سفر الرؤيا

 

كنيسة السيدة العذراء بالفجالة

 

 

مقدمة. 1

الإصحاح الأول. 7

الأصحاح الثانى. 27

الإصحاح الثالث.. 47

الإصحاح الرابع. 64

الإصحاح الخامس.. 77

الإصحاح السادس.. 85

الإصحاح السابع. 99

الإصحاح الثامن. 107

الإصحاح التاسع. 113

الإصحاح العاشر. 123

الإصحاح الحادى عشر. 128

الإصحاح الثانى عشر. 138

الإصحاح الثالث عشر. 148

الإصحاح الرابع عشر. 156

الإصحاح الخامس عشر. 165

الإصحاح السادس عشر. 169

الآصحاح السابع عشر. 176

الإصحاح الثامن عشر. 183

الإصحاح التاسع عشر. 190

الإصحاح العشرون. 197

الإصحاح الحادى والعشرون. 208

الإصحاح الثانى والعشرون. 221

 


 

مقدمة

v     كاتب السفر هو يوحنا الحبيب تلميذ السيد المسيح ويسمى اللاهوتى لأن إنجيله كان هدفه إثبات لاهوت السيد المسيح (يو 31:20). ولقد نشأ يوحنا فى بيت غنى، فلقد كان لهم عمال أجراء وهذا يدل على غناهم (مر 20:1) ولقد وُلِدَ فى بيت صيدا (لو 10:5) وتتلمذ ليوحنا المعمدان أولاً  ثم تركه ليتبع يسوع بعد أن أشار المعمدان للمسيح وإقتنع يوحنا الحبيب بالمسيح كمعلم (يو 29:1 – 34) + (يو 35:1-39).

v     ويوحنا كان شاهداً على أحداث عظام قام بها السيد المسيح مثل إقامة إبنة يايرس والتجلى وصراع جثسيمانى مع بطرس ويعقوب.

v     ولقد أعد الله يوحنا ليشهد له ضداً لهراطقة الذين كثرت هرطقاتهم.

v     أسس كنائس آسيا بعد نياحة العذراء وكان بطريركاً على أفسس.

v     خرج من حمام عام لما وجد فيه كيرنثوس الهرطوقى وقال "خشيت إنهيار الحمام" وذلك لتوضيح خطورة الهرطقات.

v     كان يقضى بعض الوقت فى التسلية مثل العمل فى حديقة ويقول لا تترك القوس مشدوداً بإستمرار لئلا يرتخى.

v     تمتلىء كتاباته حديثاً عن المحبة وكذلك عظاته وكذلك خدمته فحينما إنحرف الشاب التائب الذى تتلمذ على يديه جرى وراءه وهو قد أصبح زعيم عصابة لصوص حتى أعاده، لذلك سمى بالحبيب.

v     عذبه الإمبراطور دومتيانوس فى نهاية أيامه، وألقاه فى زيت مغلى ولما فشل إذ كان الرب يشفيه نفاه إلى جزيرة بطمس. ودومتيانوس هذا كان قد أثار ضد المسيحية إضطهاداً شديداً جداً أشد من إضطهاد نيرون وكان هدفه إستئصال المسيحية. وكان يطلب من المسيحيين عبادة الإمبراطور.

v     عهد له الرب بأمه العذراء وهو عاش لأوائل القرن الثانى وهو الوحيد من التلاميذ الذى لم يستشهد.

v     عاش يوحنا لمدة 25 سنة بعد إستشهاد كل الرسل، وهو ذهب لأسيا الصغرى بعد إستشهاد الرسولين بطرس وبولس وقال عنه بولس أنه من الأعمدة (غل 9:2).

 

 

مكان وزمان كتابة السفر:

كان ذلك حوالى سنة 95 م فى نهاية حكم دومتيانوس، وكتب يوحنا السفر فى جزيرة بطمس التى نفاه إليها دومتيانوس وهى تبعد حوالى 25 ميلاً من شواطىء آسيا الصغرى (تركيا حالياً) وتدعى حالياً بتينو. وهى جزيرة قاحلة لا يسكنها غير المجرمين المنفيين حيث لا يمكنهم الهرب منها وقضى يوحنا فى بطمس سنة ونصف فعاد بعدها لرعاية كنيسة أفسس بعد إستشهاد أسقفها تيموثاوس.

 

لماذا ذكر يوحنا إسمه هنا:

 يوحنا لم يذكر إسمه فى إنجيله وذكره هنا 5 مرات (9،4،1:1) + (2:21) + (8:22) وهذا لأن يوحنا إنسان متواضع يخفى ذاته، ولا يحب أن يشير إلى نفسه بإسمه. فيوحنا كان أحد التلميذين اللذين سارا وراء يسوع بعد شهادة المعمدان (يو 35:1) والتلميذ الآخر كان أندراوس، ولكننا نجد أن يوحنا لا يذكر إسمه. وكان يسمى نفسه التلميذ الذى كان يسوع يحبه (يو 26:19) + (يو 20:21). ولكن سفر الرؤيا لغموضه ونبواته، كان يلزم ذكر إسم من كتبه ليكون هناك ثقة فيمن كتبه وثقة فيما هو مكتوب فيه.

 

ماذا نجد فى هذا السفر:

1) يوحنا المتألم لأجل المسيح والمضطهد والمنفى فى هذا المكان القاسى يعزيه الله بهذه الرؤيا السماوية فشريك الصليب والألم شريك المجد (رو 17:8).

2) هى رسالة للكنيسة المضطهدة والمتألمة، رسالة عزاء بهذه الرؤيا ودعوة من الله أن من يغلب سيكون شريكاً فى هذا المجد المعلن.

3) نرى بصورة متكررة أن الشيطان وراء كل هذه الآلام وهو مصدر كل إضطهاد للكنيسة، ولكننا نرى أيضاً أن المسيح هو ضابط الكل، الإله القدير الذى يرعى كنيسته، يحملها فى يديه، يجول وسط كنيسته ليرعاها، لا شىء يحدث إلا بسماح منه، هو إنتصر وغلب وبالتأكيد فإن كنيسته عروسه ستنتصر وتغلب. وإذا كان ما يحدث هو بسماح من عريس الكنيسة وهو المتحكم فيه فلماذا الخوف؟

4) نجد هنا نصرة الكنيسة التى قال عنها السيد المسيح أن أبواب الجحيم لن تقوى عليها، هى كنيسة مضطهدة على الأرض حاملة صليبها كعريسها، ولكنها ممجدة فى السماء، ونرى هنا ما أعده الله لها من مجد مذهل. ويمكننا أن نفهم لماذا يسمح المسيح بالألم لكنيسته ولأحبائه؟ السبب ببساطة أن بداخلنا حب وإنجذاب للخطية وللعالم بسبب أننا بالخطية ولدتنا أمهاتنا. والله وجد أن طريق الصليب هو الطريق الذى نكمل به، بل قيل عن المسيح نفسه أن "كمل رئيس خلاصنا بالألام" (عب10:2) فإن كان المسيح قد كمل بالألام أفلا يكون طريق كمالنا هو الصليب الذى به نصير تلاميذ له.

5) إذا كان المسيح قد وجد أن الألم هو طريق الكمال وبالتالى هو طريق السماء والمجد، إذاً علينا أن نصبر... لذلك تتكرر كلمة الصبر فى هذا السفر (رؤ9:1 + 19،3:2 + 10:13).

6) نرى السموات مكان الفرح والتسبيح، فالسفر مملوء تسابيح للسمائيين وهذه السماويات هى المكان المعد للكنيسة. ولكن أوصاف السماء أتت بصورة رمزية فلغة البشر محدودة لا تستطيع أن تصف ما فى السماء.

7) نرى فى السفر الهزيمة الكاملة للشيطان وأتباعه فى البحيرة المتقدة بالنار، فيكون هذا دافعاً لنا لترك كل شر وشبه شر. ونرى مجد الغالبيين وأفراحهم فيكون هذا دافعاً لنا للجهاد الروحى.

8) نرى هنا نصرة السيد المسيح المؤكدة على كل الأشرار والشياطين فنتمسك به كإله قدير، لقوته وقدرته، ويكون هذا مصدراً لتعزياتنا كما تعزى يوحنا نفسه فى ضيقته ومنفاه بهذه الرؤيا.

 

طرق تفسير سفر الرؤيا

 هناك من يستعمل سفر الرؤيا ليستخرج منه مواعيد واوقات لبعض الأحداث وهناك من يفسره حرفياً مثلما فعلت بعض الطوائف فقالوا إن عدد من يدخل السماء 144000 حرفياً على ان يكونوا من طائفتهم. وقال البعض أن المسيح سياتى ليحكم على الأرض لمدة 1000 عام يقيد فيها الشيطان وتسيل فيها الجبال خمراً ولبناً.

وهناك تفسير روحى يستفيد منه الجميع وهذا ما تتبعه كنيستنا وهذا التفسير يعتبر أن الشيطان قُيدَ فعلاً بعد الصليب، ولا يتمسك هذا التفسير بمملكة أرضية ولا يطلبها عملاً يقول السيد المسيح " مملكتى ليست من هذا العالم " من هذا  التفسير يفهم ان الكنيسة تحيا الآن فى السماويات كما قال بولس الرسول (أف 6:2) وان الكنيسة تحارب فى كل زمان ومكان فى السماويات التى تحيا فيها (أف 12:6) ونحن فى السماويات لأن المسيح وسطنا دائماً (مت20:28، 20:18) ومع أن الكنيسة تحارب فى كل حين لكن لوجود المسيح فيها فالنصرة لها دائماً وفى النهاية تتمجد أما حرب الشيطان بعد تقييده فهو لا يستطيع سوى ان يعرض دون أن يفرض ما لم نعطه نحن هذا السلطان. والمسيح اعطانا نحن عبيده سلطاناً أن ندوس عليه بعد أن سقط (لو 19،18:10) + (يو 31:12) + (يو 11:16).

وما يتصوره أصحاب فكرة الملك الألفى أن المسيح يملك على الأرض 1000 سنة فهو فكر مرفوض. أما الملك الألفى فى نظر الكنيسة هو ما تحياه الكنيسة الآن حيث تمارس حياة الملكوت. إذ جعلنا ملوكاً أى نملك ذواتنا وشهواتنا "ها ملكوت الله فى داخلكم" (لو21:17) "وكل مجد إبنة الملك من داخل" (مز 13:45) "ونملك وعوداً بميراث سماوى".

 

الأسلوب الرمزى او الشفرى

كان لابد من إستخدام هذا الأسلوب فهو يخبر المسيحيين بإنتصارهم على مضطهديهم، فكيف يقول هذا بوضوح والإمبراطورية الرومانية التى تضطهدهم فى عز مجدها. كيف يقول لهم أن الإمبراطورية الرومانية ستزول أو انها ستتحول إلى المسيحية. بل إن غموض سفر الرؤيا يزيده جلالاً فلا تنكشف معانيه إلا فى الوقت الذى يريده الله، أما لو عرفت هذه الأسرار مبكراً فقد يفسدها إبليس.

مثال:- كان للسيد المسيح فى أقواله بعض العبارات غير المفهومة مثل " فمتى نظرتم رجسة الخراب التى قال عنها دانيال النبى قائمة فى المكان المقدس ليفهم القارىء فحينئذ ليهرب الذين فى اليهودية إلى الجبال..." (مت 15:24 – 21) وظلت هذه العبارة غير مفهومة إلى أن حدث ما جعلها واضحة كالشمس، وبسبب هذه العبارة نجا ألاف المسيحيين من آلام رهيبة.

فلقد أحاط تيطس القائد الرومانى بأورشليم مع جيشه وحاصرها مدة من الزمان حتى يئس وقرر أن يقوم بمحاولة اخيرة فى فجر أحد الأيام، على أنه إذا فشل فى إقتحام أسوار أورشليم المنيعة فإنه سينسحب مع جيشه تاركاً أورشليم، هذه المدينة الصغيرة التى لا تستحق تعطيل الجيش الرومانى العظيم وفى الفجر تسلل بعض الجنود مستخدمين سلالم وصعدوا على أسوار أورشليم من ناحية الهيكل، فقد كان الهيكل ملاصقاً للسور، ودخل عشرات من الجنود الرومان فعلاً ووضعوا النسر الرومانى على الهيكل. ولكن اليهود تنبهوا وقتلوهم وفشلت المحاولة. وقرر تيطس الإنسحاب وإحتفل اليهود بهذا الإنتصار ولكن حينما إستيقظ المسيحيون الذين كانوا بأورشليم صباحاً ووجدوا النسر الرومانى على الهيكل تذكروا كلام السيد المسيح وفهموا أن النسر الرومانى المعلق على الهيكل هذا هو رجسة الخراب وانه موجود الأن فى المكان المقدس، فهربوا فى لحظتها إلى الجبال. هرب كل المسيحيين الذين كانوا فى أورشليم إلى الجبال، بينما كان اليهود يحتفلون بإنتصارهم على الرومان. وبعد أن غادر تيطس أورشليم وعلى مسيرة ثلاث ساعات من أورشليم وجد نجدة أتية من روما بأوامر صريحة بهدم أورشليم، فعاد بعد 6 ساعات فقط من مغادرته أورشليم لمحاصرتها ثانية. وحاصرها حصاراً مريراً أكلت الأم فيه أولادها، ثم أسقط أورشليم وأحرقها وقتل حوالى 1.2 مليون يهودى واحرق على صلبان 120 ألف آخرين وباع البقية عبيداً. من هنا نفهم لزوم غموض نبوات سفر الرؤيا. فهى لن تفهم تماماً إلا فى حينه وذلك لينقذ الله عبيده وما حدث أيام تيطس قد يحدث ثانية فنحن نعرف أن ضد المسيح سيجلس فى هيكل الله مظهراً نفسه أنه إله (2 تس 4:2) وضد المسيح هذا سيثير حرباً ضد الكنيسة، وسيكون ضيق لم يكن مثله (دا 1:12) ولكن الله سينجى شعبه بطريقة ما، لن نعرفها سوى فى حينه. ولكن سفر الرؤيا يكشف بعض من الخطة الأن بلغة شفرية إذ يقول "أن المرأة ستهرب إلى البرية وان الله سيعولها هناك" (رؤ 6:12) ولكن متى وكيف نهرب، ربما تكون نفس العلامة التى وردت فى (مت 15:24-21) أى رجسة الخراب القائمة فى المكان المقدس. ولكن إلى أين نذهب وكيف نتصرف؟ هذا هو ما نراه مكتوباً ولكن بإسلوب شفرى غامض لن نفهمه إلا فى حينه.

إن كل محاولة لفهم السفر فهماً حرفياً هى محاولة فاشلة، ولكن كما قيل فى سفر الرؤيا نفسه "طوبى لمن يحفظ أقوال هذا الكتاب ويقرأه ويسمعه" (رؤ 3:1 + 9:22) إذاً علينا أن نفهمه روحياً أى محاولة فهمه بطريقة تجعلنا نقترب من الله فنتجنب ما يحذرنا منه وننفذ كل وصية فيه ونخشى غضبه ونتشبه بالسمائيين فنسبح الله مثلهم، ونشعر بإقتراب الدينونة فنقدم توبة وهذه التوبة تفرح السمائيين، بل تجعلنا معهم ومن صفوفهم ونحفظ السفر بمعنى أن نتذكر كل ما قيل فيه حتى لو لم نفهمه تماماً، حتى نفهم الرسائل الشفرية التى فيه حينما يحين الوقت وننفذها فننجو.

 

تدريب

ضع لوناً بقلم أخضر على كل آية معزية فى السفر لتدرك محبة الله لك وحفظه لك فى الضيقات مثل (17،11،7:2 + 21،12،5:3 + 6،2:6 + 15:7-17 + 3:7 + 4:9).

وضع لوناً أحمر على الأيات التى تدل على دينونة الله وغضبه على الخطية لتتحاشاها.

 

وسفر الرؤيا يعتبر السفر النبوى فى العهد الجديد.

نرى فى السفر إنتصار نهائى للسيد المسيح على كل قوى الشر، لقد بدأ الإنتصار على الصليب، وها نحن نرى كمال الإنتصار. ونرى الشيطان ملقى فى البحيرة المتقدة بالنار هو وأتباعه. ونرى الكنيسة منتصرة مع عريسها فى عرس سماوى دائم.

هذا السفر يبدأ بالكنيسة التى على الأرض (رسائل الكنائس السبع) وينتهى بالكنيسة فى السماء أى أورشليم السمائية وما بينهما حروب ضد الكنيسة وعريسها المسيح. ولكن لابد وستنتصر الكنيسة بالمسيح عريسها.

هو سفر السباعيات (7 كنائس / 7 أبواق / 7 ختوم / 7 جامات / 7 تطويبات...).

بل حتى كلمات التسابيح سباعية.


 

الإصحاح الأول

آية1 "اعلان يسوع المسيح الذي اعطاه اياه الله ليري عبيده ما لا بد ان يكون عن قريب و بينه مرسلا بيد ملاكه لعبده يوحنا".

 إعلان REVELATION من REVEAL أى يكشف القناع أو شىء ينكشف للعيان أو يُباح به فيظهر ما كان خفياً، فهو كشف الأسرار الإلهية للبشر. ويسمى أيضاً الجليان من جعل الشىء جلى أى واضح. وكلمة إعلان باليونانية هى أبو كاليبسيس أى رفع الغطاء ومنها جاءت فى لغتنا العربية العالمية ليلة أبوغالمسيس التى نطلقها على ليلة سبت النور إذ نقرأ فيها سفر الرؤيا كاملاً.

ويسمى سبت النور لأن المسيح أشرق بنوره على الجالسين فى الظلمة وظلال الموت ونقلهم من الجحيم إلى الفردوس فهو نزل إلى الجحيم من قبل الصليب لينقل الذين رقدوا على رجاء، وكانوا قد أرضوا الرب بأعمالهم فى العهد القديم ينقلهم من الجحيم إلى الفردوس (أش2:9) + (مت16:4) + (زك12،11:9) + (آف9،8:4) + (1بط19:3). وأثناء قراءة سفر الرؤيا تضاء سبعة قناديل رمزاً للسبعة الكنائس (التى وجه الرب لها رسائل عن طريق يوحنا فى الإصحاحين 3،2 وهى كنائس فى آسيا الصغرى والتى كان يوحنا يرعاها) وحيث آن رقم 7 هو رقم كامل فالمقصود أن السبعة قناديل هى رمز للكنيسة كلها التى صارت نوراً للعالم. ونحن نقرأ سفر الرؤيا ليلة سبت النور لأن المجد المعد للكنيسة قد إنكشف وصارت تنعم بالفردوس بعد صلب المسيح إذ فتح باب الفردوس للكنيسة والكنيسة تجعلنا نحلق مع المسيح فى الفردوس الذى ذهب إليه فى هذه الليلة والله يكشف عن أسراره لمن يحبهم، لذلك يكشفها ليوحنا الحبيب كما كشف لإبراهيم من قبل عن خراب ودمار سدوم وعمورة، ويعلن كذلك للكنيسة التى أحبها واحبته أسراره فى هذه الرؤيا.

إعلان يسوع المسيح الذى أعطاه إياه الله = الرب يسوع هو الذى إقتبل هذا الإعلان كرأس للكنيسة. وإذ هو فكر الله الأزلى والحكمة الإلهية فهو يعرف كل شىء من ذاته. ولكن المقصود هنا أن الآب أعطى للإبن أن يكشف للكنيسة عن هذه الأسرار ودائماً الآب يريد والإبن والروح القدس يحولان هذه الإرادة إلى فعل. فالآب يريد أن الجميع يخلصون والإبن نفذ هذا بتجسده وصليبه والروح القدس يعمل فى الكنيسة الآن ليثبتها فى المسيح. وهنا الآب أراد أن يعلن للكنيسة هذه الأسرار، والإبن نفذ هذا وما كان هذا ممكناً لولا أن الكنيسة أصبحت مقبولة بسبب دم المسيح، وأن المسيح صار رأساً لها. وصار يوحنا بل صارت الكنيسة كلها فى المسيح، فنحن نعرف هذه الأسرار من خلال وجودنا وثباتنا فى المسيح يسوع.

يسوع   = المخلص

المسيح = اى الممسوح والمفرز والمخصص ليفدى الكنيسة ويكون كاهناً ونبياً وملكاً عليها. والمسيح مُسِحَ بالروح القدس على هيئة حمامة (شىء كامل لأن الروح القدس حل على المسيح كاملاً). اما الأنبياء والملوك ورؤساء الكهنة فى العهد القديم، وكل فرد مؤمن فى الكنيسة الآن فهو يحصل بقدر ما يحتمل لذلك حل الروح القدس على هيئة ألسنة نارية منقسمة على التلاميذ يوم الخمسين، اى ليس حلولاً كاملاً. وفى العهد القديم كانوا يمسحون بدهن المسحة ليتمكنوا من القيام بأعمالهم (كأنبياء وملوك ورؤساء كهنة فقط).

فحين يقول الله أعطى ليسوع المسيح فهذا بحسب ناسوته وكرأس للكنيسة لكى يعلنه لها، والمسيح أعطاه ليوحنا ليعطيه يوحنا للكنيسة التى هى جسد المسيح. عبيده = المسيح يقول لا أسميكم عبيداً لكنى قد سميتكم أحباء (يو15:15) ولكننا نحن نتلذذ بأن نستعبد انفسنا لله، فالعبودية لله تحرر، بل إن حتى إخوة المسيح بالجسد مثل يعقوب ويهوذا لم يسموا أنفسهم إخوة المسيح بل سموا انفسهم عبيداً له (يع1:1) + (يه1) + (رو1:1) لقد صرنا أسرى محبة المسيح، تذوب إرادتنا فى إرادته، ونطيعه حتى الموت.

مالابد أن يكون =

1.     مقاصد الله حتمية.

2.     الله يرى المستقبل حاضراً أمامه كأنه الآن.

مرُسلاً بيد ملاكه = فالملائكة هم خدام الإعلانات منذ العهد القديم ولهم دور محورى فى الإعلانات.

 

التدرج فى الخدمة والإعلانات :- المسيح هو الله، ولكنه يتكلم عنه هنا كوسيط بين الله والناس، ليس الإبن الآزلى فقط بل الإبن المتجسد الوسيط الإبن هو أقنوم المعرفة والحكمة وكل ما هو للآب هو للإبن. وقيل عن الإبن أنه مخبأ فيه كل كنوز الحكمة. وقيل لا يعرف الآب إلا الإبن، فهو أقنوم المعرفة فى الثالوث القدوس، وفى 1 كو 24:1 قيل عنه أنه حكمة الله. وهو بهذا يعرف كل الأشياء فالمعرفة هى للآب والإبن لكنها فى سلطان الآب وحده، يعلنها حين يريد، ويعلنها عن طريق الإبن للكنيسة كرأس للكنيسة. مثال:- الوزراء كلهم يعرفون الأسرار ولكن هناك وزير واحد له سلطة الإعلان، فالآب والإبن يعرفان ولكن السلطان هو للآب. وتشبيه آخر نقول أن العقل أعطى أن يظهر الفكر للناس والمسيح حين أراد أن يظهر الفكر للناس (عن طريق يوحنا) أعطى الملاك والملاك أعطى ليوحنا ويوحنا أعلن للكنيسة. فالله يحب الترتيب. نقول هذا لمن يقولون لا داعى لأن يوجد كهنوت، فلنتصل بالله مباشرة ونرد على هذا، أولاً بالتدرج الذى رأيناه هنا وثانياً بمعجزة الخمس خبزات حيث أعطى المسيح لتلاميذه، والتلاميذ أعطوا الجموع.

ونرى أن الملاك صار مرافقاً ليوحنا خلال هذه الرؤيا، وهذا يشير للمحبة والصداقة التى صارت بين الملائكة والبشر (أف10:1). ونلمس خلال السفر فرح الملائكة بالمجد المعد للبشر، وأن الملائكة صاروا ينذرون الأشرار، فهم يفرحون بخاطىء واحد يتوب. وكان الملاك يشرح ليوحنا ما يحتاج إليه من إيضاحات، فالملائكة أرواح خادمة (عب14:1).

 

أية 2 "الذي شهد بكلمة الله و بشهادة يسوع المسيح بكل ما راه".

الذى شهد = فيوحنا كان شاهداً ينقل ما رآه وسمعه من المسيح وفى بطمس.

 

أية 3 "طوبى للذي يقرا و للذين يسمعون اقوال النبوة و يحفظون ما هو مكتوب فيها لان الوقت قريب".

ويحفظون =

1.     ينفذون وصايا السفر.

2.     يتجنبون ما حذر منه السفر.

3.     يتعلمون التسابيح التى فى السفر وهى لغة السماء.

4.     يقرأونه كثيراً ليحفظونه ويحفظون كلماته.

ولاحظ فالله لم يطوب من يفهم أسرار سفر الرؤيا، وتوقيت كل حدث بل طوب من يحفظ ما جاء بالسفر.

فالسفر مكتوب بأسلوب نبوى، والنبوات لا يمكن فهمها إلا حينما تتم ومثال ذلك:-

1.     من كان يستطيع ان يفهم ان العذراء تلد إبناً (أش 14:7).

2.     من كان يستطيع أن يفهم أن هناك من يموت ويقوم بعد 3 أيام (هو 2،1:6).

3.     من كان يستطيع أن يفهم ان الله الأزلى سيولد فى بيت لحم (مى 2:5).

إذاً المطلوب فهم السفر روحياً وحفظ ما جاء فيه، أما النبوات الغامضة فلن نفهمها إلا فى حينه، حين يريد الله أن يكشف القناع عن النبوة، وربما حينئذ نكتشف أمراً يوجهه لنا الله لننفذه.

وهناك دراسات تحدد يوم المجىء الثانى، وهناك من حدده بانه فى سنة كذا أو يوم كذا.... ولا نستطيع أن نعلق على هذا إلا بأن هؤلاء يلزمهم أن يتعلموا التواضع، فإن كان السيد المسيح يقول أن هذه الساعة لا يعلمها أحد ولا الملائكة ولا الإبن إلا الآب (مر32:13) فمن هذا الذى يستطيع أن يحدد هذا اليوم. وبعد ما قلناه سابقاً فما معنى أن المسيح لا يعلم هذه الساعة؟

1.     هو لا يريد أن يعلنها، فحين يقول لا أعرف فالمعنى لا أريد أن أعلن كما قال عن بعض الأشرار لا أعرفكم (مت 23:7) بمعنى أنه يستنكر تصرفاتهم.

2.     الآب لا يريد أن يعلن، فهو لم يعط للإبن أن يعلن.

فمن هذا الذى يستطيع أن يحدد الساعة التى لا يعلمها إبن الإنسان؟!

ولكن السيد المسيح أعطى لكنيسته هذه العلامات للإستعداد والسهر دائماً (مر33:13) إسهروا وصلوا وأيضاً فى (مر7:13) يقول لا ترتاعوا فإذا كان الله يعلم وقد أخبرنا بما سيحدث قبل 2000 سنة فهو إذاً ضابط الكل الذى كل شىء بيده، ويعرف كيف يحفظ أولاده وسط هذه الضيقات ولكن علينا نحن أولاده أن نصبر كما قال فى (مر13:13) ولكن الذى يصبر إلى المنتهى فهذا يخلص. ونلخص ما سبق فالمسيح يكشف لنا كل هذا حتى:

1.     لا نرتاع،

2.     نستعد ونسهر،

3.     أن نصبر.

 

 فالله سبق وأخبرنا أنه سيكون هناك ضيقات ولكنه طلب الصبر فى الضيقة والسهر والصلاة، ومن يصبر ولا يتذمر يفتح الله عينيه على المجد المعد لمن يصبر ويعطيه الله تعزيات تسنده فى ضيقته فيزداد صبراً وإحتمالاً ومن ثم تنفتح عينيه بالأكثر ويزداد عزاؤه وهكذا.

طوبى للذى يقرأ وللذين يسمعون = يسمعون أى ينفذون ما يقرأون، ويصبروا على الضيقات التى تواجههم، هؤلاء يتعزون ويزداد إشتياقهم للسماء. الطوبى هى لكل من يخبىء كلام الله فى قلبه ويحيا بحسبه.

النبوة = سفر الرؤيا هو السفر النبوى فى العهد الجديد.

 

آية 4 "يوحنا الى السبع الكنائس التي في اسيا نعمة لكم و سلام من الكائن و الذي كان و الذي ياتي و من السبعة الارواح التي امام عرشه".

إلى السبع الكنائس = ربما تشير للسبع كنائس التى خدمها يوحنا فى آسيا الصغرى والتى سترد أسماءها فى الإصحاحين 3،2. ولكن لأن رقم 7 هو رقم كامل، فالكلام إذن موجه إلى كل الكنائس أو كل الكنيسة فى كل زمان ومكان. ولكن هنا فى الرسائل كلام يصلح لهذه الكنائس التى عرفت يوحنا كرسول عاش بينهم ويصلح للكنيسة عبر العصور.

نعمة لكم وسلام = النعمة هى إرسال الروح القدس ليحل على البشر بإستحقاقات دم المسيح، وهو يعطى شفاء للنفس ويهبها سلام. لذلك فمن ثمار الروح القدس السلام (غل23،22:5) وفى آية 9 يقول يوحنا فى تواضعه "أخوكم وشريككم" ولكنه كرسول له أن يعطيهم السلام ولكن الذى يمنح السلام هو الله. لذلك نفهم أن الكاهن حين يقول "إيرينى باسى" أى السلام لكم فهو يعطى السلام ليس من نفسه بل من الله. فالكهنة أناس أستؤمنوا على بركات الله ليوصلوها للناس فالكهنوت حامل بركة.

الكائن = الكائن الآن بذاته، غير معتمد على أحد فى كيانه بينما كيان الإنسان معتمد على الله.

الذى كان = الأزلى، أنا كائن منذ الأزل أى لابداية لى.

الذى يأتى = الأبدى، الدائم للأبد، وسيأتى للدينونة وهذا شرح لكلمة يهوة.

ومن السبعة الأرواح = هناك رأيان أولهما أن السبعة الأرواح هم سبعة ملائكة للسبع الكنائس أو هم ميخائيل وغبريال وروفائيل وسوريال...

والرأى الثانى أن هذا وصف لعمل الروح القدس الكامل، فرقم 7 هو رقم كامل. فالروح القدس يعمل فى السبع الأسرار وهو الذى يعطى الثمار والمواهب، هو يعمل كل شىء للكنيسة، يقود ويبكت ويعلم ويذكر ويخبرنا بكل ما هو للمسيح. هو يملأ الكنيسة ويملأ كل مؤمن على حدة ليثبت الكل فى المسيح (هذا طبعاً لمن يريد ويجاهد) والرأى الثانى هو المرجح فإسم المسيح جاء بعد السبعة الأرواح ولا يعقل أن إسم المسيح يأتى بعد الملائكة فى الترتيب.

التى أمام عرشه = فى (زك14:4) رأينا إبناً الزيت الواقفان عند سيد الأرض كلها، وكان هذا إشارة لإهتمام الله وإشتياقه لإرسال الإبن والروح القدس للأرض لإعداد الكنيسة كعروس للمسيح ورجوعها للأحضان الأبوية. والآن وقد أرسل الإبن لذلك نرى الروح القدس أمام العرش بمعنى ان الله الآن إهتمامه الأول بعمل الروح القدس فى تجديد الخليقة لتصبح عروساً للمسيح لتعود للأحضان الإلهية الأبوية. أمام عرشه أى أمام عينيه، أنظاره أى إهتمامه موجه لهذا العمل ولقد ذكر الروح القدس قبل المسيح لأن الكلام سيكمل بعد ذلك عن المسيح.

آية5 "و من يسوع المسيح الشاهد الامين البكر من الاموات و رئيس ملوك الارض الذي احبنا و قد غسلنا من خطايانا بدمه".

الشاهد الأمين = هو الذى كان فى حضن الآب وأتى ليخبرنا بكل شىء ويشهد للحق بأمانة (يو37:18) وكل من يطيع وصاياه يخلص فهذا هو الحق. وهو شهد لنا بمحبة الآب ببذله نفسه على الصليب. البكرمن الأموات= هو بكرنا (1 كو23:15) فكما قام المسيح سنقوم، فنحن نستمد قيامتنا منه.

رئيس ملوك الأرض = هو ملك الجميع، ومعطى كل ذى سلطان سلطانه (رو2،1:13) وهو ملك على دوميتيانوس فلماذا الخوف منه أو من غيره.

 

آية 6 "و جعلنا ملوكا و كهنة لله ابيه له المجد و السلطان الى ابد الابدين امين".

جعلنا ملوكاً = الله أعطانا طبيعة جديدة متحررة من حتميات الإنسان العتيق وعبوديته المرة، فصرنا ملوك ذواتنا بنعمة المسيح ولا يسيطر علينا الجسد الذى أماته الرب على الصليب.

(وبالمعمودية متنا معه) ولا العالم الذى فضحه الرب وكشف زيفه ولا الشيطان الذى أسقطه الرب مثل البرق من السماء. فصرنا نسيطر على ذواتنا فلا تستعبدنا الخطية ولا يقتادنا الشيطان لنخالف إرادة الله ولا يستهوينا العالم فنحن نراه فانياً. ونحن صرنا ملوكاً لأننا أولاد ملك الملوك، والمسيح يملك علينا كملك الملوك. ونحن كأولاد الله سندين العالم (1 كو2:6) ونحن نملك وعوداً بميراث سماوى فى عرش المسيح سنمتلكه فى الدهر الآتى. وكهنة = هناك كهنوت عام يشترك فيه كل المسيحيين، وبهذا المفهوم فكل المسيحيين كهنة. والكاهن يقدم ذبائح، فما هى الذبائح التى يقدمها المؤمنين.

1.     ذبيحة التسبيح (عب 15:13).

2.     ذبيحة فعل الخير (عب 16:13).

3.     ذبيحة الإنسحاق (مز 17:51).

4.     أجسادنا كذبيحة حية (رو 1:12).

5.     الصلاة (مز 2:141).

ولكن هناك كهنوت خاص يُسام فيه الأساقفة والكهنة لخدمة الأسرار وهناك من فهم هذه الآية خطأ وإعتبر أن كل مؤمن هو كاهن بالمفهوم الخاص والعام وهذا خطأ.. فكيف يفهمون قوله ملوكاً إذاً بالمفهوم الخاص والعام. فالكتاب يطلب الخضوع للملوك (رو1:13) + (1بط13:2).

هل نطبق الآية خطأ ونقول كلنا ملوك فلا تخضع للملوك والرؤساء بلا شك فهذا الفهم متعارض مع الكتاب كما قلنا وما يثبت الكهنوت الخاص:

1.     (أش 21:66) فيها يتكلم عن إيمان الأمم ويقول "وأتخذ منهم أيضاً كهنة ولاويين قال الرب" ولم يقل يكون الكل كهنة.

2.     (أش 19:19) "يكون مذبح فى مصر" والمذبح يخدمه كهنة.

3.     حديث بولس الرسول عن الأساقفة والكهنة والشمامسة (أع 3:13) + (2 تى6:1) + (1 تى14:4) + (1 تى22:5) + (تى5:1).

4.     نرى فى (رو16:15) بولس مباشراً لإنجيل الله ككاهن.

5.     سلطان الحل والربط ومسحة الزيت للمرض والمعمودية وحلول الروح القدس أعطى للرسل فقط وخلفاؤهم من رجال الكهنوت. والسيد المسيح أعطى هذا السلطان لتلاميذه عندما نفخ فيهم الروح القدس (يو23:20).

6.     ثم صار فى الكنيسة بعد ذلك بوضع اليد والنفخة المقدسة من الأسقف للكاهن ومن الكاهن للمعمد وهكذا (مر13:16) + (مت19:28) + (مت19:16) + (مت18:18).

7.     قول بولس الرسول " لنا مذبح لا سلطان للذين يخدمون المسكن (أى هيكل اليهود) أن يأكلوا منه" (عب10:13).

8.     وهذا واضح من تاريخ الكنيسة لمدة 1500 سنة، ولم يعترض أحد إلا مع بداية الكنيسة البروتستانتية فكانت ثورتهم على الكهنوت كثورة قورح.

 

آية 7 "هوذا ياتي مع السحاب و ستنظره كل عين و الذين طعنوه و ينوح عليه جميع قبائل الارض نعم امين".

هوذا يأتى مع السحاب = السحاب إشارة لمجد الله الذى يحل. هكذا كان السحاب مرافقاً دائماً لحلول مجد الله فى الخيمة والهيكل وذلك لأن الإنسان لا يحتمل مجد الله فكما أن الشمس لا يحتمل حرها والسحاب يلطف حرارتها هكذا مجد الله يخفيه السحاب حتى نحتمل نوره ومجده. عموماً فالأشرار لن يروا مجده، أما الأبرار فسيعانيون مجده ولكن بقدر ما يحتملون، إلا أن الله سيزيد من طاقة إحتمالهم ليتمتعوا بضياء مجده للأبد. وقوله هوذا هى إشارة للإنتباه أن المسيح قد يأتى الآن أو فى أى لحظة وستنظره كل عين = سيظهر عياناً للكل وليس سراً.

والذين طعنوه وينوح عليه = سينظره الأشرار ولكنهم لن يتمتعوا بمجده بل سيرتعبون أمامه وينوحون لسابق رفضهم له إذ كانوا بأعمالهم يصلبون إبن الله ثانية ويشهرونه (عب6:6) ينوحون لأن فرصة التوبة إنتهت. والمؤمنين ينوحون فرحاً بجراحاته التى كانت سبباً فى خلاصهم. أما الذين طعنوه بإنكارهم له وبخطاياهم وزناهم... الخ سينوحون لأنهم سيدركون خسارتهم الأبدية وأن الفرصة الممنوحة لهم قد إنتهت، ومن هيبة الجالس على العرش سيقولون للأرض إنفتحى وإبلعينا وللجبال غطينا من وجه الجالس على العرش (رؤ15:6-17) وراجع (مت 30:24).

نعم آمين = عبارة مصادقة أوردها يوحنا بلفظين أحدهما عبرى والآخر يونانى، والمعنى أن دينونة الله هى لكل العالم.

 

آية 8 "انا هو الالف و الياء البداية و النهاية يقول الرب الكائن و الذي كان و الذي ياتي القادر على كل شيء".

أنا هو الألف والياء = إن كان هناك لغة نعرف بها السماويات ونعرف بها محبة الآب، فهذه اللغة هى المسيح يسوع نفسه، فالمسيح يسوع هو كلمة الله، هو ألف وياء هذه اللغة (ألفا)، (أوميجا) باليونانية أى أول ونهاية الحروف فى اللغة فالمسيح أتى ليعلن لنا عن محبة الآب، لذلك قال من رآنى فقد رآى الآب، المسيح أتى ليعرفنا على الآب فهو حينما أقام الموتى أعلن أن الآب يريد لنا حياة أبدية ولا يريد لنا الموت، وحينما فتح أعين العميان أعلن لنا أن الآب يريد لنا البصيرة المفتوحة التى ترى وتعرف الآب نفسه وترى مجد السمائيات وليست تلك التى ترى وتدرك الفانيات وحينما علق على الصليب أعلن لنا محبة الآب غير المحدودة للبشر التى بها بذل إبنه عن الخطاة. إذاً كان المسيح هو اللغة، الألف والياء التى بها أعلن الله ذاته وأعلن عن إرادته وعن فكره، هو اللغة التى بها عرفنا الآب.

وحرف الألفا، أوميجا نجدها رمزاً للسيد المسيح فى رسومات كثيرة فهما أول وآخر حروف الأبجدية اليونانية ويشيرا أننا كنا لا يمكننا تصور محبة الآب ومداها إلا عندما رأينا المسيح على الصليب. وهل كان يمكننا أن نتصور تواضع الله إلا حينما رأينا المسيح يغسل أقدام تلاميذه ويقبل أن يضرب من عبد رئيس الكهنة. وهل كان لنا أن يحل فينا الروح القدس الذى يعرفنا أسرار الله مالم يتم المسيح فداؤه على الصليب (1كو9:2-13) +(يو39:7) ونحن لن نفهم ولن نرى مجد الله إلا بالمسيح الذى آتى من السماء ليحملنى فيه إلى السماء. إذاً المسيح هو الألف والياء وكل الحروف التى بينهما، بل كل ما تعبر عنه كل الكلمات فى تشكيلاتها جميعاً من أفعال ومعانٍ وأوصاف وتعبيرات خرجت وتخرج من الله لتعبر عن الله وتعلنه لنا وتعرفنا محبته ومشيئته.

Text Box: كل أحداث العالم

Text Box: كل شىء لمجد إسمه

Text Box: هو الخالق


البداية والنهاية = كل شىء قد بدأ بالمسيح، فالمسيح هو الكلمة عقل الله الذى به كان كل شىء (يو1:1-3) وكل شىء راجع له ولمجد إسمه. 

 

والمسيح هو محرك التاريخ، لا شىء يجوز من وراء ظهره، بل عبر مشيئته المقدسة. وهو رأس الكل أى خالق الكل، لا يوجد شىء خارجاً عنه هو الذى يحتوى كل شىء ولا شىء يحويه = غير المحوى. وهو تجسد ليجمع فيه كنيسته ويحتوى الكل فيه، هو جمع الكنيسة كلها فيه. هو البداية والنهاية فى الزمان والمكان. هو الخالق خلق كل شىء لمجده وهو تجسد ليحوى كل الكنيسة وقوله البداية والنهاية أى لم يبدأ قبله شىء ولن يبقى بعده شىء فهو الأزلى الأبدى الذى لا يحصره الزمن لأنه واجب الوجود.

القادر على كل شىء = لو أراد أن ينهى حكم دومتيانوس أو حتى حياته لأنها ها ولو أراد أن يوقف أى إضطهاد لأوقفه فوراً. والكلمة الأصلية " بانطوكراطور" أى ضابط الكل.

 

آية 9 "انا يوحنا اخوكم و شريككم في الضيقة و في ملكوت يسوع المسيح و صبره كنت في الجزيرة التي تدعى بطمس من اجل كلمة الله و من اجل شهادة يسوع المسيح".

شريككم فى الضيقة... وصبره = كلمة صبر تتكرر كثيراً فى هذا السفر والمسيح يرسل رسائله. ويوحنا يكتب لكنائس آسيا الصابرة على إضطهاد دومتيانوس هنا نرى مثالاً حياً لإحتمال الضيقة والإضطهاد بصبر بل نرى أن الله يكافىء يوحنا على إحتماله وصبره بأنه قد فتح عينيه على أسرار السماء وهناك من يرفض أى ألم وأى ضيقة ويشكو ويتبرم ويتذمر. ولكن من يرفض الضيقة فهو يرفض معها أن يفتح الله عينيه على التعزيات وعلى أسرار محبته. لذلك قال القديس العظيم الأنبا بولا "من يهرب من الضيقة يهرب من الله" فنحن عن طريق الألم والصليب نشترك مع المسيح فى صليبه وبالتالى فى مجده (رو17:8) ولنلاحظ أن أسلوب إبليس الذى يتبعه دائماً فى أثناء الضيقات هو أنه يُصور لنا أن الله تخلى عنا بسبب أنه تركنا فى الضيقة، بل هو فعل هذا حتى مع المسيح فى جوعه، إذ طلب منه أن يطلب من الآب أن يحول له الحجارة إلى خبز. وهكذا يطلب إبليس منى فى كل ضيقة أن أطلب من الله ان يحلها فوراً فإذا لم يستجيب الله ويحل المشكلة يأتى التشكيك فى محبة الله. وكان رد المسيح على إبليس "ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله" ولنتعلم من هذا الرد أن نجيب إبليس هكذا.... ليس بحل المشكلة فقط يحيا الإنسان، بل بكل كلمة تخرج من فم الله. فمن يحتمل ضيقته بصبر واثقاً فى محبة الله وأن كل ما يسمح به هو للخير، يكون ذلك سبباً فى خلاصه وسبباً فى تعزيات كثيرة، وكلما كثرت التعزيات إزداد الإنسان صبراً على ضيقاته. مثل هذا الإنسان يضع الله بينه وبين الضيقة فيتعزى. ولكن هناك من يضع الضيقة بينه وبين الله فيخسر الله. ونلاحظ أن الصبر هو عطية من الله لمن يثق فيه. لقد عانى زكا من قصره. بل ربما كان قصره سبباً فى سخرية الناس منه، لكنه كان سبباً فى خلاصه والمولود أعمى عانى كثيراً ولكن عماه كان سبباً فى أنه آمن بالسيد المسيح بعد ذلك وخلص.

ولنعلم أن هناك منهجان فى التعامل مع الله فى حياتنا:-

1.     أن يشعر الإنسان أنه كإبن لله هو محاط بحب الله وتدليله، وحتى الآلام يحتملها لأنها من يد الله، مثل هذا الإنسان يعيش فى فرح وتنفتح عيناه على محبة الله أكثر وأكثر كل يوم، ويرى يد الله التى تعطيه البركات. وهذا الإنسان لا يتذمر ولا يشكو، فكيف يشكو من حسب الألم هبة من الله فى (29:1). وهذا ما نراه هنا.. فلاحظ قول يوحنا.. كنت فى الجزيرة التى تدعى بطمس = ولم يقل منفياً أو مطروداً من دومتيانوس فهذا قد عرفناه من التاريخ، فهو لا يشتكى ضيقته.

2.     هناك إنسان آخر يرى الضيقات كأنها كل شىء فى حياته فيشكو ويتذمر ولا يرى بركات الله فى حياته، بينما قد تكون هذه البركات واضحة للآخرين فيحيا حياة التذمر التى تؤدى إلى قسوة القلب، ومثل هذا تعمى عينيه فلا يعود يرى بركات الله ومحبة الله، بل قد يرى أن الله يتعمد الإساءة إليه.

وعموماً عمل الخدام هو إيضاح محبة الله لكل إنسان ولذلك يسمى بولس الرسول الخدمة أنها خدمة المصالحة مع الله.

وهنا نرى يوحنا فى ضيقته وفى منفاه بعد أن عذبه دومتيانوس بإلقائه فى الزيت المغلى أولاً ثم نفيه... فهل يقول يوحنا أن الله قد تخلى عنى أو أنه لا يحبنى، بل كان يوحنا فى صبره ذو عين مفتوحة على تعزيات السماء التى تصاحب كل من فى ضيقة، بل رأى  هذه الرؤيا العجيبة، كما أن أيوب فى ضيقته رأى الرب وحزقيال فى سبيه رأى الرب على عرشه، ويعقوب وهو هارب رأى السلم السمائى لذلك قال شريككم فى الضيقة وفى ملكوت يسوع المسيح انا يوحنا أخوكم = هكذا يخاطب الرسول وهو من الأعمدة أساقفة الكنائس بتواضع فهو وإن كان رسولاً للمسيح إلا أنه يشعر بالأخوة للجميع... "أبانا الذى فى السموات".

 

آية10 "كنت في الروح في يوم الرب و سمعت ورائي صوتا عظيما كصوت بوق".

كنت فى الروح = إن شرط أن تنفتح عين الإنسان على رؤى الله هو أن يكون فى الروح. والبشر نوعان:-

الإنسان الروحى أو من هو فى الروح والإنسان الشهوانى الجسدانى أى فى الجسد ومن هو فى الجسد يكون مستغرقاً فى شهوته وملذاته ويجتهد فى سبيل إشباعهما، تجذبه  شهواته الجسدية للأرض، وكأنه بلا روح

أما من هو فى الروح فهو يقاوم شهوات جسده، بل يصلب أهواءه وشهواته (غل 24:5) + (غل 20:2). مثل هذا الإنسان يكون كأنه روح بلا جسد وهذه درجات فكلما إزداد الإنسان تقشفاً وزهداً إرتفع فى درجته الروحية ولذلك نجد فلسفة الكنيسة الأرثوذكسية هى زيادة أيام الأصوام لتعطى فرصة للإنسان ليكون فى الروح بصلاته مع صومه. لذلك قال السيد المسيح أن الشيطان لا يخرج إلا بالصلاة والصوم.

ونحن نعلم أن الروح يشتهى ضد الجسد والجسد يشتهى ضد الروح (غل 17:5).

 

 

مثال:-

المنطاد وهو بالون مملوء بالغاز الخفيف كالهيليوم ومعلق به مركبة تحمل ركاباً ويربطه بالأرض حبال ويوضع به أكياس رمل حتى لا يطير لأعلى. ثم حينما يريد القائد الطيران يلقى بأكياس الرمل ويفك الحبال فيرتفع لأعلى. وكلما تخلص القائد من أكياس الرمل يرتفع أكثر لأعلى وهذا المنطاد هو أنا، وكلما قطعت حبال الخطايا والشهوات التى تربطنى بالأرض أنطلق للسماوات وأكون فى الروح وأعبد الله بروحى (رو 9:1).

وكلما تخلصت من أكياس الرمل (الأكل والشرب والملذات وأحمل الصليب بشكر) كلما كان لى فرصة للتعرف على مناظر السموات.... لماذا ؟

لأنه كلما صار الإنسان فى الروح يسهل على الروح القدس أن يتعامل معه ويخطف روحه أو  عقله   وقد  يغيب  بحواسه   الطبيعية   عما  حوله،  ويرى أشياء  تعلن له  من  الله  (1كو9:2-12) وهكذا حارب الأباء السواح الجسد، فكان لهم فرصة أن يصيروا فى الروح بتقشفهم الزائد. ورأوا مالا يراه البشر العاديين.

وهكذا كان يوحنا المتألم المنفى الذى يحيا فى جزيرة قاحلة يندر فيها الأكل والشرب فصار فى الروح إذ صار الجسد كأنه ميتاً والحياة فى الروح درجات نراها هنا فى سفر الرؤيا:-

1.     درجة أقل قيل عنها كنت فى الروح وبهذه الدرجة إستطاع يوحنا أن يحصل على رسائل للكنائس السبع.

2.     درجة أعلى قيل عنها صرت فى الروح (2:4) فيها أعطاه الله إمكانيات روحية أعلى ليرى المستقبل، بل ليرى عرش الله والسماء وهذه الدرجات الروحية هى خروج عن رباطات الحواس الجسدانية التى تجذب الإنسان للأرض. وبهذه الدرجات الروحية رأى بولس السماء الثالثة وقال عن هذه الحالة "أفى الجسد لست أعلم أم خارج الجسد لست أعلم، الله يعلم" (2كو2:12) هى حالة من السمو الروحى.

وكلما تخلى الإنسان المؤمن عن ملذات جسده يسهل تعامل الروح القدس مع روحه ويجذبه لدرجة روحية أعلى. بل أن الله يساعد أحباؤه ببعض الآلام (الصليب الموضوع علينا) حتى يفنى الإنسان الخارجى، حينئذ يتجدد الداخل يوماً فيوم (2 كو 16:4). ويصبح مثل هذا الإنسان فى الروح ويرى إعلانات، لذلك إعتبر بولس الرسول الآلم هبة من الله  (فى29:1).

 

فى يوم الرب = أى يوم قيامة الرب يسوع فسمى يوم الرب، وفيه بدأت الكنيسة تقدم فيه عبادتها الإفخارستيا. فيوحنا مع أنه فى المنفى إلا أنه كان يتذكر الصلوات ويصلى فرأى هذه الرؤيا. إذاً يوم الرب هو يوم الأحد تذكار راحة الرب من إعداد الخليقة الجديدة بقيامته ليقيم كنيسته من موتها.

 

وسمعت ورائى =

1.     للتدرج : فيوحنا لن يحتمل رؤية المسيح فى مجده مرة واحدة.

2.     لأن الأمور التى سيتحدث عنها محجوبة عن الأعين البشرية.

3.     للإعداد، فصوت البوق سيثير الخشوع فى نفس يوحنا فيكون مستعداً أن يرى المسيح. وهذا حدث مع الشعب فى البرية ومع إيليا، فقد كان يسبق رؤية الله أو كلام الله معهم أصوات ورعود... لإثارة الخشوع فيكونوا مستعدين لرؤية الله.

كصوت بوق = يوحنا يشبه الصوت الغريب الذى سمعه بصوت معروف هو صوت البوق. ولماذا كان الصوت يشبه البوق. فيوحنا يعلم أن البوق يستخدم فى:

1.     الإنذار بالحروب :- والسفر ملىء بأخبار حروب مستمرة ضد الكنيسة.

2.     الرحيل:- والسفر إنذار بأن رحلة الحياة قصيرة.

3.     الأعياد:- وهذا السفر يعلن عن أعظم عيد وهو حفل عشاء عرس الخروف حيث نجتمع مع عريسنا فى السماء (رؤ 9:19).

حقاً كان يوحنا غائباً عن كنيسته فى يوم الأحد، يوم سر الإفخارستيا ولكنه كان بالروح شريكاً مع الكنيسة فى الصلاة وشريكاً مع السمائيين فى رؤياه.

 

آية11 "قائلا انا هو الالف و الياء الاول و الاخر و الذي تراه اكتب في كتاب و ارسل الى السبع الكنائس التي في اسيا الى افسس و الى سميرنا و الى برغامس و الى ثياتيرا و الى ساردس و الى فيلادلفيا و الى لاودكية".

الأول والآخر = (أش 6:44 + 12:48) الإبن هو أول الخليقة أى رأسها ومدبرها وتنازل ليصير عبداً بل ليضرب من عبد رئيس الكهنة. هو إحتضن الخليقة كلها من أولها لآخرها. الأول فليس قبله والآخر فليس بعده.

والكنائس التى أرسلت لها هذه الرسائل هى كنائس حقيقية فى آسيا الصغرى (تركيا) لكن تفهم الرسائل أنها مرسلة لكل الكنيسة عبر الزمان.

 

آية 12 "فالتفت لانظر الصوت الذي تكلم معي و لما التفت رايت سبع مناير من ذهب".

سبع منابر من ذهب = هم السبع كنائس. وهم مناير لأن الكنيسة هى نور العالم. وهى من ذهب فالذهب رمز للسماويات التى تحياها الكنيسة فالتفت لأنظر الصوت = أى أنظر مصدر الصوت.

 

آية 13 "و في وسط السبع المناير شبه ابن انسان متسربلا بثوب الى الرجلين و متمنطقا عند ثدييه بمنطقة من ذهب".

من أروع ما يمكن أن نرى المسيح وسط كنيسته يرعاها ويقودها لبر الأمان وسط زوابع إضطهادات هذا العالم.

شبه إبن إنسان = كان المسيح له شكل إنسان ولكن بسبب المجد الذى صار فيه إذ جلس عن يمين الآب قيل عنه شبه إبن إنسان، ويوحنا تحير إذ أراد وصفه، فهو يشبه المسيح يسوع الذى سبق وعرفه حينما كان على الأرض ولكنه الآن له صورة مجد لم يراها من قبل فقال شبه إبن إنسان.

متسربلاً بثوب إلى الرجلين = هذه ملابس الكهنة، لأن السيد المسيح هو رئيس كهنتنا الأبدى والذى يشفع فينا وسيظل كذلك إلى الأبد.

متمنطقاً عند ثدييه بمنطقة من ذهب = المنطقة عند الثديين هى ملابس القضاة. ونلاحظ أن دانيال حين رأى السيد رآه متمنطقاً بمنطقة عند حقويه (دا 5:10). وذلك لأن دانيال حين رآه كان ذلك فى العهد القديم قبل التجسد، ومن يتمنطق عند حقويه يكون فى وضع الإستعداد لعمل ما فهو إذاً كان يستعد للتجسد. ولكن يوحنا حين رآه فى سفر الرؤيا رآه متمنطقاً عند ثدييه لأنه يستعد لعمله كديان (يو 22:5). والذهب يشير للسماويات، فهو قاض سماوى يدين بحسب قوانين السماء وليس كالبشر. المنائر ذهبية لأنها سماوية (أف6:2 + 12:6) فالذهب رمز للسمائيات فهو لا يتحد بشىء من الأرض كالماء والهواء فلا يصدأ رمزا للسمائيات التى لا تفسد.

 

آية 14 "و اما راسه و شعره فابيضان كالصوف الابيض كالثلج و عيناه كلهيب نار".

وأما رأسه وشعره فأبيضان كالصوف الأبيض كالثلج

لها تفسيران:

1.     الشعر الأبيض رمز الحكمة والأزلية فهو قديم الأيام (دا13:7).

2.     الشعر يشير للكنيسة فهى شعر المسيح الملتصق برأسه. فالشعر عدده كثير جداً وملتصق بالرأس، وهو أبيض فالمسيح بررنا وبيضنا بدمه. تغسلنى فأبيض أكثر من الثلج (مز 7:51) + (رؤ 14:7) + (رؤ 5:1) + (أش 18:1).

عيناه كلهيب نار = نرى فيها عريسنا الساهر الذى لا ينعس ولا ينام ولا يقدر أن يخطفنا أحد من يده. ويراها الأشرار حارقة لهم فاحصة لأعماقهم الشريرة.

 

كيف يبدو المسيح لكل واحد:- راجع (رؤ 6،5:5)  فالشيخ قال ليوحنا عن المسيح أنه الأسد الخارج من سبط يهوذا، وحينما نظر يوحنا إليه وجده خروف كأنه مذبوح. وهذا يشير لأن السيد المسيح هو أسد وخروف فى نفس الوقت. أسد فى قوته وإنتصاره على إبليس وخروف فى تقديم نفسه ذبيحة على الصليب. والمسيح يظهر لكل منا بحسب إحتياجه. فهناك من هو فى ضيقة محاط بأعداء أقوياء هذا يحتاج للمسيح كأسد ليحميه ويدافع عنه ولا ينفع مع هذا صورة المسيح الحمل الوديع. ولكن هناك من هو ساقط فى يأس من خطيته، وهذا يحتاج أن يرى المسيح كخروف  أو كحمل قدم نفسه ذبيحة عنه ليرفع خطيته، مثل هذا لا تنفع معه صورة المسيح الأسد لأنها سترعبه. وهناك خاطىء مستهتر يحتاج أن يرى صورة المسيح الأسد المفترس (هو14:5) وبهذه الطريقة يمكننا أن نفهم لماذا إختلفت أو قل تعددت صور المسيح التى يظهر بها لكل كنيسة من الكنائس السبع (إصحاحات 3،2) فهو يظهر لكل كنيسة بحسب إحتياج الكنيسة وبحسب حالة كل كنيسة. بل إن صورة المسيح التى يظهر بها للخاطىء فترعبه هى هى نفسها التى يظهر بها للمؤمن فتكون له مصدر قوة وتعزية. فالشرطى فى الليل هو مصدر إطمئنان لفتاة ضعيفة تسير وحدها، وهو مصدر رُعب للص يجول ليسرق وينهب.

فحينما نرى المسيح وله عينان كلهيب نار نراها كمؤمنين فتكون لنا مصدر إطمئنان فهى تحرق خطايانا وشهواتنا، وكلما إحترقت خطايانا فى قلوبنا تزداد المحبة فى قلوبنا إلى أن تلتهب كما بنار. ولكن هذه النظرات النارية تخيف أعداء المسيح، يراها الأشرار فيرتعبون من نظرات الله الفاحصة المخيفة الغاضبة فيقولون للجبال أسقطى علينا (رؤ16:6).

وحينما نسمع صوته كصوت مياه كثيرة نفهمها نحن المؤمنين أنها أصوات التسابيح التى ترددها الكنيسة فى كل مكان، وقد علمهم الروح القدس كيف يسبحون فرحين بكل لسان وكل لغة ومن كل مكان فى العالم. ويسمع الأشرار هذا الصوت فيجدون فيه صوت هدير مرعب كصوت رعد.

وحينما نسمع أن المسيح له سيف ماضٍ ذو حدين يخرج من فمه، فنرى فيه نحن المؤمنين حده الأول الذى يقطع خطاياى المميتة كما يقطع الجراح بمشرطه الورم الخبيث القاتل من جسم الإنسان ليعطيه حياة. ويكون هذا بكلمة الله التى هى سيف ذو حدين (عب12:4) والحياة الجديدة تكون كولادة جديدة (1بط23:1) وكان هذا بكلمة الله. فالحد الأول من السيف يبكت وينذر وينقى ومن يستجيب يحيا (يو25:5)  فيولد الإنسان من جديد وإن لم يستجب ويتوب تكون له كلمة الله للدينونة (رؤ16:2) + (يو29:5، 48:12).

 

آية 15 "و رجلاه شبه النحاس النقي كانهما محميتان في اتون و صوته كصوت مياه كثيرة".

رجلاه شبه النحاس = النحاس فى الكتاب المقدس يرمز للدينونة، والمسيح تجسد ليدين الخطية ويطأ إبليس بقوة. فالنحاس  يشير لجسد المسيح الذى أتى به ليدين الخطية. كأنهما محميتان = بالنار إشارة للاهوت والنحاس المحمى بالنار إشارة لإتحاد اللاهوت بالناسوت. والقدمين يشيران للإمكانية التى يعطيها لنا الرب يسوع لندوس الحيات والعقارب وكل خطية وكل شهوة ردية.

صوته كصوت مياه كثيرة = روح الله يشبه بالمياه (يو39،38:7) وحين يعمل فى كل الذين أتوا من المشارق والمغارب وآمنوا بالمسيح وصار التسبيح لغتهم يشبه هذا بصوت مياه كثيرة أى عمل كثير فى قلوب المؤمنين.

والمسيح لما كان على الأرض لم يسمع أحد فى الشوارع صوته (مت19:12) ولكنه كديان سيكون صوته مرعباً.

 

آية16 "و معه في يده اليمنى سبعة كواكب و سيف ماض ذو حدين يخرج من فمه و وجهه كالشمس و هي تضيء في قوتها".

معه فى يده اليمنى سبعة كواكب = هم الأساقفة وهم فى يده إشارة لحمايته لهم، هم وأفراد شعبهم. هنا يشبه المسيح نفسه بأم تحمل أطفالها لترعاهم.

واليد اليمنى إشارة لقوة حفظه لنا، فهو يحمى الأساقفة وكنائسهم بقوة.

والأساقفة مشبهون بكواكب إذهم نور للعالم يعكسون نور المسيح الذى هو كشمس، هو شمس البر (ملا 2:4).

سيف ماضٍ ذو حدين = السيف ذى الحدين هو كلمة الله (عب 12:4) لذلك نجده هنا يخرج من فمه.

ووجهه كالشمس = هذا تشبيه بشرى عن مجد وبهاء الإبن بعد أن جلس عن يمين أبيه وتمجد. والشمس تشير لأنها نور ونار مطهرة ودفء.

 

أيات 18،17 " فلما رايته سقطت عند رجليه كميت فوضع يده اليمنى علي قائلا لي لا تخف انا هو الاول و الاخر. و الحي و كنت ميتا و ها انا حي الى ابد الابدين امين و لي مفاتيح الهاوية و الموت".

لا يحتمل بشر مجد المسيح، وهذا حدث مع دانيال من قبل (دا8:10) ومع حزقيال (حز28:1). ومع التلاميذ عند التجلى (مت6:17) والرب من محبته وضع يده اليمنى عليه للطمأنينة والتهدئة من الخوف والرعب وأقامه إذ سقط.

 أنا هو الأول والآخر والحى وكنت ميتاً = هذه الآية لا تستطيع أتباع شهود يهوة الرد عليها. فلو قلت لهم أن المسيح قيل عنه إله أو رب قالوا هذه تعنى سيد. ونحن نعترف به سيداًولكنه ليس يهوة العظيم. ولكن هذه الآية تحرجهم جداً فلقب الأول والآخر قيل عن يهوة فى (أش6:44) ولكن الحى وكنت ميتاً هذه لا تقال سوى عن المسيح. وبذلك عليهم أن يعترفوا أن المسيح يسوع هو يهوة العظيم الذى تجسد ومات وقام. وهو الديان له مفاتيح الجحيم والموت = له سلطان على الجحيم يغلقه فى وجه أحبائه ويلقى فيه أعدائه. وهنا نرى الطبيعة الواحدة للسيد المسيح فهو الأول والآخر بلاهوته وهو الذى كان ميتاً وقام بناسوته. الحى إلى أبد الأبدين = الحياة هى طبيعتى أما الموت فكان شىء عارض ولن يحدث ثانية.

 

آية 19،20 " فاكتب ما رايت و ما هو كائن و ما هو عتيد ان يكون بعد هذا، سر السبعة الكواكب التي رايت على يميني و السبع المناير الذهبية السبعة الكواكب هي ملائكة السبع الكنائس و المناير السبع التي رايتها هي السبع الكنائس".

ما رأيت = المسيح وسط كنيسته حاملاً إياها كما تحمل الأم رضيعها وقارن مع (أش12:66) + (يو12:17) لتعرف محبة المسيح وحمايته لكنيسته ما هو كائن = أحوال الكنيسة (السبع الكنائس) لتعرف أخطائها وتتوب ما هو عتيد = أى ما سيحدث للكنيسة حتى المجىء الثانى.


 

مقدمة عن الإصحاحين الثانى والثالث:

الإصحاحين الثانى والثالث يشتملوا على رسائل للكنائس السبع.

 

طرق تفسير الرسائل:

تفسر الرسائل السبع للكنائس السبع بثلاث طرق:-

1.     هى رسائل خاصة بهذه الكنائس تعالج مشاكل خاصة بهذه الكنائس.

2.     هى رسائل موجهة لكل كنيسة، فى كل زمان ومكان، أى لكل واحد منا وكل واحد يمكنه الإستفادة منها.

3.     هى رسائل تمثل مراحل تاريخية للكنيسة عموماً، وفيما يلى شرحاً لهذا

 

معانى أسماء الكنائس وما تشير إليه

1.     أفسس: المحبوبة: وهى تشير لفترة الكنيسة الأولى كنيسة الرسل الكارزة

2.     سميرنا = المر:وهى تشير لفترة الألام والإضطهاد والإستشهاد.

3.     برغامس= التزاوج : (جامو ومنها Monogamy   أى شريعة الزواج بواحدة) وهى تشير للفترة التى حدث فيها تزاوج بين الكنيسة والدولة وهذه بدأت بقسطنطين الملك. وفى هذه الفترة رأينا تدخل الأباطرة فى شئون الكنيسة بل رئاستهم للمجامع. ورأينا إعتماد الكنيسة على الأباطرة ولأن الكنيسة إتكأت على آخر غير المسيح بدأت تضعف.

4.     ثياتيرا = المسرح: وصلنا فى مرحلة برغامس إلى بداية ضعف الكنيسة وهنا تجد الحال أسوأ. فالشعب يحيا فى مظهرية دون تدين حقيقى أو محبة حقيقية لله. وإنتشرت البدع فمن لا يعرف الله يسعى وراء كل ما هو جديد، وهذا هو حال المسارح.

5.     ساردس = البقية: نتيجة ما سبق ضعفت المحبة، بل ترك الكثيرين المسيحية ولم يتبقى سوى قلة أى البقية

6.     فيلادلفيا = محبة الإخوة : هذه مرحلة نوجو أن نصل إليها قريباً وفيها تتحد الكنائس، وتكون هذه الوحدة إستعداداً لأيام الضيقة العظمى المنتظرة

7.     لاودكية = حكم الشعب = والمعنى أن الكنيسة تنزل إلى مستوى الناس لترضى أهواءهم. فإذا لم يقبل الناس الأصوام تقول الكنيسة لا داعى للأصوام بل دخل الآن للكنيسة أحط ما فى الشعوب وأقامت بعض الكنائس أساقفة شواذ جنسياً لأن الناس يريدون هذا، وهذا معنى حكم الشعوب وهذه الفترة هى فترة الضيقة العظمى، أو نهاية Text Box: الشكل الذى يظهر به المسيح للكنيسة


هذه الفترة هو الضيقة العظمى (مت 31:24) + (دا 1:12) وفيها يظهر ضد المسيح. 

 

كيف ندرس كل رسالة:

 كل كنيسة لها مشكلة والمسيح يظهر لهذه الكنيسة بشكل يتناسب مع مشكلتها. ويعطيها وعد لمن يغلب. وهذا الوعد يتناسب مع المشكلة، وهو أيضاً إمتداد للشكل الذى ظهر به المسيح للكنيسة. الشكل الذى يظهر به المسيح للكنيسة هو تعبير عن عطية أو قوة يعطيها المسيح لكنيسته تتناسب مع مشكلتها. والوعد الأخير لكل من يغلب هو ما سيحصل عليه الغالب فى السماء وهو إمتداد لما نراه فى شكل المسيح الذى ظهر به. فما نحصل عليه هنا هو عربون ما سنحصل عليه فى السماء


 

الأصحاح الثانى

أيات 1-7 "اكتب الى ملاك كنيسة افسس هذا يقوله الممسك السبعة الكواكب في يمينه الماشي في وسط السبع المناير الذهبية. انا عارف اعمالك و تعبك و صبرك و انك لا تقدر ان تحتمل الاشرار و قد جربت القائلين انهم رسل و ليسوا رسلا فوجدتهم كاذبين.و قد احتملت و لك صبر و تعبت من اجل اسمي و لم تكل. لكن عندي عليك انك تركت محبتك الاولى.  فاذكر من اين سقطت و تب و اعمل الاعمال الاولى و الا فاني اتيك عن قريب و ازحزح منارتك من مكانها ان لم تتب. و لكن عندك هذا انك تبغض اعمال النقولاويين التي ابغضها انا ايضا. من له اذن فليسمع ما يقوله الروح للكنائس من يغلب فساعطيه ان ياكل من شجرة الحياة التي في وسط فردوس الله".

كنيسة أفسس

v        مشكلة هذه الكنيسة نقص المحبة = تركت محبتك الأولى (المحبوبة تركت محبتها الأولى).

v        الصورة التى ظهر بها المسيح لهذه الكنيسة = الممسك السبعة كواكب فى يمينه كما تحمل الأم رضيعها فالمسيح يريد أن يقول... حتى وإن نقصت محبتكم لى فمحبتى لكم لن تنقص ولن تبطل، وهذا نوع رقيق من العتاب.  الماشى وسط = كلمة ماشى تشير أنه لا يكف عن العمل ولا يكل عن خدمة كنائسه (والأصح كنيسته) لذلك لا نخاف فهو دائماً يحملنا ودائماً يمشى وسط كنيسته، وكل هذا فى حب. وهذا الحب الذى نشعر به هو عربون ما سنحصل عليه فى السماء

v        Text Box: المسيح يحمل كنيسته
ويمشى وسطها


الوعد لمن يغلب : سأعطيه أن يأكل من شجرة الحياة أى أن المسيح يتحد به إتحاداً كاملاً، ويكون له سر حياة أبدية، والإتحاد هو تعبير عن الحب فى صورته الكاملة، إتحاد عريس بعروسه التى يحبها. المسيح يعطى له نفسه. 

وفى هذا أيضاً عتاب رقيق لهذه الكنيسة التى تركت محبته. فالله يظهر لها إشتياقه لأن يتم هذا العرس الزيجى (رؤ1:21-3).

والأكل يعنى الشبع. ونقص الحب يشير لعدم الشبع. فالمسيح يود لو أن كنيسته تفهم أنه هو وحده سر الشبع ووحده فيه الشبع. فالعالم ليس فيه شبع، بل من يشرب منه يعطش والقلب الفاتر فى محبته هو قلب جائع، لذلك يحتاج إلى الشبع من الرب شجرة الحياة. هذا يبدأ هنا على الأرض ولكنه يكمل فى السماء. فيبدأ الإنسان فى التلذذ بمعرفة الله هنا، وتكمل هذه اللذة فى السماء، فالحياة الأبدية هى معرفة الله (يو 3:17).

المحبة نوعان 1) أن أحب الله                              2) أن أشعر بمحبة الله

1) أن أحب الله:- ونلاحظ أن موسى يطلب منا بوحى من الروح القدس أن نحب الله من كل القلب والنفس والقوة (تث 4:6) وهل يمكن لإنسان أن يطلب من إنسان آخر أن يحبه؟ بالقطع لا. فكرامته ستمنعه. ولكن الله فعلها وطلب منا أن نحبه فلماذا؟ نلاحظ أن الله خلق آدم فى جنة عدن وكلمة عدن معناها فرح وإبتهاج. وهذا معناه أن آدم كان فى فرح حينما كان فى الجنة لماذا؟ لأن قلبه كان مملوءاً من محبة الله، فهو مخلوق على صورة الله والله محبة. وكما أن لذات الله فى بنى آدم (أم 31:8) هكذا كانت لذات آدم فى الله. فالمحبة لله تسبب فرح حقيقى فى القلب. أما حينما سقط آدم فلقد تحولت شهوته للعالم ففقد فرحه، لذلك يطلب الله أن نحبه ليس لأنه يحتاج لمحبتنا، بل لكى نحيا فى فرح. كما نقول فى القداس الغريغورى " لست أنت المحتاج إلى عبوديتى بل أنا المحتاج إلى ربوبيتك" ولذلك نجد أن تجديد خلقتنا يتم بالروح القدس الذى يسكب محبة الله فى قلوبنا (رو 5:5) فنستعيد الحالة الفردوسية الأولى لذلك نجد ثمار الروح القدس، محبة وفرح.. هو الفرح الناشىء عن المحبة أما أى محبة غريبة للعالم وشهواته فهى تسبب حزناً وعبودية ومذلة، ومن يشرب من هذا الماء يعطش.

2) أن أشعر بمحبة الله:- كما قال بولس الرسول أن محبة المسيح تحصرنا (1 كو 14:5) وكل من إكتشف محبة الله هذه سيشعر بالرضا عن كل شىء فى حياته. فمن أحبنى ومات لأجلى ومحبته تحصرنى، كيف لا يعطينى أفضل شىء. ولكن الله يعطى لأولاده أفضل شىء يقودهم لخلاص نفوسهم (رو 28،32:8) + (1 كو 22:3).

 

ما هى علامات المحبة لله

1.     أن يغصب الإنسان نفسه على وصاياه فهذا علامة حب (يو 23:14).

2.     عدم التذمرعلى أى شىء، فالتسليم علامة حب وثقة فى الله.

3.     محبة الإخوة حتى لو كانوا أعداء، فمحبة القريب علامة على محبة الله

4.     الإشتياق: فالذى يحب الله يشتاق لله (مز 1:63) + (مز 2:84) + (مز 2،1:42) يشتاق للصلاة ودراسة الكتاب والقداسات والتسابيح والإجتماعات. العلاقة بينى وبين الله هى علاقة عروس وعريسها الذى تشتاق إليه.

مشكلة كنيسة أفسس أنه كان لهم علاقة حب قوية مع الله وحدث فتور لهذه العلاقة. وهذا يحزن قلب الله، فهو قد إعتاد على وقوفهم أمامه وعلى علاقة الحب التى ربطتهم به. ثم دخل الفتور وربما إنقطعت هذه العلاقة. هذا مثل إنسان عاش فترة من حياته فى صلوات وميطانيات وتناول وخدمة وتسبحة، ثم يدخل الفتور لحياة هذا الشخص وتنقطع الصلوات أو تقل ولا يعود يقف أمام الله. والله يحزن ويتساءل وأين محبة الماضى. ولاحظ عتاب الله الرقيق عندى عليك وكان هذا بعد أن مدحه أولاً.

وهناك بعض الدول يوجد بها إباحية جنسية والطعام متوفر فيها جداً. ولكن يوجد بها أعلى نسبة إنتحار وأعلى نسبة تردد على الأطباء النفسانيين مع أنهم لا ينقصهم شىء. والسبب أن الإنسان أشبع جسده ونفسه أى عواطفه لكن هناك عنصر لم يشبع وهو الروح وهذه لا يشبعها سوى الله والعكس فإن أشبع الله الروح يشبع الجسد وتشبع العاطفة. ففى معجزة إشباع الجموع (مر2:8) إستمر الناس مع المسيح 3 أيام دون أن يشعروا بالجوع.

