الرسالة الأولى للقديس يوحنا الرسول

 

كنيسة السيدة العذراء بالفجالة

 

 

المقدمة. 1

الإصحاح الأول. 8

الإصحاح الثانى. 16

الإصحاح الثالث.. 27

الإصحاح الرابع. 35

الإصحاح الخامس.. 42

 


 

المقدمة

 

نسبت الكنيسة الأولى الرسائل الثلاث إلى يوحنا الحبيب تلميذ الرب يسوع ونلاحظ أنه :

1.     أبداية إنجيل يوحنا "فى البدء كان... " وبداية الرسالة الأولى "الذى كان من البدء" فتعبير "فى البدء" هو خاص بيوحنا.

2.     الكلمة السائدة فى الثلاث رسائل هى كلمة المحبة.

 

يوحنا الرسول الحبيب

ولد فى بيت صيدا فى الجليل. أبوه زبدى وأمه سالومى أخت العذراء مريم. وهذا نفهمه من مقارنة (مر15 : 40) مع (يو 19 : 25) مع (مت 27 : 56) فالنساء اللواتى إجتمعن حول الصليب كانوا.

1.     مريم المجدلية ومريم أم يعقوب ويوسى وأم إبنى زبدى (مت 27 : 56).

2.     مريم المجدلية ومريم أم يعقوب الصغير ويوسى وسالومة (مر 15 : 40).

3.     أمه وأخت أمه، مريم زوجة كلوبا ومريم المجدلية (يو 19 : 25).

بالمقارنة نجد أن مريم زوجة كلوبا هى أم يعقوب الصغير ويوسى ونجد أن أم ابنى زبدى هى سالومة أخت أم السيد المسيح. وإبنى زبدى هما يعقوب ويوحنا كاتب الرسالة. ولكن يوحنا لم يذكر إسم أمه لا فى إنجيله ولا فى رسائله تواضعاً منه وإخفاء لذاته.

وكان يوحنا يعمل صياداً للسمك. وتتلمذ أولاً ليوحنا المعمدان. وبعد أن شهد المعمدان أمام يوحنا وأندراوس أن يسوع هو المسيح حمل الله تبعا المسيح (يو 1 : 35، 37، 40، 41). وهنا أيضاً كان يوحنا أحد التلميذين لكنه لم يذكر إسمه.

والمسيح أطلق على يوحنا وأخيه يعقوب الكبير إسم إبنى الرعد لشدة عزيمتهما وغيرتهما الشديدة وقوة إيمانهما. وهما إبنى زبدى.

قيل أن يوحنا كان أصغر جميع الرسل، وكان عمره نحو 30 عاماً حين تبع المسيح وأقام بتولاً حياته كلها. وكان الرب يسوع يحبه محبة خاصة عبر عنها يوحنا بقوله عن نفسه فى إنجيله "التلميذ الذى كان يسوع يحبه". ولقد حضر يوحنا مع المسيح فى التجلى وصلاة البستان وفى إقامة إبنة يايرس. وإتكأ على صدر المسيح فى العشاء السرى وسأل المسيح عمن يسلمه.

جاءت أم يوحنا ويعقوب لتسأل المسيح أن يجلس ولديها عن يمينه وعن يساره، إذ ظنت أن المسيح سيكون له ملكوتاً أرضياً.

ظهرت محبة يوحنا فى أنه تبع المسيح إلى دار قيافا ثم إلى الصليب. وعلى الصليب قال السيد ليوحنا عن العذراء "هذه أمك" وقال للعذراء عن يوحنا "هذا إبنك" ليرعاها يوحنا. ومن هنا نرى أنه لو كان للعذراء أولاد آخرين كما يقول البعض لم يكن المسيح ليتركها ليوحنا.

بعد قيامة المسيح كان يوحنا والرسل يصيدون سمكاً على بحيرة طبرية، وظهر لهم السيد المسيح فعرفه يوحنا قبل الجميع، ومن هنا نفهم أن المحبة الكبيرة للمسيح تفتح الأعين لمعرفته.

بعد حلول الروح القدس على التلاميذ ذهب يوحنا مع بطرس للهيكل وأقاما مقعداً. وبسبب هذه المعجزة حبسهما اليهود ثم أطلقوهما.

ذهب مع بطرس إلى السامرة لوضع اليد على من قام فيلبس بتعميدهم من الذين آمنوا على يديه (أع 8 : 14، 15).

بشر يوحنا فى آسيا الصغرى (تركيا) وبالذات فى أفسس وقال البعض أنه أخذ معه مريم العذراء إلى هناك. ويقال أنه ذهب إلى أفسس سنة 66م

فى إضطهاد دوميتيانوس للكنيسة ألقاه فى زيت مغلى فأخرجه الرب سالماً. فنفاه دوميتيانوس إلى جزيرة بطمس [هى جزيرة جرداء ليس بها طعام، بل وحوش، والذهاب لها فى البحر مغامرة. وكأن النفى إليها شبه حكم بالموت إما غرقاً أو جوعاً أو بالوحوش أو بقطاع الطرق] وأقام يوحنا فى هذه الجزيرة سنتين [رأى فيها الرؤيا المعروفة الواردة بسفر الرؤيا] إلى أن مات دوميتيانوس فرجع يوحنا إلى أفسس حوالى سنة 97م. وبعد رجوعه كتب إنجيله والرسائل الثلاث.

لما طعن فى السن كانوا يحملونه إلى إجتماعات المؤمنين ليعظهم فكان يكرر هذه الكلمات "يا أولادى فليحب بعضكم بعضاً فإن هذه هى وصية الله إن عملتم بموجبها فهذا يكفى".

ويحكى عنه أنه كان له تلميذاً صار زعيم عصابة لصوص، فلما عاد سأل عنه، وإذ علم ما آل إليه أمره، ذهب وراءه فى الجبال بالرغم من كبر سنه، وبالرغم من خطورة التعرض للصوص. وعاد به تائباً.

ويحكى عنه أنه دخل حماماً عاماً ليستحم فوجد كيرنثوس الهرطوقى داخل الحمام فخرج سريعاً محذراً من إنهيار الحمام بسبب وجود هذا الهرطوقى بداخله. ومن هنا نرى تشدد هذا التلميذ المملوء محبة ضد الهراطقة، وهذا يتضح من (2 يو 10).

يوحنا هو التلميذ الوحيد الذى مات ميتة طبيعية، فباقى التلاميذ الإثنى عشر إستشهدوا. وكان موته فى سن أكبر من 100 سنة. وقبره فى أفسس.

 

الرسالة

كتبت فى أفسس فى أواخر القرن الأول بعد خراب أورشليم، أى بعد أنتهاء الإضطهاد اليهودى، لذلك لم يشر إليه. ولكن كانت قد إنتشرت بعض البدع والهرطقات، فإضطر الرسول أن يكتب هذه الرسالة للرد عليها.

لم يذكر الرسول لمن وجه هذه الرسالة، وبهذا إعتبرت أنها موجهة للكنيسة كلها، أى الكنيسة الجامعة. ولذلك حسبت من رسائل الكاثوليكون أى الرسائل المرسلة لكل الكنيسة الجامعة.

ولاحظ تكرار قوله يا أولادى ويا أيها الأولاد، فيوحنا يشعر بمسئولية رعوية أبوية تجاه من يقرأ الرسالة، وهو يوجه الرسالة لأولاده المحبوبين.

هو يكتب ليحمى أولاده من إنحرافات العقيدة وإنحرافات السلوك، خصوصاً بعد ظهور المعلمين الكذبة أمثال كيرنثوس والغنوسيين. وفى (2 : 19) نفهم أن هؤلاء الهراطقة إنشقوا على الكنيسة وتركوها. ويمكن تلخيص هذه الهرطقات فى الآتى:

 

لهرطقات التى قاومها يوحنا الرسول

1.     الدوسيتيين :- هذه الهرطقة أنكرت التجسد. وكلمة دوسيتيين جاءت من اللفظ اليونانى "دوكين" أى "يظهر" فهم فى رأيهم أن المسيح ظهر فى صورة جسد، لكنه لم يتجسد، أى هو كان خيالاً لا حقيقة، وبالتالى فهو لم يتألم حقيقة، ويرد عليهم مثلاً فى (1يو 4 : 1 – 3 + 1 يو 1 : 1). وأساس هذه البدعة قائم على وجود إلهين، إله للخير وإله للشر. إله الخير هو خالق الروح، وإله الشر هو موجد المادة، لأن المادة فى نظرهم هى شر، والله لا يمكن أن يخلق شراً. وعلى هذا الأساس لا يمكن للرب أن يأخذ جسداً حقيقياً لأن الجسد شر، إذاً فهو كان له جسد خيالى أو غازى، ولقد تراءى للناس كأنه جاع وعطش وأكل وشرب وصلب ومات. لذلك إهتمت الكنيسة الأولى بأن تشرح أن الجسد والمادة صالحان لأن الله خلقهما أما الإنسان بشره فهو يفسدهما.

وهذا الفكر الهرطوقى يهدم أهم بركات التجسد، وهى ما عبرت عنه الكنيسة فى التسبحة "أخذ الذى لنا وأعطانا الذى له" فالتجسد فيه نوع من المبادلة، المسيح أخذ جسدنا وأعطانا حياته ومجده وقداسته. لقد إتحد الإلهى بالإنسانى ليتحد الإنسانى بالإلهى، فالتجسد إختزل المسافة الواسعة بين الله والإنسان، أخذ الله جسدنا ليعطينا من حياته ويصير شريكاً لنا فى كل عمل صالح. هذا الفكر يشوه محبة الرب لنا، الذى أحبنا وشابهنا فى كل شىء ما خلا الخطية وحدها. ومن صار يشبهه هنا على الأرض (غل 4 : 19) سيشبهه هناك فى السماء (1 يو 3 : 2).

2.     الغنوسيين :- هؤلاء يتصورون إمكانية الخلاص بالمعرفة العقلية حيث كلمة "غنوس" هى الكلمة الإنجليزية "KNOW". وكأن التأمل العقلى، والعقل قادران على خلاص الإنسان. ولو كان هذا صحيحاً فما الداعى للتجسد والفداء، وما الداعى لمعونة نعمة المسيح مادمنا سنخلص بقدرتنا الذاتية. إذا لا ضرورة لعمل الله فينا بحسب فهم هؤلاء.

وهؤلاء الغنوسيين إهتموا بالمعرفة كطريق للخلاص، وذهبوا إلى حد القول بأن السلوك ليس له شأن كبير. لذلك فيوحنا يوضح بأن السلوك له أهمية بالغة (1 يو 3 : 8 – 10). ونلاحظ أنه يتكلم عن فريقين أولهما أولاد الله ويسميهم السالكين فى النور وثانيهما أولاد إبليس ويسميهم السالكين فى الظلمة.

3.     الأبيونيون :- هم شيعة تحط من قدر السيد المسيح ومنهم كيرنثوس عدو القديس يوحنا. ومعنى إسمهم الفقراء من اليهود. ويوحنا يسمى هؤلاء الذين يحطون من قدر المسيح اضداد للمسيح (1يو18:2) ويقول عن المسيح أنه " إبن الله " (1 يو 4 : 15).

 

هدف الرسالة

1.     إن المسيح تجسد وبدمه طهرنا من كل خطية، وأعطانا طبيعة جديدة هى طبيعة المحبة، لذلك أكثر القديس يوحنا من ذكر كلمة المحبة. والمحبة هى طبيعة جديدة بها لا نحب العالم، بل نحب الله والإخوة. إذاً أثر التجسد يظهر فى تغيير طبيعتنا وسلوكنا. هو بهذا يرد على الهراطقة رداً عملياً. فهم ينكرون أن المسيح أخذ له جسداً حقيقياً، والرسول يقول بل أخذ جسداً حقيقياً به إشترك فى طبيعتنا، وأشركنا فى طبيعته التى هى المحبة. فموضوع التجسد قبل أن يكون موضوعاً للنقاش والجدال والهرطقات والرد عليها، هو حياة نحياها. وبهذا يكون لنا روح الإفراز التى بها نرفض هرطقات هؤلاء الهراطقة، وكون التجسد هو سبب الطبيعة الجديدة التى نحيا بها منتصرين على الخطية، فهذا هو معنى قول بولس الرسول "عظيم هو سر التقوى الله ظهر فى الجسد" (1 تى 3 : 16).

