت كلمة إنجيل (Euaggelion) في استعمالها التاريخي على ثلاث مراحل:

1- في كتابات المؤلفين اليونانيين القدامى وكانت تعني (المكافأة على نقل أخبار طيبة) وكذلك كانت تعني (تقدمة شكر على أخبار طيبة منقولة).

2- في كتابات المؤلفين اليونانيين المتأخرين أضحت تعني (الأخبار الطيبة نفسها).

3- وأخيراً كانت تستخدم لتشير إلي الكتب التي تتضمن تاريخ حياة السيد المسيح.

+ وتستعمل كلمة إنجيل بكثرة في كتابات العهد الجديد في المعني الثاني للكلمة أي لتشير إلي أخبار الله الطيبة أو إلي رسالة الخلاص.

+ وأول استعمال للكلمة لتدل على بشارة مكتوبة قد ورد في كتاب تعليم الرسل الأثني عشر) (أنظر3: 15). وفي حوالي منتصف القرن الثاني للميلاد استعملت الكلمة بشكل قاطع وبتكرار لتشير إلي القصة المكتوبة عن حياة السيد المسيح.

+ أما الكلمة في حالة الجمع ((Euaggelia لتشير إلي البشائر الأربع فقد استخدمت لأول مرة عند يوستينوس الشهيد في حوالي سنة152م. وتذكر كلمة إنجيل في رسائل الرسول60مرة كما يستعمل الفعل (يبشر) في رسائله.

+ أما القديس يوحنا فهو يستعملها فقط في سفر الرؤيا{مره واحده يستعمل الاسم ومرتين يستعمل الفعل في صيغة المبني للمعلوم}.

والقديس لوقا يستعمل الفعل كثيراًَ ولكن لا يستعمل الاسم إلا على لسان بولس وبطرس في سفر الأعمال (أع7: 15 + 24: 20).

2- عدد البشائر كما تعترف وتقر به الكنيسة:

+ لقد شهد القرن الأول الميلادي عدداً كثيراً من الكتب المزورة التي حملت اسم (إنجيل) كنوع من التضليل أو التمويه.

+ غير أن الكنيسة شجبت هذه الكتب ولم تعترف إلا بالبشائر الأربع الموجودة بين أيدينا وهي الإنجيل للقديسين متى ومرقس ولوقا ويوحنا. ومن بين هذه الكتب التي رفضتها الكنيسة وإن كانت قد حملت في عناوينها لفظ الإنجيل.

نذكر الأتي:

+ إنجيل العبرانيين – إنجيل الاثني عشر – إنجيل المصريين- إنجيل بطرس – إنجيل متياس إنجيل مريم – إنجيل زكريا أبو يوحنا المعمدان – إنجيل فيلبس – إنجيل يعقوب – إنجيل نيقوديموس إنجيل متى المزور – إنجيل تاريخ يوسف – إنجيل توما – إنجيل باسيليوس – إنجيل برثولماوس إنجيل يهوذا الأسخريوطي – إنجيل إندراوس – إنجيل يعقوب بن زبدي – الإنجيل الأبدي (1).

وفي القرون الوسطي ظهر كتاب مزور يحمل اسم (إنجيل برنابا).

+ أما بالسبة للأناجيل الأربعة التي نعترف بها فقد كان الآباء الرسوليون يقتبسون من هذه الأناجيل وإن كانوا لا يبشرون إلي أسماء وإلي عددها وهذه الاقتباسات من قبل الآباء الرسوليين تشهد لصحة مادة الإنجيل ولقانونيته وإن كانت لا تشهد – إلا بطريق غير مباشر – لعدد البشائر.