يُحكى عن الأنبا أنطونيوس أنه كان يجلس مع تلاميذه ليجيب على أسئلتهم. ولاحظ أن أحد التلاميذ لا يسأله بل يحملق فى وجهه، ولما سأله الأنبا أنطونيوس "أليس لك سؤال يا إبنى" قال هذا التلميذ "يكفينى أن أنظر إلى وجهك فأشبع". فإن كان وجه الأنبا أنطونيوس يُشبع هكذا فكم وكم وجه المسيح. وهذا يفسر بقاء الأباء السواح عشرات السنين دون طعام سوى بعض الأعشاب. وهذا ضد كل قوانين الغذاء التى نعرفها فمن تشبع روحه تشبع بطنه. والمسيح القادر أن يشبع البطون قادر أن يشبع النفوس أيضاً أى العواطف، وإلا كيف يعيش الرهبان والراهبات دون عواطف بشرية إن لم يشبعهم الله.

كثيراً ما يتوهم الشاب أو الفتاة أن إشباع حاجاتهم النفسية يكون عن طريق الإرتباطات العاطفية وأن هذه ستعطيهم السعادة، ولكنهم بذلك يهدرون أوقاتهم وعواطفهم فيما لا يفيد. ولنلاحظ أن فترة عدم الإرتباط هى فترة يجب فيها على الشاب أو الفتاة أن يكرسا فيها عواطفهم لله بالكامل فيعطيهم الله فرحاً لا ينزع منهم (يو22:16).

ومشكلة كنيسة أفسس أنها لم تفهم ذلك ولجأت إلى البحث عن الحب بعيداً عن الله. إن من يفعل ذلك ويترك محبة الله قد بدا له أن حب الله لا يستحق كل القلب فبدأ يشرك مع الله آخرين. ولكن مثل هذا الشخص لم يُدرك أن الله لا يقبل أن يكون القلب مقسماً بينه وبين العالم. ومع إنقسام القلب يبدأ حب الله فى الفتور لأن الإنسان إنشغل بالعالم ويكون هذا على حساب :-

1) سكنى المسيح فى القلب                             2) حياة الفرح

 

لذلك قال المسيح لهذا الأسقف الذى نقصت محبته تب وإلا فإنى آتيك عن قريب وأزحزح منارتك إن لم تتب = فالمسيحية هى علاقة حب وإن لم يوجد الحب لا توجد مسيحية. والوصية الأعظم " حب الرب إلهك من كل قلبك وحب قريبك..." فمن يترك طريق الحب ويختار طريق الأرضيات.

 فهو يختار طريق الموت. وقول الرب آتيك عن قريب أى آتى لك أنت بصفة خاصة وأدينك فلا تستمر كمنارة مضيئة، لأنه إن لم يوجد الحب فى القلب فالمسيح لا يسكن عند هذا الإنسان أو هذه الكنيسة وبالتالى تفقد مكانها كمنارة مضيئة فتب = إذاً نقص المحبة يحتاج إلى توبة فهى خطية عظيمة تستوجب أن يزحزح المسيح الكنيسة أى يستغنى عنها. فمن إستغنى عن الله يستغنى الله عنه. وبعض الأشخاص يأتون فى الإعتراف ويقولون نحن بلا خطية، فنحن لا نزنى ولا نسرق ولا نقتل. وهؤلاء لا يدرون أن نقص المحبة خطية عظيمة تستوجب الإعتراف بها والتوبة عنها. وهى السبب الأساسى فى حالة عدم الفرح التى يعانى منها الكثيرين.

وإعمل الأعمال الأولى = أى التى كنت تعملها بمحبة أى بغيرة ونشاط وحرارة.

 

وما قيل هنا عن زحزحة المنارة قد تحقق تاريخياً. فأفسس فى تركيا التى لا يوجد بها مسيحيون الآن. فالمنارة إذ قد تزحزحت ومعها كل الكنائس السبع أنا عارف أعمالك = بطريقة رقيقة وقبل أن يعاقب المسيح ملاك كنيسة أفسس أى أسقفها يعلن له أنه يعرف أعماله وتعبه وخدمته وصبره فى الضيقات والإضطهادات والظروف الصعبة التى يمر بها.

مبدأ روحى هام:- حذارى من أن تقف أمام الله فى ضيقتك وتقول له أذكر يا رب أننى عملت كذا وكذا أو أننى صليت وصمت لك وخدمتك فالله يعرف ولا يريد من أحد أن يذكره فإن ذكرنا الله بأعمالنا لنطلب ثمناً عنها فهذه ليست روح البنين بل روح العبيد أو قل أنها الفريسية اليهودية. ولنذكر أن الله لا ينسى كأس ماء بارد نقدمه. والطريقة الصحيحة التى أقترب بها من الله هى أننى أشعر أننى غير مستحق، بل أننى خاطىء جداً لا أطلب سوى الرحمة، لذلك تعلمنا الكنيسة أن نصلى دائماً " يا رب إرحم " فالكاهن يصلى مثلاً " إذكر يا رب الزروع والعشب " ويرد الشعب  " يا رب إرحم " أى أننا غير مستحقين أن تذكرنا ولكننا نطلب مراحمك ومن يفكر هكذا لو أتت عليه تجربة صعبة لا يقول " أذكر يا رب أصوامى... بل يقول أنا أستحق هذه التجربة من أجل خطاياى الكثيرة. مثل هذا حينما يطلب مراحم الله ويعترف بخطاياه يتبرر بدم المسيح. مثل هذا الإنسان إن جاءت إليه بركات من الله يقول " أنا غير مستحق ويردد مع بطرس " أخرج يا رب من سفينتى فأنا رجل خاطىء " لا تقدر أن تحتمل الأشرار = لغيرته على مجد الله لا يستطيع أن يهادن الأشرار لشرهم، بل يرفضهم لأنهم كاذبين إدعوا أنهم رسل = القائلين أنهم رسل = هو إختبرهم وإكتشف أن تعاليمهم مزيفة وأنهم ليسوا رسلاً وربما كانوا يدعون للغنوسية أو من المتهودين. ولم تكل = الكلل يأتى من طول المضايقات لزمن طويل.

ولكن عندك أنك تبغض أعمال النيقولاويين = بدأ السيد يُلاطف ملاك أفسس ثانية ليشجعه. ونيقولاوس هذا أحد الشمامسة السبع، وكما أن أحد الإثنى عشر وهو يهوذا كان شيطاناً، هكذا كان أحد الشمامسة. ونيقولاوس هذا كان له نظرية إباحية وأباح الزنا حتى مع زوجته

لكن عندى عليك = هذا الأسلوب الرقيق يجب أن نتعلمه من المسيح، فإذا أردت أن أعاتب أحداً فليكن هذا سراً، بينى وبينه وحدنا. وأبدأ بأن أتحدث عن إيجابياته ثم أعاتبه على سلبياته برقة ودون جرح لمشاعره.

أذكر من أين سقطت وتب = كل إنسان يعرف بداية سقوطه ودخوله فى الفتور. وهل كانت البداية كسل وتراخٍ أم كبرياء وشعور بعدم الحاجة من له أذن فليسمع ما يقوله الروح = من يود الإنصات لصوت الله فليسمع للروح القدس المتحدث للكنائس جميعها. والسمع معناه أن نصغى ونميز ونطيع. نميز صوت الله من وسط أصوات العالم والشيطان والذات، ثم نخضع بإرادتنا لما سمعناه. وهناك من لهم أذان ولكنهم لا يسمعون وذلك لأن الخطية تملأ قلوبهم. أما أنقياء القلب فيستطيعون أن يسمعوا بأذن القلب الداخلية.

تأمل:- لاحظ أن الله هو الذى بدأ بعتاب هذا الملاك الذى قَلَتْ محبته وهكذا يفعل الله دائماً معنا، فى عظة نسمع فيها كلمة مؤثرة، أو بعطية غير منتظرة نشعر فيها بمحبة الله قائلاً أنت تركت محبتى لكننى أنا أحبك.

أنا عارف أعمالك = هى قول مخيف لأنه يعرف أيضاً أعمالى الشريرة

كيف تزداد محبتى لله؟ البداية تكون بان يغصب الإنسان نفسه على الصلوات والتسابيح أى عشرة الله لأطول فترة ممكنة. وعلى طاعة الوصية " إن حفظتم وصاياى تثبتون فى محبتى (يو 10:15).

 

أيات 8-11 "و اكتب الى ملاك كنيسة سميرنا هذا يقوله الاول و الاخر الذي كان ميتا فعاش. انا اعرف اعمالك و ضيقتك و فقرك مع انك غني و تجديف القائلين انهم يهود و ليسوا يهودا بل هم مجمع الشيطان. لا تخف البتة مما انت عتيد ان تتالم به هوذا ابليس مزمع ان يلقي بعضا منكم في السجن لكي تجربوا و يكون لكم ضيق عشرة ايام كن امينا الى الموت فساعطيك اكليل الحياة. من له اذن فليسمع ما يقوله الروح للكنائس من يغلب فلا يؤذيه الموت الثاني".

كنيسة سميرنا

مشكلة هذه الكنيسة أنها تعانى من إضطهاد حالى ومقبلة على فترة إضطهاد طويلة. إضطهدها اليهود أولاً = وتجديف القائلين أنهم يهود ويضطهدها الرومان بدأ هذا على يد نيرون والآن على يد دومتيانوس. والله يخبرهم أن هذا الإضطهاد سيمتد لفترة طويلة على يد عشرة أباطرة. ولكن قالها لهم بأسلوب شفرى = يكون لكم ضيق عشرة أيام = فاليوم هنا هو فترة حكم أحد الأباطرة العشرة. وهذا ما حدث تاريخياً. فلقد بدأ الإضطهاد الرومانى ضد الكنيسة المسيحية على يد نيرون وإنتهى على يد دقلديانوس وتولى بينهما عدد من الأباطرة الذين إضطهدوا المسيحية، وكان عددهم عشرة.

ومن محبة الله وفضله أنه يعرفنا ما سيحدث لنا فالله يود لو كشف أسراره لأولاده (تك17:18). وهكذا فسفر الرؤيا ملىء بالرموز التى بكشف فيها الله لنا أموراً كثيرة ولكننا سنعرفها فى حينه، بحيث لن يعرف أحد تفسيرها قبل أن تبدأ فى الحدوث. إذاً مشكلة هذه الكنيسة أنهم يموتون وسيموتون فى المستقبل خلال فترات إضطهاد عنيفة.

الصورة التى ظهر بها المسيح لهذه الكنيسة:- الأول والآخر والحى الذى كان ميتاً فعاش وهذه الصورة تناسب هذه الكنيسة المقبلة على الموت. فما يعزيهم أن الله وهو الأول والآخر إذ تجسد قد واجه الموت. لكن كان ذلك لحسابهم فهو عاش أى قام بعد أن كان ميتاً ليقيمنا معه..... القيامة الأولى هنا من موت الخطية. ومن يغلب له وعد أن لا يؤذيه الموت الثانى = أى تكون له القيامة الثانية. إذاً فالوعد هو إمتداد للصورة التى ظهر بها السيد المسيح. وهذا تنفيذاً لما قاله السيد المسيح فى (يو 25:5-29) وقوله الأول والآخر = تعنى أنه يضم خليقته كلها سواء أحياء بالجسد على الأرض أو كأرواح تحيا وتنعم فى الفردوس وهو الأول والآخر الذى لا يسمح بشىء إلا ما فيه الخير لأحبائه. وكان ميتاً فعاش فإن كان قد مات لأجلنا فكيف
لا نحتمل الموت لأجله.

 المسيح يريد أن يقول : هل أنت خائف من الموت المجهول بالنسبة لك..... لا تخف فأنا جزت فيه قبلك وأعرفه.

 

إن المسيحى الحقيقى لا يخاف الموت أبداً بل يشتهيه لأنه بداية الحياة الحقيقية فى أفراح السماء. وحتى إذا جاء عصر إستشهاد فلقد قال السيد المسيح "لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد بل خافوا من الذى له سلطان أن يلقى فى جهنم ".

 

فالذهاب إلى جهنم هو الموت الثانى. فيجب أن أحيا خائفاً من أن أغضب الله وليس خائفاً من الموت الأول، ومن يعيش خائفاً الله يكون له إكليل حياة.

والسيد المسيح غير مفهوم الموت، فقال عن الموت الجسدى أنه نوم إذ تعقبه قيامة " لعازر حبيبنا قد نام " فبعد كل نوم هناك إستيقاظ. وهكذا قال عن إبنة يايرس أنها نائمة. ولكنه فى مثل الإبن الضال فقد إعتبر أن رجوعه وتوبته هى أنه كان ميتاً فعاش. فنفهم أن الموت هو حياة الخطية.

ولنتأمل فيما قاله بولس الرسول " إنى محصور بين الإثنين لى إشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح ذاك أفضل جداً ولكن أن أبقى فى الجسد الزم من أجلكم (فى 24،23:1). فالإنسان المسيحى مخلوق من أجل أعمال صالحة ليؤديها أف 10:2 ومن ينهى أعماله ينطلق لمكان الراحة. ولنأخذ مثالاً على هذا :-

فهيرودس قتل يعقوب بالسيف (أع 2،1:12) وأراد قتل بطرس ليرضى اليهود فأنقذ الملاك بطرس (أع 17،3:12) فلماذا أرسل الله ملاكاً لبطرس ولم يرسل ملاكاً ليعقوب ؟! هذا لأن يعقوب كان قد أنهى عمله أما بطرس فكان لا يزال أمامه أعمال يجب أن يتممها. وكما أن الله ظل يعمل ستة أيام ثم إستراح هكذا كل منا يعمل فى فترة حياته التى تناظر الستة أيام ثم يذهب إلى الراحة. فنحن إذاً غرباء فى هذه الأرض جئنا لنتمم رسالة ثم نذهب للراحة، وذلك بواسطة الموت. وقد يكون الموت موتاً طبيعياً أو إستشهاد فالموت وسيلة أياً كانت طريقته للذهاب إلى الراحة.

ولنلاحظ أننا لا يمكن لنا أن نحدد الوقت المناسب لكى ننطلق للراحة:-

1.     نحن لا نعلم متى نتمم العمل الذى خلقنا لأجله... الله وحده يعلم.

2.     لو أخترنا أن نموت الآن فربما كان الأفضل أن نعيش فترة أخرى نتوب فيها.

3.     ولو إخترنا أن نؤجل موتنا فلربما نخطىء أكثر وتضيع أبديتنا.

ولا يمكن لنا أن نحدد الطريقة التى نموت بها فهناك من ينتقل فجأة وهناك من ينتقل بعد مرض طويل خطير يكون عالماً فيه بمصيره المحتوم. وهذا الأخير تكون له فرصة تقديم توبة أما من يموت فجأة فليس له نفس الفرصة. لكن هناك من لو أصابتهم أمراض خطيرة يتذمرون على الله ويخسرون بسبب المرض خلاص نفوسهم، هؤلاء يكون الموت الفجائى أفضل لهم.

هناك من يموت شاباً وهناك من يموت شيخاً... ماذا نختار؟

الخلاصة نحن لا نعلم متى ننهى عملنا الذى خلقنا لأجله، ولا نعلم الوقت الذى نكون مستعدين فيه ولا الطريقة التى نغادر بها هذا العالم.

الله وحده يعلم فلنسلم له الأمر. حزقيال الملك أطال الله عمره 15 سنة ولكنه فى هذه الفترة أنجب أشر ملوك إسرائيل وهو منسى بل خلال هذه الفترة أخطأ هو خطأ جسيماً وما يعزينا أننا نثق أن الله فى محبته لأولاده ينقلهم فى أحسن حالاتهم فهو فاحص القلوب والكلى.

إن كانت كنيسة أفسس تشير لكنيسة الرسل التى نشرت الكرازة فى العالم فصارت محبوبة لذى المسيح فكنيسة سميرنا بمعنى المر تشير لعصر الإستشهاد.

ونلاحظ أن هذه الكنيسة هى الكنيسة الوحيدة التى لا يعاقبها المسيح فالضيق والإستشهاد ينقيان الكنيسة، وتاريخياً فعصور الإستشهاد هى أزهى عصور الكنيسة التى إمتدت فيها الكنيسة و نمت. و كما يقول بطرس الرسول  من  تألم  فى  الجسد  كف  عن  الخطية (1بط1:4) لذلك لا عتاب هنا لا للرعية ولا للأسقف.

أنا عارف أعمالك = الله يطمئنهم بأنه عارف ثمر إيمانهم المتكاثر لحساب مجد الله

وضيقتك = التى عانى منها بسبب الإضطهاد. وفقرك = لأنهم صادروا أموالكم فالله يطمئمنهم أنه مهتم بألامهم ويعرف كل شىء. وأعمالك = تشير لخدمة الأسقف ورعايته واليهود بدأوا بمصادرة أموالهم ثم عملت الدولة الرومانية نفس الشىء بعد ذلك مع أنك غنى = فى إيمانك وفضائلك (راجع (عب24:10) + (يع5:2) + (2كو10:6)).

وليسوا يهود = يقال أن يهود سميرنا عبدوا الإمبراطور فى الظاهر ليظهروا ولاءهم له فيضرب المسيحيين إذ حرض هؤلاء اليهود الإمبراطور ضد المسيحيين. وهؤلاء ليسوا يهود. فاليهود هم أبناء إبراهيم ليس فقط بالجسد بل بحسب الإيمان. وهم لم يفهموا لكبريائهم نبوات كتبهم عن المسيح فصلبوا المسيح، ومازالوا حتى الآن يرفضونه ويجدفون عليه.

بل هم مجمع الشيطان = الله لا يوجد فى مجمعهم يقودهم ويرشدهم بل الشيطان يقود عقولهم لكبرياء قلوبهم.

لا تخف = ولم يقل له لن تتألم بل أنت تألمت وستتألم حتى لا يفاجئه الألم الآتى.

لكى تجربوا = التجربة تعطى للمؤمن تزكية أى تنقية.

ما يقوله الروح = الروح يدعو للتوبة ويشجع على إحتمال الضيقات.

من يغلب = يغلب تخويف الشيطان بدفعنا لنحب الحياة فنهرب من الإستشهاد.

الموت الثانى = الهلاك الأبدى فى إنفصال نهائى عن الله.

بوليكربوس :- هو أشهر أساقفة سميرنا وربما كان هو الأسقف المقصود هنا. وكان تلميذاً للقديس يوحنا الحبيب. عذبوه وهو شيخ. هو سلم نفسه للإستشهاد وإذ أرادوا حرقه دخل النار بإرادته دون أن يقيدوه فأطفأ الله النار وخرجت روائح عطرة من النار فضربه أحد الجنود بسيفه فإستشهد. له قول جميل: فإذ طلب إليه تلاميذه أن ينكر إيمانه حتى لا يستشهد قال "المسيح الذى عاشرته 86 سنة ولم أرى منه شيئاً ردياً كيف أتركه الآن".

 

ما بين كنيسة برغامس وكنيسة ثياتيرا

 للوهلة الأولى نجد أن المشكلة فى كنيسة برغامس هى نفس مشكلة كنيسة ثياتيرا ولكن بالتدقيق نلمح فرقاً مهماً.

ففى برغامس قال "أن يأكلوا ما ذبح للأوثان ويزنوا.... قوم متمسكون بتعاليم النيقولاويين" أما فى ثياتيرا فقال "أن يزنوا ويأكلوا ما ذبح للأوثان.... يعرفوا أعماق الشيطان".

برغامس تشير تاريخياً لفترة ضعفت فيها الكنيسة لأنها بدأت تعتمد على الإمبراطور. وبدأ الأباطرة يرأسون المجامع. وبدأ الأساقفة يحلون مشاكلهم عن طريق الإمبراطور. وبدأت الكنيسة تخاف من الإمبراطور أما فى كنيسة سميرنا فكانوا لا يخافون الموت إيماناً منهم بالله فلم توجد وسطهم أى خطية يلومهم الله بسببها. لكن هنا فى برغامس إذ حدث هذا الإقتران بين الدولة والكنيسة صار للكنيسة إله آخر غير الله فضعفت الكنيسة، فهذا زنا روحى. لذلك ذكر الأكل مما ذبح للأوثان أولاً ثم قال ويزنوا إشارة للزنا الروحى ونتيجة لهذا الضعف دخل الإنحلال أى تعاليم النيقولاويين (الإباحية).

وفى ثياتيرا إزداد الضعف فإنتشرت البدع والتعاليم الفاسدة فصار تعليم الزنا أو ممارسة الزنا منتشراً لذلك بدأ بقوله أن يزنوا ونتيجة ممارسة الزنا تطوحوا ليقعوا فى يد الشيطان. ويزداد الفجور وتصل الأمور لتعليم إيزابيل أن عليهم أن يعرفوا أعماق الشيطان أى فليجربوا أعماق الخطية ليكرهوا الخطية، وهو تعليم فاسد فكراهية الخطية تأتى بالإبتعاد عنها وليس بممارسة أعماقها.

فالأكل مما ذبح للأوثان فى برغامس يشير لعبادة الأوثان وهى فى برغامس تشير للخوف من الإمبراطور وطاعته. أما الأكل مما ذبح للأوثان فى ثياتيرا هو وقوعهم فى يد الشيطان نتيجة ممارستهم الزنا، لقد صار لهم رباطات مع الشياطين فدخلوا لأعماق الشر.

 

 أيات 12-17 "و اكتب الى ملاك الكنيسة التي في برغامس هذا يقوله الذي له السيف الماضي ذو الحدين. انا عارف اعمالك و اين تسكن حيث كرسي الشيطان و انت متمسك باسمي و لم تنكر ايماني حتى في الايام التي فيها كان انتيباس شهيدي الامين الذي قتل عندكم حيث الشيطان يسكن. و لكن عندي عليك قليل ان عندك هناك قوما متمسكين بتعليم بلعام الذي كان يعلم بالاق ان يلقي معثرة امام بني اسرائيل ان ياكلوا ما ذبح للاوثان و يزنوا. هكذا عندك انت ايضا قوم متمسكين بتعاليم النقولاويين الذي ابغضه. فتب و الا فاني اتيك سريعا و احاربهم بسيف فمي. من له اذن فليسمع ما يقوله الروح للكنائس من يغلب فساعطيه ان ياكل من المن المخفى و اعطيه حصاة بيضاء و على الحصاة اسم جديد مكتوب لا يعرفه احد غير الذي ياخذ".

كنيسة برغامس

تاريخياً كنيسة برغامس تأتى فى الترتيب تالية لكنيسة سميرنا التى كانت تشير لفترة الإضطهادات التى إنتهت بموت الملك دقلديانوس ومجىء الملك قسطنطين. ولكن ما حدث بعد ذلك أن الأباطرة آمنوا وصاروا مسيحيين، وحدث نوع من التقارب بين الأباطرة والكنيسة، فصارت الكنيسة تدعم الإمبراطور وللأسف صارت تعتمد عليه فى بعض الأحيان، بل صار الأباطرة يفرضون رأيهم على الكنيسة. وحين تأثر الأباطرة بأراء الهراطقة تسللت للكنيسة أراء هؤلاء الهراطقة بضغوط من الأباطرة وخطأ الكنيسة هنا أنها:-

1.     إعتمدت على الأباطرة، وملعون من إتكل على ذراع بشر، وإذا إعتمدنا على أحد سوى الله تفسد العلاقة بيننا وبين الله، فالمتكلين على غير الله يصعب دخولهم ملكوت السموات كجمل من ثقب إبرة (مر23:10-25).

2.     سمحت للأباطرة بالتدخل بل رأس بعض الأباطرة مجامع. وسمحت للأراء الهرطوقية أن تتسلل. وواجب الكنيسة أن تحفظ الإيمان المسلم مرة للقديسيين (يه 3) وتحفظه نقياً كما تسلمته بدون أى تغيير.

إذاً مشكلة هذه الكنيسة أنها فتحت أبوابها لهرطقات وبدع كثيرة. فهناك قوم متمسكون بتعليم بلعام = وهذا أشار على ملك موآب بأن يسقط بنى إسرائيل فى خطية الزنا، ويبخروا للأوثان فيلعنهم الله. وهناك قوم متمسكين بتعاليم النقولاويين. حقاً إن الأسقف نفسه متمسك بإيمانه = وأنت متمسك بإسمى ولم تنكر إيمانى. ولكن هذا لا يكفى فواجب الأسقف أن يحارب الهرطقات والبدع مستخدماً كلمة الله فى الكتاب المقدس. لقد إهتزت علاقة الأسقف بالله إذ إعتمد على الإمبراطور، فكان هذا كعبادة الأوثان، وبالتالى دخلت الخطايا كالزنا والإباحية.

وقد يبدو أن  الأسقف برىء ولكن قوله آتيك وأحاربهم بسيف فمى لا يعنى فقط أن الله سيحارب الهراطقة، بل هو سيأتى للأسقف ويحاسبه على تقصيره فى خدمته لأنه يقول له آتيك.

والصورة التى ظهر بها المسيح لهذا الأسقف. الذى له السيف الماضى ذو الحدين والسيف يشير لكلمة الله (عب 12:4) وحدا السيف هما:-

1.     الحد الأول :- ينقى من يسمع كلمة الله " أنتم الآن أنقياء بسبب الكلام الذى كلمتكم به (يو 3:15). وكلمة الله تلدنا ثانية (1 بط 23:1). فكلمة الله لها القدرة أن تميت فينا شهواتنا وأهوائنا فنتنقى كمن ولدوا جديداً هى كمشرط الجراح الذى يزيل به ورماً خبيثاً فيولد الإنسان من جديد.

2.     الحد الثانى:- من يرفض ويقاوم كلمة الله بدلاً من أن يخضع لها يحاربه الله بسيف فمه (رؤ 16:2) فكلمة الله تدين وتحكم على المعاند (يو 48:12). وإذا حارب الله إنساناً فكيف يصمد؟!

إذا من يسمع كلمة الله ويتوب يحيا ومن يرفض التوبة يدينه الله ويموت يو 25:5 ومعنى الصورة التى ظهر بها الله للأسقف أن الله مستعد أن يضع على فمه كلمته التى يرد بها الأسقف على الهراطقة، والله مستعد أيضاً أن يحاربهم ويدينهم فلماذا الخوف من الهراطقة ؟ على الكنيسة أن تعلن كلمة الحق ولا تخاف من شعبية هؤلاء الهراطقة ولا من قوة الإمبراطور. بل تعتمد إعتماداً كاملاً على الله الذى يدافع عن كنيسته وعن إيمانها.

تطبيق من الكتاب المقدس :- لقد إستعمل الله مع فرعون الحد الأول لكلمته وكان يرسل مع موسى كلماته. وكان فرعون يتأثر لفترة قليلة ولكنه يعود لقسوته، ولما عاند ورفض كلمة الله وإنذاراته حاربه الله بالحد الثانى " انتم تصمتون والرب يدافع عنكم " وغرق فرعون إذ حاربهم الله.

 كرس الشيطان = بسبب إنتشار عبادة الأوثان وما يصاحبها من زنا. وحيث إنتشر إضطهاد المسيحيين وإنتشرت الهرطقات الكثيرة.

أن يأكلوا ما ذبح للأوثان = معناه الإشتراك الدينى الوثنى فى ولائم الأوثان وكانت ضلالة بلعام شاملة للزنا ولعبادة الأوثان، فبنات موآب أغوين الشعب على الزنا وعبادة ألهتهن الوثنية. وكانت مشورة بلعام لبالاق ملك موآب أن يجعل بنى إسرائيل يزنون ليلعنهم الله، وكان هذا ليأخذ الأموال من بالاق، لأنه لم يستطع هو أن يلعنهم لأن الله باركهم وبلعام يرمز لكل خادم يبرر الخطية طمعاً فى الربح.

لقد كثرت البدع فى هذه الكنيسة والمسيح كان على إستعداد لمعاونة أسقفها:

1.     إما بتأييده بكلمته التى تفحم الهراطقة (حد السيف الأول).

2.     أو يحاربهم بسيف غضبه وإنتقامه (حد السيف الثانى).

 

ملحوظة هامة :- لم نسمع عن هرطقات ولا مشاكل فى كنيسة سميرنا المتألمة. لكن سمعنا عنها بكثرة هنا فى كنيسة تعيش فترة راحة. وهذه هى مشاكل الراحة.

لذلك علينا أن نسهر دائما مصلين ومنتبهين ومسبحين حتى فى أوقات الراحة حيث لا آلام ولا تجارب، فإذا أتت التجارب لا نفشل.

الوعد لمن يغلب أن يأكل من المن المخفى = المن إشارة لجسد المسيح(يو48،32،31:6-51) ولكن هل هناك تناول فى السماء كما يحدث الآن على الأرض؟ قطعاً لا. فالله أعطانا أن نتناول من جسده ودمه غفراناً لخطايانا التى نرتكبها. وفى السماء لا توجد خطايا فلا داعى للتناول ويصير معنى الأكل من المن المخفى هو الشبع بالله وذلك لإنكشاف طبيعة الله للإنسان حين نراه وجهاً لوجه، نعرفه كما عرفناه (1كو12:13) وهذه هى الحياة الأبدية أن نعرفه (يو3:17). والتناول الآن يفتح أعيننا على معرفة المسيح كما إنفتحت أعين تلميذى عمواس حين كسر الخبز أمامهم. وحين تنفتح أعين الأسقف أو أعيننا

1.     لا نعود ننخدع بخداعات الهراطقة.

2.     لا نعود نتكل على أحد سوى المسيح إذ عرفنا قدرته وقوته.

ومن يغلب ولا ينخدع نكون مكافأته أن يرى المسيح فى مجده (1كو12:13).

 

وأعطيه حصاة بيضاء = كان القاضى يعطى المتهم حصاة بيضاء إذا إتضحت براءته، أما المحكوم عليه فيعطونه حصاة سوداء والمعنى أن هذه الأسقف سيبرره الله لو قام بواجبه تماما. وبالنسبة لنا لن يدخل السماء سوى من يغلب ويتبرر

الشكل: سيف ذو حدين                             الوعد

حد ينقى ويعلم فنشبع من الله          ç        من = شبع كامل لإنكشاف طبيعة الله.

حد يحكم بقضاء عاجل أما لو غلبç         حصاة بيضاء  أى يتبرر.

وعلى الحصاة إسم جديد مكتوب لا يعرفه أحد غير الذى يأخذ = الإسم يشير للشخصية. فإذا قلنا يهوذا نتذكر الخيانة وإذا قلنا يوحنا نتذكر الحب وحين يقول المسيح للآب سأعرفهم إسمك (يو 26:17) يقصد أنه سيكشف لنا عن شخص الآب وطبيعته ومحبته فالله محبة، وعن قدرته وقوته وعظمته. ومن يغلب أعطيه إسم جديد أى شخصية جديدة غير شخصيته الحالية. فمهما كان فينا من عيوب الآن فكل هذا سيتغير فى السماء وتكون لنا شخصية جديدة وكيان جديد بلا عيوب ولن يعرف هذا التغيير الجذرى فى طبيعة الشخص سوىالشخص نفسه (1 كو 11:2) + (2 كو 18:3) إذا فلنحفظ إيماننا بلا شوائب ولنثبت فى إيماننا المسلم لنا دون تغيير حرف أو نقطة من هذا الإيمان لكى نغلب ونرى المسيح فى مجده ويكون لنا الإسم الجديد والتبرير ونرث السماء وهذه موجهة لهذا الأسقف الخائف فالله يعده بحياة جديدة وشخصية جديدة على الأرض وفى السماء. وما نأخذه على الأرض هو عربون ما سنحصل عليه فى السماء. وبنفس المفهوم نعطى للأسقف أو الكاهن أو الراهب وأيضا المعمد إسما جديدا رمزا لحياتهم الجديدة.


من يغلب = يسمى برغامس كرسى الشيطان حيث الشيطان يسكن. فالشيطان له نفوذ صعب فى هذه الكنيسة من زنا وهرطقات وتدخل وتأثير الإمبراطور والمسيح يطلب من الأسقف أن يتوب = فتب عن تهاونه فحياتنا وحياة كل خادم فى الكنيسة حتى الأساقفة هى حياة جهاد، وهناك من يغلب وهناك من ينهزم والسماء تراقب جهادنا ويفرحون بمن يغلب، والله لا يكتفى بأن يفرح بمن يجاهد بل يعطى قوة ومعونة لنغلب (رو 26:8) + (فى 13:4).

أنتيباس شهيدى الأمين = كان يكرز بأمانة فى برغامس الممتلئة من فعل ونفوذ الشيطان حيث دعاها كرسىالشيطان. وإذ إنتصر أنتيباس على الشيطان فى مواقع كثيرة كالكرازة والطرد من أجساد البشر، هيج عليه الشيطان الوثنيون فطرحوه فى إناء نحاس وأشعلوا تحته النار حتى مات وهذا يدل على إمكانية وجود أمناء حتى الموت للرب حتى فى كرس الشيطان حيث الشيطان يصول ويجول، ويعمل مع الهراطقة ليفسدوا الإيمان الصحيح.

والمسيح يعاتب هذه الكنيسة إذ تراخت فى مقاومة هؤلاء معلنا أنه له السيف ذو الحدين القادر على مقاومة هؤلاء فلماذا الخوف.

وكان أنتيباس أسقفاً على برغامس وكان مشهورا بكرازته وبإخراج الأرواح النجسة. ولما إستشهد جاء بعده من لم يكن على نفس الدرجة من القوة، ربما بسبب الخوف فوجه له السيد هذه الرسالة وذكره بمن قبله أى  أنتيباس ليكون أنتيباس قدوة له. ويكون بلا عذر إذ غلب أنتيباس فى نفس الظروف. وبالنسبة لنا فأنتيباس غلب وهو يسكن حيث كرسى الشيطان ونحن ما زلنا نقدم أعذار لأن الجو المحيط بنا معثر.

شهيدى = هى نفس كلمة شاهد. فالشاهد هو من يشهد للمسيح أما الشهيد فهو من يشهد للمسيح حتى الموت حتى سفك الدم، بسبب إيمانه بالمسيح.

 

آيات 18-29 "و اكتب الى ملاك الكنيسة التي في ثياتيرا هذا يقوله ابن الله الذي له عينان كلهيب نار و رجلاه مثل النحاس النقي. انا عارف اعمالك و محبتك و خدمتك و ايمانك و صبرك و ان اعمالك الاخيرة اكثر من الاولى. لكن عندي عليك قليل انك تسيب المراة ايزابل التي تقول انها نبية حتى تعلم و تغوي عبيدي ان يزنوا و ياكلوا ما ذبح للاوثان. و اعطيتها زمانا لكي تتوب عن زناها و لم تتب. ها انا القيها في فراش و الذين يزنون معها في ضيقة عظيمة ان كانوا لا يتوبون عن اعمالهم. و اولادها اقتلهم بالموت فستعرف جميع الكنائس اني انا هو الفاحص الكلى و القلوب و ساعطي كل واحد منكم بحسب اعماله. و لكنني اقول لكم و للباقين في ثياتيرا كل الذين ليس لهم هذا التعليم و الذين لم يعرفوا اعماق الشيطان كما يقولون اني لا القي عليكم ثقلا اخر. و انما الذي عندكم تمسكوا به الى ان اجيء. و من يغلب و يحفظ اعمالي الى النهاية فساعطيه سلطانا على الامم. فيرعاهم بقضيب من حديد كما تكسر انية من خزف كما اخذت انا ايضا من عند ابي. و اعطيه كوكب الصبح. من له اذن فليسمع ما يقوله الروح للكنائس".

كنيسة ثياتيرا

معنى كلمة ثياتيرا هو مسرح أو تمثيلية.  وسنلاحظ أن شعب ثياتيرا يتظاهرون بالتقوى والقلب مبتعد بعيدا عن الله وفى هذا ينطبق اسم ثياتيرا على حال شعبها. ونلاحظ أن هذه الكنيسة أتت بعد برغامس (حيث إعتمدت الكنيسة على الدولة) وكان نتيجة أن الكنيسة إعتمدت على قوة غير الله أن فقدت الكنيسة قوتها وتحولت عبادتها إلى مظهريات وهذا معنى كلمة ثياتيرا وفى وسط هذا الجو يسهل أن تجد الهرطقات من يسير وراءها. فالناس فى المسارح يحبون ما هو جديد وماله شكل مظهرى جذاب  ويترك الناس تقاليد وتعاليم أبائهم القديسين ويتركون الإيمان المسلم مرة للقديسين (يه 3) ويسيرون وراء التعاليم الجديدة. بل أن هناك من القيادات الكنسية الذين عاشوا هذه الحياة المظهرية من يسقط فى هذه البدع، فقد كان آريوس وغيره من أصحاب البدع كانوا من الإكليروس وكان منهم بطاركة وأساقفة وكهنة فهناك أناس يعيشون فى مظهرية التدين وينخدع فيهم الآخرين ويصلوا إلى أعلى الرتب الكنسية بينما هم فى حقيقة الآمر يأخذون الديانة والعبادة كمظهر وكماليات يتحلون بها أمام الناس بينما هم فارغين من الداخل. وفى مثل هذا الجو تحدث بلبلة للناس ويضلون وتتوه الحقيقة. وهذا ما حدث فى هذه الكنيسة إذ إنتشرت بدعة إيزابل

إيزابل = هناك آراء عمن هى إيزابل فقد تكون هناك إمرأة بهذا الإسم فى هذه الكنيسة وقد إدعت أنها نبية أى أنها على إتصال بالله بينما هى فى الحقيقة تنشر تعاليما منحرفة، فهى تدعو للزنا والأكل مما ذبح للأوثان (أى الإشتراك فى طقوس العبادة الوثنية وهذه تشتمل على الزنا).

أو هى إشارة لصاحب هرطقة بهذا المفهوم وأطلق عليه إسم إيزابل،  فإسم إيزابل فى الكتاب المقدس هو إسم إمرأة شريرة هى زوجة لملك شرير هو أخاب الملك ملك إسرائيل. وهما آدخلا العبادة الوثنية عبادة البعل إلى إسرائيل وعبادة البعل تشمل الزنا وعبادة الأوثان.

وأغلب الظن أن الرأى الأول هو المرجح وأن إيزابل هذه هى شخصية حقيقية وقد إدعت النبوة أى صار لها تعاليم خاطئة أسماها هنا معرفة أعماق الشيطان وهى بدعة نادى بها بعد ذلك بعض الفلاسفة والمعلمون المنحرفون وقالوا " أنه حتى نتعرف على الشر فنكرهه علينا أن نختبر أعماق الشر، أى أحقر ما فى الخطايا وغالبا كان هذا تعليم إيزابل. وكانت دعوتها للناس أن يزنوا معها = الذين يزنون معها = وهذه تعنى إما الزنا معها فعلا أو إتباع تعاليمها المنحرفة والأولى أرجح. والمشكلة أن أسقف هذه الكنيسة خاف منها لشعبيتها، وخاف أن يواجهها لذلك يعاتبه السيد قائلا = إنك تسيب المرأة إيزابل. وقد قال البعض أنها كانت زوجة الأسقف وكانت تبشر بتعاليم النيقولاويين أى الزنا والإباحية وما يسمى شيوعية الزواج أى إباحة إقامة علاقة مع أى زوجة لأى شخص.

وواضح طبعا من هذا التعليم أنه تعليم شهوانى صرف، لقد إنفجرت شهوات هؤلاء الناس بسبب ضعف تدينهم، وقد إدعوا أن هذا التعليم تعليم إلهى وأنه بنبوة ولكن من يسلم نفسه لشهواته فهو قد وقع فى يد الشيطان وإرتبط برباطات قاسية مع الشيطان بل نقول لقد إستعبده الشيطان وهذا ما سمى هنا الأكل مما ذبح للأوثان، بل ما قيل عنه معرفة أعماق الشيطان، هؤلاء لم يعد لهم سلطان أن يدوسوا الحيات والعقارب (لو 19:10) بل صار الشيطان يدوسهم.

 كيف ظهر المسيح لهذه الكنيسة؟ إبن الله ورجلاه مثل النحاس النقى = إبن الله إشارة للاهوته ورجلاه مثل النحاس إشارة لناسوته. والنحاس يحمل معنى الدينونة فهو دك برجلاه أعدائه أى الشياطين والموت والخطية (رو 3:8). وقوله النحاس النقى إشارة لأنه بلا خطية. والمعنى أن لاهوته متحد بناسوته. وهو قادر أن يدك الهراطقة ويفنيهم ويبيدهم، وهو قادر أن يدين الخطية داخل من يريد أى يريحه من حروبها وشهواتها. وكونه إبن الله فهو عالم بكل شىء وله قوة لا نهائية. عيناه كلهيب نار = له نظرات مرعبة للأشرار غاضبة، حين يروها يقولوا للجبال غطينا (رؤ 16:6) ولأولاد الله هو قادر أن يحرق شهواتهم داخلهم ويضع بدلاً منها محبة ملتهبة لله فى القلب. وهو قادر بعينيه الناريتين على معرفة ما فى القلوب المرائين.

الفاحص الكلى والقلوب = هو قادر أن يكشف الأعماق أعماق المتظاهرين بالتدين ولكن تحركهم شهواتهم، ويفحص أعماق الهراطقة ويكشف زيف تعاليمهم. هو قادرأن يعرف من له تدين حقيقى ومن له تدين مظهرى، ومن يبحث عن المسيح حقيقة. إذا المعنى أن السيد المسيح يريد أن  يقول أنا عارف ما فى أعماقكم وقادر أن أدك وأدين وأخمد الشهوات التى فى داخلكم وأعطيكم قلبا ملتهبا بحب الله عوضا عن الشهوات. القلوب مركز المشاعر والكلى مركز لتنقية الدم، أى أن المسيح فاحص كل مشاعرنا وهل ننقى أنفسنا بالتوبة أم لا.

أنا عارف أعمالك. وإيمانك = هذه توجه لإخوتنا الذين لا يؤمنون بأهمية الأعمال للخلاص. ولاحظ أنه قدم الأعمال على الإيمان. فالأعمال تظهر حقيقة الإيمان إن كان حيا أو ميتا. فالله لا يرضيه الإيمان النظرى بل العامل بمحبة.

أيها الأحباء علينا أن ندخل فى عبادتنا للعمق حتى لا نعيش فى سطحية ومظهرية، وحتى لا نضل وراء كل ما هو غريب عن تعاليم الآباء. وكل من يحيا فى عمق يكشف له الله عن زيف أى هرطقة فيرفضها.

أعطيتها زمانا لكى تتوب = الله يعطى كل إنسان فرصة للتوبة، فإذا لم يستجب لها الإنسان، يبدأ الله فى تأديبه بضربات تصاعدية. فمن ضربة بسيطة لضربة أشد وتصل الضربات لموت الإنسان وهلاكه. والله يعطى فرصاً للتوبة فإن أهملها الإنسان ربما لا تأتى فرصة آخرى، ربما يموت قبل أن يتوب. فالله أعطى لفرعون فرصا عديدة لكى يتوب ولما رفض هلك. فعلينا أن لا نعتبر طول أناة الله علينا أنها تساهل من الله، بل علينا أن نعتبرها زمانا لكى نتوب، فإن لم نتب تضيع منا الفرصة ويبدأ الله فى تأديباته، وربما تنتهى الفرص ويسمع الشخص القول المرعب " يا غبى فى هذه الليلة " تؤخذ نفسك"

وضربات الله التصاعدية التى نجدها هنا:- المرض = القيها فى فراش ثم الموت = أولادها أقتلهم بالموت = قد يكونوا من تبعوا ضلالتها ولاحظ ففراش زناها صار فراش مرضها أنك تسيب المرأة = فواجب الراعى أن يسهر على حفظ الإيمان بالتعليم المستمر وكشف الهرطقات للشعب حتى لا ينخدعوا. ومهاجمة الأفكار الخاطئة الصادرة من أى شخص مهما كان مركزه فى الكنيسة. ويكون هذا بكل حزم. وعلى الراعى ألا يكون خروفاً متساهلاً ولا يكون أسداً أى قاسيا على شعبه. كلا من الشعب والراعى يحتاجون للإفراز. الشعب يحتاج للإفراز ليعرف التعليم الصحيح من الخاطىء والأسقف يحتاج للإفراز ليعرف كيف يتعامل مع شعبه.

أقول لكم وللباقين = الواوليست للعطف والمعنى أقول لكم أنتم الباقين فى ثياتيرا الذين لم يقبلوا هذا التعليم ولم يسيروا وراء إيزابل.

لا ألقى عليكم ثقلاً آخر = لا أقدم لكم وصايا ولا شرائع ولا واجبات جديدة سوى أن تمتنعوا عن تعاليم إيزابل وتقاوموها وتعلنوا رفضكم لها.

 الوعد لمن يغلب :- سلطانا على الأمم: أى سلطان على ممالك الشر التى يساندها إبليس. وسلطان لكل منا على شهواته وخطاياه. الأمم هم الغرباء وهنا المقصود الغرباء من الناحية الروحية أى إشارة لكل شهوة غريبة وكل فكر ردىء بعيد عن الله، والله يعطينا سلطانا أن ندوس كل هذا ببساطة كأنية من خزف يرعاهم بقضيب من حديد يكون لك سلطان قوى عليهم فتكسر أطماع وغايات الأعداء فى تبديد الكنيسة وسينكسرون  كخزف لا يصلح للإستعمال فيما بعد وهلاك الأشرار سيكون بلا رحمة. ولكن تعنى أن الغالب سيكون فى السماء له قوة جبارة والشهوات التى كان يظنها جبارة ستنكسر وتكون كخزف مكسور بلا قيمة.

ولاحظ أن الكلام موجه لكنيسة ثياتيرا التى إشتعلت شهوات أفرادها وصاروا تحت أقدام إبليس، يشعرون أن الخطية تستعبدهم ولا فكاك لهم منها. وهنا كإمتداد للشكل الذى ظهر به المسيح. فعلى الأرض يبدأ أولاد الله فى التحرر من سلطان هذه الشهوات وفى السماء سلطان كامل عليها ويصبح إبليس تماما تحت الأقدام.

كما أخذت أنا من عند أبى = المسيح لم يقبل خطية من يد إبليس، بل كان الجسد بلا خطية كنحاس نقى. ولكن الشيطان دبر مؤامرة وأهاج الكل عليه حتى صلبوه ولكن بقيامته صار له كل المجد ووضع الله أعدائه تحت قدميه (مز 1:110) بعد أن جلس عن يمين الآب

كوكب الصبح = كوكب الصبح هوالمسيح نفسه (رؤ 16:22) + (2 بط 19:1) أى من يغلب أعطيه ذاتى تطبيقاً لقول عروس النشيد "انا لحبيبى وحبيبى لى" (نش 3:6) هذه مثل "أعطيه من المن المخفى" ولكن قوله المن يشير للشبع بالمسيح ولكن قوله كوكب الصبح يشير لأننا بالمسيح نستنير ونستطيع ان نميز بين الأشياء المتخالفة (فى 10:1) أو التمييز بين ما هو نور وما هو ظلام فكوكب الصبح هو كوكب يظهر والظلام باق بعد، وظهوره يكون إيذانا بظهور النور. نورالشمس إذا هوإعلان بقرب ظهور النهار فهذا الكوكب يعتبر الفيصل بين النور والظلام والمعنى أن المسيح يقول لهذا الأسقف لماذا أنت خائف من هؤلاء الهراطقة أنا قادر أن أكشف زيفهم فأنا فاحص القلوب والكلى، بل سأعطيك ذاتى كنوز لك، لتستمتع بنورى. سأنير عليك بنورى الإلهى وأعطيك أن تكشف بين ما هو نور وما هو ظلام فى تعاليمهم وأنا قادر أن أدينهم ولنذكر نهاية آريوس الرهيبة حين إندلقت أحشاؤه خارجاً. ما عليك يا أسقف ثياتيرا إلا أن تعلن مواجهة عن خطأ إيزابل والهراطقة وأنا سأعينك وأدينهم وأعطيك سلطانا عليهم من يغلب = يتمسك بالله فيعطيه نعمة قادرة أن تضبط شهواته فلا ينساق وراءها.

 
 


 

الإصحاح الثالث

الآيات 1-6 "و اكتب الى ملاك الكنيسة التي في ساردس هذا يقوله الذي له سبعة ارواح الله و السبعة الكواكب انا عارف اعمالك ان لك اسما انك حي و انت ميت. كن ساهرا و شدد ما بقي الذي هو عتيد ان يموت لاني لم اجد اعمالك كاملة امام الله. فاذكر كيف اخذت و سمعت و احفظ و تب فاني ان لم تسهر اقدم عليك كلص و لا تعلم اية ساعة اقدم عليك. عندك اسماء قليلة في ساردس لم ينجسوا ثيابهم فسيمشون معي في ثياب بيض لانهم مستحقون. من يغلب فذلك سيلبس ثيابا بيضا و لن امحو اسمه من سفر الحياة و ساعترف باسمه امام ابي و امام ملائكته. من له اذن فليسمع ما يقوله الروح للكنائس. رسالة الى فيلادلفيا".

كنيسة ساردس

كلمة ساردس تعنى بقية ولنذكر أن الكنيسة السابقة كان إسمها المسرح. فبعد أن دخلت المظهرية والحياة السطحية إلى الكنيسة،لم يتبق فى الكنيسة سوى عدد قليل من المؤمنين. فالحياة السطحية والمظهرية هى حياة بلا عمق وهذا يؤدى إلى عدم معرفة الله وبالتالى يؤدى إلى عدم محبة الله ومن يحيا هكذا:

1.     لن ينفذ وصايا الله،فالحب هو الذى يدفع لتنفيذ الوصايا (يو 23:14).

2.     مثل هذا أيضا تجذبه إغراءات هذا العالم فيتنجس إذ لم يكتشف اللؤلؤة كثيرة الثمن أى شخص المسيح. فيبيع بقية الآلىء (العالم بملذاته).

لذلك طلب المسيح من تلاميذه ومنا أن ندخل إلى العمق عمق المعرفة وعمق المحبة

أما من عاش فى السطحية بلا عمق معرفة ولا عمق حب فهو لن يعود يهتم برأى الله فيه بل كل إهتمامه سيكون فى رأى الناس فيه، وهذا ما يسمى الرياء. وهذا هو مشكلة هذه الكنيسة لك إسم أنك حى وأنت ميت. مثل هذا الإنسان يهتم أن يراه الناس كإنسان عظيم متدين = حى ولكنه بسبب قلبه الخالى من المحبة هو إنسان فى نظر الله ميت. ولاحظ قول السيد المسيح فى مثل الإبن الضال عن عودة الإبن الضال بالتوبة أنه كان ميتا فعاش. إذا من يحيا فى الخطية يكون ميتا فى نظر الله. وما الذى يجعل إنسانا يحيا فى الخطية؟ الإجابة هى نقص المحبة (يو 23:14).

ولنلاحظ أن كل إنسان له خمس حواس خارجية يتعرف بها على العالم ومن تتعطل حواسه الخمس عن العمل فهو بالقطع ميت. وكما أن لنا حواس خارجية ندرك بها العالم حولنا، فنحن لنا حواس داخلية ندرك بها السماء ونتعرف بها على الله. فبالمعمودية يولد داخلنا إنسان داخلى له خمس حواس داخلية يتعرف بها على الله وعلى السماء. بها نرى الله ونسمع صوته ونتذوق حلاوة عشرته ونتلامس معه. الحواس الداخلية هى قنوات إتصالنا بالله وبالسماء.

فالكتاب يقول طوبى لأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله (مت8:5) هذا عن النظر الروحى ويقول الكتاب من له أذن فليسمع ما يقوله الروح للكنائس (رؤ6:3) والخراف تتبع المسيح لأنها تعرف صوته (يو4:10) وهذا عن السمع الروحى.

ويقول داود "ذوقوا وأنظروا ما أطيب الرب" (مز8:34) وهذا عن تذوق عشرة الله ونذكر أن الرب يسوع خرجت منه قوة للشفاء لأن إمرأة لمسته لمسة فيها إيمان وهكذا من يتلامس مع الله تلامس فيه إيمان سيدرك قوته ومحبته.

ولكن ما الذى يمنع هذه الحواس من العمل؟ الإجابة هى الخطية. فنحن نسمع أن من يريد أن يرى الله يلزم أن يكون نقيا (مت8:5). ويطلب منا بولس الرسول قائلا "إتبعوا السلام مع الجميع والقداسة التى بدونها لن يرى أحد الرب" (عب14:12).

إذا فالخطية هى التى تسبب فقدان الحواس الداخلية. ومن يفقد حواسه الداخلية فهو فى نظر الله ميت إذ لا قنوات إتصال بالله، فهو لا يرى الله ولا يسمع صوته ولا يتلذذ بعشرته، وبالتالى فلن يكتشف اللؤلؤة كثيرة الثمن. أما المؤمن الذى يحيا فى نقاوة فيستطيع أن يقول مع يوحنا "الذى كان من البدء الذى سمعناه الذى رأيناه بعيوننا الذى شاهدناه ولمسته أيدينا". (1يو1:1).

إذا مشكلة هذه الكنيسة أن بها أشخاص هم أحياء فى نظر الناس إذ:

1.     ربما لسمعتهم القديمة. 

2.     أو ربما لريائهم إذ يتظاهرون بالتدين.

 لكنهم فى نظر الله أموات فهم بلا عمق وبالتالى بلا معرفة وبالتالى بلا حب. حتى لو كانوا لهم نشاط كنسى لذلك فالمسيح لم يبدأ كلامه لهذه الكنيسة باى مدح، بل بدأ بالهجوم عليهم مباشرة وعتابهم والسبب أنهم أخذوا مدحهم من الناس وهم غير مهتمين برأى الله فيهم. ولاحظ قول المسيح هنا عندك أسماء قليلة (أى البقية) فى ساردس لم ينجسوا ثيابهم = إذا فالسبب أنهم أموات فى نظر الله لأنهم يحيون فى نجاسة.

من يغلب = هو من يحيا فى العمق فيعرف الله ويحبه وبالتالى ينفذ وصاياه ويتحاشى الخطية فلا ينجس ثيابه بمحبة هذا العالم. من ينجح فى هذا ويغلب فسيعطيه السيد أن يتبرر أمامه ويغفر خطاياه، ويعطيه حياة جديدة نقية، هؤلاء قال عنهم فسيمشون معى فى ثياب بيض لأنهم مستحقون. إذا من يسير فى الطريق الصحيح وهم قلة يرثوا مع المسيح فى مجده.

الصورة التى طهر بها المسيح:- الذى له سبعة أرواح الله = أى الذى له الروح القدس المحيى. فهو يكلم أشخاص أموات محتاجين لمن يحييهم، لذلك يقول لهم أنا مستعد أن أعطيكم الروح القدس الذى يحييكم. والروح القدس هو الذى يبكت على الخطية (يو8:16) ويدفع الخاطىء للتوبة لذلك نصلى "توبنى يا رب فأتوب" (أر18:31). وهو يعين ضعفاتنا (رو26:8) أى بعد أن يبكت يعطى قوة ومعرفة. وكأن المسيح يقول لهذه الكنيسة ما عليكم إلا أن تطلبوا منى الإمتلاء من الروح وأنا أعطيكم فتحيوا. فالروح القدس يعطى لمن يسألونه (لو13:11) ومن يسأل يعطى له الروح ومن يتجاوب مع عمله تعود حواسه الداخلية للعمل هذه الحواس يدربها الروح القدس فتتصل بالسماويات (عب14:5).

والروح القدس أيضا يعلم ويذكرنا بما قاله المسيح (يو26:14). ومن قدم توبة تنفتح أذناه فيسمع صوت الروح القدس المعلم. ومن يتوب ويتعلم ينتقل للدرجة الأعلى وتنفتح عيناه ليرى ما لم تره عين. يرى أمجاد السماء الآن كمن ينظر فى مرأة (1كو9:2-12) + (1كو12:13). فعندما يسير المؤمن فى طريق القداسة يرتقى من خطوة إلى خطوة. ومن يبدأ بالتوبة يصل لأن يمنحه الروح أن يكون له فكر المسيح (1كو16:2) ويكشف له أمجاد السموات ولكن هذا لا يعطى إلا لمن إستجاب للخطوة الأولى أولاً أى قدم توبة. فلا يمكن لإنسان أن يبنى الدور العاشر إن لم يبنى أولاً الدور الأول.

له السبعة الكواكب = المسيح يقول أنتم لى، فلماذا أنتم مهتمون برأى الناس فيكم فانتم لى ولستم للناس. وأنا قادر أن أمنحكم الروح القدس، ولكن لا أستطيع أن أعمل شيئا بدون أن تطلبوا "إسألوا تعطوا" فلنسأل الله أن يملأنا من الروح القدس. ولنهتم فيما لله وليس فيما للناس.

ومن كلمات عتاب السيد المسيح لهذا الأسقف = لم أجد أعمالك كاملة أمام الله = كان إهتمامك بأن تكون كاملا أمام الناس. لكن أنا فاحص القلوب والكلى، وأنا أعلم ما فى قلبك، أنا أعلم ما فى الداخل. والمهم أن يكون المدح من الله وليس من الناس فتقديرات الناس يمكن أن تخدع فهم يجهلون الحقيقة أو هم يجاملوا ليس بحسب  الحقيقة. وهذه الآية ردعلى من يقولون أن الخلاص بالإيمان ولا أهمية للأعمال ونصائح السيد لهذا الأسقف:

1.     أسهر =  كن ساهرا وكن مستعدا لملاقاة الرب فى يقظة وإنتباه ووعى وإدراك.

2.     شدد وما بقى = الله يطلب منه أن يضرم نار الروح القدس والله لا يترك فتيلة مدخنة بل يعمل فيها حتى لا تنطفىء، ولا يترك قصبة مرضوضة بل يتعهدها برعايته حتى لا تنقصف. ولكن دورى أنا أن أجاهد وأعمل وأطلب بلجاجة والله يسكب على نعمته أى روحه القدوس. والجهاد يضرم فينا نار الروح القدس.

3.     أذكر كيف أخذت = تذكر إحسانات الله عليك، وكيف أعطاك بسخاء ولم يعير، بل كان الله يعطيك بكل محبة. وأذكر ماذا قدمت أنت له وأذكر الإيمان الصحيح الذى تسلمته ولا تشوهه.

4.     تذكر أن يوم الدينونة ياتى بلا سابق إنذار أى فجأة = أقدم عليك كلص.

5.     إذا من نصائح الله لهذا الملاك أنه عليه أن يذكر كيف أخذ، أى يذكر إحسانات الله عليه فيخجل، أو يذكر يوم الدينونة فيندم إذ يذكر أن أعماله كانت ناقصة. ويوم الدينونة الذى ياتى فيه الرب كلص ليس هو يوم الدينونة العامة لكن هو يوم موت أى شخص

6.    
كيف سمعت.. وأحفظ = كيف سمعت البشارة التى بشر بها رسل المسيح وتذكر كيف كنت عند بداية إيمانك وإحفظ إيمانك وتقواك الأوليين وهذا يحتاج لتوبة نرى هنا صورة سبق الله واراها لحزقيال، إذ رأى عظاما ميتة، وعندما دخل فيها الروح صار لها حياة(حز1:37-10). ونرى هنا إهتمام الله بكل نفس حتى هذا الملاك الذى يراه ميتا، فهو يهتم به ويرسل له رسالة ويعطيه فرصة ليغلب ويحيا لذلك فعلى كل خادم أن يعطى رجاء لكل إنسان.

ما بقى = الكنيسة لم يتبق بها سوى بقية قليلة، إدركهم حتى لا يموتوا.

عتيد أن يموت = هم فى طريقهم للموت، وقد إقتربوا من الهلاك فإدركهم والوعد لهذه الكنيسة لمن يغلب.    

الثياب البيض = أى تبرير مسح كل خطية وهذه الثياب البيض أعطاها الآب للإبن الضال حين عاد فالتوبة تبيض. والثياب البيض تعطى لمن يستحق ويجاهد ليحفظ ثيابه بلا نجاسة.

لن أمحو إسمه من سفر الحياة = بالمعمودية تكتب أسماؤنا فى سفر الحياة. وإذا كانت حياتى حياة توبة مستمرة تستمر ثيابى نقية "تغسلنى فأبيض أكثر من الثلج" أى أن من يتجاوب مع عمل الروح القدس لن يمحى إسمه من سفر الحياة الأبدية.

سأعترف بإسمه = أشهد بإخلاصه أمام أبى، أبى يكون من خاصتى ومكانه  معى.

يمشون = إذا الملكوت ليس حالة من السكون بل نشاط وحركة.

قوله من يغلب يلبس ثياب هو إشارة لما كان يفعله القادة الرومان، إذ كانوا إذا وجدوا جنديا نائما يحرقون ملابسه ويجعلونه يمشى عاريا. إذا هذه الكنيسة محتاجة للسهر والصلاة للإمتلاء بالروح فلا يفتضحوا.

ولاحظ فى قوله لن أمحو إذا هناك من ستمحى أسماءهم لأنهم وجدوا غير مستحقين.

 

آيات 7-13 "و اكتب الى ملاك الكنيسة التي في فيلادلفيا هذا يقوله القدوس الحق الذي له مفتاح داود الذي يفتح و لا احد يغلق و يغلق و لا احد يفتح. انا عارف اعمالك هنذا قد جعلت امامك بابا مفتوحا و لا يستطيع احد ان يغلقه لان لك قوة يسيرة و قد حفظت كلمتي و لم تنكر اسمي. هنذا اجعل الذين من مجمع الشيطان من القائلين انهم يهود و ليسوا يهودا بل يكذبون هنذا اصيرهم ياتون و يسجدون امام رجليك و يعرفون اني انا احببتك. لانك حفظت كلمة صبري انا ايضا ساحفظك من ساعة التجربة العتيدة ان تاتي على العالم كله لتجرب الساكنين على الارض. ها انا اتي سريعا تمسك بما عندك لئلا ياخذ احد اكليلك. من يغلب فساجعله عمودا في هيكل الهي و لا يعود يخرج الى خارج و اكتب عليه اسم الهي و اسم مدينة الهي اورشليم الجديدة النازلة من السماء من عند الهي و اسمي الجديد. من له اذن فليسمع ما يقوله الروح للكنائس".

 

 كنيسة فيلادلفيا

معنى كلمة فيلادلفيا هو محبة الإخوة. وهذه تشير للعصر الأخير قبل مجىء ضد المسيح. ومحبة الإخوة تشير لعصر وحدة وتآلف بين الكنائس يسمح به الله ليسبق الأيام الصعبة عند ظهور ضد المسيح. وكما قلنا من قبل فإن كنيسة لاودكية الأخيرة تمثل زمن مجىء ضد المسيح التى سيكون فيها ضيق لم ولن يكون مثله (دا1:12). وتكون وحدة الإخوة كإستعداد لمواجهة هذه الأيام الصعبة.

ومشكلة هذه الكنيسة:- لأن لك قوة يسيرة = فهم عندهم قوة يسيرة هذا بالرغم من انهم لم ينكروا الإيمان بالمسيح. وهذه الحالة قد تصيب الإنسان وبالذات الخدام حين يواجهون مشاكل كثيرة. وأمام ضغط المشاكل التى تبدو بلا حل ومن كثرتها يصاب الخادم بشىء من الإحباط وأنه على مشارف اليأس. فالمشاكل كثيرة وأكبر من طاقته. والسيد المسيح يبغض هذا الشعور. فالكنيسة بيت الله هى كنيسته هو وما نحن سوى خدام لديه وألات فى يديه لذلك يجب أن يتغلب على شعور الإحباط هذا بالإتكال على الله من كل القلب عارفين قوته وأن الخدمة هى خدمته. هذه الحالة هى حالة الكنيسة فى فترة ما قبل ضد المسيح حيث يبدأ فك الشيطان فتزداد الخطايا والعثرات وتزداد المشاكل جداً.

والمسيح يشجع هذا الملاك ويقول له = قد حفظت كلمتى ولم تنكر إسمى = فهو إنسان صالح ولكنه يشعر أنه لا يقوى على العمل بسبب مشاعر الإحباط التى يواجهها.

ومن له ثقة وإيمان يعلم أن الله سوف يظهر مجده وبالتالى بإيمانه هذا وثقته هذه يعمل الله فيه ويشعل الخدمة معه، أما من له قوة يسيرة فلن يقوى إلا على أن يخلص نفسه فقط. هذا الملاك مشكلته أنه ظن أن الأبواب مغلقة أمامه من كثرة المشاكل.

والصورة التى ظهر بها المسيح لهذه الكنيسة هى صورة القادر على كل شىء فلماذا الإحباط؟

الذى يفتح ولا أحد يغلق ويغلق ولا أحد يفتح = إذا الخادم عليه أن يعمل بلا كلل ولا ملل ولا يأس، لكن الله هو الذى يتولى حل المشاكل وقتما يريد فهو المسئول عن الكنيسة وعن خلاص النفوس، ويستخدمنا كآلات فى يديه. ضرب السيد المسيح هذا المثل لشرح هذه الحقيقة "هكذا ملكوت الله كأن إنساناً يلقى البذار على الأرض وينام ويقوم ليلا ونهارا والبذار يطلع وينمو وهو لا يعلم كيف" (مر27،26:4) القدوس الحق = يقف السمائيون أمام الله يتأملون فى عظمته وقدرته وقوته وجبروته ومحبته ومجده، فيفرحون به ويسبحونه قائلين قدوس قدوس قدوس وبتسبحتهم هذه تشتعل قلوبهم بنار محبته لقداسته ومجده.

وبولس الرسول يعلمنا أنه لكى نمتلىء بالروح القدس علينا أن نسبح ونرنم ونرتل (أف19،18:5). وهذه الصورة للمسيح هنا أنه القدوس الحق تعلمنا أن نعمل عمل السمائيين أى نتأمل فى الله القدوس ونسبحه مثلهم فتشتعل قلوبنا محبة له وثقة فيه عوضا عن الإحباط، فنعمل ونخدم بأمانة. وكلما خدمنا بأمانة نكتشف يد الله القدوس معنا، والله الحق الذى ينتصر على الباطل، فتلتهب قلوبنا داخلنا ولا يعود لنا قوة يسيرة، بل نعمل بقوة كما بنار وتلتهب مشاعرنا بالرغبة فى الخدمة، وهو الذى يفتح ولا أحد يغلق، فهو يفتح أمامنا الطريق ولنلاحظ أن هناك نوعين من المشاعر الخاطئة قد تصيب الخادم:-

1.     الأول هو الشعور بالكبرياء لنجاح خدمته وإحساسه بانه هو الذى يعمل.

2.     الثانى هو الشعور بصغر النفس واليأس وأنه لا أمل فى حل المشاكل.

أما الشعور الصحيح فهو أن الله هو الذى يعمل فالحرب له وليست لنا. لذلك نسمع قول الرب هنذا قد جعلت امامك بابا مفتوحا ولا يستطيع أحد أن يغلقه. والله يفتح لمن له غيرة مقدسة وقلب مملوء ثقة وإيمان ويصلى بلجاجة

ونحن نعانى من نوعين من المشاكل:

1.     مشاكل حالية نعرفها.

2.     مشاكل مستقبلية مجهولة نتوقعها ونخشاها.

والله بهذا يعطى الإطمئنان لكل منا بانه المسئول عن حل المشاكل الحالية والمستقبلية فلماذا الخوف؟

ولأن هذه الكنيسة تسبق زمنيا فترة نهاية العالم ومجىء ضد المسيح فنسمع فيها عن نبوتين:

1.     عودة اليهود.

2.     التجربة العتيدة أن تجرب العالم كله فى نهاية الأيام.

 

نبوة بعودة اليهود:- عودة اليهود للإيمان هى من علامات الأيام الأخيرة كما نفهم من رسالة رومية ص 10. وهنا نبوة واضحة بعودتهم ففترة كنيسة فيلادلفيا زمنيا هى فترةنهاية الأيام وقبل مجىء ضد المسيح مباشرة. هنذا أجعل القائلين أنهم يهود.. هنذا أصيرهم يأتون ويسجدون = وليس من الخطأ أن نشعر أننا نقترب من ايام النهاية، ولكن الخطأ كل الخطأ أن يتجاسر أحد ويحدد يوما أو سنة للنهاية. ومما يعطينا الشعور بإقتراب النهاية إيمان اليهود المتزايد بالمسيح هذه الأيام. والإحصائيات تقدر عدد المؤمنين منهم بالمسيح من اليهود الموجودين بدولة إسرائيل بحوالى 60.000 مؤمن يسمون أنفسهم اليهود الماسيانيين. أما الذين مازالوا على عنادهم ورفضهم للمسيح وإهانتهم له فيسميهم مجمع الشيطان من القائلين أنهم يهود وليسوا يهود بل يكذبون.

ولأن أيام ضد المسيح ستكون أياماً صعبة جدا، فهنا نجد أن الرب يعطينا طمأنينة أنه سيحفظ أولاده. أنا أيضا سأحفظك من ساعة التجربة العتيدة أن تأتى على العالم كله لتجرب الساكنين على الأرض. ولاحظ أن هذا الكلام يسبق كنيسة لاودكية مباشرة التى تمثل فترة ضد المسيح أى فترة التجربة العتيدة أن تجرب الساكنين على الأرض. وقوله ها أنا آتى سريعا يشير لأن هذه التجربة (ظهور ضد المسيح) تسبق مباشرة مجىء المسيح الثانى للدينونة. وحقا فاليهود يوجد منهم كثيرون يؤمنون الآن. ولكن هذه الآيات تشير أيضا لعودة كثير من الخطاة إلى أحضان الله والله القادر على كل شى قادر أن يعيد أشر الخطاة ويجعلهم شهوداً وخداما له.

إلا أن عودة اليهود وسجودهم هذا يفسر لكنيسة فيلادلفيا نفسها أيام يوحنا بإيمان بعض اليهود المقاومين للكنيسة فى وقتها. وهكذا تفهم كنيسة فيلادلفيا أيام يوحنا أن ساعة التجربة العتيدة أن تجرب العالم كله هى إضطهاد الدولة الرومانية للكنيسة. والله سيحفظ إيمان الكنيسة ويعزيها فى هذا الوقت.

لأنك حفظت كلمة صبرى = أضاف الصبر إلى الكلمة لأن الإيمان المسيحى ينبغى أن يقترن بالصبر أمام الضيق والإضطهاد. ومن يصبر إلى المنتهى فهذا يخلص.

ها أنا آتى سريعا = لأن كنيسة فيلادلفيا تسبق كنيسة لاودكية التى تعبر عن نهايةالأزمنة ومجىء المسيح الثانى، نسمع هذه العبارة ولكنها تعنى لكل واحد منا أن ساعة إنتقالنا للسماء آتية سريعاً فلنصبر على آلام هذا العالم بلا جزع ولا إضطراب.

تمسك بما عندك لئلا يأخذ أحد أكليلك = أحسن شرح لهذه الآية هو قصة شهداء سبسطية الأربعون. فالمتردد الذى ترك بحيرة الثلج وذهب للماء الدافىء منكراً المسيح فقد إكليله وأخذه بدلا منه الجندى الذى آمن بالمسيح ونزل فى بحيرة الثلج بدلا منه. وهذه الآية تنفى أن للرب مختارين عينهم للحياة الأبدية، ومرفوضين عينهم للهلاك. لأنه إن كان هذا الأسقف مختارا فما معنى لئلا يأخذ أحد إكليلك وإذا لم يكن مختارا فما معنى تمسك بما عندك. الحقيقة أن الله يريد أن الجميع يخلصون (1تى4:2)، أما القرار فهو قرارى وبحريتى الشخصية. وهذا لا يمنع معونة الله حتى يكون القرار الذى أتخذه لصالح خلاص نفسى، والمعونة قد تكون بالتشجيع أو بالتأديب. ولاحظ أنه قيل عن اليهود.

مجمع الشيطان= فهم بعد أن كانوا شعب الله وإبن الله البكر فقدوا هذه النعمة بإختيارهم الخاطىء وقيل عنهم مجمع الشيطان. فلنحذر لئلا نفقد النعم التى أعطاها الله لنا.

يأتون ويسجدون = هو سجود الإحترام وليس العبادة وهذا رد على من ينكر السجود أمام الآب البطريرك أو الأساقفة.

 

أنا أيضا سأحفظك من ساعة التجربة = هذه الآية رد على البلاميس الذين يقولون أن المؤمنين سيختطفون على السحاب وأن الضيقة ستأتى على الأشرار فقط. وهنا نرى أن الضيقة ستشمل العالم كله، لكن الله سيحفظ المؤمنين. وقيل أنها تجربة لأنها تجرب المؤمنين أى تنقيهم، أما الأشرار الهالكين فلن يستفيدوا منها، لن تكون تجربة بالنسبة لهم.


والوعد لمن يغلب:- أجعله عمودا = فى هيكل سليمان كان يوجد عمودان إسمهما بوعز وياكين. وقيل عن الهيكل أنه كان مستندا عليهما، والبعض قال إنهما كانا فقط للزينة. وهنا الله يود أن يؤكد لكل أولاده أهميتهم لديه. فكل منا سيكون عموداً فى الهيكل أو يزينه. فلماذا مشاعر صغر النفس التى تنتاب أولاد الله بالرغم من أن الله يؤكد على أهميتنا عنده. الشعور بصغر النفس يعرقل حياتنا الروحية ويعرقل الخدمة. المسيح يقول له بالرغم من قوتك اليسيرة سأجعلك عمودا ويقول له هذا لتشجيعه.

أكتب عليه إسم إلهى = المعنى أننا صرنا مخصصين لله ولخدمته وللشهادة له. ومن يحمل إسم الله لابد أن تبدو عليه مظاهر التقوى والقداسة والوداعة والفرح.

وإسم مدينة إلهى = هذه تعبر عن تحول الإنسان إلى إنسان سماوى له المواطنة السماوية هذه تشبه جواز السفر المكتوب فيه فيزا دخول بلد ما. والمدينة هى أورشليم السماوية.

وإسمى الجديد = يشير هذا لأننا فى السماء سنعرف المسيح معرفة جديدة غير التى عرفناها على الأرض، سنكتشفه من جديد ونتعرف على قدرته كإله قدير وعلى حلاوة عشرته. وتكون هذه المعرفة متجددة كل يوم، نكتشف من أعماق محبة المسيح لنا ما يجعلنا نفرح بالأكثر. وكل يوم نكتشف قدراته وصفاته فنفرح بالأكثر. فيد الله وأعماله الرائعة تظهر جديدة كل يوم وكأنها تظهر لأول مرة. وأعماله فى الكنيسة الآن، وكونه يحمل كنيسته بشعبها وخدامها، وإحتضانه للكنيسة يبدو دائماً جديداً وبكل الحب.

تكرار كلمة إلهى = يشير للصلح الذى حدث بينى وبين الله الآب والذى صنعه المسيح بفدائه فنحن بالمسيح المتجسد وبفدائه رجعنا شعبا خاصا بعد أن كنا مرفوضين والمسيح يقول إلهى هنا لأنه بعد تجسده وإتحاده بجسد البشرية صار يتكلم بلسانها فالكنيسة جسده. المسيح بلاهوته واحد مع الآب ولكن بناسوته يقول إلهى.

يفتح ولا أحد يغلق ويغلق ولا أحد يفتح = الله يفتح أمام أولاده باب الرجاء والنصرة والخلاص ويغلق أمامهم أبواب الخطية والسقوط ليحميهم.