 

صفات حياة أولاد الله

ماذا لهم

أولاد إبليس 3 : 10

+ بغضة 2 : 9 ، 11

+ ليست فيهم محبة الأب 2 : 15

+ لهم شهوة الجسد والعيون وتعظم المعيشة 2 : 16

وكل هذا يمضى

+ ينكرون أن يسوع هو المسيح

+ يفعلوا الخطية 3 : 8

+ يبقون فى الموت 3 : 14

 

أولاد الله 3 : 1 + حياة أبدية 1 : 2 شركة مع الآب والإبن وشركة مع الإخوة 1 : 3 + فرح كامل 1 : 4 +يسلكون فى النور 1 : 7

+ محبة لله وللإخوة 2 : 10 +خطاياهم تغفر 2 : 12  + أقوياء 2 : 14  + لا يخجلوا عند مجيئه 2 : 28 + يكونوا مثله 3 : 2

+ لا يخطئون 3 : 9

بالخطية نخرج من كوننا أولاد الله

 من يترك الخطية ويقدم توبة يكون سالكاً فى النور ( 1 يو 1 : 7 )

من يحب العالم فيترك الله ويذهب للعالم

يكون سالكاً فى الظلمة ( 2 تى 4 :10 )

1 يو 2 : 11 + 1 : 6

بالخطية ننحرف عن وضعنا الحقيقى كأولاد لله ونخرج من مكاننا

يستمر حتى حصولنا على التبنى فداء الأجساد

بالتوبة والإعتراف نعود لبنوتنا

وذلك الإبن إذا أخطأ يشعر بغربة

ولا يستمر فى حياة الخطية بل يعود ويتوب

2.     بالتجسد صرنا أولاد الله فإن سلكنا فى النور سيكون فرحنا كاملاً. والسلوك فى النور يعنى أننا نحاول بقدر إستطاعتنا أن نسلك بلا خطية، والله يعطى قوة لنا ليعيننا (رو 8 : 26) نظراً لضعف بشريتنا. ولأننا مازلنا فى الجسد فنحن معرضين لأن نخطىء.

3.     قبل المسيح وفدائه لم يكن هناك حل لمشكلة الخطايا. فدم ثيران وكباش لا تستطيع أن تنزع الخطية (عب 10 : 11). وأما فداء المسيح فأعطانا دماً يطهرنا من كل خطية (1يو 1 : 7). وطالما نحن فى هذا الجسد الضعيف فنحن لابد وسنخطىء. وأصبح كل المطلوب منا أن نتوب ونعترف فتغفر لنا خطايانا. لذلك نلاحظ أنه فى أية (8) فى الإصحاح الأول والتى يتحدث فيها عن أننا لابد وأن نخطىء طالما كنا فى هذا الجسد. يأتى بعدها مباشرة فى أية (9) وسيلة غفران الخطية وهى الإعتراف.

4.     فى (1 يو 3 : 9) يقول الرسول أن المولود من الله لا يخطىء، بل لا يستطيع أن يخطىء. وفى (1 يو 1 : 8) يقول إن قلنا "أنه ليس لنا خطية نضل أنفسنا وليس الحق فينا". وفى (1 يو 1 : 10) يقول "إن قلنا أننا لم نخطىء نجعله كاذباً" فهل هناك تضاد ؟! أبداً. وهذا يمكن تصوره حلاً لهذه المشكلة فى الرسم المرفق. وفيه نجد مواصفات أولاد الله وهؤلاء لا يخطئون. ولكن نظراً لوجودنا فى الجسد، فنحن نخطىء، ولكن ما أن نخطىء يبكتنا الروح القدس فنشعر بغربة ووحشة وسريعاً ما نقدم توبة وإعتراف فتغفر الخطية ونعود لمكاننا كأولاد الله. ويستمر دخولنا وخروجنا هذا إلى أن نحصل على الجسد الممجد بعد القيامة. وهذا ما أطلق عليه بولس الرسول "التبنى فداء الأجساد" (رو 8 : 23). فنحن ولدنا من الله بالمعمودية، ولكن مازال الجسد فينا عنصر ضعف يعرضنا للخطية، لذلك نقول أن البنوة التى حصلنا عليها بالمعمودية الآن، بل كل ما حصلنا عليه من نتائج للفداء ما هو إلا عربون. وفى السماء نحصل على الكل. فحين نحصل على الجسد الممجد فى السماء لا نعود نخطىء ولن نستطيع أن نخطىء للأبد. أما الآن فنحن معرضين لأن نخطىء، ودم يسوع يطهرنا من كل خطية. إذاً بالتوبة والإعتراف لا نفقد بنوتنا لله. لذلك يقال على التوبة أنها معمودية ثانية. أما فى السماء فالتبنى الكامل الذى نصير فيه بلا خطية ولا نحتاج لتوبة أو إعتراف فنحن لن نخطىء أبداً، إذ سنتخلص من هذه الطبيعة المعرضة للسقوط.

5.     نفهم أن الله نور ومحبة من كلمات الرسالة، وأن على كل من أراد أن يشترك بالنور أن يسلك فى النور ويترك طريق الخطية أى طريق الظلمة، ويحفظ الوصايا ويحتقر العالم ويقاوم الشيطان وأعوانه. ومن يشترك مع الله ويصير إبناً له يقتدى به ويتسم بالصفات عينها أى النور والمحبة، السلوك فى النور والسلوك بالمحبة. فالإيمان ليس كلاماً ولا مظاهر ولا عواطف، الإيمان لن يكون سليماً إلا إذا كان يرافقه سلوك. فمن غير الممكن أن يؤمن المسيحى بشىء ويسلك بعكسه ويظل مسيحياً.

6.     معرفة المسيح والثبات فيه :- بالمعمودية نتحد بالمسيح (رو 6 : 5) ومن خلال الثبات فيه نعرفه (فى 3 : 9، 10) "وأوجد فيه (ثبات)... لأعرفه" فمعرفتنا بالمسيح ليست معرفة من الخارج كما نعرف البشر، بل هى معرفة من خلال الثبات فيه. وثبات المسيح فينا كان بأن أعطانا حياته... زرع فينا حياته (1 يو 3 : 9) "لأن زرعه يثبت فيه" لكن علينا أن نسلك فى النور وبمحبة وطهارة ونحفظ الوصايا ليستمر هذا الثبات وتستمر هذه المعرفة. بل أن ثباتنا فى المسيح يعطينا أن تكون لنا أفكاره (1 كو 2 : 16) وتكون أعضاؤنا أعضاؤه (1 كو 6 : 15).

 

مكان كتابة الرسالة

يوحنا كتب الرسالة من أفسس بعد عودته من نفيه فى جزيرة بطمس. وهدفها ببساطة تحقيق حياة الفرح الكالم لمن ينفذ ما جاء فيها، وبالذات حياة المحبة لله وللإخوة. فالمحبة قادرة أن تشعل حياة الناس مرة أخرى دائماً حتى إن دخل الفتور لحياتهم. فحين يشعر الإنسان أنه محبوب من الله، ويمتلىء قلبه بالتالى حباً لله، فهذه المحبة كافية أن تخرجه من حالة الفتور والإعتياد للحياة الروحية الروتينية.

فالإنسان معرض للإنجذاب لمحبة العالم وإذا دخل فيه الفتور ويجد أن وصايا المسيحية تطلب منه عدم محبة العالم، يدخل فيه شعور بالكبت والحرمان وأن الله يحرمه من محبة وملذات الدنيا، أما من يحب الله فيسهل عليه ترك أى شىء، هو لن يشعر بقيمة أى شىء بجانب محبة الله.

لذلك يقول الرسول "وصاياه ليست ثقيلة" (1 يو 5 : 3) فمن الذى يشعر أن وصاياه ليست ثقيلة ؟ فقط من تبادل المحبة مع الله. أما لو شعر المسيحى أنه محروم مما يتمتع به الآخرون فهو إنسان معقد ومكبوت ومحروم أو لا يجد فرصة للخطية... بإختصار هو خالى من المحبة.

والطريق لزيادة المحبة تجاه الله يصفها الرسول بقوله " انظروا أية محبة أعطانا الأب... (1 يو 3 : 1) وأنظروا هنا تعنى "أنظر بتأمل وإفحص الأمر" فالتأمل فى محبة الله وكيف جعلنا أولاداً له تلهب القلب بمحبته.

 

هناك ثلاثة كذابين فى نظر الرسول :-

1.     من يقول أن له شركة معه ويسلك فى الظلمة 1 : 6

2.     من قال عرفته ولا يحفظ وصاياه                       2 : 4

3.     إن قال أحد إنى أحب الله وأبغض أخاه                3 : 20

 


 

الإصحاح الأول

أية 1 :- اَلَّذِي كَانَ مِنَ الْبَدْءِ، الَّذِي سَمِعْنَاهُ، الَّذِي رَأَيْنَاهُ بِعُيُونِنَا، الَّذِي شَاهَدْنَاهُ، وَلَمَسَتْهُ أَيْدِينَا، مِنْ جِهَةِ كَلِمَةِ الْحَيَاةِ

الذى كان من البدء  = أى الأزلى، الكائن قبل كل الموجودات الذى سمعناه…. = أى تجسد، الله الأزلى غير الزمنى صار زمنياًً، وبعد أن كان غير منظوراً صار منظوراً وتلامسنا معه. وهذه هى نفس بداية إنجيل يوحنا "والكلمة صار جسداً" (يو1: 14).

سمعناه … رأيناه … شاهناه … لمسته أيدينا …

v     معرفة يوحنا إختبارية معاشة فهو عاش مع المسيح ثلاث سنين ونصف.

v     المعرفة هنا متدرجة فالرؤيا اقوى من السمع والمشاهدة أقوى من الرؤية فالمشاهدة هى نظرة تأملية أى قضاء وقت فى التأمل أما الرؤية فهى نظرة سريعة. أما التلامس فهو أقوى من المشاهدة.

v     هل هذه الخبرة قاصرة على يوحنا تلميذ المسيح الذى عايشه سنوات على الأرض ؟ لا فالروح القدس يعطينا نفس الشئ دون أن نرى المسيح بالجسد (يو16: 13-16). وهذا نحصل عليه بالإيمان، الروح القدس يعطينا أن نتلامس مع حقيقة محبته وغفرانه فنقترب اليه بدموعنا كالمرأة الخاطئة نطلب المغفرة. ويعطينا الروح أن نحبه إذ نتلامس مع صفاته، نستمتع به ونشتاق إليه، ونشعر بمجده كما لو كنا رأيناه، بل افضل، فطوبى لمن آمن ولم يرى، بل هناك من رأوه بالجسد ولم يدركوه، فصلبوه، أما الروح فيعطينا أن نعرفه حقيقة، وفى معرفته حياة (يو17: 3).

v     يقصد يوحنا بهذا أن المسيح تجسد حقيقة وبالذات بقوله لمسته أيدينا ليرد على الهراطقة الذين قالوا أن جسد المسيح كان جسداً خيالياً (هرطقة الدوسيتيين) وهؤلاء قالوا أن الذى من البدء أى الله الأزلى لم يكن هو يسوع الذى عرفناه. وقول يوحنا هنا يعنى أن جسد المسيح كان جسداً حقيقياً. من جهة كلمة الحياة = قوله من جهة يعنى أن ما أقوله عن الذى كان من البدء الذى سمعناه. . . هذا أقوله عن المسيح كلمة الحياة. هو الكلمة وهو الحى، هو كلمة الله الحى بل هو الحياة أى الذى يعطى حياة للخليقة ويجدد الخليقة التى فسدت وماتت، فأتى ليعطيها حياة " لى الحياة هى المسيح " (فى1: 21) المسيح هو الكلمة (يو1: 1). وهو الحياة (يو1: 4). هو كلمة الله الحى الذى كان مع الأب والروح منذ الأزل. وهو كلمة الحياة لأنه ينبوع الحياة لكل بشر. أتى لتكون لنا حياة روحية وأبدية على الأخص. ويوحنا حين سمع و تلامس مع المسيح أدرك أنه أتى ليعطى البشر حياة. ونحن الأن ندرك هذا بالروح القدس. والمسيح تجسد لندرك نحن هذه الحقيقة وتكون لنا هذه الحياة.