+ ومما يشهد على أن الأناجيل التي اعترفت بها الكنيسة هي الأناجيل الأربعة التي بين أيدينا الآن إن الترجمة السريانية المسماة بالبشيتو لم تضم غير هذه الأناجيل. وترجع هذه الترجمة إلي النصف الأول من القرن الثاني. وثمة شهادة ثالثة نستند فيها إلي وثيقة (موراتورى) وهي وثيقة قديمة ترجع إلي حوالي سنة170م وإن كانت قد اكتشفت حديثاً وهي لا تشير إلي أكثر من هذه الأناجيل الأربعة ومن أهم الشهادات عن عدد الأناجيل شهادة تاتيان في كتابة (الدياتسرون) وهو كتاب يضم الأربعة أناجيل ويكشف عن التناسق الموجود بينها وهذا الدياتسرون يحدد من ناحية عدد الأناجيل بأربعة ومن ناحية أخري يكشف عن وحده هذه الأناجيل وإنها ليست في الواقع أكثر من إنجيل واحد وإن الحديث عنها كأربعة أناجيل ليس هو ألا من باب التوسع.

ويترجم هذا الكتاب بالرباعي. وقد أشار يوسابيوس إلي مؤلف تاتيان وقال في ذلك (على أن مؤسس شيعتهم الأصلي – أي شيعة الانكراتيين جمع مجموعة من الأناجيل لست أدري بأي كيفية – وأطلق عليها اسم دياتسرون (أي مكون من أربعة). وهي لا تزال في أيدي البعض). (يوسابيوس القيصري: تاريخ الكنيسة 29: 4- ترجمة القمص مرقس داود).

+ ونضيف إلي الشهادات السابقة شهادة إيريناوس وشهادة ترتليانس. وأما بالنسبة لإيريناوس فقد كان تلميذ بوليكاربوس الذي كان بدوره تلميذاً للرسول يوحنا. وكان إيريناوس يكرز للغاليين في وسنة178م خلف بوثينوس كأسقف على ليون.

+ وفي أحد كتبه يوجد فصل طويل يحمل العنوان التالي: (أدلة على عدم وجود أكثر أو أقل من أربعة أناجيل) وهو إذ ينظر إلي الإنجيل يقول عنها (الإنجيل ذو الأربعة لوجه) (Tetramorphon). ولقد حاول أن يبحث عن السباب التي تفسر العدد أربعة بالنسبة للإنجيل وقارن بين عدد الأناجيل الأربعة وبين الأربع رياح والشاروبيم ذوي الوجوه الأربعة وغيرها. وأما ترتليانس فإنه في كتابه
 (ضد ماركيون) أشار بكل وضوح إلي الأناجيل الأربعة وكان ماركيون قد قبل إنجيل لوقا فقط. ونضيف إلي هذا كله شهادة أوريجينوس فهو في كتابه الأول عن إنجيل متى الذي يبين فيه عقيدة الكنيسة يشهد بأنه لا يعرف سوي أربعة أناجيل ويكتب الأتي:

+ بين الأناجيل الأربعة وهي الوحيدة التي لا نزاع بشأنها في كنيسة الله تحت السماء، عرفت من التقليد أن أولها كتبه متى الذي كان عشاراً ولكنه فيما بعد صار رسولاً ليسوع المسيح وقد أعد للمنتصرين من اليهود ونشر باللغة العبرانية، والثاني كتبه مرقس الذي كتبه وفقاً للتعليمات التي تلقاها من بطرس الذي في رسالته الجامعة يعترف به ابناً قائلاً: تسلم عليكم التي في بابل المختارة معكم وكذا مرقس ابني، والثالث كتبه لوقا وهو الإنجيل الذي أقره بولس وكتب من أجل المنتصرين من الأمم وأخر الكل الإنجيل الذي كتبه يوحنا (يوسابيوس25: 6).

أما يوسابيوس في سياق حديثة عن ترتيب الأناجيل فقد تحدث بإفاضة عن عدد الأناجيل وحددها في أربعة ونشير هنا إلي قوله بالتفصيل في هذا الشأن.