 

آيات 14-22 "و اكتب الى ملاك كنيسة اللاودكيين هذا يقوله الامين الشاهد الامين الصادق بداءة خليقة الله. انا عارف اعمالك انك لست باردا و لا حارا ليتك كنت باردا او حارا. هكذا لانك فاتر و لست باردا و لا حارا انا مزمع ان اتقياك من فمي. لانك تقول اني انا غني و قد استغنيت و لا حاجة لي الى شيء و لست تعلم انك انت الشقي و البئس و فقير و اعمى و عريان. اشير عليك ان تشتري مني ذهبا مصفى بالنار لكي تستغني و ثيابا بيضا لكي تلبس فلا يظهر خزي عريتك و كحل عينيك بكحل لكي تبصر. اني كل من احبه اوبخه و اؤدبه فكن غيورا و تب. هنذا واقف على الباب و اقرع ان سمع احد صوتي و فتح الباب ادخل اليه و اتعشى معه و هو معي. من يغلب فساعطيه ان يجلس معي في عرشي كما غلبت انا ايضا و جلست مع ابي في عرشه. من له اذن فليسمع ما يقوله الروح للكنائس".

 كنيسة لاودكية

من الناحية التاريخية فهذه الكنيسة تشير لأيام الكنيسة الأخيرة، ايام إطلاق الشيطان وظهور ضد المسيح. ولاودكية تعنى حكم الشعب وهذا يعنى أن الكنيسة تبدأ فى مسايرة رغبات الناس. لن تعود الكنيسة هى المثل الأعلى، بل تردد ما يريده الناس. فإن رفضوا الصوم ألغت الكنيسة الأصوام كما فعلت كثير من الكنائس.

ووصل الأمر لأن يدخل للكنيسة أسوأ ما فى العالم، فلقد رأينا فى الأيام الأخيرة أساقفة لبعض الكنائس تم تعيينهم وهم يجاهرون بأنهم شواذ جنسياً. بل أنه فى بعض البلدان يطالبون الآن بحذف الآيات التى تهاجم الشذوذ الجنسى من الكتاب المقدس. هنا نفهم معنى حكم الشعب، فالكنيسة تحكم حسبما يريد الناس. وما نراه الآن هو مقدمة لما سيحدث فى ايام ضد المسيح.

كنيسة لاودكية تشير لكنيسة الأيام الأخيرة التى يسودها فتور عام ويكثر فيها الإرتداد. وقال عنها السيد المسيح أنه لكثرة الإثم تبرد محبة الكثيرين (مت12:24) وقال أيضا عن هذه الأيام "متى جاء إبن الإنسان ألعله يجد الإيمان على الأرض" (لو8:18) فسمة هذه الأيام الأخيرة نقص المحبة لله وللناس ونقص الإيمان. لذلك سينحل الشيطان فى نهاية الأيام لمدة يسيرة تسبق المجىء الثانى للسيد المسيح (رؤ3:20). والله سيحل إبليس وفقا لما قاله الكتاب "الرب يعطك حسب قلبك ويتم كل رأيك" (مز4:20). وذلك لأن الناس فى تلك الأيام سيكونون غير طالبين لله ولا خاضعين له. وهذا ما نرى بداياته الآن من صراعات على المادة حتى بين الإخوة،والجرى وراء الشهوات العالمية، ونعلم أن العالم كله قد وضع فى الشرير (1يو19:5). وكما عرف سليمان الحكيم بقوله " باطل الأباطيل الكل باطل " فمن يجرى وراء العالم فهو يجرى وراء الباطل.

ومن الناحية الروحية فهذه الكنيسة تعانى من حالة فتور. ولنرى بعض التعريفات :

الحار:- هو المملوء بالروح القدس، ومملوء من محبة الله ويتلذذ بعشرته، ومحبا لكل الناس حتى أعدائه. مملوء فرحا وثمار الروح الباقية (غل 23،22:5).

الفاتر:- هو من كان حارا وبدأ يبتعد عن مصدر الحرارة، فبدأ يبرد. وهنا فمصدر الحرارة هو الله. فالفاتر هو من كان حارا وإبتعد عن الله.

البارد:- هو من لم يسمع عن الله ولم يعرفه مثل شاول الطرسوسى وموسى الأسود ومثل هذا يسعى الله وراءه ليعرفه بنفسه (شاول الطرسوسى وموسى الأسود والخصى الحبشى) والبارد أيضا هو من تخطى مرحلة الفتور وصار باردا لكنه كالإبن الضال وكالمرأة الخاطئة شعر بالهوة التى تردى فيها وعاد لله شاعرا بخطيته مقدما توبة، مبللا قدميه بدموعه كالمرأة الخاطئة وبطرس والعشار ومريم المصرية.

والسؤال هنا ما الذى جعل إنسانا حارا يترك الله فيفتر؟ الإجابة واضحة

أنه وجد أن العالم ألذ كما قيل "ديماس تركنى إذ أحب العالم الحاضر" (2تى10:4) لذلك نجد المسيح هنا وقد قدم نفسه على أنه الآمين = وهى كلمة عبرانية غير كلمة الأمين    Honest.

أما الآمين فتعنى الحق. فهناك صراع بين الحق والباطل علينا. المسيح الحق يقول أنا الحق فإتبعونى والعالم ورئيسه إبليس يخدعنا بملذاته الباطلة. هنا نرى المسيح يقول عن نفسه الشاهد الآمين الصادق = فالمسيح هنا كأنه يرجو شعبه أن يصدقوه هو فما يقوله من وصايا هى الحق، وتقودهم للحياة الأبدية، ولا يسيروا وراء أوهام الباطل. فهو الذى يحبهم حقيقة وما يقوله من وصايا هدفها خلاص نفوسهم. أما عدو الخير فهدفه خداعهم بملذات الدنيا الباطلة والنهاية هلاك أبدى معه فى بحيرة النار (رؤ15،10:20).

وقارن بين من يسعى وراء الباطل أى ملذات الدنيا وبين المعروض على من يغلب أى عرش الله وهذا حق. ومن يغلب هو من يترك الباطل طالبا الحق، رافضا العالم وملذاته. يختار المسيح. وقول المسيح أنه الشاهد الصادق هى دعوة لنصدق أقواله ونعمل بوصاياه، وكل ما قاله هو أمين فيه ولا غرض  له سوى خلاص نفوسنا. وهذا فى مقابل الكذاب وابو الكذاب رئيس هذا العالم الذى يغرينا بملذاته فنترك المسيح الحق. والمسيح هو الشاهد لنا بمحبة الآب وهو الأمين فى خدمته على الأرض بجسده ليخلصنا. وهو الصادق = فى كل ما قاله ووعد به وهو الطريق والحق والحياة فمن يسير وراء الحق سيجلس فى العرش الإلهى وهذا هو الوعد لهذه الكنيسة. ومن يسير وراء الباطل يصير باطلا مثله. والمكافأة لن تكون فقط فى الحياة الأبدية فى عرش الله، بل فى هذه الحياة أيضا، فمن يفتح قلبه للحق ويستجيب لفداء المسيح يدخل المسيح معه فى علاقة حب وينير قلبه ويملأه فرحا فى شركة حلوة لذيذة قال عنها المزمور "ذوقوا وأنظروا ما أطيب الرب". وهذا ما تم التعبير عنه بالعشاء الذى سيكون بين المسيح وبين النفس التى تختار أن تفتح له ولا تفتح قلبها للعالم، ولكن هل يعنى كلامنا هذا أن لا نعمل لنأكل ؟!

قطعا لا يعنى هذا، بل نعمل ونسعى، ولكن لا تكون المادة هدف حياتنا، بل يكون الله هدف حياتنا. ولنتذكر أن الله طلب أن نعمل ستة أيام واليوم السابع يكون راحة لحساب الله فى صلوات وتسابيح. إذا لنعمل ستة أيام ولكن ليكن للرب نصيبه كل يوم، ونقضى مع الرب يوما بكامله كل اسبوع. لنعمل فى العالم ولا يستعبدنا العالم، ولا يكون العالم هدفنا ما أجمل قول أحد الخدام حين سألوه عن وظيفته فقال أنا خادم بكنيسة كذا وأعمل مهندسا لأكل لقمة عيش. وأما من ينسى الله وينغمس فى شهواته المادية فهو يعيش فى صراع بلا أفراح وبلا تعزيات داخلية، يحيا فى قلق وإضطراب وما أجمل قول المزمور "الرب يعطى لأحبائه نوما".

بداءة خليقة الله = بداءة معناها أرشى وهى تعنى رأس خليقة الله. وبداءة أى الذى تأخذ الخليقة بداءتها منه، هو أصل كل الخليقة وله سلطان عليها. لاحظ أنه لم يقل أول مخلوقات الله. وقالها بولس الرسول بكر كل خليقة (كو15:1) فإنه فيه خلق الكل. وقالها يوحنا فى إنجيله به كان كل شىء وبغيره لم يكن شىء مما كان (يو3:1). المسيح هنا يقدم نفسه بسلطان إلهى فهو أصل الخليقة. وبهذا السلطان الإلهى يعد من يغلب بأن يكون مكانه العرش. والمسيح كرأس للخليقة ورأس للكنيسة يود لو نلتصق به ونختاره بحريتنا رأسا وقائدا ومدبرا (أف23،22:1).

ولكن مشكلة هذه الكنيسة إنها فى فتور، محبتها ليست حارة، القلب منقسم بين محبة المسيح ومحبة العالم. والله يريد القلب كله "يا إبنى إعطنى قلبك". ومن يعطه القلب فهو كرأس للخليقة سيدبر ويهتم بكل أموره. هذه الكنيسة إختارت الباطل وتركت المسيح الرأس المدبر لتبحث عن لذة العالم فدخلها الفتور.

ليتك كنت باردا = من لم يسمع عن المسيح يسعى المسيح وراءه ليعرفه ذاته، هذا حدث مع المرأة السامرية، وأرسل فيلبس للخصى الحبشى. أما الخاطىء الذى شعر بخطيته مثل المرأة الخاطئة فقد تبررت بدموعها والإبن الضال ألبسوه الحلة الأولى إذ عاد تائبا وبطرس بعد أن أنكر بكى فعاد لدرجته الرسولية. فمن يعود لله يعود لمصدر الحرارة ويصير حارا.

لأنك فاتر أنا مزمع أن أتقيأك = الماء الفاتر يثير الجهاز الهضمى فيتقيأه المرء والفرق بين البارد والفاتر روحيا أن البارد شعر بخطيته وعاد تائبا أما الفاتر فهو لا يشعر ولا يدرى أن حالته سيئة، بل يظن أن حالته جيدة وأنه مقبول أمام الله، ولا يشعر بإحتياجه للمسيح، راضى عن نفسه بدون مبرر. لا يطلب معونة من الله، هو يحيا على ذكريات ماضى إنتهى إذ إبتعد عن الله. هو مخدوع.

لأنك تقول إنى أنا غنى وقد إستغنيت ولا حاجة لى إلى شىء = هذا شعور الفاتر أنه فى غنى عن الإلتجاء بالصلاة للمسيح طالبا المعونة. و المسيح يقول له الحقيقة = ولست تعلم أنك أنت الشقى والبئس وفقير وأعمى وعريان. وهذا حال كل من يجرى وراء العالم. فالعالم باطل وأحسن تفسير لكلمة باطل هو ظاهرة السراب وفيها يجرى الإنسان وراء أوهام ويموت من العطش دون أن يحصل على شىء، وفسرها سليمان أيضا بأن العالم هو قبض الريح فما حصلت عليه من العالم مهما كان كأنك قبضت على هواء، ولا تجد شيئا فى يديك. هذا إنسان يحيا فى خداع لذلك يظهر له المسيح فى شكل أنا بداءة كل خليقة أى هل تظن أنك غير محتاج لى..! ابدا... أنا أصلك وأصل كل خليقة، كيف تستغنى عنى. هذا يقال لكل من هو شاعر أنه بماله ومركزه قادر أن يستغنى عن الله. هذا الملاك عكس ملاك ساردس. فملاك ساردس خدع الآخرين أما هذا فخدع نفسه. وبداية التغيير أن تعرف الحقيقة أنك فقير وبائس... الخ. فالمسيح لا يغنى غنيا ولا يشبع شبعانا بل يعطى لمن يريد أى لمن يشعر بإحتياج إليه.

الشقى = مهما تذوق الإنسان من ملذات العالم، ماذا يفعل وكيف  يتعزى أمام مشاكل العالم، كيف يتعزى بملذات العالم لو علم أنه مريض بمرض قاتل ولا يوجد من ينكر أن العالم ملىء بالآلام. والمسيح يقول لهذا الشخص ستصبح شقى لو أصابتك هذه الآلام بدون تعزياتى (العشاء معى) ولن ينفعك كل العالم.

فقير = فمهما إمتلكنا من مال فيوجد مشكلات لا يحلها المال. هل نستطيع بأموالنا مهما زادت أن نشترى الملكوت ونشترى أبديتنا بل حتى نشترى صحتنا على الأرض

بائس = فهو يعيش فى عالم مؤلم دون تعزيات إلهية. فالله مصدر التعزيات.

أعمى = لا يرى الحقيقة، ترك الحق أى الله ينبوع الماء الحى وذهب وراء الباطل أى سراب، ذهب وراء أبار مشققة لا تضبط ماء.

عريان = عدو الخير يسهل لنا طريق الخطية لكنه يتلذذ بأن يفضحنا، أما المسيح فهو الذبيحة التى إستترنا بها، كفر عن خطايانا ليستر علينا. بل يمنع عدو الخير من أن يفضحنا. المسيح وحده يستر على عبيده. لكن من يصر على طريق الخطية منفصلا عن الله يتركه الله فيفضحه إبليس. لذلك نحن نصلى صلاة الشكر. فلنشكر صانع الخيرات... لأنه سترنا ودارى على عرينا والبسنا رداء بره. ألبس الإبن الضال الحلة الأولى. كما ستر على آدم بالذبيحة، أما العالم فهو ورق التين الذى لا يستر أحد بل يتركه عاريا.

ولاحظ أن هذا الكلام موجه لكنيسة اللاودكيين التى تشير للأيام التى يظهر فيها ضد المسيح ويضيق على أولاد الله فلا يستطيعون البيع ولا الشراء. وربما يلجأ البعض لترك الإيمان ليعيشوا فى سهولة والله ينبههم هنا بأن العالم لن ينفعهم، هو وحده يستر عليهم ((رؤ17:13) البيع والشراء لمن له سمة الوحش).

وهذا الفاتر نجد المسيح مهتما به ويعطى له نصائح للخروج من حالة الفتور هذه والعجيب أنه يقول له = إنى كل من أحبه أوبخه = فهو ما زال يحبه بالرغم من فتوره ولم يرفضه. ويوجه له نداؤه = كن غيورا وتب = الله يتضايق من الفاتر لأن الفاتر لا يستريح فى عشرته مع الله (فقد حرارة عشرته مع الله). صار لا يطيق ان يسمع كلام الله، فهو كان يحيا مع الله ثم تركه إذ  أحب العالم الحاضر. ولكن مع هذا فالله لا يريد أن يتخلى عنه بل يوجه له هذه الرسالة وينصحه بان يعود لحرارته أو غيرته وليتحرك قلبه ويعود يختار الله الحق ويترك الباطل. هذه دعوة للتوبة وبكل دقة يقول فيها ما معناه لا تتضايق من كلامى فأنا مازلت أحبك. وإن كان كلامى قاسيا فلكى أبصرك بخطورة وضعك والخطر المحيط بك.

أشير عليك أن تشترى منى ذهبا مصفى بالنار لكى تستغنى = المسيح يعلم أنه فقير، إذا كيف يشترى ذهبا ؟ الحل أن المسيح يعطيه مجاناً لكن لمن يشعر أنه محتاج إليه. كما قال إشعياء " أيها العطاش.... هلموا إلى المياه والذى ليس له فضة تعالوا إشتروا وكلوا بلا فضة وبلا ثمن (أش 1:55).

ولكنه يقول له إشترى حفظا على كرامته بدلا من أن يقول له سأعطيك مجانا.

والذهب هو الحياة السماوية أو هو المسيح نفسه إلهنا السماوى الذى تألم وإجتاز نيران الصليب، ثم قام ليعطينا حياته (غل20:2) فنحيا بحياته هنا على الأرض حياة سماوية. والبداية أن نغصب أنفسنا على إقامة علاقة مع المسيح.

1.     بالتوبة.

2.     بالصلاة بلجاجة - فملكوت السموات يغصب (مت12:11).

ولماذا أغصب نفسى على التوبة أى ترك الخطية، ولماذا أغصب نفسى على الصلاة؟

الإجابة: الشعور بالإحتياج. ولنفكر للحظات، سنجد أنفسنا فى عالم ملىء بالمخاوف، ولا تعلم ماذا سيأتى به الغد، ومتى وكيف نغادر هذا العالم وأين سنذهب بعد ذلك؟ وحينئذ سندرك أننا نحتاج لحماية الله فنلجأ له ونقيم معه علاقة بالتغصب. لكن سرعان ما تتحول هذه العلاقة لعزاء وفرح وصداقة = أتعشى معه وهو معى = ونبدأ حياتنا السماوية هنا، والشبع بالمسيح وهذا هو الحق والنهاية مجد فى السماء = من يغلب فسأعطيه أن يجلس معى فى عرشى وثيابا بيضا لكى تلبس فلا يظهر خزى عريتك = المسيح يعرض عليه ثيابا بيض، هذه التى أعطوها للإبن الضال حين عاد تائبا. المسيح يعرض عليه أنه وحده  قادر أن يستر عليه فى الأرض وفى السماء، أما من يستتر بالعالم يفضح. ولاحظ أن ملاك لاؤدكية هو أسوأ السبع الملائكة والمعروض عليه أعظم عرض أى عرش المسيح فإنه يوجد أعظم رجاء لأعظم خاطىء.

كحل عينيك بكمل لكى تبصر = كحل العين مادة طبية تستعمل للإبصار وفى بعض الترجمات جاءت مرهم للعين. وكانت لاودكية مدينة غنية تشتهر بهذه الصناعة أى كحل العين (تزداد به قوة الإبصار) والثياب (ولاحظ الإشارة للثياب البيض) والمعنى، فلقد قال له المسيح سابقا أنه أعمى والأعمى محتاج لأن يشفى بصره بكحل. والمقصود الإمتلاء بالروح القدس الذى يعطى إستنارة. فيبصر حقيقة نفسه. وهذا يتطلب نقاوة القلب بالتوية واللجاجة فى طلب الروح القدس. ومن يعود له إبصاره الروحى سيميز بين الحق والباطل ويختار الحق.

إذا بداية الإصلاح من حالة الفتور:

1.     التغصب على التوبة.

2.     ما الذى يدفعنا لذلك؟ الخوف من الأبدية.

3.     الصلاة بلجاجة.

4.     ما الذى يدفعنا لذلك؟ الشعور بالإحتياج  "إن عطش أحد فليقبل"  (يو37:7-39).

5.     طلب الإمتلاء من الروح القدس فيعطينا إستنارة تساعدنا على إتخاذ القرار الصحيح.

6.     ويأتى بعد هذا حلاوة العشرة مع المسيح وينتهى التغصب ونلاحظ أن البداية الحقيقية هى من المسيح الذى نجده يصور نفسه هنا واقفا على الباب يقرع، منتظرا من يفتح له. فالبداية هى من المسيح والإستجابة منى. وهذه الصورة للمسيح الذى يقرع على الباب متفقة مع (نش2:5). والرب يقرع باب قلوبنا بإنذارات كلمة الله وبإحساناته تارة وبالتجارب المحيطة بنا تارة أخرى. ولاحظ حرية الإختيار إن سمع أحد صوتى (نش4:5) ما يمنعنا من السمع هو تداخل صوت الله من أصوات العالم والشيطان والذات والشهوات.

من يغلب = نحن فى صراع فى هذا العالم بين الحق (المسيح) والباطل (العالم) والحق ينادى علينا ويقرع أبواب قلوبنا. ومن يختاره ويثبت فيه يتلذذ بعشرته (العشاء).

ويحيا فى فرح حقيقى على الأرض. والنهاية مكان فى عرش الله. والمسيح إفتدانا بدمه لأجل هذا. لذلك فمحبة العالم عداوة لله (يع4:4) أى من يترك الله يجرى وراء ملذات الدنيا فهو يرفض الله ومجد الله ومحبة الله ويعيش معذبا، ومهما جمع من أموال ونال من ملذات الدنيا فهو إما سيتركها أو تتركه لذلك فهى باطل (السراب).

أما من إختار المسيح فهو يعيش فى عزاء حقيقى وفرح حقيقى والنهاية مجد حقيقى (حق)


ولاحظ أن عطايا الله بفيض فالفقير والأعمى والشقى يعطيه ذهبا مصفى بالنار بل يجلس معه فى عرشه. حقا يعطى بسخاء ولا يعير. وما نحصل عليه هنا من عشاء مع المسيح هو عربون المجد هناك.

 

 


 

الإصحاح الرابع

فى الرسائل السبع التى وردت فى الإصحاحين الثانى والثالث رأينا تأسيس ملكوت الله على الأرض فى الكنيسة المجاهدة. وفى نهاية السفر نرى أورشليم السماوية أى ملكوت الله فى صورته النهائية. وهذا الملكوت السماوى سيكون لمن يغلب هذه الكلمة تكررت سبع مرات خلال الرسائل السبع. إذا إمكانية الغلبة موجودة وعلينا أن نجاهد. وكان آخر وعد فى آخر رسالة وهى لاودكية أن من يغلب يجلس فى عرش المسيح. وهنا نجد المنظر يتغير وإذا باب مفتوح فى السماء ويرى يوحنا عرش الله ونلاحظ فى رسالة لاودكية أن المسيح واقف على الباب يقرع وباب القلب مقفل أمامه، أما الله فيصور لنا باب السماء مفتوحا لكل من يأتى. ومن يفتح باب قلبه للمسيح يرى الباب مفتوحا فى السماء. وقارن فالله يفتح أمامى باب السماء حيث المجد والطهارة والقداسة وأنا أغلق أمامه باب قلبى المملوء نجاسة (أر9:17).

 وهذا الإصحاح والإصحاح التالى نجد فيهم منظر للسماء والله ضابط الكل هو الذى يتحكم فى كل شىء. فسفر الرؤيا نجد فيه يوحنا فى المنفى والكنيسة تعانى من إضطهاد دومتيانوس. بل سفر الرؤيا يحمل أخبار آلام كثيرة ستعانى منها الكنيسة. والله قبل أن يخبرنا بالآلام نراه متحكما فى كل شىء، والمعنى أن الله يريد أن يقول أنا أحبكم فلا تخافوا مما سيحدث. كل شىء فى يدى.

 

أيات 1-3 "بعد هذا نظرت و اذا باب مفتوح في السماء و الصوت الاول الذي سمعته كبوق يتكلم معي قائلا اصعد الى هنا فاريك ما لا بد ان يصير بعد هذا. و للوقت صرت في الروح و اذا عرش موضوع في السماء و على العرش جالس. و كان الجالس في المنظر شبه حجر اليشب و العقيق و قوس قزح حول العرش في المنظر شبه الزمرد".

 بعد هذا = أى أن يوحنا إنتقل إلى رؤيا جديدة فبعد ما سمع يوحنا صوتا من ورائه. التفت ليرى المسيح والآن يرتفع لدرجة روحية أعلى وأعلى ليرى عرش الله. وهذا التدرج حتى يحتمل يوحنا ما سيراه. وكان يوحنا ينمو فى الروح، أى يدخل لدرجات روحية أعلى ليرتقىفيرى ما لا يرى بالجسد العادى. وهذا ما نفهمه من عبارة صرت فى الروح. وهذه درجة أعلى من درجة كنت فى الروح (رؤ10:1) وبهذه الدرجة الأعلى رأى يوحنا عرش الله. هو لم ينتقل بالجسد بل بالروح التى تستطيع أن تصل لأى مكان، وحينما ترتقى تصعد حتى إلى السموات. ولذلك قال له إصعد إلى هنا هو صعود بالروح، فهى درجة روحية أعلى أعطاها له الله. وهذه الدرجات العيا تستلزم أن يكون الجسد شبه ميت فالجسد يشتهى ضد الروح وهو يجذب لأسفل. ويوحنا كان متألما منفيا فى جزيرة قاحلة يسكنها لصوص ومجرمين، فالجسد كان شبه ميت فإستطاع الروح القدس أن يجذب الروح لدرجات عالية. فيها يسمع يوحنا ويرى بالروح دون أن ينتقل جسمه من على الأرض. وهذه ليست الحواس الطبيعية (1 كو9:2-12) + (2كو1:12-4) لذلك تكثر الكنيسة الأرثوذكسية من أصوامها وصلواتها لتعطى فرصة للروح لتصعد وتتمتع بالسماويات. فنحن لا نستطيع أن نتمتع بالسماويات مالم تكن هناك دفعة روحية يساعدنا عليها الصوم والصلاة. ولنلاحظ أن من لا يتذوق ملكوت الله والسمائيات على الأرض يصعب أن يكون له نصيب فى الملكوت السماوى فما نحصل عليه فى الأرض هو عربون ما سنحصل عليه فى السماء. فمن لم يستطع أن يقول مع داود ذوقوا وأنظروا ما أطيب الرب لن يكون له نصيب فى عرش المسيح السماوى. ونلاحظ هنا شركة الصليب والمجد، فيوحنا المتألم المقفولة أمامه أبواب الأرض فتحت له أبواب السماء. وهكذا من يحبه الرب يسمح له بتجربة قاسية ويشترك معه فى صليبه ليعزيه ويفتح له أبواب السماء فيختبر تعزيات سماوية لا ينالها غير المجرب.

والسماوات ثلاث:

1.     سماء الطيور.

2.     سماء الكواكب.

3.     الفردوس.

وهناك سماء السموات التى فيها عرش الله. وهذه هى التى رآها يوحنا. أما بولس صاحب المعرفة اللاهوتية والفلسفة الروحانية فإختطف للسماء الثالثة.

ويوحنا صاحب القلب المملوء حبا فرأى سماء السموات. وإذا كان يوحنا قد إستطاع أن يرى كل هذا وهو ما زال فى الجسد، فما الذى سيراه حينما يفارق الجسد ولكن ما رآه يوحنا وصفه على قدر فهمه، وبقدر ما تستطيعه لغتنا البشرية العاجزة. فالأوصاف التى إستخدمها كان يقول مثل كذاوكذا، فلا يوجد مثيل لما فى السموات على الأرض. يوحنا كان كطفل سمع محاضرة فى العلوم الرياضية من عالم كبير فى الرياضيات وحاول أن يكرر ما سمعه، فهو حينئذ ستكلم على قدر طاقته مالابد أن يصير = وما يقوله الله لابد وسيحدث وعلى العرش جالس = حينما تأتى هذه الرؤيا هنا بعد الرسائل وقبل الأخبار المرعبة عن الحروب وإضطهاد الكنيسة. فالمعنى أن كل الأمور يتحكم فيها الله. هو مسيطر على كل المصائر، وبيده كل سلطان فى السماء وعلى الأرض.

ولكن من بهاء جلال الجالس على العرش لم يعرف يوحنا كيف يصفه فدعاه جالس فالشرح فوق طاقة إستيعاب يوحنا وتعجز اللغة البشرية ان تعبر عنه وهذه الصورة لله جالسا على عرشه هى التى نضعها فى شرقية الهيكل ونسميها البانطوكراطور أى ضابط الكل. والعرش له أربع أرجل. كل رجل ترسم بشكل أحد الحيوانات الأربعة (آية 7) والله يظهر جالسا رمزا لإستقرار ملكه، فعرشه لا يهتز كملوك الأرض لقوته وقدرته وحكمته ولا تغيير فى قراراته.

شبه حجر اليشب = حجر كثير الشفافية، هو يرمز لمجد الله وبهاء قداسته، وبساطة محبته للبشر. هو لا يحمل فى قلبه سوى المحبة بلا حقد ولا ضغينة. فالبساطة تشير لعكس ما يشير إليه التعقيد أو التركيب. فمشاعر الله كلها محبة، ومحبة فقط فالله محبة، هذه هى طبيعته، طبيعة بسيطة لا يوجد فيها أى شائبة كراهية.

العقيق = لونه أحمر، لون الدم إشارة لفدائه، فإن كان الله فى بساطته، كله محبة لنا، فهذه المحبة وصلت لسفك دم إبنه.

"لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل إبنه الوحيد لكى لا يهلك كل من يؤمن به" (يو16:3).

قوس قزح حول العرش = هو علامة ميثاق بين الله والإنسان، فالله لا يريد هلاك الإنسان كما وعد نوح. ووجود هذه العلامة هنا إشارة تعطينا إطمئنان أن الله يذكر هذا الوعد ولا يريد هلاكنا. فالله لا ينسى وعده لنوح ولا لأبنائه.  وتعدد ألوان قوس قزح يشير لتعدد بركات ومواهب الروح القدس للكنيسة شبه الزمرد = الزمرد لونه أخضر وهو لون الحياة. ولاحظ الرمز فى سفر الرؤيا، فقوس قزح متعدد الألوان فكيف يكون لونه أخضر. المعنى أن الله لا يريد لنا الموت والهلاك بل يريد لنا الحياة (يو16:3) فالله حى ويريد أن تكون لنا حياة. ونحن نصلى فى أوشية الراقدين "علهم فى موضع خضرة على ماء الراحة" إشارة لحياة أبدية للراقدين ولا حياة بدون خضرة أو ماء.

 

آية 4 "و حول العرش اربعة و عشرون عرشا و رايت على العروش اربعة و عشرين شيخا جالسين متسربلين بثياب بيض و على رؤوسهم اكاليل من ذهب".

 هنا نسمع عن طغمة سمائية عالية المستوى جدا هم الأربعة والعشرون قسيسا ومترجمة فى طبعة بيروت شيوخا. وأصل الكلمة إبرسفيتيروس ومنها إبريسفيا أى شفاعة. ولأن البروتستانت يرفضون فكرة الشفاعة ترجموها شيوخا. بينما فى أماكن أخرى مثل (أع17:20) يترجمونها قسوس، وهذا راجع لرفضهم فكرة العمل الكهنوتى. ففى (يع14:20) يترجمون الكلمة شيوخ فهى تتحدث عن مسحة المرضى التى يقوم بها الكهنة.عموما أصل الكلمة (ابرسفيتيروس) فى اليونانية كان يعنى شيوخ. لكن لما قامت الكنيسة وسامت قسوسا للخدمة الكهنوتية وجدت أن أنسب كلمة فى اليونانية هى أبرسفتيروس فإستعملتها للقساوسة، وصارت هذه الكلمة بمعنى الكهنة القساوسة لمدة 12 قرنا من الزمان حتى أعادها البروتستانت بمعنى شيوخ. على أن هذا خطأ فهناك كلمات كثيرة تغير معناها بعد المسيحية مثل كلمة إكليسيا وكانت تعنى فى اليونانية جماعة ولكنها بعد المسيحية صارت تعنى كنيسة. فهل يقبل البروتستانت أن تسمى كنائسهم جماعة كذا أو جماعة كذا بحسب القاموس اليونانى. وكلمة اسقف فى أصلها تعنى ناظر ثم صارت درجة الأسقف. عموما كان لا يصح أن يتم ترجمة نفس الكلمة مرة بمعنى شيوخ ومرة بمعنى قسوس.

وهؤلاء الأربعة والعشرون قسيسا متسربلين بثياب بيض = وهذه قد تعنى الطهارة والبر ولكن فى نفس الوقت تشير لملابس الكهنة فعملهم كهنوتى ولهم جامات أى مجامر يقدمون فيها بخورا هو صلوات القديسين (رؤ8:5).

وهذا يعنى قيامهم بدور شفاعى، فهم يقدمون صلواتنا ويرفعونها لله والمعنى أن صلواتنا بها الكثير من الأخطاء ولا يجب أن تقدم لله هكذا فنحن نقول ما لا يجب أن نقوله، وقد نقف بلا خشوع. بينما الله يطلب أن نقف فى خشوع وإحترام كاملين، لذلك ظهرت ظواهر طبيعية مخيفة قبل أن يظهر الله للشعب فى سيناء مع موسى وقبل أن يكلم إيليا لتضعهم هذه الظواهر فى موقف خشوع. لقد فهمت عمل الأربعة والعشرون قسيسا من حوادث وقعت معى فقد كان كثيرين من الناس يعطونى طلباتهم مكتوبة فى ورق مطوى لأضعها على المذبح أثناء القداس. وذات مرة فتحت ورقة منهم وقرأتها فوجدت فيها طلبات غير مقبولة مثل "يا رب إنتقم لى من فلان" فرجعت لمن أعطاها لى وقلت له لماذا تجعلنى أخطىء بوضع هذه الطلبة أمام الله ومن يومها صرت أراجع كل ورقة تعطى لى قبل وضعها على المذبح.

وعلو منزلة الـ 24 قسيسا تتضح من أن لهم عروش وأكاليل. فهم طغمة سمائية ملائكية كهنوتية عملها الشفاعة. وهم يرمزون لشعب العهد القديم (12 سبط) وشعب العهد الجديد (12تلميذ) أو يرمزون للعمل الكهنوتى فى العهدين.

ويبدو أن لهم درجة ملوكية فهم لهم عروش وأكاليل. وهم لهم ذوكصولوجية خاصة فى الكنيسة وتعيد لهم الكنيسة سنويا.

 

آية 5 "و من العرش يخرج بروق و رعود و اصوات و امام العرش سبعة مصابيح نار متقدة هي سبعة ارواح الله".

 بروق ورعود وأصوات = هذا ما حدث فى سيناء قبل أن يظهر الله للشعب، وهذا ما حدث مع إيليا قبل أن يكلمه الله، حتى يكونوا فى خشوع حين يتكلم الله فهذه البروق والرعود إشارة أو أنها تثير الرهبة وترمز لهيبة الله وقوته وعظمته التى ترعب البشر (عب21:12). وهى تشير أيضا لدينونة الله العادلة أما الله مع خاصته الذين هم أصلا فى خشوع سيكون الله معهم كالنسيم الهادىء كما تكلم مع إيليا.

البروق = البروق تسبق المطر. والمطر يشير للبركات الإلهية. لذلك فالبروق تشير لوعود الله للأبرار والبرق يلمع فى السماء ويراه الكل هكذا وعود الله للكل.

الرعود = تشير لإنذارات الله لمن لا يريد التوبة، فهناك من لا يتأثر بالوعود لكنه يخشى من الإنذارات فيتوب.

الأصوات = هى أحكام وقرارات إلهية تعلن سلطان الله على السماء والأرض إذا الله أعطى وعود (برق) مثل "من يغلب يجلس معى فى عرشى". وأعطى إنذارات (رعود) مثل "فتب وإلا فإنى آتى وأزحزح منارتك ". ومن يستفيد ويتوب تصدر له أحكام وقرارات بالبركة ومن لا يستفيد تصدر ضده قرارات بالعقوبة. وكل ما يصدر عن العرش هى قرارات ووعود وإنذارات لا تتغير.

سبعة مصابيح نار= هى سبع أرواح الله، رمز لعمل الروح القدس الكامل فى الكنيسة، فرقم 7 هو رقم الكمال. فالروح القدس يقدم كل ما هو لازم لخلاص الإنسان من تبكيت وتعليم وإقناع وتوبيخ ونصح وإرشاد وقوة تعين الإنسان وقيادة للكنيسة (سمى سفر أعمال الرسل سفر أعمال الروح القدس) وهو الذى يعطى الثمار والمواهب ورآه على هيئة مصابيح نار لأن الروح القدس حل على التلاميذ على هيئة ألسنة نارية. وإلهنا نار آكلة (عب29:12).

أمام العرش سبعة مصابيح = أى أمام عينى الله، والمعنى أن خلاص الكنيسة والحفاظ عليها (وهو عمل الروح القدس الآن) وإعدادها لتكون عروس الخروف هو محل إهتمام الله بالدرجة الأولى (راجع شرح رؤ4:1).

 

آية 6 "و قدام العرش بحر زجاج شبه البلور و في وسط العرش و حول العرش اربعة حيوانات مملوة عيونا من قدام و من وراء".

 قدام العرش يحر زجاج شبه البلور = العالم مشبه بالبحر لملوحته ومن يشرب منه يعطش.

 (لذاته وتنعماته) بالإضافة لإضطرابه وأمواجه التى ترفع يوما وتخفض يوما. ومن يعيش فى البحر يغرق ويموت إشارة لمن يحيا للعالم فقط تاركا الله. لكن هنا نجده يشبه الكنيسة ببحر من زجاج شبه البلور.

1.     إشارة للمعمودية التى نولد منهاز وكان فى الهيكل بحر يغتسل فيه الكهنة قبل دخولهم للهيكل. فالبحر فى المفهوم اليهودى يشير لمكان الإغتسال فى الهيكل ولاحظ أن الله أمامه البحر والسبعة المصابيح، فالطريق للعرش يمر خلال البحر والروح. فلن يعاين ولن يقدر أن يدخل ملكوت الله من لا يولد من الماء والروح يو 5:3 و البحر زجاج فلا معمودية فى السماء.

2.     البلور شفاف رمز للنقاء فالكنيسة كما أن فيها سر المعمودية، فيها سر توبة وإعتراف به تغفر الخطايا، ويسمى سر التوبة معمودية ثانية. وكان البحر فى الهيكل يستخدم طريقتين.

أ‌.        يستحم الكاهن فيه بالكامل فى بداية خدمته عندما يصل سنه إلى 30 سنة.

ب‌.    يغتسل فيه الكاهن (يديه ورجليه فقط) كل مرة يدخل الهيكل. الأولى تشير للمعمودية والثانية تشير للتوبة وكلاهما يشير للنقاوة التى يشير لها البلور. وهاتين المرتين لإستعمال البحر فى الهيكل هما ما أشار لهما السيد المسيح فى حديثه مع بطرس حين رفض غسل قدميه.

3.     شبه البلور فهو يعكس أمجاد الله. وأمجاد الله تتلألأ على القديسين.

4.     هو بلا أمواج فلا إضطراب فى السماء.

إذا بحر الزجاج يرمز للكنيسة المولودة من المعمودية، وبها ماتت وقامت مع المسيح وصارت نورا للعالم تعكس نور إلهها شمس البر

وهى قدام العرش أى أنها أيضا محل إهتمام الله وقدام عينيه الله مهتم بكنيسته وبقيادة وإعداد الروح القدس لها. وبعد أن نسمع عن كل هذا الإهتمام بنا وأن القرارات الخاصة بنا خارجة من عرش من يحبنا.. فلماذا الخوف مما رأينا ونرى أن الطريق للعرش الذى بحسب وعد المسيح لنا مكان فيه، هو كالآتى:

1.     يجب أن يكون أولاد الله معمدين تائبين أنقياء.

2.     ماتوا عن العالم وقاموا مع المسيح. هم نور للعالم يعكسوا نور المسيح.

3.     قاموا فى جدة الحياة ولا يقاوموا عمل الروح القدس.

4.     يستجيبوا لأصوات وإنذارات الله.

5.     مستفيدين من عمل الكهنوت الأرضى وشفاعة السمائيين.

 

آيات 6-8 "و قدام العرش بحر زجاج شبه البلور و في وسط العرش و حول العرش اربعة حيوانات مملوة عيونا من قدام و من وراء. و الحيوان الاول شبه اسد و الحيوان الثاني شبه عجل و الحيوان الثالث له وجه مثل وجه انسان و الحيوان الرابع شبه نسر طائر. و الاربعة الحيوانات لكل واحد منها ستة اجنحة حولها و من داخل مملوة عيونا و لا تزال نهارا و ليلا قائلة قدوس قدوس قدوس الرب الاله القادر على كل شيء الذي كان و الكائن و الذي ياتي".

المركبة الكاروبيمية (الأربعة الحيوانات)

هناك بعض كتاب الصحف يحلو لهم أن يصفوا ما رآه حزقيال النبى فى رؤية المركبة الكاروبيمية حاملة عرش الله بأنها مركبة فضاء. فما هى قصة هذه المركبة وما هى قصة الأربعة الحيوانات الذين يستحسن تسميتهم الأربعة المخلوقات الحية (غير المتجسدين) نلاحظ أنه يقول شبه كذا، فكل ما يراه هو أشباه الحقائق لأنه يستحيل علينا إدراك ورؤية السماويات على حقيقتها، ونحن فى الجسد الترابى. وهذه الأربعة المخلوقات الحية هى الكاروبيم كما يتضح من (حز1:10). فنفس الرؤيا التى رآها يوحنا هنا هى نفسها التى رآها حزقيال من قبل(حز4:1-11) والكاروبيم هم طغمة من طغمات الملائكة، وكما يحدث فى اللغة الهيروغليفية إذ كانوا يستخدمون الأشكال للتعبير عن معانى الأشياء نرى هنا الوحى يستخدم اشباه حيوانات نعرفها للتعبير عن بعض المعانى لعمل هؤلاء الملائكة.

هم يمثلون عرش الله. فالله يقال عنه الجالس فوق الشاروبيم ففى (مزمور10:18) نسمع أن الله ركب على كاروب وطار. وهم مملوءون أعينا وهذا إشارة لمعرفتهم الفائقة، فهم يعرفون الله. ومن هنا نفهم أن الله ركب على كاروبيم أو جلس عليه بمعنى أنه يرتاح أو أنه يجد راحته فى هؤلا الملائكة الذين يعرفونه بالحق.

ونسمع هنا أن الكاروبيم موجودون فى وسط العرش وحول العرش = هذا يذكرنا بمشهد أب جالس فى فرح وأولاده حوله.

عموما كل من يعرف الله حقيقة يستريح الله فيه، بل إن معرفة الله هى الحياة الحقيقية (يو3:17). 

"وهذه هى الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقى"

ماذا قال الأباء عن هذه الأربعة المخلوقات الحية:-

1- كلمة كاروبيم جمع كلمة كاروب وكاروب تعنى ملء المعرفة، وتم تصوير هذا هنا بقوله مملؤة عيونا من قدام ومن وراء. أما نحن فمعرفتنا الآن محدودة ولكن فى السماء ستزداد معرفتنا إذ سنراه وجها لوجه. أما الكاروبيم فهم مملوئين أعينا لأنهم يعرفون الله. ونحن نعرف الله عن طريق الأناجيل. لذلك قال الآباء أنهم يشيرون للأناجيل الأربعة. فالذى يشبه الإنسان يشير لإنجيل متى الذى بدأ إنجيله بنسب المسيح وكان أكثر من كتب عن المسيح إبن الإنسان. والذى على شبه أسد يشير لإنجيل مرقس الذى نسمع فيه عن المسيح القوى القادر كما يقدمه مرقس للرومان الذين يعشقون القوة، وقد بدأ مرقس إنجيله بالصوت الصارخ فى البرية وأنهاه بان المعجزات التى صنعها المسيح أعطى لمن يؤمن به أن يفعل مثلها (مر17:16) فليس المسيح وحده هو القوى، بل من يتبعه أيضا والذى يشبه العجل يشير لإنجيل لوقا الذى بدأ بكهنوت زكريا وقدم المسيح الكاهن الذى يخلص العالم بدم ذبيحته. والذى يشبه النسر يشير لإنجيل يوحنا الذى أثبت أن المسيح هو إبن الله. ومن خلال الأربعة أناجيل نتعرف على المسيح فنعرفه هنا جزئيا أما فى السماء فنعرفه كما عرفناه (1كو12:13). ومن يعرفه يصير له حياة أبدية. ومن يعرفه يسكن المسيح فيه ويرتاح وبهذا نتحول لمركبة كاروبيمية تحمل الله... ألسنا هيكل الله والروح القدس يسكن فينا. ومن يصنع إرادة الله يسكن فيه الآب والإبن ويصنعون عنده منزلا (يو23:14).

2- قالوا إن الأربعة المخلوقات الحية تشير لعمل المسيح الفدائى فمن هو على وجه إنسان يشير لتجسد المسيح، ومن له وجه العجل يشير للصليب، ومن له وجه الأسد يشير للقيامة. ومن له وجه النسر يشير للصعود. إذا بعمل المسيح الفدائى نصير أهلا ليسكن المسيح فينا ويرتاح فينا.

3- يشير الأسد للقوى العضلية الجسمانية فى الإنسان، ويشير وجه الإنسان للقوى العقلانية الذهنية ويشير وجه الثور للقوى الشهوانية. ويشير وجه النسر للقوى الروحية. ولن يرتاح الله فى إنسان ما لم تتقدس كل قواه أى تتكرس له، فبقواه العقلية يدرك ما يريده الله. وبقواه العضلية يخدم الله. وبقواه الشهوانية يقدم كل طاقاته لحب الله فيفرح بالله. وبطاقته الروحية يتصل بالله، فالروح القدس يتصل بالروح. وإذا وصل الإنسان لهذه الدرجة يقول مع بولس الرسول "الله الذى أعبده بروحى" (رو9:1) ولن تتصل الروح بالله إلا لو قدسنا باقى الطاقات لحساب الله. ومن يفعل ذلك يتحول لمركبة كاروبيمية. فالجسد يشتهى ضد الروح والروح يشتهى ضد الجسد، وإذا قمنا بقمع الجسد وإستعبدناه نعطى فرصة للروح أن تتصل بالله ولهذا إزدادت أيام الصوم فى كنيستنا.

4- صورهم الله فى هذه الصورة لندرك أن لهم طاقات تفوق طاقات الإنسان فمن صورة الأسد نرى قوة جبارة تفوق قوة الإنسان. ومن صورة العجل نرى أنهم يعملون بلا كلل. ومن صورة النسر نرى أن لهم رؤية ثاقبة لا يستطيعها الإنسان، وكل هذا مجموع فيمن له وجه الإنسان أى الحنو والشفقة والعقل. وهذا يحدث لنا إذا سكن الله فينا فتصير لنا إمكانيات غير عادية.

لذلك قال بولس الرسول "أستطيع كل شىء فى المسيح الذى يقوينى".

وربما بهذه الصور يعكسون لنا صفات الله فبالأسد نرى قوة الله غير المحدودة فهو الأسد الخارج من سبط يهوذا وهو الأسد فى إفتراس الأشرار (هو 14:5).

وبوجه العجل نرى أن الله لا يكف عن العمل بلا كلل "أبى يعمل حتى الآن وأنا أعمل" (يو17:5). ونرى فيه أيضا طول أناة الله وصبره ووجه النسر يشير لسمو وعلو الله. ونرى أيضا فى وجه الإنسان حنان الله ولطفه وشفقته.

5- قالوا إن الذى يشبه الإنسان عمله أن يشفع فى البشر. والذى يشبه الأسد يشفع فى الحيوانات التى تحيا فى البرية. والذى يشبه العجل يشفع فى حيوانات الحقل، هذه التى يهتم بها الإنسان لا يرعاها لفائدته. ولكن حيوانات البرية كالأسد لن يهتم بها أحد ليرعاها ولكن نرى الله هنا يرعاها فهو خالقها. والذى يشبه النسر يشفع فى الطيور. ولكن لا يوجد من يشفع فى الزواحف فمنهم الحية ولا يوجد من يشفع فى البحريات لأن البحر يشير للعالم المتقلب. ومن يحمل منا الله فى داخله ويرتاح الله فيه يصير مركبة كاروبيمية وتكون له شفاعة فى العالم الذى يحيا فيه، فقد قيل عن الأنبا بولا أنه بصلاته كان الله يفيض النيل على أرض مصر. ونلاحظ أن الأرض لعنت بسبب خطية الإنسان ودخل لها الفيضانات أو عكسها حين تشح المياه ويموت الناس والحيوانات. والعكس بسبب إنسان بار يرضى الله عن الأرض. وربما أن الطبع الوحشى للحيوانات كان نتيجة لعنة الأرض أيضا. والعكس فبسبب إنسان بار تفقد الحيوانات وحشيتها كما حدث مع ثعبان الأنبا برسوم العريان، ومع أسود دانيال.

6- الكاروبيم لهم ستة أجنحة. بجناحين يغطون أجسامهم (حز11:1). وكما جاء بالقداس يغطون أرجلهم فى حياء من الله. وبجناحين يغطون وجوههم إذ لا يستطيعون النظر فى الله كلى المجد. وبجناحين يطيرون أى مستعدين لتنفيذ أوامر الله فورا. والكاهن إذ يتشبه بالملائكة فى القداس واقفا أمام جسد المسيح ودمه يضع فى بعض الأحيان لفافة أمام وجهه كما يفعل الكاروبيم إذ يغطون وجوههم، ويضع لفافتين على يديه متشبها بهم.

7- نرى الكاروبيم فى سفر الرؤيا مسبحين الله فى فرح لأجل خلاص البشر، ولكننا وجدنا الله يقيم كاروبيم على الجنة حتى لا يدخل الإنسان ويأكل من شجرة الحياة فيحيا إلى الأبد. فهل كان هذا لقلة محبتهم لنا؟ بالعكس فنحن هنا نجدهم مملوئين محبة للإنسان (رؤ9:5) فهم هنا يسبحون الله على فدائه لنا بل يتكلمون بلساننا. إذا هم ليسوا ضد الإنسان. وإنما كان وقوفهم أمام الجنة سببه منع الإنسان من الأكل من شجرة الحياة حتى لا يحيا للأبد وهو فى خطيته، والخطية قد شوهت كيانه. أى حتى لا يحيا الإنسان للأبد بهذه الصورة المشوهة. وكان لابد للإنسان أن ينتظر حتى يقوم المسيح بعمله الفدائى لفداء الأجساد فيحصل الإنسان على جسد ممجد يشبه جسد المسيح إبن الله فى مجده وبهذا الجسد نحيا للأبد. وبهذا المفهوم وجدنا كاروبين فوق تابوت العهد على الغطاء المغطى بدم الكفارة. فهم كانوا شهودا على رحمة الله ومحبته الغافرة.

8- تسبحتهم " قدوس قدوس قدوس" وهذا ما رآه وسمعه إشعياء أيضا (أش 6) وهى تسبحة ثلاثية يردد فيها كلمة قدوس ثلاث مرات فهى 1) مقدمة للإله مثلث الأقانيم 2) فى العبرية تكرار الكلمة ثلاث مرات تعنى القداسة التى ليس بعدها قداسة. ونلاحظ فى تسبحاتهم أنهم لا يطلبون شيئا، بل هم يسبحون ويشكرون الله على عطاياه، فرحين بالله على قدرته ومحبته ومجده. وهكذا سنكون فى السماء لا نطلب شيئا فلن نكون محتاجين إلى شىء، بل نسبح الله على مجده الذى لا يوصف والذى وهبنا أن نستمتع به معه. وتسبحة الكاروبيم تنطق بمحبتهم للبشر.

(رؤ12:5) فنجدهم يسبحون الله الذى خلقنا وفدانا. وعموما نرى فى سفر الرؤيا تسابيح كثيرة إعلانا عن أن حياة السماء هى حياة تسبيح. فلنتعلم من الآن حياة التسبيح لنستعد للسماء ونكون مثلهم. وهذا يبدأ بالتغصب أولا.

تدريب:

حاول أن تجعل يوما من أيام الأسبوع تقدم فيه تسبحة لله فقط دون أن تسأل فيه أى سؤال، أو يكون لك تسبحة يومية بجانب صلاتك.

نهارا وليلا = هذا قول مجازى بمعنى كل الوقت، فلن يكون هناك ليل فى السماء، فالله سيكون نورا دائما فى السماء (رؤ 5:22).

القادر على كل شىء = ضابط الكل الإله القدير الذى لا يستحيل عليه شىء (تك 14:18).

 

آيات 9-11 "و حينما تعطي الحيوانات مجدا و كرامة و شكرا للجالس على العرش الحي الى ابد الابدين. يخر الاربعة و العشرون شيخا قدام الجالس على العرش و يسجدون للحي الى ابد الابدين و يطرحون اكاليلهم امام العرش قائلين. انت مستحق ايها الرب ان تاخذ المجد و الكرامة و القدرة لانك انت خلقت كل الاشياء و هي بارادتك كائنة و خلقت".

هنا نرى الأربعة والعشرون قسيسا الذين لهم عروش وتيجان، نجدهم يطرحون تيجانهم أمام الله ساجدين، إظهارا لخضوعهم وأن كل ما نالوه هو من الله. فلنتعلم منهم السجود بخشوع والميطانيات، وإحتقار كل أمجاد العالم أمام مجد الله المعد لنا. بل أن سجودهم يعلمنا أن طريق الإقتراب لله هو الإنسحاق أمامه وطرح كل مجد لنا أمامه. فلولا أن الأربعة والعشرون قسيسا وجدوا أن سجودهم أمام الله وطرح أكاليلهم أمامه فى إنسحاق قد أعطاهم فرحا أكبر ما كانوا قد فعلوا هذا. وطرح الأكاليل يعنى أن الفضل كله لله وهذا ما علمه لنا الأباء أن من يمارس الميطانيات، سريعا ما تأتى له بالفرح. وهذا يتفق مع تعليم السيد المسيح بالجلوس فى المتكآت الأخيرة (أى الشعور بعدم الإستحقاق والإنسحاق أمامه) ليأتى صاحب الفرح ويجلس هذا المتواضع فى المتكآت الأولى بكرامة (أى الفرح الذى يحصل عليه المنسحق) فخلع الأكاليل والسجود هو الجلوس فى المتكأ الأخير. والإنسحاق هو طريق الفرح الحقيقى.

إذا المركبة الكاروبيمية ليست مركبة فضاء بل نحن أمام صورة سمائية فيها ملائكة خدام لله وفيها قسوس يشفعون فى الخليقة، ولكن كل هذا تم تصويره بلغة يفهمها البشر فلغة السماء لا مثيل لها على الأرض. إلا أن من عاش فى جو كنيستنا الأرثوذكسية لن يجد السماء غريبة عليه فنحن كمن يعيش السماء على قدر ما نفهم على الأرض.

الكنيسة هى صورة السماء:

1.     الرسول رآى عرش الله والله جالس عليه، والكنيسة بها مذبح عليه جسد الرب ودمه المتحدين بلاهوته.

2.     الرسول رأى أمام العرش سبعة مصابيح نار متقدة والروح القدس يعمل فى الكنيسة خلال أسرارها وثماره فى المؤمنين ومواهبه، هو يملأ الكنيسة وأفرادها ويقودها.

3.     الرسول رأى بحر زجاجى فى السماء. والكنيسة بها معمودية.

4.     الرسول رآى 24 قسيسا فى السماء. والكنيسة بها كهنة قساوسة.

5.     كان القساوسة السمائيين يلبسون ثيابا بيض وهكذا الكهنة فى الكنيسة.

6.     كان القساوسة السمائيين يرفعون بخورا امام العرش. وهكذا الكهنة فى الكنيسة.

7.     يحمل العرش 4 حيوانات رمزا للإنجيل الذى يقرأ فى الكنيسة دائما.

8.     الشموع المضاءة تمثل الملائكة. وفى بعض أجزاء القداس يخفى الكاهن وجهه بمنديل كما يفعل الكاروبيم. وأحيانا يحمل لفائف على يديه كأنها أجنحتهم.

9.     الرسول سمع تسابيح كثيرة فى السماء. والكنيسة مملوءة تسابيح فى عشية وباكر والقداس.

حقا إن من يعيش فى جو الكنيسة على الأرض لن تكون السماء غريبة عليه.

وأسلوب الله هو هو نفسه لا يتغير فهذه كانت نفس الصورة فى هيكل العهد القديم. فالله ليس عنده تغيير أو ظل دوران (يع 17:1).

1.     عرش الله يقابله قدس الأقداس وتابوت العهد.

2.     سبعة مصابيح نار متقدة يقابلها المنارة ذات الأفرع السبعة.

3.     البحر الزجاجى يقابله بحر النحاس.

4.     الـ 24 قسيسا يقابلهم الكهنة.

5.     الثياب البيضاء للكهنة هى هى.

6.     البخور كان موجودا على مذبح البخور.

7.     الكاروبيم يمثلهم كاروبين على تابوت العهد.

8.     الهيكل مملوء تسابيح وصلوات ومزامير.

 

 

 

مقارنة بين الرؤيا السماوية والكنيسة وهيكل العهد القديم

الرؤيا السماوية

الكنيسة

هيكل العهد القديم

الله جالس على العرش

 

 7 مصابيح نار متقدة

 

 بحر زجاجى

24 قسيسا

القسوس لهم ثياب بيض

القسوس يقدمون بخورا

الكاروبيم ( 4 حيوانات )

 

 

 

تسابيح كثيرة

جسد ودم المسيح على المذبح

الروح القدس يعمل فى الكنيسة

المعمودية

كهنة

القسوس لهم ثياب بيض

الكهنة يقدمون بخورا

4 بشائر نرمز لها بأربع وجوه

 شموع مضاءة رمزا للملائكة

تسابيح كثيرة

تابوت العهد فى قدس الأقداس

منارة ذات 7 شعب

 

بحر نحاس

كهنة

الكهنة لهم ثياب بيض

الكهنة يقدمون بخورا

كاروبيم فوق تابوت العهد

 

كاروبان فى قدس الأقداس

 

تسابيح كثيرة

حقا يسوع المسيح هو هو أمسا واليوم وإلى الأبد (عب 8:13).


 

الإصحاح الخامس

آيات 1-5 "و رايت على يمين الجالس على العرش سفرا مكتوبا من داخل و من وراء مختوما بسبعة ختوم. و رايت ملاكا قويا ينادي بصوت عظيم من هو مستحق ان يفتح السفر و يفك ختومه. فلم يستطع احد في السماء و لا على الارض و لا تحت الارض ان يفتح السفر و لا ان ينظر اليه. فصرت انا ابكي كثيرا لانه لم يوجد احد مستحقا ان يفتح السفر و يقراه و لا ان ينظر اليه. فقال لي واحد من الشيوخ لا تبك هوذا قد غلب الاسد الذي من سبط يهوذا اصل داود ليفتح السفر و يفك ختومه السبعة".

إصحاح (5) هو تكلمة للرؤيا التى رآها يوحنا فى إصحاح (4). وفى إصحاح (4) رأى العرش والجالس عليه. وهنا يرى سفرا مختوما بسبعة ختوم على يمين الجالس على العرش. ورقم 7 هو رقم الكمال. إذا فسبعة ختوم يشير لكمال الغموض ولكن وجوده عن يمين العظمة الإلهية يدل على منتهى إهتمام الله به وبالمكتوب فيه. فما هو هذا السفر؟ قيل أنه الكتاب المقدس بعهديه. وتشير الكتابة من الداخل للعهد الجديد والكتابة من الخارج (أو من وراء) للعهد القديم.

ومعنى الداخل والوراء نفهمه إذا فهمنا أن الكتب فى عصر يوحنا كانت عبارة عن ورقة طويلة ملفوفة فيصير من الداخل هو وجه الكتاب. ومن وراء هو خلف الكتاب. ويمكن تعريف الكتاب المقدس بأنه مقاصد الله نحو الناس، ويشمل معاملات الله مع البشر فى الماضى والحاضر والمستقبل. ولكن يمكن القول بصفة عامة أن هذا السفر المختوم يشمل كل مقاصد الله فى معاملاته مع البشر فى الماضى والحاضر والمستقبل ويكون قوله من وراء = الأحداث الماضية. وقوله من داخل = المستقبلة وهو سفر مختوم، فنحن لا نعرف شيئا عن المستقبل، وحتى الماضى فنحن نعرف فقط ما وصلنا نحن من أخبار لكننا لا نعرف كل شىء، وإلا لماذا حدث ما حدث. ولكن من محبة الله أن مقاصده ومعاملاته مع البشر هى عن يمين الله، أى:

1.     محل إهتمامه.

2.     أنه يدبرها بمنتهى القدرة والقوة فاليمين رمز للقوة. وهذا ما يطمئن أولاد الله أن مصائرهم فى يد الله القوية. أتى لأحد المؤمنين عرافة تخبره بأنها قادرة أن تعرف المستقبل وتخبره به. فكان رده عليها، أنه أخرج الكتاب المقدس وأشار إلى الأيات التالية:-

(أف 1:2-3) "وأنتم إذ كنتم أمواتا بالذنوب..."  وقال لها هذا ماضى

(أف 4:2-6) "... أحيانا مع المسيح"    وقال لها هذا حاضرى.

(أف 7:2) "ليظهرفى الدهورالآتية غنى نعمته"   وقال لها هذا مستقبلى

وللأسف ما زال هناك من يذهب لقراءة الكف أو خلافه ليعرف المستقبل ونقول لهؤلاء أن هذا إهانة لمحبة الله، لماذا تريد أن تطمئن على المستقبل، والمستقبل مكتوب ومحفوظ فى يمين الله، والله فى محبته يدبره بكل قدرة وقوة، وبكل الإهتمام والحب.

مختوما بسبعة ختوم = كانت العادة أن يختموا السفر (الدرج) بأختام من الشمع الأحمر ضمانا لسريتها. والمعنى هنا يشير لغموضها، ولا أحد لا فى السماء ولا على الأرض ولا تحت الأرض قادر أن يفك الختوم ويفتح السفر. فلا أحد:-

1.     يعرف المستقبل إلا الله وحده.

2.     نرى أنه حين يفك المسيح أحد الختوم يحدث كذا وكذا (إصحاح 6).

إذا فك الختوم معناه السيطرة على الأحداث. ومعنى الرؤيا أنه لا أحد له سيطرة على الأحداث إلا الله القدير وحده.

 

السفر كرمز للكتاب المقدس

من خلال الكتاب المقدس نستطيع أن نتعرف على محبة الله التى تحكم ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا، ولكن للأسف فكثيرون لهم الكتاب المقدس ككتاب مختوم (أش 9:29-11) لا يستطيعون فهم غرض الله ومحبته من نحوهم وقدرته على السيطرة على الأحداث حينما يقرأونه. فلنقرأ بروح الصلاة قائلين... "يا روح الله الذى أوصيت بهذا الكلام المقدس إفتح ذهنى لأفهم كلماتك المحيية" والروح القدس يعطى فهما للكتاب، بل يعطى أن تنفتح عيوننا فنرى ما أعده الله فى المستقبل لنا فى السماء (1 كو10،9:2). ولكن كون أن الكتاب مختوم فهذا يجعلنا أيضا أن نتعلم التواضع ونعرف أننا غير قادرين على فهم نبوات كثيرة، ويجعلنا غير قادرين على تحديد أيام بذاتها (كيوم المجىء الثانى) ومعانى أحداث بذاتها.

ورأيت ملاكا.. ينادى.. من هو مستحق أن يفتح السفر = هنا نرى محبة الملائكة وإهتماههم بالبشر، هم يريدون أن يطمئنوا ويعرفوا المجد المعد للبشر، والأحداث الرهيبة التى ستحدث لهم وكيف سينجو البشر، أو هل سيثبتوا على الإيمان مع كل هذه الألام والإضطهادات. الملاك يعلم أن هذا السفر خاص بالبشر، وهو كملاك لا ينتظر مجدا أعظم مما هو فيه، ولا هو خائف من المستقبل المكتوب. ولكنه بروح الحب نجده مهتما بما يحدث للبشر. بل نرى فى تسبحة الملائكة والأربعة والعشرون قسيسا (10،9:5) أنهم يتكلمون بلسان البشر. فالمسيح لم يذبح من أجلهم ولم يشتريهم بدمه ولا جعلهم يملكون على الأرض ولم يجعلهم ملوكا وكهنة. ولكن لهم مشاعر كلها حب تجاه البشر. وفى آية 5 نجد أحد القساوسة مهتم ببكاء يوحنا إعلانا عن محبته للبشر وإهتمامه بهم. وكل هذا فيه رد على الإخوة البروتستانت الذين ينكرون الشفاعة، شفاعة الملائكة هنا. فالشفاعة أساسا هى محبة فكيف ينكرون أن تكون المخلوقات السمائية او القديسين فى السماء لهم محبة.

من هو مستحق أن يفتح السفر = إعلانا عن خطورة ورهبة وعظمة المكتوب هذا بالإضافة أن فك الختوم.

ويفك ختومه = هذا يعنى بدء الأحداث والسيطرة عليها.

فلم يستطع أحد = لم يوجد أحد مستحقا أن يفعل هذا.

يفتح السفر ويقرأه = فالسفر لا يمكن قراءته إن لم تفك الختوم. ولم يوجد من هو قادر على معرفة الأحداث المكتوبة ولا أن يحدد متى تحدث ولا أمكن لأحد السيطرة عليها.

تحت الأرض = هذا تعبير كتابى يدل على إنحطاط الشيطان وإنحداره "لكنك إنحدرت إلى الهاوية إلى اسافل الجب" (أش15:14) إلا أنه فى العهد القديم كانت كل النفوس بعد مفارقتها الجسد تذهب للهاوية. وبعد الصليب فك المسيح أسر النفوس البارة وأخذها معه للفردوس.

لا فى السماء ولا على الأرض ولا تحت الأرض = مشكلة يوحنا أنه حصر تفكيره فى المخلوقات ليحلوا له المشكلة، نظر للمخلوقات دون الخالق.

فصرت أنا ابكى كثيرا = فهو مكلف بالكتابة لكنه لا يستطيع فالسفر مختوم +  هو شعر بأن هناك أحداث مخيفة ستمر على الكنيسة فى المستقبل، إذ أن المسيح قال له " فأريك مالابد أن يصير بعد هذا" (رؤ1:4) فهو يشعر أن المسيح يريد أن يطلعه على شىء، ولم يجد أحد قادرا على حل المشكلة. وهو يعرف أن أحداثا جساما ستحدث ولكن لا أحد قادر على السيطرة على هذه الأحداث.

ولا أن ينظر إليه = أى يرى ما بالداخل إشارة للرهبة. يوحنا شعر أن المستقبل غامض مخيف، وفى محبته هو خائف على الكنيسة يريد أن يطمئن عليها ونجد أحد القسوس يوجه نظره ويعطيه نصيحة بان لا ينظر للمخلوقات الضعيفة بل للخالق القوى ليحل له المشكلة. وكون أن المسيح يفك الختوم فهو فيه كل حاضرنا وماضينا ومستقبلنا، هو خلاصنا، بدأ هذا بالفداء وسيتممه بمكان لنا فى السماء. هو الخالق وحده وهو وحده له السلطان وهو الذى قيل عنه " المذخر فيه جميع كنوز الحكمة والعلم" (كو3:2). وهذا درس لكل منا أنه مهما كانت المشكلة التى تقابلنا مستعصية وكأنها مغلقة بسبعة ختوم فهناك المسيح وحده، هو القادر على حلها. وهو فى قوته كأسد خارج من سبط يهوذا. هو اسد فى قوته وملكه وفى صراعه مع إبليس (تك9:49) أما الشيطان فشبه بالأسد ولكن ذلك لوحشيته وإفتراسه (1بط8:5).

أما المسيح الخارج من سبط يهوذا فشبه بأسد رمزا لأنه ملك. فسبط يهوذا هو سبط داود الملك. أصل داود = المسيح هو من سبط يهوذا بالجسد ولكنه أصل داود بلاهوته، أى أنه بلاهوته هو خالق داود.

 

آية 6 "و رايت فاذا في وسط العرش و الحيوانات الاربعة و في وسط الشيوخ خروف قائم كانه مذبوح له سبعة قرون و سبع اعين هي سبعة ارواح الله المرسلة الى كل الارض".

 فنظرت... وإذا خروف = القسيس قال له هوذا الأسد... ونظر فوجد خروف. فهل هو أسد أم خروف؟!

1.     هو اسد فى قوته وملكه علينا وعلى كل الخليقة، ولكنه خروف فى تقديمه نفسه ذبيحة على الصليب وحمله لخطايانا. ولكنه فى معركته مع الشيطان على الصليب كان قويا كأسد.

2.     الذى يتحكم فى الأحداث ويفتح الختوم أى يسيطر على الأحداث هو قوى جدا كأسد. وهو أحبنا حتى سفك الدم لأجلنا كخروف. فلماذ الخوف فالأحداث التى ستجرى فى المستقبل هى فى يد من أحبنا حتى الدم كخروف وهو قوى جدا كأسد. أى هو ليس ضعيفا فى حبه لنا بل قادر كأسد أن يحمينا.

3.     كان فى صراعه ضد الخطية والموت كأسد على الصليب وكحمل فى فدائه وكان رمزا لذلك فى الهيكل مذبح النحاس الذى يرمز للصليب، فالذبائح كانت تقدم على المذبح والمسيح قدم ذاته ذبيحة على الصليب. وكرمز لقوة عمل المسيح على صليبه كان للمذبح 4 قرون والقرون علامة القوة. فهو حمل كذبيح.  أسد فى قوته.

4.     هناك من هو فى حالة ضعف، حائرا أمام أعدائه الأقوياء وهذا يحتاج للمسيح الأسد. وهناك من هو يائس من خطيته شاعرا بثقلها فهو محتاج للمسيح الحمل.

5.     هو غلب كأسد فصار له الحق أن يفتح السفر، فلقد ظهرت محبته بوضوح. ولا يوجد من يحبنا أكثر منه فنسلم له أمر فتح الختوم. فمن يفك السفر ينبغى أن يكون قد غلب. فلكى يعلن المسيح أسرار الخلاص لابد وأن يكون قد غلب على الصليب. ونرى فى بقية السفر صراع بين قوى الشر وبين المسيح وكنيسته ولكن المسيح يخرج غالبا.

6.     إشارة لقوة هذا الخروف الذبيح قيل أن له سبع قرون = ففى مجتمعات رعى الأغنام يعتبر القرن رمز للقوة، ورقم 7 هو رقم الكمال والمعنى أن المسيح فى صليبه لم يكن ضعيفا بل حارب إبليس بقوة بل بكمال القوة.

7.     له سبع أعين هى سبع أرواح الله = وحينما تحدث عن عمل الروح القدس فى الكنيسة شبه الوحى الروح القدس بسبعة مصابيح نار. والنار هى الهيئة التى حل بها الروح القدس على الكنيسة ليحرق خطاياها ويطهرها ويشعل محبتها للمسيح ولكن هنا يقول عنه سبع أعين. فهو الروح القدس الكامل فى عمله. والمسيح له الروح القدس، فالإبن ثابت فى الروح والروح ثابت فى الإبن لذلك قال له سبع أعين. والسبع أعين تشير لعمل الروح القدس فى أنه يعطى إستنارة بها نرى السمائيات (1 كو 9:2-12). ولكن التصوير هنا يعنى أن الروح القدس الذى يكشف كل شىء حتى أعماق الله، وهو روح المسيح. وبهذا فالمسيح يعرف كل الأمور والمستقبل واضح أمامه تماما فيكون قراره سليما. طبعا هذا التصوير يعنى أن المسيح له كامل المعرفة، وكامل الحكمة فالروح القدس هو روح الحكمة (أش 2:11) وبالتالى له الحق فى فك الختوم المرسلة إلى كل الأرض = يعنى إن كنت أرسل الروح القدس للكنيسة ليعطيها إستنارة والروح لى فأنا لى كل الحكمة والمعرفة. ولاحظ أن المسيح موجود وسط العرش فهو الله بنفسه قائم وتعنى:

أ‌.        أنه قائم من الأموات.

ب‌.    قائم يشفع فينا.

ت‌.    مستعدا للعمل فى فك الختوم وتدبير أحداث الكنيسة.

 

 كأنه مذبوح = تعنى:

1.     علامات ألامه وسفك دمه مازالت باقية فى جسده، مازال يحمل أثار فدائه وجراحاته وهو عن يمين أبيه. فبينما كل منا فى السماء يقوم بدون أى عاهة أو اثار جرح إلا أن المسيح إحتفظ بأثار جراحاته.

أ‌.        ليراها الأشرار ويندمون.

ب‌.    ليراها المخلصون ويسبحون المسيح على فدائه الذى أتى بهم للسماء.

2.     هو حى قائم ولكن دمه يفيض لتقديسنا وتطهيرنا كمؤمنين.

 

آية 7 "فاتى و اخذ السفر من يمين الجالس على العرش".

 آتى وأخذ السفر = المسيح بصفته:

1.     قوة الله وحكمته (1 كو24:1).

2.     له سبع أعين أى كمال المعرفة والحكمة.

3.     هو أسد فى قوته خروف فى محبته أحب البشر حتى الموت، موت الصليب.

4.     به كان كل شىء (يو3:1) وبغيره لم يكن شىء مما كان.

5.     هو يفتح ولا أحد يغلق، إذا له كل السطان.

لذلك هو الذى أخذ السفر ليعلن أنه وحده فى يديه تدبير المستقبل، فلماذا نضطرب على المستقبل أو أحداثه ونحن فى يمينه أو كل ما يخص أمورنا الحاضرة والمستقبلة يدبرها بيمينه القوية وبمحبته المتناهية ونحن محفوظون بعنايته فهو ضابط الكل.

 

آية 8 "و لما اخذ السفر خرت الاربعة الحيوانات و الاربعة و العشرون شيخا امام الخروف و لهم كل واحد قيثارات و جامات من ذهب مملوة بخورا هي صلوات القديسين".

 نتعلم من السمائيين التسبيح والسجود = خرت. لماذا خر السمائيون وفرحوا ورنموا إذ أخذ المسيح السفر؟   بسبب أخبار الخلاص فهم يفرحون بأخبار خلاص البشر.  وسجود السمائيين للخروف يثبت لاهوت المسيح. فالملاك رفض أن يسجد له يوحنا (رؤ 9،8:22) ونرى الأربعة والعشرون قسيسا وجاماتهم المملوءة بخورا هى صلوات القديسين وهنا سؤال للإخوة البروتستانت الذين ينكرون الشفاعة. لماذا لا تصعد صلوات القديسين لله مباشرة دون المرور على جامات القسوس؟ ألا نرى فى هذه الصورة إثباتا للشفاعة. ولنتعلم من طقس كنيستنا الأرثوذكسية، فالكاهن فى دورة البخور ومعه المجمرة فى يده يطوف الكنيسة ويقف أمام الأيقونات ليبخر وفى هذه الدورة يكون الآب الكاهن يجمع صلوات الشعب مع صلوات القديسين أصحاب الأيقونات ويدخل المذبح ليقدمها أمام الله.

لذلك فلنهتم أن نقدم صلوات توبة وإستدرار مراحم الله خلال دورة البخور.

على أننا يجب أن نفهم أن البخور يشير للصلوات:

1.     لأنه يصعد إلى فوق.

2.     رائحته زكية.

فإن صلى إنسان أن يبارك الله فى الناس حتى أعداؤه فصلاته تصعد كالبخور إلى فوق وتكون رائحتها زكية. أما لو وقف إنسان ليصلى وطلب الإنتقام من أعدائه أو وهو قلبه مملوء نجاسة لا تكون صلاته كالبخور بل هى تنزل إلى تحت.

فصلاة الأشرار مكرهة للرب. ولذلك قيل عن البخور صلوات القديسين ولاحظ أفراح السمائيين فى الآيات المتبقية من الإصحاح لأن الخروف أخذ السفر. فرحتهم بأن مصائرنا فى يد الخروف يرعاها بمحبته العجيبة وقوته غير المحدودة. ولاحظ تسابيح السمائيين لفرحتهم بنا.

آية 9 "و هم يترنمون ترنيمة جديدة قائلين مستحق انت ان تاخذ السفر و تفتح ختومه لانك ذبحت و اشتريتنا لله بدمك من كل قبيلة و لسان و شعب و امة".

 ترنيمة جديدة = هى جديدة لأن السمائيين قبل الفداء ما كانوا يسبحون الله على هذا العمل، فما كانوا يعرفون عنه شيئا والآن يسبحون الخروف على أنه قدم نفسه ذبيحة وعموما فالتسبيح فى السماء دائما جديد، فكل يوم نكتشف فى الله جديدا نسبحه عليه وكل يوم نقدم صلواتنا بتذوق جديد. والسمائيين لهم قيثارات أما نحن فقد يكون لنا قيثارات أو بأصواتنا وبنغمات معنوية مثل المحبة والتواضع والوداعة نسبح الله. ويقول القديس أغسطينوس إن الإنسان العتيق تسبحة عتيقة والإنسان الجديد تسبحة جديدة. فالمحبة جديدة أبدية لا تشيخ أبدا. أما من يحيى فى العالم فهو يشعر بملل. لقد صاروا يخترعون الخطايا لشعورهم بالملل، بل حتى خطاياهم هذه صارت تشعرهم بالملل.