 

أية 2 :-. فَإِنَّ الْحَيَاةَ أُظْهِرَتْ، وَقَدْ رَأَيْنَا وَنَشْهَدُ وَنُخْبِرُكُمْ بِالْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَ الآبِ وَأُظْهِرَتْ لَنَا

الحياة اظهرت = المسيح الحياة ظهر فى الجسد ورأيناه ونشهد لكم. هو قال عن نفسه أنا هو القيامة والحياة (يو11: 25). والمسيح تجسد حتى نتمتع بالحياة التى أظهرها، الحياة التى تجلت بشراً. لنستطيع أن نراه وندركه أنه حياة لنفوسنا ومخلصاُ لنا من موتنا الروحى. لقد أماتت الخطية النفس البشرية إذ حجبتها عن الله مصدر حياتها، فجاء الإبن متجسداً واهباً لنا الحياة الأبدية  (إذ هو حى للأبد) بعد ان جعلنا من لحمه ومن عظامه (أف5: 30).

ونخبركم بالحياة الأبدية = هى أبدية لأن الحياة التى حصلنا عليها هى المسيح البدى الذى لا يموت. ولكن الحياة الأبدية لا تبدأ هناك فى السماء بعد القيامة، بل تبدأ هنا على الأرض، بالعشرة مع المسيح الآن، نتذوق فيها عربون الحياة التى فوق من فرح وسلام. أما الحياة قبل المسيح، فأحسن تعبير عنها هو ما قاله بولس الرسول "كنت عائشاً قبلاً" (رو7: 9) قال هذا عن الحياة بدون الناموس، وبلا شك تنطبق على الحياة بدون المسيح وتعنى فى اللغة العامية " أهى عيشة والسلام" فبدون المسيح لا فرح حقيقى ولا سلام حقيقى. هذه الحياة كانت عند الأب. فالله أعطانا حياته الأبدية، فالله هو الحياة الأبدية، والمسيح استعلن لنا هذه الحياة الأبدية فى جسد قيامته. نحن الذين كنا غير مستحقين للمجد الأرضى صار لنا المجد السماوى. وقوله الحياة أظهرت أى أعلنت بمنتهى الوضوح. الله كان فى تخطيطه أن يعطيها للإنسان وها نحن أدركنا هذا فى المسيح الذى أعلن هذا بل أعطانا حياته، فالحياة بدون المسيح هى حياة يصيبها الملل، لذللك يخترع الناس خطايا، وحتى الخطايا بعد وقت تفقد بريقها وتصبح مملة. أما الحياة مع المسيح فلها طعم آخر، بل حتى الألم مع المسيح له طعم آخر، فالشركة مع المسيح لها لذتها سواء فى أفراح أو ألام. وبينما أولاد الله فى فرح بحياتهم مع المسيح حتى فى ألامهم فإن أولاد العالم فى ضيق وملل حتى وسط ملذاتهم.

وقد رأينا ونشهد ونخبركم = يوحنا رأى المسيح وعايشه بالجسد ورأه متجلياً على الجبل ومعه موسى وإيليا، ورأى المسيح قائماً من بين الأموات. وسمع من المسيح أن من يؤمن به ستكون له حياة أبدية، فهو جعلنا أعضاء جسده القائم من الأموات، فمن يثبت فى المسيح سيقوم معه ويكون له مجد فى السماء، وما رأه يوحنا وشاهده يخبر الكل به لنطلب هذه الحياة الأبدية، التى تبدأ بالفرح الكامل هنا (أية 4) وبالمجد الحقيقى فى السماء.

 

أية 3 :-. الَّذِي رَأَيْنَاهُ وَسَمِعْنَاهُ نُخْبِرُكُمْ بِهِ، لِكَيْ يَكُونَ لَكُمْ أَيْضاً شَرِكَةٌ مَعَنَا. وَأَمَّا شَرِكَتُنَا نَحْنُ فَهِيَ مَعَ الآبِ وَمَعَ ابْنِهِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ

الذى رأيناه وسمعناه = أى المسيح وما أتى به من حياة لنا نخبركم به فكل من اختبر حياة المسيح الأبدية يود لو أخبر بها كل إنسان ليختبر كل إنسان الحياة الابدية ويعيشها. وهذا هو موضوع رسالة يوحنا. لكن نلاحظ أن فى أية 1 قال الذى سمعناه الذى رأيناه... ويقول هنا بترتيب معاكس الذى رأيناه وسمعناه... والسبب أن فى أية 1 يعبر عن خبراته الشخصية المتزايدة المتنامية فى معرفة المسيح، أما فى هذه الآية فهو يقصد أنه بعد أن أختبر المسيح = الذى رأيناه صار لكل ما سمعه من المسيح طعماً جديداً يود أن يقوله لكل إنسان. ولا يستطيع خادم أن يخدم = وسمعناه نخبركم به ما لم يكن له خبرة خاصة فى معرفة المسيح = ورأيناه. هنا نرى أن الحياة المعاشة تتحول إلى شهادة وكرازة. لكى يكون لكم أيضاً شركة معنا = شركة المقصود بها ألفة / صداقة / مودة / محبة / شركة فى هدف واحد وعلى أن تكون بمحبة / مجموعة من الناس تملك شيئاً واحداً والكنيسة هى مجموعة من الناس هم أعضاء فى جسد المسيح الواحد. لنا شركة جميعاً فى جسد المسيح وأما شركتنا نحن فهى مع الأب ومع إبنه يسوع المسيح = هو يدعوهم لكى تكون لهم شركة مع يوحنا وكنيسته. ويقول لهم أنه يوحنا وكنيسته فشركتهم هى مع الآب والإبن. ونلاحظ أنه يدعوهم لهذه الشركة مع الآب والإبن ومع الكنيسة أيضاً. وكل من آمن وإعتمد صار ثابتاً فى الإبن وبالتالى صار إبناً للآب. وبذلك فنحن فى شركة إتحاد مع الإبن وفى شركة بنوة للآب. ونحن فى الإبن والإبن فى الآب وبهذا نصير فى الآب كما فى الإبن (يه 1). ويوحنا يكتب لنا ولكل من يقرأ رسالته لكى يكون لنا معه هذه الشركة مع الآب والإبن. ونشترك معه فى رؤية المسيح وسماع صوته وهذا يكون لنا بالإيمان، وبعمل الروح القدس فينا الذى يشهد للإبن فنراه وندركه مثل يوحنا الذى رآه وسمعه. وقوله شركة يشير إلى أننا لا يمكن أن نتمتع بثمار هذه الشركة أى الفرح الكامل  (كما سيأتى فى أية 4) إلا من خلال الكنيسة. ففى الكنيسة نولد من الماء والروح، وفيها نعترف، وفيها نصلى القداس ونحصل على شركة جسد المسيح فى التناول.

ولاحظ أنه يذكر شركة معنا قبل قوله شركة الآب والإبن، لأنه لن يكون لنا شركة مع الآب وإبنه إن لم تكن لنا شركة بعضنا مع بعض فى محبة. ونلاحظ أنه لنا شركة مع الروح القدس (2كو13: 14) ولكنه لا يذكرها هنا فلماذا.

1.     التركيز هنا على الهرطقات التى تنكر لاهوت المسيح أو ناسوته، فهو يتكلم عن المسيح ولا يتكلم عن الروح القدس، فالهرطقات التى شككت فى الروح القدس جاءت بعد هذا بمئات السنين.

2.     اى شركة لها طرفين، الإنسان والله، والروح القدس هو الذى يحقق الشركة بيننا وبين الله، والروح القدس فينا هو يثبتنا فى المسيح وينقلنا لحضن الأب.

 

أية 4:- وَنَكْتُبُ إِلَيْكُمْ هَذَا لِكَيْ يَكُونَ فَرَحُكُمْ كَامِلاً

لكى يكون فرحكم كاملاً = أى لا يوجد داخلكم أى شبهة حزن. وواضح أنه لكى يتم هذا، فالمحبة بين الجميع، الشركة بيننا وبين الله وبين الله وبيننا، يجب أن تتم. وأى خصام مع أحد، لن يكون الفرح كاملاً بسبب هذا. والخطية تضيع ثباتنا فى الإبن فلا تكون لنا شركة معه ولا مع الآب. ومن يعرف المسيح بطريقة صحيحة (فالمعرفة هى من خلال ثباتنا فى المسيح. راجع نقطة 5- وفى المقدمة) أى من يعطيه الروح القدس رؤية حقيقية للمسيح سيكون فرحه كاملاً. ولاحظ أننا فى السماء سنراه كما هو (1يو3: 2) لذلك ففى السماء سيكون فرحنا كاملاً.

إذاً شروط الفرح الكامل:

1.     الشركة أى المحبة بيننا بعضنا البعض.

2.     الشركة مع الله والثبات فيه وهذا شرطه السلوك بلا خطية. ولاحظ أن الرسول قال فرحكم ولم يقل فرحنا. ففرحة الرسول تكمل حين يراهم وقد آمنوا وفرحوا بالمسيح، وهكذا كل خادم أمين.

3.     أن نشرك الله معنا فى كل كبيرة وصغيرة فى حياتنا وهذا يكون بالصلاة وأن نشعر أنه شريك لنا فى كل شئ وبدونه لا نقدر أن نفعل شئ (يو15: 5) فهناك طريقتان لمواجهة المشاكل.

أ‌.        أن نفكر بمفردنا فى الحل فنكتئب إذ لا حل.

ب‌.    نصلى ونشرك الله فنفرح إذ لنا شريك مثل الله.

 

أية 5 :- وَهَذَا هُوَ الْخَبَرُ الَّذِي سَمِعْنَاهُ مِنْهُ وَنُخْبِرُكُمْ بِهِ: إِنَّ اللهَ نُورٌ وَلَيْسَ فِيهِ ظُلْمَةٌ الْبَتَّة

هناك شركة مع الله فلابد أن نعرف:

1.     من هو الذى ندخل معه فى شركة، ماهى طبيعته.

2.     ماهى الشروط الواجبة التى يتطلبها الدخول معه فى شركة.

فأول إعلان عن الله هنا أنه نور وليس فيه ظلمة البتة. ولاحظ فالكلام ليس مكرراً. فالنور نسبى فهناك مكان به نور ولكن هناك مكان أقل إستضاءة إذ به بعض الإظلام، كحجرة بها لمبة واحدة وحجرة بها 100 لمبة.

النور = إشارة للصلاح الكامل والجمال الكامل والمعرفة الكاملة فالنور يسقط على كل شئ ويظهره فلا يختفى منه شئ، لذلك قيل عن الله أنه فاحص القلوب والكلى إذ هو يعرف كل شئ. وطالما كل شئ مكشوف فالتصرف سيكون سليماً لذلك فالنور يشير للحكمة الكاملة. وكما أن الشمس هى نور للعين البشرية هكذا نور الله بالنسبة للعين الروحية، فمن يقترب من الله يقترب من النور ويدخل النور حياته فيضئ كيانه فيدرك الله ويعرفه ويعرف إرادته فتكون قرارته سليمة. وتكون له حياة أبدية. وكما قال داود بنورك يارب نعاين النور (مز36: 9) فنحن بالروح القدس نعاين المسيح ونعرفه، وبالروح القدس النور نفهم كلام الكتاب المقدس، وبالروح القدس نعرف محبة الآب. وبالمسيح النور الحقيقى نحصل على الروح القدس ويحل فينا. وبالروح القدس نعرف الحق. وبالمسيح النور عرفنا الآب ورأيناه. فالمسيح هو النور المولود من نور "نور من نور" النور لا شئ مبهم أو مخفى عليه، والمسيح قال "أنا هو نور العالم" والنور إشارة للقداسة والطهارة.

الظلمة = اما الظلمة فتشير للخطية :-

1.     فالظلمة حرمان من النور والخطية حرمان من النعمة.

2.     السير فى الظلمة يعرض السائر للإنزلاق والسقوط والتعثر، والخطاة عميان عن طريق الخلاص كثيرو الزلل والسقوط.

3.     الخطاة كالخفاش يكرهون النور فهو يكشف أعمالهم السيئة (يو3: 19، 20).

4.     الخطية تعمى بصيرة صاحبها فتقوده إلى جهنم.

5.     الشيطان يدفع للخطية لذلك أسماه المسيح سلطان الظلمة.

6.     فى الظلام الروحى لا يرى الخاطئ الله ولا يعرفه ولا يرى الحق ولا يدركه ولا يرى نفسه وبالتالى لن يدرك أنه خاطئ لذلك يتكبر.