 

يقول يوسابيوس:

+ لقد أتيت بهذا الاقتباس من إكليمنضس هنا للحقيقة والتاريخ ولمنفعة قرائي والآن لنشُر إلي كتابات هذا الرسول (يوحنا الرسول). التي لا يتطرق إليها شك وأولاً إنجيله المعروف لكل الكنائس تحت السماء يجب أن تعترف بصحته أما أن الأقدمين قد وضعوه – بمنطق سليم – في المكان الرابع بعد الأناجيل الثلاثة الأخرى فيمكن إثباته بالطريقة الآتيه: فإن أولئك الرجال العظماء اللاهوتيين حقاً أقصد بهم رسل المسيح تطهرت حياتهم وتزينوا بكل فضيلة في نفوسهم ولكنهم لم يكونوا فصيحي اللسان ولقد كانوا واثقين كل الثقة في السلطان الإلهي الصانع العجائب الذي منحه لهم المخلص ولكنهم لم يعرفوا ولم يحاولوا أن يعرفوا كيف يذيعون تعاليم معلمهم بلغة فنية فصحي بل استخدموا فقط إعلانات روح الله العامل معهم وسلطان المسيح الصانع العجائب الذي كان يظهر فيهم.

وبذلك أذاعوا معرفة ملكوت السموات في كل العالم غير مفكرين كثيراً في تأليف الكتب. هذا فعلوه لأنهم وجدوا معونة في خدمتهم ممن هو أعظم من الإنسان. فبولس مثلاً الذي فاقهم جميعاً في قوة التعبير وغزارة التفكير لم يكتب إلا أقصر الرسائل رغم انه كانت لدية أسرار غامضة لا تحصي يريد نقلها للكنيسة لأنه قد وصل حتى إلي مناظر السماء الثالثة ونقل إلي فردوس الله وحسب مستحقاً أن يسمع هناك كلمات لا ينطق بها.

أما باقي أتباع مخلصنا الأثني عشر رسولاً والسبعون تلميذاً وآخرون كثيرون لا يحصي عددهم فهم يجهلون هذه الأمور.

ومع هذا فمن كل رسل الرب لم يترك لنا أحد شيئاً مكتوباً سوي متى ويوحنا. ويقول التقليد إنهم لم يكتبا إلا تحت ضغط الحاجة لأن متى الذي كرز أولاً للعبرانيين كتب إنجيله بلغته الوطنية إذا كان على وشك الذهاب إلي شعوب أخري. وبذلك عوض من كان مضطرباً لمغادرتهم عن الخسارة التي كانت مزمعة أن تحل بهم بسبب مغادرته إياهم. وبعد أن نشر مرقس ولوقا شفوياً بدأ أخيراً يكتب للسبب التالي: إن الأناجيل الثلاثة السابق ذكرها إذ وصلت إلي أيدي الجميع وإلي يديه أيضاً.

يقولون إنه قبلها وشهد بصحتها ولكن كان ينقصها وصف أعمال المسيح في بداية خدمته وها صحيح لأنه واضح أن الإنجيليين الثلاثة دونوا الأعمال التي فعلها المخلص بعد سجن يوحنا المعمدان بسنة وبينوا هذا في بداية رواياتهم. فمتى بعد التحدث عن صوم الأربعين يوماً والتجربة التي تلته يوضح تسلسل روايته بقوله: (ولما سمع أن يوحنا أسلم انصرف من اليهودية إلي الجليل) (مت12: 4).

ويقول مرقس أيضاً: وبعدما أسلم يوحنا جاء يسوع إلي الجليل"مر14: 1". أما لوقا فإنه قبل البدء في روايته عن أعمال يسوع يبين هو أيضاً الوقت عندما يقول إن هيرودس أضاف إلي جميع الشرور التي فعلها أنه حبس يوحنا في السجن (لو20: 3). ولذلك يقولون إن يوحنا الرسول إذا طلب منه كتابة إنجيله لهذا السبب دوَّن فيه وصفاً للفترة التي تجنبها الإنجيليون السابقون وأعمال المسيح فيها.