 

آية 11،10"و جعلتنا لالهنا ملوكا و كهنة فسنملك على الارض. و نظرت و سمعت صوت ملائكة كثيرين حول العرش و الحيوانات و الشيوخ و كان عددهم ربوات ربوات و الوف الوف".

إشترانا ليجعلنا ملوكا = لا ليجعلنا عبيدا.

 

آية 12 "قائلين بصوت عظيم مستحق هو الخروف المذبوح ان ياخذ القدرة و الغنى و الحكمة و القوة و الكرامة و المجد و البركة".

 نرى هنا تسبحة سباعية أخذنا منها نهاية للصلاة الربانية إذ نقول "لك الملك والقوة والمجد" وختام صلاة الشكر "لك المجد والكرامة والعزة والسجود".

يأخذ القدرة = أى تنسب له القدرة إذ كان فدائه بقوة. والغنى = إذ إفتقر ليغنينا والقوة = تنسب له الآن بعد أن صار ضعيفا لنصير أقوياء فنحن نسبحة على عمله العجيب مع السمائيين ونعترف له بالقدرة والقوة والغنى معهم. ونلاحظ أن التسبيح للجالس على العرش وللخروف. لماذا يقولون القدرة والقوة. ما الفرق بينهما؟ هناك من هو قوى لكنه غير قادر على إستعمال قوته كأن يكون مربوطا مثلا. لكن القادر هو من يقدر على إستخدام قوته.

 

آية 13،14 "و كل خليقة مما في السماء و على الارض و تحت الارض و ما على البحر كل ما فيها سمعتها قائلة للجالس على العرش و للخروف البركة و الكرامة و المجد و السلطان الى ابد الابدين. و كانت الحيوانات الاربعة تقول امين و الشيوخ الاربعة و العشرون خروا و سجدوا للحي الى ابد الابدين".

من تحت الأرض هم الشياطين وهؤلاء يسبحون الخروف رغما عن أنوفهم "أنا أعرفك أنت قدوس الله" (مز24:1).


 

الإصحاح السادس

رأينا فيما سبق أن يوحنا رأى سفرا مختوما فيه أخبار عن مستقبل الكنيسة. وهذه الأخبار هى عن يمين الله (رؤ1:2). أى أن الله كضابط للكل يمسك زمام كل الأمور يوجه الأحداث بحسب حكمته وقدرته اللانهائية لما فيه خلاص نفوس أولاده، ووجود هذا السفر عن يمين الله يشير لإهتمام الله العجيب بكل ما يدور فى حياة أولاده. واليمين إشارة للقوة، والله بهذا يريدنا أن نطمئن بأننا محفوظين فى يمينه بقدرته وقوته مهما كانت الأحداث العاصفة التى ستمر بالكنيسة فى المستقبل. فسفر الرؤيا سيحدثنا بعد ذلك عن ضيقات رهيبة ستعانى منها الكنيسة، ولكن الله يحولها للخير، فعصر الإضطهادات الرومانية مثلا  كان عصر نمو الكرازة وتحول الدولة الرومانية للمسيحية. وهنا الله يطمئن بأن كل الأمور فى يده، وأن الكنيسة فى يمينه محل عنايته. ورأينا أن هذا السفر مختوم بسبعة ختوم أى كمال الغموض فلا أحد يستطيع أن يدرك المستقبل، ولا حكمة الله وتدبيره المستقبلى، ولماذا يسمح بهذه الأحداث ولا لماذا يحل الشيطان (رو33:11-36). ولكن نجد الله فى محبته يكشف لأولاده عن بعض من تدبيراته حتى لا يفاجأوا بما سيحدث. ألم يقل الله " هل أخفى عن إبراهيم ما انا فاعله (تك17:18). والله يكشف لنا عما سيحدث فى المستقبل من ضيقات وإنتصارات للكنيسة، حتى إذا ما سبق وأعلنه الله نجده يتم أمامنا تحقيقه يزداد إيماننا وثقتنا (يو29:15). ولهذا أيضا أخبر المسيح تلاميذه بما ينتظرهم من آلام (يو18:5-21) + (يو1:16-4) + (يو29:14).

وإبتداء من آية 1:6. بدأ الله يسمح بان الختوم تفتح حتى تعرف كنيسته ما هو مزمع أن يكون وحين يتحقق وحدث ما أخبر به:

1.     لا تضطرب فالسيد سبق وأخبرها وهو كضابط الكل عالم بكل شىء قبل أن يحدث بألاف السنين هو قادر أن يتحكم فى الأحداث ويحفظ كنيسته.

2.     إذ ترى الكنيسة أن ربها عالم بما يحدث وأنه أخبرها يزداد إيمانها.

 

ولماذا لا نخاف من الأخبار المزعجة:-

1.     السفر عن يمينه محل إهتمامه وهو يرعانا بكل قوة.

2.     هو يفك الختوم وقتما يريد ولا شىء يتم من وراء ظهره.

3.     إذا كان يعرف فهو قادر أن يدبر.

4.     خرج غالبا ولكى يغلب 

5.     لا أحد يقدر أن يضر الخمر ولا الزيت.

 

آيات 2،1" و نظرت لما فتح الخروف واحدا من الختوم السبعة و سمعت واحدا من الاربعة الحيوانات قائلا كصوت رعد هلم و انظر. فنظرت و اذا فرس ابيض و الجالس عليه معه قوس و قد اعطي اكليلا و خرج غالبا و لكي يغلب".

الختم الأول

الختوم تدل على حوادث تاريخية وتعبر عن حقب زمنية. وسنسمع إبتداء من الختم الثانى من آلام وضيقات ستمر بها الكنيسة وحروب معلنة ضدها، لذلك يبدأ الله بهذا الختم لنرى الله منتصرا، والكنيسة منتصرة به وفيه حتى لا تخاف الكنيسة من أخبار الآلام فهى حتما ستنتصر لما فتح الخروف = إذا هو فى يده القرارات والأحكام.

كصوت رعد = إعلان عن القوة والقدرة التى بهما يسند المسيح كنيسته فى آلامها.

ولاحظ أن المتكلم فى حالة الختم الأول هو الحيوان الأول الذى على شبه أسد (7:4) ويتكلم بصوت رعد إشارة للمسيح الأسد الخارج من سبط يهوذا (5:5) والذى يحارب عن كنيسته بقوة أسد. أيها الأحباء من الخطأ أن نحسب أنفسنا ضعفاء أمام إبليس وأمام الخطية بينما المسيح الأسد يقود حياتنا. المسيح هو الأسد الغالب خرج غالبا ولكى يغلب= سمعنا فى السبع كنائس قوله من يغلب.... وهنا نرى أننا نغلب به، بل هو الذى يغلب فينا.

فرس أبيض = هذه هى الكنيسة، الفرس الأبيض هو أنا وأنت أيها الحبيب وهو ابيض لأننا تبررنا بدم المسيح (رؤ14:7) + (2كو21:5) + (رو1:5). وهو فرس لأن الفرس يستخدم فى الحروب، ونحن فى حرب مستمرة ضد إبليس (أف12:6). والفرس لا يهاب المعارك (أى19:39-25). والجالس عليه = هو المسيح الذى يستريح فينا وهو يقودنا خلال رحلة جهادنا وحروبنا مع إبليس. ومعه قوس = القوس أداة حرب والمسيح حارب إبليس بصليبه.

خرج غالبا = المسيح غلب إبليس أولا فى معركة الصليب. ولكى يغلب = يغلب فينا وبنا، يغلب فى كنيسته وفى أولاده وكل نصرة لنا تنسب له. وقد أعطى إكليلا = فالمسيح ملك على قلوب المؤمنين بصليبه (أش6:9)، وهو سيعطى إكليلا لكل من يغلب (2تى8،7:4)

تاريخيا فالفرس الأبيض يشير لفترة كنيسة الرسل الأولى، والقوس يشير لكلمة الكرازة التى صوبها الرسل الكارزون لقلوب الناس فحطمت قوى الشر. هذا هو التفسير التاريخى. لكن التفسير الآخر فهو يشير للكنيسة فى كل زمان ومكان التى يقودها المسيح ويبررها ويبيضها بدمه، يقودها ليحارب بها إبليس ويغلبه فينا.

 

آيات 4،3 " و لما فتح الختم الثاني سمعت الحيوان الثاني قائلا هلم و انظر. فخرج فرس اخر احمر و للجالس عليه اعطي ان ينزع السلام من الارض و ان يقتل بعضهم بعضا و اعطي سيفا عظيما".

 الختم الثانى

سمعت الحيوان الثانى = الذى شبه عجل، والعجول تقدم ذبيحة إشارة لدم الشهداء الذى يقدم على مذبح الحب (رو 36،35:8) ولذلك نجد الفرس هنا لونه أحمر، وهو لون دماء الشهداء. وتاريخيا هى فترة الإستشهاد التى بدأت بنيرون وإنتهت بموت دقلديانوس وهى الفترة التى تلت فترة الرسل، كما جاء الفرس الأحمر بعد الفرس الأبيض. ولكن عموما فالآلام والإستشهاد هو سمة للكنيسة فى كل العصور. "فجميع الذين من يريدون أن يعيشوا بالتقوى فى المسيح يسوع يضطهدون" (2تى12:3).

بل إن الرسل أنفسهم تعرضوا للإستشهاد كلهم بإستثناء يوحنا الحبيب. وكان أولهم يعقوب (أع2،1:12). فالكنيسة عانت من اليهود والرومان ألاما رهيبة. إذا تاريخيا يشير الفرس الأحمر لفترة الإضطهاد الرومانى للكنيسة. ولكن فى نفس الوقت هو يشير لنا جميعا أننا يجب أن نكون مستعدين دوما أن نقدم دماءنا شهادة للمسيح.

أن ينزع السلام = المقصود السلام الخارجى، فالسلام الداخلى لا ينزعه أحد (يو22:16). فكان الشهداء يذهبون لساحات الإستشهاد مسبحين فرحين متهللين وبهذا المعنى قال السيد المسيح "لا تظنوا إنى جئت لألقى سلاما على الأرض... بل سيفا" (مت34:10).

وأعطى سيفا عظيما = كان الشهداء فى أيام الرومان بمئات الآلاف وإستمر الإستشهاد لمئات السنين. ولكننا نلاحظ أن الكنيسة إنتصرت، فعصر الإستشهاد مر وإنتهى والإيمان ثابت لم يتزعزع، بل كانت فترة الإستشهاد فترة نمو كرازى إنتشرت فيها المسيحية فى كل العالم، ألم يخرج المسيح غالبا ولكى يغلب وها هو يغلب فكنيسته تستمر بل تمتد وتتقوى حتى أثناء فترة الإستشهاد.

إذا الغلبة ليست فى النجاة من الموت بل فى الثبات على الإيمان حتى الموت الفرس الأحمر هو الرومان أو أى مضطهد للكنيسة والجالس عليه أى الذى يقوده ويحركه هو الشيطان بالتأكيد.

 

آيات 6،5 " و لما فتح الختم الثالث سمعت الحيوان الثالث قائلا هلم و انظر فنظرت و اذا فرس اسود و الجالس عليه معه ميزان في يده. و سمعت صوتا في وسط الاربعة الحيوانات قائلا ثمنية قمح بدينار و ثلاث ثماني شعير بدينار و اما الزيت و الخمر فلا تضرهما".

الختم الثالث

سمعت الحيوان الثالث = وهو الذى على شبه إنسان (رؤ7:4)

حين فشل إبليس فى حربه ضد الكنيسة بإثارة الإضطهاد والإستشهاد، غير طريقته إلى نشر البدع والهرطقات، وهذا مايشير له الفرس الأسود. وتاريخيا فقد حدث أن إنتشرت البدع والهرطقات فى الكنيسة بعد أن إنتهى عصر الإستشهاد لذلك يأتى الفرس الأسود بعد الفرس الأحمر. ولآن الهرطقات تكون بفلسفة الحكمة الإنسانية والكبرياء الإنسانى والمناقشات الغبية

 (1تى3:6-5) إرتبط هذا الفرس الأسود بالحيوان الذى على شبه إنسان.

والكنيسة تصلى بفم الأسقف أو الكاهن فى التحليل الأول " نعم يا رب الذى أعطانا السطان أن ندوس الحيات والعقارب وكل قوة العدو. إسحق رؤوسه تحت أقدامنا سريعا وبدرعنا كل معقولاته الشريرة والمقاومة لنا".

فإبليس يستخدم كلمات تبدو للعقل أنها مقبولة ولكن فيها شىء من الكذب فإذا إنجذب الإنسان لها مخالفا تعليم كنيسته ينجرف فى تيار مضاد للإيمان المسلم مرة للقديسين (يه3) ويسير فى طريق الموت لذلك فالفرس لونه اسود.

الفرس لونه اسود = هم الهراطقة الذين شوهوا الإيمان السليم. والجالس عليه أى الذى يقوده هو إبليس. معه ميزان = ميزان مغشوش يغش به كلمة الله ويحرف معانيها كما فعل مع المسيح فى التجربة على الجبل. وبدلامن أن تكون كلمة الله للشبع صارت تؤدى لمجاعات روحية، هى مجاعات لكلمة الحق. وهذا النوع من المجاعات نراها الآن فى كل العالم، لذلك نرى كثيرين فى كل مكان يسيرون وراء أنبياء مزيفين (فى أمريكا وغيرها) بل هناك من ينتحرون بالعشرات والمئات لأن هؤلاء الأنبياء المزيفين يعطونهم وعودا كاذبة بالذهاب للجنة حيث يرون هؤلاء الأنبياء فى مجدهم. حقا قال الكتاب هلك شعبى من عدم المعرفة.

والفرس الأسود إشارة للبدع والهرطقات التى سادت المسيحية بعد نهاية عصر الإستشهاد الرومانى. وكان من الهراطقة أساقفة وقسوس بل بطاركة وهرطقاتهم طالت كل شىء، لاهوت المسيح وطبيعة المسيح ولاهوت الروح القدس. لقد شوشوا عقول الناس وجعلوهم كمن فى مجاعة روحية لا يعرفون أين الحق وأين الباطل. هذه البدع والهرطقات أظلمت عقول المؤمنين لذلك أشير لها بفرس اسود. ولذلك سمى أثناسيوس بالرسولى لأنه فى مقاومته لهرطقة أريوس ثبت الإيمان الذى كاد ان يختفى.

ثمنية قمح بدينار = الثمنية = 2 رطل أى أقل من كيلو. وقد يشير هذا لمجاعة عظيمة. فالأكل بميزان يشير لمجاعة (حز16:4). وقد حدث هذا تاريخيا عدة مرات والله يسمح بمجاعات ويكون هذا للتأديب (كما حدث مع الإبن الضال فعاد لأبيه) والقمح أكل الأغنياء والشعير أكل الفقراء والدينار أجرة العامل فى اليوم أى فى هذه المجاعة يعمل العامل ليأكل خبزا فقط.

وأما الزيت والخمر فلا تضرهما = هما دواء السامرى الصالح (المسيح) للجريح (الكنيسة) والزيت إشارة للروح القدس والخمر إشارة للثبات فى الكرمة وإشارة للفرح الروحى، فمن هو ثابت فى الكرمة أى المسيح سيعيش فى فرح وتعزيات الروح القدس. من يثبت فى الإيمان فى كنيسة المسيح يظل ممتلئا بالروح القدس وشبعانا بالمسيح وفى فرح مستمر. لن يمس أحد الزيت والخمر فالروح القدس وسر التناول هما اللذان يحفظان الكنيسة عبر العصور. ألم يعدنا المسيح فى الختم الأول أنه خرج غالبا ولكى يغلب.

فهو سيغلب فيمن يظل ثابتا أى فى كنيسته التى هى جسده أى ثابتا فى إيمان كنيسته.

وحتى لو فهمنا الفرس الأسود أنه إشارة لمجاعة مادية، فالله قادر أن يثبتنا فى فرحه، ويملأنا من تعزيات روحه القدوس (خمر وزيت السامرى الصالح) بل أن يعولنا وسط المجاعات، ألم يشبع الله الأنبا بولا بواسطة غراب يأتى له بالخبز. ومن يثبت فى الكنيسة يمتلىء من الروح القدس المنسكب على الكنيسة جسد المسيح من خلال أسرار الكنيسة. فشكرا لله الذى غلب ومازال يغلب فى كنيسته عبر العصور. ومازالت كنيسته ثابتة، ومازال المسيح هو السامرى الصالح الذى يداوى المؤمنين وسط ضيقاتهم (جراحاتهم) بخمره وزيته من داخل كنيسته وبواسطة أسرارها.

 

آيات 8،7 " و لما فتح الختم الرابع سمعت صوت الحيوان الرابع قائلا هلم و انظر. فنظرت و اذا فرس اخضر و الجالس عليه اسمه الموت و الهاوية تتبعه و اعطيا سلطانا على ربع الارض ان يقتلا بالسيف و الجوع و الموت و بوحوش الارض".

 الختم الرابع

فرس أخضر = فى كل الترجمات الآخرى ترجم لون هذا الفرس بأنه الفرس الباهت pale وفى الترجمة القبطية مترجم أصفر. وبهذا نفهم أن لون هذا الفرس هو لون أخضر مائل للصفرة أو أخضر باهت. فاللون الأخضر هو لون الحياة، فلا حياة بدون خضرة. ونحن نصلى فى أوشية الراقدين ونقول "علهم فى موضع خضرة على ماء الراحة". وفى صلاة الثالث على المنتقلين نضع ماء مع خضرة وخبز لنقول لأهل المنتقل أنه مازال حيا.

وبهذا نفهم أن الخضرة الباهتة المائلة للصفرة هى إشارة لبدعة أو هرطقة لها سمة الإيمان ولكن بطريقة مغشوشة، وهى تزييف للحقائق. وغالبا هى إشارة للأريوسية التى تؤمن بالله وبالمسيح (وهذه خضرة) ولكن هى لا تؤمن بألوهيته أو أنه إبن الله. ولهذا هى باهتة ويصبح اللون الأخضر مائلا للصفرة. واللون الأصفر هو لون الموت. لذلك فالجالس على هذا الفرس إسمه الموت. فالكنيسة مبنية على الإيمان بأن المسيح هو إبن الله (مت13:16-18). فالمسيح يعلن صراحة أن الكنيسة ستبنى على هذا الإيمان الذى أعلنه بطرس وهو أن المسيح هو إبن الله ولما جاء أريوس وأفسد هذا الإيمان وإمتدت بدعته لكل العالم، ثم قاومه أثناسيوس، سمى أثناسيوس بالرسولى إذ أعاد الإيمان الصحيح للكنيسة، بعد أن قال أريوس أن المسيح ليس إبن الله وأنكر الوهيته.

والحيوان الرابع = الذى على شبه نسر هو الذى أعلن عن هذا الفرس، والنسر يشير إلى لاهوت المسيح، ولذلك يؤخذ النسر إشارة لإنجيل يوحنا الذى  كتبه يوحنا لنؤمن أن المسيح هو إبن الله ومن يؤمن تكون له حياة أبدية (يو31:20) لذلك فهذا النسر يدعو لأن لا نسير وراء الهرطقة الأريوسية، ونؤمن بألوهية المسيح. وستكون دعوة ضد المسيح فى نهاية الأزمنة هى دعوة لإنكار لاهوت المسيح وسيضطهد المسيحيين وله سلطان بالسيف والجوع والموت وبوحوش الأرض. لذلك قال الكتاب عن هذه الأيام "ويكون زمان ضيق لم يكن منذ كانت أمة" (دا1:12) ولقد عانت الكنيسة على يد أتباع أريوس وعلى يد الهراطقة الذين قاوموا الكنيسة دائما إضطهادا شديدا.

الفرس الأسود يشير لهراطقة ينشرون بدع وهرطقات ويقاومون الكنيسة عقليا. أما الفرس الأخضر الباهت فيشير لهراطقة ينشرون بدع وهرطقات خاصة بلاهوت المسيح ويزيفون الحقائق، فاللون الأخضر مصبوغ بلون أصفر جعل الأخضر باهتا. وهؤلاء الهراطقة نشروا هرطقتهم بالسيف بوحشية ولنذكر أن أثناسيوس الرسولى عانى منهم أشد المعاناه وتم نفيه عن كرسيه خمس مرات.

ملخص للختوم الأربعة السابقة :- الفرس إشارة للحرب فهو أداة حرب، هو أداة الحروب فى تلك الأيام. وكون يوحنا يرى فى الختوم الأربعة الأولى خيول فهذا إشارة لحروب. فالفرس الأبيض إشارة لحروب أولاد الله بقيادة المسيح ضد إبليس. والفرس الأحمر هو إشارة لحروب دموية وإستشهاد ضد الكنيسة. والفرس الأسود هو حرب هرطقات ضد الكنيسة، وقد تكون مجاعات والفرس الأخضر الباهت (أخضر مصفر) يشير لحرب ضد الكنيسة بالسيف خاصة بلاهوت إبن الله. وهناك من قال أن الفرس الباهت يشير لأوبئة لأن الراكب على الفرس إسمه الموت. واللون الأصفر هو لون الموت.

لكن شكرا لله الذى خرج غالبا ولكى يغلب فى كل هذه الحروب.

وبعد أن رأينا كل هذه الحروب فى الختوم الأربعة وكل هذه النفوس التى تموت فى إستشهاد لأجل المسيح نرى فى الختم الخامس أين تذهب هذه النفوس حتى نطمئن عليهم ولا نخاف على أنفسنا. وفى الختم السادس نرى الرعب الذى فيه الأشرار الذين على الأرض.

فإذا كنا نسمع أخبار صعبة، فالغرض من هذه الرؤيا أن نفهم أنه يجب أن نطمئن فالخروف (المسيح الذى مات فى حب عنا) هو الذى يفتحها، وما دام حبيبنا هو الذى يتحكم ويسيطر على الأمور، ما دام هو قوى كأسد فلماذا الخوف وهو يفتح فى ملء الزمان، أى يعرف متى يفتح بالضبط، ما هو الوقت الأمثل والمناسب الذى يستطيع فيه أن يسيطر على الأحداث.

الأخبار المزعجة هى من الخارج، أما داخل قلب المؤمنين سلام يفوق كل عقل بل المسيح الذى يكشف عن الأخبار المؤلمة، نجده يكشف عن التعزيات التى سيعطيها لأولاده. فهو خرج غالبا ولكى يغلب، وهو يعلم أنه سيكون لنا ضيق فى العالم ولكنه أعطانا وعده بأنه قد غلب العالم (يو33:16) ومازال يغلب فينا. وما يطمئننا أننا مجرد فرس أبيض يقوده المسيح لينتصر بنا وفينا وقارن مع سفر النشيد " لقد شبهتك يا حبيبتى بفرس فى مركبات فرعون" (نش9:1). والفرس لونه أبيض لأن الله بررنا "صرنا بر الله فيه (فى المسيح)" (2كو21:5) + (رؤ14:7). فإن كانت المعركة معركة إستشهاد أو معركة مع هراطقة أو ضربات ستصيب العالم، زلازل وأوبئة ومجاعات... فلماذا الخوف مادام المسيح هو الذى سيقودنا. وما يطمئن أيضا وعد المسيح، أما الزيت والخمر فلا تضرهما. والزيت إشارة للروح القدس والخمر إشارة للفرح بالثبات فى الكرمة (المسيح) وإشارة لدم المسيح. وطالما أن أحد لن يمسهما = لا تضرهما، يكون المقصود هو ثبات الروح القدس فى المؤمنين (الزيت) (حتى يعزيهم وسط الضيقات). وثبوت المسيح فيهم (الخمر) فحتى إن نزع السلام من العالم فلن نخسر سلامنا الداخلى. فمن ثمار الروح القدس سلام (غل22:5) + (فى7:4). ولاحظ أن هذه الرؤيا الخاصة بهذه الأخبار المؤلمة بدأت برؤية العرش (رؤ4) وأن الأوامر تخرج من العرش (الأصوات) (رؤ4:5). كل هذا يعطينا إطمئنان فالمسيطر على الأمور قوى جدا ويحبنا جدا وسيعزينا وسط الضيقات ويثبتنا وسيغلب.

 

آيات 9-11 " و لما فتح الختم الخامس رايت تحت المذبح نفوس الذين قتلوا من اجل كلمة الله و من اجل الشهادة التي كانت عندهم. و صرخوا بصوت عظيم قائلين حتى متى ايها السيد القدوس و الحق لا تقضي و تنتقم لدمائنا من الساكنين على الارض.  فاعطوا كل واحد ثيابا بيضا و قيل لهم ان يستريحوا زمانا يسيرا ايضا حتى يكمل العبيد رفقاؤهم و اخوتهم ايضا العتيدون ان يقتلوا مثلهم".

 الختم الخامس

رأى يوحنا تحت المذبح نفوس الذين قتلوا من أجل كلمة الله = هذه تشير لفترة إستشهاد. وهنا نرى أين تذهب هذه النفوس ؟ فهى محفوظة عند الله تشتهى اليوم الذى تلبس فيه الأجساد الممجدة. ونلاحظ:-

1.     الله يسمح بإستشهاد البعض هؤلاء أتموا عملهم وسيذهبوا للسماء

2.     الكنيسة على الأرض محفوظة، فأبواب الجحيم لن تقوى عليها.

3.     فك الختوم هو إزالة الغموض عن بعض الأسرار وهنا نرى مكان نفوس الشهداء. هنا لقطة نرى فيه صورة السمائيين.

رأيت نفوس = كيف يرى النفوس ؟ الإجابة أنه كان فى الروح أى حالة روحية سامية بها إستطاع أن يرى الأرواح. وهذا ليس بعجيب، ألم يرى الملايين العذراء وهى فوق كنيستها بالزيتون. أما بعد القيامة فسنلبس أجسادا نورانية (تعكس نور الله) وممجدة (تعكس مجد الله) بها نرى بعضنا البعض.

تحت المذبح:- والسؤال هنا. هل هناك ذبيحة جسد ودم إفخارستية فى السماء؟ الإجابة قطعا لا. فالتناول يعطى لمغفرة الخطايا، وهناك فى السماء سنكون بلا خطية. ولكن وجود مذبح إشارة لأنهم قدموا ذواتهم ذبائح فى إستشهادهم. لكن هل لن يدخل السماء إلا كل من مات شهيدا؟

لا بل لن يدخل السماء إلا كل من مات شهيدا أو قدم جسده ذبيحة حية أى ما أسماه بولس صلب الأهواء والشهوات (رو1:12) + (غل20:2) + (غل24:5).

لذلك نفهم أن المذبح هنا هو الصليب الذى يحمله كل من أراد أن يصير تلميذا للسيد المسيح ويسير وراءه. فالصليب كان هو المذبح الذى قدم عليه المسيح رئيس إيماننا نفسه ذبيحة. بل أن ظل الصليب كان مخيما حتى على المذود حيث ولد ربنا

1.     المجوس قدموا له مرا.

2.     هو ولد وسط حيوانات ستذبح.

3.     الرعاة الذين أتوا لرؤيته (رعاة متبدين) أى رعاة الخراف التى تقدم ذبائح فى الهيكل. أتوا ليروا المسيح، حمل الله الحقيقى الذى كانت خرافهم رمزا له.

وظل الصليب مخيم على الكنيسة منذ نشأتها، وصار سمة لها، على الأرض، لذلك نراه هنا كعلامة إنتصار لمن قبل أن يقدم نفسه:-

1.     ذبيحة حقيقية كالشهداء.

2.     يقدم جسده ذبيحة حية.

وكل من يقبل صليبه بشكر نجده فى السماء تحت راية الصليب أى المذبح.

الشهادة التى كانت عندهم =

1.     من إستشهد، شاهدا بإيمانه بالمسيح.

2.     من تمسك بإيمانه للنفس الأخير، الإيمان غير المحرف والمسلم مرة للقديسين (يه3).

وتنتقم لدمائنا = هل توجد لدى السمائيين شهوة إنتقام؟ قطعا لا. والمعنى :-

1.     متى يارب تعلن قداستك ورفضك للخطية.

2.     متى يارب تعلن سلطانك وتخضع المتمردين عليك.

3.     متى يا رب تقضى بالحق على ظلم الكنيسة وتظهر عدلك.

4.     متى يارب تعلن مجدك ويراه الظالمون فيخجلوا، ونراه نحن فنفرح بك وينعكس مجدك علينا.

هذه هى شهوة قلب الأبرار والسمائيين، أما الأرضيين الجسدانيين الذين لا يفهمون سوى شهوات الجسد فهؤلاء يريدون أن يبقى الوضع على ما هو عليه والله فى إنتقامه يختلف عن البشر. فالله حين أراد أن ينتقم من ظلم شاول الطرسوسى للكنيسة، ومن ظلم الدولة الرومانية، كان ذلك بان قادهم للإيمان، وهكذا مع أريانوس والى أنصنا أشهر وأفظع من عذب المسيحيين.

والله يبدأ بأن يحاول أن يقنع هؤلاء المتوحشين بأن يؤمنوا، فإن لم يؤمنوا يكون إنتقام الله ضدهم صعبا. وهذا ما حدث مع العشرة الأباطرة الرومان الذين عذبوا المسيحيين، فقد كانت نهايتهم كلهم بشعة.

وغالبا فإن هؤلاء الذين تحت المذبح قد شعروا بقرب نهاية الأزمنة من العلامات الواضحة التى أشعرتهم بقرب النهاية، مثل الضيقة العظمى التى ستحدث فى نهاية الأيام. فصرخوا يتعجلون نهاية الأيام، وأن يظهر المسيح مجده، ويحصلون هم أيضا على أجسادهم الممجدة، ويعاينوا مجد الله، ويظهر المسيح كديان يدين هؤلاء المتوحشين وليظهر الحق.

يكمل العبيد رفقاؤهم = مازالت الكنيسة تنمو ومازال هناك أجيال ستولد يكمل بهم جسد المسيح، ويدخل غير المؤمنين المختارين إلى الإيمان وبهم يكتمل جسد المسيح زمانا يسيرا = مر 2000 سنة منذ قيل هذا، فآلف سنة عند الله كيوم واحد.

أن يقتلوا مثلهم = إذا الفرس الأحمر مازال عمله وحربه ضد الكنيسة ممتدا. لا بل إن الضيقة الأخيرة سيكون فيها الإستشهاد بصورة واسعة.

 

آيات 12-17 "و نظرت لما فتح الختم السادس و اذا زلزلة عظيمة حدثت و الشمس صارت سوداء كمسح من شعر و القمر صار كالدم. و نجوم السماء سقطت الى الارض كما تطرح شجرة التين سقاطها اذا هزتها ريح عظيمة. و السماء انفلقت كدرج ملتف و كل جبل و جزيرة تزحزحا من موضعهما. و ملوك الارض و العظماء و الاغنياء و الامراء و الاقوياء و كل عبد و كل حر اخفوا انفسهم في المغاير و في صخور الجبال. و هم يقولون للجبال و الصخور اسقطي علينا و اخفينا عن وجه الجالس على العرش و عن غضب الخروف. لانه قد جاء يوم غضبه العظيم و من يستطيع الوقوف".

الختم السادس

رأينا فى الختم الخامس نفوس من هم فى السماء غالبين، الذين إختاروا أن يحيوا تحت راية الصليب. وفى الختم السادس نرى صورة لمن إختار أن يحب العالم. نرى فيها عدم ثبات العالم، فالعالم غير ثابت وغير مستقر. فنحن نسمع هنا عن زلازل والجبال لا تبقى فى مكانها وهكذا الجزر.

فى الختم الخامس نرى صورة للمسيح الذى يحتضن أولاده وأحبائه ويجمعهم عنده فى السماء، ورأينا من قبل صورة المسيح كخروف يفتح الختوم ليكشف لأحبائه عن أسراره، فهو الذى قال "هل أخفى عن إبراهيم ما أنا فاعله".

وفى الختم السادس نرى الوجه الآخر للخروف، الوجه الغاضب بسبب خطايا البشر، وبسبب إضطهاد العالم للكنيسة عروسه.

ولنتعلم من هذا أن الطريق الوحيد لنا حتى لا نتعرض لغضب الخروف هو أن نترك خطايانا. ومن يقدم توبة يرى الوجه الحلو المملوء حنانا للخروف. علينا أن لا ننظر لله على أنه الإله الحنون العطوف فقط، لكن علينا أن ننظر عليه على أنه الإله الحق القدوس العادل الذى لا يحتمل الخطية وهذه  النظرة تجعلنا أن نكف عن روح الإستهتار واللامبالاة.

هنا فى الختم السادس نرى لقطة لمن هم على الأرض يعانون من الآلام، لكنها بالنسبة للمؤمنين فهى للتنقية، أما لمن يضطهد الكنيسة فهى ضربات أليمة لعلهم يتوبون، ولاحظ أنها أليمة فهم بلا تعزية الروح القدس.

 

هنا نرى أن الأيام الأخيرة ستكون أياما صعبة فيها أحداث مخيفة كالزلازل مثلاً ونجوم تتساقط، والشمس تظلم والقمر يفقد ضوءه أى يحمر وقيل عن هذا أنه صار كالدم. وهذه الأحداث متفقة مع علامات النهاية التى ذكرها السيد المسيح (مت29،7:24). ومع ما قاله يوئيل النبى 31،30:3 وهذه الأحداث تفسر بطريقتين:-

الأولى:- تفسر الأحداث بأنها ستحدث حقيقة كإنذارات وتأديبات نهائية قبل مجىء الرب لعل الناس تتوب هى محاولة إلهية لإخافة الناس لدفعهم للتوبة. ونحن نلاحظ أن الزلازل فى إزدياد  وثورات الطبيعة فى إزدياد والبقع الشمسية فى إزدياد.. وإذا كان هذا الآن، فما الذى سيحدث فى أيام النهاية. وإذا كانت الشمس قد إحتجبت يوم صلب رب المجد، فليس بغريب أن تسود الشمس من كثرة خطايا البشر التى تهين الله. وكون أن السماء تنفلق كدرج فهذا قد أشار إليه السيد المسيح بقوله أن السماء والأرض تزولان (مت35:24) + (رؤ1:21) + (رؤ11:20). وكل جبل تزحزح فهل هذا غريب؟ فمن له إيمان قدرحبة الخردل يقول للجبل إنتقل فينتقل فماذا عن غضب الله؟ ألا يزحزح هذا الجبال. وقد يكون هذا بفعل الزلازل الرهيبة. وفى زكريا 14 نسمع أن جبل الزيتون ينشق بفعل زلازل ويتحرك نصف الجبل إلى ناحية والنصف الآخر لناحية آخرى. والآن فجبال الثلج فى القطب المتجمد تتكسر وتنفصل عن القطب المتجمد بفعل الحرارة. وهذه الجبال الثلجية حين تسيل ستغرق الجزر وتختفى هذه الجزر. أماعن النجوم التى تتساقط فقد تكون شهب ونيازك ومنها ما يدمر مساحات واسعة من الأرض. ومن كثرة سقوطها شبهها بسقوط أوراق الشجر مع الريح.

الثانية:- تفسر الأحداث بطريقة رمزية. والأقرب إلى الواقع أن كلا التفسيرين مقبول وسيحدث كلاهما.

فالشمس تشير للتعليم وهذا سيكون مغشوشا فى الأيام الأخيرة بسبب زيادة الهرطقات والتعاليم المخالفة للإيمان الصحيح، والتشويش الصادر من بعض الذين بسبب كبريائهم إنشقوا على الكنيسة مبتدعين تعاليم خاصة بهم. هذه التعاليم المزيفة صارت كمسح من شعر غطى نور الشمس (التعاليم النقية عن المسيح شمس البر) فأصبح الناس لا يرون نور الشمس الحقيقى أى لا يعرفون المسيح حقيقة. والقمر = يشير للكنيسة، فالمسيح شمس البريعكس نوره على الكنيسة فتشع نورا هو إنعكاس نور المسيح عليها، لذا تشبه الكنيسة بالقمر.

القمر سيصير كالدم =

1.     قد تشير لزيادة عدد الشهداء فكما قال المسيح " لو لم تقصرتلك الأيام لم يخلص جسد" (مت 22:24).

2.     قد تشير أنه بسبب التعاليم الخاطئة والهرطقات يهلك المؤمنين، وهلاكهم هو كأنه سفك دم. كما قال الكتاب هلك شعبى من عدم المعرفة (هو 6:4).

النجوم = هم كبار المؤمنين وغالبا من هم فى درجات عالية فى الكنيسة، وهؤلاء ينشقون عن الكنيسة ربما بسبب الإضطهاد أو بسبب كبريائهم وإختراعاتهم الإيمانية أو بسبب ما سمى بالزلزلة العظيمة = التى ربما هى ظهور ضد المسيح أو هرطقة إيمانية صعبة تبعها هؤلاء الذين كانوا نجوما يوما ما. او ضيقة سببت إنكارهم للمسيح كما تطرح شجرة التين سقاطها = الريح لا تسقط الورق الأخضر من علىالشجر لكنها تسقط الورق الأصفر الذابل. وهؤلاء من كانوا مثل كواكب فى الكنيسة كانت كبرياؤهم قد أصابتهم فى الداخل فصاروا أموات داخليا، أو هم كانوا يحيون فى مظهرية بلا عمق، فهم ما كانوا يرتوون من مياه الروح القدس فصاروا أوراقا صفراء ميتة. فلما أتت رياح التجارب سواء إضطهاد خارجى أو تجارب هرطقة إيمانية فصدقوها أو خطايا إنتشرت فإنجذبوا لها، سقطوا على الأرض وبداية السقوط الكبرياء. أما المؤمن الذى يحيا كشجرة على مجارى المياه (مز3:1). يحيا فى عمق محبته للمسيح يرتوى من الروح القدس ويحيا فى تواضع. هذا لا تسقطه الرياح، رياح التجارب، ابدا. بل العكس فهى تزيد إخضراره، أى حيويته، إخضرارا.

السماء إنفلقت كدرج ملتف = الدرج كان هو صورة الكتاب فى الأيام القديمة، وكان عبارة عن قطع ملتصقة من ورق البردى أو رقوق جلد الغزال ويتم لفها على هيئة رول. والآن تصور أن هناك من فتح درج ملتف ليقرأه ثم تركه فسيتم إلتفافه سريعا وينغلق. لذلك جاءت كلمة إنفلقت فى الترجمات الآخرى بمعنى إختفت أو إنسحبت. وروحيا فهذا يعنى ان طريق السماء أصبح ليس بالسهولة الماضية بسبب كثرة الهرطقات والبدع. وهذا ما قاله السيد المسيح " لكثرة الإثم تبرد محبة الكثيرين" (مت12:24) + "متى جاء إبن الإنسان العله يجد الإيمان على الأرض" (لو8:18)  فلنتمسك بإيماننا وكنيستنا ونترك الهرطقات الكثيرة والبدع المضللة، ومن ينفصلون عن الكنيسة لكبريائهم فلنتركهم ولا نسير وراءهم.

كل جبل = الجبل يشير لممالك ضخمة وأمم جبارة وقوله تزحزحت إشارة لضعف هذه الأمم (قديما رأينا هذا مع بابل والفرس واليونان والرومان...).

وحديثا رأينا هذا مع بريطانيا والإتحاد السوفيتى أخيرا. (رؤ9:17).

وقد تكون الجبال إشارة لمؤمنين (إش2:2) قد تأثروا بهذه الهرطقات وتزحزحوا عن إيمانهم.

وجزيرة = الجزيرة قطعة أرض موجودة وسط البحر والبحر يشير للعالم المضطرب، وبهذا تشير الجزيرة لأى جماعة تركت نفسها للعالم، ولم تلجأ للأحضان الإلهية. الماديات جعلتها تنسى الله.

ونرى هنا صورة مرعبة لهروب الأقوياء من أمام وجه الله وذلك بسبب خطاياهم ولنقارن مع قول داود "لا تحجب وجهك عنى" فالصديق لا يخاف لأن المحبة تطرح الخوف خارجا (1يو18:5) بل هو يشتهى رؤية الله (خر18:33).

وفيه نسمع قول موسى لله " أرنى مجدك ". أما الأشرار فلن يطيقوا رؤية وجه الله الغاضب. خصوصا من كان فى كبريائه يشعر أنه جبار = ملوك الأرض والعظماء والأغنياء... بل حتى الضعفاء الأشرار = كل عبد وكل حر ولاحظ ان الأشرار يصلون للجبال أن تغطيهم بدلا من أن يصلوا لله أن يغفر لهم. ولو طلبوه لوجدوه.

من يستطيع الوقوف = بهذا السؤال ينتهى الإصحاح السادس ونسمع الإجابة فى الإصحاح السابع. فنجد أن المختومين هم الذين يستطيعون الوقوف.


 

الإصحاح السابع

كنيسة واحدة

كنيسة مجاهدة وكنيسة سماوية

فى الختم الخامس رأينا صورة لمن هم فى السماء وفى الختم السادس رأينا صورة لمن هم على الأرض. وهنا نرى إستفاضة فى شرح الموقف، فعلى الأرض نرى كنيسة تجاهد والله يعدها للسماء وفى السماء فرحة الذين غلبوا بدم الخروف (رؤ11:12). ونرى تسبيحهم.

فالإصحاح السابع من سفر الرؤيا ينقسم إلى قسمين. الأول يشمل الآيات من 1-8 والثانى يشمل الآيات من 9-17. القسم الأول يتكلم عن الكنيسة المجاهدة على الأرض. والقسم الثانى يكلمنا عن الكنيسة السماوية، أى من كانوا على الأرض مجاهدُُُُين ثم إنتقلوا إلى السماء. وأحسن تصوير من العهد القديم لهذا الإصحاح هو ما قيل فى (1مل7:6) والبيت (هيكل سليمان) فى بنائه بنى بحجارة صحيحة مقتلعة، ولم يسمع فى البيت عند بنائه منحت ولا معول ولا أداة من حديد " كان هذا عند بناء هيكل سليمان الذى هو رمز للكنيسة. والحجارة رمز للمؤمنين (1بط5:2). لذلك كانوا يقطعون الحجارة وينحتونها فى الجبل ويأتون بها إلى مكان الهيكل لتوضع فى مكانها، ولكن بدون إستخدام آية آلة للنحت فى مكان الهيكل (1مل15:5). والآنية كانوا يسبكونها بعيدا فى غور الأردن (2أى17:4) والآنية أيضا تشير للمؤمنين (2تى21،20:2) ومعنى هذا أننا على الأرض هنا معرضون للتجارب والآلام والضيقات " فى العالم سيكون لكم ضيق" (يو33:16).

 ولكن هذه الألام هى المنحت وأدوات الحديد التى يتم بها إعدادنا لنكون حجارة حية فى الهيكل السمائى، وهذه الآلام هى البوتقة التى يتم فيها إعداد الآنية بلا شوائب (1بط7،6:1) ولكن هذه الضيقات هى هنا على الأرض فقط، بعيدا عن السماء كما قيل أن نحت الأحجار كان فى الجبل وسبك الأوانى كان فى غور الأردن. هذه هى الكنيسة المجاهدة هنا على الأرض، تجاهد وسط الضيقات وهى واثقة أن كل الضيقات التى يسمح بها الله ليست للضرر بل للإعداد للسماء (رو28:8) +(1كو22:3).

 

آيات 1-3 "و بعد هذا رايت اربعة ملائكة واقفين على اربع زوايا الارض ممسكين اربع رياح الارض لكي لا تهب ريح على الارض و لا على البحر و لا على شجرة ما. و رايت ملاكا اخر طالعا من مشرق الشمس معه ختم الله الحي فنادى بصوت عظيم الى الملائكة الاربعة الذين اعطوا ان يضروا الارض و البحر. قائلا لا تضروا الارض و لا البحر و لا الاشجار حتى نختم عبيد الهنا على جباههم".

الصورة السابقة نراها هنا فالآلام لابد أن تأتى، وهى هنا الرياح التى تهب على الأرض وعلى البحر وعلى الشجر، أى أن الآلام هى على العالم كله، فالأمراض تصيب المؤمنين وغير المؤمنين وكذلك الزلازل، وهذه تصيب الناضجين روحيا وغير الناضجين. ولكن ما يصيب المؤمنين المختومين يكون لتنقيتهم "فكل الأشياء تعمل معا للخير للذين يحبون الله الذين هم مدعوون حسب قصده" (رو28:8). وهذه الآلام التى يسمح بها الله للمختومين هى للتنقية وليست للضرر = لا تضروا الأرض ولا البحر ولا الأشجار حتى نختم عبيد إلهنا على جباههم. والأرض والبحر والأشجار هى إشارة للمؤمنين فى حالاتهم المختلفة وقاماتهم الروحية المختلفة. فالأرض إشارة للإنسان عموما، فهو أرض قد تكون صالحة للزراعة أو غير صالحة (مثل الزارع) والبحر هو الإنسان الذى لا يعيش بحسب الروح لكنه يحيا بحسب الجسد وبحسب العالم، وهذا يكون كالبحر، متقلب لا يرتوى ولا يعرف طعم السلام، والشجرة تشير للمؤمن المثمر أى المملوء بالروح القدس، وهذا تكون له ثماره (غل23،22:5).

والمؤمن شبه بشجرة على مجارى المياه (مز3:1). ومجارى المياه إشارة للروح القدس. وكل مؤمن حصل على الروح القدس فى سر الميرون (الختم) أى تم ختمه كعلامة لملكية السيد المسيح له. فالختم عادة الذى يختم به العبيد يكتب عليه إسم المالك. وكل من يتبع المسيح وتم ختمه يكون له الروح القدس ولكن هناك من يضرم الروح بجهاده، وهناك من يطفىء الروح بإندفاعه وراء الخطية وتكاسله فى جهاده. ومن أضرم الروح، يعطيه الروح تعزيات وسط الضيقات، فتكون الضيقات (الرياح) لإعداده للسماء، وليست لضرره. أما من أطفأ الروح، فسيكون بلا تعزيات وستضره الرياح تماما كالشجرة. فالشجرة المغروسة على مجارى المياه، يكون لها عصارة تسرى فى فروعها وأوراقها الخضراء، وتكون الرياح سببا فى زيادة خضرة أوراقها، أما المحرومة من المياه، فتكون أوراقها صفراء ذابلة إذا هبت عليها الرياح تسقطها (رؤ13:6) ولنذكر أن إضرام الروح أو إطفاؤه هو مسئولية كل مؤمن، أى بحسب جهاده. لذلك نسمع أن الملائكة أعطوا أن يضروا الأرض والبحر= فالرياح ستهب على الأرض والبحر والأشجار ولكنها لن تضر الأشجار بل ستضر الأرض (غير الصالحة للزراعة أو التى تنبت شوكا.

(عب8،7:6: 9) والبحر (العالم المتقلب). لكن الله حين أعطى، فهو أعطى الروح القدس لكل المؤمنين، بل لم تبدأ الرياح عملها الضار إلا بعد أن ختم الكل = لا تضروا الأرض ولا البحر ولا الأشجار حتى نختم عبيد إلهنا على جباههم.

وما يعطينا الإطمئنان أن هذه الآلام إذا اصابت المختومين المملوئين من الروح القدس فلن تضرهم، فالتعزيات التى يعطيها الروح للمتألم تعطيه أن يغلب التجربة ويستمر فرحه وسلامه، بل تكون التجربة سبب تنقية له.

أما فى السماء فلا توجد ضيقات ولا ألام، بل هناك لن يجوعوا بعد ولن يعطشوا بعد ولا تقع عليهم الشمس ولا شىء من الحر آية 16. إذا نفهم أن الجوع والعطش والحر هم المنحت والإزميل (التجارب) فى يد الله حتى يهىء عبيده كأحجار حية فى هيكل السماء. ولاحظ قول إشعياء "لأنه هكذا قال لى الرب إنى أهدأ وأنظر فى مسكنى كالحر الصافى على البقل كغيم الندى فى حر الحصاد" (اش4:18)، فالله للمؤمنين يكون حرا (تجارب) أو غيم الندى (تعزيات) حسب الحاجة، حتى يتم إعداد كل مؤمن للسماء، أما السماء فلا حر فيها ولا جوع.. فهناك الفرحة الحقيقية الكاملة الدائمة والمجد الأبدى. ونلاحظ أن الضيقات (الرياح) هى فى يد الملائكة والذى يعطيهم الأوامر هو ملاك آخر طالع من مشرق الشمس = هو المسيح شمس البر (ملا2:4). معه ختم الله الحى فهو الذى أرسل الروح القدس القدس للكنيسة (يو26:14) + (يو7:6). والختم هو المسح بالميرون الذى ختمنا أيضا وأعطى عربون الروح فى قلوبنا (1كو22:1) + (اف30:4)، وهذا يعطينا راحة أن أقدارنا، أى ما يصيبنا من آلام وضيقات أو افراح، الكل فى يد الله فهو ضابط الكل، وهو الذى أحبنا حتى بذل الدم. ولا تصيبنا تجربة إلا بسماح منه وتكون لفائدتنا، وبقدر ما نحتمل (1كو13:10). فالله سمح للشيطان أن يجرب أيوب ولكن فى حدود سمح بها الله. والله لا يتركنا وحدنا فى التجربة بل روحه (الختم) يعزينا. أربع زوايا الأرض = رقم 4 يشير للعالم كله. فالله ضابط الكل، والعالم كله فى يده. والتجارب تشمل العالم كله. لذلك نجد الملائكة فى آية 1 وهم ممسكين بالرياح فالمسيح لم يعط الإذن لهم بعد.

 

آية 4 "و سمعت عدد المختومين مئة و اربعة و اربعين الفا مختومين من كل سبط من بني اسرائيل".

144000 = هو عدد المختومين ولا يؤخذ حرفيا، فنحن سنجد فى أية 9 أن الواقفين أمام العرش، عدد لم يستطع أحد أن يعده. لذلك نفهم أن 144000 هو رقم رمزى = (12) كنيسة العهد القديم أى الأسباط × (12) كنيسة العهد الجديد أى التلاميذ × 1000 رقم السمائيين.

12= 3 (المؤمنين بالله المثلث الأقانيم) × 4 (كل العالم).

12×12 = هم المؤمنين فى العهد القديم والمؤمنين فى العهد الجديد. فالكل فى المسيح صار واحدا. المسيح جعل الإثنين واحدا (أف 14:2).

1000 = الملائكة السمائيين فهم ألوف ألوف وربوات ربوات (رؤ 11:5).

والربوة = 10000 فيصير رقم 1000 ومضاعفاته يشير للسماء، والكنيسة التى فداها المسيح سماوية (أف 6:2).

12×12×1000 = 144000 = إشارة للكنيسة الواحدة الوحيدة التى جعلها المسيح واحدة بأن وحد الكل فيه، وجعلها سماوية. وذكر عدد معين 144000 يشير لأن العدد معروف بالواحد أما رقم 144000 فهو مجرد رمز له.

من كل سبط من بنى إسرائيل = قطعا الكتاب لا يقصد إسرائيل بأسباطها كما عرفناهم فى العهد القديم، ولا إسرائيل الحالية:-

1.     الأسباط لم يعد لها وجود، ولا أحد يعرف من أى سبط هو.

2.     إسرائيل لم تعد شعب الله المختار، فهم كانوا مختارين ليأتى المسيح منهم. وبعد ان آتى المسيح فلم يعودوا كذلك، بل المختارين هم من أمنوا بالمسيح.

3.     هم ليسوا بمختارين بعد أن رفضوا الإيمان بالمسيح وصلبوه.

4.     الله الآن لا يفرق بين مؤمنين من أصل يهودى وآخرين من اصل أممى.

5.     لو يقصد الأسباط بمفهومها اليهودى لذكر رأوبين أولا. ولكنه ذكر يهوذا أولا إشارة للمؤمنيين بالمسيح الأسد الخارج من سبط يهوذا.

6.     سفر الرؤيا سفر رمزى. والأسماء يستحسن أن تفهم بهذا المعنى فلنأخذ الأسماء بمعانيها.

إذا إسرائيل الآن هى الكنيسة التى أسماها بولس الرسول إسرائيل الله (غل 16:6). وقوله من كل سبط فلأنه سيذكر أسماء بعض الأسباط فى الآيات التالية. وأما اسماء الأسباط المذكورة فيستحسن أن نفهمها بمعانيها، فكل إسم يشير لصفة فى شعب الله أى كنيسة المسيح. ونلاحظ:-

1.     إختفاء إسم أفرايم فهو سبب إنشقاق إسرائيل إلى مملكتين، فإفرايم إنشق على كرسى داود. وداود رمز للمسيح، ولا إنشقاق فى السماء، بل ستكون الكنيسة فى السماء كنيسة واحدة وحيدة.

2.     إختفاء إسم دان: لسببين:

أ‌.        معنى إسمه الله يدين، ولا دينونة الآن على الذين هم فى المسيح يسوع.

ب‌.    قال بعض الآباء أن الوحش سيأتى من هذا السبط، وهو الذى سيضل الشعوب.

3.     عوضا عن دان وضع إسم يوسف.

 

آيات 5-8 "من سبط يهوذا اثنا عشر الف مختوم من سبط راوبين اثنا عشر الف مختوم من سبط جاد اثنا عشر الف مختوم. من سبط اشير اثنا عشر الف مختوم من سبط نفتالي اثنا عشر الف مختوم من سبط منسى اثنا عشر الف مختوم. من سبط شمعون اثنا عشر الف مختوم من سبط لاوي اثنا عشر الف مختوم من سبط يساكر اثنا عشر الف مختوم. من سبط زبولون اثنا عشر الف مختوم من سبط يوسف اثنا عشر الف مختوم من سبط بنيامين اثنا عشر الف مختوم".

12000 = 12 (شعب الله) × 1000 (الذين فى السماء) وصفاتهم

يهوذا = يحمد. أى تحيا الكنيسة شاكرة مسبحة الله على عطاياه. ونلاحظ أن إسم يهوذا يتصدر القائمة، فمن هذا السبط جاء المسيح رأس الكنيسة. ولن يدخل السماء إلا كل من أمن به.

رأوبين = أى إبن الرؤيا. فشعب الله فى السماء  سيكون له نقاوة قلب تمكنه من رؤية الله. فنحن فى السماء سنرى الله وجها لوجه (1كو12:13) + (1يو2:3).

جاد = أى متشدد، فأولاد الله عاشوا فى جهاد متشددين بنعمته. وهم الآن فى السماء متشددين بالأكثر به وقد زال عنهم كل إستهتار.

أشير = أى سعيد وهذه سمة السماء، أفراح أبدية.

نفتالى = أى متسع، فقلوب أولاد الله والسمائيين متسعة بالمحبة لكل واحد.

 منسى = أى ينسى، ففى السماء سننسى كل الآلام التى رأيناها على الأرض.

شمعون = أى يسمع، ففى السماء سنسمع صوت الله واضحا بسبب نقاوة قلوبنا.

لاوى = أى إقتران. لقد صارت الكنيسة إمرأة الخروف فى السماء (رؤ 7:19).

يساكر = أى الجزاء. لقد صارت السماء جزاء لمن غلب.

زبولون = أى مسكن. لقد صارت السماء مسكنا لأولاد الله يسكن الله معهم (رؤ 3:21).

يوسف = أى يزيد وينمو. فنحن فى السماء سننمو فى معرفة الله.

بنيامين = أى إبن اليمين. وهذا مكان عروس المسيح، عن يمينه، فالملكة جلست عن يمين الملك. وهذا نصيب الخراف أن تكون عن اليمين (مت 33:25).

ونلاحظ أن كنيسة المسيح هى من مشرق الشمس إلى مغربها آية 9 لذلك نفهم أنه إذا كانت الكنيسة المخلصة من كل الأمم والقبائل والشعوب، فأسماء الأسباط المذكورة سابقا لا تعنى إسرائيل بمفهوم العهد القديم، فالعالم كله دخل الإيمان وصار وارثا للمواعيد. بل كما فى آية  من كل الأمم والقبائل والشعوب والألسنة.

 

أية 9 "بعد هذا نظرت و اذا جمع كثير لم يستطع احد ان يعده من كل الامم و القبائل و الشعوب و الالسنة واقفون امام العرش و امام الخروف و متسربلين بثياب بيض و في ايديهم سعف النخل".

إبتداء من هنا نرى صورة للكنيسة السماوية وأنها مفتوحة لكل العالم. وهم بثياب بيض = رمز النقاوة والبر فقد غفرت خطاياهم بكفارة دم المسيح. وهذا ما تم شرحه فى آية 14. ونحن نحصل على هذه الثياب البيض بالمعمودية ونحافظ عليها بيضاء بالتوبة والإعتراف. وقبل كل ذلك بالإيمان بالمسيح كمدخل للمسيحية. سعف النخل = هو علامة معروفة عند اليهود تعنى الفرحة والإنتصار والتهليل. وكانوا يستخدمونه فى عيد المظال أبهج أعيادهم علامة على فرحتهم بوصولهم إلى وطنهم (أرض الميعاد) الذى أعطاه الله لهم (لا40:23) وإستعملوه يوم دخول المسيح لأورشليم. فيصبح معنى وجود سعف النخل فى السماء:

1.     فرحة المخلصين بدخولهم أرض الميعاد السمائية. (المعنى من عيد المظال).

2.     فرحتهم بملك المسيح عليهم (المعنى من يوم دخول المسيح إلى أورشليم).

 

آيات 10-13 "و هم يصرخون بصوت عظيم قائلين الخلاص لالهنا الجالس على العرش و للخروف. و جميع الملائكة كانوا واقفين حول العرش و الشيوخ و الحيوانات الاربعة و خروا امام العرش على وجوههم و سجدوا لله. قائلين امين البركة و المجد و الحكمة و الشكر و الكرامة و القدرة و القوة لالهنا الى ابد الابدين امين. و اجاب واحد من الشيوخ قائلا لي هؤلاء المتسربلون بالثياب البيض من هم و من اين اتوا".

فرحة السمائيين تظهر فى تسابيحهم. وستكون هذه هى حياتنا فى السماء، أفراح وتسابيح لأجل الخلاص الذى تم ويشاركنا فى هذا الفرح الملائكة، ونحن نشارك الملائكة فى تسابيحهم. هم يفرحون لخلاصنا (رؤ10،9:5) ونحن نفرح ونسبح معهم.

 

آية 14 "فقلت له يا سيد انت تعلم فقال لي هؤلاء هم الذين اتوا من الضيقة العظيمة و قد غسلوا ثيابهم و بيضوا ثيابهم في دم الخروف".

أتوا من الضيقة العظيمة = أى العالم الذى كانت تهب عليه رياح التجارب والآلام والضيقات.  "ومن يصبر إلى المنتهى فهذا يخلص" (مت13:24) وينتقل من صفوف الكنيسة المجاهدة إلى صفوف الكنيسة المنتصرة، بعد أن إستخدم الله هذه الضيقات فى إعداده كحجارة حية فى الهيكل السمائى. ولكن هل الضيقات تنقى وتلبسنا ثيابا بيض؟ حاشا. وإلا لماذا كان دم المسيح. وهذا ما نراه فى بقية الآية.. فدم يسوع هو الذى يطهرنا من كل خطيئة (1يو7:1). غسلوا ثيابهم وبيضوا ثيابهم فى دم الخروف.

والآن إذا كان دم المسيح هو الذى يلبسنا الثياب البيض، فمالزوم الضيقة؟

لقد ولدنا وفى داخلنا محبة للعالم تجعلنا ننجذب للعالم تاركين الله. ولذلك قال معلمنا يعقوب إن محبة العالم عداوة لله (يع4:4). والله من محبته يسمح بهذه الضيقات لنزهد فى محبة العالم، كما قال القديس بطرس "إن من تألم فى الجسد كف عن الخطية" (1بط1:4). ليس هذا فقط، فالمتألم يرتمى فى أحضان المسيح، فيطهره دم المسيح. ولاحظ أن من لفت إنتباه يوحنا  لهؤلاء اللابسين ثيابا بيض كان أحد القسوس، إذ سأله عنهم ليثير إنتباهه فيسأله بدوره من هم ومن أين أتوا (13).

 

آية 15 "من اجل ذلك هم امام عرش الله و يخدمونه نهارا و ليلا في هيكله و الجالس على العرش يحل فوقهم".

 نهارا وليلا = السماء ليس فيها ليل، لكن المعنى هو الخدمة بلا توقف وسر فرح السمائيين وجود الله وسطهم = يحل فوقهم ويرعاهم = أى يظلل عليهم فى حنان "كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها" (مت37:23). هو كان الراعى الصالح على الأرض وسيستمر فى رعايته لنا فى السماء. والكل صار خاضعا له فى حب بلا عصيان. ولكن قوله يحل فوقهم  يذكرنا بالكاروبيم الذى يجلس الله عليه. هنا رأينا أن البشر فى السماء تحولوا لمركبة كاروبيمية فالله يستقر الآن على البشر كما على الكاروبيم.

 

آية 16-17 "لن يجوعوا بعد و لن يعطشوا بعد و لا تقع عليهم الشمس و لا شيء من الحر. لان الخروف الذي في وسط العرش يرعاهم و يقتادهم الى ينابيع ماء حية و يمسح الله كل دمعة من عيونهم".

يقتادهم إلى ينابيع حية = أى الإمتلاء من الروح القدس فما تحصل عليه الآن هو العربون (2كو22:1)، أما ما نحصل عليه فى السماء فهو الإمتلاء الكامل وبالتالى الإمتلاء من كل ثمار الروح بتمامها فنحيا للأبد فى فرح عجيب ومحبة كاملة لم نتذوقها على الأرض، وكذلك سلام عجيب.

قال أحد القديسيين "لى إشتهاء أن أذهب إلى السماء، فإن كنت هنا يمكننى الفرح إلى هذه الدرجة فكم وكم يكون الفرح هناك" وما يعطلنا هنا عن تذوق هذا الفرح هو الخطية ونسيان الجهاد، فلنجاهد بصبر وتغصب ونترك الخطية فنبدأ فى تذوق الأفراح السماوية.

يمسح الله كل دمعة من عيونهم = المعنى المباشر أنه لا دموع فى السماء بل أفراح أبدية. ولكن هل هناك دموع هناك ليمسحها الله؟ قطعا لا ولكن هذه تعنى أن من يذهب إلى هناك سيجعله الله ينس تماما كل ألامه التى كان يعانى منها فى العالم، لا يعود يذكرها ولا تعود تسبب له ألم (يو21:16). فنحن هنا على الأرض قد لا ننسى جرحا لمشاعرنا لسنين طويلة وربما العمر كله. ولكن الله سيجعلنا ننسى كل الجروح وكل أثار الآلام التى عانينا منها على الأرض.

ولنلاحظ أن من فى السماء لن يجوع ولن يعطش لأن الروح القدس يرويه من حياة الله وروح الله أى الينابيع الحية. راجع (رؤ1:22) هناك لا شعور بالإحتياج بل شبع كامل وراحة كاملة.


 

الإصحاح الثامن

راينا من قبل الكنائس السبع وكيف أنها تمثل تاريخ الكنيسة. ثم الختوم السبعة وهى علامات تمثل وتشرح ما سيقابل الكنيسة فى مسيرتها. وإبتداء من إصحاح 8 نتقابل مع الأبواق السبعة وهى إنذارات تحث الناس على التوبة ورفض الشر والرجوع إلى الله، وهذه تسبق فترة مجىء " ضد المسيح " والأبواق السبعة تبدأ عندما يفتح الختم السابع ثم نتقابل مع الجامات السبعة وهى أحكام ضد هذا الوحش (ضد المسيح) ومن يتبعه وذلك فى إصحاح 16. إذا:-

الكنائس السبعة هى نظرة شاملة على تاريخ الكنيسة.

الختوم السبع هى نظرة شاملة على ما سيواجه الكنيسة من آلام.

الأبواق السبع هى نظرة مركزة على فترة ما قبل مجىء ضد المسيح.

الجامات السبع هى تركيز على دولة ضد المسيح والضربات على من يتبعه.

وإذا كانت الأختام السبع تمثل ما يواجه الكنيسة من آلام عبر التاريخ، وأنها ستخرج منتصرة، فإن الختم السابع يمثل ايام النهاية. لذلك فعندما فتح الختم السابع نرى السبعة ملائكة الحاملين للسبع أبواق، وهى عبارة عن ضربات يستخدمها الله كإنذارات للناس ليتوبوا قبل مجىء المسيح، فعندما يجىء ضد المسيح فهو لن يستطيع أن يخدع التائبين الذين عرفوا الله حقيقة وإنفتحت عيونهم أما من هم فى خطاياهم، وعيونهم مغلقة فسوف ينخدعوا ويسيرون وراءه.

 

آية1 "و لما فتح الختم السابع حدث سكوت في السماء نحن نصف ساعة".

حدث سكوت فى السماء نحو نصف ساعة = السكوت هو توقف الأصوات:-

1) أصوات تسبيح السمائيين. هو صمت الأسى لأن السمائيين قد إنكشف لهم كمية الآلام التى ستصيب العالم بسبب شروره. فكما أن السماء تفرح بخاطىء واحد يتوب فهم يحزنون لشرور الناس وإبتعادهم عن الله ومن الضربات التى ستصيبهم وتوقف السمائيين عن التسبيح هو وقت قليل تم التعبير عنه بلغة بشرية بأنه نصف ساعة، فالسكوت حدث فى السماء. لكنهم عادوا لتسبيحهم، فلا شىء يشغل السمائيين عن تسبيحهم أى فرحهم بالله وثقتهم فى عدالة أحكامه التى تصيب البشر.

2) سمعنا عن الأصوات الصادرة من العرش (رؤ5:4) وهى القرارات التى تصدر عن عرش الله. وقد صدر الأمر للملائكة بالإستعداد للضربات، ولا سبيل لتغيير قرار الله. سمعنا مثلا فى سفر أرمياء، أن الله طلب من أرمياء أن يبلغ الشعب رسالة قائلا "لا تنتقص كلمة لعلهم يسمعون ويرجعون كل واحد عن طريقه الشرير فأندم عن الشر الذى قصدت أن أصنعه بهم" (أر3،2:26).

ولكن الحال هنا مختلف، فالقرار صدر ولا أصوات أخرى أى لا قرارات أخرى.

 

آية 2 "و رايت السبعة الملائكة الذين يقفون امام الله و قد اعطوا سبعة ابواق".

1.     السبعة ملائكة أعطوا سبعة أبواق = الأبواق إستخدمت فى العهد القديم:-

2.     الدعوة للحرب أو إنذار بالحرب، ونحن أمام حرب روحية قائمة بين الله وإبليس.

3.     الدعوة للإرتحال ونحن الآن قرب أيام النهاية.

4.     فى الأعياد، ونحن نقترب من أفراح أورشليم السماوية.

5.     فى المناداة بالملوك، وهذه الحرب الروحية ستنتهى بخضوع الخليقة لملك الملوك.

أعطوا = أى تم تكليف كل ملاك من السبعة الملائكة ليقوم بدوره فى زمن معين.

 

آية 3 "و جاء ملاك اخر و وقف عند المذبح و معه مبخرة من ذهب و اعطي بخورا كثيرا لكي يقدمه مع صلوات القديسين جميعهم على مذبح الذهب الذي امام العرش".

ملاك معه مبخرة = غالبا هو المسيح وقيل عنه مرات عديدة أنه ملاك. فملاك تعنى مرسل والآب أرسل إبنه ليفدى البشرية ويصير شفيعها لدى الآب. وهنا إستعارة من طقوس العهد القديم، إذ يدخل الكاهن ومعه مبخرة مملوءة بخورا أمام مذبح البخور ليشفع فى الشعب فيغفر الله لهم خطاياهم.

وأعطى بخورا كثيرا لكى يقدمه مع صلوات القديسيين جميعهم = فشفاعة المسيح قوية عجيبة، لكنها لا تفيد سوى المؤمنيين التائبين الذين يصلون لله = يقدمه مع صلوات القديسين. فصلواتنا بدون المسيح لا قيمة لها وغير مقبولة. لذلك علمتنا الكنيسة أن ننهى الصلاة الربانية "أبانا الذى فى السموات..." بقولنا "بالمسيح يسوع ربنا". ونلاحظ هنا أن البخور هو صلوات القديسين مع شفاعة المسيح. وشعب الله سيكون محتاجا لهذه الشفاعة القوية مع هذه الضربات القوية ليرحمهم الله ويقويهم خلالها.

مذبح الذهب الذى أمام العرش = كان مذبح الذهب (مذبح البخور) أمام الحجاب فى الهيكل. ومن وراء الحجاب كان تابوت العهد ممثلا للسماء. وحينما إنشق حجاب الهيكل رمزا لموت المسيح (عب20:10)، صار مذبح البخور الذهبى أمام تابوت العهد مباشرة رمزا لدخول المسيح بالجسد للسماء ليشفع فى المؤمنين. لذلك قال بولس الرسول ان ما كان فى المسكن هو شبه السماويات (عب5:8).

وسمى مذبح البخور مذبحا لأنه رمز للصليب الذى قدم عليه المسيح ليشفع فينا بدمه، دمه الذى صار رائحة زكية (بخور) أمام الله وشفاعة كفارية عنا.

 

آية 4 "فصعد دخان البخور مع صلوات القديسين من يد الملاك امام الله".

فصعد دخان البخور مع صلوات القديسين من يد الملاك أمام الله = أى كانت شفاعته مع صلوات المؤمنين مقبولة أمام الله فهم يطلبون بإسمه (يو24:16).

 

آية 5 "ثم اخذ الملاك المبخرة و ملاها من نار المذبح و القاها الى الارض فحدثت اصوات و رعود و بروق و زلزلة".

 ملأها من نار المذبح والقاها على الأرض = قلنا فى تفسير آية 3 أن المذبح هو الصليب. وبسبب الصليب حل الروح القدس على المؤمنين، وهو حل على التلاميذ على هيئة ألسنة نار. والمعنى هنا أن الروح القدس سيعمل فى الكنيسة من خلال خدامها فى نهضات روحية منذرا قبل أن تبدأ الضربات. ولاحظ تسلسل عمل الله. ففى نهاية الإصحاح السابع تقابلنا مع دم المسيح الذى يغسل ويبيض الثياب ومن لا يحركه منظر دم المسيح الغافر، ربما يتحرك قلبه مع إنذارات وتبكيت الروح القدس. ومن لا يتحرك لهذا أو لذاك، فلعل الضربات التأديبية التى تحدث مع الأبواق تؤدبه فيتوب (رؤ20:9). ونلاحظ أن الضربات دائما تصاعدية، فمن ضربة شديدة إلى ضربة أشد.

أصوات = صوت تعاليم خدام الله وإرشاد الروح القدس. ومن لا يتحرك من التعاليم يسمع رعود = هى تهديدات وإنذارات. وهناك من يأتى بالبروق وهى وعود بالسماء أو هى معجزات بشفاعة القديسين لجذب القلوب المتحجرة زلزلة = قد تفهم روحيا بأن قلوب المؤمنين تتزلزل بعمل الروح القدس ويعودون بالتوبة. كما تزلزل قلب فيلكس الوالى من كلام بولس الرسول ولكنه للأسف لم يتحرك ولا تاب (أع25:24). وقد تفهم أنها وقت تزداد فيه الزلازل والبروق والرعود فعلا ليخاف الناس ويتوبوا، أى يستجيبوا لعمل الروح القدس (نار المذبح) وقد لاحظنا إمتلاء الكنائس وزيادة عدد المعترفين بعد زلزال سنة 1992 الشهير.

 

آية 6 "ثم ان السبعة الملائكة الذين معهم السبعة الابواق تهياوا لكي يبوقوا".

الملائكة تهيأوا لكى يبوقوا = بعد أن تمت فرصة الإنذارات وتبكيت الروح القدس وعمله، إستعد الملائكة لتنفيذ الضربات.

ونلاحظ فى الضربات أنها كانت تصيب الثلث فقط. إذا لم يكن الغضب شاملا يكتسح الكل، إذ إستطاعت الرحمة أن تفسح مجال الحياة للثلثين(لعلهم يتوبوا). وهذا غير المجاعات، ففى المجاعات، الضربات للكل. فمن سيرفض كل هذه الإنذارات ويستمر فى خطيته بلا توبة، سيضل وراء ضد المسيح حين ياتى. ومثل هذا لا أمل فى تحريك قلبه مرة آخرى بأى محاولة حتى يتوب.

 

آية 7 "فبوق الملاك الاول فحدث برد و نار مخلوطان بدم و القيا الى الارض فاحترق ثلث الاشجار و احترق كل عشب اخضر".

البوق الأول

ضربة البرد والنار تشير لكرات من البرد تنزل من السماء، وعند إحتكاكها معا يخرج منها السنة لهيب تحرق غذاء الناس (الأشجار) وغذاء البهائم (العشب الأخضر) وكرات البرد المتساقطة هى ايضا تدمر المزروعات وتصيب الناس فيجرى الدم. والدم مع البرد مع النار إشارة لغضب الله (يؤ30:2). وحينما غضب الله على مصر ضربها بكرات البرد والنار وحول الماء إلى دم. إذا البوق الأول هو إنذار بمجاعات، وهذا ما نسمع عنه فى كثير من بلدان العالم خاصة فى إفريقيا.

 

آيات 9،8 "ثم بوق الملاك الثاني فكان جبلا عظيما متقدا بالنار القي الى البحر فصار ثلث البحر دما. و مات ثلث الخلائق التي في البحر التي لها حياة و اهلك ثلث السفن".

البوق الثانى

البحر بمياهه المالحة ومن يشرب منها يعطش، وأمواجه المتقلبة يشير للعالم.

والجبل العظيم المتقد بالنار = هو قائد عسكرى دموى (أر25:51) يثير حربا فى العالم (حرب عالمية). ومثال على ذلك هتلر الذى فجر الحرب العالمية الثانية التى مات فيها 50 مليونا من البشر. وقد يكون الجبل دولة عظمى أو إمبراطورية عظيمة (رؤ9:17) لها طابع عسكرى وتثير حربا عالمية.

فصار ثلث البحر دما = والحروب هى إنذارات من الله لكى نتوب. وهنا نرى أنه من مراحم الله، أن الله يعطى فرصة للثلثين الباقين أن يحيوا ليتوبوا. وأهلك ثلث السفن = فتقل التجارة ويزداد الغلاء، ولعل الضيقة تدفع البعض لإكتشاف تفاهة الملذات الزمنية. وكيف يسمح الله بموت أولاده فى هذه الحروب ؟ وما المانع، فهم سيذهبون للسماء. وهذه مجرد وسيلة ينتقلون بها من الأرض. هم أنهوا أعمالهم التى خلقوا من أجلها (أف10:2) فذهبوا ليستريحوا.

 

آيات 11،10 "ثم بوق الملاك الثالث فسقط من السماء كوكب عظيم متقد كمصباح و وقع على ثلث الانهار و على ينابيع المياه. و اسم الكوكب يدعى الافسنتين فصار ثلث المياه افسنتينا و مات كثيرون من الناس من المياه لانها صارت مرة".

البوق الثالث

سقط من السماء كوكب عظيم = هو قائد دينى كانت له سمعته كمصباح ووقع على ثلث الأنهار إشارة لتلويث التعليم الصحيح ومزجه بهرطقات.