ونحن من ذواتنا ظلمة لكن من يقترب إلى الله يستنير ومن يتمسك به يصير نوراً "إقتربوا إليه واستنيروا ووجوهكم لا تخزى" (مز34: 5) فالمكان الذى فيه ظلمة تنتشر فيه الحشرات والقاذورات (رمز الخطية) ومع النور تهرب. فالنور يعطى للناس إرشاداً وبدونه يتخبط الناس.

والظلمة قد تكون الجهل بسبب عدم المعرفة، إذ بدون نور كل شئ غامض أما النور فهناك الحكمة إذ كل شئ مكشوف وواضح. والآن إجابة السؤال الأول :- ماهى طبيعة الله ؟ الله نور وكامل الجمال والحكمة.

والسؤال :- ماهى شروط الشركة معه؟ السلوك فى النور.

ومن يفعل سيكون فرحه كاملاًُ.

 

أية 6 :- إِنْ قُلْنَا إِنَّ لَنَا شَرِكَةً مَعَهُ وَسَلَكْنَا فِي الظُّلْمَةِ، نَكْذِبُ وَلَسْنَا نَعْمَلُ الْحَقَّ

هذا الكلام يرد به على الغنوسيين الذين يهتمون بالمعرفة ولا يهتمون بالسلوك الإخلاقى، بل يحرضون على الإنحلال بدعوى أن الجسد شر ولن يضيره شئ من السلوك فى الخطية.

إن قلنا أن لنا شركة معه = فالتجسد أعطانا شركة مع الله فلقد صرنا شركاء الطبيعة الإلهية (2بط1: 4) وأثر ذلك يظهر فى أنه تصير لنا طبيعة جديدة كلها محبة وطهارة فنحن نشترك مع الله فى محبته وطهارته وقداسته، نصير خليقة جديدة (2كو5: 17) أى تتغير طبيعتنا القديمة ويظهر هذا فى حياتنا وسلوكنا اليومى. فمن يؤمن بالمسيح ويعتمد به (رو6: 5) وتصير له حياة المسيح  (فى1: 21 + غل2: 20) وبهذا يعيش الإنسان الحق ولا يحتمل الباطل. تتغير طبيعته ليصير نوراً. فالحق ليس معرفة فكرية بل حياة يحياها الإنسان من واقع حياة المسيح فيه، وهذه لها قوة وفعل محرك. ولكن علينا أن نجاهد ونبعد عنا كل ظلمة ونحيا كمائتين عن الخطية   " مع المسيح صلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فى" (غل2: 20). فالبداية أن أصلب نفسى مع المسيح، بأن أبتعد عن كل شر وخطية، بل شبه شر فلا شركة للنور مع الظلمة (2كو6: 14). وإن حدث وسقطنا فلنتب سريعاً و نعترف ودم يسوع المسيح يطهرنا (7)، (9). شركة معه = كلمة شركة فى اليونانية تشير لإمتلاك مجموعة من الناس لشئ واحد. والشركة المسيحية تعنى الإسهام فى الحياة المشتركة فى المسيح بواسطة الروح القدس، فهى تربط المؤمنين معاً وتربطهم بالله. ولو هناك من يرفض الشركة مع أخيه فكيف يكون هذا حق أو نور، كيف تتخاصم اليد مع الرجل أو العين، ويكون الجسد سليماً

وسلكنا فى الظلمة نكذب = من يرفض السلوك فى النور لا تكون له شركة مع الله وهكذا من لا يريد الشركة مع إخوته (أى يحمل كراهية لهم فى قلبه). مثل هؤلاء يكونوا مخادعين غير سالكين فى الحق أى كاذبين، فكيف تكون فى شركة معه أى نوره فينا وتسلك فى الظلمة.

 

أية 7 :- وَلَكِنْ إِنْ سَلَكْنَا فِي النُّورِ كَمَا هُوَ فِي النُّورِ، فَلَنَا شَرِكَةٌ بَعْضِنَا مَعَ بَعْضٍ، وَدَمُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ ابْنِهِ يُطَهِّرُنَا مِنْ كُلِّ خَطِيَّةٍ

ولكن إن سلكنا فى النور. . . فلنا شركة = السلوك فى النور أى بلا خطية والشركة هى التعامل بحب مع الأخرين. ومن هذا نفهم أن ما يسبب الشقاق هو وجود خطية فى القلب. فالله خلق آدم فى وحدة مع زوجته وأولاده وكان هذا مدعاة للحب بين أفراد الأسرة. ولكن ماإن دخلت الخطية حتى كره الإخوة بعضهم وقام قايين بقتل هابيل.

كما هو فى النور= فالله نور وساكن فى النور (دا2: 22).

فلنا شركة بعضنا مع بعض = إن من يسلك بالصلاح وبلا خطية يكون خليقة جديدة، يكون قد إتحد بالمسيح وصار عضواً فى جسده. وكل المؤمنين أعضاء فى جسد المسيح، هم فى شركة فى جسد المسيح. إذن علامة السلوك فى النور هى أن تكون لنا شركة محبة بعضنا البعض فى جسد الكنيسة الواحد. فهل يتخاصم أعضاء الجسد الواحد، لو خاصمت العين اليد ستتركها تحترق ولا تخبرها بأن ماتراه ناراً، بل قد يحترق الجسد كله. وطالما نحن أعضاء فى جسد المسيح الواحد ونسلك فى محبة وفى نور أى ثابتين فيه فدم يسوع المسيح يطهرنا من كل خطية. ولقد وضع الرسول شركتنا مع بعضنا البعض أى وحدتنا الإيمانية المملوءة حباً ككنيسة واحدة، قبل أن يقول أن دم يسوع يطهر، لأنه لا يستطيع إنساناً أن يتمتع بالتطهير بدم المسيح إن كان قلبه مملوء كرهية ورفض للشركة مع الإخوة أو يكون منعزلاً عن شركة الكنيسة الواحدة. (مت6: 15) أن لم تغفروا... لايغفر لكم.

ولاحظ أن كلمة دم تشير :-

1.     أن للمسيح جسدأ حقيقياً وليس خيالياً.

2.     لحقيقة ألام المسيح وموته.

3.     للتفكير، فهو يغفر ويستر ويقدس ويغسل.

 

أية 8 :- إِنْ قُلْنَا إِنَّهُ لَيْسَ لَنَا خَطِيَّةٌ نُضِلُّ أَنْفُسَنَا وَلَيْسَ الْحَقُّ فِينَا

من يسلك فى النور يرى عيوبه وخطاياه فلن يستطيع إنكارها. وطالما نحن فى الجسد فلنا ضعفاتنا وسقطاتنا، والمسيح يقول "الصديق يسقط ويقوم سبع مرات فى اليوم" وبولس يقول عن نفسه الخطاة الذين أولهم أنا. فمن يقول أنه بلا خطية فهو لا يعيش فى النور ولا يسلك فى النور، بل يعيش فى ضلال ويعيش فيه روح الضلال، أما لو سكن فيه الروح القدس، روح الحق فسيرشده للخطايا الموجودة فيه. وتكون علامة أننا يسكن فينا الروح القدس أننا نشعر بخطايانا ونراها ونمقت أنفسنا (حز 20: 43+ 36: 31).

ويعرف المؤمن أنه ضعيف فيطلب المعونة، ويعرف أنه خاطئ فيطلب المغفرة.

نضل أنفسنا = من يقول أنه بلا خطية فهو 1- إما يكذب 2- أو أعمى. فالحقيقة أنه لا يوجد من هو بلا خطية. ولكن إذا إنفتحت أعيننا ورأينا كم نحن خطاة فلنتب ونعترف ودم يسوع يطهرنا من كل خطية. والإعتراف هو إتضاع أمام الله. والخجل مطلوب، فإذا كنا نخجل من إنسان مثلنا، فهذا يدعونا لأن نفكر أن الخجل لابد أن يكون من الله.

 

أية 9 :- إِنِ اعْتَرَفْنَا بِخَطَايَانَا فَهُوَ أَمِينٌ وَعَادِلٌ، حَتَّى يَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَيُطَهِّرَنَا مِنْ كُلِّ إِثْمٍ

الله يعرف ضعفاتنا لذلك وضع لنا الحل لمغفرة خطايانا وهو التوبة والإعتراف لتطهيرنا من خطايانا. ونلاحظ أن فعل يطهرنا فى أية 7  جاء بصيغة الإستمرار، فالمسيح لم يطهرنا مرة واحدة فقط بل عمله فى التطهير والتقديس مستمر، فهو يغفر لنا ماضينا ويطهر حاضرنا ويقدس مستقبلنا فى المسيح. وهناك من يسأل هل هناك داع للإعتراف أمام كاهن ؟

1.     هل يمكن أن ينطق الرب بكلام لغو حينما أعطى التلاميذ سلطان الحل (يو20: 22، 23 + مت18: 18).

2.     يخبرنا سفر الأعمال أن الذين آمنوا كانوا يأتون مقرين ومخبرين بأفعالهم (أع19: 18). وهذا ما قاله معلمنا يعقوب (يع5: 16).

3.     الله وهب الحياة للعازر، ولكن طلب من تلاميذه حل الأربطة. أفلم يكن من أقام من الأموات قادراً على حل الأربطة، ولكن كان رب المجد يؤسس نظاماً للكنيسة.

4.     تقابل شاول مع الرب مباشرة، ولكن الرب حوله إلى حنانيا.

5.     عاشت الكنيسة منذ بدايتها تؤمن بالسر وتمارسه.

فلماذا إذن ننكر سر الإعتراف، هل بسبب الكبرياء، إذن لنتخل عنه أم بسبب الخجل ؟ فإذا كنا نخجل من كاهن ضعيف خاطئ مثلنا، فماذا سنفعل أمام الله القدوس الذى بلا خطية. إن الخجل مطلوب حتى نفهم كم سنخجل أمام الله. ولنفهم أن الكاهن هو خادم السر ولكن المسيح هو الغافر.

الله أمين وعادل = عادل فهو حمل خطايانا على الصليب وأمين فهو يغفر لمن يعترف بخطاياه فهو يسامح المعترف على أساس الثمن المدفوع أى دمه. الشرط أن يعترف الخاطئ ولا يعمل كآدم وحواء، إذ حاولا تبرير أنفسهما.

 

اية 10 :- إِنْ قُلْنَا إِنَّنَا لَمْ نُخْطِئْ نَجْعَلْهُ كَاذِباً، وَكَلِمَتُهُ لَيْسَتْ فِينَا.

نجعله كاذباً = فالنبوات كلها تنطق بأن الجميع زاغو وفسدوا (جا7: 20+ مز14: 2، 3) وغيرها كثير. ومن كلمات الرب يسوع " وإغفر لنا ذنوبنا " إذاً من المؤكد أنه لنا ذنوب وخطايا ونحتاج لتطهير. وهذا التطهير هو ثمرة لسر التجسد.

وكلمته ليست فينا = كلمة الله هى الحق، ولو كان الحق فينا، وكلمة الله ثابته فينا، تكون كلمة الله التى فينا تديننا وتظهر الخطأ الذى فينا. فكلمة الله نور يكشف عيوبنا.


 

الإصحاح الثانى

أية 1 :- يَا أَوْلاَدِي، أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ هَذَا لِكَيْ لاَ تُخْطِئُوا. وَإِنْ أَخْطَأَ أَحَدٌ فَلَنَا شَفِيعٌ عِنْدَ الآبِ، يَسُوعُ الْمَسِيحُ الْبَارُّ.

يأولادى = تعتى فى أصلها اللغوى LITTLE CHILDREN أى يا أولادى الصغار. هى صيغة التصغير الدالة على التحبب. وهكذا كان المسيح يقول للتلاميذ يو 13 : 23. فيوحنا هنا يكتب كأب مهتم بأولاده بل يدللهم.

أكتب إليكم هذا لكى لا تخطئوا = فى الإصحاح الأول قال لهم أن "دم يسوع المسيح يطهرنا من كل خطية" 1 : 7. وهنا يقول لا تعتبروا هذا تصريحاً بالخطية. إذاً لا تستسهلوا الخطية، وإن أخطأ أحد فعليه أن لا يستمر طويلاً بل يقوم فوراً، بتوبة وإعتراف. فالرسول هنا يحذر من إساءة إستخدام عقيدة الخلاص بدم المسيح أى لنخطىء مادام دم المسيح سيكفر ويغفر. لا بل يجب أن نجاهد حتى لا نخطىء... ولكن من يستطيع أن لا يتعثر فى هذه الحياة، هنا يطمئننا حتى لا نيأس بأن المسيح شفيع لنا عند الآب.