أي وصف الأعمال التي فعلها قبل سجن المعمدان ويقول أنه أوضح هذا في الكلمات التالية: (هذه بداية الآيات التي فعلها يسوع"يو11: 2". وأيضاً عندما أشار إلي المعمدان وسط التحدث عن أعمال يسوع بأنه كان لا يزال يعُمد في عين نون بقرب ساليم حيث بيَّن الأمر بكل وضوح في هذه الكلمات: (لأنه لم يكن يوحنا قد ألقي بعد في السجن"يو23: 3و24". وعلى هذا فإن يوحنا يدون في إنجيله أعمال المسيح التي تمت قبل سجن المعمدان أما الإنجيليون الثلاثة الآخرون فإنهم يذكرون الحوادث التي تمت بعد ذلك الوقت (يوسابيوس24: 3).

3- السمة الأدبية للبشائر الأربع.

+ إذا كان كتاب العهد الجديد يتضمن بشائر أربع تحكي قصة حياة السيد المسيح، فإن أهم ما يميز هذه البشائر على نحو ما ذكرنا سابقاً – إنها تعبر عن جوانب أو أوجه أو صور أربع أناجيل أو بشارة واحدة. ويجب أن لا ينظر إلي البشائر على إنها كتب تاريخية قصدت إلي تسجيل كل ما يتصل بحياة السيد المسيح وتعاليمه. فإن كثيراً مما كان يعرفه التلاميذ لم يسجلوه في كتاباتهم. وإلي هذا يشير في وضوح القيس يوحنا إذ يقول (وآيات أخر كثيرة صنع يسوع قدام تلاميذه لم تكتب في هذا الكتاب وأما هذه فقد كتبت لتؤمنوا أن يسوع هو المسيح ابن الله ولكي تكون لكم إذا آمنتم حياة باسمه"يو30: 20و31). ولعلنا هنا يمكن أن نتساءل: ماذا قدمت لنا البشائر عن الثلاثين سنة الأولي من حياة المسيح إلا هذه الشذرات البسيطة نسبياً التي تتصل بميلاد السيد المسيح وبزيارته إلي أورشليم في سن الثانية عشر؟.

وماذا قدمت لنا من تعاليم التي نطق بها السيد المسيح عقب قيامته وهو (يظهر لهم أربعين يوماً ويتكلم عن الأمور المختصة بملكوت الله"أع3: 1)؟.

هذا من ناحية ومن ناحية أخري فإن البشائر لم تهدف على الدوام أن تلتزم الترتيب للإحداث فإن الأحداث ذكرت عن السيد المسيح في البشائر، ما عدا ما أتصل بأحداث الميلاد وأحداث أسبوع الآلام لم يشر إليها بترتيب زمني.

وكل هذا ينتهي بنا إلي القول، إن الغاية من البشائر تكن مجرد عملية تسجيل أو تدوين لتاريخ المسيح بل كان يقصد البشيريون الأربعة كل من زاوية خاصة، إلي أن يشير إلي ناحية معينة في شخص المسيح ورسالته بحيث تعطيني هذه البشائر جميعها صورة متكاملة لما يجب أن يستقر في أذهاننا عن السيد المسيح وعن رسالته

فقد كتب القديس متى إنجيله لليهود ولذلك حرص على أن يقد لهم السيد المسيح من زاوية التي تهمهم وهي إثبات أن السيد المسيح هو المسيا الذي كانوا ينتظرونه.

وكتب القديس مرقس للرومانيين وقدم لهم المسيح مخلصاً وظافراً على قوي الشر وعلى الخطية.

قدم القديس لوقا إنجيله لليونانيين وصور السيد المسيح صورة الكمال والرحمة.

أما القديس يوحنا فكتب إنجيله للمؤمنين عامة الذين يعرفون المسيح ولكنهم يحتاجون إلي معرفة أعمق تؤكد لاهوته خاصة بعد ظهور بعض الهرطقات والبدع التي حاولت أن تسيء إلي شخص المسيح وأن تنقص عن ألوهيته.

الصفحة الرئيسية