كالإفسنتين = هو عشب مر جدا وسام إشارة للهرطقات التى تبعد الناس عن طريق الإيمان الصحيح فيموتون روحيا (أمثلة على ذلك آريوس وشهود يهوة) الذين قالوا أن المسيح ليس هو الله. ولكن لماذا يسمح الله بهلاك مؤمنين بسبب تعاليم فاسدة؟ من يتبع هذه التعاليم الفاسدة فيهلك هم أوراق الشجر الخريفية التى بلا ثمر (يه12) + (رؤ13:6) هم أموات أصلا كأوراق بلا عصارة هبت عليهم رياح الهرطقات فظهر سقوطهم إذ قبلوها.

 

آية 12 " ثم بوق الملاك الرابع فضرب ثلث الشمس و ثلث القمر و ثلث النجوم حتى يظلم ثلثهن و النهار لا يضيء ثلثه و الليل كذلك".

البوق الرابع

البوق السابق كان يتكلم عن قائد دينى كبير، ولكن هذا البوق يتكلم عن بلبلة تحدث داخل الكنيسة ويغيب التعليم الصحيح، فتصبح صورة المسيح غير واضحة،

ضرب ثلث الشمس = أصبحت لا تجد صورة المسيح الصحيحة داخل هذه الكنائس ثلث القمر = إن كانت الشمس كناية عن المسيح شمس البر، فالقمر كناية عن الكنيسة إذ هى تعكس نوره. والمعنى أن الناس حينما لم يجدوا صورة المسيح فى الكنائس تركوها. وفى أماكن كثيرة باعوا الكنائس لأنه لا يوجد شعب. هذه كانت حالة الكنائس المنشقة. بل أن القيادات الدينية ضربت = ثلث النجوم.     النهار لا يضىء ثلثه = النهار إشارة لمن يريد الله ويبحث عنه، وللأسف فهو لا يستطيع أن يجده، فى هذه الكنائس فى ظل هذه الهرطقات.

والليل كذلك = الليل إشارة لمن هم فى الخطية. وكانت كلمات الكنائس تنير طريقهم للتوبة. وما عادت الكنائس تنير لأحد (هناك كنائس تحولت لصالات ديسكو).

 

آية 13 " ثم نظرت و سمعت ملاكا طائرا في وسط السماء قائلا بصوت عظيم ويل ويل ويل للساكنين على الارض من اجل بقية اصوات ابواق الثلاثة الملائكة المزمعين ان يبوقوا".

ويل ويل ويل = الضربات السابقة شىء، والآتية أفظع ولا تقارن بما سبق، لذلك أسماها ويلات للساكنين على الأرض.

والله سمح بالآلام السابقة لعل الإنسان يقدم توبة ويرجع إلى الله. ولكن إزداد الناس عنادا، ولذلك أطلق يوحنا على خطية الناس وعنادهم هذا "خطية مصر" (رؤ8:11) مثلما رفض فرعون إنذارات موسى، بل إن مع تزايد عنف الضربات تزايد عناد فرعون. وهذا ما ينبه الله له هنا فى (رؤ20:9) بقوله... فلم يتوبوا. فالهدف إذا من هذه الضربات هو أن يشعر الناس بأن ما إختاروه لأنفسهم من خطايا وأفكار إلحادية وإبتعاد عن الله سبب لهم مزيدا من التعاسة. والله سمح بأن يطلق إبليس على مراحل، وكل مرحلة فيها آلام للبشر أسماها الكتاب هنا الويلات. فالأبواق الثلاثة الأخيرة هم الثلاث ويلات. والله يطلق الشيطان:-

1.     لأن الناس يريدون هذا، الناس يريدون الخطية، ولا يريدون الله. فليكن لهم إذا ما يريدون تطبيقا للآية "ليعطك الرب حسب قلبك ويتمم لك رأيك" (مز4:20) والمقصود، دع الناس يجربون ما أرادوه وما إشتهوه ليفهموا أن ما كانوا يشتهونه لم يسبب لهم فرحا أو سلاما.

2.     لعل البعض حين يشعرون بالآلام الناشئة عن إختيارهم يعودون لله بالتوبة.


 

الإصحاح التاسع

الويلات الثلاث هى الأبواق الثلاث الأخيرة من السبعة الأبواق، وهى إنذارات بضربات شديدة فى نهاية الأيام لعل الناس يتوبون

الويل الأول :- هو البوق الخامس :- وهو عبارة عن حرب فكرية إلحادية تعذب الناس إذ يتركون الله فيصيرون بلا تعزية وسط ضيقات هذا العالم.

الويل الثانى :- هو البوق السادس:- وهو عبارة عن حرب مادية تتقاتل فيها الجيوش والأمم، هنا نرى الشيطان يحرك قادة الدول فيتخذون قرارات خاطئة ينتج عنها حروب دموية مدمرة ويكون القتلى كثيرين جدا. (هلك فى الحرب العالمية الثانية 50 مليونا بالإضافة للدمار الشديد. وهذا كمثال) وينتهى البوق السادس بظهور الوحش (ضد المسيح) وخلال فترة تواجده تزداد الآلام بشدة وتزداد الحروب بصورة أشد

الويل الثالث:- هو البوق السابع :- وفيه يظهر الله للدينونة فيرتعب كل إنسان تبع الشيطان وإستغرق فى خطيته.

 

الآيات 1-12 " ثم بوق الملاك الخامس فرايت كوكبا قد سقط من السماء الى الارض و اعطي مفتاح بئر الهاوية. ففتح بئر الهاوية فصعد دخان من البئر كدخان اتون عظيم فاظلمت الشمس و الجو من دخان البئر. و من الدخان خرج جراد على الارض فاعطي سلطانا كما لعقارب الارض سلطان. و قيل له ان لا يضر عشب الارض و لا شيئا اخضر و لا شجرة ما الا الناس فقط الذين ليس لهم ختم الله على جباههم. و اعطي ان لا يقتلهم بل ان يتعذبوا خمسة اشهر و عذابه كعذاب عقرب اذا لدغ انسانا. و في تلك الايام سيطلب الناس الموت و لا يجدونه و يرغبون ان يموتوا فيهرب الموت منهم. و شكل الجراد شبه خيل مهياة للحرب و على رؤوسها كاكاليل شبه الذهب و وجوهها كوجوه الناس. و كان لها شعر كشعر النساء و كانت اسنانها كاسنان الاسود. و كان لها دروع كدروع من حديد و صوت اجنحتها كصوت مركبات خيل كثيرة تجري الى قتال. و لها اذناب شبه العقارب و كانت في اذنابها حمات و سلطانها ان تؤذي الناس خمسة اشهر. و لها ملاك الهاوية ملكا عليها اسمه بالعبرانية ابدون و له باليونانية اسم ابوليون. الويل الواحد مضى هوذا ياتي ويلان ايضا بعد هذا".

 البوق الخامس (الويل الأول)

فرأيت كوكبا قد سقط من السماء إلى الأرض = وهذا الكوكب إما أن يكون :-

1.     رئيس دينى كبير وفى سقوطه يجذب معه الكثيرين.

2.     الشيطان، هذا الذى سقط من السماء وصار تحت الأرض " رأيت الشيطان ساقطا" (لو18:10). وقد أعطى أن يجرب الساكنين على الأرض، ولكن الشيطان ليس حرا أن يجربنا كيفما يشاء، بل فى حدود يسمح بها الله (راجع قصة أيوب، فالله كان يحدد للشيطان الحدود التى يجرب بها أيوب).

3.     ملاك نزل من السماء، ليعطى سماح لإبليس أن يجرب الساكنين على الأرض فى الحدود التى يحددها الله. ولاحظ أن الشيطان كان محبوسا بعد الصليب والآن فالملاك، يطلق يده فى حدود معينة.

وأعطى مفتاح بئر الهاوية = الهاوية فى نظر أناس العهد القديم هى حفرة بلا قرار يلقى فيها أعداء الرب. والمعنى، إما أن الملاك سمح لإبليس إن ينشر ضلالاته فى الحدود التى سمح بها الله. أو أنه سمح للشيطان بهذا. إذا المفتاح هو إطلاق حرية إبليس ليفعل فى الحدود المعينة.

فصعد دخان = هو أفكار الشياطين، هى حرب فكرية وقد تكون:-

1.     أفكار إلحادية كالشيوعية والماركسية والوجودية وهذه تنكر وجود الله. وهذه سمح بها الله، فالناس تضخمت ذواتهم ودخلوا فى كبرياء. فسمح لهم الله بهذه الفلسفات التى تتكلم عن وجود الذات وإلغاء وجود الله.

2.     قد تكون أفكار دينية مشوهة كمن إعتبروا أن الإنجيل يحوى أساطير لم تحدث فعلا، بل كتبها موسى ليخيف الناس، أو أفكار دينية تنادى أن الدين هو مجرد سلوك خلقى وأداب إجتماعية، ولا داعى للإيمان بالله ولا للفداء، ولا حاجة لنا لذكر المعجزات ولا الصليب. ويقدمون المسيحية فى ألفاظ منمقة وعبارات ناعمة خلاصتها عزل الإله المحب عن شعبه، وما هذا إلا إلحاد مستتر. وإذا إختفت صورة الإله المحب عن عيوننا فإننا سنعانى بالتأكيد من آلام فظيعة، هذا هو الويل الأول. فمن دون الله لن يتحمل إنسان آلام هذا العالم. بمعزل عن الله قد يندفع الإنسان إلى الإنتحار، وهذا ما يريده إبليس تماما... ألم يأتوا للمسيح بإنسان يدفعه الشيطان إلى إلقاء نفسه فى النار. وقال رب المجد عن الشيطان أنه كان قتالا للناس منذ البدء (يو44:8).

إن عمل الروح القدس فى المؤمن هو التعزية (يو26:15) "متى جاء الروح القدس المعزى"، ومن ثمار الروح "الصبر وطول الأناة والفرح والسلام".

لذلك فمن يعزل نفسه عن الله يحرم من هذه الثمار فيتألم ألما فظيعا مع كل مضايقة تأتيه من الخارج. وهكذا نرى الشيطان يعزل أولاد الله عن إلههم ثم يهاجمهم فلا يجدوا سندا لهم فى هذه الضيقات إذ سبق إبليس وعزلهم عن الله.

فإظلمت الشمس = لقد إنحجبت رؤية المسيح شمس البر عن هؤلاء الذين عزلوا أنفسهم بقبولهم لهذه الأفكار الشيطانية، وإنحجب عنهم نور المعرفة السماوية وسادهم حيرة وقلق. وذلك لأن الناس أحبوا الظلمة أكثر من النور لأن أعمالهم كانت شريرة.

من الدخان خرج جراد = الجراد يتلف كل شىء، هو يعلن الحرب على كل شىء أخضر ويترك وراءه كل شىء خربا. وهذه الأفكار والمبادىء المضلة التى ستملأ الأرض فى تلك الأيام ستدمر حياة الناس (يؤ2:2-4). البداية أن الإنسان أراد أن يشعر بنفسه مستقلا عن الله فى كبرياء وإعجاب بالذات، ولما أطلق الشيطان قدم للناس أفكار وفلسفات كلها إحساس وإعجاب بالذات مثل "إن كان هناك إله، فكيف أطيق أن لا أكون إلها" وهم عزلوا هذا الإله حتى لا يتحكم فيهم بحسب فكرهم فقالوا "لقد حكمنا على الله بالموت وأقمنا الكنائس قبورا له" و"أبانا الذى فى السموات إبق هناك".

وكل هذا لشعورهم أن الله يتحكم فيهم فقالوا "إن الله جالس فى برج عاجى ويتحكم فينا بوصاياه دون أن يشعر بإحتياجنا".

إذا هم عزلوا الله عن حياتهم... فهل وهبهم هذا السلام؟!

 

قصة حوار

تقابل إنسان مؤمن مع إنسانة غير مؤمنة، شيوعية، وكان ذلك فى موسكو خلال شهور الصيف، حيث كانت الحدائق آية فى الروعة والجمال.

وكانا فى حوارها الدائم حول الله تكرر هذه الإنسانة الغير مؤمنة بالله، أنه لا يوجد إله، ولا توجد حياة بعد الموت. وكان إذا أكد المؤمن إيمانه بذلك تتهمه بالجنون وبانه إنسان غير سوى وغير طبيعى، وأنه حين يموت سيفاجأ بأن كل ما تصوره على الأرض إنما كان وهما، فلن يجد إلها ولا مسيحا، بل ستكون نهايته فى بطن الدود. وكان يرد أنه إن لم أجد الله بعد موتى فلن أخسر شيئا، لكن ماذا عنك أنت، ماذا لو وجدت الله بعد موتك، حينئذ ستكون عقوبتك شديدة بسبب كل ما قلتيه عنه.

وفى يوم جلسا فى إحدى الحدائق وأخذ هو يعبر عن إنبهاره بهذا الجمال، فقالت هى وماذا ترى من جمال فى هذا.. أنا لا أرى فى هذه الحدائق سوى الموت، فبعد شهور يأتى الثلج ويموت كل شىء ! فسألها سؤالا مفاجئا... إذ كان يعرف أن لها إبنة تحبها لدرجة العبادة. وكان سؤاله...

ماذا تفعلين لو ماتت إبنتك فصرخت بشكل هستيرى حتى لا يكرر السؤال، وبعد أن هدأت كرر السؤال وكررت الصراخ الهستيرى. وأمام إصراره قالت لو ماتت إبنتى سأنتحر، إذ لا أقوى على الحياة بدونها وكان رده... وهذا هو الفرق بينى وبينك... بينى أنا الإنسان المؤمن وبينك كإنسانة غير مؤمنة، فأنا بإيمانى أرى الحياة من خلال الموت، فإذا مات أحد أحبائى سأحزن ولكن ليس لدرجة الإنتحار، فعندى رجاء أننى سأراه ثانية فى السماء. وأما أنت فبسبب عدم إيمانك فأنت ترين الموت من خلال الحياة، لذلك فأنت لا تستطيعين أن تفرحى بجمال الطبيعة حولك، بل تتوقعين موتها، فأنت غير قادرة على أن تتمتعى بالحياة والجمال من حولك ولا بهذه الحدائق الجميلة والسبب أن فكرة الموت تعذبك وتسيطر عليك لأن إيمانك أنه لا حياة بعد الموت... لذلك تفكرين فى الإنتحار.

فمن هو الأسعد حالا يا ترى انا أم أنت. وبفرض أنه لا يوجد إله ولا حياة أخرى حقيقية، فمن هو الأسعد حالا. هل أعطاك عدم إيمانك حلا لمشاكلك، هل أعطاك السعادة... الواضح أنه زاد غمك وحزنك.وبعد هذا الحوار إمتنعت عن الحديث فى العقائد والدين.

فهؤلاء الملحدون حكموا على أنفسهم بالعدم، وهو فكر يعذب الإنسان، فمن لم يختبر المسيح يعيش فى عذاب هذه الأفكار، بل إن سارتر والبيركامى كانوا يرددون ان هذا الوجود لا فائدة منه، وهذه الحياة لا تستحق سوى الإنتحار. ولعل حادثة الإنتحار الجماعى فى جويانا، إذ قد إنتحر 900 شخص دفعوا للإنتحار من قائد مجنون يسمى الأب جونز، هى تأكيد أن رفض المسيح، وعدم معرفة الله سببا حالة من الفراغ الروحى، وعدم الحصول على تعزية إلهية وبالتالى كان هذا الفراغ الروحى سببا فى آلام فظيعة تدفع للجنون. وهذا تأكيد لما قيل هنا أن الناس ستطلب الموت ولا تجده إذا البوق الخامس وهو الويل الأول، هو بداية إطلاق الشيطان، وستكون حربه ضد البشر حربا فكرية وضلالات تعزل الإنسان عن الله، ثم ينفرد إبليس بهذا الإنسان ليعذبه. ولن يجد هذا الإنسان راحة سوى فى رجوعه لله. وهذا ما دفع سارتر أبو الفلسفة الوجودية إلى أن يطلب كاهنا للإعتراف قبل أن يموت، وحينما سمعت صديقته سيمون دى بوقوار أنه طلب كاهنا قالت " لقد جن، إنه بهذا يهدم كل فلسفته التى بناها.

ولكنه كان صادقا مع نفسه فى نهاية حياته، وأعلن أنه لم يجد راحة إلا فى المسيح. وكان هذا عكس فيلسوف فرنسى آخر قبل سارتر بعشرات السنين ظل يحارب المسيح كل عمره، ولما دنت ساعته قال "أخيرا إنتصرت أيها المصلوب" كما لعقارب = هى لذعات الآلام النفسية لمن شعر أنه بلا تعزية سماوية ولكن شكرا لله، فهذه الآلام لا تصيب المؤمنين ولا تضرهم. بسبب تعزيات الروح القدس لهم. ففى (رؤ1:7-3) نجد أن الملائكة لم تترك الرياح تهب (هى هذه الضربات) قبل أن يتم ختم عبيد الله (والختم هو حلول الروح فينا) فهناك إذا تعزيات لأولاد الله وسط ضيقات هذا العالم تجعلهم قادرين على الإحتمال. ولاحظ الرمز فى سفر الرؤيا فالجراد يأكل الخضرة، لكن هنا نجده يضر كل شىء إلا الخضرة سواء عشب أو شجرة. إذا هو ليس جراد حقيقى بل هى أفكار فلسفية تدمر حياة الناس لكنها لا تصيب أولاد الله لأن الروح القدس يعلمهم كل شىء..(يو26:1) لذلك سيرفضوا هذه الأفكار. إذن الجراد ينتصر على من ليس لهم ختم الله على جباههم.

عشب الأرض = هم المؤمنين المبتدئين، فحتى هؤلاء يهتم الله بهم أولا. فهو لا يقصف قصبة مرضوضة ولا يطفىء فتيلة مدخنة.

ولا شيئا أخضر = هم المتقدمين فى الإيمان نسبيا.

ولا شجرة = هم أصحاب القامات العالية فى الإيمان هم القديسون وكل هؤلا لهم الروح القدس = ختم الله على جباههم. وهو يعطيهم:

1.     تعليما صحيحا به يرفضون كل الآراء المضللة.

2.     تعزيات وسط الضيقات التى فى العالم.

إذا هو سر ما فيهم من خضرة وحيوية، وأنهم لم يذبلوا وسط ضيقات هذا العالم. فالروح القدس هو الماء الذى يروى جذور هذه الأشجار والنباتات أى المؤمنين فلا يموتوا. وهو الندى المتساقط على أوراقها فلا تتأذى من حر الشمس (أى ضيق التجارب).

لا يقتلهم بل يتعذبوا = هذه الضربات لا تقتل بل تعذب النفس، فهى ليست حربا حقيقية بين جيوش وبأسلحة. بل هى ضيقات شديدة بلا تعزية كحر الشمس حين يقع على نبات بلا ماء يرطبه فيصفر ويذبل. وهذه الضربة ضربة البوق الخامس مختلفة عن ضربة البوق السادس الذى نرى فيه حروبا مميتة ودما يسيل وثلث الناس يموتون (لاحظ أن ضحايا الحرب العالمية الثانية 50 مليونا).

خمسة أشهر = هى عمر الجراد، أى أن هذه الضربة لها زمن محدد وستنتهى بعده. وهذا ما رأيناه فى سقوط الشيوعية، وما ظهر لكل العالم عن فشل هذه النظرية، بل هى تركت دولها فى فقر لا مثيل له. وخمسة أشهر هى 150 يوما كأيام الطوفان، الذى أعقبه حياة جديدة لأولاد الله. ونحن ننتظر حياة جديدة بعد نهاية هذا العالم.

كعذاب عقرب إذا لدغ إنسانا = عذاب مستمر وأنين مستمر، وهذا ما نراه من إستمرار شكوى غير المؤمنين من كل شىء، إذ لا يجدون ما يعزيهم.

سيطلب الناس الموت ولا يجدونه = هذا يحدث حينما تتبدد أمال الإنسان وأمانيه ويكون إنسانا بلا تعزية فيهرب الموت منه. وليس المعنى أن لن يكون موت فى تلك الأيام، بل سيشتهى الناس الموت فى يأس من هذه الحياة من الغلاء والأمراض الفتاكة والإنفجار السكانى والظروف المناخية السيئة والظلم الإجتماعى وإنعدام فرص العمل والسكن.

ولاحظ فهؤلاء لا يؤمنون بآن هناك حياة أخرى بعد الموُت، وهم مرعوبين من فكرة الموت. إذا هم بلا أمل فى الحياة، وبلا أمل فى حياة أخرى بعد الموت. وكيف يحتمل بشر كل هذا إن لم يكن له ختم الله على جبهتة ؟ أى مملوء من الروح القدس الذى يعطى العزاء والصبر والإحتمال، وهنا نرى أن الله لايسمح بموتهم لعلهم يتوبون ويرجعون كما رجع سارتر.

شبه خيل مهيأة للحرب = كانت الخيل هى أداة الحرب فى تلك الأزمنة. ونحن أمام حرب يشنها الشيطان ضد الإنسان ليخربه عقليا وروحيا ونفسيا.

وعلى رؤوسها كأكاليل = لم يقل أكاليل بل كأكاليل، فهى توهم الناس بالنصرة، هى مخادعة تبدو فى صورة ملوك لها أكاليل ذهبية، تصنع لنفسها هالة من العظمة لتسيطر على عقول وقلوب البشر، وتصير الإنسان عبدا لها، والناس ينخدعون كما إنخدع مئات الملايين بهذه الفلسفات وظنوا أن فيها الخلاص من الظلم الإجتماعى. "قال ماركس أن المقهورين والمظلومين قد إخترعوا فكرة الله حتى يسكنوا آلامهم الناشئة من الظلم الواقع عليهم. ولكن حين تطبق نظريتى ستنتهى تماما فكرة وجود الله دون حاجة لمقاومة للكنيسة أو إضطهاد لها. ولكن كان هذا عكس ما فعلته الشيوعية إذ نشرت النظرية بإضطهاد الكنيسة وقتل المسيحيين".

شعر كشعر النساء = شعر النساء علامة جمالهن،أى أن هذه الفلسفات لها منظر يبدو جميلا، ولها منظر الحنان فالفلسفات الإلحادية الماركسية إدعت أنها تتعاطف مع الفقراء وأنها تهتم بإزالة أوجاعهم والظلم الواقع عليهم. أسنانها كأسنان الأسود = مع أن لها منظر جميل ومنظر فيه حنان لكنها تخفى فى باطنها وحشية، وهى مفترسة تجذب بنعومتها لكى تفترس:

1.     من رفض إتباع النظرية وإستمر فى إيمانه إضطهدوه وقتلوا الكثيرين.

2.     من ساروا وراءهم تركته نظريتهم الإلحادية محطما بلا رجاء فى حياة هنا أو فى الأبدية. فهم ينكرون وجود أبدية.

لها دروع كدروع من حديد = مرة ثانية لم يقل دروع بل كدروع، فهى ليست قوية بالفعل، بل تبدو هكذا [ قيل عن دول الشيوعية أنها دول الستار الحديدى ثم إنهار كل شىء فجأه ]. الحقيقة أن أولاد الله والكنيسة قادرون على الصمود أمامها، ورأيت بعينى المسيحية فى روسيا والكتلة الشيوعية كأقوى ما يمكن أن تكون عليه المسيحية، وكان ذلك فى بداية السبعينيات من القرن الماضى، أى فى قمة إزدهار الشيوعية، ومرت الأيام وإنتهت الشيوعية التى كان لها كدروع  من حديد وإنتصرت المسيحية،  " فهو خرج غالبا ولكى يغلب ".

 وجوهها كوجوه الناس = لها مظهر التعقل والحكمة، هى ضربة عقلانية، والناس الذين يستخدمهم إبليس يعملان على نشر هذه المبادىء على أنها أمل الإنسان فى نظام إجتماعى بلا ظلم، وعدل إجتماعى يسود الناس، حينما يستغنون عن وجود الله وسطهم. صوت أجنحتها = لقد شنوا حربا على الكنيسة وعلى المؤمنين وحاولوا أن يغرقوا العالم كله بفلسفتهم الشيطانية.

لها أذناب كشبه العقارب = إيذاؤها فى أذنابها، أى فى آخر الأمر من يسلك فى طريقها ويصدقه تكون آخرته الموت، أى يحيا فى عذاب كلدغة العقرب ثم ينتهى به الأمر للموت الأبدى.

لها ملاك الهاوية = هو الشيطان ملكا عليها = هم يأتمرون بأمره. إسمه بالعبرانية وباليونانية = هذه الفلسفات تسود على اليهود وعلى الأمم على السواء، فالشيطان يعمل بكل قوته ليهلك الجميع وكثير من هؤلاء الفلاسفة كانوا يهودا. أبدون وأبوليون = معناهما المهلك.

إذا الويل الأول هو حرب فكرية يطلق فيها الشيطان لكن فى حدود حرب فكرية ضد البشر. أما الويل الثانى فهو حروب فعلية يهلك فيها الملايين، وفيها يطلق الشيطان لإثارة الملوك والرؤساء  وفى نهايتها ينطلق ضد المسيح وتقوم فى أيامه حروبا رهيبة. وسيكون ضد المسيح هذا تجسيما للشيطان نفسه.

 

الآيات 13-21 " ثم بوق الملاك السادس فسمعت صوتا واحدا من اربعة قرون مذبح الذهب الذي امام الله. قائلا للملاك السادس الذي معه البوق فك الاربعة الملائكة المقيدين عند النهر العظيم الفرات. فانفك الاربعة الملائكة المعدون للساعة و اليوم و الشهر و السنة لكي يقتلوا ثلث الناس. و عدد جيوش الفرسان مئتا الف الف و انا سمعت عددهم. و هكذا رايت الخيل في الرؤيا و الجالسين عليها لهم دروع نارية و اسمانجونية و كبريتية و رؤوس الخيل كرؤوس الاسود و من افواهها يخرج نار و دخان و كبريت. من هذه الثلاثة قتل ثلث الناس من النار و الدخان و الكبريت الخارجة من افواهها. فان سلطانها هو في افواهها و في اذنابها لان اذنابها شبه الحيات و لها رؤوس و بها تضر. و اما بقية الناس الذين لم يقتلوا بهذه الضربات فلم يتوبوا عن اعمال ايديهم حتى لا يسجدوا للشياطين و اصنام الذهب. و الفضة و النحاس و الحجر و الخشب التي لا تستطيع ان تبصر و لا تسمع و لا تمشي. و لا تابوا عن قتلهم و لا عن سحرهم و لا عن زناهم و لا عن سرقتهم".

البوق السادس (الويل الثانى)

نرى هنا رقم 4 يتردد كثيرا (أربعة قرون المذبح + الأربعة ملائكة المقيدين + الأربعة ملائكة المعدون للساعة) ورقم 4 يشير لكل العالم وللعمومية، فهى إذا حرب عالمية ستشمل كل العالم ولكنها بسماح من الله. فالله هو الذى يحرك الملائكة، والملائكة يسمحون بما يسمح به الله، مهم جدا أن نفهم أن الشيطان ليس حرا حرية مطلقة (راجع قصة ايوب أى12:1 + 6:2)

مذبح الذهب = إشارة للمسيح شفيعنا عند الآب. اربعة قرون المذبح = أى شفاعته قوية، فالقرن رمز القوة عند رعاة الأغنام. ورقم 4 هنا يشير إلى أن شفاعة المسيح تشمل كل العالم، أى كل من يؤمن به فى كل العالم.

فمع شدة الضربات إلا أننا نرى أن كل من يرجع ويتوب يجد الأحضان الإلهية مفتوحة له. ولكن السيد المسيح الذى يشفع فى البشر هو نفسه الذى تصدر منه الأوامر بالضربات، فلقد رآه يوحنا متمنطقا عند ثدييه بمنطقة من ذهب، وهذه ملابس القضاه (رؤ13:1) هو الديان (يو27:5).

الذى أمام الله = فالمسيح هو شفيعنا والوسيط الوحيد كشفيع كفارى لنا لدى الآب.

النهر العظيم الفرات = ربما يعنى هذا أن مركز الحرب العالمية هذه يكون فى أرض العراق، أو حول نهر الفرات عموما، ولكن المعنى الروحى أن نهر الفرات كان يروى مملكة بابل. وبابل رمز الخطية والتمرد على الله فى الكتاب المقدس ويكون المعنى أن هذه الحرب بسبب الشر الذى فى العالم. ولنفهم ان هناك عريسين وعروستين فى الكتاب المقدس. العروس الأولى هى الكنيسة وعريسها هو المسيح. والثانية هى بابل مملكة الشر والتعدى على الله وعريسها هو الشيطان المعدون للساعة واليوم = إذا لا شىء يحدث بالصدفة، بل أن كل شىء معد من قبل الله ضابط الكل. فلماذا الخوف ونحن فى يد إله قدير يعلم كل شىء وقد أخبرنا منذ آلاف السنين عما سيحدث، إذا هو قادر أن يحمينا

يقتل ثلث الناس = أى عدد عظيم سيهلك فى هذه الحرب. فالآلات الحربية فى هذه الأيام صارت مهلكة. ويقتل الثلث لعل الثلثين يستيقظوا ويتوبوا.

مئتا مئتا ألف وأنا سمعت عددهم = هى إذا حرب عالمية يشترك فيها جيوش كثيرة. ولكن كون يوحنا يقول أنه سمع عددهم فلربما يكون هذا الرقم له معنى فى تلك الأيام. ولربما نسمع فى تلك الأيام فعلا أن عدد الجيوش المتحاربة هو 200 مليون جندى، وحينما نسمع هذا الرقم يكون هذا علامة على إقتراب ظهور ضد المسيح.

الخيل فى الرؤيا.... دروع إسما نجونية وكبريتية ونارية = هذا تعبير عن آلات الحرب الرهيبة التى تطلق نيرانا مدمرة (المدافع) ولها دروع إسما نجونية. والإسمانجونى هو لون السماء. ولعل هذا تعبيرا عن الصواريخ والطائرات المدمرة والتى تلقى نيرانا = كبريتية ولكن كيف يعبر يوحنا عن هذه الآلات الحربية من 2000 سنة؟

هو إستخدم الألفاظ السائدة فى عصره، إذ كانت آلة الحرب وسلاح الحرب فى أيامه هى الخيل  ومن فتكها شبهها برؤوس الأسود.

سلطانها هو فى افواهها = من فوهة المدفع تخرج النيران والكبريت المدمر.

وفى أذنابها = القنابل المدمرة فى بطن الطائرات لذلك شبه أذنابها بالحيات المهلكة.

ولها رؤوس وبها تضر = فالصواريخ الآن تحمل رؤوسا مدمرة (نووية وكيماوية وجرثومية) تضر وتقتل.

وهدف الله من هذه الضربات أن يتوب الناس، ولكن للأسف فهم لم يتوبوا، لذلك هم شابهوا فرعون وشعب المصريين الذين إذ اصابتهم الضربات لم يتوبوا ولم يطلقوا شعب إسرائيل. وهذا ما يسمى بعناد مصر أو خطية مصر "تدعى روحيا سدوم ومصر" (رؤ8:11) أى أن خطيتهم فى ذلك الزمان هى نفس خطية مصر أى العناد مع الضربات وعدم تقديم توبة.

يسجدون للشياطين = والآن نرى الكثيرين يتعبدون للمال والمادة، والملذات الشهوانية. فالشيوعيون يتعبدون للمادة والوجوديون يتعبدون للذات الإنسانية. وعموما فكثيرون يتعبدون للمال والجنس. وهذا هو الإلحاد المعاصر. لم يعد أحد يتعبد لأوثان، ولكن الشيطان وراء الصراع والتعبد للمال وتجارة الجنس فى كل العالم.

أصنام الذهب والفضة والنحاس = أى المادة وبالذات المال.

أصنام الحجر والخشب = ربما تشير للإعتناء المبالغ فيه بزينة المنازل وتعظم المعيشة، وإهمال بيوت الله، كما عاتب على فم حجى النبى شعبه فى القديم قائلا "هل الوقت لكم أن تسكنوا فى بيوتكم المغشاة وهذا البيت خراب (البيت هو هيكل الله)" (حج4:1).

التى لا تستطيع أن تبصر = عجبا على من يتصور أن المال او القوة البشرية أو أى خطية قادرة أن تسعده أو تخلصه من ضيقته.

ولا عن سحرهم = تشمل كل من يتعامل مع الأحجبة والتعاويذ وقارئى البخت وما يقال له الطالع وحظك اليوم، وقراءة الفنجان والكف.... الخ أو من يتعامل مع الأعمال أو من يفك الأعمال.

المؤمن لا يعرف حلا لمشاكله سوى اللجوء لله وللكنيسة التى وضع الله فيها سبعة أسرار محيية.

ونلاحظ أنه فى أيام ضد المسيح سيخدع هذا الشخص قلوب البسطاء بأعمال سحر عجيبة (راجع رؤ13) فينجذبون له. إذا علينا من الآن أن نلتصق بالله وبالكنيسة ولا نصدق أى أعمال شيطانية  بل لا نصدق ولا نجرى وراء الخوارق التى لم تعلن الكنيسة أنها معجزات حقيقية من قبل الله.


 

الإصحاح العاشر

هنا نسمع عن الرعود السبعة التى تكلمت ولم نعرف ماذا قالت، فالله منع يوحنا من أن يذكر أو يسجل ما قالته هذه الرعود. ولأنها رعود فهى تشير لأخبار مزعجة وضربات مؤلمة توجه للناس فى نهاية الأيام، وهدف الله من الضربات دائما هو أن يتوب الناس. وحتى لا يضطرب أولاد الله من هذه الأخبار نرى المسيح فى صورة ملاك قوى واضعا رجله اليمنى على البحر واليسرى على الأرض، أى أنه مسيطر تماما على الأحداث فهو ضابط الكل. بل هو مزمع أن يطهر البحر والأرض من إبليس وأتباعه، فنحن سوف نرى فى (رؤ1:13) أن هناك وحش طالع من البحر. وفى (رؤ11:13) نرى وحشا آخر طالع من الأرض والمسيح الملاك القوى مزمع أن يسحق كليهما برجليه اللتين كعمودى نار.

وليس من حق أحد أن يتصور ما قالته الرعود السبعة، فالله لا يريد إعلان ما قالته. ولكن لماذا أعلن ذلك ليوحنا؟

يوحنا هو الأكثر حبا للمسيح، والمحبة قادرة أن تكتشف ما لا يكشف لمن محبته قليلة. لذلك كان يوحنا هو أول من عرف المسيح (يو7:21). وبنفس المفهوم ففى حادثة إحراق سدوم وعمورة لم يخفى الرب شيئا عن إبراهيم. ولاحظ أن محبة يوحنا دفعته أن يتبع المسيح حتى الصليب، لذلك لم يحتاج يوحنا أن يقول له السيد المسيح إتبعنى كما قال لبطرس (يو20،19:21).

والله لم يكشف ما قالته الرعود لنا حرصا علينا من الخوف والذعر، أما يوحنا الحبيب الذى يتبع يسوع شاعرا بمحبة يسوع العجيبة له، وهو قلبه مشتعل بمحبة يسوع فلن يخاف ولن يضطرب بسبب هذه الأخبار المزعجة. بل هو مستعد بسبب محبته أن يقبل من يد المسيح أى شىء مهما كان واثقا فى حبيبه المسيح أنه صانع خيرات، لا يصنع سوى الخير، شاعرا بأمان فى يدى يسوع ضابط الكل، أما ناقصى المحبة فهم لن يحتملوا سماع الأخبار المزعجة.

قالت مريضة بمرض خطير لأب إعترافها فى شهر مارس أنها ستموت يوم 16 أكتوبر (وخبر الموت لمعظم الناس هو رعد كالرعود السبعة). ولما سألها كيف عرفت هذا. قالت له لقد أخبرتنى العذراء بأن آلامى ستنتهى فى هذا اليوم. فأراد الاب الكاهن أن يطمئنها فقال لها إذا ستشفى من آلامك فى هذا اليوم وكان رد المرأة التى أحبت الله " يا أبونا إنت فاكر إن أنا خايفة من الموت، أنا منتظرة هذا اليوم بفارغ صبر، فإذا كنت بأفرح هنا بهذا المقدار فكم وكم سيكون فرحى فى السما، عموما فالراحة من الألم ليس معناها أن أعيش على الأرض ثانية بل أن أذهب للسماء".

ومعنى هذا الرد أن الحب الذى فى قلبها لله جعلها لا تخاف من الرعود السبعة أى خبر الموت لأنها شاعرة أنها فى يدى من تحبه سواء على الأرض أم فى السماء، سواء فى حياة أم فى موت، فى مرض أم فى صحة. لمثل هؤلاء يعلن الله ما تقوله الرعود السبعة، أما لقليلى المحبة فلا يعلن لهم فهم لن يحتملوا.

ولأن هذه الأخبار ستجرى فى الأيام الأخيرة لهذه الأرض، ولأنه فى أيام البوق السادس سيكون المتبقى لهذا العالم هو فترة قصيرة جدا لينتهى نسمع عن السفر الصغير الذى يحوى مقاصد الله نحو العالم فى نهاية الأيام.

ولأن قلب يوحنا مملوء حبا للمسيح وجد حينما أكل هذا السفر أنه كان حلوا فى فمه فمقاصد الله دائما حلوة، وكل ما يعمله هو للخير، ولكن يوحنا شعر بان جوفه صار مرا، وهذه المرارة سببها:

1.     تأثره بسبب ما عرفه من آلام ستحدث للناس.

2.     حزنه بسبب ما عرفه عن خطايا الناس وعنادهم فى تلك الأيام.

 

آية 1 " ثم رايت ملاكا اخر قويا نازلا من السماء متسربلا بسحابة و على راسه قوس قزح و وجهه كالشمس و رجلاه كعمودي نار".

 ملاكا:- ملاك معناها رسول أو مرسل، ولطالما أطلق الكتاب المقدس على المسيح "ملاك العهد" والمسيح كان يقول "الآب الذى أرسلنى" (يو30:5) وهنا نفهم أن رسالته لنا نحن المؤمنين "لا تخافوا فانا ضابط الكل".

قويا = فمهما كانت قوة الأشرار فهو الأقوى فلماذا الخوف.

نازل من السماء = فهو السماوى الذى أتى إلينا على الأرض، وصعد للسماء ليعد لنا مكانا. إذا فمكاننا معه فى السماء، فلماذا لا نحتمل بعض الآلام التى يسمح بها خصوصا أن ما تبقى من أيام على الأرض قليل.

متسربل بسحابة = لأننا لا نستطيع أن نعاين مجده، فالآن إذ نحن مازلنا فى الجسد، لا نرى مجده. ودائما نرى أن السحاب يلازم حضورمجد الرب (راجع خر35،34:40) + (1مل11،10:8) + (أع9:1) + (مت30:24).

وعلى رأسه قوس قزح = قوس قزح كان علامة أن الله يريد ألا يهلك الإنسان. والمعنى هنا أن الله يعلن أن هذا مازال فكره، فهو يريد أن الجميع يخلصون... وتكون لهم حياة ابدية.

ووجهه كالشمس = هذا ما رآه يوحنا فى (رؤ16:1) والمسيح هو نور من نور.

ورجلاه كعمودى نار = يدك بهما أعداؤه، وبهما ندك نحن العثرات، وكلما تلاشت محبة الخطية فينا نلتهب بمحبته.

 

آية 2 "و معه في يده سفر صغير مفتوح فوضع رجله اليمنى على البحر و اليسرى على الارض".

سفر صغير = لأن نهاية الأيام قد إقتربت والدينونة قد إقتربت. وهذا السفر فيه أحكام وإعلانات وأخبار ستحدث فى نهاية الأيام وهذا السفر ليس كالسفر المختوم من داخل ومن وراء. فهذا يعنى أنه مملوء أحداثا، فهو تاريخ الكنيسة منذ نشأتها، أما هذا فسفر صغير.

مفتوح = وليس مختوم رؤ1:5 فالأمور أصبحت واضحة لأولاد الله الذين سيفهمون تماما فى هذه الأيام مقاصد الله وخطة الله، هؤلا قال عنهم دانيال "والفاهمون يضيئون"  (دا3:12).

 

آية 3،4 "و صرخ بصوت عظيم كما يزمجر الاسد و بعدما صرخ تكلمت الرعود السبعة باصواتها. و بعدما تكلمت الرعود السبعة باصواتها كنت مزمعا ان اكتب فسمعت صوتا من السماء قائلا لي اختم على ما تكلمت به الرعود السبعة و لا تكتبه".

 صرخ بصوت عظيم = هى صرخة إنذار أخيرة لهؤلاء الذين لا يريدون أن يرتدعوا، وهذه تعنى قداسة الله التى لا تقبل الخطية، وتشير لحب الله الذى لا يريد هلاك البشر. وها هو يسمح بآلام تعلنها هذه الرعود السبعة لعل الناس تتوب.

 

آية 5 "و الملاك الذي رايته واقفا على البحر و على الارض رفع يده الى السماء".

 رفع يده = هى صورة القسم وفى هذا إشارة لخطورة ما يعلنه وهو نهاية الأيام، ونهاية الشر، ونهاية الصراع بين الكنيسة وقوى الشر، وإنتهاء فرص التوبة، وخضوع كل الخليقة لله.

 

آية 6 " و اقسم بالحي الى ابد الابدين الذي خلق السماء و ما فيها و الارض و ما فيها و البحر و ما فيه ان لا يكون زمان بعد".

 أن لا يكون زمان بعد = هذه تعنى إما أن أيام الأرض إنتهت والدينونة ستبدأ أو أن الأحداث التى فى السفر الصغير ستحدث سريعا دون أن يطيل الله أناته على البشر.

 

آية 7 " بل في ايام صوت الملاك السابع متى ازمع ان يبوق يتم ايضا سر الله كما بشر عبيده الانبياء".

البوق السابع يعلن نهاية الأيام ونهاية دولة الشر والدجال.

 

آية 8 " و الصوت الذي كنت قد سمعته من السماء كلمني ايضا و قال اذهب خذ السفر الصغير المفتوح في يد الملاك الواقف على البحر و على الارض".

 هو صوت ملاك كان يرافق يوحنا.

 

آية 9 " فذهبت الى الملاك قائلا له اعطني السفر الصغير فقال لي خذه و كله فسيجعل جوفك مرا و لكنه في فمك يكون حلوا كالعسل".

 كله = أى يدرك ويستوعب ويعرف ما فيه ليعلنه للبشر.

 

آية 10 " فاخذت السفر الصغير من يد الملاك و اكلته فكان في فمي حلوا كالعسل و بعدما اكلته صار جوفي مرا".

 فكان فى فمى حلوا كالعسل = كلمة الله حلوة ومقاصده دائما حلوة فهو صانع خيرات. وسبق كل من أرمياء وحزقيال وداود أن قالوا نفس الشىء (أر16:15) + (حز1:3-3) + (مز103:119). فكل ما يسمح به الله دائما هو للخير، وهذا هو ما يفهمه كل من يحب الله ويدرك مقاصده. وحتى هذه الآلام التى تحدثت بها الرعود السبعة، أو الموجودة فى السفر الصغير إنما هى لخير البشر، أى هدفها توبتهم.

بعدما أكلته صار جوفى مرا = هناك كما قلنا إحتمالين: الأول هو تأثر يوحنا بما سمعه من آلام ستحدث للبشر، والإحتمال الثانى هو تأثره بعناد الناس وإصرارهم على عدم التوبة (رؤ20:9).

 

آية 11 " فقال لي يجب انك تتنبا ايضا على شعوب و امم و السنة و ملوك كثيرين".

 بعد أن فهم يوحنا ما فى السفر الصغير عليه أن يعلن ما فهمه وما سيحدث فى الأيام الأخيرة. وهذا ما سيفعله فى بقية السفر.


 

الإصحاح الحادى عشر

نسمع هنا فى آية 7 ولأول مرة عن الوحش الصاعد من الهاوية، ثم نعود ونسمع عنه فى إصحاحات 17،13 بالتفصيل. وهذا الوحش هو ما نسميه ضد المسيح، وأسماه بولس الرسول إنسان الخطية (2تس3:2) وهذا الوحش سيقاوم الله، بل يجلس فى هيكل الله كإله مظهرا نفسه أنه إله (2تس4:2) وهذا سيبطله المسيح بمجيئه ويبيده (2تس8:2) وهذا الوحش سيكون مكان عمله أورشليم، وسيخدع الناس ويضطهد الكنيسة إضطهادا مرا. ولكن الله لن يترك نفسه بلا شاهد، بل سيرسل شاهدين هما غالبا إيليا وأخنوخ ليشهدا لله وسيكون مكان خدمتهما فى أورشليم نفسها مركز عمل الوحش.

هنا نجد يوحنا قد بدأ كما أوصاه السيد المسيح يتنبأ على شعوب وأمم وألسنة وملوك كما سمعنا فى (رؤ11:10)هنا بدأ يوحنا يكشف ما سمعه وتذوقه من السفر الصغير.

كان الإسم الأول لمدينة أورشليم (وأورشليم تعنى نور السلام) هو يبوس وتعنى يدوس (أى4:11). وكان هذا وقت أن كانت فى ايدى الأمم (اليبوسيين) سكان الأرض، قبل أن يأتى داود وياخذها منهم. وصارت بعد داود مدينة أورشليم التى ظهر فيها السيد المسيح وأتم فداءه للبشرية  فظهر منها نور السلام.

لكن للأسف ستصبح ثانية مدوسة من الأمم أى ضد المسيح وأتباعه، ويتخذها ضد المسيح مركزا لبث أفكاره الشيطانية. وغالبا فاليهود ذوى الأفكار الضيقة الذين يريدون ان يبنوا لهم هيكلا يقدمون فيه ذبائح حيوانية إنتهى عهدها بمجىء المسيح الذبيحة الحقيقية هؤلاء اليهود هم الذين سيقبلون ضد المسيح على أنه المسيح، فهم مازالوا حتى الآن ينتظرون مجىء المسيح. فإذا أتى هذا بخداعاته الشيطانية سيقبلونه. وهذا ما قاله لهم المسيح بنفسه "إن أتى آخر بإسم نفسه فذلك تقبلونه" (يو43:5). وقد يبنى اليهود لهم هيكلا فى أورشليم يقولون أنه بإسم الرب، ويكون مركزا للوحش. ولن ينخدع وراءه اليهود فقط بل كل المسيحيين الذين يجهلون الكتاب المقدس  (مت23:24) "حينئذ إن قال لكم أحد هوذا المسيح هنا أو هناك فلا تصدقوا" ولكن المسيحيين الحقيقيين لن ينخدعوا بهذا الوحش ولا بخداعاته، حقا سيعانون من الإضطهادات، ولكن الله لن يتركهم بدون معونة، بل سيرسل لهم الشاهدين ليثبتوا إيمانهم ويشددونهم.

 

آية 1 "ثم اعطيت قصبة شبه عصا و وقف الملاك قائلا لي قم و قس هيكل الله و المذبح و الساجدين فيه".

هيكل الله والمذبح والساجدين فيه = هو ليس هيكل اليهود أو هيكل سليمان فى أورشليم، ففى وقت رؤيا يوحنا، كان هذا الهيكل قد تم تخريبه فتيطس هدم هذا الهيكل سنة 70 م ورؤيا يوحنا كانت حوالى سنة 95 م إذا الهيكل المشار إليه هنا فى هذه الآية له مفهوم روحى أو هو كيان روحى. وكلمة هيكل هنا لا تشير للهيكل كله بل لما يقال له البيت أى الجزء المقدس من الهيكل وهذا إشارة للمؤمنين الحقيقيين، فبولس أطلق إسم هيكل الله على المؤمنين (1كو16:3) وكذلك بطرس (1بط5:2). والمذبح هو رمز للصليب الذى قبله المؤمنون بالمسيح، هؤلاء الذين صلبوا أهوائهم مع شهواتهم وقبلوا الإضطهاد لأجل المسيح هؤلاء  المؤمنون الحقيقيون قال عنهم السيد المسيح أنهم الساجدون بالروح والحق (يو23:4).

 قس = القياس معناه الحيازة والإمتلاك، فهؤلاء المؤمنون هم شعب المسيح، هم جسده ولن يتركهم بل يحميهم إذ هم فى يده (يو12،11:17) + (رؤ16:1) + (أش16:49) والقياس معناه أن الله يعرف المؤمنين واحدا واحدا بأسمائهم ويحفظهم.

ويعرف نوعية سجودهم وعبادتهم وهل هى من القلب أم لا.

شبه عصا = أى قصبة قوية وثابتة، والقياس غير مهتز، فالذين يقيسهم يوحنا معروفون لدى الله بأنهم مؤمنين عابدين لا يطلبون ماديات هذا العالم. والله قادر أن يحميهم من ضلالات ضد المسيح.

والقياس عموما يستخدم فى تقسيم الأرض للميراث. وفى هذا قال المرنم "الرب هو نصيب ميراثى. حبال المساحة وقعت لى فى أرض عزيزة، وإن ميراثى لثابت لى" (مزمور 6،5:16). بحسب ترجمة الأجبية أى الترجمة السبعينية " والمرنم يقصد أنه فى التقسيم بالحبال للقياس

(والعصا أثبت من الحبل)، كان الله نصيبه.

ومن هنا نفهم أن قول الله ليوحنا قس هيكل الله أن هؤلاء المؤمنين هم ميراث الله، الذين يفرح بهم الله. وهذا ما قاله بولس الرسول " لتعلموا ما هو رجاء دعوته وما هو غنى مجد ميراثه فى القديسين" (أف18:1) هؤلاء هم نصيب الرب.

 

آية 2 "و اما الدار التي هي خارج الهيكل فاطرحها خارجا و لا تقسها لانها قد اعطيت للامم و سيدوسون المدينة المقدسة اثنين و اربعين شهرا".

 الدار التى هى خارج الهيكل = هذه ترمز لمن ساروا وراء الوحش طالبين ملذات هذا العالم وشهواته. هؤلاء هم الخارجون عن الكنيسة.

لا تقسها = هذه مثل " إذهبوا عنى لا أعرفكم" (مت23:7)  فهم حين رفضوا المسيح الحقيقى لن يعرفهم الرب كأبناء أخصاء له.

فإطرحها خارجا = هذه تعنى رفض السماء لهم.

لأنها قد أعطيت للأمم = كما أطلق الوحى لفظ الهيكل على المؤمنين أطلق لفظ الأمم على المرفوضين. فالأمم قبل المسيحية كانوا مرفوضين من الله لنجاساتهم ووثنيتهم وهؤلاء سيكون لضد المسيح سلطان عليهم ويضللهم بضلالاته، وهم سيتبعونه.

سيدوسون المدينة المقدسة = هذه متفقة مع نبوة المسيح (لو24:21) وهذه تعنى مدة سيادة الدجال على أورشليم وعلى الأمم، ولكنها سيادة مؤقتة محددة بمدة. إثنين وأربعين شهرا = أى 3.5 سنة. وهذه نفس المدة التى عبر عنها دانيال بقوله زمان وزمانين ونصف زمان. والمقصود ب 3.5 سنة أنها نصف رقم 7. ورقم 7 هو رقم كامل، أى أن وضع الدجال أو الوحش وسيادته هو لمدة مؤقتة، وإنتصاره مؤقت (دا7:12) وهذه المدة ال 42 شهرا هى نفس فترة هروب المرأة للبرية كما سيأتى فى (رؤ6:12).

 

آيات 4،3 "و ساعطي لشاهدي فيتنبان الفا و مئتين و ستين يوما لابسين مسوحا. هذان هما الزيتونتان و المنارتان القائمتان امام رب الارض".

 الله لا يترك نفسه بلا شاهد (أع17:14) لذك فالله لن يترك الوحش دون مقاومة، بل سيرسل له فى عقر داره شاهدين، فبحسب الشريعة فالشهادة تكون بفم إثنين والشاهدين هما غالبا إيليا وأخنوخ. فإيليا وأخنوخ لم يموتا بعد بل إختطفا حيين إلى السماء. ونحن نعلم من نبوة ملاخى أن إيليا سيأتى قبل أن يأتى المسيح (ملا5:4). والشاهدين يتنبآن = أى يعظان عن المسيح  

الحقيقى، ويكلمان المؤمنين وغير المؤمنين عما سيأتى من أحداث ويكشفا كذب الوحش.

ألفا ومئتين وستين يوما = ونلاحظ أن مدة ال 42 شهرا هى 1278 او 1279 يوما. وبهذا الفارق بين موت الشاهدين ونهاية الأيام 18 أو 19 يوما.

لابسين مسوحا = كما كان إيليا والأنبياء يفعلون، والمعنى أنهما لن يطلبا أمجاد هذا العالم، بل سيكونوا زاهدين فى أمور هذه الدنيا، ليقاوما ذاك الذى ينصب نفسه ملكا متمتعا بما فى هذا العالم من رفاهية وملذات حسية.

الزيتونتان = راجع (زك11:4-14) حيث تقرأ عن الزيتونتان وهما زربابل ويشوع اللذان قاما ببناء هيكل الرب، وهنا نسمع عن زيتونتان آخريان عملهما الحفاظ على هيكل الرب (رد النفوس الضالة وتثبيت النفوس المؤمنة). وشجرة الزيتون نحصل منها على الزيت رمزالروح القدس، فهذين الشاهدين مملوئين من الروح القدس، وكل كلمة ينطقان بها هى بإرشاد منه، وكذلك كل قوتهما مستمدة منه. كما قيل فى (زك6:4). "لا بالقدرة ولا بالقوة بل بروحى قال رب الجنود". والشاهدين سيدعوا العالم ليعرف المسيح تاركا الوحش ومن يستجيب يؤمن بالمسيح ملك السلام سينعم بالسلام الداخلى.

المنارتان = بوعظهما وتعليمهما وحياتهما والنعمة التى فيهما سيكونان نورا للعالم،يشهدان لله. وهما يستمدان نورهما من زيت النعمة الذى يملأهما، أليسوا هما زيتونتان أى مملوئين من زيت النعمة (كانت الإضاءة فى ذلك الوقت تتم عن طريق منارة مملوءة زيتا ولها فتيل يتم إشعاله).

 

آية 5 "و ان كان احد يريد ان يؤذيهما تخرج نار من فمهما و تاكل اعداءهما و ان كان احد يريد ان يؤذيهما فهكذا لا بد انه يقتل".

هذا ما فعله إيليا قبل ذلك. والمعنى أن الشاهدين سيكون لهما قوة جبارة.

 

آية 6 "هذان لهما السلطان ان يغلقا السماء حتى لا تمطر مطرا في ايام نبوتهما و لهما سلطان على المياه ان يحولاها الى دم و ان يضربا الارض بكل ضربة كلما ارادا".

 نصفها الأول فعله إيليا من قبل والنصف الثانى فعله موسى فى مصر. ولكن بسبب أن فى سلطانهما أن يحولا الماء إلى دم كما فعل موسى، قال البعض أن الشاهدين هما إيليا وموسى وهذا لا يعقل، فموسى مات والكتاب يشهد على موته، فما معنى أن يقوم ليموت ثانية، وبولس الرسول يقول "وضع للناس أن يموتوا مرة" (عب27:9). إذا لا معنى أن يموت موسى مرتين. الأكثر منطقا أن يكون الشاهدين هما إيليا وأخنوخ اللذان لم يموتا حتى الآن، لأنهما متى تمما خدمتهما سيموتا  آية 7. ونلاحظ أن الشاهدين سيكون لهما قوة غير عادية وسيقوما بعمل معجزات غير عادية، فهما أمام قوة شيطانية جبارة، ولابد لمقاومتها من قوة غير عادية يعطيها الله لهما.

 فأولا : الله لا يبقى نفسه بلا شاهد.

وثانيا:  كما يقول بولس الرسول "حيث كثرت الخطية إزدادت النعمة جدا" (رو20:5).

وقد تكون النار التى تخرج من فمهما نارا حقيقية وقد تكون قوة إقناع بفساد الوحش ومن يتبعه. هما سيكون لهما سلطان عظيم فى عقوبة الأشرار حتى يمكن أن يقنعوا البسطاء الجهال. وقد يكون تحويل الماء لدم حقيقى ليعطش الناس فيعودوا لله.

 

آية 7 "و متى تمما شهادتهما فالوحش الصاعد من الهاوية سيصنع معهما حربا و يغلبهما و يقتلهما".

الوحش الصاعد من الهاوية = أى بقوة الشيطان الذى من الهاوية بعد أن تم حله (رؤ3:2). يغلبهما = أى يتمكن من قتلهما بعد أن كانوا هم لهم الغلبة عليه ونلاحظ أن الله سيحفظهما كما حفظ المسيح حتى تمم عمله. وبعد أن تمم المسيح عمله أسلم للصلب، هكذا هذين النبيين سيسلمان للموت بعد أن ينهيا عملهما. وموتهما لا يعنى ضعف الله، وإنما الله بموتهما وقيامتهما أمام الجميع سيعلن قوته بالأكثر ويدين من قتلهما، وهذا ما حدث فى قصة إقامة لعازر، فالمسيح لم يشفه حتى يقيمه من الموت، وتصير قصة إقامته من الموت فيها إعلان عن ألوهية المسيح.

 

آية 8 "و تكون جثتاهما على شارع المدينة العظيمة التي تدعى روحيا سدوم و مصر حيث صلب ربنا ايضا".

 من وحشية الوحش وأتباعه أنهم سيتركون جثتى الشاهدين فى الشارع ليراهما الجميع، ففى هذا إعلان عن قوة الوحش وسيادته وإنتصاره.

على شارع المدينة العظيمة.. حيث صلب ربنا أيضا = إذا هى أورشيلم جغرافيا التى تدعى روحيا سدوم = سدوم ليس إسمها الحقيقى، بل إن الخطية السائدة فيها هى خطية سدوم أى الشذوذ الجنسى. ومن المعروف أن خطية الشذوذ الآن هى خطية منتشرة جدا. ونفهم من (دا37:11) أن ضد المسيح سيكون غالبا من الشواذ جنسيا إذ قيل عنه أنه "لن يبالى بشهوة النساء"

ومصر = خطايا مصر

1.     الكبرياء.

2.     إضطهاد شعب الله وإذلاله.

3.     العناد فى كبرياء مع إزدياد الضربات. فمع كثرة ضربات الله ضدها بيد موسى لم تتب. وخطايا الوحش وأتباعه هى هى نفسها فقد قيل عنه ذلك فى رؤ 21،20:9 وهذا يعنى عدم الإستفادة من الضربات وهو سيضطهد شعب الله فى كبرياء.

 

آيات 10،9 "و ينظر اناس من الشعوب و القبائل و الالسنة و الامم جثتيهما ثلاثة ايام و نصفا و لا يدعون جثتيهما توضعان في قبور. و يشمت بهما الساكنون على الارض و يتهللون و يرسلون هدايا بعضهم لبعض لان هذين النبيين كانا قد عذبا الساكنين على الارض".

الإنسان الخاطىء لا يطيق من ينبهه إلى أخطائه، وهذان النبيان كانا فى شهادتها للحق، يشهدان ضد الخطاة، فكان الخطاة بهذا يتعذبون بعذاب الضمير = عذبا الساكنين على الأرض. لذلك تركوا جثتيهما ليشمت بهما الناس. وعدم دفن الحثث هو نوع من التحقير لهما والشماتة بهما. ولقد قيل عن يهوياقيم ملك يهوذا الشرير أنه يدفن دفن حمار إذ لن يجد من يدفنه (أر19:22).

من الشعوب والقبائل والألسنة والأمم = هذا كان لا يمكن فهمه قبل ظهور التليفزيون والأقمار الصناعية، وهذه تنقل الصورة من أى مكان فى العالم لكل مكان فى العالم. ونلاحظ أن أتباع الوحش سيكونون فى كل مكان فى العالم. وأتباع الوحش سيرتاحون راحة مؤقتة لمدة 3.5 يوم.

 (ومرة ثانية نصادف رقم 3.5 رمزا لأن الراحة مؤقتة). وهذه الراحة إلى حين. ونلاحظ أن مقتل النبيين سيكون فى أورشليم فالسيد المسيح سبق وقال "لا يمكن أن يهلك نبى خارجا عن أورشليم" (لو33:13).

يرسلون هدايا = فهم إستراحوا ممن عذبهم بأخبار الدينونة المزمع أن تقع عليهم إذا آمنوا بالوحش.

 

آيات 12،11 "ثم بعد الثلاثة الايام و النصف دخل فيهما روح حياة من الله فوقفا على ارجلهما و وقع خوف عظيم على الذين كانوا ينظرونهما. و سمعوا صوتا عظيما من السماء قائلا لهما اصعدا الى ههنا فصعدا الى السماء في السحابة و نظرهما اعداؤهما".

 حتى لا تكون قيامتهما محل شك أو أنها بفعل شيطانى، سمح الله بصعودهما إلى السماء أمام الجميع. وبقيامتهما وصعودهما للسماء إنتهت راحة الأشرار المؤقتة بل دخلهم رعب، وتشدد إيمان المؤمنين الذين خارت قواهم إذ رأوا مقتل النبيين. وستكون هذه الأحداث معلنة للجميع = ونظرهما أعداؤهما إذا لن يستطيع أحد الإنكار. 3.5 يوما = وضع مؤقت فلن يظلوا أموات هكذا.

 

آية 13 " و في تلك الساعة حدثت زلزلة عظيمة فسقط عشر المدينة و قتل بالزلزلة اسماء من الناس سبعة الاف و صار الباقون في رعبة و اعطوا مجدا لاله السماء".

 هنا نرى عقوبة فورية للأشرار بزلزلة وموت كثيرين لعل من سار وراء الوحش (ضد المسيح) يفهم حقيقة الأمور ويقدم توبة. ولكن يبدو أن هذا لن يحدث فهم صاروا فى رعبة...

وأعطوا مجدا لإله السماء = أى أنهم نسبوا لإله السماء قوة فيما صنع دون أن يؤمنوا به كإله لهم ينتسبون إليه. هم صاروا يرهبونه لكنهم لا يحبونه. وفهم البعض أن من أعطى مجدا لإله السماء هم بقية اليهود الذين يؤمنون بالمسيح الحقيقى فى نهاية الأيام.

 

آية 14 "الويل الثاني مضى و هوذا الويل الثالث ياتي سريعا".

 الويل الثالث هو البوق السابع (آية 15). وهو إعلان عن نهاية الأيام ونهاية دولة الشر. ودولة الوحش، ونهاية تمرد الأشرار على الله وبدء الدينونة. لذلك هذا الويل الثالث هو ويل أبدى. وبهذا نفهم أن الوحش سيكون ميعاد ظهوره بين البوق السادس والبوق السابع.

 

آية 15 " ثم بوق الملاك السابع فحدثت اصوات عظيمة في السماء قائلة قد صارت ممالك العالم لربنا و مسيحه فسيملك الى ابد الابدين".

البوق السابع = يعلن عن الأحداث الأخيرة الخاصة بمجىء الرب يسوع على السحاب ومجد القديسين معه. ونرى أنه بعد إرتفاع إيليا وأخنوخ للسماء سادت السماء أناشيد الفرح لأن الكل قد خضع للمسيح، إذ كان فى السابق مازال البعض ليس خاضعا له (عب 8:2) بل متمردا عليه مضطهدا لقديسيه.

الآن وضع الأشرار فى بحيرة النار التى يستحقونها وتمجد الأبرار.

 

آية 16 "و الاربعة و العشرون شيخا الجالسون امام الله على عروشهم خروا على وجوههم و سجدوا لله".

 والأربعة والعشرون شيخا = وصحة الترجمة الأربعة والعشرون قسيسا. هؤلاء يسجدون لله شاكرين إحسانه وأنه قد حقق رجاءهم.

 

آية 17 "قائلين نشكرك ايها الرب الاله القادر على كل شيء الكائن و الذي كان و الذي ياتي لانك اخذت قدرتك العظيمة و ملكت".

القادر على كل شىء = هو الضابط الكل الذى أخضع كل أعداءه تحت قدميه.

الكائن = كائن بذاته، لم يوجده أحد، كائن دائما. هو خالق الكل لم يخلقه أحد.

الذى كان = هو الأزلى الذى كان موجودا منذ الأزل وقبل كل خليقة.

والذى ياتى = أى الأبدى وتعنى أنه سيأتى ليدين العالم. وقد نفهم قوله الذى كان  أى الأزلى والذى ياتى = أى يأتى متجسدا إلى العالم وقدأخلى ذاته، ثم يصعد ليجلس عن يمين أبيه، ثم يأتى للدينونة.

لأنك أخذت قدرتك العظيمة وملكت = هذه تساوى جلس عن يمين الآب.

 

آية 18 " و غضبت الامم فاتى غضبك و زمان الاموات ليدانوا و لتعطى الاجرة لعبيدك الانبياء و القديسين و الخائفين اسمك الصغار و الكبار و ليهلك الذين كانوا يهلكون الارض".

 وغضبت الأمم = لطالما تمردت الأمم على الله ورفضوا طاعة وصاياه. قال أحد الفلاسفة "إن الله يجلس فى برج عاجى فى السماء ليعطى وصايا إفعل ولا تفعل" ولم يفهم هذا الفيلسوف أن الوصايا هى لسعادته وفرحه إن التزم بها، فقداسةالإنسان لن تزيد من قداسة الله وشر الإنسان لن ينجس الله. ووصل غضب الأمم وجهلهم أن قال أحد الفلاسفة " إن كان هناك إله حقا فكيف أطيق أن لا أكون إلها ". لقد غضب الأمم (أمم كناية على من يحيوا فى نجاسة وتمرد على الله).على الله ورفضوه، وكان هذا لدينونتهم وخزيهم، يوم يغضب الله = فأتى غضبك ليجازى كل واحد بحسب عمله.

 

آية 19 "و انفتح هيكل الله في السماء و ظهر تابوت عهده في هيكله و حدثت بروق و اصوات و رعود و زلزلة و برد عظيم".

 فى خيمة الإجتماع أو هيكل سليمان كان قدس الأقداس لا يحتوى سوى تابوت العهد الذى يظلله كاروبان رمزا للعرش الإلهى فى السماء. وكان مجد الله يظهر بين الكاروبين (ويسمى الشكينة وبالعربية السكينة فمن يرى هذا المجد الذى يقال أنه كان كنور فسفورى كان يمتلىء سكينة وسلام). وكان من يصرح له بدخول قدس الأقداس هو رئيس الكهنة ولمرة واحدة فى السنة رمزا لأن المسيح دخل السماء أى الأقداس مرة واحدة بجسده كسابق لنا وليعد لنا مكانا أبديا. والآن فالأبرار صار لهم أن يروا الشكينة أى مجد الله. ولملاحظ أن كلمة هيكل هنا وردت بمعنى قدس الأقداس. إذا لقد صار للإنسان أن يرى الله فى مجده ويعيش للأبد، بعد أن كان يقال "لا يرانى الإنسان ويعيش" (خر20:33) وذلك لأن القديسين صار لهم جسد ممجد يرون به الله. أما الجسد القديم فقد قيل عنه "لحما ودما لا يقدران أن يرثا ملكوت الله" (1كو50:15) لقد دخلت الكنيسة إلى بيت الزيجة "إلى العرس الأبدى والفرح الأبدى" (2كو18:3) + (1كو12:13) + (1يو2:3).

إنفتح هيكل الله فى السماء وظهر تابوت عهده = هذه تعنى :-

1.     صار للإنسان أن يعاين مجد الله (الشكينة) للأبد ويحيا ولا يموت ثانية.

2.     هذا يحدث لنا بالجسد الممجد وليس بالجسد الحالى.

3.     تابوت العهد فى قدس الأقداس يشير بأبعاده وطريقة عمل التابوت من خشب مغلف بالذهب أننا دخلنا للسماء، قدس الأقداس، فى المسيح عريسنا. هو إشارة لشركة العروسة (الكنيسة) مع عريسها المسيح، شركة ابدية فى أمجاد السماء.

ويرجى مراجعة تفسير خيمة الإجتماع فى سفر الخروج.

وحدثت بروق وأصوات ورعود وزلزلة وبرد عظيم = وهذه الآية متفقة مع قول السيد المسيح "تأتى ساعة فيها يسمع جميع الذين فى القبور صوته فيخرج الذين فعلوا الصالحات إلى قيامة الحياة والذين عملوا السيئات إلى قيامة الدينونة" (يو29،28:5). فالآن أصبح هناك مكانين، مكان للأبرار ومكان للأشرار والأبرار سيكون لهم بروق = وعود بأمجاد أكثر وأفراح أكثر. وهم سيكون لهم إستجابة على هذا بأصوات = تسابيح وفرح بما حصلوا عليه. أما الأشرار ففى رعبهم سيكون لهم زلزلة = هذا سيكون شعور قلوبهم من الرعب ومن غضب الرب قيل أنهم سيسمعون رعود = أى ويلات. وتم التعبير عن غضب الرب بقوله برد = تعبيرا عن الضربات التى سينالونها. وفى هذا الإصحاح سمعنا بإيجاز عن دور الوحش، وفيما يلى سنسمع عن الوحش بأكثر تفصيل، سنرى قصة الكنيسة وصراع الشيطان معها منذ ولادتها وأن الوحش هو آخر فصول إضطهاد الشيطان للكنيسة، كنيسة المسيح، التى ستخرج منها منتصرة وللأبد.


 

الإصحاح الثانى عشر

نرى هنا صورة للعداء الدائم بين إبليس وبين الكنيسة، والحرب التى يثيرها دائما ضد الكنيسة. ولكنه عدو مهزوم ساقط مطرود من السماء بينما أن الكنيسة سمائية.

هنا نرى الكنيسة مشبهة بإمرأة فهى عروس المسيح. وفى إصحاح 17 نرى إمرأة أخرى أسماها الزانية العظيمة وهذه عروس الشيطان إذا نحن أمام صورتين فى سفر الرؤيا:-

الأولى:- هى الكنيسة كعروس وعريسها المسيح (رؤ1:12 + رؤ2:21).

الثانية:- هى بابل الزانية العظيمة وعريسها الشيطان (رؤ1:17-7).

 

آية 1 "و ظهرت اية عظيمة في السماء امراة متسربلة بالشمس و القمر تحت رجليها و على راسها اكليل من اثني عشر كوكبا".

 إمرأة متسربلة بالشمس والقمر تحت رجليها = هذه الصورة تذكرنا بسفر نشيد الأناشيد، الذى هو حوار بين العريس (المسيح) والعروس (الكنيسة) وفيه يصف العريس عروسه بأنها "جميلة كالقمر طاهرة كالشمس" وهى جميلة لأنها كالقمر، والقمر يعكس نور الشمس، والشمس إشارة للمسيح شمس البر. فكما هو نور للعالم (يو12:8) فهى نور للعالم (مت14:5) هى تستمد جمالها منه، بل هى تعكس جماله. هو سر جمالها. وهى طاهرة كالشمس لأنها متسربلة بالشمس. لا يظهر عريها ولا خطاياها، فهى طالما فى عريسها المسيح لا يظهر منها سواه "قد صالحكم الآن فى جسم بشريته بالموت ليحضركم قديسيين وبلا لوم ولا شكوى أمامه" (كو22،21:1) لقد لبست المسيح (رو14:13).

آية عظيمة فى السماء = فهذه العروس سماوية

1.     تصلى أبانا الذى فى السموات إذا أباها سماوى.

2.     سيرتها فى السماوات (فى 20:3).

3.     عريسها أقامها معه وأجلسها معه فى السماويات (أف6:2). وهى آية، فكيف تكون وهى أرضية. وتحيا فى نفس الوقت فى السماويات. هذا لأن عريسها فى وسطها "ها أنا معكم كل الأيام إلى إنقضاء الدهر" (مت20:28) وبحسب وعده "لأنه حيثما إجتمع إثنان أو ثلاثة بإسمى فهناك أكون فى وسطهم" (مت20:18).  وإذا عريسنا السماوى فى وسطنا فنحن نكون فى السماء.

والإمرأة هى الكنيسة. وهناك من قال أنها العذراء ولا خلاف بين الرأيين، فالعذراء هى أم المسيح، وجسد المسيح هو كنيسته. والكنيسة ليست هى كنيسة العهد الجديد فقط، بل هى كنيسة العهد القديم والعهد الجديد. والمسيح أتى ليجعل الإثنين واحدا (أف14:2). وعلينا أن نفهم أنه ليس هناك دين يهودى ودين مسيحى، فالدين المسيحى هو إمتداد وتكميل للدين اليهودى والمسيح " ما أتى لينقض بل ليكمل " وكنيسة العهد الجديد هى إمتداد لكنيسة العهد القديم. هما جسد واحد بلا إنفصال. المدخل لهذا الجسد هو رقم 12

12= 3     [ (1) المؤمنين بالله مثلث الأقانيم   ] × 4 (كل العالم)

            [ (2) الذين يعمل فيهم الروح القدس الأقنوم الثالث ] هو رقم يشير للعمومية    

            [ (3) الذين لهم قيامة من موت الخطية ]   ويشير لكل العالم.

 

ولذلك نلاحظ أن كنيسة العهد القديم مؤسسة على 12 سبطا. وكنيسة العهد الجديد مؤسسة على 12 تلميذا. وكلاهما جسد واحد تمثله هذه المرأة.

إذا كنيسة العهد الجديد هى إمتداد لكنيسة العهد القديم، ولكن من رفض الإيمان بالمسيح من اليهود خرج من الكنيسة ولم يعد يحسب من شعب الله.

ولاحظ أن الكنيسة مكانها فى السماء، تعيش غريبة على الأرض. والأرض أو العالم شبه بالبحر، فمياهه (ملذاته) مالحة تصيب كل من يشرب منها بالعطش، وأمواج البحر تشبه العالم فى أنه يرفع الإنسان يوما ويخفضه يوما. والعالم مشبه بالبحر، فالإنسان لا يستطيع أن يعيش فى البحر، بل هو سيموت.

متسربلة بالشمس = المسيح هو شمس البر (ملا2:4). وبولس الرسول يقول إلبسوا المسيح  (رو14:13). إذا الكنيسة لها صورة عريسها أى صورة المسيح.

والقمر تحت رجليها = القمر إشارة للقديسيين، فالقمر يعكس نور الشمس، ويستمد ضياؤه من الشمس، وهكذا القديسين هم نور للعالم إذ يعكسون نور المسيح الذى فيهم. وكونهم تحت قدميها فهذا يشير لموت القديسين سواء بإستشهاد أو موت طبيعى فالموت موضوع لكل إنسان (عب27:9).

على رأسها إكليل من إثنى عشر كوكبا = هم المؤمنين بالله فى كل الأزمنة، وهم تاج جهاد الكنيسة دائما، هم يضيئون جبين الكنيسة وينشروا نورها فى كل العالم بإيمانهم وقداستهم. وقد يكونوا هم الأسباط أو تلاميذ السيد المسيح (12) ويمكننا فهم الصورة السابقة تاريخيا. فكون المرأة تلد إبنا ذكرا كما سيأتى فى آية 5. فالإبن الذكر هو المسيح، وتكون المرأة هنا هى كنيسة العهد القديم (الشعب اليهودى). وبعد أن تلد الإبن الذكر لا يعود هناك يهودى وأممى، بل الكل كنيسة واحدة هى القمر. وكون القمر تحت رجلى المرأة فهذا يعنى أنه بعد أن أدت كنيسة العهد القديم دورها وولد منها المسيح جاءت الكنيسة، بمعنى أن الكنيسة تاريخيا تأتى بعد الشعب اليهودى، وهذا تم التعبير عنه بأنها تحت رجلى المرأة.

 

آية2 "و هي حبلى تصرخ متمخضة و متوجعة لتلد".