شفيع = جاءت الكلمة فى اليونانية باراكليت وهى لها معنيان:

1.     وسيط أو محام.

2.     معزى. فإذا جاءت عن المسيح تترجم وسيط أو شفيع وإذا جاءت عن الروح القدس تترجم معزى.

يسوع = أى مخلص أتى فى محبته لكى يقدسنا ويبررنا ويخلصنا.

المسيح = أى ممسوح لأجل خلاصنا.

البار = فلو لم يكن باراً كيف يموت عن آخرين، لو كانت له خطية كان قد مات عن نفسه وليس عنا. إن الآب ينظر لنا فى شخص إبنه البار، وطالما نحن ثابتين فيه يرانا أبراراً. ونحن ثابتين فيه إن لم نخطىء أو لو قدمنا توبة سريعة حينما نخطىء. حينئذ المسيح يشفع فينا وتغفر خطيتنا. والخلاص ليس معناه فقط أن الدم يغفر، بل أن المسيح يعطى قوة نسلك بها فهو ليس وسيط سلبى، لذلك يقول بدونى لا تقدرون أن تفعلوا شيئاً (1 يو 15 : 5) وبولس يقول " أستطيع كل شىء فى المسيح الذى يقوينى " (فى 4 : 13)

فلنا شفيع = لاحظ أن يوحنا وضع نفسه معنا، فلا يوجد من لا يخطى.

ونلاحظ أنه فى 1 : 3 الرسول يقول نخبركم به لكى يكون لكم شركة معنا

وفى 1 : 4 يكتب لكى يكون فرحكم كاملاً.

وهنا فى 2 : 1 يكتب حتى لا نخطىء.

ومن هذا نفهم أن الخطية تمزق الشركة وتقضى على الفرح.

 

أية 2 : - وَهُوَ كَفَّارَةٌ لِخَطَايَانَا. لَيْسَ لِخَطَايَانَا فَقَطْ، بَلْ لِخَطَايَا كُلِّ الْعَالَمِ أَيْضاً.

كفارة لخطايانا = هو قدم نفسه ذبيحة كفارية فداء عنا ليغطى خطايانا (كفارة تعنى غطاء). وبهذا يعطينا مصالحة مع الله، لأن الله لا يعود يرى خطايانا بل يرى دم إبنه الذى يغطينا. بل لخطايا كل العالم = كل من يقبل إليه لا يخرجه خارجاً، فهو حمل الله الذى يرفع خطية العالم (يو 1 : 29).

 

أيات 3، 4 : - وَبِهَذَا نَعْرِسفُ أَنَّنَا قَدْ عَرَفْنَاهُ: إِنْ حَفِظْنَا وَصَايَاهُ. مَنْ قَالَ قَدْ عَرَفْتُهُ وَهُوَ لاَ يَحْفَظُ وَصَايَاهُ، فَهُوَ كَاذِبٌ وَلَيْسَ الْحَقُّ فِيهِ.

بهذا نعرف أننا قد عرفناه = المعرفة ليست هى المعرفة السطحية، كما يعرف إنسان إنساناً آخر، بل هى الإتحاد بالمسيح، وأنه يعطينا حياته، وإذا إتحدنا به تصبح معرفتنا به معرفة من خلال الإتحاد وهى أقوى بما لا يقاس من المعرفة الخارجية. وبهذا نعرفه حقيقة ومن يعرفه بالتأكيد سيحبه، وعلامة الحب الأكيدة طاعة وصاياه. من يعرفه سيعرف أن المسيح قدم له كل شىء وهنا سيعرف أن دوره أن يحفظ وصاياه = إن حفظنا وصاياه وقارن مع (يو 14 : 15، 21، 23).

وتشديد الرسول على حفظ الوصايا فيه رد على الغنوسيين.

إن من يرى الوصية صعبة هو لم يحب. فالعيب ليس فى صعوبة الوصية بل  فى عجز القلب عن أن يحب. لذلك فيوحنا الذى أحب المسيح يقول "وصاياه ليست ثقيلة" (ايو3:5).

ولكى نحب الله علينا أن نمتلىء من الروح القدس الذى يسكب محبة الله فى قلوبنا (رو5:5). والروح القدس يعطىَ لمن يسأل (يو13:11) إذاً علينا أن نجاهد فى الصلاة والتسبيح (أف5: 18-21).

 

أية 5:- وَأَمَّا مَنْ حَفِظَ كَلِمَتَهُ، فَحَقّاً فِي هَذَا قَدْ تَكَمَّلَتْ مَحَبَّةُ اللهِ. بِهَذَا نَعْرِفُ أَنَّنَا فِيهِ:

تكملت محبة الله = هل محبة الله ناقصة لكى تكمل ؟ قطعاً لا فإن محبة الله كاملة. لكن ينقص أن يكون هناك من يتقبلها ويكون مستعداً لذلك. فمحطة إرسال التليفزيون تقوم بإرسال إشارات على موجات لاسلكية بصورة ممتازة، ولكن لكى يكمل العمل، لابد من وجود جهاز تليفزيون فى حالة جيدة لإستقبال هذه الموجات وتحويلها إلى صورة.

ومن هو الذى يستطيع أن تكمل محبة الله فيه؟ من حفظ كلمته  لماذا؟ لأن حفظ الوصية يزيد ثباتنا فيه، وعدم حفظ الوصية هو ظلمة، ولا شركة للنور مع الظلمة. ومن يزداد ثباته فى المسيح سيعرفه بالأكثر وسيكتشف محبته، وتكمل فيه محبة الله (كجهاز تليفزيون ستظهر فيه صورة الله، والله محبة). وكلما إكتشفنا محبة الله تزداد رغبتنا فى حفظ وصاياه، وكلما حفظنا وصاياه نثبت فيه فتكمل فينا المحبة، فنزداد رغبة فى حفظ وصاياه... وهكذا إلى أن تكمل فينا محبة الله. وبهذا نعرف أننا فيه بأن المحبة تنمو والرغبة فى حفظ الوصايا تزداد.

 

أية 6:- مَنْ قَالَ إِنَّهُ ثَابِتٌ فِيهِ، يَنْبَغِي أَنَّهُ كَمَا سَلَكَ ذَاكَ هَكَذَا يَسْلُكُ هُوَ أَيْضاً.

من قال أنه ثابت فيه = أى صارت له حياة المسيح، وله شركة ثابتة فيه ينبغى أنه كما سلك ذاك = كما سلك المسيح الذى أطاع حتى الموت، موت الصليب، وفى حياته أكمل كل بر، وأطاع الناموس، وكان بلا خطية (مت15:3) + (غل4:4).

هكذا يسلك هو أيضاً = علينا الإقتداء بالمسيح، أى لنسأل أنفسنا دائماً، ماذا كان المسيح يفعل لو كان مكانى. ولوتغصبت وسلكت كما سلك المسيح أزداد ثباتاً فيه، وهنا سيعطينى المسيح قوة لطاعة الوصية (يو4:15). إذاً لنغصب أنفسنا أن نطيع الوصايا ونحب الآخرين ونغفر لمن أساء إلينا، ولا نحب العالم وما فيه من شهوات... فنثبت فى المسيح.

 

أيات 8، 7:- أَيُّهَا الإِخْوَةُ، لَسْتُ أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ وَصِيَّةً جَدِيدَةً، بَلْ وَصِيَّةً قَدِيمَةً كَانَتْ عِنْدَكُمْ مِنَ الْبَدْءِ. الْوَصِيَّةُ الْقَدِيمَةُ هِيَ الْكَلِمَةُ الَّتِي سَمِعْتُمُوهَا مِنَ الْبَدْءِ. أَيْضاً وَصِيَّةً جَدِيدَةً أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ، مَا هُوَ حَقٌّ فِيهِ وَفِيكُمْ، أَنَّ الظُّلْمَةَ قَدْ مَضَتْ، وَالنُّورَ الْحَقِيقِيَّ الآنَ يُضِيءُ.

يوحنا هنا لم يفصح عن الوصية القديمة والجديدة فى وقت واحد ولكننا نفهم أنها وصية المحبة (1يو21:4). فهى قديمة إذ أن الإنسان يدركها منذ القديم، فالكتاب يتلخص فى حب الرب إلهك. . . وحب قريبك (لو10: 28، 27). وهى جديدة للأسباب الآتية:-

1.     هذه المحبة لله غير ممكنة إلا بالروح القدس الذى يسكب محبة الله فى قلوبنا (رو5:5). وكان رد المسيح على الناموسى الذى قام ليجربه "إفعل هذا فتحيا" كنوع من التحدى بمعنى "وأنت ناموسى حافظ للناموس لن تستطيع ولم تستطع أن تنفذ هذا. فهذا لا يتم تنفيذه إلا بالروح القدس، والذى من ثماره المحبة لله وللإخوة، بل للأعداء.

2.     هى محبة باذلة على شكل محبة المسيح "وصية جديدة أنا أعطيكم أن تحبوا بعضكم بعضاً كما أحببتكم" (يو34:13). إذاً المحبة إكتسبت فى العهد الجديد أبعاداً جديدة وصلت لأن المسيح بذل نفسه عن الخطاة. إذاً المحبة ليست عواطف وإنفعالات بل بذل حتى للأعداء الذين يكرهوننا.

سمعتموها من البدء = فهذا تعليم موسى (تث5:6).

ما هو حق فيه وفيكم = الحب هو الحق الذى فيه، أما البغضة فهى باطل. الحب والنور والحق هى طبيعة الله، هىصفاته. ولاحظ قوله فيه وفيكم = هذه مثل قوله "إلهى وإلهكم... " الحق الذى فيه هو طبيعته والحب الذى فيه هو طبيعته، لكن الحق والحب فينا هما عطية منه. إذا جاهدنا أن نقتدى به يعطيها لنا. هما عطايا الروح القدس.

وصية جديدة أكتب إليكم... أن الظلمة قد مضت والنور الحقيقى الآن يضىء هذا سبب أن الوصية جديدة، أن صارت لنا إمكانيات جديدة، فالمسيح النور صار يضىء الآن فى قلوبنا، وأعطانا حياته، وأعطانا أن نكون خليقة جديدة (2كو17:5)، ونكون نوراً للعالم وأن يتصور هو فينا (غل19:4). وكل هذا لم يكن ممكناً قبل المسيح.

 

أية 9:- مَنْ قَالَ إِنَّهُ فِي النُّورِ وَهُوَ يُبْغِضُ أَخَاهُ، فَهُوَ إِلَى الآنَ فِي الظُّلْمَةِ.

فى هذه الأية يكشف الرسول صراحة عن الوصية الجديدة التى يبشر بها، ألا وهى المحبة. من قال أنه فى النور = أى متحد بالمسيح، وفى المسيح ويرى الطريق بنور المسيح، فالمسيح نور. وهو يبغض أخاه = هذا لا يمكن، فكما أن المسيح نور، فهو أيضاً محبة بالطبيعة. والبغضة ظلمة، فكيف يكون فى داخل إنسان نور وظلمة معاً. نحن دعينا ليكون لنا شركة مع المسيح هى شركة فى طبيعته الإلهية، وطبيعته الإلهية هى المحبة، فالله محبة (1يو8:4) وبالتالى تدخل المحبة لحياتنا ونكون بالضرورة صفة للمسيحى.

 

أية 10:- مَنْ يُحِبُّ أَخَاهُ يَثْبُتُ فِي النُّورِ وَلَيْسَ فِيهِ عَثْرَةٌ.

من يحب أخاه يثبت فى النور = أى فى المسيح الله. ومن يثبت فى المسيح النور، يضىء له المسيح فلا يتعثر فى طريقه ولا يعثر أحداً. يضىء له طريق الإيمان فلا يتعثر فى هرطقة، يضىء له طريق الطهارة فيكره الخطية = ليس فيه عثرة وقوله ليس فيه عثرة تعنى :-

1.     لا يتعثر الشخص نفسه فى طريقه، وتكون أحكامه صحيحة، وينمو روحياً.

2.     لا يكون عثرة لأحد. فمن يتكلم عن المحبة ولا يحياها يعثر الناس. وهذا ما سبق الرسول وقاله فى(1 :5، 6). وما أضافه هنا هو أن المحبة هى شرط أن نثبت فى النور.

 

أية 11 :- وَأَمَّا مَنْ يُبْغِضُ أَخَاهُ فَهُوَ فِي الظُّلْمَةِ، وَفِي الظُّلْمَةِ يَسْلُكُ، وَلاَ يَعْلَمُ أَيْنَ يَمْضِي، لأَنَّ الظُّلْمَةَ أَعْمَتْ عَيْنَيْهِ.

هنا نرى الرباط بين المحبة والنور، فالله محبة والله نور، ولا شركة للنور مع الظلمة. والمكان الخالى من المحبة هو خالى من الله، والله نور. إذاً هذا المكان ظلمة. ومن إمتلأ قلبه بغضة لا يسكن فيه الله، وبالتالى لا يسكن فيه النور فتظلم عينيه ويتعثر فى كل شىء. إذاً لنتجنب الظلمة علينا أن نحب إخوتنا، حتى من يسيئون إلينا.

 

أيات 12-14 :-  َكْتُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الأَوْلاَدُ لأَنَّهُ قَدْ غُفِرَتْ لَكُمُ الْخَطَايَا مِنْ أَجْلِ اسْمِهِ. أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الآبَاءُ لأَنَّكُمْ قَدْ عَرَفْتُمُ الَّذِي مِنَ الْبَدْءِ. أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الأَحْدَاثُ لأَنَّكُمْ قَدْ غَلَبْتُمُ الشِّرِّيرَ. أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الأَوْلاَدُ لأَنَّكُمْ قَدْ عَرَفْتُمُ الآبَ. كَتَبْتُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الآبَاءُ لأَنَّكُمْ قَدْ عَرَفْتُمُ الَّذِي مِنَ الْبَدْءِ. كَتَبْتُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الأَحْدَاثُ لأَنَّكُمْ أَقْوِيَاءُ، وَكَلِمَةُ اللهِ ثَابِتَةٌ فِيكُمْ، وَقَدْ غَلَبْتُمُ الشِّرِّيرَ.

يكتب الرسول هنا لثلاث فئات

1.     الأولاد :- LITTLE CHILDREN            أى صغيرى السن

2.     الأباء :- FATHERS                            أى كبار السن

3.     الأحداث :- YOUNG MEN                   أى الشباب

 

ويمكن فهم الثلاث مراحل روحياً.

1.     الأولاد :- المبتدئين روحياً أو حديثى الإيمان، صاروا أولاداً لله بالمعمودية. وبالمعمودية تغفر الخطايا. ولكن السن الصغير أو حديثى الإيمان معرضين للخطأ كثيراً فيكلمهم عن غفران الخطايا، وهذه تكون بالتوبة.

2.     الأباء :- هم من لهم عمق ورجولة روحية، متقدمين فى الإيمان، هؤلاءيكلمهم عن معرفة المسيح، أى خبرة الإتحاد بالمسيح، وحياة المسيح فيهم. فالمعرفة حياة (يو7:17).

3.     الأحداث :- هم دخلوا الإيمان ولهم بعض الخبرات. وإختبروا القوة التى يعطيها لهم الله وبها يغلبون الشر والشرير. هم ليسوا بضعفاء إذ هم مازالوا أحداث. بل الله يعطيهم قوة تتناسب مع إغراءات الشر التى يتعرضون لها. وهم أقوياء لشبابهم.

إذاً هنا نرى 3 هبات

1.     غفران.

2.     معرفة.

3.     غلبة بقوة.

وليس معنى هذا التقسيم أن الأباء لم يغلبوا الشرير، أو هم ليسوا أقوياء لكن هم أقوياء وغلبوا الشرير ولكنهم أكثر معرفة، فكلما دخلنا للعمق تزداد معرفتنا بالله أى إتحادنا به وثباتنا فيه وإدراكنا لحياة المسيح التى صارت فينا. فهو أى الرسول يكلم كل فئة بما يناسبها.

ونلاحظ أن الرسول يكتب مرة بصيغة الماضى ومرة بصيغة الحاضر فمرة نجده يقول أكتب. ومرة نجده يقول كتبت. وهذا لأن :-

1.     هبات الله مستمرة "يسوع المسيح هو هو أمس واليوم وإلى الأبد".

2.     طالما الله يعطى دائماً فهذا حق لنا، علينا أن نطالب به دائماً.

 

v     الأولاد :- قد غفرت لكم الخطايا = الأولاد كثيرو الخطايا، فهو يطمئنهم أن هناك غفران لخطاياهم الكثيرة. من أجل إسمه = أى أن الغفران مبنى على دم المسيح. فإسمه هو يسوع أى المخلص. والخطايا تغفر بالمعمودية أولاً ثم بالتوبة. والتوبة تعطى أن نعرف محبة الآب الغافرة التى شعر بها الإبن الضال فى أحضان أبيه لذلك قال لهم = لأنكم قد عرفتم الآب. هم عرفوه إذ شعروا بمحبته الغافرة.

v     الأباء = فى المرتين قال نفس الشىء لأنكم قد عرفتم الذى من البدء = وهذا لأن المعرفة تنمو، أى أن الإتحاد مع المسيح يزداد، والثبات فيه يزداد.

v     الأحداث = الله أعطاهم قوة يغلبون بها الشرير. لكن هذه القوة ليسوا هم مصدرها. بل سر القوة = كلمة الله ثابتة فيكم.

 

أية 15 :- لاَ تُحِبُّوا الْعَالَمَ وَلاَ الأَشْيَاءَ الَّتِي فِي الْعَالَمِ. إِنْ أَحَبَّ أَحَدٌ الْعَالَمَ فَلَيْسَتْ فِيهِ مَحَبَّةُ الآبِ.

لا تحبوا العالم = ليس المقصود أن لا نحب الناس فهذا ضد ما ينادى به الكتاب المقدس. وليس المقصود أن لا نحب الطبيعة الجميلة التى نسبح الله عليها لكن المقصود :-

1.     العالم الشرير الذى يخلو من الله.

2.     أن لا نحب أحداً أكثر من الله "من أحب أباً أو أماً أكثر منى فلا يستحقنى... (مت37:10).

ولا الأشياء التى فى العالم = الله خلق العالم والأشياء التى فيه لنستعملها فمن يتعلق بالأشياء التى فى العالم، ويخلو قلبه من محبة الله يكون كزوجة تتعلق بهدايا زوجها ولا تحبه هو لشخصه.

إذن المطلوب أن لا يجعل المرء قلبه على الأمور الزمنية، ولا يتعلق بما هو فانى وباطل تاركاً الله. الله خلق العالم لنستعمله لا لنعبده ويكون هو هدفنا، نحزن إن خسرناه وننتفخ لو حصلنا على الكثير منه. من يحب العالم هكذا لن يكون فى قلبه متسع لكى يحب الله، لذلك قيل أن محبة العالم عداوة لله (يع4:4). بل لا يستطيع إنسان أن يحب الحق (الله) والباطل (العالم) معاً = إن أحب أحد العالم فليست فيه محبة الآب.

بل الله يقول "يا إبنى إعطنى قلبك" ومن يستطيع أن يفعل ويحب الله من كل قلبه سيملأ الفرح قلبه. أما الذى قلبه منقسم بين محبة الله ومحبة العالم فلن يعرف الفرح. بل إن محبة العالم تدفع الناس للصراع حتى يحصلوا على أكبر نصيب منه. أما من يحب الله فلن يسقط فى هذا الصراع، بل ستكون له القناعة إذ هو شبعان بالله (فى4 :11، 12). علينا أن نشعر أن الله يعطينا أفضل شىء يوصلنا للسماء.

وفضلاً عن أن محبة العالم ستشغلنا عن محبة الله، فإننا نرى فى الأية القادمة لماذا لا يجب أن نحب العالم.

 

أية 16 :- لأَنَّ كُلَّ مَا فِي الْعَالَمِ شَهْوَةَ الْجَسَدِ، وَشَهْوَةَ الْعُيُونِ، وَتَعَظُّمَ الْمَعِيشَةِ، لَيْسَ مِنَ الآبِ بَلْ مِنَ الْعَالَمِ.

شهوة الجسد = شهوة الجنس والأكل. هذا إنسان لا تحركه سوى حواسه وغرائزه.

شهوة العيون = كل ما تراه العيون تشتهيه، حب إقتناء وحسد الغير.

تعظم المعيشة = عدم قناعة الإنسان بوضعه، دائماً يطلب الرفاهية الزائدة ويطلب مديح الناس والشهرة.

ولقد جرب عدو الخير السيد المسيح فى هذه الأمور الثلاثة.

شهوة الجسد = إرضاء الرغبة الجسدية وإشباعها = تحويل الحجارة إلى خبز.

شهوة العيون = أراه كل ممالك العالم ومجدها ليشتهيها.

تعظم المعيشة = شهوة ما ليس فى إستطاعة البشر كعمل المعجزات = إطرح نفسك فلا يصطدم بحجر رجلك = هذه معجزة باهرة حينما يراها الناس لابد سيؤمنوا، لكن المسيح رفض وإختار الصليب.

وبنفس الأسلوب جرب عدو الخير أبوينا الأولين آدم وحواء.

شهوة الجسد = رأت حواء الشجرة جيدة للأكل.

شهوة النظر = رأت حواء الشجرة بهجة للنظر.

تعظم المعيشة = أرادت الأكل من الشجرة لتصبح كالله عارفة الخير والشر.

مرة أخرى. . . الله خلق العالم لنستعمله، واللله لا يحزن ولا يغضب إن أكلنا وشربنا ولبسنا مما أعطاه لنا، ولكن الله لا يريد لنا أن ننشغل عنه بما أعطاه لنا، الله لا يريد أن نفرغ قلوبنا من محبته لنحب ما أعطاه لنا.

المسيح صار زمنياً (دخل فى الجسد) ليجعلنا نحن الزمنيين، أبديين. . . فلماذا نصر أن نبقى زمنيين (أى متعلقين بالعالم).

فلنستعمل العالم شاكرين الله على عطيته قانعين بما أعطاه وقسمه لنا.

 

أية 17 :- وَالْعَالَمُ يَمْضِي وَشَهْوَتُهُ، وَأَمَّا الَّذِي يَصْنَعُ مَشِيئَةَ اللهِ فَيَثْبُتُ إِلَى الأَبَدِ.

العالم يمضى = فكل شىء مصيره الفناء، فلماذا نتمسك بهذا الفانى. أما الذى يصنع مشيئة الله = أى يحب الله ويعطى كل قلبه لله، ويطيع الله الذى أحبه فيثبت إلى الأبد = يجد لذته فى الله للأبد، ويثبت فى المسيح أى يثبت فى حياة أبدية. كأن الرسول يوجه سؤالاً لنا. هل تريد أن تصبح أبدياً أم أن تظل زمنياً. ولاحظ أن الرسول لم يقل وأما الذى يحب الله فيثبت. لأن من يحب الله سيصنع مشيئته (يو14 :21 ، 23).

 

أية 18 :- أَيُّهَا الأَوْلاَدُ هِيَ السَّاعَةُ الأَخِيرَةُ. وَكَمَا سَمِعْتُمْ أَنَّ ضِدَّ الْمَسِيحِ يَأْتِي، قَدْ صَارَ الآنَ أَضْدَادٌ لِلْمَسِيحِ كَثِيرُونَ. مِنْ هُنَا نَعْلَمُ أَنَّهَا السَّاعَةُ الأَخِيرَةُ.

أيها الأولاد = لقد ولدتم فى الكنيسة على أساس إيمان سليم فلا تتركوه. هى الساعة الأخيرة = قد تعنى:-

1.     التدبير الأخير فى حياة البشرية، أو التدبير الذى سوف يستمر لنهاية الدهور.

التدبير الأول = الخليقة.

التدبير الثانى = الناموس.

التدبير الثالث = الأنبياء.

التدبير الأخير = الخلاص بالمسيح.

2.     أن أيامنا نحن قد إقتربت فلا نترك الإيمان المسلم لنا.

3.     قوله ساعة أى تبقى وقت قليل.

وفى التدبير الأخير ومع إقتراب أيام النهاية وحتى مجىء المسيح الثانى سيظهر أضداد للمسيح يشككون فى العقيدة الصحيحة وهم مخادعين، كذابين، مقاومين للمسيح وكنيسته، يثيروا بدع مهلكة. وهذا راجع لإزدياد محاولات الشيطان لتحطيم الكنيسة. وهذا ما نراه فى الغرب الآن، فى مئات الطوائف الموجودة. ومن هذه الطوائف من ينكر ألوهية المسيح أو دوره كمخلص للبشرية، بل هناك من عبدوا الشيطان.