وهى حبلى = الكنيسة أم ولود، ولكن ولادتها لأبنائها تكون بصعوبة  = تصرخ متمخضة ومتوجعة لتلد = هكذا قال بولس الرسول "يا أولادى الذين أتمخض بكم إلى أن يتصور المسيح فيكم" (غل19:4). وبالنسبة لكنيسة العهد القديم فقد كانت تصرخ لتلد المسيح قائلة ليتك تشق السموات وتنزل (أش1:64) والمسيح أتى فعلا منهم وبالذات من سبط يهوذا. واليهود كانوا فعلا متلهفين لمجىء هذا المخلص الذى وعدوا به زمنا طويلا، بل حتى السامريين كانوا ينتظرونه كما قالت السامرية للسيد "أنا أعلم أن مسيا الذى يقال له المسيح يأتى" (يو25:1).

 

آية 3 "و ظهرت اية اخرى في السماء هوذا تنين عظيم احمر له سبعة رؤوس و عشرة قرون و على رؤوسه سبعة تيجان".

 آية آخرى فى السماء = فالشيطان أصله من السماء وسقط (أش12:14-15) + (مز11:28-17)  هوذا تنين = إشارة لقوته الهائلة وقوته.

أحمر = فالسيد المسيح قال عنه كان قتالا للناس من البدء يو 44:8. وكان السبب بخداعه لأبوينا الأوليين آدم وحواء فى هلاك البشر. لذلك ففى نفس الآية يو 44:8 التى يقول فيها السيد عن الشيطان أنه كان قتالا للناس من البدء، يضيف أنه كذاب وأبو الكذاب وأنه ليس فيه حق، فبخداعه أهلك البشر. ولكم أثار أيضا إضطهادات دموية ضد المؤمنين سال فيها دم كثير.

وهو لا يكف عن التخريب والتدمير محاولا إهلاك أولاد الله. فالرأس إشارة للفكر.

له سبعة رؤوس = رقم 7 هو رقم الكمال والمعنى أنه دائم التفكير فى القتال. وقد تشير الرؤوس السبعة للسبعة الممالك التى يعمل فيهم إبليس ليضطهدوا شعب الله كما سيأتى ذكره فى إصحاح 17، وما يؤيد هذا أن على رؤوسه سبعة تيجان = فهو يتحكم فى ملوك هذه الدول ليثيروا إضطهادا ضد شعب الله. وكون ان له 7 تيجان ففى هذا إشارة إلى أنه ينصب نفسه ملكا فى قلوب الأشرار، ويسيطر على أفكارهم وتصرفاتهم.

وعشرة قرون = القرن رمز للقوة، فهو يستخدم كل شدة قوته ضد شعب الله لإفساد الإيمان. وقد تعنى العشرة قرون 10 ملوك يساندون الوحش عند ظهوره لتحطيم الإيمان. وقد يفهم رقم 10 على أن عمل الشيطان دائما هو الحث على كسر الوصايا العشر.

 

 آية 4 "و ذنبه يجر ثلث نجوم السماء فطرحها الى الارض و التنين وقف امام المراة العتيدة ان تلد حتى يبتلع ولدها متى ولدت".

 نجوم السماء = نفهم من هذا أن الشيطان، الملاك الساقط جذب معه ثلث الملائكة فصاروا شياطين (يه 6). وربما تشير لنجاحه فى إسقاط عدد كبير من المؤمنين. فطرحها إلى الأرض = لم يعودوا بعد إلى السماء، وصار مجال عملهم الأرض. وهو حاول أن يبتلع المسيح الذى سيولد، إبتداء من إثارته لهيرودس ليقتل المسيح الطفل فقتل أطفال بيت لحم وحتى محاولته أن يمسك نفسه عند موته على الصليب كما تعود أن يمسك كل نفوس بنى آدم ليأخذهم عند موتهم إلى الجحيم. لكن المسيح الذى بلا خطية إنتصر عليه وأمسكه، وذلك شرحه السيد المسيح حينما قال " رئيس هذا العالم يأتى ولبس له فى شىء (يو30:14).  فالمسيح لم يقبل من يده أى خطية. ولذلك قام المسيح من الموت منتصرا على الموت وعلى إبليس. ونرى فى الآية الآتية صعود المسيح بجسده للسماء ليعد لنا مكانا.

 

آية 5 "فولدت ابنا ذكرا عتيدا ان يرعى جميع الامم بعصا من حديد و اختطف ولدها الى الله و الى عرشه".

فولدت إبنا ذكرا = هو المسيح وهو ذكر لأنه عريس الكنيسة. عتيدا = مزمعا أن يرعى جميع الأمم بعصا من حديد = رمز العدل والقوة والإقتدار، وهذا ما قيل فى (مزمور 9،8:2) عن المسيح الذى أراد إبليس إفتراسه، والمسيح هو الراعى الذى يضم إلى حظيرته جميع الأمم، ويسحق قوى الشر بعصا من حديد.

وإختطف ولدها إلى الله = هذا إشارة لصعود المسيح بالجسد للسماء ليرفع البشرية الساقطة للأعالى. وقوله إختطف إشارة لأن لاهوته المتحد بناسوته هو الذى رفع الناسوت للسماء.

 

 

آية 6 "و المراة هربت الى البرية حيث لها موضع معد من الله لكي يعولها هناك الفا و مئتين و ستين يوما".

 المرأة هربت إلى البرية = هى الكنيسة التى تعيش فى العالم كأنه برية، حاسبة إياه أنه برية، غير مهتمة بملذاته، بعيدا عن ضجيج العالم، شاعرة بغربة فى هذا العالم، كما نصلى فى القداس قائلين "ونحن الغرباء فى هذا العالم". وهذه الكنيسة التى تحيا فى العالم حاسبة أنه خراب بالنسبة لها (شرور العالم) يلاطفها الله قائلا "لكن هأنذا أتملقها وأذهب بها إلى البرية وألاطفها" (هو14:2).

حيث لها موضع معد من الله = فالله يعد لكل منا مكانا يعيش فيه وله عمل يشهد به لله. لكى يعولها = روحيا ورعاية وماديا كما عال بنى إسرائيل بالمن فى سيناء وإحدى صور الهروب هى صورة هروب الرب يسوع مع أمه العذراء إلى ارض مصر. وقيل أنهم أقاموا فى مصر ثلاث سنوات ونصف. فمن يريد أن يهرب من التنين يذهب إلى البرية.

الف ومئتين وستين يوما = أى 3.5 سنة. وهذا الرقم يعنى أنه وضع مؤقت لأن الهروب للبرية هو وضع مؤقت غير دائم، فالكنيسة ستحيا فى صراع لكن ليس على الدوام، بل ستأتى النصرة فى النهاية... وكأن المسيح مازال يردد "أما قدرتم أن تسهروا معى ساعة واحدة" (مت40:26). ونلاحظ أن الـ1260 يوما هى مدة سيطرة ضد المسيح أو مدة حكمه (رؤ2:11) لذلك قد تفهم هذه الآية أن الكنيسة ستهرب من وجه ضد المسيح فعلا إلى الجبال والبرارى من شدة الضيق وهناك يعولها الله. ولكن هذا لن يتضح الآن وإنما سيعلن فى وقته، ووقتها سنفهم ما علينا عمله، بل سنكتشف من كلمات سفر الرؤيا التى سيتضح معناها وقتها فهى مكتوبة الآن بصورة شفرية، وستنحل الشفرة وقتها وسنفهم إلى أين نهرب. وهناك فى البرية سيعولوها = لأن فى وقت الضيقة العظيمة الله سيعول كنيسته (بواسطة ملائكته) بطريقة ما. ولاحظ كما سنرى فى إصحاح (13) أن أولاد الله لن تكون لهم سمة الوحش التى بها يبيعون ويشترون، فهم سيكونون غير قادرين على أن يحيوا وسط المجتمع. فلابد أن يجد الله طريقة بها يعول شعبه فى البرية كما كان يعول القديس الأنبا بولا بواسطة غراب، فالله لابد أنه سيحفظ كنيسته وسط هذه الضيقة العظيمة. إذا الآية تفهم بطريقتين:-

1.     الـ3.5 سنة هى مدة رمزية تشير لكل أيام غربة الكنيسة على الأرض.

2.     وتفهم حرفيا أنها مدة فعلية تهرب فيها الكنيسة للبرارى أيام ضد المسيح.

 

 

آيات 8،7 "و حدثت حرب في السماء ميخائيل و ملائكته حاربوا التنين و حارب التنين و ملائكته. و لم يقووا فلم يوجد مكانهم بعد ذلك في السماء".

 قبل أن يبدأ الصراع بين الشيطان والكنيسة أى أبناء الله، دار صراع قديما قبل خلقة الإنسان بين الشيطان وبين الله نفسه وإشترك الملائكة فى هذا الصراع. وما صراع الشيطان مع الكنيسة الآن إلا إمتداد لذلك الصراع القديم. وهذا الصراع لن ينتهى سوى بإلقاء الشيطان فى البحيرة المتقدة بالنار فى نهاية الزمان (رؤ10:20) والشيطان كان ملاكا سماويا من طغمة الكاروبيم، ولكنه نسب جماله وقوته ونوره إلى نفسه وقال أصير مثل العلى (أش14:14). فهو تصور أنه يمكنه أن ينير من نفسه، وذلك بالإنفصال عن الله، ولكن الملاك ميخائيل قاومه قائلا من مثل الله = مى كائيل ومن هنا أخذ إسمه ميخائيل الذى يعنى من مثل الله.

ولما إرتفع الشيطان فى قلبه وتكبر وقاوم الله وحاول أن يتساوى مع الله إنقطع تيار النور من حياته فإظلم كله وحصل على لقب سلطان الظلمة وإستحالت توبته وإستمرت ظلمته. وهناك فرق بين سقوط الإنسان وسقوط الشيطان. فالملائكة عموما مسئولين عن تصرفاتهم مسئولية كاملة وهم لا يترددوا فى قرار يتخذونه. وهذا تم التعبير عنه فى سفر حزقيال هكذا "أرجلها أرجل قائمة وأقدام أرجلها كقدم رجل العجل.. لم تدر عند سيرها" (حز9،7:1) والشيطان هو ملاك ساقط له هذه المواصفات نفسها فهو لا يتردد فى قرار يتخذه، فلما إتخذ قراره بالإنفصال عن الله لم يتردد ولم يندم ولن يقدم توبة مهما حدث، أما الإنسان فنجد كثيرين بعد أن يسقطوا يبكون ويندمون. أضف لهذا أن الشيطان بعد سقوطه هو الذى أغوى الإنسان على السقوط، أما الشيطان نفسه فلم يغوه أحد.

بل بعد السقوط إستمر الشيطان فى غواية الإنسان لإسقاطه ثم الشكاية ضده (أى9:1) وهو لم يكتفى بمضايقة الإنسان بل ضايق الملائكة أنفسهم (دا13:10). وكان يقبض على أرواح الأشرار والأبرار قبل المسيح ويلقيهم فى الجحيم. وحاول إستعمال نفس الأسلوب مع المسيح على الصليب  إلا أن المسيح هزمه بقداسته المطلقة فى حياته إذ لم يقبل من يده أى خطية وقال "من منكم يبكتنى على خطية" لذلك إستطاع أن يقول "رئيس هذا العالم يأتى وليس له فى شىء". بل أن المسيح بموته هزم الشيطان تماما لذلك قال المسيح قبل ذلك "رأيت الشيطان ساقطا مثل البرق من السماء". وكل من هو ثابت فى المسيح الآن يستطيع أن يقول "رئيس هذا العالم يأتى وليس له فى شىء" لذلك يقول المسيح "إثبتوا فى وأنا فيكم". وواضح طبعا أن سبب تردد الإنسان وضعفه هو جسده أما الشيطان فهو روح بلا جسد فهو غير قابل للندم.

إذا صراع الشيطان ليس قاصرا على العالم المادى بل هو صراع روحى قديم مكانه السماء. والشيطان سقط أولا حين قال "أصير مثل العلى" فأسقطه الله من مكانته وإرتفع ميخائيل الذى قال من مثل الله (راجع آية 4:13).

وبسقوط الشيطان لم يوجد مكانهم بعد ذلك فى السماء = أى لم يوجد فى دائرة الخضوع الإلهى. ولم يعد يحيا فى السماء بنورها وفرحها ومجدها، بل صار ظلمة وفقد نوره وفرحته بالحضور الإلهى. ولكن الله فى سماحته كان يسمح له بأن يوجد وسط بنى الله أى الملائكة. ولكنه كان متى وجد أمام الله يشتكى ضد أولاد الله كما سمعنا فى قصة أيوب.

ثم سقط ثانيا فى معركة الصليب، بل أعطى للمؤمنين أن يدوسوه (لو19،18:10) + (رو20:16). وبعد معركة الصليب تم تقييد الشيطان. وسيكون تقييده لمدة ألف سنة رمزية  (رؤ1:20-3).

ونلاحظ أن بعد سقوطه من السماء حاول بكل طاقاته أن يبث سمومه لإفساد البشر، ولكن بعد تقييده فقد سلطانه، إلا أن الله سيطلقه فى نهاية الأيام، وعند ذلك سيطلق كل طاقاته للإنتقام فيما تبقى له من وقت ليجذب معه للجحيم أكبر عدد ممكن. وسيكون هذا بأن الشيطان يضع كل قوته فيمن يسمى الوحش.

 

آية 9 "فطرح التنين العظيم الحية القديمة المدعو ابليس و الشيطان الذي يضل العالم كله طرح الى الارض و طرحت معه ملائكته".

 التنين = نظرا لقوته الهائلة وقسوته فالتنين ضخم ومرعب

الحية القديمة = له خبرة طويلة فى الخداع بمكر وخبث وفى عداوة للبشر.

إبليس = المفترى ظلما.

الشيطان = المعاند.

 

آية 10 "و سمعت صوتا عظيما قائلا في السماء الان صار خلاص الهنا و قدرته و ملكه و سلطان مسيحه لانه قد طرح المشتكي على اخوتنا الذي كان يشتكي عليهم امام الهنا نهارا و ليلا".

 الآن بعد الصليب تكشف للسمائيين ضعف إبليس. وسمعت صوتا عظيما = تعبيرا عن صوت تسابيح السمائيين لعظم أفراحهم بسقوط الشيطان. صار خلاص إلهنا = بالدم الثمين سيخلص البشر. إخوتنا = الملائكة قيل عنهم بنى العلى ونحن البشر صرنا بالفداء أبناء الله، وبذلك صرنا إخوة للملائكة. الذى كان يشتكى = فهو كان يضل ثم يشتكى.

 

آية 11 "و هم غلبوه بدم الخروف و بكلمة شهادتهم و لم يحبوا حياتهم حتى الموت".

 لم يحبوا حياتهم حتى الموت = هم أثروا الموت على الحياة محبة فى المسيح.

وهذه هى أنشودة بولس الرسول (رو35:8-39)، ورأينا الشهداء الذين لم يحبوا حياتهم حتى الموت بالملايين عبر تاريخ الكنيسة. وهذا هو أعظم إنتصار على إبليس، فإبليس سلاحه هو محبة العالم وملذاته. أما من أحب حياة الأرض فسيهلك "فويل لساكنى الأرض" آية 12 فإبليس سيدمر الأرض (إصحاح 18).

وبكلمة شهادتهم = أى يشهدوا للمسيح فى حياتهم، أى مسيحيين قلبا وقالبا.

 

آية 12 "من اجل هذا افرحي ايتها السماوات و الساكنون فيها ويل لساكني الارض و البحر لان ابليس نزل اليكم و به غضب عظيم عالما ان له زمانا قليلا".

من اجل هذا إفرحى = الفرح بالخلاص الذى تم، والفرح لأن الأيام قد إقتربت، ووصولنا للسماء صار قريبا. ولاحظ فرح السمائيين بأننا نحن الأرضيين سنصير معهم فى السماء،حقا لقد صرنا كنيسة واحدة، وهذا ما عمله المسيح بفدائه، لقد جمع فيه كل شىء، ما فى السموات وما على الأرض (أف10:1). وبهذا نفهم قول السيد المسيح. "يصير فرح فى السماء بخاطىء واحد يتوب" ونفهم لماذا حملت الملائكة نفس لعازر المسكين حين مات، فهم فرحون بوصوله للسماء... ولكن ويل لساكنى الأرض = فالشيطان لن يكف عن صراعه مع الكنيسة المجاهدة التى على الأرض، وعلينا أن نفهم أننا لابد وسنجتاز هذا الصراع. ولكن لنفهم أن الذى يحارب فعلا هو المسيح، هو يحارب فينا، وما نحن سوى فرس أبيض، ما علينا سوى الإلتصاق به والثبات فيه. فكل ما هو مطلوب من الفرس أن يظل ملتصقا بالفارس. لذلك يقول السيد المسيح "إثبتوا فى وأنا فيكم". وبهذا مع الآلام التى سنراها لابد وسننتصر لأن المسيح قال ثقوا أنا قد غلبت العالم (يو33:16). وذروة هذه الألام التى ستعانى منها الكنيسة ستكون فى ايام ضد المسيح.

 

آية 13 "و لما راى التنين انه طرح الى الارض اضطهد المراة التي ولدت الابن الذكر".

هنا نرى التنين يشن هجوما شيطانيا ضد الكنيسة. والمسيح هو الإبن الذكر.

 

آية 14 "فاعطيت المراة جناحي النسر العظيم لكي تطير الى البرية الى موضعها حيث تعال زمانا و زمانين و نصف زمان من وجه الحية".

 النسر العظيم = راجع (خر4،3:19) + (تث12،11:32) لترى أن النسر العظيم هو الله الذى حمل شعبه من مصر إلى برية سيناء. والنسر من عاداته أنه يضع أفراخه على جناحيه ويطير بهم عاليا ثم يتركهم ليسقطوا فيتعلموا الطيران، ولكنهم إذا تعبوا يستقروا على جناحى وجسم الآب الطائر تحتهم ليحميهم ولا يتركهم يسقطون. وهكذا فى حربنا مع إبليس قد يتظاهر الله بأنه تركنا ولكن ذلك حتى نتعلم وسائل وفنون الحرب ضده لكن الله دائما هو هناك، عينه علينا دائما ويعطينا جناحيه ليسندنا ويرفعنا للسماء عاليا، ويظلل علينا وقت التجارب. والله يجدد كالنسر شباب أولاده (أش31:40). والمؤمن بالمسيح يعلمه المسيح محبة السماويات والإستهانة بالأرضيات، ويعلمه الهروب للبرية، أى يحيا غريبا على الأرض زاهدا فيها متلذذا بالسماويات. ومرة ثانية وثالثة نسمع عن الزمان والزمانين والنصف زمان أى (3.5) بمعنى أن هذا الوضع هو وضع مؤقت علينا إحتماله بصبر. وربما هو أيضا إشارة لفترة الـ1260 يوما التى ستهرب فيها الكنيسة إلى البرية من وحشية ضد المسيح. فنحن الآن ومنذ صعود المسيح نعيش فى غربة برية هذا العالم، نحارب الشيطان بتقشفنا وزهدنا فى ملذات هذا العالم، ثم فى نهاية الأيام قد نهرب فعلا على مكان يعده لنا الله.

 

آية 15 "فالقت الحية من فمها وراء المراة ماء كنهر لتجعلها تحمل بالنهر".

 كنهر = النهر يشير لنعم وخيرات الروح القدس (يو37:7-39) ولكن ما يلقيه إبليس يقال عنه كنهر = أى تعاليم زائفة مخادعة يخدع بها الأبرياء = وهذا النهر المخادع هو لذات وشرور هذا العالم، ومن ينخدع يموت. وهو تعاليم الهراطقة والفلسفات المخادعة وهذه تبدو كنهر ولكنها مرة كالإفسنتين وقاتلة كالسم. وهذا النهر لن يضر المرأة فلها جناحي النسر العظيم أى تحيا فى السمائيات والروحيات. النسر أعطاها إمكانية أن تهرب من فم التنين.

 

آية 16 "فاعانت الارض المراة و فتحت الارض فمها و ابتلعت النهر الذي القاه التنين من فمه".

 فأعانت الأرض المرأة = هذه تعنى أن هناك أحداث تجرى على الأرض أى فى العالم خارج الكنيسة وهى بسماح من الله، وبسببها ينقذ الله الكنيسة. أمثلة :- إنتصار فارس على بابل وقيام دولة الفرس كان سببا فى تحرر شعب الله من يد بابل ورجوعه لأورشليم وبناء الهيكل.

 مثال آخر من العصر الحديث. فلقد إضطهدت الدول الشيوعية المسيحيية إضطهادا رهيبا. وفى السنوات الأخيرة سمح الله بأحداث بسببها سقطت الشيوعية وأنقذ الله شعبه وكنيسته. وقد تنقذ الأرض المرأة من ملذات العالم بإثارة حروب ينسى معها الناس ملذات هذا العالم ويلجأون لله  وهكذا. وقد يكون إنتشار الأوبئة والأمراض فى الأرض هو بسماح من الله، هذه الأرض قدمت هذه الأمراض لشعب الله ليزهد فى أمور هذه الدنيا ويرجع لله. وكم من مريض رجع لله وتحول إلى قديس وخلصت نفسه. وهذا ما قاله بطرس الرسول " فإن من تألم فى الجسد كف عن الخطية (1بط1:4). وربما فى أيام ضد المسيح تكثر الحروب مما يضعف ويفسد قوة ضد المسيح.

 

 

آية 17 "فغضب التنين على المراة و ذهب ليصنع حربا مع باقي نسلها الذين يحفظون وصايا الله و عندهم شهادة يسوع المسيح".

 التنين يغضب ممن يحفظ وصايا الله. ولكن بحفظنا وصايا الله نثبت فى المسيح، وحينما يثير التنين حربا علينا يغلبه المسيح الذى نحن ثابتون فيه.


 

الإصحاح الثالث عشر

هنا نرى وحشين يرسلهما التنين (الشيطان) يحاربان الكنيسة، وينفذان شرور الشيطان على الأرض. فى إصحاح (12) رأينا التنين وهنا نرى الوحشين:-

الأول يسمى وحش البحر فهو قد خرج من البحر، إشارة لهذا العالم المضطرب الذى من يشرب من مياهه (ملذاته) يعطش، الذى يرفع الإنسان يوما ويخفضه يوما كالموج، الذى يعيش فيه لابد سيغرق ويموت. والبحر يمثل العالم المضطرب الذى سيخرج منه هذا الشخص. والمعنى أن من يتبع هذا الوحش سيجد سهولة فى الحصول على ملذات الدنيا ولكنه لن يشعر بشبع أو إرتواء ولا بسلام ولا براحة. حقا سينهل من ملذات العالم لكن دونما شبع حقيقى وسيكون فى حالة إضطراب مستمر كالبحر ونهايته الموت.

الثانى يسمى وحش الأرض لأنه طالع من الأرض، والأرض مجال عمل الشيطان حيث الوحش الأول باسطا نفوذه. وهذا الوحش الثانى سيكون عمله الدعاية للوحش الأول، فهو خارج من مملكته، يحث الناس على الإيمان به. فالأرض هنا هى مملكة الوحش الأول.

والوحش الأول غالبا سيكون زعيم سياسى أو ملك أو ما شابه. أما وحش الأرض أو الوحش الثانى فسيكون زعيم دينىز فالكتاب يطلق عليه صفة النبى الكذاب (رؤ13:16) + (رؤ20:19) وهؤلاء الثلاثة، التنين ووحش البحر ووحش الأرض يسمونهم الثالوث النجس.

 

آية 1 "ثم وقفت على رمل البحر فرايت وحشا طالعا من البحر له سبعة رؤوس و عشرة قرون و على قرونه عشرة تيجان و على رؤوسه اسم تجديف".

 نلاحظ أن الوحش له نفس مواصفات التنين المذكورة فى (رؤ3:12). والتنين هو الشيطان، بمعنى أن الشيطان أعطى كل قوته لهذا الوحش، وهذا ما سيتضح من آية 2. ولكن هناك خلاف فى عدد التيجان. ففى (رؤ3:12) كان على رؤوسه 7 تيجان وهنا نجد على قرونه 10 تيجان. والسبب أنه فى (رؤ3:12) كان يتكلم عن حرب إبليس ضد الكنيسة عبر العصور مستخدما فى ذلك 7 ممالك عظيمة مثل بابل والدولة الرومانية كما سيأتى فى تفسير إصحاح (17). أما هنا فنسمع أن الوحش له 7 رؤوس دون ذكر تيجان، وهذه يعنى غالبا أن القوى العالمية كلها ستؤيده. وهذا معنى رقم 7 الذى هو رقم الكمال. ولكن القرون العشرة فهم 10 ملوك سيظهرون فى فترة ظهور الوحش. فنحن فى إصحاح (13) فى آخر الأيام، والوحش قد ظهر، وهؤلاء الموك سيعطون قوتهم أو سيكونون بقوتهم العسكرية تابعين للوحش. والقوة شبهها بقرن (تشبيهات المجتمعات الرعوية). والملوك العشرة رمزهم 10 تيجان هؤلاء الملوك العشرة لن يكتفوا بالتأييد بل سيعطون الوحش كل قوتهم.

على رؤوسه إسم تجديف = فهو لا يفكر سوى فى التجديف على المسيح وإنكار لاهوته والرأس يشير للفكر. فهذا الوحش يخترع التجديف ضد الله والهجوم على المؤمنين

 

آية 2 "و الوحش الذي رايته كان شبه نمر و قوائمه كقوائم دب و فمه كفم اسد و اعطاه التنين قدرته و عرشه و سلطانا عظيما".

 شبه نمر = مواصفات هذا الوحش نجدها هنا. والنمر أرقط أى به بقع سوداء. وهذا الوحش مشوه بالرذائل، سريع الحركة كالنمر فى إضطهاده للكنيسة. بلا حنان ولا رحمة. قوائمه كقوائم دب = إشارة لعنفه فى حربه ضد الكنيسة. فمه كفم أسد = مفترس وقيل عن إبليس أنه كأسد زائر يجول ملتمسا من يبتلعه. والتنين اعطاه قدرته وعرشه = الشيطان سكن فى هذا الوحش ليضل به العالم، وأعطاه كل قوته وسلطانه بعد أن أطلق من سجنه أى الهاوية (رؤ7:11) + (رؤ3:20). وسيستخدم الشيطان كل قوته وخداعاته ليضل الناس. وعرشه = فالشيطان هو رئيس العالم (يو30:14). وبهذا نفهم أن وحش البحر سيكون له سلطان على العالم اى زعيم عالمى. وهذا سيمارس كل أنواع الإضطهاد ضد الكنيسة وبوحشية ليسقط أكبر عدد ممكن فى عبادته تاركين المسيح فيهلكوا معه فى بحيرة النار.

ولاحظ أن وحشية هذا الوحش إجتمع فيها وحشية النمر والدب والأسد كلهم. وهذه أشرس الحيوانات.

 

آية 3 "و رايت واحدا من رؤوسه كانه مذبوح للموت و جرحه المميت قد شفي و تعجبت كل الارض وراء الوحش".

ورأيت واحدا من رؤوسه كأنه مذبوح للموت = هذه تعنى أن إحدى القوى السياسية أو العالمية قد إنحدرت ربما بسبب حرب أو أزمة إقتصادية، ثم يساندها الوحش مما يثير إعجاب العالم وراءه، معجبين بقوته ويرون هذا كأنه معجزة. وقد تفهم أن أحد الملوك الذين يتبعونه يجرح جرحا شديدا ثم يشفى بقوة غريبة فيدهش الناس، وهو بهذا يحاول أن يقلد المسيح.

 

آية 4 "و سجدوا للتنين الذي اعطى السلطان للوحش و سجدوا للوحش قائلين من هو مثل الوحش من يستطيع ان يحاربه".

 نسمع هنا العبارة التى يعجب بها إبليس ومن يتبعه من مثل الوحش هذه العبارة هى التى أسقطت إبليس قديما حينما قال أصيرمثل العلى (أش14:14) وقال الملاك ميخائيل من مثل الله. وبهذه الحيلة أسقط إبليس آدم وحواء إذ قال لهما إن أكلتما تكونان كالله (تك5:3).

عجيب فالإنسان يريد أن يتساوى بالله ويرتفع ولكن بالإنفصال عن الله، أما الله فمن محبته يريد أن الإنسان يرتفع لكن بالإتحاد به ودون إنفصال "ألم أقل أنكم آلهة" (مزمور6:82) إلى هذه الدرجة يريد الله أن يرفع الإنسان. لكن بالإتحاد معه "إثبتوا فى وأنا فيكم" والمسيح جاء لنكون واحدا فيه وفى الآب (يو21:17) أما الإنفصال فمعناه الموت، فالله هو الحياة، والإنفصال عنه بالتالى هو الموت. لذلك قال الله " لأنك يوم تأكل منها موتا تموت " هذه هى نتيجة طبيعية للإنفصال عن الله. إذا ربما تكون شجرة معرفة الخير والشر هى الإحساس بالذات بالإنفصال عن الله.

 

آية 5 "و اعطي فما يتكلم بعظائم و تجاديف و اعطي سلطانا ان يفعل اثنين و اربعين شهرا".

الشيطان أعطى للوحش أن يجدف على الله إثنين واربعين شهرا = هى مدة دوس الأمم لأورشليم. وقد يعنى هذا إهانة المقدسات المسيحية.

وربما هذا ما قصده دانيال حين قال " وتقوم منه أذرع وتنجس المقدس الحصين (دا31:11) وتجعل الرجس المنحرب. وهذا ما أشار إليه السيد المسيح فى نبوته (مت15:24) فمتى نظرتم رجسة الخراب التى قال عنها دانيال النبى قائمة فى المكان المقدس، ليفهم القارىء، فحينئذ ليهرب الذين فى اليهودية إلى الجبال " وربما يكون المعنى بهذا أن ضد المسيح يفرض سيطرته على الكنائس وهو نفسه الرجس المخرب أى أنه سيخرب الكنائس، وتكون هذه علامة على هروب المرأة للبرية لكى يعولها الله الـ 1260 يوما، مدة دوس الأمم لأورشليم.

 

آية 6 "ففتح فمه بالتجديف على الله ليجدف على اسمه و على مسكنه و على الساكنين في السماء".

 ليجدف على إسمه = حينما سأل موسى الله عن إسمه، أجابه بأنه يهوه وهذا يعنى " أنا هو " والمسيح دائما كان يقول عن نفسه أنا هو مثلا أنا هو النور... أنا هو الطريق والحق والحياة. وحين قال لمن أتوا ليقبضوا عليه فى بستان جثسيمانى " أنا هو " سقطوا إذ كان بهذا يعلن لاهوته وأنه يهوة العظيم. وبهذا نفهم أن ضد المسيح حين يجدف على " إسمه " فإنه بهذا يجدف على المسيح.

وعلى مسكنه = أى على الكنيسة التى قد يحتلها وينجسها.

وعلى الساكنين فى السماء = أى الملائكة والقديسيين.

 

آية 7 "و اعطي ان يصنع حربا مع القديسين و يغلبهم و اعطي سلطانا على كل قبيلة و لسان و امة".

 يغلبهم = جسديا، أى يضطهدهم ويقتلهم. بل سيتعقبهم فى كل بلد وكل أمة = أعطى سلطانا على كل قبيلة ولسان وأمة. هو سيغلبهم جسديا ولكنهم سيغلبونه روحيا، كما حدث مع المسيح نفسه، فقد نجحت مؤامرة الشيطان ضده وصلب ومات لكن المسيح هو الذى إنتصر على إبليس فى معركة الصليب.

 

آية 8 " فسيسجد له جميع الساكنين على الارض الذين ليست اسماؤهم مكتوبة منذ تاسيس العالم في سفر حياة الخروف الذي ذبح".

العالم المخدوع سيسجد له، أما أولاد الله المؤمنيين فلن ينخدعوا به. ولن يحبوا حياتهم حتى الموت (رؤ11:12). ولنلاحظ أن أسماءنا تكتب فى سفر حياة الخروف يوم المعمودية، ومن يغلب لن يمحى إسمه من سفر الحياة (رؤ5:3).

 

 

آية 9 " من له اذن فليسمع".

 من له أذن فليسمع =

1.     هذا تحذير للمؤمنين حتى لا يتبعوا الوحش مهما هدد حياتهم.

2.     هناك أخبار مؤلمة ولكن من له أذن روحية يسمع كلمات الرب ووعوده، وأن فترة الآلام  مؤقتة (3.5) وأن من يصبر إلى المنتهى فهذا يخلص (مت13:24).

3.     من له أذن روحية مفتوحة سيسمع صوت تعزيات الروح القدس ويحتمل الآلم سيسمع ما يقوله الروح المعزى للكنائس.

 

آية 10 "ان كان احد يجمع سبيا فالى السبي يذهب و ان كان احد يقتل بالسيف فينبغي ان يقتل بالسيف هنا صبر القديسين و ايمانهم".

 على القديسين أن يؤمنوا أن نهاية هذا الوحش مؤلمة فمن يقتل لابد أن يقتل ومن يقود للسبى سيسبونه. كما قال عوبديا "كما فعلت يفعل بك عملك يرتد على رأسك"  (عوبديا15).

 

آيات 12،11 "ثم رايت وحشا اخر طالعا من الارض و كان له قرنان شبه خروف و كان يتكلم كتنين. و يعمل بكل سلطان الوحش الاول امامه و يجعل الارض و الساكنين فيها يسجدون للوحش الاول الذي شفي جرحه المميت".

هذا الوحش أسماه الكتاب "النبى الكذاب" (رؤ 13:16 + 20:19 + 10:20).

شبه خروف = يحاول أن يتظاهر بالوداعة مقلدا السيد المسيح.

لكنه يتكلم كتنين = أى بخبث ومكر وإقتدار.

وكان له قرنان = القرن علامة القوة. والقرنان هما:

1.     له كل سلطان الوحش، أى يضرب من يقاومه بقوة ووحشية.

2.     هو قادر على عمل معجزات وأيات خادعة لإثبات كلامه. وهذه الأيات أيضا بقوة ولكنها قوة الشيطان.

وهذا النبى الكذاب يعمل لحساب ضد المسيح وبسلطانه ويستحث الناس للإيمان به = يسجدون للوحش الأول

 

آيات 13-15 "و يصنع ايات عظيمة حتى انه يجعل نارا تنزل من السماء على الارض قدام الناس. و يضل الساكنين على الارض بالايات التي اعطي ان يصنعها امام الوحش قائلا للساكنين على الارض ان يصنعوا صورة للوحش الذي كان به جرح السيف و عاش. و اعطي ان يعطي روحا لصورة الوحش حتى تتكلم صورة الوحش و يجعل جميع الذين لا يسجدون لصورة الوحش يقتلون".

هو قادر بقوة الشيطان أن يعمل أيات بالسحر فينزل نارا من السماء، ويجعل صورة الوحش تتكلم.

يجعل نارا تنزل من السماء = هناك رأى يقول أن اليهود بعد أن يبنون هيكلهم، يقدمون ذبيحة، وياتى هذا النبى الكذاب لينزل نارا من السماء علامة على قبول السماء للذبيحة، وبهذا يخدع الناس. وربما من هذا نفهم أن عمل وحش الأرض (الوحش الثانى) هو عمل دينى بعكس وحش البحر الذى عمله سيكون عسكرى ومدنى.

 

آيات 17،16 "و يجعل الجميع الصغار و الكبار و الاغنياء و الفقراء و الاحرار و العبيد تصنع لهم سمة على يدهم اليمنى او على جبهتهم. و ان لا يقدر احد ان يشتري او يبيع الا من له السمة او اسم الوحش او عدد اسمه".

اليد اليمنى رمز للعمل. والجبهة رمز للتفكير. أى أن من سيكون لهم السمة على يدهم اليمنى وعلى جبهتهم، سيكونون بنشاطهم وعملهم وخدمتهم (اليد). وتفكيرهم وولائهم وإيمانهم (الجبهة) فى خدمة ضد المسيح.

أما سمة أولاد الله فهى ختم الروح القدس. ولكن سمة أولاد الشيطان فهى علامة أو إسم الوحش أو عدد إسمه

قصة من جريدة الأهرام :- فى ايام حكم الرئيس ريجان رئيس الولايات المتحدة الأمريكية الأخيرة، قرر أن يشترى بيتا ليعيش فيه بعد إنتهاء مدة رياسته. ولكل بيت رقم لصندوق البريد، وأعطوه رقم صندوق بريده وكان 667. وكان الرئيس ريجان يتعامل مع عرافة، ولا يتخذ قرارا إلا بمشاورتها ؟!!! وسألها فأفادت بأن الرقم الذى تتفاءل به هو 666 وطلبت منه تغيير صندوق بريده إلى 666. وأشارت الجريدة فى نفس الخبر أن هناك كثيرين ينقشون رقم 666 على ظهورهم؟!

والنبى الكذاب هو الذى سيعمل هذه السمة ويجعل الناس تضعها على جباهها وأيديها. ولا يستطيع من ليس له هذه السمة أن يشترى أو يبيع أى التعامل وقضاء المصالح. وهذا يظهر لنا صعوبة هذه الأيام، لذلك قال عنها دانيال النبى "يكون زمان ضيق لم يكن منذ كانت أمة إلى ذلك الوقت" (دا1:12).

 

آية 18"هنا الحكمة من له فهم فليحسب عدد الوحش فانه عدد انسان و عدده ست مئة و ستة و ستون".

 كانت الحروف الأبجدية لها دلالات رقمية قبل إختراع الأرقام وكان ذلك فى اللغات اليونانية والرومانية والقبطية والعبرية. ويميز الحرف عن الرقم بوضع شرطة فوقه فيصيررقما

a/=1   b/ =2  g/=3   d/=4   e/=5   l/=30

وكان كل إنسان يقوم بحساب رقم إسمه. ولنأخذ مثالا عن إنسان إسمه عادل وهكذا يكتب إسمه بالقبطية     adel       

فيكون رقم إسمه

a/  +d/+e/+l/= 1+4+5+30=40

والله يعطينا هنا دليل لإكتشاف شخص الوحش أو ضد المسيح. وذلك بأن نكتب إسمه باليونانية ونحسب أرقامه فسيكون عدد إسمه 666.

ورقم 6 هو رقم الإنسان الناقص، فالإنسان مخلوق فى اليوم السادس. ولكن الإنسان بقوة الله الواحد (ورقم 1 يشير لله) يصبح كاملا لذلك حسب رقم 7 = 6 + 1 هو رقم الكمال. أما رقم 8 فيشير للأبدية أى بعد أن ينتهى أسبوع هذا العالم (أى سبعة أيام الخليقة) يبدأ يوم الأبدية الثامن الذى لن ينتهى. لذلك قام المسيح فى يوم الأحد وهو اليوم الثامن لأن الأسبوع اليهودى ينتهى باليوم السابع أى يوم السبت، مبتدئا أسبوعا جديدا أى حياة جديدة فى الأبدية.

وحينما نحسب إسم يسوع نجده 888 أى هو الحياة الأبدية وكمال الحياة.

ونعود لرقم 666 فهو كمال النقص والشر أو الشر مجسما. فحينما يأتى الرقم ثلاثيا يكون تجسيما للشىء ورقم 6 = 7 – 1 أى هو رقم نقص فهو أقل من رقم الكمال.

وهناك عدد من الأشخاص عبر التاريخ كان عدد إسمهم 666 وليس معنى هذا أن كل منهم هو ضد المسيح (الوحش) بل أنه حينما يظهر هذا الشخص (الوحش) سيكون لنا عدد إسمه 666 علامة مميزة نميزه بها... هنا الحكمة = أى الدارس للكتاب المقدس، سيعرف العلامات التى تميز هذا الوحش ولن يسير وراءه أو ينخدع به فإنه عدد إنسان = إذا الوحش سيكون إنسانا عاديا وليس قوة معنوية أى دولة أو قوة إقتصادية، بل هو إنسان وله إسم.

عموما كلمة "انا أدحض" باليونانية مجموعها 666 فضد المسيح سيأتى ناكرا وداحضا الإيمان بالمسيح منصبا نفسه إلها 2 تس 4:2. الوحش هو ضد المسيح ANTICHRIST.

 

رأى عن وحش البحر ووحش الأرض

البحر بمياهه المالحة يشير للعالم بملذاته الحسية التى من يشرب منها يعطش (أر13:2) + (يو13:4). فوحش البحر هذا هو زعيم عالمى ستخضع له كل القوى العالمية (7 رؤوس) خارج من العالم الذى يحيا جريا وراء ملذاته، وقد سمعنا فى الأوقات الأخيرة كيف أن الدول الأوروبية وأمريكا يريدون أن يكون الشذوذ الجنسى حق لكل إنسان وأن تبيحه قوانين الدول كلها. بل كان هذا الموضوع أساسى فى الدعاية الإنتخابية لأحد رؤساء الولايات المتحدة. ومن يحيا فى البحر يموت أما الأرض فقد تشير لأرض الميعاد أى إسرائيل. وإذا فهمنا أن وحش الأرض سينزل نارا من السماء وسيحاول بناء الهيكل ليقدم ذبيحة يكون وحش الأرض هو من اليهود وله صفة دينية. ويكون خاضعا لوحش البحر ويعمل فى الدعاية له.


 

الإصحاح الرابع عشر

آية 1 "ثم نظرت و اذا خروف واقف على جبل صهيون و معه مئة و اربعة و اربعون الفا لهم اسم ابيه مكتوبا على جباههم".

 وإذا خروف = هو حمل الله الذى يرفع خطية العالم. وهنا نجده خروف حقيقى أى محبته حقيقية تصل حتى بذل الدم، بالمقارنة مع النبى الكذاب الذى هو شبه خروف أى يدعى المحبة لكنه يتكلم كتنين (رؤ11:13).

واقف = مستعد لحماية كنيسته، وواقف أمام الآب يشفع فيها.

على جبل صهيون = جبل صهيون هو جبل الهيكل، كان فى يد الأمم الوثنية وأخذه داود، وأقيم  عليه  بعد  ذلك  هيكل  سليمان.  والهيكل  إشارة  لكنيسة  المسيح  أى  جسده      (يو18:2-21). والكنيسة سماوية عالية كالجبل وراسخة أبواب الجحيم لن تقوى عليها (أف6:2) + (مت18:16). وسر ثبات الكنيسة أن المسيح واقف على جبل صهيون. وسمعنا سابقا أنه ماشى وسط السبع المنائر الذهبية (رؤ1:2) فهو فى حركة وإستعداد دائمين للدفاع عن كنيسته ضد الأخطار المحيطة بها. ولكن بعد أن تنتهى هذه الأخطار نسمع أن المسيح جالس (رؤ14:14) أى بعد أن إطمأن عليها. ووجود المسيح السماوى وسط كنيسته يجعلها سماوية. وكما ملك داود على جبل صهيون وأخذه من يد الأمم، هكذا إشترى المسيح كنيسته بدمه وحررنا من يد إبليس، وملك عليها. والكنيسة سواء على الأرض أو من فى السماء هى كنيسة واحدة. تبدأ هنا على الأرض وتمتد إلى السماء، تسبيح يبدأ هنا ويستمر فى  السماء فرح هنا كعربون وفرح كامل فى السماء. هذا الفرح يتم التعبير عنه بلغة التسبيح. نحيا فى نمو دائم وصعود مستمر فى إتجاه السماويات قائلين هلم نصعد إلى جبل الرب (أش3:2) لذلك فهذه الرؤيا تبدأ هنا على الأرض ولكنها تكمل فى السماء.

ومعه مئة وأربعة وأربعون ألف = هو عدد رمزى = 12×12×1000 = 12 (مؤمنى العهد القديم) ×12 (مؤمنى العهد الجديد) × 1000 (يحيون فى السماويات) ولأنهم كنيسة واحدة تم التعبير عن ذلك بقوله 144 = 12 ×12. فالرقم رمزى ولكن العدد الفعلى لا يحصى ولا يعد.

(رؤ9:7) هم المؤمنين خاصة الله فى كل زمان الذين يحيون حياة سماوية وصلوا إليها بجهادهم كمن يصعد جبل، وهذا معنى أخر لتشبيه الكنيسة بجبل " هلم نصعد إلى جبل الرب" ولاحظ قول إشعياء الذى ينطبق هنا. ويكون فى آخر الأيام أن جبل بيت الرب (المسيح) ثابتا فى رأس الجبال (المؤمنين) (أش2:2). فالمسيح وسط كنيسته على الأرض ووسط كنيسته فى السماء لذلك هى كنيسة واحدة تتكون من كنيسة مجاهدة وكنيسة منتصرة. والمسيح الذى وحد السمائيين مع الأرضيين واقف فى وسط كنيسته الواحدة.

ولقد سمعنا أن عدد المختومين كان 144000 (رؤ4:7-8). وكان الختم ليحفظهم وسط الضيقات  والآن صاروا غالبين.  إذا عدد 144000  يشير  للمختومين بالروح القدس (أف30:4) ويعنى أن الله يعرفهم واحدا واحدا. وقد سبق وأعطى ليوحنا قصبة لقياسهم، أما الأشرار فلا يذكر معهم عدد فلقد طرحوا خارجا دون قياس (2:11) لهم إسم أبيه مكتوبا على جباههم = فى نهاية الإصحاح السابق رأينا تابعى الوحش لهم سمة على أياديهم اليمنى وعلى جباههم بها يشترون ويبيعون، أى أن معاملاتهم فى العالم تجرى بسهولة، أما أولاد الله فسيعانون من ضيقات شديدة فهم لن يستطيعوا أن يشتروا أو يبيعوا فالعالم لا يقبلهم (يو18:15-21). ولكننا نرى هنا كيف تحيا الكنيسة فى سلام وفرح يفتقده أولاد العالم. والسلام راجع لمسيحها الذى يحيا فى وسطها، وهى تعيش فى السماء مسبحة علامة فرحها، ولكن ذلك لمن لهم سمة الآب أو إسم الآب على جباههم وهذا يعنى:-

1.     هم ملك الآب أو خاصته والسمة علامة ملكية الآب لهم.

2.     الجبهة رمز التفكير. إذا هم دائمى التفكير فى الله فهذا مصدر شبعهم ولذتهم.

إذا الأشرار لهم سمة الوحش بها يبيعون ويشترون ولكنهم بلا سلام. أما أولاد الله لهم سمة الآب على جباههم يعيشون فى ضيق لفترة محدودة (3.5 زمان) لكنهم يعيشون فى سلام وفرح مسبحين، والمسيح وسطهم سر فرحهم (مت20:28) + (يو22:16).

 

آية 2 "و سمعت صوتا من السماء كصوت مياه كثيرة و كصوت رعد عظيم و سمعت صوتا كصوت ضاربين بالقيثارة يضربون بقيثاراتهم".

صوت مياه كثيرة = راجع (رؤ15:17) تجد أن المياه الكثيرة هى أمم وألسنة وشعوب والمياه ترمز للروح القدس العامل فى هذه الشعوب فتسبح، والصوت صوت تسبيح لأنه صادر من السماء. وهؤلاء المسبحين كانوا كصوت ضاربين بالقيثارة وسط كل هذه التسابيح ومظاهر البهجة والفرح فى السماء نسمع كصوت رعد عظيم هو صوت إنذار أخير للأشرار. والمعنى لماذا الإصرار على طريق الشر الذى نهايته مرعبة، ألا تريدون أن تنضموا لهؤلاء المسبحيين فى فرح. وتفهم الآية أن صوت الكنيسة المسبحة فى السماء بالنسبة للشياطين وأتباعهم هو كصوت رعد فالكنيسة مرهبة كجيش بألوية(نش4:6).

 

آية 3 "و هم يترنمون كترنيمة جديدة امام العرش و امام الاربعة الحيوانات و الشيوخ و لم يستطع احد ان يتعلم الترنيمة الا المئة و الاربعة و الاربعون الفا الذين اشتروا من الارض".

كترنيمة جديدة = من يحيا فى السماويات يشعر أن كل ما يحيط به جديد لا يشيخ، وأنه فى فرح مستمر وكل يوم يعرف جديدا عن الله ويسبح تسبحة كأنها جديدة لأنه إكتشف أعماقا جديدة للكلمات. كلمات الترنيمة لا تشيخ بل تشيع الفرح فى نفسه دائما يكتشف لذتها كل يوم كأنها جديدة. أما حتى من على الأرض الآن فهم يشعرون بملل من كل شىء حتى من خطاياهم.

ولا يستطيع أن يرنم سوى ال 144000 فغيرهم مستعبدين للخطية ولإبليس، وكل مستعبد لا يستطيع أن يفرح ولا أن يرنم، كما قال المرنم " كيف نسبح تسبحة الرب فى أرض غريبة (هى بابل) (مز1:137 – 4)  لم يستطع أحد أن يرنم إلا = لأنها علاقة خاصة مع المسيح لا يعرفها أحد إلا من يرنم والمسيح فقط.

الذين إشتروا من الأرض = إشتراهم المسيح بدمه الكريم ليحررهم فسبحوا.

 

آية 4 "هؤلاء هم الذين لم يتنجسوا مع النساء لانهم اطهار هؤلاء هم الذين يتبعون الخروف حيثما ذهب هؤلاء اشتروا من بين الناس باكورة لله و للخروف".

 الذين لم يتنجسوا مع النساء = هذه لا تعنى الرهبان أو البتوليون لماذا؟

1.     لأن الزواج طاهر ومكرم والمضجع غير نجس (عب4:13).

2.     ما جمعه الله لا يفرقه إنسان (مت6:19) فهل يجمع الله رجل وإمرأة فى نجاسة ؟!

3.     الذى أسس سر الزواج هو الله (تك24:2).

4.     علاقة المسيح بكنيسته مشبهة بعلاقة الزوج بزوجته (أف23:5).

5.     إذا كان الـ 144000 هم الرهبان الذين لم يتزوجوا فهل الراهبات الذين لم يتنجسوا مع رجال ليس لهم نصيب فى الـ 144000... سنقول ثانية سفر الرؤيا لا يفسر حرفيا.

وقوله لم يتنجسوا مع النساء هى إشارة للطهارة عموما. والقداسة التى بدونها لن يرى أحد الرب (عب14:12). والنجاسة مع النساء هى الزنا عموما. والزنا نوعين:-

1- زنا جسدى.           

2- زنا روحى أى عبادة أحد آخر غير الله وهذا هو المقصود هنا أن ال 144000 لم يزنوا جسديا، ولاهم تبعوا ضد المسيح تاركين الله وهذا هو الزنا الروحى. والبتولية عموما المقصود بها بتولية الروح وليس بتولية الجسد وهذه ممكنة للجميع بنعمة المسيح، أى يكون الإنسان مرتبط بالمسيح كعريس لنفسه، فى علاقة حب بالمسيح وليس سواه من مغريات العالم، يكون فكره وحواسه وقلبه مكرسة للمسيح، لا ينشغل ولا يطلب سوى المسيح وحده، فهذا ينطبق على أى أحد، حتى لو كان متزوجا أنه عذراء عفيفة للمسيح (2كو2:11) والآباء والقديسون قالوا "إن التوبة تحول الزانى إلى بتول".

يتبعون الخروف حيثما ذهب = فى حب تبع يوحنا الحبيب المسيح حتى الصليب فلم يحتاج أن يسمع من المسيح قوله " إتبعنى " أما بطرس حينما قال له الرب أنه سيصلب، إضطر الرب لأن يقول له إتبعنى ليشجعه على قبول الصليب (يو18:21-22). إذا كلما إزدد ناحبا نتبع المسيح حيثما يريدنا أن نذهب بل هو معنا يذهب معنا = حيثما ذهب باكورة لله = راجع (خر2:13) ومنها نفهم أن كل باكورة مخصصة لله أى مقدسة لله ومكرسة لله، حتى باكورة الحيوانات وباكورة المحاصيل الزراعية. وبهذا المفهوم كان البكر فى المواليد مخصص لله حتى تم إستبدال الأبكار باللاويين.

وبهذا نفهم أن هؤلاء الـ 144000 هم مقدسين أى مكرسين لله. وهذه تنطبق على المتزوجين أيضا.

وللخروف = ألم يشترهم الخروف بدمه فصاروا ملكه. وهذا ما شرحه المسيح فى (يو10،9،6:17) فهؤلاء المقدسين هم للآب كما للإبن.

 

آية 5 "و في افواههم لم يوجد غش لانهم بلا عيب قدام عرش الله".

هؤلاء المقدسين هم أمناء صادقون = فى أفواههم لم يوجد غش = أى لم يسيروا وراء الشيطان الكذاب وأبو الكذاب (يو44:8). ولم يرددوا كذب وضلال وغش الوحش ولا النبى الكذاب بل شهدوا للمسيح.

بلا عيب = كل من هو ثابت فى المسيح يكمله المسيح فيصير بلا عيب قدام الله كما قال بولس الرسول " قد صالحكم الآن. فى جسم بشريته بالموت ليحضركم قديسيين وبلا لوم ولا شكوى أمامه (كو22،21:1).

 

الآيات 6-11 "ثم رايت ملاكا اخر طائرا في وسط السماء معه بشارة ابدية ليبشر الساكنين على الارض و كل امة و قبيلة و لسان و شعب. قائلا بصوت عظيم خافوا الله و اعطوه مجدا لانه قد جاءت ساعة دينونته و اسجدوا لصانع السماء و الارض و البحر و ينابيع المياه. ثم تبعه ملاك اخر قائلا سقطت سقطت بابل المدينة العظيمة لانها سقت جميع الامم من خمر غضب زناها. ثم تبعهما ملاك ثالث قائلا بصوت عظيم ان كان احد يسجد للوحش و لصورته و يقبل سمته على جبهته او على يده. فهو ايضا سيشرب من خمر غضب الله المصبوب صرفا في كاس غضبه و يعذب بنار و كبريت امام الملائكة القديسين و امام الخروف. و يصعد دخان عذابهم الى ابد الابدين و لا تكون راحة نهارا و ليلا للذين يسجدون للوحش و لصورته و لكل من يقبل سمة اسمه".

 الله لا يترك الناس تهلك دون إنذار، والله أرسل الأنبياء فى العهد القديم لينذروا الناس، وأرسل يونان لنينوى. وهنا نرى الله يرسل ثلاث ملائكة للإنذار وربما يكونوا رسلا. فكلمة ملاك تعنى مرسل. وقيل أن الثلاثة سيكونوا هم إيليا واخنوخ والكتاب المقدس. المهم ستكون كلمة الله فى أفواه الرسل.

 

الملاك الأول آيات 7،6:-

 هذا الملاك الأول يبشر المؤمنين الصابرين فى الضيق أن يوم النهاية قد إقترب، وأن إحتمالهم للضيق سيكون لوقت قليل ثم يتمجدوا.

طائرا فى وسط السماء = إشارة لأن هذا الرسول سيجول بسرعة فى وسط الكنيسة التى تحيا فى السماويات، يبشرها ليسود الفرح الكنيسة. وليدعو المؤمنين للثبات فى عبادتهم لله قائلا أسجدوا لصانع السماء.

 

الملاك الثانى آية 8:-

هذا رسول آخر ينذر بخراب بابل، وبابل فى الكتاب المقدس هى دولة الشر ومقاومة الله فى العالم منذ القديم، فبابل بدأت مقاومة الله ببناء برج بابل منذ القديم، ودولة بابل غرقت فى الوثنية والزنا، ودولة الشر فى العالم خطيتها الأولى والكبيرة هى خطية الزنا، وكثيرين تعلقت شهواتهم بهذه الخطية التى يسهلها إبليس منذ القديم، ويسير المنخدعون كالسكارى وراء خطية الزنا هذه. ولكن هذه الخطية تثير غضب الله = خمر غضب زناها أى أنهم كمن فقد صوابه، كالسكير يندفع فى طريق الزنا، وهذا يجلب غضب الله عليه. وهذه الخطية تختلف عن أى  خطية آخرى كما يقول بولس الرسول (1كو15:6 – 20)

سقطت سقطت = التكرار بصيغة الماضى يشير لأن الأمر مقرر من قبل الله وأنه مؤكد الحدوث. وبهذا نفهم أن هذا الملاك ينذر ويحذر زناة هذا العالم بسقوطهم وخرابهم إن لم يتوبوا عن أعمالهم.

 

الملاك الثالث آيات 9-11:-

هذا الملاك ينذر بعدم التبعية للوحش، وإلا سيشرب من يتبعه من خمر غضب الله. المصبوب صرفا= أى بلا ماء (فالعادة أن يخلط الخمر بالماء لتخفيفه). وفى هذا إشارة لأن غضب الله سيكون غضبا مركزا وبلا رحمة. هم أرادوا أن يشربوا خمر لذة الزنا ولكن الله سيجعلهم يشربون كأس خمر غضبه، ولاحظ تشبيه الخطية بالخمر، وغضب الله بالخمر، فعقوبة الخطية فيها. فالله يريدنا أن نعبده وحده، وعبادة الله تحرر، لكن هناك من يتصور أنه يريد أن يتحرر من الله ويسلك كما يشاء فى حرية مزعومة، لكنه يجد نفسه مستعبدا للشيطان يذله ويذهب عنه سلامه وفرحه. إذا نفهم أن عقوبة الخطية فيها، فالله أعطى الوصية لصالح الإنسان لا ليتحكم فى الإنسان. مثال آخر لنفهم أن عقوبة الخطية فى الخطية، فالله يوصينا بان نحب أعدائنا، فمن لا يريد تنفيذ الوصية ويملأ قلبه حقدا وكراهية ضد شخص آخر يصاب بالأمراض وبفقدان السلام. من هنا جاء تشبيه الخطية وغضب الله كلاهما بالخمر أى بنفس الشىء. ولماذا الخمر بالذات  فالخطية تجعل الإنسان يظن أنه فى نشوة كمن يترنح من الخمر. ولكنه سيترنح من غضب الله.

أمام الملائكة وأمام الخروف = الملائكة شهود على عدالة الله، فهم أنذروا، والله أرسلهم حتى يتوب الأشرار، إذا فالله لم يقصر معهم.

دخان عذابهم = الدخان يصعد إذا كان هناك شىء يحترق، والمعنى عدم تلاشى الأشرار، بل أن عذابهم سيكون دائم = نهارا وليلا = أى بصفة مستمرة.

 

آية 12 "هنا صبر القديسين هنا الذين يحفظون وصايا الله و ايمان يسوع".

 الإشارة للصبر هنا هى نظرا لشدة الإضطهاد فى تلك الأيام. والصبر يدعمه رجاء المجد للأبرار وتأكيد عذاب الأشرار. وإن كنا نصبر فسنملك أيضا معه (2تى12:2).

آية 13 "و سمعت صوتا من السماء قائلا لي اكتب طوبى للاموات الذين يموتون في الرب منذ الان نعم يقول الروح لكي يستريحوا من اتعابهم و اعمالهم تتبعهم".

هذه الآية فيها تشجيع لمن يستشهد على يد ضد المسيح بسبب إيمانه. وهنا بعد أن شرح العذاب الأبدى للأشرار والمجد الأبدى للأبرار يطوب كل من مات فى بره عبر الزمان، فلن يلحقه عذاب، بل سيحيا للأبد فى فرح.  بالمسيح صار الموت عبور للراحة والفرح ثم المجد. نعم يقول الروح = هذا هو تعليم الروح القدس الذى يعلمنا كل شىء ويذكرنا دائما بهذا فنصير على آلام الزمان الحاضر (يو26:14).

وأعمالهم تتبعهم = هنا نرى أهمية الأعمال.

 

آية 14 "ثم نظرت و اذا سحابة بيضاء و على السحابة جالس شبه ابن انسان له على راسه اكليل من ذهب و في يده منجل حاد".

 هنا نرى السيد المسيح وفى يده منجل حاد. فوقت الحصاد قد إقترب، وقصة الحصاد شرحها السيد المسيح بنفسه فى مثل الحنطة والزوان (مت24:13-30).

فالحنطة نما معها الزوان، ولكن فى اليوم الأخير حين ينضج المحصول تجمع الحنطة للبيادر (أى الأبرار يذهبون للسماء) والزوان يحرق (أى يذهب الأشرار للنار الأبدية). وشرحها فى مثل الخراف الذين يذهبون إلى اليمين والجداء إلى الشمال فى ذلك اليوم.

سحابة بيضاء = اللون الأبيض يشير للبر والعدل فهو يحكم بعدل. وكما عرفنا من قبل فالسحاب يظهر دائما مرافقا لمجد الله حتى يحجب نوره ومجده الذى لن نحتمله. لكن كلما كانت السحابة بيضاء تخللتها أشعة الشمس. وهنا نرى سحابة بيضاء والمعنى أن الأبرار بدأوا الآن يشعرون بالأكثر بمجد ونور السيد المسيح، وأيضا غضبه وعدله وإنتقامه صاروا ظاهرين بوضوح للكل.

شبه إبن إنسان = لأن مجد لاهوته أعطاه صورة مهيبة (راجع إصحاح 1).

 له... إكليل = علامة الغلبة النهائية على أعدائه.

فى يده منجل حاد = إشارة للملائكة الذين سيجمعون مختاريه مميزين الخراف عن الجداء راجع (مت32:25).

جالسا = لقد إستراحت نفسه من جهة كنيسته، فزمان جهادها قد إنتهى. قبل ذلك رأيناه ماشيا وسط كنيسته كما رآه يوحنا (رؤ1:2) وذلك ليحميها من أعدائها ورأيناه قائما يشفع فيها كما رآه إسطفانوس (أع56:7).

 

آية 15 "و خرج ملاك اخر من الهيكل يصرخ بصوت عظيم الى الجالس على السحابة ارسل منجلك و احصد لانه قد جاءت الساعة للحصاد اذ قد يبس حصيد الارض".

خرج ملاك.. من الهيكل = الهيكل هو مكان القديسين فى السماء. وقد رأينا هؤلاء القديسين من قبل يصرخون بصوت عظيم طالبين من السيد أن ينتقم لدمائهم (رؤ10:6) ومعنى طلبهم هذا أن تأتى النهاية ليلقى كل واحد نصيبه، هم يتمجدوا، ويظهر عدل الله وقداسته فى عقاب الأشرار ويكفوا عن التمرد على الله. وهنا نجد هذا الملاك صارخا مثلهم، فالملائكة لهم نفس شهوة الأبرار بصوت عظيم = كما صرخوا هم. إرسل منجلك = هذا دعاء ورجاء. لأنه قد جاءت الساعة = هم عرفوا من العلامات المذكورة فى الكتاب المقدس أن الوقت قد حان.

يبس حصيد الأرض= نضج وحان الأوان للحصاد. ليذهب القمح إلى المخازن والزوان لحريق النار. ويبس تفهم أن الأشرار إستنفذوا كل فرصة لهم للتوبة. وقوله يبس تشير أنهم بلا ماء (رطوبة) أى أطفأوا الروح القدس (المكنى عنه بالماء).

 

آية 16 "فالقى الجالس على السحابة منجله على الارض فحصدت الارض".

 الجالس على السحابة هو السيد المسيح. ألقى منجله على الأرض = أى أعطى أوامره للملائكة لبدء عملية الحصاد.

 

آية 17 "ثم خرج ملاك اخر من الهيكل الذي في السماء معه ايضا منجل حاد".

 هذا هو الملاك المكلف بالحصاد خرج لينفذ أوامر المسيح.

 

آية 18 "و خرج ملاك اخر من المذبح له سلطان على النار و صرخ صراخا عظيما الى الذي معه المنجل الحاد قائلا ارسل منجلك الحاد و اقطف عناقيد كرم الارض لان عنبها قد نضج".

 له سلطان على النار = هذا الملاك يلقى الزوان أى الأشرار فى النار ليحرقوا كما جاء فى مثل الحنطة والزوان.

عناقيد كرم الأرض = كرم الأرض أى الأشرار، فالأبرار هم كرم الله (نش12:8) وقد أسماهم من قبل حصيد الأرض اليابس (آية 15).

عنبها قد نضج = كأس غضب الله قد إمتلأت من شرورهم.

 

آيات 20،19 "فالقى الملاك منجله الى الارض و قطف كرم الارض فالقاه الى معصرة غضب الله العظيمة.  ديست المعصرة خارج المدينة فخرج دم من المعصرة حتى الى لجم الخيل مسافة الف و ست مئة غلوة".

 تفهم بطريقتين:- الأولى روحية (دينونة للأشرار) والثانية مادية (حرب) أن الأشرار سيلقون فى معصرة غضب الله خارج المدينة السماوية، أورشليم السماوية حيث يلاقون عذابات أليمة شبهت هنا بقوله فخرج دم من المعصرة. وهؤلاء الأشرار سيكونون كثيرين حتى أن دماءهم إرتفعت حتى إلى لجم الخيل.

ألف وستمائة غلوة = 4×4 ×100 ورقم 4 هو رقم الشمولية لكل جهات العالم الأربعة والمعنى أن الدينونة هى لكل الأرض، كما أن فرص التوبة هى أيضا الآن لكل الأرض.

تفسير آخر :- 1600 = 40×40، 40 هو رقم الإنتظار الذى يأتى بعده إما بركة أو عقوبة وهؤلاء الأشرار إستنفذوا فرصهم، ولقد نفذ صبر الله معهم.

2- قد تشير الأيات لمعركة يحيط فيها الأشرار بشعب الله المكنى عنه بالمدينة.

والأشرارهم من تابعى الوحش، وتاتى عليهم ضربة رهيبة خارج أورشليم أى المدينة، أى أن الضربة تصيبهم ولا تصيب أولاد الله. وهذا معنى ما أتى فى رؤ 7:20-9. وهؤلاء الأشرار سيهلكون خارج المدينة. فالضربة موجهة لتابعى الوحش وليس لشعب الله. وقوله أن الدماء حتى إلى لجم الخيل تفهم فى هذا التفسير حرفيا أنها تشير لكثرة عدد القتلى فهم كانوا بحسب (رؤ7:20-9) كرمل البحر.


 

الإصحاح الخامس عشر

آية 1 "ثم رايت اية اخرى في السماء عظيمة و عجيبة سبعة ملائكة معهم السبع الضربات الاخيرة لان بها اكمل غضب الله".

فى السماء = أوامر إلهية بتوجيه ضربات شديدة لمملكة الشر فى العالم، حتى يرى المؤمنين المترددين آلام الأشرار فلا يشتهوا شرورهم، وربما يتوب البعض من الأشرار. عظيمة وعجيبة = لقد تصور الناس أن قوة الوحش جبارة ولا نهائية ولكنهم وبتدبير الله عن طريق ضرباته سيكتشفون خداعه وزيف إدعاءاته بل ضعفه وأنه لا شىء وغير قادر على شىء.

سبعة ملائكة = رقم 7 هو رقم الكمال، والسبعة الملائكة يشيرون لأن الضربات التى سينفذها هؤلاء الملائكة السبع هى كاملة فى تنفيذ هدف الله من الضربات. الضربات الأخيرة = فنحن الآن فى نهاية الأيام. هذه هى ضربات الأيام الأخيرة. على أننا رأينا ضربات الله للتأديب لم تتوقف عبر العصور إبتداء من ضربة الطوفان، لذلك قيل أن بها أكمل غضب الله = فهذه هى ضربات الله النهائية التى بدأت بالطوفان. وهذه تأتى فى نهاية الأيام وقبل الدينونة النهائية. وقوله أكمل أى لن تأتى ضربات ثانية على الأرض إلا الدينونة النهائية.

 

آية 2 "و رايت كبحر من زجاج مختلط بنار و الغالبين على الوحش و صورته و على سمته و عدد اسمه واقفين على البحر الزجاجي معهم قيثارات الله".

 كبحر من زجاج مختلط بنار = رأينا فى (رؤ6:4). أن أمام العرش بحر من زجاج شبه البلور، فهو يعكس مجد الله وهو مجد حقيقى. وكان هذا رمزا لأولاد الله المولودين من المعمودية ويعكسوا مجد الله. ولكننا نسمع هنا قوله كبحر = إذا هؤلاء ليسوا أولاد الله وليست لهم أمجاد حقيقية بل لهم أمجاد عالمية زائفة يحيا فيها أشرار العالم. وقوله مختلط بنار فهذا إشارة لفقدانهم السلام الذى يتمتع به أولاد الله، ولألامهم النفسية، فلا سلام يقول الله للأشرار (أش22:48) فلا سلام حقيقى خارجا عن المسيح ملك السلام. والنار أيضا تشير لضربات الله ضدهم لإضطهادهم أولاده.. نجد أولاد الله واقفين على هذه الـ (كبح) إشارة لإحتقارهم لأمجاد وملذات هذا العالم، وعدم إهتمامهم بالإضطهادات الموجهة إليهم، وهذا الإضطهاد نتيجة لرفضهم سمة الوحش. ونتيجة لذلك صارت حياتهم صعبة فهم لا يستطيعوا أن يبيعوا أو أن يشتروا لكن نرى معهم قيثارات الله = والقيثارة تستخدم فى التسبيح، فالله وضع فى قلوبهم فرحا وسلاما ووضع فى أفواههم التسبيح.

وهنا يثور سؤال.. أين هم هؤلاء المسيحيين، هل هم فى السماء أم على الأرض؟

الكنيسة نصفها فى السماء (الكنيسة المنتصرة) ونصفها على الأرض (الكنيسة المجاهدة) وهى كنيسة واحدة، صفتها الأساسية أنها كنيسة مسبحة لله، سواء كانت الكنيسة المنتصرة أو الكنيسة المجاهدة، ولكن بفارق واحد، أن الكنيسة المنتصرة لا تتألم، ونحن هنا أمام كنيسة واقفة على (كبحر) من زجاج مختلط بنار، إذا فى هذا إشارة على أن الكنيسة منتصرة على أمجاد هذا العالم، أى لا تشتهى بل تحتقر أمجاد هذا العالم، كما أنها منتصرة على آلامه وإضطهاداته التى هى كنار، أى لا ترهبها إضطهاداته وآلامه. وبهذا يكون الأكثر منطقية أن الكنيسة المقصودة هنا هى الكنيسة المجاهدة، وما يبدأ هنا من فرح وتسبيح كهبة من الله لمن يدوس على أمجاد هذا العالم، ما هو إلا مجرد عربون لما سنحصل عليه من فرح وتسبيح فى السماء.

 

آية 3 "و هم يرتلون ترنيمة موسى عبد الله و ترنيمة الخروف قائلين عظيمة و عجيبة هي اعمالك ايها الرب الاله القادر على كل شيء عادلة و حق هي طرقك يا ملك القديسين".

ترنيمة موسى = لأنهم منتصرين ومتحررين من عبودية إبليس، كما تحرر موسى من عبودية فرعون هو وشعبه فسبحوا. وترنيمة الخروف = أى يسوع الذبيح المنتصر على إبليس بصليبه.

عظيمة = اعمال الله فى فدائه الذى جعل به الإنسان وارثا للأمجاد.

عجيبة = هل كان أحد يتصور أن الله يتضع ويخلى ذاته ويصلب ويموت.

عادلة وحق = الله فى قداسته رفض أن يسامح على الخطايا، دون أن يتحمل أحد عقوبتها، فتحملها إبنه. وأحكامه فى تأديب الأشرار هى حق.

 

آية 4 "من لا يخافك يا رب و يمجد اسمك لانك وحدك قدوس لان جميع الامم سياتون و يسجدون امامك لان احكامك قد اظهرت".

 وحدك قدوس = ليست هناك قداسة خارجا عنه لأن جميع الأمم سيأتون ويسجدون أمامك. هنا يتحدث بصيغة المستقبل حين يخضع الكل له (عب8:2) + (1كو24:15-28)

لأن أحكامك قد أظهرت = نحن الآن لا نفهم حكمة الله فى كل الأمور، ولكننا فى السماء سنفهم كل شىء. كما قال السيد المسيح لبطرس لست تعلم الآن ما أنا أصنع ولكنك ستفهم فيما بعد (يو7:13).

 

آية 5 "ثم بعد هذا نظرت و اذا قد انفتح هيكل خيمة الشهادة في السماء".

 هيكل خيمة الشهادة = من هنا خرج السبع الملائكة المكلفين بتنفيذ الضربات وخيمة الإجتماع أطلق عليها خيمة الشهادة لأن بها لوحى الشهادة وعليهما الوصايا، وكانا موضوعين فى تابوت العهد المغطى بدم الكفارة.  والمعنى أن الضربات ستنصب على الأشرار لمخالفتهم الناموس والغير المؤمنين بالمسيح وفدائه.

 

آية 6 "و خرجت السبعة الملائكة و معهم السبع الضربات من الهيكل و هم متسربلون بكتان نقي و بهي و متمنطقون عند صدورهم بمناطق من ذهب".

شكل الملائكة هنا يشبه شكل المسيح كما رأيناه فى (رؤ13:1) وكان يشير للمسيح كديان (هذه ملابس القضاة) فالقضاة يتمنطقون عند صدورهم. وعمل الملائكة الآن فى ضرباتهم هو عمل دينونة. والمنطقة كانت من ذهب إشارة لأن الأحكام سمائية، فالذهب رمز للسمائيات. وكونهم متسربلين بكتان نقى لونه أبيض، فهذا إشارة لأن الأحكام التى ينفذونها كلها بر وحق وعدل، فالأشرار حكموا على أنفسهم إذ رفضوا كل الإنذارات الإلهية.

 

آية 7 "و واحد من الاربعة الحيوانات اعطى السبعة الملائكة سبعة جامات من ذهب مملوة من غضب الله الحي الى ابد الابدين".

وواحد من الأربعة الحيوانات = الأربعة الحيوانات هم طغمة الكاروبيم والكاروبيم رأيناه ولأول مرة على باب جنة عدن ولهيب سيف متقلب لحراسة طريق شجرة الحياة (تك24:3). وكان الكاروبيم هنا شاهدا على عدل الله وبر أحكامه. ورأينا ملاكين كاروبيم على تابوت العهد، وكانا شاهدين على مراحم الله تجاه الإنسان، فالدم يكفر عن خطية الإنسان ومخالفته لوصايا لوحى الشهادة. فالكاروب جعله الله شاهدا على بره تجاه الإنسان وعدل أحكامه ورحمته تجاه الإنسان. إذا حين يعطى الكاروبيم السبعة الملائكة، سبعة جامات مملوءة من غضب الله فهذا يعنى أن الكاروبيم شاهد على عدل الله تجاه البشرمن الأشرار، الذين لم يستفيدوا من رحمة الله وفدائه.

جامات = هى أوانى مسطحة وواسعة منها ينسكب غضب الله دفعة واحدة وبلا رحمة كما سبق وقال " سيشرب من خمر غضب الله المصبوب صرفا فى كأس غضبه (رؤ10:14). وهى من ذهب إشارة لأن هذه الأحكام سمائية وبمعايير سمائية وليست أرضية، فالمعايير الأرضية البشرية معرضة للخطأ والإنفعالات البشرية، وهى ليست وليدة الصدفة أو أى معايير خاطئة مستندة على أحداث أرضية.

 

آية 8 "و امتلا الهيكل دخانا من مجد الله و من قدرته و لم يكن احد يقدر ان يدخل الهيكل حتى كملت سبع ضربات السبعة الملائكة".

 إمتلأ الهيكل دخانا = إشارة لأن غضب الله قد وصل للذروة، وأيضا يشير الدخان لعدم إدراك البشر لأحكام الله خصوصا مع عنف الضربات التى ستنصب على البشر فى تلك الأيام.

من مجد الله = فاللهمم قدوس لا يحتمل الخطية.

ومن قدرته = فالأشرار ظنوا طول أناة الله عليهم ضعفا (2بط4:3).

لم يكن أحد يقدر أن يدخل الهيكل = إنتفت الشفاعة، والرحمة قد إستوفت زمانها. ولابد أن ضربات الله تنصب على الأشرار.  فالأحكام صدرت ولا راد لها.


 

الإصحاح السادس عشر

هنا نسمع عن ما هى هذه الضربات التى ستنصب من الجامات التى أشير إليها فى الإصحاح السابق. وإذا كانت الختوم السبعة هى إعلان عما سيقابل الكنيسة فى مسيرتها وإذا كانت الأبواق السبعة هى إنذارات الله للناس حتى يتوبوا.