ضد المسيح = عرف الرسل من المسيح أنه فى نهاية الأيام سيأتى هذا الضد للمسيح، وستنتشر الضلالات، وربما إذ شعر يوحنا بزيادة الهرطقات أيامه شعر أنها الساعة الأخيرة. وبنفس المفهوم تكلم بولس الرسول فى (2تس2) وأسماه إنسان الخطية. ولكن ضد المسيح هو لقب عام قد يطلق على كل من يقاوم الإيمان بالمسيح آخذاً شكل المسيح ولكن فى كذب، أى سيدعى أنه المسيح، رافضاً الإيمان بالمسيح الحقيقى.

 

أية 19 :- مِنَّا خَرَجُوا، لَكِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا مِنَّا، لأَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا مِنَّا لَبَقُوا مَعَنَا. لَكِنْ لِيُظْهَرُوا أَنَّهُمْ لَيْسُوا جَمِيعُهُمْ مِنَّا.

هم كانوا فى الكنيسة، لكن قلبهم كان فى مكان آخر، وجاء وقت لم يحتملوا فيه أن يستمروا فى الكنيسة، فخرجوا ساعين وراء شهوات قلوبهم وكبرياءهم، هؤلاء الهراطقة قال عنهم القديس أغسطينوس أنهم كانوا كالدمل فى جسد الجسد، ولن يتعافى الجسد إلا إذا خرج هذا الدمل منه. هم إعتمدوا وكان لهم شركة فى الكنيسة ولكنهم كانوا كيهوذا، لأجل شهواتهم الخاصة إنشقوا على الكنيسة. أما الذين خرجوا من الكنيسة لفترة وعادوا تائبين فهم منا أى من جسد الكنيسة.

مثال لهؤلاء المنحرفين... ديماس... ترك بولس إذ أحب العالم الحاضر. هذا كان موجوداً لفترة مع بولس لكن كان حب العالم يملأ قلبه.

كانوا منا = معمدين وعائشين فى الكنيسة.

لم يكونوا منا = كانوا فى خداع قلبهم فى مكان آخر.

 

أية 20 : - وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلَكُمْ مَسْحَةٌ مِنَ الْقُدُّوسِ وَتَعْلَمُونَ كُلَّ شَيْءٍ.

فلكم مسحة من القدوس = يقصد الروح القدس الذى يحل فى المؤمنين بمسحة الميرون. والروح القدس يعلم ويذكرنا بكل ما قاله السيد المسيح (يو26:14). فهو نور ينير لنا فنرفض أى هرطقة، وهو يعلمنا حقيقة التجسد فلا نتشكك. ويعطينا أن نحب المسيح، فحتى لو خرجنا عن محبته يحركنا الروح بالتوبة فنتوب ونرجع. وبهذا نثبت فى المسيح ونرفض كل بدعة غريبة عن الكنيسة. أما الهراطقة فلأن لهم شهواتهم الخاصة وإرادتهم المختلفة عن إرادة الله، فهم أحزنوا الروح وأطفأوه لعنادهم ومقاومتهم لصوت الروح وذلك بسبب كبريائهم، فما عادوا يسمعون صوته.

والسؤال لنا... هل نعطى أنفسنا فرصة لسماع صوت الروح القدس، وهذا يحتاج للصلاة والدراسة والجلوس بهدوء للتأمل فى الكتاب المقدس.

 

أية 21 :- لَمْ أَكْتُبْ إِلَيْكُمْ لأَنَّكُمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ الْحَقَّ، بَلْ لأَنَّكُمْ تَعْلَمُونَهُ، وَأَنَّ كُلَّ كَذِبٍ لَيْسَ مِنَ الْحَقِّ.

بل لأنكم تعلمونه = لكننى أكتب لكى تثبتوا فى الحق الذى تعلمونه فنحن لا نحتاج إلى تعاليم جديدة بل لعمل الروح القدس الذى يذكرنا بالحق. ويهبنا التمييز الذى به نرفض الكذب ونقبل الحق فقط. كل كذب = هو ما ينادى به أضداد المسيح، وهوليس من الحق = ليس من عند الله.

 

أيات 22، 23:- مَنْ هُوَ الْكَذَّابُ، إِلاَّ الَّذِي يُنْكِرُ أَنَّ يَسُوعَ هُوَ الْمَسِيحُ؟ هَذَا هُوَ ضِدُّ الْمَسِيحِ، الَّذِي يُنْكِرُ الآبَ وَالاِبْنَ. كُلُّ مَنْ يُنْكِرُ الاِبْنَ لَيْسَ لَهُ الآبُ أَيْضاً، وَمَنْ يَعْتَرِفُ بِالاِبْنِ فَلَهُ الآبُ أَيْضاً.

الرسول يهاجم هرطقات القرن الأول التى أنكرت حقيقة التجسد. هنا نرى الرسول يتكلم عن الكذاب وهو إبليس (يو44:8). وإبليس يريد أن يلغى التجسد فهو سر التقوى وبدونه لا خلاص(1تى16:3).

من هو الكذاب = هو إبليس. وهذا فى مقابل الحق الذى هو المسيح ومن يخضع لإبليس الكذاب يردد كذبه. ومن يثبت فى المسيح يعرف الحق.

يسوع هو المسيح = هذا هو الحق أن المسيح هو المخلص، هو الله الذى تأنس ليخلصنا. الذى ينكر الآب والإبن = أى من ينكر أن الله الآب أرسل إبنه الوحيد ليخلص البشرية = هذا هو ضد المسيح.

وكل من ينكر الإبن ليس له الآب أيضاً = فنحن حصلنا علىالبنوة للآب عن طريق إتحادنا بإبنه يسوع المسيح، فمن ينكر الإبن لن يتحد به ويفقد البنوة للأب. (راجع يو23:15 + يو14: 7، 9، 10 + مت27:11 + يو19:8).

 

أية 24 :- أَمَّا أَنْتُمْ فَمَا سَمِعْتُمُوهُ مِنَ الْبَدْءِ فَلْيَثْبُتْ إِذاً فِيكُمْ. إِنْ ثَبَتَ فِيكُمْ مَا سَمِعْتُمُوهُ مِنَ الْبَدْءِ، فَأَنْتُمْ أَيْضاً تَثْبُتُونَ فِي الاِبْنِ وَفِي الآبِ.

أما أنتم = الذين لم تنشقوا عن الكنيسة. فما سمعتموه = أى رسالة الإنجيل الذى سمعتموه جيلاً بعد جيل (يه3) فليثبت إذاً فيكم = أى يتأصل فى أعماقكم. ونصر أن لا نغير فى إيماننا حرف واحد.

وإن ثبت فيكم ما سمعتموه = وهو الحق الإلهى بخصوص التجسد. وأن الآب أرسل إبنه متأنساً ليتحد بنا ويعطينا البنوة للأب = تثبتون فى الإبن والآب ولكن من الذى يثبت فيه ما سمعه؟ هو من يتعلم من الروح القدس ولا يعاند. وهو من يواظب على الصلاة ودراسة الكتاب فى هدوء. وهو من لا يرفض تعاليم الكنيسة فى كبرياء.

 

أية 25 :- وَهَذَا هُوَ الْوَعْدُ الَّذِي وَعَدَنَا هُوَ بِهِ: الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ.

من يثبت فى الإبن تكون له حياة الإبن وهى حياة أبدية، وهذا هو وعده (يو25:11) "من آمن بى ولو مات فسيحيا... أنا هو القيامة والحياة".

 

أية 26 :- كَتَبْتُ إِلَيْكُمْ هَذَا عَنِ الَّذِينَ يُضِلُّونَكُمْ.

أكتب هذا إليكم حتى لا تنخدعوا بضلالات أضداد المسيح.

 

أية 27 :- وَأَمَّا أَنْتُمْ فَالْمَسْحَةُ الَّتِي أَخَذْتُمُوهَا مِنْهُ ثَابِتَةٌ فِيكُمْ، وَلاَ حَاجَةَ بِكُمْ إِلَى أَنْ يُعَلِّمَكُمْ أَحَدٌ، بَلْ كَمَا تُعَلِّمُكُمْ هَذِهِ الْمَسْحَةُ عَيْنُهَا عَنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَهِيَ حَقٌّ وَلَيْسَتْ كَذِباً. كَمَا عَلَّمَتْكُمْ تَثْبُتُونَ فِيهِ.

كما قلنا فالروح القدس يعلم (يو26:14) ويعطى إستنارة. ولا حاجة بكم إلى أن يعلمكم أحد = لو فهمنا الأية بطريقة خاطئة، إذاً فما الداعى أن يوحنا الرسول يكتب رسالته ويعلمهم، أما كان الروح القدس قادر على هذا. هذه الأية لا تعنى عدم حاجتنا للتعليم، فنحن نحتاج لمن يعلمنا. لذلك وضع الله فى الكنيسة معلمين (أف11:4).

فلا يوجد إنسان مملوء من الروح ومعصوم من الخطأ. وكلام الخدام الأرثوذكسيين الحقيقيين الذين لا يشوهون الإيمان يكون عملهم هو جذب إنتباه السامع. والروح القدس الذى يعطى كلمة للمتكلم هو يعمل فى قلب السامع ليفهم، ولكن إن لم يكن السامع لديه الروح القدس فعبثاً ينادى المعلم. التعليم الخارجى كالبستانى يروى الأشجار والذى ينمى هو الله، أى المسحة التى نأخذها. والروح القدس أيضاً يعطى للسامع أن يميز، هل هذا التعليم من الله أم لا. وهى حق = أى المسحة هى حق، أى أن عمل الروح القدس فينا هو عمل حقيقى. كما علمتكم تثبتون = إذا أراد المؤمن حقيقة أن يسمع صوت الروح فى داخله فسوف يسمعه. وإن كنا فى شك فلنصل ونطلب والروح الذى فينا سيخبرنا بالحق، وعندئذ علينا أن نطيعه.

كما علمتكم تثبتون فيه = فمن لا يعاند صوت الروح القدس، ويكون له إيمان صحيح بالمسيح سيثبت فى المسيح. أما الهراطقة فلا يثبتون فيه.

 

أية 28 : - وَالآنَ أَيُّهَا الأَوْلاَدُ، اثْبُتُوا فِيهِ، حَتَّى إِذَا أُظْهِرَ يَكُونُ لَنَا ثِقَةٌ، وَلاَ نَخْجَلُ مِنْهُ فِي مَجِيئِهِ.

إذ يثبت أولاد الله فى كلامه وإيمانه سيفرحون بمجيئه، بل يتشوقون إليه "آمين تعال أيها الرب يسوع" ليفرحوا معه للأبد. أما غير الثابتين فسيقولون للجبال غطينا. إذا أظهر = إذ تفيد عدم معرفة موعد ظهوره. إذاً لابد من الإستعداد الدائم.

 

أية 29 :- وَالآنَ أَيُّهَا الأَوْلاَدُ، اثْبُتُوا فِيهِ، حَتَّى إِذَا أُظْهِرَ يَكُونُ لَنَا ثِقَةٌ، وَلاَ نَخْجَلُ مِنْهُ فِي مَجِيئِهِ.

كل من يصنع البر مولود منه = تكلم فى الأية السابقة عن عدم الخجل من المسيح عند ظهوره. وهنا يعطينا العلامة التى تجعلنا لا نخجل عند ظهوره، وهى أن نصنع البر مثله. ولنفهم أن المؤمنين الذين إعتمدوا ليسوا مجرد أناس عاديين يحاولون أن يحيوا على نحو أفضل، ولكنهم صاروا خليقة جديدة، أولاداً لله (2كو17:5). ولنفهم أن البر الكامل لن يوجد هنا على الأرض، فنحن مازالنا فى الميدان نحارب، نَضرٍب ونضرَب، ومن ينتصر هو من يعتمد فى صراعه على قوة الله. ونلاحظ أن المسيح أعطى قوة لنا لنسلك فى البر، بل أعطى لكل من إعتمد حياته يحيا بها فى بر. وهكذا فلأن المسيح بار وهو أعطى حياته للكثيرين، فهو يبرر الكثيرين. والمسيح أعطانا الروح القدس الذى يبكتنا إن فعلنا خطية وأيضاً إن لم نفعل البر. فالمولود من الله البار يتشبه به ويكون باراً، باراً نسبياً على الأرض، فالبر الكامل فى السماء.