فإن الجامات السبعة هى أحكام الله ضد الأشرار فى آخر الأيام بعد أن فاض الكيل، وتصلف الإنسان وإزداد شره وتحدى الله نفسه.

والجامات تختلف عن الأبواق فى الآتى:-

1.     الأبواق تشير لضربات تصيب 1/3 الناس ليعطى الباقين فرصة للتوبة. أما الجامات فهى ضد الكل لأنها عقوبات غضب الله.

2.     ضربات الأبواق أصابت الناس إبتداء من البوق الخامس، أما الجامت فأصابت الناس إبتداء من الجام الأول.

إذا فضربات الجامات شاملة وأكثر عنفا، هى للدينونة أكثر منها للإنذار. ومكانها بين البوق السادس والبوق السابع. وغالبا فأحداثها هى ما وردت فى السفر الصغير (رؤ10:10).

 

آية 1 "و سمعت صوتا عظيما من الهيكل قائلا للسبعة الملائكة امضوا و اسكبوا جامات غضب الله على الارض".

صوتا عظيما = فهو أمر صادر من الله. إسكبوا جامات غضب الله = الجامات هى أحكام إدانة ضد مملكة الشر فى العالم.

 

آية 2 "فمضى الاول و سكب جامه على الارض فحدثت دمامل خبيثة و ردية على الناس الذين بهم سمة الوحش و الذين يسجدون لصورته.

 الجام الأول:- سكب جامة على الأرض = هذه الضربة موجهة للأجساد التى هى مأخوذة من الأرض (وقد تعنى الأرض المكان الذى يملك فيه الوحش) وهذه الضربة هى ضربة أوبئة وأمراض تحل بالأجساد التى إستخدمت فى الخطية. أمراض تجعل الحياة مرة. هم ظنوا أن الخطية سوف تعطيهم لذة لكنها أعطتهم مرارة. وها نحن نرى عواقب الخطية الآن فى أمراض كالزهرى والإيدز. والزهرى يبدأ بقرحة صغيرة ثم طفح جلدى ثم شلل مع جنون. فما بالك بالأمراض التى ستنسكب مع الجام الأول. هى بالتأكيد ابشع مما نعرفه الآن. والله سيسمح بهذه الضربة المؤلمة لتابعى ضد المسيح حتى يظهر للناس فساد دعوته.

 

آية 3 "ثم سكب الملاك الثاني جامه على البحر فصار دما كدم ميت و كل نفس حية ماتت في البحر".

 الجام الثانى:- سكب جامه على البحر = البحر يشير للعالم المضطرب كما قلنا والذى يحيا فى ملذاته الحسية التى يشرب منها يعطش. وهذه الضربة موجهة لمن إنغمس فى حياة الشر فى العالم، مثل هذا سيكون كميت، ميت روحيا، أى منفصل عن الله أو يعنى إزدياد القتل فى العالم.

هؤلاء يمنع الله عنهم سلامه وتعزياته فيصيروا كأموات.

وربما تفهم الآية حرفيا بأنه ستحدث حرب تسيل فيها دماء كثيرة فى البحر من ركاب السفن، أو تنفجر هذه السفن ويسيل  البترول منها محدثا تلوث بيئى تموت معه الكائنات البحرية. أو ربما نتيجة الأسلحة المدمرة الحديثة يحدث هذا التلوث. وقد راينا مثل هذا فى حرب الخليج، فما بالك بما سيحدث مع الجام الثانى.

 

آيات 4-7 "ثم سكب الملاك الثالث جامه على الانهار و على ينابيع المياه فصارت دما. و سمعت ملاك المياه يقول عادل انت ايها الكائن و الذي كان و الذي يكون لانك حكمت هكذا. لانهم سفكوا دم قديسين و انبياء فاعطيتهم دما ليشربوا لانهم مستحقون. و سمعت اخر من المذبح قائلا نعم ايها الرب الاله القادر على كل شيء حق و عادلة هي احكامك".

الجام الثالث:- سكب جامه على الأنهار وينابيع المياه = الأنهار وينابيع المياه إشارة لمصادر الدخل والأموال والخيرات المادية عموما. وهذه قد يتصارع عليها الأشرار لدرجة الموت = الدم. ونرى الآن ملامح هذا فى الصراع على مصادر المياه كالأنهار والينابيع. فأعطيتهم دما ليشربوا = صار سفك الدم يروى غليلهم. هذه صورة نرى فيها الصراع الرهيب على الماديات. وقد يشير هذا لمعارك رهيبة دموية تلوث مصادر المياه، كما حدث فى معارك رواندا وبوروندى سنة 1994 حيث قتل حوالى المليون نسمة وألقوا جثثهم فى البحيرة التى تغذى نهر النيل.

وهناك رأى آخر أن الأنهار تشير للمصادر الروحية للتعليم الروحى وهذا قد شوهه الهراطقة. وتكون هذه الضربة موجهه للهراطقة الذين صارت تعاليمهم المزيفة مصدر موت (دم) لا حياة. لم تعد مصدر تعزية وسلام بل هلاك. وربما تكون هذه الضربة موجهة لتابعى الوحش الذين سلمهم الوحش مراكز قيادية وصاروا يبشرون به، وهؤلاء أيضا ستصير تعاليمهم مصدر موت أى دم. وكون المياه تتحول لدم فهذا إشارة للعطش المميت سواء إلى الماء أو كلمة الله. وإذا كان شرب المياه رمز للحياة وشرب الخمر رمز للفرح، فشرب الدم هو رمز للموت. وهؤلاء الذين أعطاهم الله أن يشربوا الدم أى يموتوا كان هذا لإستحقاقهم ولإضطهادهم لشعبه.

ملاك المياه = يظهر من هذا أن الله وضع ملاكا حارسا على عناصر الخليقة حتى لا يكون للشيطان مطلق التصرف، فيسىء إساءات بالغة للبشرية. بهذا نرى أن حركة الشيطان مقيدة. وإذا سمح له الله أن يؤذى أحدا فيكون هذا كضربة تأديب لهذا الشخص. ونرى هنا أن الملاك يقول لله أنه عادل... إذا هى أحكام صادرة من الله، والملائكة شهود على عدل الله فى أحكامه.

 

آيات 9،8 "ثم سكب الملاك الرابع جامه على الشمس فاعطيت ان تحرق الناس بنار. فاحترق الناس احتراقا عظيما و جدفوا على اسم الله الذي له سلطان على هذه الضربات و لم يتوبوا ليعطوه مجدا".

 الجام الرابع :- سكب جامه على الشمس = تفهم هذه الضربة بأن حرارة الشمس ستزداد، ومن المعروف الآن أن بعض المناطق فى العالم يؤثر فيها ثقب الأوزون مما يسبب الإصابة بسرطان الجلد. فماذا سيحدث لو إتسع هذا الثقب وماذا سيحدث فى هذا الوقت حينما يسكب الجام الرابع؟!

من المؤكد أنها ستكون ضربة رهيبة وستكون حرارة الشمس رهيبة.

ولم يتوبوا ليعطوه مجدا... بل جدفوا على إسم الله = إذا نفهم أن الهدف من الضربات أن يتوب الناس ولكن قسوة قلوبهم جعلتهم بدلا من أن يتوبوا، يجدفون على الله. لذلك سمعنا أن خطية هذه الأيام تسمى خطية مصر بسبب العناد مع إزدياد الضربات، كما إزداد فرعون عندا مع ضربات موسى العشر وقيل أن الشمس قد تشير للوحش الذى سيدعى الألوهة ولكن حكمة سيكون حارقا ومؤذيا لتابعيه.

 

آيات 11،10 "ثم سكب الملاك الخامس جامه على عرش الوحش فصارت مملكته مظلمة و كانوا يعضون على السنتهم من الوجع. و جدفوا على اله السماء من اوجاعهم و من قروحهم و لم يتوبوا عن اعمالهم".

 الجام الخامس:- سكب جامه على عرش الوحش = هنا الجام منصب على عرش الوحش، فتصير مملكته مظلمة روحيا وأدبيا وسياسيا وماديا بسبب عنف الضربات الموجهة ضدها. ويسود المملكة الفساد والذبول والتخبط، فالضربة ضد عرشه فيتحير الناس من هو. كما قال عبيد فرعون لفرعون بعد ضربات موسى ألم تعلم أن أرض مصر خربت (خر7:10). وكانوا يعضون ألسنتهم = لأن أمالهم قد خابت وذبلت مملكتهم. وعض الألسنة إشارة للغيظ من ذبول المملكة التى ظنوها مصدر ملذاتهم، ومع هذا لم يتوبوا. ولاحظ أن الضربة موجهة لمملكة الوحش فقط كما كان يحدث مع فرعون إذ يسود الظلام مملكته دون أرض شعب الله (خر6:9) + (خر23،22:10).

 

آيات 12-16 "ثم سكب الملاك السادس جامه على النهر الكبير الفرات فنشف ماؤه لكي يعد طريق الملوك الذين من مشرق الشمس. و رايت من فم التنين و من فم الوحش و من فم النبي الكذاب ثلاثة ارواح نجسة شبه ضفادع. فانهم ارواح شياطين صانعة ايات تخرج على ملوك العالم و كل المسكونة لتجمعهم لقتال ذلك اليوم العظيم يوم الله القادر على كل شيء. ها انا اتي كلص طوبى لمن يسهر و يحفظ ثيابه لئلا يمشي عريانا فيروا عريته. فجمعهم الى الموضع الذي يدعى بالعبرانية هرمجدون".

 الجام السادس :- سكب جامه على النهر الكبير الفرات = نهر الفرات هو الذى يغذى مملكة بابل، التى هى مملكة الشر فى العالم (صار إسم بابل لوثنيتها ونجاستها وتحديها لله وإستعبادها وسبيها لشعب الله رمزا للشر فى الكتاب المقدس)

ونشف ماؤه =

1.     حدث هذا فعلا أيام كورش إذ حول مجرى النهر ليدخل إلى بابل بعد أن أغلق ملك بابل أسوارها، وبهذا أسقط كورش مملكة بابل.

2.     إذا فهمنا أن بابل تشير لمملكة الشر فى العالم، فكون أن النهر يجف يفهم على أن كل خيرات مملكة الشر ستجف ينابيعها لتنهار مملكة الشر. فالأنهار هى إشارة لمصادر الخير والحياة للشعوب. إذا المعنى توقف الخيرات المادية عن مملكة الوحش، وتوقف الإمتيازات التى يقدمها الوحش لتابعيه.

3.     قد يتكرر ما حدث أيام كورش ثانية ويجف لسبب أو لآخر النهر فعلا، ويكون هذا بداية لتدخل ملوك آتين من الشرق للحرب. وربما يأتى هؤلاء الملوك ليحاربوا الوحش أو يأتوا ليعاونوه ثم ينقلبوا عليه. وهم سيأتون عبر نهر الفرات الذى جفت مياهه.

4.     لاحظ أنه فى البوق السادس سمعنا عن فك الأربعة الملائكة المقيدين عند النهر العظيم الفرات لكى يقتلوا ثلث الناس (رؤ13:9-15). وهنا نسمع عن حرب رهيبة. ويبدو أن نهر الفرات هو بداية سلسلة من الحروب الدموية.

من فم التنين (الشيطان) ومن فم الوحش (القائد المدنى) ومن فم النبى الكذاب (السلطة الدينية اليهودية). وتكرار كلمة من فم يشير لأنها أقوال وتعاليم أو أنها دعوة للحرب وإثارة  وتهييج للشعوب والحكام لقيام حرب دموية رهيبة.

 لتجمعهم لقتال = هم بأقوالهم وأفكارهم النجسة سيجمعون جيوش للحرب فى معركة رهيبة أسماها هنا هرمجدون.

شبه ضفادع.. ثلثة أرواح = الضفادع تعتبر نجسة عند اليهود. والمعنى أن أرواح شياطين نجسة ستعمل فى أشخاص مندوبين عن الوحش والنبى الكذاب وعن الشيطان. وسيكونوا كأفواه لهم ويدعون الدول للدخول فى حرب رهيبة يسيل فيها كثير من الدماء. وتشبيههم بالضفادع فهو لأنهم لا يطيقون النور بل يخرجون فى الظلام، فالذى يحركهم أرواح نجسة خاضعة للشيطان سلطان الظلمة. وهم كالضفادع يملأون الدنيا ضجيجا فى قفزهم من مكان إلى مكان، يدعون الجميع للقتال ليشتبك هذا مع ذاك ويأتى الدمار على الجميع فى موقعة هرمجدون.

هرمجدون = الموضع الذى ستدور فيه المعارك. ولاحظ قوله الموضع الذى يدعى بالعبرانية = فهذا يشير إلى أن هذه المعركة ستكون على أرض فلسطين وتفسير الإسم :- هر = كلمة عبرية معناها جبل.

مجدو = هى مكان فى فلسطين، كان فى إسرائيل أيام دولة داود وسليمان وما بعدها. وتسمى الآن برج إبن عامر، دارت فيها أكثر من 200 معركة وفيها قتل يوشيا الملك القديس على يد نخو ملك مصر. فهى بقعة سالت فيه دماء كثيرة تاريخيا ودارت فيها معارك كثيرة. وعبر التاريخ إمتلأت هذه البقعة بجثث كثيرة نتيجة الحروب الكثيرة.

مجدون = للجمع وهذا فيه إشارة لتجمع جيوش عديدة للحرب، يدور بينها معارك مأساوية. وهى معركة بتدبير من الله ليضرب بها أعداؤه وبها ينتهى كل شىء.

هرمجدون = جبل مجدو (بالجمع).

ها انا آتى كلص = والله يقول هذا حتى لا يهتم أحد بالبحث عن أوقات ومواعيد لتحديد يوم الله. وهذا تحذير لكل العصور. فما الفائدة من تحديد يوم القيامة أو تحديد موعد معركة هرمجدون إذا كنت أنا سأموت بعد دقائق.

يحفظ ثيابه = نحن حصلنا على ثياب البر والخلاص يوم المعمودية. وهى ثياب فضائل. فعلينا أن نحفظها فلا نوجد عريانين كآدم وحواء.

يروا عورته = يفضح فى يوم الرب، أى لا شىء يستره أمام الرب.

 

آيات 17-21 "ثم سكب الملاك السابع جامه على الهواء فخرج صوت عظيم من هيكل السماء من العرش قائلا قد تم. فحدثت اصوات و رعود و بروق و حدثت زلزلة عظيمة لم يحدث مثلها منذ صار الناس على الارض زلزلة بمقدارها عظيمة هكذا. و صارت المدينة العظيمة ثلاثة اقسام و مدن الامم سقطت و بابل العظيمة ذكرت امام الله ليعطيها كاس خمر سخط غضبه. و كل جزيرة هربت و جبال لم توجد. و برد عظيم نحو ثقل وزنة نزل من السماء على الناس فجدف الناس على الله من ضربة البرد لان ضربته عظيمة جدا".

 الجام السابع :- سكب جامه على الهواء = الشيطان هو رئيس سلطان الهواء أف 2:2. والملاك هنا نجده يسكب جامه على الهواء، إذا فهى ضربة موجهة لإبليس أى التنين. وهذا إيذان بإنتهاء كل شىء وإنحلال الأرض وما عليها لذلك نسمع هنا قوله قد تم

أصوات = هى أصوات تسابيح أولاد الله لإنتصار الكنيسة.

رعود = أصوات مرعبة للأشرار بدينونتهم.

بروق = هذه لأولاد الله وتعنى وعود بأمجاد إقتربت.

زلزلة = هى للأشرار تعلن لهم إهتزاز كل ما تمسكوا به فى هذا العالم ووضعوا فيه ثقتهم. والتفسير المكمل أن زلزالا رهيبا يدمر كل شىء سوف يحدث صارت المدينة العظيمة.

ثلاثة أقسام = ربما لتصارع ثلاث قوى عليها. وربما إنقسمت المدينة العظيمة أى أورشليم بين أتباع الوحش وبين المؤمنين بالمسيح الحقيقى وغيرهم.

ومدن الأمم = تسقط مدن عالمية وتدمر نتيجة الحروب. الأمم التى تعيش فى تيار شرور هذا العالم.

بابل العظيمة = مملكة الشر فى العالم.

كل جزيرة = البحر يشير للعالم والجزيرة جزء متميز وظاهر وسط البحر، لذلك فالجزر تشير للأشخاص العظماء المتميزين.. الكل سينتهى ويزول. وربما تشير لمن عاشوا وسط العالم وإبتلعهم العالم.

جبال = تشير للدول العظيمة القوية (رؤ10،9:17) الكل سينتهى ويزول.

برد عظيم = إشارة لقسوة التأديبات وغضب الله (فالوزنة = 45 كجم) وبهذا فالبرد سيسحق كثيرين ومع هذا لم يتوبوا.


 

الآصحاح السابع عشر

 أجل الوحى الحديث عن معركة هرمجدون التى سمعنا عنها فى نهاية الإصحاح السابق، ليعود ويحدثنا عنها فى نهاية الإصحاح التاسع عشر. أما فى هذا الإصحاح فيحدثناعن توقيت ظهور الوحش ثم فى الإصحاح الثامن عشر يحدثنا عن خراب مملكة الشر فى العالم، لإظهار غلبة المسيح على أعدائه وهى نهاية محتومة. وفى بداية إصحاح 19 نرى تهليل السمائيين بغلبة المسيح وظهور مجده وقداسته وعدله وإنتصاره، وفرح شعبه معه فى السماء.

 

أية 1 "ثم جاء واحد من السبعة الملائكة الذين معهم السبعة الجامات و تكلم معي قائلا لي هلم فاريك دينونة الزانية العظيمة الجالسة على المياه الكثيرة".

ثم جاء واحد من السبعة الملائكة = هؤلاء الذين يسكبون جامات الغضب. هذا أتى ليوحنا ليريه أن الآشرار المكنى عنهم بالزانية العظيمة، هم يستحقون هذه الضربات. ويسميها هنا بالزانية = لأنها تنحرف بالناس بعيدا عن الله. ويسميها العظيمة = من فرط قوة تأثيرها على الناس. والكتاب يسمى عبادة الأصنام زنا روحى. الجالسة على المياه الكثيرة = من أية 15 نفهم أن المياه الكثيره هى شعوب وجموع وأمم وألسنة بخيراتها التى وهبها لها الله لتمجده، فإستخدمت الخيرات لتستمتع بها بعيدا عن الله، بل إستخدمتها فى الشر هذه الزانية هى مانسميه فى الروحيات العالم، فالله خلق العالم لنستخدمه، فصار:

1.     إلها نتعبد له كالمال والجنس.

2.     صار إستخدامنا له فى الشر.

 

أية 2 "التي زنى معها ملوك الارض و سكر سكان الارض من خمر زناها".

 التى زنى معها ملوك الآرض= ربما يعنى بملوك الأرض، الملوك فعلا، فهم أكثر إنغماسا فى الملذات، ولكن غالبا فالمقصود بملوك الآرض، الناس الآشرار الذين يستمتعون بالخطايا المحرمة. وقارن هذا بأولاد الله الذين أسماهم ملوكا وكهنة (رؤ6:1) فملوك الأرض هؤلاء إمتلكوا ملذات وشهوات العالم الخاطئة وظنوا أنهم إمتلكوا كل شىء، وفى الحقيقة هم إمتلكوا أوهام فالعالم  باطل الأباطيل...

أما أولاد الله الملوك الحقيقيين هم إمتلكوا إرادتهم وتحكموا فى شهواتهم فما عادت هذه الشهوات تستعبدهم، بل هم ككهنة قدموا أجسادهم ذبيحة حية وصلبوا أهوائهم فحصلوا على الحرية الحقيقية التى للملوك، وما عادوا عبيدا لملذات وشهوات الأرض. هم كملوك ما عاد يسيطر عليهم شىء من شهواتهم. سكر سكان الأرض من خمر زناها = فالخطية كالخمر ينتشى بها الإنسان للحظات ثم يكتشف أنها دمرت حياته.

 

آية 3 "فمضى بي بالروح الى برية فرايت امراة جالسة على وحش قرمزي مملوء اسماء تجديف له سبعة رؤوس و عشرة قرون".

فمضى بى بالروح إلى برية = هنا يحدثنا عن مملكة الشر فى العالم ويصورها كإمرأة موجودة فى برية أى قحط روحى وجفاف وخراب، فالعالم مهما بدا أنه حافل بالملذات والخيرات إلا أنه برية قاحلة لا يشبع النفس أو يرويها.

وقارن مع (رؤ1:12) تجد أن عروس المسيح أى الكنيسة مشبهة هى الأخرى بإمرأة. وحين رآها يوحنا قال " ظهرت آية عظيمة فى السماء متسربلة بالشمس ".

جالسة على وحش قرمزى = الكنيسة كانت متسربلة بالرب يسوع، هو نورها ولها سماته، هى قد لبست الرب يسوع. وهى تحيا فى السماء. أما مملكة الشر فهى جالسة على الشيطان، يوجهها ويحملها ويدعمها وهو العامل فيها. وهو قرمزى، لأن الشيطان كان قتالا للناس منذ البدء (يو44:8).

مملوء أسماء تجديف فهو يدعى الألوهية، وهو مقاوم لله ويسب ويجدف على الله.

 له سبعة رؤوس = هى سبعة ممالك كبيرة فى التاريخ، قاومت الله.

وعشرة قرون = هم 10 ملوك يأتون فى آخر الزمان ليؤيدوا الوحش (ضد المسيح).

 

آية 4 "و المراة كانت متسربلة بارجوان و قرمز و متحلية بذهب و حجارة كريمة و لؤلؤ و معها كاس من ذهب في يدها مملوة رجاسات و نجاسات زناها".

الأرجوان والقرمز والذهب = هو لباس الملوك. فعروس الوحش تتزين لتخدع البسطاء وتجذبهم إلى سمومها، تتزين بالزمنيات فهى بلا جمال حقيقى، عكس الكنيسة التى تتزين بالرب يسوع نفسه (فهى متسربلة بالشمس).

معها كأس من ذهب فى يدها = تروى منه أتباعها ماء مالحا من يشرب منه يعطش، هى تقدم الملذات لتابعيها ولكنها لا تستطيع أن ترويهم.

مثال :- أغنى بلاد العالم نجد فيها الجنس مباح تماما، ولكننا نجد بها أعلى نسبة للإنتحار والأمراض النفسية. فالإنسان ليس جسدا ونفس فقط. بل الإنسان له روح وهى نفخة من الله وبهذا فهو لا يرتاح راحة حقيقية سوى بمعرفته لله وبعده عن الخطية. فهؤلاء نسوا أن فيهم روح وظنوا أن فى إشباع أجسادهم الكفاية، لكنهم لم يشبعوا أو يرتووا، بل إنتحروا. وعلى العكس نرى رهبانا تركوا العالم وعاشوا فى البرارى دون طعام أو شراب ودون عواطف بشرية ودون ملذات حسية، لكنهم فى قمة الفرح، مملوئين سلاما، فالروح مرتوية بالله.

 

آية 5 "و على جبهتها اسم مكتوب سر بابل العظيمة ام الزواني و رجاسات الارض".

وعلى جبهتها سر بابل = كانت العاهرات فى المجتمع الرومانى يحملن أسمائهن مكتوبة على جباههن كنوع من الدعاية لأنفسهم. وفى هذا منتهى الوقاحة وهذا ما نراه الآن فما عاد الأشرار يخجلون من زناهم ولا من شذوذهم الجنسى بل يفتخرون به. وقوله سر أى أن إسم بابل هو إسم رمزى لمملكة الشر فى العالم، المعاندة لله، فكما أن الكنيسة تدعى أورشليم أو صهيون بكونها مدينة الرب، هكذا صارت بابل رمزا لمدينة إبليس ورمزا للزنا الروحى وعناد الله.

هناك عريسين وعروستين :-

العروس الأولى هى الكنيسة                          وعريسها هو الرب يسوع تلتحف به

العروس الثانية هى بابل = مملكة الشر              وعريسها الذى يحملها هو إبليس

أم الزوانى = أى ينبوع الرذائل.

 

آية 6 "و رايت المراة سكرى من دم القديسين و من دم شهداء يسوع فتعجبت لما رايتها تعجبا عظيما".

سكرى من دم القديسين = هى إضطهدت شعب الله وقتلتهم وهذا بطريقتين :

1.     من كانوا قديسيين وأغوتهم فسقطوا وهلكوا، وصارت مسئولة عن دمائهم، وهى الآن سكرى أى فرحة من دمائهم أى بسقوطهم.

2.     قتل وإضطهاد القديسيين = ومن دم شهداء يسوع.

تعجبت =

1.     من طول أناة الله على هذه المرأة الشريرة بابل.

2.     ممن أغووا بغوايتها وهم عالمين بنهايتهم المؤلمة.

 

آيات 8،7 "ثم قال لي الملاك لماذا تعجبت انا اقول لك سر المراة و الوحش الحامل لها الذي له السبعة الرؤوس و العشرة القرون. الوحش الذي رايت كان و ليس الان و هو عتيد ان يصعد من الهاوية و يمضي الى الهلاك و سيتعجب الساكنون على الارض الذين ليست اسماؤهم مكتوبة في سفر الحياة منذ تاسيس العالم حينما يرون الوحش انه كان و ليس الان مع انه كائن".

 الوحش = هو الشيطان

كان = كان له سلطان على البشر، وكان يشتكى عليهم ويأسرهم، ويأخذ نفوسهم للجحيم عند موتهم

وليس الآن = فالمسيح بصليبه قيده ألف سنة (رؤ2:20) وما عاد له سلطان علينا بعد أن حررنا المسيح بفدائه (لو17:10-19) + (كو15،14:2). إذا المؤمن الآن صار له سلطان على إبليس، وليس لإبليس سلطان عليه وهو عتيد أن يصعد من الجحيم = فى نهاية الألف سنة لابد أن يحل إبليس زمانا يسيرا (رؤ3:20) وسيكون هذا فى مدة ضد المسيح والنبى الكذاب.

ويمضى إلى الهلاك = حين يطرح فى البحيرة المتقدة بالنار (رؤ10:20).

سيتعجب = أولاد الله لهم سلطان على إبليس وعلى شهواتهم ويحتقرون ملذات هذا العالم. وهذا الموقف سيجعل الآخرين = الذين ليست أسماؤهم مكتوبة فى سفر الحياة = هؤلاء سيتعجبون من هذا السلطان، فمن لا يعرف سر الصليب سيتعجب من سلطان أولاد الله.

 

آية 9 "هنا الذهن الذي له حكمة السبعة الرؤوس هي سبعة جبال عليها المراة جالسة".

السبعة رؤوس هى سبعة جبال = هذه السبعة رؤوس هى سبعة ممالك قوية عبر التاريخ، إضطهدت شعب الله. لكن رقم 7 هو رقم كامل. والمعنى أنه ربما نستطيع أن نحدد أسماء سبع ممالك فعلا قامت بإضطهاد شعب الله. ولكن المعنى أن شعب الله دائما مضطهد عبر العصور وفى كل مكان... "فجميع الذين يريدون أن يعيشوا بالتقوى فى المسيح يسوع يضطهدون"  (2 تى 12:3).

عليها المرأة جالسة  = أى أن هذه الممالك دعمت الشر وإضطهدت شعب الله. وسمعنا أن هناك شيطان كان مخصصا لملك فارس ليغويه على الشر (دا13:10).

وكان إسمه رئيس مملكة فارس. ولا حظ قوته فهو قاوم جبرائيل الملاك 21 يوما إلى أن أتى ميخائيل لمعاونته. وتشبيه الممالك بالجبال كان لأنها راسخة وقوية كالجبال، ولكن يأتى عليها وقت وتنهار ليأتى غيرها مكانها.

 

آية 10 "و سبعة ملوك خمسة سقطوا و واحد موجود و الاخر لم يات بعد و متى اتى ينبغي ان يبقى قليلا".

سبعة ملوك خمسة سقطوا وواحد موجود = الممالك هى :-

1.     مصر :- التى أذلت شعب الله.

2.     أشور :- التى سبت عشرة أسباط سنة 722 ق.م.

3.     بابل :- التى سبت يهوذا سنة 586 ق.م.

4.     فارس:- التى عطل بعض ملوكها بناء الهيكل.

5.     اليونان :- أشهر ملوكها الذى إضطهد شعب الله إضطهادا عنيفا ودنس الهيكل وذبح خنزيرة عليه كان هو أنطيوخس إبيفانيوس.

ووقت الرؤيا التى رآها يوحنا اللاهوتى كان هؤلاء الملوك الخمسة قد سقطوا فهذه الرؤيا كانت فى أيام الدولة الرومانية التى قامت على أنقاض الدولة اليونانية، كما قامت كل دولة من الدول الخمسة السابقة على أنقاض من كان موجودا قبلها.

6.     الرومان :- هؤلاء من قيل عنهم وواحد موجود فالرؤيا كانت أيامهم.

والرومان كان لهم 10 ملوك إضطهدوا المسيحية بعنف.

7.     والآخر لم يأتى بعد ومتى أتى ينبغى أن يبقى قليلا = على أنقاض المملكة الرومانية قام ملك آخر، غالبا هو حكم الملوك الآريوسيين الذين أنكروا ألوهية السيد المسيح وإضطهدوا الكنيسة إضطهادا عنيفا، وهذا الإضطهاد سيستمر فترة طويلة. وهو مستمر للآن فى هرطقات مثل شهود يهوة والأدفنتست.

 

آية 11 "و الوحش الذي كان و ليس الان فهو ثامن و هو من السبعة و يمضي الى الهلاك".

المملكة الثامنة هى مملكة الوحش الذى يدعمه إبليس = الذى كان وليس الآن وهو من السبعة = أى له نفس الروح العدائية لشعب الله أى الكنيسة، والشيطان يحركه كما كان يحرك السبعة وذكره وحده فيه إشارة إلى أن إضطهاده للكنيسة سيكون أعنف وبصورة لم تحدث مع السبع الممالك الآخرى.

 

آية 12 "و العشرة القرون التي رايت هي عشرة ملوك لم ياخذوا ملكا بعد لكنهم ياخذون سلطانهم كملوك ساعة واحدة مع الوحش".

سيقوم عشرة ملوك أيام الوحش ليدعموه.

ساعة واحدة = أى مدة قليلة، فلقد إقتربت الأيام.

 

آية 13 "هؤلاء لهم راي واحد و يعطون الوحش قدرتهم و سلطانهم".

لهم رأى واحد = أى يعقدون حلفا مشتركا سياسيا وعسكريا.

ويعطون الوحش قدرتهم = يساندون الوحش عسكريا، ويقاوم الجميع الكنيسة.

 

آية 14 "هؤلاء سيحاربون الخروف و الخروف يغلبهم لانه رب الارباب و ملك الملوك و الذين معه مدعوون و مختارون و مؤمنون".

من المؤكد أن النصرة ستكون للمسيح ولكنيسته، فالمسيح يحارب لأجلها ولن يتركها للنهاية... ولكن كيف يغلب الحمل هؤلاء المتحالفين ضد كنيسته؟.

هذا ما سيشرحه فى الآيات القادمة.

 

آيات 15-18 "ثم قال لي المياه التي رايت حيث الزانية جالسة هي شعوب و جموع و امم و السنة. و اما العشرة القرون التي رايت على الوحش فهؤلاء سيبغضون الزانية و سيجعلونها خربة و عريانة و ياكلون لحمها و يحرقونها بالنار. لان الله وضع في قلوبهم ان يصنعوا رايه و ان يصنعوا رايا واحدا و يعطوا الوحش ملكهم حتى تكمل اقوال الله. و المراة التي رايت هي المدينة العظيمة التي لها ملك على ملوك الارض".

هؤلاء الملوك العشرة تصوروا أن تحالفهم مع ضد المسيح سيكون سببا فى زيادة غناهم ومجدهم  ولكنهم سيدخلون حروبا مدمرة تخرب مدنهم.  سيجعلونها خربة وعريانة = ولاحظ أن هذا بسماح من الله ضابط الكل. الله وضع فى قلوبهم أن يصنعوا رأيه = الله سيترك الشر يفسد نفسه بنفسه. يأكلون لحمها ويحرقونها بالنار = إشارة لشدة التدمير الذى سيحل بهذه الممالك. ولاحظ أن كل ما يفعلونه سيكون لحساب المسيح وكنيسته، حتى وإن كانوا يفعلونه بدوافع شخصية. ويعطوا الوحش ملكهم = هم تضامنوا مع الوحش وسخروا له كل قدراتهم العسكرية. وكان تضامنهم مع الوحش سبب خرابهم.

المدينة العظيمة =

8.     قد تكون بابل مملكة الشر فى العالم.

9.     وقد تكون أورشليم التى بوجود الوحش فيها خضع لها ملوك العالم = لها ملك على ملوك الأرض.

مقارنة:

قيل عن المرأة المتسربلة بالشمس أن المرأة هربت إلى البرية حيث لها موضع معد من الله لكى يعولوها ويقصد بالبرية أنه مكان معلوم ومعد من الله. أما هذه المرأة الشريرة بابل فهى فى برية وبدون (ال) التعريف فالمقصود بها كل مكان فى هذا العالم يحيا فى الخطية. والخطية خراب ودمار وتيه كما سنرى فى الإصحاح القادم.


 

الإصحاح الثامن عشر

هذا الإصحاح نرى فيه سقوط بابل عروس الشيطان وخرابها النهائى. والله يظهر هذا لشعبه حتى لا يشتركوا فى خطاياها. وهذه الصورة رأيناها من قبل فى سفر (أشعياء1:21-9 + 1:13-22 + 1:47-15).

بل نجد أن الله يطلب من أولاده أن يخرجوا منها حتى يستطيع أن يضربها كما تستحق. وهذه الصورة رأيناها أيضا فى سفر (أشعياء20:48 + 11:52).

ولقد تم هذا حرفيا وخربت بابل بيد الفرس أولا ثم صارت خرابا تماما وعاد شعب الرب منها ليعيش فى أورشليم.

وطلب الرب الآن لا أن نعتزل العالم ونحيا فى الصحراء، بل أن نحيا فى العالم، على أن لا نشترك فى شر العالم، كقول السيد المسيح "لست أسأل أن تأخذهم من العالم بل أن تحفظهم من الشرير" (يو15:17) ومن يفعل ويعتزل الشر ينجو من الضربات الموجهة لأشرار العالم أى بابل.

 

آية 1 "ثم بعد هذا رايت ملاكا اخر نازلا من السماء له سلطان عظيم و استنارت الارض من بهائه".

ثم بعد هذا = ما سبق ورآه يوحنا كان ضربات موجهة للأشرار، ولكننا هنا أمام خراب نهائى، لا تقوم بعده قائمة لبابل أى مملكة الشر فى العالم.

له سلطان عظيم = فالسماء مصدر كل السلطات لذلك قال نازلا من السماء وإستنارت الأرض من قوته = فمقاصد الله كلها بهاء ونور وخير حتى لو كانت دمار للشر والأشرار، فهذا الخراب لبابل يعتبر تطهيرا للكون.

 

آيات 3،2 "و صرخ بشدة بصوت عظيم قائلا سقطت سقطت بابل العظيمة و صارت مسكنا لشياطين و محرسا لكل روح نجس و محرسا لكل طائر نجس و ممقوت. لانه من خمر غضب زناها قد شرب جميع الامم و ملوك الارض زنوا معها و تجار الارض استغنوا من وفرة نعيمها".

 بصوت عظيم = إشارة لرعب الدينونة وتأكيدا للحسم الإلهى.

سقطت سقطت بابل = جاء الفعل سقطت فى صيغة الماضى. وهو ما يسمى بالماضى النبوى، أى هذه هى طريقة الأنبياء فى إستخدام صيغة الماضى إشارة لحتمية سقوطها. وأيضا التكرار سقطت سقطت يفيد نفس الشىء. ولذلك نفهم مما يأتى بعد ذلك أنها مازالت لم تسقط بدليل أنه فى آية 4 يطلب الخروج منها ونلاحظ أن بابل ستصير خرابا تماما وتسكنها الطيور النجسة التى تسكن الخرائب كالبوم والوطواط وهذا رمز لأن الشياطين تسكن الإنسان الذى إستعبد للخطية وصار خرابا. أما الله فحين يسكن فى إنسان فهو يحوله إلى هيكل حى.

مسكنا لشياطين = قد يقصد خطاة البشر، فقد قيل عن اليهود مجمع الشيطان (رؤ9:3) فالأشرار عبارة عن خرائب يسكنها الشياطين ويعيشون فى خراب. عكس أولاد الله فهم هياكل حية لله يحبون السكن فى كنيسة الله، ولا يرتاحون سوى بجوار الله.

وخراب بابل إشارة لخرابها على الأرض وهلاك سكانها فى الأبدية. ونلاحظ أن السبب الأساسى للخراب هو خطايا الزنا = خمر غضب زناها. والإنغماس فى الملذات = إستغنوا من وفرة نعيمها. هؤلاء لم يكن يعنيهم سوى ملذاتهم وشهواتهم وعبادة المال. وظنوا أنهم حين يغترفوا من كل هذا فهم صاروا ملوكا وأسماهم ملوك الأرض (راجع تفسير رؤ2:1) وأطلق على من يتاجر فى هذه تجار الأرض = التجارة ليست خطية لكن هؤلاء كانوا يتاجرون فى الملذات ليسهلوا الأمور لملوك الأرض. وكل هؤلاء نسوا أن هذا العالم باطل وله نهاية.

 

آيات 5،4 "ثم سمعت صوتا اخر من السماء قائلا اخرجوا منها يا شعبي لئلا تشتركوا في خطاياها و لئلا تاخذوا من ضرباتها. لان خطاياها لحقت السماء و تذكر الله اثامها".

 الخروج من بابل له تفسيران:-

1.     الأول روحى :- الله يحذر شعبه حتى ينفصل عن شرور هذا العالم، وبالتالى لا يصاب من الضربات الموجهة للأشرار (بابل).

2.     الثانى هو هروب فعلى إلى البرية حيث تعال الكنيسة مدة ظهور الوحش. ولكن متى نهرب وإلى أين؟ هذا لن نفهمه الآن بل فى وقته. وهذا معنى قول السيد " متى نظرتم رجسة الخراب... إهربوا للجبال " (مت 15:24).     

تذكر الله أثامها = ليس أنه كان ناسيا بل هو قرر مجازاتها.

لحقت السماء = خطاياهم زادت وإرتفعت لدرجة أن الله ما عاد يصبر على هذا التحدى.

 

آية 6 "جازوها كما هي ايضا جازتكم و ضاعفوا لها ضعفا نظير اعمالها في الكاس التي مزجت فيها امزجوا لها ضعفا".

جازوها = بحسب التفسيرين السابقين، يصبح هناك تفسيرين لهذه أيضا:-

1.     برفض الكنيسة لشرور العالم ستكون ديانة لهذا العالم وشاهدة عليه يوم الدين فهى لها نفس ظروف الأشرار وإمكانياتهم لكنها رفضت الشر وهم قبلوه وسقطوا.

2.     حين تهرب الكنيسة للبرية مدة ال 1260 يوما (رؤ6:12). يكون متاحا إنزال الغضب على بابل، كما أخرج الملاك لوط وعائلته ليتسنى له إحراق سدوم وعمورة ونلاحظ أن الله سيجازى بابل ضعف ما أذاقت شعبه من آلام.

 

آيات 8،7 "بقدر ما مجدت نفسها و تنعمت بقدر ذلك اعطوها عذابا و حزنا لانها تقول في قلبها انا جالسة ملكة و لست ارملة و لن ارى حزنا. من اجل ذلك في يوم واحد ستاتي ضرباتها موت و حزن و جوع و تحترق بالنار لان الرب الاله الذي يدينها قوي".

مجدت نفسها = سبب مجازاتها أنها طلبت مجدها الذاتى ولم تطلب مجد الله.

طلبت النعيم الأرضى واللذة الزمنية ولم تبحث عن السعادة الأبدية. ولاحظ أن بابل تمجد نفسها، أما الكنيسة فيمجدها الله، بأن يحل فى وسطها مجدا لها (زك5:2).

ولن أرى حزنا = هى لم تؤمن بكلام الكتاب المقدس أن هناك عذاب معد للأشرار، ولم تصدق أن هناك يوم للدينونة (2بط4،3:3) فما تناله هو ثمرة طبيعية لأعمالها، فهى نسيت أننا غرباء على الأرض وسيأتى يوم نترك فيه هذه الأرض. وهذه حيلة الشيطان الأساسية أنه يدعو النفس لأن تنسى أن لهذه الحياة نهاية وسيأتى يوما للحساب. ويدعو أيضا النفس لأن تفكر فى اللحظة الحاضرة، وكيف تستمتع بها.

أنا جالسة =  مستقرة لن يقدر أحد أن يحرمنى مما أتمتع به.

لست أرملة = لست حزينة فالأرامل حزانى وكان الرد على ذلك.... ستأتى ضرباتها موت وحزن.

 

آيات 10،9 " و سيبكي و ينوح عليها ملوك الارض الذين زنوا و تنعموا معها حينما ينظرون دخان حريقها. واقفين من بعيد لاجل خوف عذابها قائلين ويل ويل المدينة العظيمة بابل المدينة القوية لانه في ساعة واحدة جاءت دينونتك".

 سيبكى وينوح عليها ملوك الأرض = وياليتهم بكوا على خطاياهم.هؤلاء الذين كانوا يستمتعون بشهواتها وملذاتها سينوحون عليها إذ فقدوا السبب الوحيد والمصدر الوحيد للذاتهم.

واقفين من بعيد = إشارة إلى شدة ما أصابها ولفزع الواقفين مما حدث وربما يكون ما أشير له هنا هو صورة إستعارية، إذ حينما تهلك بابل سيهلك معها سكانها، ولكن ربما يهلك مكان ويظل هناك بعض الأحياء من الأشرار وينطبق هذا عليهم حرفيا. وقارن فرحة الأشرار بهلاك النبيين وإرسالهم هدايا (رؤ 11) مع حزنهم على بابل.

 

آيات 11-14 "و يبكي تجار الارض و ينوحون عليها لان بضائعهم لا يشتريها احد فيما بعد. بضائع من الذهب و الفضة و الحجر الكريم و اللؤلؤ و البز و الارجوان و الحرير و القرمز و كل عود ثيني و كل اناء من العاج و كل اناء من اثمن الخشب و النحاس و الحديد و المرمر.و قرفة و بخورا و طيبا و لبانا و خمرا و زيتا و سميذا و حنطة و بهائم و غنما و خيلا و مركبات و اجسادا و نفوس الناس. و ذهب عنك جنى شهوة نفسك و ذهب عنك كل ما هو مشحم و بهي و لن تجديه في ما بعد".

 الله خلق العالم لنحيا بما على الأرض، ليكون وسيلة حياة وليس هدفا فى حد ذاته. ونجد العالم الآن وقد صار هدفا، ويريد الناس أن يكتنزوا ما أمكنهم من كل ما فيه من أموال وخيرات. الناس الآن يطلبون ما يسمى تعظم المعيشة (1يو16:2) أما بولس الرسول فيقول "إن كان لنا قوت وكسوة فلنكتف بهما" (1تى8:6). ويقول "أن محبة المال أصل لكل الشرور" (1تى10:6). ونلاحظ أن يوحنا أورد قائمة بما يتاجر به الناس فى هذا العالم، أو ما يشغلهم أو ما هم مهتمين بالحصول عليه.

ذهب وفضة... القرمز = هذه تستعمل فى الزينة (وإستعملته المرأة الزانية  رؤ4:17)

عود ثينى... المرمر = هذا لزينة البيوت الفاخرة والأثاثات الفاخرة.

قرفة.... ولبانا = هذه للروائح العطرة.

خمر وزيت... وغنم = هذه عن المأكولات الفخمة.

خيلا ومركبات = هذه للعظمة والخيلاء (هذه كالسيارات الآن).

وأجسادا = هى تجارة الجنس واللذة المحرمة.

ونفوس = هى تجارة الهراطقة الذين يغوون البسطاء ليتركوا إيمانهم الصحيح وكنيستهم.

وكون أن الأجساد والنفوس أتت فى آخر القائمة فهذا يعنى أنها أصبحت فى ذلك الزمان أرخص شىء.

ومعنى هذه القائمة أن الناس ما عادت تهتم سوى بأن تأكل أفخر شىء وتلبس أفخم شىء وتتزين وتزين بيوتها، تهتم بالموضة وبالجنس. وهؤلاء ماذا سيعملون حينما يخرب هذا العالم، وتبطل هذه التجارة = بضائعهم لا يشتريها أحد. فملوك الأرض هم من يسعوا لإمتلاك كل هذا وتجار الأرض هم من يتاجروا بهذه الأشياء. وكلاهما ملوك الأرض وتجار الأرض كان كل همهم مكسبهم وأموالهم، سعوا وراء محبة الفضة ناسين الله تماما، فصارت أموالهم إلههم. صار العالم هدفا وليس وسيلة. وحينما تخرب بابل لن يجد كل هؤلاء سوى الندم = ويبكى كل تجار الأرض. ونجد أن حجى النبى أشار لمثل هذا حينما قال " هل الوقت لكم أن تسكنوا فى بيوتكم المغشاة وهذا البيت (بيت الرب) خراب حج 4:1 " وهذا يعنى بالنسبة لحجى النبى أن هؤلاء الناس إهتموا بزينة بيوتهم وتركوا هيكل الرب خرابا ولم يهتموا ببنائه.

كل عود ثينى = هناك إحتمالين أو رأيين أن هذا خشب من نوع قيم كالأبنوس والصندل أو أنه خشب حينما يحترق تنتج عنه رائحة طيبة.

ولنفهم أن الأكل والتجارة فى هذه المأكولات ليست خطية، ولكن من كانت الهتهم بطونهم، لا يسعون سوى للأكل باحثين عن أطيب وأفخم المأكولات،هؤلاء سيبكون إذ يذهب عنهم هذا (رو18:16( + )فى19:3) أما بولس الرسول فعلمنا أن نحيا هكذا " تعلمت أن أكون مكتفيا بما أنا فيه أعرف أن أتضع وأعرف أيضا أن أستفضل.. تدربت أن أشبع وأن أجوع وأن أستفضل وأن أنقص" (فى12،11:4)

فى اليوم الأخير لن ينفع إلا ما كنزناه من كنوز فى السماء، فلن يكون بعد إشباع للذات ولا للبطن ولا للأبهة والأمجاد الزمنية. ولمن إكتفى بمثل تجارة العالم هذه، أين سيذهب ؟؟ هو يبكى إذ ذهب عنه كل ما هو مشحم وبهى = أى كل ما ظنه مشحم وبهى. أما أولاد الله فلا يشبعهم سوى التلذذ بالروحيات، لا يشبعهم سوى الله. وسوف يجدون الله مصدر فرحهم فى السماء، أما من لم يتذوق السمائيات فى حياته على الأرض فسيبكى وينوح حين تخرب الأرض بما فيها.

 

آيات 16،15 "تجار هذه الاشياء الذين استغنوا منها سيقفون من بعيد من اجل خوف عذابها يبكون و ينوحون. و يقولون ويل ويل المدينة العظيمة المتسربلة ببز و ارجوان و قرمز و المتحلية بذهب و حجر كريم و لؤلؤ".

 الأشرار هنا يتأملون فى حبيبتهم بابل التى خربت ويندمون على جمالها السابق الذى خرب. ينوحون بلا رجاء وبلا أمل.

 

آيات 18،17 "لانه في ساعة واحدة خرب غنى مثل هذا و كل ربان و كل الجماعة في السفن و الملاحون و جميع عمال البحر وقفوا من بعيد. و صرخوا اذ نظروا دخان حريقها قائلين اية مدينة مثل المدينة العظيمة".

 وكل ربان وكل الجماعة فى السفن والملاحون = إذا كان العالم هو البحر، فالربان وكل الملاحون وجميع عمال البحر هم الذين يساعدون فى عملية التجارة. والمعنى أن كل من ساعد على الشر سيندم فى هذا اليوم حين تحترق بابل.

 

آية 19 "و القوا ترابا على رؤوسهم و صرخوا باكين و نائحين قائلين ويل ويل المدينة العظيمة التي فيها استغنى جميع الذين لهم سفن في البحر من نفائسها لانها في ساعة واحدة خربت".

 البحر هو العالم والبحارة هم جماعة الوسطاء الذين يساعدون الناس على شرهم، وهؤلاء سيبكون على ما كانوا يحسبونه مصدر غناهم وسعادتهم فصار لهم موضوع شقاء وهلاك وضيق وندم بلا فائدة.

 

آية 20 "افرحي لها ايتها السماء و الرسل القديسون و الانبياء لان الرب قد دانها دينونتكم".

 إفرحى لها أيتها السماء = لقد إشتهى السمائيون وطلبوا أن تأتى هذه الساعة ليتمجد الله ويظهر عدله (رؤ9:6) والرسل القديسون والأنبياء = الذين طالما تنبأوا وانذروا بهذا الخراب، وها قد ثبت صدق نبواتهم. وظهر عدل وصدق وقداسة الله الرافض للشر. قد دانها دينونتكم = بقدر ما عذبتكم يا أولاد الله بقدر ما سيدينها الله.

 

آية 21 "و رفع ملاك واحد قوي حجرا كرحى عظيمة و رماه في البحر قائلا هكذا بدفع سترمى بابل المدينة العظيمة و لن توجد فيما بعد".

عمل رمزى يشير لأن سقوط بابل سيكون بدفعة واحدة، وهذا العمل الرمزى قام به أرميا من قبل (أر64،63:51).

 

آيات 22-24 "و صوت الضاربين بالقيثارة و المغنين و المزمرين و النافخين بالبوق لن يسمع فيك فيما بعد و كل صانع صناعة لن يوجد فيك فيما بعد و صوت رحى لن يسمع فيك فيما بعد. و نور سراج لن يضيء فيك فيما بعد و صوت عريس و عروس لن يسمع فيك فيما بعد لان تجارك كانوا عظماء الارض اذ بسحرك ضلت جميع الامم. و فيها وجد دم انبياء و قديسين و جميع من قتل على الارض".

 صورة للخراب التام. إذ سيختفى صوت اللهو بل صوت الصناعات، بل الحياة عموما، فلا حياة بدون خبز = صوت رحى لن يسمع فيك فيما بعد.

وتصير فى ظلمة تامة = نور سراج لن يضىء فيك فيما بعد. وقارن هذا بما ستكون عليه أورشليم اسمائية أى الكنيسة المنتصرة فى السماء، فهى كعروس مزينة لرجلها، والله يسكن معهم، وسيمسح الله كل دمعة من عيونهم، بلا حزن وبلا وجع (رؤ2:21-4) بل لن يحتاجوا إلى سراج أو نور شمس لأن الرب الإله ينير عليهم (رؤ5:22). والسبب أنها أضلت كثيرين = بسحرك ضلت جميع الأمم. وطالما إستشهد فيها قديسيين = فيها وجد دم أنبياء وقديسيين.

ملوحظة:

قارن أية 9 مع أية 20 فخراب الشر فى العالم هو سبب لحزن الأشرار الذين كانوا يتمتعون بالخطية فيه، وهو فى نفس الوقت فرح للسمائيان لأن عدل الله وقداسته يظهران فى خراب بابل الزانية العظيمة.


 

الإصحاح التاسع عشر

آيات 1-3 "و بعد هذا سمعت صوتا عظيما من جمع كثير في السماء قائلا هللويا الخلاص و المجد و الكرامة و القدرة للرب الهنا. لان احكامه حق و عادلة اذ قد دان الزانية العظيمة التي افسدت الارض بزناها و انتقم لدم عبيده من يدها. و قالوا ثانية هللويا و دخانها يصعد الى ابد الابدين".

بعد ما أعلن السفر عن سقوط  بابل، ودعوة يوحنا للسمائيين أن يفرحوا

(رؤ20:18) بسقوط دولة الشر، نرى هنا إستجابة السمائيين وفرحتهم.

هللويا = هى كلمة من مقطعين العبرية هلليل = سبحوا.

ياه = يهوة.

أى سبحوا الرب وإحمدوه ونلاحظ أن التسبيح هو سمة السماء، لذلك نجد سفر الرؤيا مملوءا من التسابيح تعبيرا عن حالة الفرح فى السماء. وسر فرح السمائيين أن الله أعلن عدله بإدانة بابل الزانية العظيمة. التى أفسدت الأرض. وذلك بتشجيعها على الإنحراف. ولنلاحظ أن السمائيين لا يفرحون بالإنتقام بل بإنتزاع الشر وظهور عدل الله وقداسته. آمين = فليكن الخلاص لإلهنا = هو صانع خلاصا القدرة لإلهنا = هو له كل القدرة.

دخانها يصعد إلى أبد الآبدين = أى أن عذابها مستمر للأبد. فالدخان لا يصعد إلا لو كان هناك شىء يحترق.

 

آيات 4-6 "و خر الاربعة و العشرون شيخا و الاربعة الحيوانات و سجدوا لله الجالس على العرش قائلين امين هللويا. و خرج من العرش صوت قائلا سبحوا لالهنا يا جميع عبيده الخائفيه الصغار و الكبار. و سمعت كصوت جمع كثير و كصوت مياه كثيرة و كصوت رعود شديدة قائلة هللويا فانه قد ملك الرب الاله القادر على كل شيء".

المسيح بفدائه وحد السمائيين مع الأرضيين وجعل الإثنين واحدا (أف 10:11) لذلك هنا تسبيح الطغمات الملائكية مع الكنيسة المنتصرة جنبا إلى جنب.

وخر الأربعة والعشرون شيخا (صحتها قسيسا).

والأربعة الحيوانات = هؤلاء الملائكة فى فرح يسبحون لأجل المجد الذى نالته الكنيسة ولأجل دينونة الأشرار.

وسجدوا لله = السجود ليس فقط للتوبة والإنسحاق بل السجود هو وسيلة للعبادة والإقتراب لله بصورة صحيحة فيها خشوع، والخشوع والإقتراب لله بصورة صحيحة يجلب الفرح لذلك نجد أن حتى السمائيون يسجدون الصغار والكبار = هو نداء للكل بغض النظر عن مراكزهم.

خرج صوت من العرش.. سبحوا = الأمر بالتسبيح صادر من العرش لأن فى التسبيح لذة وفرح وتعزية، وهذا ما يريده الله للسمائيين أن يفرحوا، ويفرحوا لمجد إخوتهم المنتظر. كون أن صوت يخرج من العرش قائلا سبحوا، هذا معناه.. هيا إفرحوا لقد إنتهت أيام الآلام والحروب والضيقات والتجارب.

الرب قد ملك = بأن أعلن سيطرته وحكمه على الأشرار.

كصوت مياه كثيرة = أى عدد غفير وشعوب كثيرة جدا لا حصر لها.

 

آية 7 "لنفرح و نتهلل و نعطيه المجد لان عرس الخروف قد جاء و امراته هيات نفسها".

عبر الكتاب المقدس نسمع عن المسيح عريس الكنيسة (مز13:45) + (أش5:54) + (حز7:16-14) + (هو16:2) + (مت15:9) + (مت2:22-10) + (مت1:25-10) + (يو29:3) + (2كو2:11) + (أف32:5). والمسيح مشبه بعريس لكنيسته أى متكفل بها وبكل ما تحتاجه من مأكل ومشرب وملبس، وهو يغنيها بأفضاله ويشبعها ببركاته الروحية والجسدية ويلتزم بحمايتها ويملأها فرحا وسرورا وعزاء أما العروس فهى ملتزمة بالخضوع لعريسها وطاعته والإخلاص له حتى الموت ونلاحظ فى الأيات السابقة ثلاث مراحل لهذا العرس:-

1.     الخطبة = كما ورد فى (2كو2:11) وهى بداية الدعوة للإيمان.

2.     العروس = كما ورد فى كثير من الأيات، وهى علاقة المؤمن بالمسيح بعد أن أعلن إيمانه وإعتمد وصار متحدا بعريسه المسيح.

3.     الإمرأة = وهذه وردت فى سفر الرؤيا فقط كما فى هذه الآية، علامة على كمال الإتحاد فى السماء، والعرس قد تم والزوجة صارت فى حضن زوجها وللأبد.

إمرأته هيأت نفسها = كيف تهيىء الكنيسة نفسها؟ بالإخلاص والخضوع ولكن الله هو الذى يعطى البر.

 

آية 8 "و اعطيت ان تلبس بزا نقيا بهيا لان البز هو تبررات القديسين".

بزا نقيا بهيا = البز هو الكتان الأبيض إشارة للبر والنقاوة والقداسة التى يعطيها المسيح لكنيسته، فهو غسلنا بدمه وبررنا فبيض ثيابنا. واللبس الأبيض هو لبس العرايس يوم فرحهم. ولقد حصلنا على هذا الثوب الأبيض يوم المعمودية ولكننا كنا نلوثه كل يوم بخطايانا، ثم بالتوبة والإعتراف كنا نبيضه، ولكننا فى الأبدية سنلبس هذه الثياب البيض للأبد، أى سيكون لنا بر المسيح للأبد وسنتزين بفضائل المسيح، سنلبس المسيح للأبد، وسيتغير شكل جسد تواضعنا إلى صورة جسد مجده (فى21:3). وهذا هو معنى تبررات القديسيين = الله قدم لهم التبرير

أى الفضائل التى يعطيها الله للقديسين. ولكن هذا لمن يجاهد على الأرض.

وقارن كل هذا مع المرأة الزانية (إصحاح 17) فنجدها تحاول أن تتزين لأنها لا تملك البز ولا البراءة، بل شكلها قبيح وتحاول أن تخفيه بهذه الزينة الخارجية.

 

آية9 "و قال لي اكتب طوبى للمدعوين الى عشاء عرس الخروف و قال هذه هي اقوال الله الصادقة".

 إلى عشاء عرس الخروف = من فتح باب قلبه ليدخل المسيح إليه ويتعشى معه وهو مازال على الأرض (رؤ20:3) أى كانت له علاقة حب مع المسيح على الأرض، فهذا قد غلب. ومن يغلب يكون مدعوا لهذا الحفل، حفل العشاء السمائى. وسمى عشاء ربما لأنه فى نهاية نهار الحياة الزمنية بشمس تجاربها، وفى نهاية عمل النهار يأخذ الأجير أجرته ويذهب ليرتاح. إذا هو عشاء لأنه يشير للراحة والأجرة. ونلاحظ أنه فى أثناء العشاء الربانى يوم قدم السيد المسيح جسده ودمه لتلاميذه، قال لهم "إنى لا أشرب من الآن من نتاج الكرمة هذا إلى ذلك اليوم حينما أشربه معكم جديدا فى ملكوت ابى" (مت29:26) والشرب من نتاج الكرمة جديدا فى الملكوت هو عشاء عرس الخروف، هو إتحاد بين العريس وعروسه على مستوى جديد لم تعرفه العروس على الأرض. وقارن مع عشاء عرس إبن الملك (مت2:22-14) فالعشاء هو لمن إستمر لابسا ثيابه البيضاء التى أخذها بالمعمودية.

 

 آية 10 "فخررت امام رجليه لاسجد له فقال لي انظر لا تفعل انا عبد معك و مع اخوتك الذين عندهم شهادة يسوع اسجد لله فان شهادة يسوع هي روح النبوة".

كان هناك ملاك مصاحب ليوحنا ويكلمه ويشرح له، وظنه يوحنا أنه هو المسيح. ولنلاحظ أن هناك سبب لهذا الخطأ، فيوحنا شاهد المسيح فى هذه الرؤيا مرارا فلماذا الخطأ؟ هذا راجع للشبه الشديد بين المسيح وبين الملائكة فى المجد والعظمة، بل نحن سيكون لنا هذه الأجساد الممجدة التى بها نتشابه مع الرب يسوع ونصير مثله (1يو2:3) فالمسيح وحد السمائيين مع الأرضيين. والملاك رفض أن يسجد له يوحنا على أنه المسيح، أى رفض سجود العبادة. ولكننا نسجد أمام البابا البطريرك والأساقفة وأجساد القديسين ليس سجودا للعبادة بل للإحترام والولاء كما سجد يعقوب لعيسو وسجد إبراهيم أبو الآباء لبنى حث.

شهادة يسوع هى روح النبوة = هذه تعنى:-

المسيح يسوع يضع أو هو وضع كلمات الشهادة التى شهد بها الأنبياء فى أفواههم فكل الأنبياء تنبأوا عن المسيح. وكان هدف العهد القديم كله أن يشهد للمسيح. الكل كان يخدم هذا الهدف أى الشهادة ليسوع. وهنا الملاك يقول أن هذا هو هدفه هو أيضا أن يشهد ليسوع، وهو هدف يوحنا هو هدف كل إنسان أو ملاك أمين فى محبته ليسوع. إذا لا تسجد لى فكلنا هدفنا الشهادة ليسوع سواء أنا أو أنت أو كل الأنبياء، وهذه الشهادة هى الحق.

 

آيات 11-13 "ثم رايت السماء مفتوحة و اذا فرس ابيض و الجالس عليه يدعى امينا و صادقا و بالعدل يحكم و يحارب. و عيناه كلهيب نار و على راسه تيجان كثيرة و له اسم مكتوب ليس احد يعرفه الا هو. و هو متسربل بثوب مغموس بدم و يدعى اسمه كلمة الله".

هذا هو المسيح يسوع ظهر على فرس أبيض = علامة أن المسيح يحارب، والفرس الأبيض هو كنيسته التى بررها ويحارب بها وفيها. وهو أمينا وصادقا = وعد بنصرة كنيسته وتكليلها وسيفعل. عيناه كلهيب نار = تفحص حتى أستار الظلام، وتحرق أعداء الكنيسة وترعبهم، ولكنها لأولاد الله تحرق محبة الخطية من قلوبهم وتشعلها حبا لله. وعلى رأسه تيجان كثيرة = هو ملك الملوك ولكن التيجان كثيرة لأنه فى كل معركة تدخلها الكنيسة فهو عمليا الذى يحارب ويغلب ويكلل، هو الذى يقود الفرس الأبيض فى المعركة. والتاج يحسب لراكب الفرس وليس الفرس له إسم مكتوب ليس أحد يعرفه إلا هو = يعنى أن الله فى جوهره وذاته مستحيل أن ندركه، فلا يعرف الله إلا روح الله (1كو11:2) إذا حتى الملائكة لا تعرف الله ولا تدركه تماما. ولنلاحظ أن الإسم هو كناية عن الجوهر والشخصية والقدرة. وهو متسربل بثوب مغموس بدم = يشير الثوب إلى جسد الرب الممجد الذى إكتسى بالدم يوم الصليب من رأسه حتى قدميه. فإذا كان جسد المسيح هو كنيسته (أف30:5) + (أف23،22:1) فيكون جسده المكتسى بالدم إشارة لكنيسته المكتسية بالدم، أى المغطاة بالدم، وهذه هى الكفارة أى تغطية الكنيسة بالدم لتكون مقبولة لدى الآب. هنا يعلن المسيح أنه هو المتكفل بثمن الحفل كله، حفل عشاء الخروف. والثمن هو دمه.

ويدعى إسمه كلمة الله = إذا هو المسيح كلمة الله أى أقنوم الحكمة الإلهية والنطق الإلهى، هو اللوغوس (يو2،1:1).

 

آية 14 "و الاجناد الذين في السماء كانوا يتبعونه على خيل بيض لابسين بزا ابيض و نقيا".

الأجناد الذين فى السماء = هم الملائكة. والسيد المسيح فى مجيئه الثانى سيأتى ومعه ملائكة (مت31:25).

 يتبعونه = فى حب وخضوع كامل ولا يعملون شيئا خارجا عن إرادته.

على خيل = إذا هى صورة حرب، فهم أيضا يحاربون إبليس لحسابنا فهم أرواح خادمة للكنيسة (عب14:1 + رؤ7:12) وهم يصلون عنا (زك12:1) ويفرحون بتوبتنا (لو7:15) ويستقبلون نفوسنا حين تغادر أجسادنا (لو22:16) وهم ظاهرين هنا فى صورة حرب ليلقوا إبليس  ومن تبعه وكل من وقف موقف تحدى للمسيح، فى البحيرة المتقدة بالنار لابسين بزا أبيض = رمزا لطهارتهم التى أهلتهم أن يرافقوا المسيح.

 

آية 15 "و من فمه يخرج سيف ماض لكي يضرب به الامم و هو سيرعاهم بعصا من حديد و هو يدوس معصرة خمر سخط و غضب الله القادر على كل شيء".

 من فمه يخرج سيف ماض = هو سيف كلمة الله وهو سيف ذو حدين (عب12:4). الحد الأول للتنقية والتطهير، والولادة الثانية (يو3:15) + (1بط23:1) فالكلمة هى كلمة محييةوحين تنقى وتحيى فكأننا ولدنا من جديد ولكن إن لم يستجب الإنسان لعمل كلمة الله فالحد الثانى يدينه فهو حد الدينونة (يو48:12) + (رؤ16:2).

يضرب به الأمم = كانت كلمة أمم تشير للوثنيين فى مقابل شعب الله اليهود.

والأمم هنا هم الأشرار الذين لم يستفيدوا من كلمة الله.

سيرعاهم بعصا من حديد = هذا تحقيق لنبوة داود(مز9:2) وفى هذا إشارة لسلطان المسيح الديان على الأشرار.

يدوس معصرة خمر سخط غضب الله = الخمر ينتج بعد تخزينه فترات طويلة ومن يشربه يترنح. وغضب الله، إختزنه الله فترات طويلة بطول أناة عجيبة وسيشربه الأشرار ويترنحوا، فهو سيطأ الأشرار بصرامة وشدة.

 

آية 16 "و له على ثوبه و على فخذه اسم مكتوب ملك الملوك و رب الارباب".

 له على ثوبه = إشارة لجسده أى كنيسته. وعلى فخذه = الفخذ يشير للناسوت أى جسده، فعندما إستحلف إبراهيم لعازر الدمشقى قال له "ضع يدك تحت فخذى" (تك3:24).

والفخذ هو موضع السلاح (السيف) الذى يحارب به الشخص. والمسيح حارب إبليس بتجسده فملك وصار ملك الملوك ورب الأرباب

 

آيات 17-21 "و رايت ملاكا واحدا واقفا في الشمس فصرخ بصوت عظيم قائلا لجميع الطيور الطائرة في وسط السماء هلم اجتمعي الى عشاء الاله العظيم. لكي تاكلي لحوم ملوك و لحوم قواد و لحوم اقوياء و لحوم خيل و الجالسين عليها و لحوم الكل حرا و عبدا صغيرا و كبيرا. و رايت الوحش و ملوك الارض و اجنادهم مجتمعين ليصنعوا حربا مع الجالس على الفرس و مع جنده. فقبض على الوحش و النبي الكذاب معه الصانع قدامه الايات التي بها اضل الذين قبلوا سمة الوحش و الذين سجدوا لصورته و طرح الاثنان حيين الى بحيرة النار المتقدة بالكبريت. و الباقون قتلوا بسيف الجالس على الفرس الخارج من فمه و جميع الطيور شبعت من لحومهم".

ما قيل فى نهاية إصحاح 16 يشرح ويتم هنا. فالوحى بعد أن أكد خراب بابل وهى مملكة الشر، وأعطى للمؤمنين صورة الأفراح الأبدية يعود مرة أخرى ليشرح معركة هرمجدون. وكل هذا لتشجيع المؤمنين فالمعركة مع الشر وإنتصارهم هى أمور محتمة. ونجد هنا أنه فى مقابل وليمة العريس لعروسه وإحتفالات الفرح (العشاء) فى السماء، نرى هنا صورة مفزعة للأشرار  صورة الإنحلال العظيم، حين يحترق كل شىء، وتنحل كل العناصر محترقة بضجيج (2بط10:3) وتبدأ الدينونة النهائية. ونجد هنا تعبيرات قوية إشارة لمذبحة شاملة هى معركة هرمجدون (راجع حز18،17:39) ونرى صورة عن شدة الهلاك الذى يلحق بالأشرار. ونلاحظ أنه بدأ بإهلاك العظماء المتكبرين = لحوم ملوك ولحوم قواد... ثم يصل للعبيد أى من إستعبدوا للخطية. والملوك هم ملوك الأرض (راجع رؤ2:17) والقادة هم من قادوا آخرين للخطية، "فويل لمن تأتى به العثرات ".

والخيل = هم كل من زنوا مع زوجات أصدقائهم وسعوا وراء شهوات الزنا (أر8:5).

واقفا فى الشمس = أى منظورا للعالم كله.

قائلا لجميع الطيور.. = هى وليمة للطيور الجارحة يأكلون فيها لحوم الأشرار، وفى هذا إشارة لأن عدد القتلى سيكون عظيما جدا فى هذه المعركة. ورمزيا فهذه الطيور الجارحة تشير للشياطين، فإن هؤلاء الأشرار سيكونون من نصيب الشياطين فهم سلموا أنفسهم للشيطان فى حياتهم فصاروا من نصيبه فى البحيرة المتقدة بالنار (رؤ10:20). والعكس فمن رفض ملذات وخطايا العالم التى يعرضها إبليس عليه يستطيع أن يقول مع المسيح وفى المسيح " رئيس هذا العالم يأتى وليس له فى شىء (يو30:14) أما من تلذذ بالعالم فسيكون مأكلا للشيطان، بل يقبض على روحه عند خروجها. ويا للعجب فإننا نجد فى اللحظات الأخيرة أن الوحش وملوك الأرض يحاولون أن يصنعوا حربا مع الفارس الإلهى المهيب، طبعا هم لا يستطيعون أن يطولوا المسيح، لكنهم سيحاربون كنيسته = جنده. والنتيجة محتمة أنهم سيخسرون هذه الحرب.


 

الإصحاح العشرون

نسمع فى هذا الإصحاح عن الألف سنة التى سيقيد فيها إبليس. ثم فى نهايتها يحل من سجنه. وهنا هوالمكان الوحيد فى الكتاب المقدس المذكور فيه موضوع الألف سنة.

وخلال الألف سنة يملك القديسون مع المسيح. وهناك مدرستين لتفسير هذا الإصحاح

1- المدرسة الأولى هى مدرسة الألفيين. وهم من بعض الطوائف البروتستانتية. فليس كل البروتستانت ألفيين. وهؤلاء يفهمون هذا الإصحاح بأنه فى نهاية الأيام يأتى المسيح ليحكم على الأرض لمدة ألف سنة، يكون خلالها الشيطان مقيدا، وتفيض الأرض بخيراتها. والإصحاح المفضل عندهم هو (أش 11) حيث نسمع فيه أن الذئب يسكن مع الخروف... الخ وكنيستنا الأرثوذكسية لا توافق على هذا التفسير.

2- المدرسة الثانية هى التى تتبعها كنيستنا الأرثوذكسية، وتفهم هذا الإصحاح بطريقة رمزية، كما تفهم كل أرقام سفر الرؤيا بطريقة رمزية بل معظم أحداثه.

وتقول أن الألف سنة قد بدأت منذ صلب المسيح، وبعد الصليب قيد المسيح الشيطان، فالمسيح ربط الشيطان بصليبه، وبصليبه ملك على قلوب المؤمنين كما قال إشعياء "وتكون الرياسة على كتفه" (إش6:9) فهو حمل الصليب على كتفه ليملك على قلوبنا بمحبته التى ظهرت فى الصليب. وتنتهى الألف سنة بمجىء الوحش.

وأصحاب فكرة الملك الألفى لهم نظرية عجيبة غير معقولة وغير مفهومة، فهم يتصورون أن المسيح سيأتى للأرض عدة مرات:

1.     المجىء الأول:- هو الذى أتى ليصلب فيه ويموت ثم يقوم ويصعد للسماء.

2.     المجىء الثانى:- هو الذى سيأتى فيه ليخطف القديسيين معه على السحاب، ويترك الأشرار على الأرض فى حروب طاحنة تنتهى بفنائهم جميعا.

3.     المجىء الثالث:- يأتى فيه المسيح بعد خراب الأرض ونهاية الأشرار، ويأتى فيه مع قديسيه  ليملك عليهم على الأرض لمدة 1000 سنة يكون فيها الخير المادى بلا حساب، وسيعمرون الأرض، ويكون مركز حكم المسيح فى الهيكل الذى سيقام فى أورشليم. ويقولون أن اليهود سيكون لهم وضع مميز خلال هذا الملك الألفى [ وهذا يدفعنا أن نتصور أن من هم  وراء هذا التفسير الألفى هم اليهود أنفسهم] وحيث أن الأرض سيعاد تعميرها يمنع شهود يهوة (وهم من الألفيين) أولادهم من دخول كلية الطب، فلن يكون هناك أمراض، ويدفعونهم لدخول كلية الهندسة ليعمروا الأرض فى هذه الفترة. وفى نهاية الألف سنة ينسحب المسيح إلى السماء ويحل الشيطان من أسره فيضل الأرض كلها (معظمها طبعا) يقولون فى أحد كتبهم "أليس من العجيب بعد أن يحكم المسيح على الناس ألف سنة أن يضلوا وراء الوحش" ونقول لهم إسألوا أنفسكم هذا السؤال فالعجيب حقا نظريتكم العجيبة.

4.     المجىء الرابع :- هذا للدينونة وليبيد الوحش.

وهذا كلام عجيب، فما معنى أن يأتى المسيح ليحكم على الأرض ثم ينسحب للسماء.

ويترك الشيطان ليضل العالم. أبعد أن يحكم المسيح على الأرض 1000 سنة ينخدع القديسون وراء ضد المسيح (الوحش) هل لم يستطع المسيح طيلة الألف سنة أن يؤثر على قلوبهم. هل يفشل المسيح لهذه الدرجة خلال مدة حكمه. والم يسمع هؤلاء قول السيد المسيح "مملكتى ليست من هذا العالم" (يو36:18).

وحينما تسأل الألفيون.. ولماذا يأتى المسيح ليحكم على الأرض يجيبون إجابة عجيبة ويقولون لأن اليهود قالوا هذا لا يحكم علينا ورفضوه كملك. فلابد أن يأتى ليحكم عليهم. فهل إلى هذه الدرجة يتشوق المسيح لحكم اليهود على الأرض!

إننا لم نسمع من فم المسيح نفسه مثل هذا التفسير العجيب، وأنه سيأتى عدة مرات، بل أنه سيأتى مرة واحدة وللدينونة (مت31:25-34).

حقا لقد ظهرت فكرة الملك الألف فى بداية الكنيسة، وتصور بعض الآباء أن المسيح سيأتى ليملك على الأرض لمدة 1000 سنة ولكن كان هذا راجعا لروح المنافسة مع اليهود الذين يؤمنون بخيرات وملذات زمنية مادية فأراد هؤلاء الأباء أن يقولوا لشعوبهم أن المسيحية ليست أقل من اليهودية. ولكن سرعان ما شعر الأباء بخطأ نظرية الملك الألفى ورجعوا عنها. ولنلاحظ فى هذا تأثير اليهود على الكنيسة الأولى، فقد دخلوا للكنيسة حين آمنوا بالمسيح، لكنهم دخلوا بأفكارهم واليهود كل تصورهم الملك الزمنى، لذلك رفضوا المسيح إذ لم يعطهم ملكا زمنيا.

أما التفسير الرمزى فيتفق مع روح سفر الرؤيا عموما، وهذا الإصحاح خاصة وذلك للأسباب الآتية.

1.     تشبيه الكنيسة بإمرأة متسربلة بالشمس والقمر تحت رجليها (رؤ12).

2.     تشبيه مملكة الشر بإمرأة زانية جالسة على وحش قرمزى له سبعة رؤوس وعشرة قرون. وإسمها الرمزى بابل (رؤ17).

3.     تشبيه الكنائس بمنائر والأساقفة بالكواكب (رؤ1:2).

4.     كيف يتم تقييد الشيطان بسلسلة، هل هو وحش أو حيوان مادى؟! بل هو روح. ولا تفهم السلسلة إلا بطريقة رمزية (رؤ1:20).

5.     هل الهاوية لها مفتاح (رؤ1:20) وهذه ايضا لا تفهم إلا بطريقة رمزية.

6.     الحديث عن هروب الأرض والسماء من وجه الله لها معنى روحى لا حرفى (رؤ11:20).

7.     طرح الموت والهاوية فى بحيرة النار تأكيدا لعدم حرفية السفر (رؤ14:20).

من كل هذا نخلص لأن الألف سنة لا تفهم سوى بصورة رمزية وليست حرفية.

ومعنى الألف سنة التى تبدأ بصليب المسيح وتنتهى بمجىء ضد المسيح وفيها يملك المسيح على كنيسته وتملك معه كنيسته، هو معنى رمزى. فرقم 1000 هو رقم السمائيات فالملائكة الوف ألوف وربوات ربوات (الربوة = 10000) وعدد المخلصين 144000

144000 = 12 (عهد قديم) × 12 (عهد جديد) ×1000 أى كل المخلصين من العهدين الذين دخلوا للسماء. والكنيسة بعد الصليب والقيامة والصعود تحيا فى السماء :-

1.     "أبانا الذى فى السموات " فأبونا سماوى.

2.     "عريس الكنيسة سماوى جالس عن يمين الآب" (مز1:110).

3.     عريس الكنيسة المسيح وسطها دائما (مت20:18) + (مت20:28) فإذا كان المسيح وسط كنيسته دائما وهو سماوى، أتى من السماء وصعد إلى السماء فالكنيسة تحيا فى السماء. المسيح جعل إجتماعاتنا سماء فحيثما وجد المسيح تكون السماء.

4.     هو أقامنا معه وأجلسنا معه فى السماويات (أف6:2).

5.     فإن سيرتنا نحن هى فى السماوات (فى20:3).

6.     بل إن حرب إبليس ضدنا هى فى السماويات التى نحيا فيها ليسقطنا منها (أف12:6).

ونحن نفهم أن المسيحية هى الطريق الضيق "فى العالم سيكون لكم ضيق ولكن ثقوا أنا قد غلبت العالم" (يو33:16) فالمسيحى لا يشتهى العالم بأكله وشربه وملذاته، بل شهوة قلبه هى للسماء التى ينتمى إليها. وقد غلب العالم بضيقاته وملذاته، الكل تحت قدميه، ناظرا للسماء "لى إشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح فذاك أفضل جدا" (فى23:1). أهل بعد أن إنطلق الشهداء والأبرار إلى السماء، يأتون ليعيشوا على الأرض. وهل بعد أن تذوقوا طعم الراحة فى السماء يأتون للأرض ثانية ليتركهم المسيح فى نهاية الألف سنة للوحش ليضللهم. ابعد أن إنتصروا وغلبوا ودخلوا للسماء يعودون ثانية ليمتحنهم الوحش ؟!! هذا كلام عجيب. إن من تذوق لذة السمائيات على الأرض وشعر بتفاهة الأرض وما فيها (فى8،7:3) وأنها نفاية، لا يمكن أن يشتهى أن يعيش عليها. لو قلنا للرهبان والسواح والمتوحدين أنكم ستعودون للعالم، هل يفرحهم هذا ويريحهم هؤلاء الذين وجدوا فرحهم فى شخص المسيح، يشبعون به ويرتوون به تاركين كل ملذات العالم. وما معنى الضيق الذى فى العالم الذى أخبرنا عنه السيد المسيح. هذا سيكون فى مدة الألف سنة وإلا كان المسيح قد قال " فى العالم وقبل الألف سنة سيكون لكم ضيق، ولكن إصبروا حتى تأتى الألف سنة فيختفى الضيق" لكن السيد المسيح قال " فى العالم سيكون لكم ضيق ولكن ثقوا أنا قد غلبت العالم" (يو33:16)  لذلك فكل ملذات العالم وضيقاته تحت أقدامنا.

وإذا فهمنا أن الأبدية التى بلا نهاية هى بلا أكل ولا شرب لأننا لن نجوع ولن نعطش (رؤ16:7) فما فائدة أن نأكل ونشرب كثيرا لمدة 1000 سنة. فهذه الألف سنة بالنسبة للأبدية تساوى صفرا.

 

آيات 1-3 "و رايت ملاكا نازلا من السماء معه مفتاح الهاوية و سلسلة عظيمة على يده. فقبض على التنين الحية القديمة الذي هو ابليس و الشيطان و قيده الف سنة. و طرحه في الهاوية و اغلق عليه و ختم عليه لكي لا يضل الامم في ما بعد حتى تتم الالف سنة و بعد ذلك لا بد ان يحل زمانا يسيرا".

الذى له مفتاح الهاوية هو الرب يسوع (رؤ18:1) والهاوية هى الجحيم إذا فهذا الملاك هو إما الرب يسوع نفسه أو هو ملاك أخذ السلطان من الرب يسوع. وسلسلة = لها معنى رمزى هو تقييد حركة إبليس فى مقاومة الكنيسة.

فلم يعد يتصرف بتجبر كما فى العهد القديم. وهذا ما أشار له الرب يسوع حين قال "الآن يطرح رئيس العالم خارجا" (يو31:12) + (لو18:10) رأيت الشيطان ساقطا مثل البرق. وراجع ايضا (كو15،14:2) + (يو11:16) بل لقد أعطانا الرب سلطانا أن ندوس على الشيطان (لو19:10). وهذا هو معنى تقييد الشيطان، فالطفل الصغير الآن حين يرسم علامة الصليب يقيد الشيطان ويهزمه. الرب يسوع قيد الشيطان كما لو كان هناك أسد رهيب وأتى صياد وأمسك به، ووضعه فى قفص وأغلق عليه، هو بهذا لن يستطيع أن يضر أحد. لكن لو ذهب أحد ودخل إلى القفص سيأكله الأسد. وعمليا فلقد حدث بعد الصليب تغيير كبير فى حياة البشر، فلقد ترك الوثنيون عبادة الأوثان وتحولوا للمسيحية بعد أن قيد الشيطان. على يده = أى له سلطان أن يقيد إبليس. لقد قيد المسيح إبليس لكن علينا ألا ندخل إلى دائرة عمله.

وأغلق عليه وختم عليه = لم يعد له كمال حريته. وبعد ذلك لابد أن يحل زمانا يسيرا = لماذا يحل الشيطان؟ فى نهاية الأيام سيزداد الإرتداد والإثم والفتور، وتبرد محبة الكثيرين (مت12:24) بل أن المسيح تشكك فى أن يجد الإيمان على الأرض حين يجىء (لو8:18). وراجع (1تى2،1:4) + (2تى1:3-9) بل إن المسيح لن يأتى إلا بعد أن يأتى الإرتداد أولا (2تس3:2) ومع كثرة الإثم لن يعود أحد يطلب المسيح أو يريده، بل هذا ما نراه الآن... فالناس تحارب بعضها وتتكالب على المال وعلى الجنس. وهذا ما يريده الناس الآن، لذلك فإن الله سيعطيهم ما يريدونه، كما قال داود فى المزمور ليعطك حسب قلبك ويتمم كل رايك (مز4:20) وهذا ما حدث فى القديم إذ أعطى الرب شاول الملك للشعب لأنهم يريدون ملكا طويلا وعريضا وقويا، أما الذى كان حسب قلب الله فهو داود الصغير فى بيت ابيه. الله إذا سيعطيهم رئيس هذا العالم أى الشيطان. وسيحله من سجنه ليجربوا هل هذا قادر أن يعطيهم خيرا، سيشبعهم خطايا وسيبيعون ويشترون إذ لهم سمة الوحش ولكنهم سيفقدون سلامهم وفرحهم  ويعضون السنتهم من الوجع والندم وسيصرخون مع إشعياء " أيها الرب إلهنا قد إستولى علينا سادة سواك" (أش13:26) هذا لمن فهم وتاب أما المعاندين فسيستمروا فى عنادهم. لكن من تاب سيفهم أن الفرح والسلام ليسا فى المال والجنس ولا فى العالم عموما.

 

آيات 4-6 "و رايت عروشا فجلسوا عليها و اعطوا حكما و رايت نفوس الذين قتلوا من اجل شهادة يسوع و من اجل كلمة الله و الذين لم يسجدوا للوحش و لا لصورته و لم يقبلوا السمة على جباههم و على ايديهم فعاشوا و ملكوا مع المسيح الف سنة. و اما بقية الاموات فلم تعش حتى تتم الالف السنة هذه هي القيامة الاولى. مبارك و مقدس من له نصيب في القيامة الاولى هؤلاء ليس للموت الثاني سلطان عليهم بل سيكونون كهنة لله و المسيح و سيملكون معه الف سنة".

 هنا نسمع عن موتان وقيامتان:-

الموت الأول:- هو موت الخطية. فكل خاطىء الآن هو ميت فى نظر الله.

الموت الثانى:- هو الموت الأبدى أى الهلاك أى الإنفصال عن الله والدينونة أما موت الجسد الحالى فهو ليس موت بل هو إنتقال هو نوم. وهكذا أسماه المسيح "حبيبنا لعازر قد نام" + الصبية نائمة (بنت يايرس).

 

القيامة الأولى:- هى القيامة من موت الخطية أى التوبة، فالسيد المسيح قال " تأتى ساعة وهى الآن حين يسمع الأموات (روحيا) صوت إبن الله والسامعون يحيون (يو25:5) + (أف14:5) والإبن الضال كان ميتا فعاش. وملاك كنيسة ساردس كان له إسم أنه حى وهو ميت. (رؤ1:3) لذلك نفهم أن الموت الأول هو الموت الروحى. فالخطية تساوى موت.

 

القيامة الثانية:- قال عنها السيد المسيح " تأتى ساعة فيها يسمع جميع الذين فى القبور صوته فيخرج الذين فعلوا الصالحات إلى قيامة الحياة والذين عملوا السيئات إلى قيامة الدينونة (يو29:5).

والكتاب المقدس لم يرد فيه عبارة القيامة الثانية لكنها تفهم ضمنا. عموما الموت هو إنفصال عن الله، وهذا ما تفعله الخطية فهى تفصل بين الإنسان والله فيموت الإنسان. أما التوبة فهى تقيم الإنسان من موت الخطية (أف14:5) لذا جاء المسيح ليعطينا أن ننتصر على الخطية، فمن لا يؤمن لا يستطيع أن يحيا. لذلك قال السيد المسيح "كل من يؤمن بى فله حياة أبدية" (يو47:6) فالإيمان بالمسيح يعطى قوة للإنتصار على الخطية. جاء الرب ليقدم لنا قيامة روحية لأنفسنا قبل أن تتمتع أجسادنا مع أنفسنا بالقيامة العامة يوم الدينونة راجع (كو12:2) + (أف11:5-14) + (أف4:2-6) + (فى10:3) لذلك نقول إن الكنيسة تعيش فى الملك الألفى، القيامة الأولى، متذوقة عربون السماويات بالرغم من الصليب الذى تحمله والطريق الضيق الذى تسلك فيه.

فى هذه الآيات نرى صورة لما يحدث خلال الألف سنة، فهناك أبرار يموتون، وهناك شهداء يستشهدون، ولكن هؤلاء مع أنهم يختفون عن أنظار العالم إلا أنهم أحياء، بل لهم عروش  ترتاح عليها نفوسهم = رأيت نفوس الذين قتلوا = فليس لهم أجساد، هؤلاء هم الشهداء الذين هم فى أعلى درجة. هم فى السماء أحياء بل على عروش. ولاحظ أنه رأى نفوس :-

1.     هكذا رأى الملايين العذراء مريم فهى الآن روح (نفس) رأوها فى جسدها النورانى (روح مكتسية بالنور لنتمكن من أن نراها).

2.     هؤلاء عاشوا وملكوا مع المسيح ألف سنة = إذا من يملك مع المسيح نفوس وليس أجساد. فمن أين أتوا بفكرة الملك الألفى التى فيها يملك المسيح مع بشر لهم أجساد لمدة 1000 سنة.

3.     هؤلا نفوس فالأجساد ذهبت للتراب إنتظارا لليوم الذى تلبس فيه النفوس الأجساد الممجدة التى تشبه جسد المسيح.

4.     الموت ليس نهاية حياة بل بداية ملك مع المسيح فى السماء. هؤلاء بقداستهم كانوا أحياء فى نظر الله، لذلك حين ماتوا بالجسد إنتقلوا من حياة إلى حياة أمجد. هم لم يتلاشوا بل هم أحياء بالمسيح ويملكون معه 1000 سنة.

5.     يوحنا يرى النفوس لأنه هو أصلا كان فى الروح (رؤ10:1 + 2:4) هذا الوضع سيستمر حتى فى ايام الوحش، فمن سيرفض الوحش سيكون فى نظر الله حى = فعاشوا = أى نالوا الحياة الحقيقية بإيمانهم بالمسيح، مع أن الوحش ظن أنه قتلهم. وأما بقية الأموات فلم تعش = بقية الأموات هم الذين لم يؤمنوا وعاشوا فى الشر، وقوله لم تعش أى لم ينالوا الحياة الحقيقية. إذا خلال الألف سنة هناك من يؤمن ويعيش وهناك من يرفض ويستمر فى خطيته ويموت، ولا يتمتع بالحياة السمائية التى يحياها أولاد الله، أى لا يتمتع بالقيامة الأولى، ويحيا فى ملكوت الله.

رأيت عروشا = هذه خاصة بنفوس الشهداء.

وأعطوا حكما =

1.     يرتاحون ويفرحون لأحكام المسيح ضد الأشرار، وسيكون لهم نفس رأى المسيح.

2.     برفضهم للخطية فى أثناء حياتهم على الأرض سيدينون من كان يسقط فيها، إذ كان للطرفين نفس الظروف. هم سيحكمون على الأشرار بشهادتهم عليهم. القديسون يدينون العالم أى يشهدوا عليه (1كو 2:6) +( دا22:7).

وملكوا = لقد جعلنا الله ملوكا وكهنة (رؤ6:1) (يملكون ميراث سماوى).

وسيملكون معه ألف سنة = (هى نفس فترة تقييد الشيطان) هنا يملك القديسون على إرادتهم لتخضع لإرادة الله، ويملكون وعودا بميراث سماوى ويملكون بركات مادية وروحية. ومتى إنتهت حياتهم سيملكون نصيبا فى الوطن الأبدى، ميراثا لا يفنى ولا يتدنس ولا يضمحل. هنا يملك القديسون عربون المجد الروحى، قبل أن يرثوا المجد الأبدى هناك.

الموت الثانى = الزج فى جهنم.

 

آية 7 " ثم متى تمت الالف السنة يحل الشيطان من سجنه".

حين يحل الشيطان من سجنه تزداد الخطية، ويزداد الوجع، لعل البعض يتوبون. على أننا لا يجب أن نفزع حين نسمع أن الشيطان سيحل من سجنه. ففى قصة قايين كان الشيطان محلولا وغير مقيد، ومع هذا نسمع قول الله لقايين "عند الباب خطية رابضة وإليك إشتياقها وأنت تسود عليها" (تك7:4)  فإن كان قايين يستطيع أن يسود على الخطية، أفلا نستطيع نحن ذلك ونحن قد حل فينا الروح القدس بعد المعمودية والميرون، ونحن الآن نتناول من جسد الرب ودمه. ولنا وعد أنه "حيث كثرت الخطية إزدادت النعمة جدا"  (رو20:5).

 

آيات 8-10 "و يخرج ليضل الامم الذين في اربع زوايا الارض جوج و ماجوج ليجمعهم للحرب الذين عددهم مثل رمل البحر. فصعدوا على عرض الارض و احاطوا بمعسكر القديسين و بالمدينة المحبوبة فنزلت نار من عند الله من السماء و اكلتهم. و ابليس الذي كان يضلهم طرح في بحيرة النار و الكبريت حيث الوحش و النبي الكذاب و سيعذبون نهارا و ليلا الى ابد الابدين".

 هذه الآيات تفهم بطريقتين 1) حرفية                     2) روحية

1) التفسير الأول :- أن الشيطان الذى هو قتال للناس منذ البدء (يو 44:8) هولا يرتاح سوى لمنظر الدماء والخراب، حينما يحل من سجنه سيثيرحربا رهيبة يجتمع لها ملوك من المشرق  من جوج وما جوج (جوج هو الملك وما جوج هى الأرض التى يحكمها). وربما هذه الحرب هى التى حدثنا عنها حزقيال فى إصحاحات (39،38) جوج وما جوج رئيس روش (قد تكون روسيا) ما شك (قد تكون موسكو) وتوبال (حز2:38). عموما روش وماشك وتوبال كانت قبائل موقعها حول بحر قزوين. وهناك من قال أنها ليست روسيا ودولها بل هى الصين.

وربما كانت هذه المعركة هى المشار لها بإسم هرمجدون.

معسكر القديسين والمدينة المحبوبة = هى أورشليم. هى محبوبة لماضيها وليس لحاضرها. حيث يسكن فيها، فى أيام هذه المعركة، ضد المسيح. ويسميها معسكر القديسين ليس بسبب اليهود الذين فيها طبعا، ولكن لأن هناك مؤمنين كثيرين أدركوا زيف ضد المسيح وآمنوا بالمسيح الحقيقى. ويقال أن فى إسرائيل الآن أكثر من 60.000 يهودى قد آمنوا بالمسيح ويسمون أنفسهم ماسيانيين. ونهاية هذه الجيوش ستكون بيد الله. ولكن فى نفس الوقت سيهلك الوحش والنبى الكذاب فى بحيرة النار. وينقذ الله المؤمنين من هذه الحرب الجهنمية.

2) تفهم هذه الآيات روحيا:- أى أن الوحش وأنصاره جوج وما جوج سيستخدمون كل طرق القسوة والعنف والخداع والتضليل للفتك بالقديسين.

فى هذا التفسير لا تكون المدينة المحبوبة هى أورشليم بالذات، ولكنها تكون إشارة ورمز للكنيسة عموما. ولكن الله سيساند الشاهدين الأمينيين إيليا وأخنوخ الموجودين بأورشليم، بنار الروح القدس التى تحرق أضاليل ضد المسيح وتساند الإيمان والأرجح أن كلا التفسيرين صحيح فهناك حرب مادية ستحدث وحرب روحية ضد الكنيسة. ونهاية هذه الحروب هلاك الوحش فى البحيرة المتقدة بالنار وتمجيد الكنيسة. ونلاحظ أن نجد هلاك إبليس والوحش والتابعين له فى الآيات التالية:-

1.     إلقاء إبليس فى البحيرة المتقدة بالنار.                           (رؤ 10:20)

2.     إلقاء الوحش والنبى الكذاب فى البحيرة المتقدة بالنار.          (رؤ 20:19)

3.     كل من لم يوجد مكتوبا فى سفر الحياة ألقى فى البحيرة.       (رؤ15:20)

 

آية 11 "ثم رايت عرشا عظيما ابيض و الجالس عليه الذي من وجهه هربت الارض و السماء و لم يوجد لهما موضع".

هنا نرى صورة للمسيح الآتى للدينونة عرشا عظيما = إشارة لعظمته وجلاله وملكه على الكل إما برغبتهم عن حب أو بخضوعهم رغما عن إرادتهم أبيض = إشارة لعدالة حكمة وبره وقداسته.

 

الذى من وجهه هربت الأرض والسماء = ربما المقصود الإشارة لتهيب المثول قدام الديان. والأرض تشير للمخلوقات الأرضية، والسماء تشير للمخلوقات السمائية. الكل فى حالة تهيب من يوم الدينونة. وربما تشير الآية لزوال السماء والأرض بشكلهما الحالى كما ورد فى (رؤ1:21) + (أش17:65) فلن نحتاج للأرض ولا للسماء بشكلهما الحالى، ولن نعود لحياتنا المادية ثانية.

 

آية 13،12 "و رايت الاموات صغارا و كبارا واقفين امام الله و انفتحت اسفار و انفتح سفر اخر هو سفر الحياة و دين الاموات مما هو مكتوب في الاسفار بحسب اعمالهم. و سلم البحر الاموات الذي فيه و سلم الموت و الهاوية الاموات الذين فيهما و دينوا كل واحد بحسب اعماله"

 الكل يدان صغارا وكبارا. وإنفتحت اسفار = فيها أسماء البشر مع أعمالهم. سفر الحياة = فيه اسماء المؤمنين الغالبين الذين ينتظرون المجازاة. ودين الأموات = أى الأشرار الذين قضى عليهم بالموت الأبدى، أما الأبرار فلا دينونة عليهم (رو2،1:8).

وسلم البحر الأموات الذين فيه = البحر هو إشارة للعالم. والذين فيه هم الذين سيكونون أحياء بالجسد يوم مجىء الرب للدينونة، لكنهم يحيون فى الشر والخطية لذلك أسماهم الأموات

وسلم الموت والجحيم الأموات الذين فيهما = هؤلاء هم الذين كانوا قد ماتوا بالجسد قبل مجىء يوم الرب وذهبوا للجحيم. والجحيم هو مكان إنتظار الأشرار وهنا الجحيم يسلم من فيه لينقلوا إلى جهنم (المكان الأبدى للأشرار)

الموت  = هو القبر                                 والجحيم = هو الهاوية

 

آية 14 "و طرح الموت و الهاوية في بحيرة النار هذا هو الموت الثاني".

 طرح الموت والجحيم فى بحيرة النار هذا هو الموت الثانى = هذه قد تعنى أن كل من كانوا فى الموت (الأشرار الأحياء عند مجىء الرب الثانى، أو فى الجحيم (الأشرار الذين ماتوا قبل مجىء الرب الثانى). كل هؤلاء يكون مصيرهم فى بحيرة النار، كمكان أبدى، يكونون فيه منفصلين عن الله وهذا هو الموت الثانى. فهم قد إختاروا لأنفسهم وهم أحياء على الأرض هذا الطريق. كانوا أمواتا روحيا وإنتقلوا من موت إلى موت. وقد تعنى أن الشيطان قد طرح فى بحيرة النار فالشيطان هو موت فى مقابل الحياة التى هى الله " أنا هو القيامة والحياة " وهناك تفسير ثالث أنه لا موت ولا جحيم للأبرار فيما بعد فمن كان له القيامة الأولى لن يعود ويكون له موت ثان. فآخرعدو يبطل هو الموت. وهنا يتكلم عن الموت كشخص، وطرحه فى بحيرة النار، يعنى أنه لا يعود هناك موت والطرح فى جهنم والإنفصال الأبدى عن الله أسماه الكتاب الموت الثانى. هذا لمن إختار الموت الأول أى الخطية وهو على الأرض.

 

آية 15 "و كل من لم يوجد مكتوبا في سفر الحياة طرح في بحيرة النار".

نحن تكتب اسماؤنا فى سفر الحياة يوم المعمودية. ومن يغلب ويحيا حياة التوبة يحتفظ بثيابه بيضاء فلا يمحى إسمه من سفر الحياة (رؤ5:3).


 

الإصحاح الحادى والعشرون

آية 1 "ثم رايت سماء جديدة و ارضا جديدة لان السماء الاولى و الارض الاولى مضتا و البحر لا يوجد فيما بعد".

هذا نفس ما قيل فى (إش17:65) + (إش22:66) + (مت35:24) سماء جديدة وأرض جديدة لأن السماء الأولى والأرض الأولى مضتا.

1.     السماء الجديدة والأرض الجديدة هى ما قيل عنها ما لم تره عين وما لم تسمع به أذن ولم يخطر على بال إنسان...(1كو9:2) وعن أن الأرض تزول والسماء تزول " تنحل السموات ملتهبة والعناصر محترقة تذوب. ولكننا بحسب وعده ننتظر سموات جديدة وأرضا جديدة " (2بط13،12:3).

2.     راجع (رو19:8-22) ومنها نفهم أن الأرض والسماء (ما نراه حاليا من سماء الكواكب) هى فى حالة مؤقتة بسبب لعنة الخطية (تك17:3) ولكن سيعاد تكوين الكون وسيكون فى حالة مجد تتناسب مع ما حصل عليه الإنسان من حالة مجد وحرية من الشر. ستكون هناك أرض جديدة تنتهى منها صورة اللعنة وهكذا سماء جديدة لا تغضب على الأرض، أى تختفى الظواهر الطبيعية المدمرة. ويكون الكل فى حالة جمال فائق.

3.     السماء الجديدة هى لقاء مع الرب على مستوى جديد وشركة جديدة لم نختبر مثلها ونحن فى الجسد الترابى. والأرض الجديدة هى علاقتنا مع البشر إخوتنا فى محبة كاملة. والسماء الجديدة هى علاقة محبة وأخوة مع السمائيين من الملائكة (رؤ10:12) والكل متحد مع الرب يسوع فى وحدة أبدية.

والبحر لا يوجد فيما بعد = البحر بمياهه المالحة يشير لشهوات العالم الخاطئة والبحر بإضطراباته وأمواجه يشير للحياة المضطربة على الأرض ويشير للموت، فمن يحيا فى البحر لابد أنها وسيموت. وكل هذا قد إنتهى فى السماء فالسماء هى سلام عجيب دائم وإرتواء دائم وشبع دائم وبلا قلق (إش20:57). والبحر يشير أيضا للفواصل بين الناس. وهذا لا يوجد فى السماء.

 

آية 2 "و انا يوحنا رايت المدينة المقدسة اورشليم الجديدة نازلة من السماء من عند الله مهياة كعروس مزينة لرجلها".

 هناك تشبيه طريف للقمص تادرس يعقوب يفسر هذه الآية فقد قال عن يوحنا أنه كطفل صغير بالكاد يعرف اللغة ولم ير طائرات من قبل ودخل مطارا ورأى فى المطار طائرات كثيرة فعاد ليقول رايت حماما كبيرا على الأرض. وهنا مع  مفردات اللغة البشرية المحدودة (العاجزة عن التعبير عن السماويات) التى يعرفها يوحنا أطلق على المكان الذى سنكون فيه مع الله فى السماء مسكن ومدينة فهى مدينة لأن الله يسكن فيها مع البشر، ولأن الله يسكن فيها أسماها المدينة المقدسة وهى أورشليم الجديدة = هى الكنيسة وهى جديدة فى مقابل أورشليم القديمة التى سكن الله فيها مع شعبه فى القديم وهى جديدة فكل علاقة لنا مع الله فى السماء ستكون جديدة، على مستوى جديد لم نختبره من قبل على الأرض وهى جديدة لأن كل ما فى السماء سيظل جديدا بصفة دائمة لا يصيبه القدم، والإحساس بالقدم يسبب زهد وملل الإنسان فى الشىء، أما لو ظل جديدا فى نظر الإنسان فهذا يشير للتعلق بالشىء والإعجاب به، وهذا سيكون شعورنا تجاه السماويات، لن نمل أو نزهد فيها أبدا.

نازلة من السماء = أى لها مجد الله وهى نازلة أى لتستقبل الغالبين ولترفعهم إليها كما نزل المسيح من السماء ليرفعنا إليه فى السماء، فهنا نسمع أن أورشليم ستنزل من السماء لترفعنا للسماويات. من عند الله = فهو الذى أعدها لنا. هو أصل وجودها ومنبعها السماوى. ولنلاحظ أن الكنيسة رأسها فى السماء وهو المسيح، وجسد المسيح يمتد عبر الزمان والمكان ليجمع الكل فيه ويصعدهم للسماء. الله فى محبته هيأ لعروسه هذه المدينة السماوية فهى عروس المسيح والمسيح أعطاها حياته، وهى لبست المسيح فزينها كعروس له = مهيأة كعروس.

مزينة لرجلها = زينها المسيح بالفضائل والكمالات التى أهداها لها.

 

آية 3 "و سمعت صوتا عظيما من السماء قائلا هوذا مسكن الله مع الناس و هو سيسكن معهم و هم يكونون له شعبا و الله نفسه يكون معهم الها لهم".

 مسكن الله = رمزا للإستقرار النهائى فى حضن الله، هناك نرى الله وجها لوجه مسكن الله مع الناس = ولم يقل مسكن الناس مع الله، فالله هو المشتاق بالأكثر لأن يسكن مع الناس. فحينما دعاه إبراهيم ليدخل خيمته ويأكل طعاما دخل الله وهو لا يحتاج للأكل لأنه يريد أن يدخل بيت إبنه إبراهيم ويفرح به وهو الذى طلب أن يصنعوا له خيمة إجتماع ليجتمع بهم ويسكن فى وسطهم.

وهم يكونون له شعبا. والله نفسه يكون معهم إلها لهم = هم كانوا شعبه وهم على الأرض ولكن الآن سينعمون بمفاهيم أكثر عمقا لعلاقتهم مع الله، وسيشعرون بلذة جديدة لهذه العلاقة وهذا ما بشر به السيد المسيح مريم المجدلية "قولى لهم إنى أصعد إلى أبى وأبيكم وإلهى وإلهكم" (يو17:20). حقا الله هو إله كل البشرية سواء كانوا أبرار أو أشرار، ولكن المسيح بفدائه صنع صلحا وصرنا لله شعبا خاصا له ينعم علينا بخيراته ومحبته. المسيح أعادنا للأحضان الإلهية، لذلك يوجد فى شرقية الهيكل فى الكنائس جزء مستدير مواجه للمذبح يسمى حضن الآب. فالمسيح بجسده ودمه اللذان على المذبح أعادنا لحضن الآب. المسيح أعادنا فيه لحضن الآب  ونحن فى المسيح صرنا أبناء لذلك فلا إنفصال بين "أبى وابيكم"، "إلهى وإلهكم". فى المسيح صرنا كالإبن الضال الذى عاد لأحضان أبيه "فوقع على عنقه وقبله" (لو20:15).

 

آية 4 "و سيمسح الله كل دمعة من عيونهم و الموت لا يكون فيما بعد و لا يكون حزن و لا صراخ و لا وجع فيما بعد لان الامور الاولى قد مضت".

سيمسح الله كل دمعة من عيونهم = ففى السماء فرح كامل وعزاء كامل ولكن السؤال، هل سيكون هناك دموع ليمسحها الله؟ قطعا لا دموع فى السماء حيث الفرح الكامل. ولكن المعنى أن الله سيعطينا أن ننسى كل الآلام والجروح السابقة. فمن المعلوم أن هناك جروحا نفسية وآلام نفسية ناتجة عن أحداث مؤلمة تحدث للإنسان فى الماضى، ولكنه لا ينسى جروحها أبدا مع الزمن، وكل ما يتذكرها يتألم وتهيج فيه جروحه مهما إنقضى من زمان. ولكن فى السماء لن نذكر شيئا موجعا ولا مؤلما، لأن الأمور الأولى قد مضت = أى لا حزن ولا صراخ ولا مرض ولا ألم.... فلا خطية هناك والموت لا يكون فيما بعد = ستكون لنا حياة أبدية ويبتلع الموت (إش8:25) لا يكون حزن = أورشليم السمائية هى مكان الفرح الدائم الحقيقى.

 

آية 5 " و قال الجالس على العرش ها انا اصنع كل شيء جديدا و قال لي اكتب فان هذه الاقوال صادقة و امينة".

 كل شىء جديدا = المعرفة والفهم وأجسادنا الممجدة كل هذا سيكون جديدا.

ولن تسأم النفس ولن تشعر بالملل من أى شىء، إذ ليس فيها شى يعتق أو يشيخ، بل يشعر المؤمن أن كل شىء كأنه جديد يراه لأول مرة ويفرح به. فرؤية الله لا تشبع النفس. بل يزداد الإنسان شهوة لرؤية الله ومعرفته وإكتشاف محبته ومجده والنظر إليه والسجود له وهذا يمتد إلى ما لا نهاية  أكتب فإن هذه الأقوال صادقة وأمينة = ربما لا يصدق الإنسان أن الله أعد له كل هذه الأفراح لذلك يؤكد الله لنا صدق هذه الأقوال.

 

آية 6 "ثم قال لي قد تم انا هو الالف و الياء البداية و النهاية انا اعطي العطشان من ينبوع ماء الحياة مجانا".

 قد تم = كل ما وعد به الله قد تم. فالله قد أعد بيت الزيجية، وتم الزمان لتدخل العروس له وتكون فى أفراح وأمجاد ابدية.

أنا هو الألف والياء البداية والنهاية = أنظر تفسير آية (رؤ8:1) أنا أصل كل الأشياء وستؤول لى كل الأشياء.

أنا أعطى العطشان من ينبوع ماء الحياة  = ينبوع ماء الحياة هو إشارة للروح القدس. وهذا هو نفس ما قاله السيد المسيح للسامرية (يو10:4).

وراجع أيضا (يو37:7-39). والله يعطى الروح القدس للعطشان ليرويه أى من يشعر بالإحتياج فيطلب، فالله يعطى الروح القدس للذين يسألونه (لو13:11).

مجانا = 1) لأن المسيح دفع الثمن بدمه                    2) يستحيل أن نقدر على الثمن

قصة:- صنعوا دواء لمرض خطير فى إنجلترا تكلف 700 مليون جنيه إسترلينى وصنعوا منه ما يكفى لعلاج شخص واحد وأرادوا تجربته، وجاءت لهم إمرأة، إبنها مصاب بهذا المرض ليجربوا فيه الدواء، وشفى الولد وسألت عن الثمن فقالوا لها أنه مجانا لأن السيدة ستعجز عن دفع الثمن لأنه باهظ. فهل نستطيع نحن أن ندفع ما يقابل دم المسيح.

 

آية 7 "من يغلب يرث كل شيء و اكون له الها و هو يكون لي ابنا".

 من يغلب = حقا لا يوجد ما يساوى دم المسيح، ولكن الروح القدس، وميراث السماء لا يعطى إلا لمن يجاهد ويغلب ولا يتكاسل، وماذا يعطى الغالب؟

يرث كل شىء = يرث الله يرث مع المسيح (رو17:8) فإكليل البر لا يوضع سوى لمن جاهد الجهاد الحسن وأكمل السعى (2تى8،7:4).

 

آية 8 "و اما الخائفون و غير المؤمنين و الرجسون و القاتلون و الزناة و السحرة و عبدة الاوثان و جميع الكذبة فنصيبهم في البحيرة المتقدة بنار و كبريت الذي هو الموت الثاني".

 هؤلاء لا يرثون مع المسيح بل نصيبهم فى البحيرة المتقدة بالنار والكبريت الخائفون = أى الجبناء الذين ينكرون الإيمان خوفا على حياتهم الزمنية ومصالحهم المادية. وهؤلاء أشر الفئات لذلك تصدروا القائمة. ولكن من الذى ينكر؟ لا ينكر إلا الضعيف. وإذا كان الروح القدس هو روح القوة (2تى7:1). والروح القدس هو الذى يشهد فينا إذا وقفنا أمام الملوك والولاة (مت20،19:10) إذا فالذى ينكر هو الخالى من النعمة، أى غير المملوء من الروح القدس  الذى لم يشعر فى حياته بالإحتياج، ولم يطلب فى حياته الإمتلاء من الروح القدس، هو من إنشغل بالزمنيات تاركا الروحيات، هذا الإنسان حينما تأتى عليه ساعة يطالبونه بإنكار الإيمان سينكره. هذا لم يستفد من عمل المسيح.

السحرة = من يستخدمون قوة الشيطان.

 

سؤال :- هل الخائفون أشر من غير المؤمنين والسحرة حتى يتصدروا القائمة؟ قطعا. فالخائف هو مؤمن وله كل الإمكانيات حتى يمتلىء ويغلب (يمتلىء بالروح القدس) ولكنه أهمل وتكاسل وتراخى، ولم يعد يثق فى الله.

عبدة الأوثان = يدخل فيها عبادة الذات والشهوات والمال...

جميع الكذبة = هم أتباع الشيطان الكذاب (يو 44:8) والشيطان هو ابو الكذابين. وهؤلاء يستخدمون الغش والخداع فى معاملاتهم. ويدخل مع هؤلاء أتباع الوحش.

 

آية 9 "ثم جاء الي واحد من السبعة الملائكة الذين معهم السبعة الجامات المملوة من السبع الضربات الاخيرة و تكلم معي قائلا هلم فاريك العروس امراة الخروف".

إذا كان الملاك قد حمل جاما يسكب منه ضربات، فليس معنى هذا أن الملاك يحمل مشاعر كراهية للبشر، بل هو ينفذ أحكام الله العادلة ضد الأشرار.وهنا نرى فرح الملائكة بما أعده الله من مجد للبشر. هنا الملاك يعلن عن قلبه المملوء محبة للكنيسة. ولكن هناك من له مجد عال (جبل عظيم) آية (10) وهناك من له ضربات. والملاك يعلن عدل الله بهذا وذاك.

 

آية 10 "و ذهب بي بالروح الى جبل عظيم عال و اراني المدينة العظيمة اورشليم المقدسة نازلة من السماء من عند الله".

 جبل عظيم = إشارة لأن أورشليم السماوية ستكون مرتفعة جدا وسماوية، لا يقدر إبليس وهو فى بحيرة النار أن يصل إليها أو يقترب منها. وايضا فى قوله جبل عظيم إشارة لثباتها وعدم إهتزازها.

 

آية 11 "لها مجد الله و لمعانها شبه اكرم حجر كحجر يشب بلوري".

 لها مجد الله.. كحجر يشب = سمعنا من قبل أن الله الجالس على العرش فى المنظر شبه حجر اليشب (رؤ3:4). وهنا نسمع أن الكنيسة ستكون كحجر يشب. وهذا ما شرحه يوحنا فى (1يو2:3) "لم يظهر بعد ماذا نكون. ولكن نعلم أنه إذا أظهر ذاك نكون مثله، لأننا سنراه كما هو" وشرحه بولس الرسول" الذى سيغير شكل جسد تواضعنا ليكون على صورة جسد مجده" (فى21:3). ومجد الكنيسة ليس من ذاتها بل من الله، الله يعطى مجده لعروسه "وأنا قد أعطيتهم المجد الذى أعطيتنى" (يو22:17) نحن سنعكس الأمجاد الإلهية. سيكون لنا جسد ممجد ليس من نفسه ولكن لأن مجد الله ينعكس عليه وسيكون لنا جسدا نورانيا ليس من نفسه ولكن لأن نور الله ينعكس عليه وهذا معنى "لأننا سنراه كما هو" (1يو2:3).

 

آية 12 "و كان لها سور عظيم و عال و كان لها اثنا عشر بابا و على الابواب اثنا عشر ملاكا و اسماء مكتوبة هي اسماء اسباط بني اسرائيل الاثني عشر".

 كان لها سور عظيم وعال = الله لها سور من نار (زك 5:2) إذا فالله هو الذى يحميها وهى أمنة تماما. ولا تعود تحارب إبليس أو تحارب من إبليس.

لها إثنا عشر بابا = 12 = 3        [  المؤمنين بالله مثلث الأقانيم ]

[ قاموا من موت الخطية  ] × 4 (فى كل جهات الأرض)

[ عمل فيهم الأقنوم الثالث]

إذا رقم 12 هم شعب الله فى كل زمان وفى كل مكان، الذين هم لله، ويحيون حياة توبة (أف14:5) ومملوئين من الروح القدس الأقنوم الثالث.

على الأبواب إثنا عشر ملاكا = رأينا رقم 12 باب، حتى يدخل للمدينة السماوية كل شعب الله فى كل زمان ومكان. ووجود ملائكة على الأبواب إشارة لأنهم يمنعون دخول الشياطين وغير المستحقين كما وقف قديما كاروب على باب الجنة.

وأسماء مكتوبة هى أسماء أسباط بنى إسرائيل = لا تفهم بمعنى حرفى وإلا فلن يدخل إبراهيم وإسحق ويعقوب وايوب ونوح فهم ليسوا من نسل الأسباط ولكن المعنى أن شعب العهد القديم  الأبرار منهم، سيدخلون والأبواب مفتوحة لشعب العهد القديم والجديد. هى كنيسة واحدة. هى إسرائيل الله (غل16:6) ولكن هذه الكنيسة تبدأ من العهد القديم، هى بدأت بآدم ثم نسله ثم الأسباط ثم كنيسة العهد الجديد التى يمثلها ايضا 12 تلميذا بنفس المعنى.

فكنيسة العهد الجديد هى إمتداد لإسرائيل أما اليهود الذين لم يؤمنوا بالمسيح بعد أن أتى المسيح فهم حكموا على أنفسهم بالخروج من إسرائيل الله. ولفظ إسرائيل الله يعنى الكنيسة التى بدأت بشعب العهد القديم وممتدة حتى الآن وبالتالى فاليهود غير المؤمنين غير مستطيعين الدخول من الأبواب الـ12.

 

آية 13 " من الشرق ثلاثة ابواب و من الشمال ثلاثة ابواب و من الجنوب ثلاثة ابواب و من الغرب ثلاثة ابواب".

 ثلاثة أبواب من كل جهة. حتى ان كل من يؤمن بالله مثلث الأقانيم، وعمل فيه الروح القدس، وكان حيا أى تائبا، قام من موت الخطية، وكانت له بذلك القيامة الأولى... هذا يمكنه الدخول. ولأى إنسان من كل جهات العالم الأربعة.

 

آية 14 " و سور المدينة كان له اثنا عشر اساسا و عليها اسماء رسل الخروف الاثني عشر".

إثنا عشر أساسا = هى أساسات السور وعليها اسماء رسل المسيح = رسل الخروف الإثنى عشر = حماية الله إذن مبنية على أساس الإيمان بالمسيح، لذلك فاليهود رافضى المسيح لن يدخلونها. وكل أنبياء العهد القديم قد تنبأوا عن مجىء المسيح. لذلك قيل أن شهادة يسوع هى روح النبوة (رؤ10:19) وهذا ما قاله بولس الرسول "مبنيين على أساس الرسل" (أف20:2) أى تعاليم وكرازة الرسل بالمسيح.

 

آية 15 "و الذي كان يتكلم معي كان معه قصبة من ذهب لكي يقيس المدينة و ابوابها و اسوارها".

قصبة = لقياس المدينة ومعنى هذا:-

1.     هم نصيب الرب، فالقياس يتم لتحديد نصيب ميراث كل شخص من تركة معينة. حبال (المناظر للقصبة وبها يتم تقسيم الرض للميراث) وقعت لى فى النعماء فالميراث حسن عندى (مز6:16) وهكذا قال بولس الرسول عن ميراث الرب "ما هو غنى مجد ميراثه فى القديسين" (أف18:1).

2.     أبناء الله معروفين ومقاسين من قبل الله ومحفوظين لديه.

من ذهب = أى أن سكان المدينة قد قيسوا بمقاييس البر، المقاييس السماوية (فالذهب رمز للسماويات) فوجدوا مستحقين فهم تبرروا بدم المسيح.

 

آية 16 "و المدينة كانت موضوعة مربعة طولها بقدر العرض فقاس المدينة بالقصبة مسافة اثني عشر الف غلوة الطول و العرض و الارتفاع متساوية".

نجد هنا أن المدينة مكعبة أى أن طولها = عرضها = إرتفاعها وإذا رجعنا لخيمة الإجتماع أو الهيكل لوجدنا أن قدس الأقداس وحده هو الذى له هذه المواصفات أى مكعب. وقدس الأقداس يشير لعرش الله فى السماء، وهو مكعب إشارة لأن صفات الله كلها متساوية، كمالات الله كلها متساوية. هو كامل كمال مطلق، غير ناقص فى شىء. لو تمتع إنسان مثلا بصفة الرحمة تجد رحمته تسود على عدله والعكس صحيح، أما الله فصفاته كلها كاملة فهو الكامل وحده فى كل شىء. والآن نسمع أن أورشليم السماوية ستكون مكعبة أى ستصير كاملة، وذلك راجع لسكنى الله فيها، أو ليست هى مسكن الله مع الناس (آية 3). فالله سيعطيها من كماله لتصير كاملة فى نظر السمائيين وسيفرحوا بها.

فقاس المدينة = الملاك صار يدرك الآن ماذا صار للبشر من كمال.

12000 غلوة = هذه حوالى 4500 كم فهى متسعة جدا. ولكن ليس هذا الرقم (ال 4500 كم) هو ما يهمنا بل ال (12000 غلوة) أى 12×1000 أى شعب الله الذين يحيون الآن فى السمائيات. فرقم 1000 هو رقم السمائيات.

شعب الله الآن صار سماويا.

 

آية 17 "و قاس سورها مئة و اربعا و اربعين ذراعا ذراع انسان اي الملاك".

قاس سورها 144 ذراع. ذراع إنسان أى الملاك 144 ذراع أى حوالى 70 مترا. وهذا الطول يعتبر لا شىء بالنسبة لإرتفاع المدينة نفسها والمقدر بحوالى 4500 كم. ولكن ليست الأبعاد هى التى تهمنا بل ما تشير لها الأبعاد من معانى ورموز.

فكون أن المدينة لها سور، فهذا يعنى الحماية. وإذا فهمنا أن الله كان يحمى شعبه فى العهد القديم والعهد الجديد، وكان لهم سور من نار (زك5:2) فبالأولى، فإن الله يحمى شعبه وهم فى السماء. فالسور يشير لحماية الله لشعبه فى العهدين وفى السماء وبينما كانوا على الأرض. وكون السور 144 ذراعا فهذا إشارة لأن الله كان يحمى شعبه فى العهد القديم وفى العهد الجديد (144 = 12×12). فنظرا لضعف الإنسان فهو محتاج لحماية الله. فالإنسان ضعيف وليس كالملائكة. فالملائكة بطبيعتهم أقوياء إذ ليس لهم أجساد ضعيفة. وكون الملاك يقيس هذا السور، فهذا يعنى أن الملاك صار يتصور كمية الحماية التى كان الله يحيط بها شعبه. وأن الكل كان ينعم بهذه الحماية عبر التاريخ وكون الملاك كان يقيس بذراع إنسان وليس بذراع ملاك فهذا يعنى أنه صاريتصور لزوم هذه الحماية للإنسان الضعيف بسبب جسده وأنه الآن هنا فى أورشليم السماوية بسبب تلك الحماية. لقد صار الملائكة يعطون عذرا للبشر فى سقطاتهم المتكررة، لقد صاروا يشعرون بضعفهم كبشر وأهمية الحماية التى كان الله يحيطهم بها. ربما فى وقت من الأوقات كان الملائكة يندهشون كيف يقبل الله إنسان صنع هذه الخطايا ربما ماكانوا يفهمون، كيف يكون للبشر نفس مجد الملائكة. ولكن كون أن الملاك يقيس السور بذراع إنسان فهذا يعنى أنه أصبح يعطى عذرا للبشر فيما كانوا يفعلونه. وصار يمجد الله على حمايته للبشر التى بدونها ما كان للإنسان أن يدخل هذا المكان

ولكن السور أيضا يشير لأن من فى المدينة ما عاد معرضا للخروج منها ثانية، كما خرج الإنسان مرة من الجنة، ما عاد الإنسان قابلا للسقوط. ولن يدخل لهذه المدينة شيطان مرة أخرى ولا حية فالشيطان الآن فى بحيرة النار.

 

آية 18 "و كان بناء سورها من يشب و المدينة ذهب نقي شبه زجاج نقي".

 بناء سورها من يشب والمدينة ذهب شبه زجاج نقى = اليشب شفاف، والذهب معدن غير شفاف. والمعدن قوى والزجاج شفاف وهش ولكن المعنى كله رمزى. فإذا فهمنا أن اليشب يشير لله نفسه (رؤ3:4) والذهب يشير للسمائيات. والزجاج للشفافية يكون المعنى أن الله نفسه هو سور المدينة السمائية التى تحيا فى شفافية بعد أن تخلص البشر من كثافة الأجساد المادية، سيكون السمائيون من البشر لهم صفة النقاوة والشفافية والحياة السماوية. والله يحرس هذه الصفات، وما عاد إبليس قادر أن يسقطهم ثانية من هذه الحياة السمائية.

 

آيات 20،19 "و اساسات سور المدينة مزينة بكل حجر كريم الاساس الاول يشب الثاني ياقوت ازرق الثالث عقيق ابيض الرابع زمرد ذبابي. الخامس جزع عقيقي السادس عقيق احمر السابع زبرجد الثامن زمرد سلقي التاسع ياقوت اصفر العاشر عقيق اخضر الحادي عشر اسمانجوني الثاني عشر جمشت".

سمعنا أول مرة عن الأحجار الكريمة فى الجنة (تك12:2). وكان ذلك قبل السقوط. وسمعنا عن الأحجار الكريمة على كتف وعلى صدرة رئيس الكهنة الذى كان رمزا للمسيح. والمعنى أن أولاد الله هم الأحجار الكريمة التى يحملها على كتفه ويضعها فى قلبه ولأجلهم خلق الجنة ليضعهم فيها، ولما خسروها جاء كرئيس كهنة ليحمهلم فيه مرة أخرى وليعود بهم للسماء. هو بفدائه كان رئيس كهنة أعادنا لأورشليم السماوية ولنكون أحجارا كريمة فى بيت أبينا السماوى. ولأن هذه الأحجار موجودة فى الأساسات نفهم أن أورشليم السماوية مؤسسة على محبة الله لأولاده، فلأجل محبة الله لأولاده أسس لهم هذه المدينة السماوية وجملهم فصاروا كأحجار كريمة. وهناك تفسير آخر مكمل للتفسير الأول أن الوحى إستخدم التشبيه بأحجار كريمة لأن فى هذا تعبير عن جمال وبهاء أورشليم السماوية بأقصى ما تستطيع اللغة البشرية. عموما فإن أولاد الله هم زينة أورشليم السماوية. فكون أن إبن الله الذى يغلب يكون عمودا فى هيكل الله.

راجع (رؤ12:3) فالعمود يستخدم:

1.     لتدعيم المبنى.

2.     لزينة المبنى.

وفيما يأتى محاولة لفهم بعض خواص أورشليم السماوية

يشب = إذا لها شفافية الله ومجد الله. كلها محبة نقية لا مكان فيها لكراهية فاليشب إتخذ رمزا لله نفسه (رؤ3:4).

ياقوت أزرق = هى سماوية إرتفعت تماما عن مجد وملذات الأرض.

عقيق أبيض = نقية وطاهرة بلا خطية.

زمرد ذبابى = لونه أخضر إشارة لدوام الحيوية.

جزع عقيقى = لونه أحمر إشارة لإنتصارها على أعدائها (رؤ20،19:14).

عقيق أحمر = كل من فيها مفدى بالدم.

زبرجد = أنقى أنواع الذهب، رمزا للكمال السمائى بلا نقص أرضى فلا أجساد ناقصة لمن هم هناك. الزبرجد ذهب لا يوجد به أى شوائب.

زمرد سلقى = لونه كالبحيرة الهادئة، رمزا للصفاء والسلام الذى يسود هناك.

ياقوت أصفر = النار تزيده لمعانا، وإلهنا نارا أكلة. فوجودنا هناك أمام الله يزيدنا بهاء ولمعانا.

عقيق أخضر = تأكيد على دوام الحيوية ودوام النمو.

أسمانجونى = يمتاز بالصلابة. يكسر أى شىء ولا شىء يكسره فهو رمز للخلود.

جمشت = يمتاز بالجاذبية المغناطيسية. هكذا سنكون منجذبين للمدينة السماوية لا نريد تركها.

هذه مجرد محاولة لفهم ما تعنيه تلك الأحجار الكريمة. والمعنى العام أن حياتنا هناك ستكون بشكل مجيد مختلف عما نحياه هنا. الله سيعطينا فضائل. وكل منا سيتميز عن غيره، "برهم من عندى يقول الرب" (إش11:54-17) نحن بالفضائل التى سيعطيها لنا الله سنكون كحجارة كريمة. وإختلاف أنواع الحجارة الكريمة يشير لأن كل إبن للملكوت يتزين بزينة إلهية مختلفة عن أخيه لكنها ثمينة وجميلة وفى تكامل بينها وبين بعضها البعض.

 

آية 21 "و الاثنا عشر بابا اثنا عشرة لؤلؤة كل واحد من الابواب كان من لؤلؤة واحدة و سوق المدينة ذهب نقي كزجاج شفاف".

 والإثنا عشر بابا إثنتا عشرة لؤلؤة، كل واحد من الأبواب كان من لؤلؤة واحدة المسيح هو الباب الذى تدخل فيه الخراف (يو9،7:10) والمسيح هو اللؤلؤة الواحدة كثيرة الثمن (مت46:13). وهناك بالتالى باب واحد من لؤلؤة واحدة كثيرة الثمن. فمن باع أمجاد الأرض التى هى لآلىء كثيرة ليشترى هذه اللؤلؤة الواحدة كثيرة الثمن (المسيح) سيجد نفسه قد دخل من الباب إلى أورشليم السماوية. ولماذا هناك 12 باب لأن الدخول لكل المؤمنين الآتين من كل مكان ومن كل إتجاه (رقم 4) بشرط أن تكون لهم قيامة مع المسيح (القيامة رقمها 3). والقيامة معناها أن المؤمن قد إعتمد وقام متحدا مع المسيح (رو3:6-5) ثم ظل متحدا بالمسيح بحياة التوبة. وأن الروح القدس الأقنوم الثالث قد ثبته فى المسيح فلا دخول إلا لمن ظل ثابتا فى المسيح وهذا عمل الروح القدس.

سوق المدينة = السوق هو مكان التعامل بين الناس وبعضهم البعض.

ومعاملاتنا مع إخوتنا فى السماء ستكون على مستوى سمائى = ذهب نقى وفى نقاء = كزجاج شفاف.

 

آية 22 "و لم ار فيها هيكلا لان الرب الله القادر على كل شيء هو و الخروف هيكلها".

الهيكل هو مكان لقاء الله مع شعبه، والآن الله ساكن مع شعبه بل هو فيهم وهم فيه، فلا حاجة لوجود هيكل بعد هذا الإتحاد. والهيكل تقدم فيه ذبائح غفرانا للخطايا، والآن لا خطايا يقدم عنها ذبائح. لقد صار لقاءنا مع الله على مستوى الوحدة وفى نقاوة بلا خطية.

 

آية 23 "و المدينة لا تحتاج الى الشمس و لا الى القمر ليضيئا فيها لان مجد الله قد انارها و الخروف سراجها".

 الله نور، وهو سينير المدينة. وكنا على الأرض نحتاج للظلمة حتى نستريح. والآن لا تعب. بل راحتنا أن نكون فى الله ونراه دائما.

 

آية 24 "و تمشي شعوب المخلصين بنورها و ملوك الارض يجيئون بمجدهم و كرامتهم اليها".

 تمشى= نشير لأن المخلصين يمشون وراء المسيح فى خضوع كامل، فلقد إنتهى كل تمرد وعصيان.

 وملوك الأرض يجيئون بمجدهم وكرامتهم إليها = هؤلاء من كان لهم كرامة زمنية، حينما رأوا مجد الله إحتقروا كل ما كان لهم من مجد ووضعوه تحت قدمى الله. بل لن يدخل أورشليم السماوية إلا كل من وضع مجده تحت قدمى المسيح بينما هو مازال على الأرض، أى أثناء حياتهم على الأرض إحتقروا كل كرامة زمنية واضعين نصب أعينهم مجد أورشليم السماوية التى يريدون الوصول إليها.

 

آية 25 "و ابوابها لن تغلق نهارا لان ليلا لا يكون هناك".

الأبواب مفتوحة لأنه لا خشية من أعداء يأتون إليها، فكلهم الآن فى البحيرة المتقدة بالنار. لن تغلق نهارا = العادة أن تغلق الأبواب فى الليل لا فى النهار. فما معنى قوله لن تغلق نهارا. الرد فى النصف الثانى من الآية لأن ليلا لا يكون هناك = فإذا كان الله نور المدينة فلن يكون هناك ليل، ولن يكون هناك خوف حتى بغلقوا الأبواب.

 

آية 26 "و يجيئون بمجد الامم و كرامتهم اليها".

 كل مجد الأمم وكرامتهم ستوضع تحت قدمى المسيح.

 

آية 27 "و لن يدخلها شيء دنس و لا ما يصنع رجسا و كذبا الا المكتوبين في سفر حياة الخروف".

 هنا نجد حدود من يدخل لأورشليم السماوية.


 

الإصحاح الثانى والعشرون

آيات 2،1 "و اراني نهرا صافيا من ماء حياة لامعا كبلور خارجا من عرش الله و الخروف. في وسط سوقها و على النهر من هنا و من هناك شجرة حياة تصنع اثنتي عشرة ثمرة و تعطي كل شهر ثمرها و ورق الشجرة لشفاء الامم".

سمعنا فى سفر التكوين عن نهر يسقى الجنة، وأن الجنة بها شجرة حياة (تك9،10:2) وها نحن فى ختام أسفار الكتاب المقدس نسمع عن النهر وعن شجرة الحياة فى أورشليم السماوية، فالله يقودنا لما أراده لنا منذ البدء.

 والنهر = هو إشارة للروح القدس (يو37:7-39) + (مز5،4:46) + (أش12:66-14). فالروح القدس كنهر يفيض حياة وعزاء وسلام.

والشجرة = هى المسيح (مز1:1-6) وكون أن الشجرة موجودة على النهر فالمعنى أن الحياة التى أعطاها لنا المسيح بتجسده وبجسده ودمه كانت تصلنا بالروح القدس، الذى أرسله لنا المسيح (يو26:5 + يو7:16).

من ماء حياة = راجع (يو14،10:4) فماء الحياة هو روح الله أو حياة الله.

حياة الله خارجة ومتدفقة منه لتملأ الناس حياة وبر وعزاء وفرح وسلام ومحبة حقيقية.

صافيا = أما أنهار العالم أى مصادر الملذات العالمية  والأمجاد العالمية. فهى معرضة دائما أن تتعكر، بل هى مشبهة بماء البحر المالح. والله سيقتادنا إلى هذا النهر (ينابيع الماء الحية رؤ17:7) لنرتوى منه فنمتلىء فرحا حقيقيا لا يشوبه أى نوع من الحزن ونمتلىء سلاما حقيقيا بلا أى هم أو قلق. ونمتلىء محبة حقيقة لكل الخليقة ولله أولا. وهذه المحبة هى السبب فى الفرح والسلام. والمحبة التى سيعطيها لنا الروح القدس لم نختبر مثلها على الأرض، فسنحب كل من فى السماء وسنفرح لهم، حتى لو كان لهم مجد ودرجات أعلى منا بكثير. فى السماء يمكننا أن نطبق الآية "فرحا مع الفرحين" (رو15:12) بصورة كاملة ومطلقة. هى محبة بلا حسد ولا غيرة. محبة صافية، وهذا معنى النهر الصافى. فالمحبة ستكون صافية بلا حقد ولا حسد والفرح سيكون صافيا بلا حزن.. وهكذا. والحياة التى ستتدفق فينا هى حياة ابدية بلا موت.

لامعا كبلور = البلور يعكس الأنوار. والمعنى أن الروح القدس سيعكس الأمجاد الإلهية فنستمتع بها، وهذه تملأ النفس فرحا وسلاما. ألم يقل السيد المسيح عن الروح القدس أنه يأخذ مما له ويخبرنا (يو14:16).

وكل هذا يفعله الروح القدس الأن، ولكن ما نحصل عليه الآن هو مجرد عربون ما سيعطيه لنا فى الأبدية (1كو10،9:2 + 1كو12:13) فالبلور اللامع هو التعبير البشرى عن الأمجاد الإلهية.

ومما يؤكد أن سفر الرؤيا مكتوب بطريقة رمزية أننا نجد شجرة الحياة فى وسط سوق المدينة وفى نفس الوقت هى على النهر من هنا ومن هناك.

خارجا من عرش الله والخروف = هنا نجد أقنومان الله والخروف. ولكن ما يؤكد الوحدة بينهما، وأنها واحد، هو أن لهما عرش واحد. وعرش الله هو حيث يقيم بمجد لاهوته. وقوله الخروف كناية عن المسيح وهذا يعنى أن الصورة التى سنرى بها المسيح فى السماء هى الصورة التى ظهر بها لنا على الأرض. والروح القدس يقال عنه هنا خارجا من عرش الله، وهذا لأنه منبثق من الآب (يو26:15).

والخروف = لأن المسيح أرسل الروح القدس ليملأ الكنيسة. والروح القدس منبثق من عند الآب ليملأ المخلصين بإستحقاقات دم الخروف. فلولا دم المسيح ما إستحق أحد أن يملأه الروح القدس.

وفى وسط سوقها = السوق إشارة للمعاملات بين المخلصين بعضهم البعض  فى السماء. هنا يرسم الوحى صورة عجيبة للسماء. فهناك شجرة حياة هى المسيح والمسيح موجود فى السوق وعلى جانبى النهر، فإذا فهمنا أن السوق يشير للمخلصين، فالمسيح متحد بهم. وكون النهر فى وسط الشجرة، فهذا إشارة لأن الروح القدس المنبثق من الآب وهو روح المحبة الذى يفيض على المحبوب (أف6:1) صار بإتحادنا مع المحبوب يفيض علينا نحن أيضا، فنحن جسد المسيح والمسيح هو الذى يرسل الروح (يو7:16). معاملاتنا إذن بعضنا البعض ستتسم بالمحبة بسبب إتحادنا بالمسيح ولإنسكاب الروح القدس، روح المحبة فينا.

إثنتى عشرة ثمرة = الثمار هى للشبع، ففى السماء لن يكون هناك جوع ولا عطش فالمسيح يشبعنا بذاته والروح القدس يروينا. أى شبع دائم وفرح دائم. ورقم 12 يشير لأبناء الملكوت، كأن الثمر مخصص لهم. كل يجد فيه إحتياجه وشبعه. وهذا الثمر دائم فهو كل شهر = علامة سخاء النعمة فعطاء المسيح دائم.

تعطى كل شهر = لن تكون هناك أزمنة فى السماء، فلن يكون هناك أيام. فلا ليل ولا نهار بل نهار دائم. ولكن فى هذا إشارة لتجديد الثمر، أو أن الثمر سيكون كأنه جديد دائما ومتجدد، فنقف أمام الشجرة فى دهشة وعجب وبلا ملل. نأكل منه (رمزيا) فنشبع. ومن فرحتنا نذهب لنقطف من ثمارها ثانية فنجده جديدا وبطعم جديد ولذة جديدة.

شبه أحد القديسيين الملكوت بأنه حالة فرح عجيب برؤية الله والتمتع برؤياه ومعرفته. ولمحدودية الإنسان (فنحن سنظل كبشر محدودين حتى فى السماء) يصير غير محتمل لهذا الفرح فيصرخ كفى، أنا غير قادر. فيعطيه الله إتساعا أكثر، فيعرف الله ويعرف عن الله أكثر، والمعرفة حياة (يو3:17). وحينما يعرف يفرح أكثر وأكثر. ولمحدوديته يصرخ كفى، أنا غير قادر فيعطيه الله إتساعا أكثر وأكثر ليحتمل المزيد.. وهكذا وربما هذا ما أشير له بفترة الشهر، وهذا لن ينتهى بل سيستمر للأبد، فالله غير متناهى. وتكون الأمجاد والأفراح واللذات بمعرفة الله ورؤيته فى مجده هى بلا نهاية، بل بإتساع أكثر = كل شهر = بحسب محدودية لغتنا البشرية

وورق الشجرة لشفاء الأمم = الأمم هم الشعوب الذين آمنوا فصاروا من المخلصين ودخلوا المدينة السماوية.

لشفاء الأمم = الله خلق الإنسان على صورته، وفقدنا هذه الصورة بالخطية ولندرك مدى ما خسرناه، فلنتأمل فى قصة موسى الذى رأى النذر اليسير من مجد الله وهو فى داخل كهف فى داخل جبل والله أغلق عليه ليحميه حتى لا يموت ومع هذا لمع وجه موسى. والسؤال.. ماذا كان عليه وجها آدم وحواء قبل السقوط وهما كانا يريان الله وجها لوجه. هذه القصة ترينا كم خسرنا بسبب الخطية فصارت أجسادنا ووجوهنا معتمة وفقدت نورها ولكن فى السماء ستشفى طبيعتنا ونعود بأجساد نورانية ممجدة ويضاف لذلك فنحن الآن نشبع من تفاهات العالم وأما هناك فسنشبع فقط من المسيح. وهذا هو الشفاء الحقيقى والصورة هنا إستعارية من بعض الأشجار فى الطبيعة، فثمر الشجرة للأكل والشبع وأوراق الشجرة تؤخذ كدواء لبعض الأمراض (كشجر الجوافة مثلا) والمعنى أنه بالمسيح وفى المسيح صار شبعنا وشفاء طبيعتنا.

هذه الصورة هنا فى هذه الآية صورت قبل ذلك فى حزقيال 47.

ولاحظ أن العصارة داخل الشجرة هى الروح القدس فالعصارة مأخوذة من النهر فالروح القدس مازال عمله يأخذ من المسيح ويعطينا الشبع والشفاء والمجد...

 

آية 3 "و لا تكون لعنة ما في ما بعد و عرش الله و الخروف يكون فيها و عبيده يخدمونه".

 لا تكون لعنة فيما بعد = بسبب الخطية لعنت الأرض ولعن الإنسان نفسه بعد ذلك. ولكن فى أورشليم السماوية لن تكون هناك خطية وبالتالى فلن تكون هناك لعنة ثانية.

 وعرش الله والخروف يكون فيها = لن يحدث ثانية إنفصال بين الله والناس. فالإنفصال كان بسبب الخطية.

 وعبيده يخدمونه = أى يسبحونه ويشكرونه ويتعبدون له ويمجدونه ويحققون إرادته بل يفرحون بها. لقد إنتهى التمرد والعصيان الذى كان فينا ونحن على الأرض.

 

آية 4 "و هم سينظرون وجهه و اسمه على جباههم".

 سينظرون وجهه = سنرى الله وجها لوجه (1كو12:13) وهذا سر الفرح، فنفرح فى لذة عجيبة ولن نفكر سوى فى الله.

إسمه على جباههم = فالجبهة رمز للتفكير، وكون إسمه على جباهنا فهذا يعنى أن شغلنا الشاغل هو التفكير فى الله، فلا إنشغال فى أكل أو شرب أو هموم. الله فقط سيصير محور تفكيرنا هناك فهو مصدر سعادتنا الدائمة.

وإسمه على جباههم = هى سمة للملكية فلم نعد عبيد لأحد سوى لله.

 

 آية 5 "و لا يكون ليل هناك و لا يحتاجون الى سراج او نور شمس لان الرب الاله ينير عليهم و هم سيملكون الى ابد الابدين".

 وهم سيملكون إلى الأبد = سيكون لعبيد الله مجدا وكرامة ملوكية وسيكون لهم ميراثا سماويا يملكونه. وسيكون لهم نصيب فى العرش والمسيح شمس البر سينير عليهم وفيهم ويحيطهم بنوره فالله نور.

 

آيات 7،6 "ثم قال لي هذه الاقوال امينة و صادقة و الرب اله الانبياء القديسين ارسل ملاكه ليري عبيده ما ينبغي ان يكون سريعا. ها انا اتي سريعا طوبى لمن يحفظ اقوال نبوة هذا الكتاب".

 أرسل الله ملاكه ليرى يوحنا هذه الأسرار فى هذه الرؤيا، والله فى محبة كشف لنا كل هذا لنستعد.

ما ينبغى أن يكون سريعا = هذه الرؤيا عمرها الآن حوالى 2000 سنة. ولكن يوم عند الله كألف سنة وألف سنة كيوم (2بط8:3). والملاك يؤكد صدق هذه الأقوال والإنذارات والأحداث لنأخذ الأمور بجدية ونستعد.

 ها أنا آتى سريعا = المجىء الثانى لم يأتى حتى الآن، ولكن لحظة موت كل منا قد تأتى أسرع مما نتصور. طوبى لمن يحفظ أقوال نبوة هذا الكتاب أى يراقب الأحداث ويسهر فى حياة إستعداد منتظرا مجىء المسيح ويحفظ وصاياه ويعمل بها.

الرب إله الأنبياء = أى الذى أوحى للأنبياء عبر ألاف السنين ليكتبوا نبواتهم التى حملت إنذارات الله للبشر، وتنبأوا أيضا بأمور خلاصنا وفداء المسيح لنا وهذه كلها حدثت بالفعل. والله يريد أن يقول أنه كما تحققت نبوات الأنبياء فى موضوع الخلاص وفى إنذاراتهم، فإن أقوال هذه الرؤيا ستصدق.

 

آيات 9،8 "و انا يوحنا الذي كان ينظر و يسمع هذا و حين سمعت و نظرت خررت لاسجد امام رجلي الملاك الذي كان يريني هذا. فقال لي انظر لا تفعل لاني عبد معك و مع اخوتك الانبياء و الذين يحفظون اقوال هذا الكتاب اسجد لله".

 مرة ثانية يتصور يوحنا أن الملاك الذى كان يكلمه هو الرب يسوع وذلك راجع للتشابه وللعظمة التى فى هيئة الملاك. وكل هذا سيكون لنا (فى21:3) + (1يو2:3). فكما أن الملائكة يعكسون صورة المجد الإلهى هكذا سنكون بأجسادنا الممجدة.

عبد معك ومع إخوتك الذين يحفظون أقوال هذا الكتاب = لاحظ أن الملاك يضم نفسه مع يوحنا وإخوته ومن يحفظ أقوال هذا الكتاب، وهذا هو ما فعله المسيح بفدائه، إذ وجد السمائيين والأرضيين، وصار راسا لهما معا (أف10:1).

 

آية 10 "و قال لي لا تختم على اقول نبوة هذا الكتاب لان الوقت قريب".

 لا تختم = أى لا تخفى منها شيئا، بل إعلن وأنشر هذه الأقوال فالأيام قد إقتربت. هناك أشياء أراد الله إخفائها مثل ما قالته الرعود (رؤ4:10) ولكن هناك ما يريد الرب أن نعرفه جميعا.

 

آية 11 "من يظلم فليظلم بعد و من هو نجس فليتنجس بعد و من هو بار فليتبرر بعد و من هو مقدس فليتقدس بعد".

فى نهاية الكتاب المقدس وبعد كل الإنذارات والوصايا والأقوال المقدسة يقول الله هذا، وكأنه يقول " أنا عملت اللى على..." علمت وأنذرت... إذا ليمشى كل واحد فى الطريق التى تروق له...  كل واحد يسير على هواه، إلى أن يأتى يوم الدينونة. وما يزرعه الإنسان فإياه يحصد.

 

آية 12 "و ها انا اتي سريعا و اجرتي معي لاجازي كل واحد كما يكون عمله".

 حقا الحرية مكفولة للجميع، ولكن الله العادل سيجازى كل واحد كما يكون عمله = هنا نرى أن الإيمان وحده لا يكفى فالشياطين تؤمن وتقشعر والمهم أين أعمالنا. هنا نرى أهمية الأعمال حتى لا يكون الإيمان ميتا (يع21:2).

 

آية 13 "انا الالف و الياء البداية و النهاية الاول و الاخر".

 راجع تفسيرها فى(رؤ11:1) والمعنى أن المسيح هو رأس الكنيسة وهو يحتضن الجميع وهو ضابط الكل الذى يحرك كل الأمور فلماذا الخوف.

 

آية 14 "طوبى للذين يصنعون وصاياه لكي يكون سلطانهم على شجرة الحياة و يدخلوا من الابواب الى المدينة".

طوبى للذين يصنعون وصاياه = مرة ثانية نسمع عن أهمية الأعمال.

لكى يكون سلطانهم = "أى يكونوا مستحقين" وفى ترجمات أخرى يكون لهم الحق أن يأكلوا من الشجرة فيكون لهم حياة، أو ينالوا حياة، فالشجرة رمز للمسيح.

يدخلون من الأبواب = أى يسمح لهم الملائكة بالدخول (رؤ12:21).

 

آية 15 "لان خارجا الكلاب و السحرة و الزناة و القتلة و عبدة الاوثان و كل من يحب و يصنع كذبا".

 هنا نجد قائمة بالذين سيمنعهم الملائكة من الدخول لأورشليم السماوية.

الكلاب = هم من يتصرف مع المؤمنين تصرف الكلاب أى يريدون نهش لحومهم، ويهيجون الحكام والولاة ضدهم بنباحهم ضد  المؤمنين ويشير الكلاب لمن يعيش فى النجاسة. فالكلب بمفهوم العهد القديم نجس، لذلك كانت تقال عن الأمم لوثنيتهم.

وتقال الكلمة عن المسيحيين المرتدين لوثنيتهم، فهم مثل كلب رجع إلى قيئه (2بط22:2).

 

آية 16 "انا يسوع ارسلت ملاكي لاشهد لكم بهذه الامور عن الكنائس انا اصل و ذرية داود كوكب الصبح المنير".

 أنا يسوع = المسيح يكشف لكنيسته عن نفسه كمخلص لها.

أصل وذرية داود = أنا إله وخالق داود، فأنا أصل داود من جهة  اللاهوت. وأنا ذرية داود من ناحية الناسوت، فلقد صرت بالجسد إبنا لداود. وهذه الآية تشير بوضوح لأن يسوع هو الإله المتأنس.

كوكب الصبح المنير = المسيح يشرق على كنيسته. وكوكب الصبح المنير يكون إيذانا بمشرق الشمس لينتهى الظلام. والمسيح بتجسده، كان هذا إيذانا بنهاية ليل هذا العالم، وليأتى المسيح فى نهاية الأيام ليمجد كنيسته.

 

آية 17 "و الروح و العروس يقولان تعال و من يسمع فليقل تعال و من يعطش فليات و من يرد فلياخذ ماء حياة مجانا".

 الروح والعروس يقولان تعال = الروح القدس يحرك أشواق المؤمنين لمجىء المسيح الثانى. وهو العامل فى الكنيسة كلها لتقول للرب يسوع تعال آمين تعال أيها الرب يسوع... الروح القدس يضع فى أفواه القديسين  هذه الصلوات، مثلما وضع فى فم بولس الرسول "لى إشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح" ومن يسمع فليقل تعال = فكل نفس تذوقت حلاوة عشرة المسيح من المؤكد ستدعو الآخرين كما قال داود النبى "ذوقوا وأنظروا ما أطيب الرب". من يرد فليأخذ ماء حياة = من يأخذ الآن من ماء الحياة هو يأخذ العربون، أما فى السماء فسنأخذ من نهر الماء الصافى.

 

آيات 19،18 "لاني اشهد لكل من يسمع اقوال نبوة هذا الكتاب ان كان احد يزيد على هذا يزيد الله عليه الضربات المكتوبة في هذا الكتاب. و ان كان احد يحذف من اقوال كتاب هذه النبوة يحذف الله نصيبه من سفر الحياة و من المدينة المقدسة و من المكتوب في هذا الكتاب".

فى نهاية الكتاب المقدس يحذر الله من تحريفه بأى صورة من الصور.

 

آية 20 "يقول الشاهد بهذا نعم انا اتي سريعا امين تعال ايها الرب يسوع".

 الشاهد هو الرب يسوع من أول آية 12.

نعم = المصادقة على كل ما جاء فى السفر.

 

آية 21  "نعمة ربنا يسوع المسيح مع جميعكم امين".

 نعمة ربنا يسوع المسيح مع جميعكم = هذه آخر كلمات العهد الجديد، النعمة التى حصلنا عليها بدم المسيح. بينما نجد أن آخر كلمات العهد القديم "لئلا آتى وأضرب الأرض بلعن" وكان هذا قبل المسيح وفدائه. فآخر كلمة فى العهد القديم لعن بسبب الخطية وآخر كلمات العهد الجديد نعمة بسبب الفداء

 

الصفحة الرئيسية