 

الإصحاح الثالث

فى هذا الإصحاح يتكلم عن عائلتين روحيتين يحيون فى هذا العالم، عائلة تنتسب لله، وعائلة تنتسب لإبليس. وكل منا إما هو إبن لله أو إبن لإبليس، ولا يجب أن نعرج بين الفرقتين، ومن يسلك بما يليق بأولاد الله فهو إبن الله حقاً. لذلك ففى كل موقف على أن أقف وأتساءل. . . هل يليق هذا التصرف بى كإبن لله ؟ وماذا كان تصرف المسيح لو كان مكانى ؟ وأتصرف كما لو كان المسيح مكانى.

 

أية 1 :- أُنْظُرُوا أَيَّةَ مَحَبَّةٍ أَعْطَانَا الآبُ حَتَّى نُدْعَى أَوْلاَدَ اللهِ! مِنْ أَجْلِ هَذَا لاَ يَعْرِفُنَا الْعَالَمُ، لأَنَّهُ لاَ يَعْرِفُهُ

 من الأية السابقة (2: 29) رأينا أن أولاد الله يصنعون البر. ولكن كيف نصنع البر. هنا نسمع الرد. . . أنظروا أية محبة. . . = وكلمة أنظروا تعنى تأملوا بعمق فى هذه المحبة التى أحبنا بها الله، وهذا يزيد محبتنا له، ومن تزداد محبته لله ينفذ وصاياه فيصنع البر. والتأمل بعمق فى محبة الله يحتاج للعشرة مع الله (كما شرحه الرسول فى أية 1: 1) هى خبرة معاشة مع المسيح تصل لدرجة التلامس

حتى ندعى أولاد الله = (يو1: 12) هنا نرى بركات التجسد فقد صرنا أولاداً لله، ولدنا منه بكلمته الحية وبفعل روحه القدوس فى المعمودية أى بالميلاد الثانى، وأولاد الله بالحق هم الذين يعملون مايرضيه، أما الأشرار فلا ينتفعون من الإسم شيئاً.

من أجل هذا لا يعرفنا العالم لإنه لا يعرفه = العالم لا يتصور ولا يفهم هذه الكرامة وهذا المجد المعد لنا كأولاد الله، وكما لم يعرف العالم المسيح حين جاء بل صلبوه، هكذا لا يعرف أولاد الله ويطاردهم ولا يقبلهم، إذ هم فى طبيعتهم الغريبة عن الشر غرباء عن طبيعة أولاد العالم. فمحبة أولاد العالم للإثم تجعلهم لا يقبلون النور الذى فى أولاد الله  (يو15: 18- 21).

 

أية 2 :- أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، الآنَ نَحْنُ أَوْلاَدُ اللهِ، وَلَمْ يُظْهَرْ بَعْدُ مَاذَا سَنَكُونُ. وَلَكِنْ نَعْلَمُ أَنَّهُ إِذَا أُظْهِرَ نَكُونُ مِثْلَهُ، لأَنَّنَا سَنَرَاهُ كَمَا هُوَ

هنا بركة أخرى للتجسد، أننا سنرى الله حين نخلع جسدنا الترابى ونلبس جسد القيامة الروحانى، حين يغير الله شكل جسد تواضعنا إلى صورة جسد مجده (فى3: 21) حين نرى الله وجهاً لوجه ونعرفه (1كو12:13). فلأننا سنراه كما هو = ينعكس مجده علينا فيصير لنا جسداً ممجداً، وينعكس نوره علينا فيكون لنا جسداً نورانياً. هذا يقوله الرسول بعد أن حدثنا عن أن العالم سيبغضنا. ولكن لماذا نهتم ببغضة العالم وقد أحبنا الله وأعطانا كل هذا المجد. ونحن الأن نحصل على عربون هذا المجد بواسطة الروح القدس الذى فينا، الذى يعطينا أن نرى الأمجاد ونرى الله، ولكن كما فى لغز، كما فى مرأة (1كو2: 9، 10 + 1كو13: 12 + يو16: 13-16) فالروح يعطينا الرؤية الحقيقية للمسيح وهى أهم من الرؤية بالجسد. ولاحظ أن من ينجح فى أن يكون صورة المسيح على الأرض (غل4: 19) سيكون له صورة المسيح فى مجده.

 

أية 3 :- وَكُلُّ مَنْ عِنْدَهُ هَذَا الرَّجَاءُ بِهِ، يُطَهِّرُ نَفْسَهُ كَمَا هُوَ طَاهِرٌ

كل من عنده هذا الرجاء = يجاهد بقدر إمكانه حتى لا يضيع منه هذا المجد. = يطهر نفسه = فطوبى لأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله = لأننا سنراه كما هو (أية 2). وقوله يطهر نفسه يؤكد مساهمتنا نحن فى السلوك. حقاً فالله يعين، ولكنه يعين من يجاهد. كماهو طاهر = الموضوع نسبى، فلن نكون فى طهارة الله، لكن هناك مثل أعلى يجب أن نحاول الوصول إليه. هذه مثل "كونوا كاملين كما أن أباكم الذى هو فى السموات هو كامل". وهنا المسيح فى طهارته هو مثلنا الأعلى فلنقتدى به.

 

أية 4 :- كُلُّ مَنْ يَفْعَلُ الْخَطِيَّةَ يَفْعَلُ التَّعَدِّيَ أَيْضاً. وَالْخَطِيَّةُ هِيَ التَّعَدِّي

الخطية هى أن يخطئ الإنسان سواء عن جهل أو عن معرفة. وبعد الناموس صار من يخطئ يتعدى على وصايا الله وناموسه. ومن يخطئ الأن يتعدى على ناموس الله وعلى صوت الروح القدس داخله. وهذا الكلام موجه للغنوسيين حتى لا يستهين أحد بالخطية. ونقول ثانية أنه طالما كنا فى الجسد فسوف نخطئ، ولو قلنا أننا لا نخطئ نضل أنفسنا (1: 8، 10). لكن أولاد الله يجاهدون بقدر إمكانهم حتى لايخطئوا، وإن أخطاؤا يشعرون بغربة عن حياتهم كأولاد لله، ويعودون بسرعة تائبين معترفين ولا يستمروا فى الخطية مستغرقين فيها. وعلاقة هذه الأية بالسابقة أن الخطية تحرمنا من رؤية الله.

 

أية 5 :-  وَتَعْلَمُونَ أَنَّ ذَاكَ أُظْهِرَ لِكَيْ يَرْفَعَ خَطَايَانَا، وَلَيْسَ فِيهِ خَطِيَّةٌ

ذاك = هو المسيح. أظهر = لكى نثبت فيه فلا نخطئ.

لكى يرفع خطايانا = ليس فقط يغفرها بل ليقاوم الخطية التى ينشرها إبليس ويضعها فى القلب، ولا يترك منها شيئاًُ فى القلب. فمن بركات التجسد أن الله يحولنا إلى صورته فى القداسة والبر، فهو يكره الخطية والشر = وليس فيه خطيه. فإبليس يجاهد لكى يجعلنا نخطئ والمسيح يعمل فينا حتى لا نخطئ.

 

أيات 6 – 9 :- كُلُّ مَنْ يَثْبُتُ فِيهِ لاَ يُخْطِئُ. كُلُّ مَنْ يُخْطِئُ لَمْ يُبْصِرْهُ وَلاَ عَرَفَهُ. أَيُّهَا الأَوْلاَدُ، لاَ يُضِلَّكُمْ أَحَدٌ. مَنْ يَفْعَلُ الْبِرَّ فَهُوَ بَارٌّ، كَمَا أَنَّ ذَاكَ بَارٌّ. مَنْ يَفْعَلُ الْخَطِيَّةَ فَهُوَ مِنْ إِبْلِيسَ، لأَنَّ إِبْلِيسَ مِنَ الْبَدْءِ يُخْطِئُ. لأَجْلِ هَذَا أُظْهِرَ ابْنُ اللهِ لِكَيْ يَنْقُضَ أَعْمَالَ إِبْلِيسَ. كُلُّ مَنْ هُوَ مَوْلُودٌ مِنَ اللهِ لاَ يَفْعَلُ خَطِيَّةً، لأَنَّ زَرْعَهُ يَثْبُتُ فِيهِ، وَلاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُخْطِئَ لأَنَّهُ مَوْلُودٌ مِنَ اللهِ

زرعه يثبت فيه = الزرع الإلهى هو الإنسان الجديد الذى أعطاه الله لنا، والذى هو على صورة المسيح، وهذا نحصل عليه بالمعمودية  إذ يموت الإنسان العتيق ونقوم فى جدة الحياة، أى حياة جديدة وخليقة جديدة (2كو5: 17 + رو6: 2- 7). وهذا يكون بأن المسيح يعطينا حياته "لى الحياة هى المسيح" وهذه الحياة تجعلنا نثبت فيه (1بط1: 23). ولكن بالخطية يقل هذا الثبات فلا شركة للنور مع الظلمة (2كو6: 14- 16) وهذه الطبيعة الجديدة تثبت فيمن يحصل عليها، وهذا يعنى أن هناك قوة إلهية فاعلة داخل المؤمن. هذه هبة الله المستمرة لشعبه حتى لا يخطئ. وماذا يعطينى الله حتى لا أخطئ ؟

1.     المسيح أعطانى حياته، ويقول " بدونى لا تقدرون أن تفعلوا شيئاً (يو15: 5). أى هو يعطى قوة، إذ هو ثابت فىّ.

2.     الله وهبنا الروح القدس يسكن فينا وهو:

أ‌.        يبكت إن أخطأنا (يو16: 8).

ب‌.    يعطى معونة ويعين ضعفاتنا (رو8: 26).

ت‌.    يملأنا محبة (غل5: 22 + رو5: 5) ومن يحب لا يستطيع أن يخطئ فى حق من يحبه، ولا يقبل لمحبته أن يحزن قلب الله.

3.     إبن الله أظهر لينقض أعمال إبليس أى الخطية. والمسيح بدأ خدمته بصراع مع إبليس فى الجبل وأنهاه بصراعه معه على الصليب. وهو خرج غالباً ولكى يغلب لحسابنا (رؤ6: 2).

الرسول هنا يشدد على من يسمعه بأن يتحاشى الخطية،

أولاً :- بعد كل هذا الذى أخذه.

وثانياً :- فهذا لا يليق به كإبن لله.

وقوله زرع يشير للنمو، فكل زرع ينمو، وإنساننا الداخلى ينمو بجهادنا فى الصلاة ودراسة الكتاب المقدس، والقداسات والتناول. ولنراجع قول السيد المسيح " ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله فكلمة الله تحيى وتنمى الإنسان الداخلى. وثمار هذا الزرع الذى زرع فينا أن تكون أعضائنا آلات بر، ونكون نور للعالم، وبأعمالنا نمجد الله.

وهنا يرد على الغنوسيين... لا يضلكم أحد. من يفعل البر فهو بار كما أن ذاك بار = فإذا كنا قد أخذنا حياته كزرع ثابت فينا، فكما هو بار فلابد بالضرورة أن نحيا فى بر.

ولكن ليس معنى هذا موت الإنسان العتيق موتاً نهائياً، بل الله أعطانا الإمكانيات وعلينا نحن أن نجاهد، فالله لم يلغ حريتنا. وعلينا نحن أن نحسب أنفسنا أمواتاً أمام الخطية، وفى هذه الحالة نشعر بمعونة الروح القدس بأن يجعلنا نحيا ونشعر بأن الإنسان العتيق قد مات فعلاً "بالروح تميتون أعمال الجسد" (رو8: 13 + رو6: 11+ كو3: 5). ولكن طالما نحن فى الجسد فنحن معرضين للسقوط، "فالصديق يسقط فى اليوم سبع مرات ويقوم" كما يقول السيد المسيح، وبولس يعترف بأنه أول الخطاة. ويوحنا نفسه يذكر هذا (1يو1: 8، 10). ولكن أولاد الله إن سقطوا يقومون سريعاً كما يقول السيد المسيح، ويقدمون توبة لذاك الذى أحبوه.

عموماً لن نمتنع تماماً عن الخطية إلا بعد أن نخلع هذا الجسد ونلبس الجسد الممجد، وهذا ما أطلق عليه بولس الرسول التبنى فداء الأجساد (رو8: 23) إذ بهذا نصير أولاد الله الذين لا يخطئون. من هنا كانت شهوة بولس الرسول أن ينقذه الله من هذا الجسد المائت، أى يخلع هذا الجسد فيتخلص من الإنسان العتيق (رو7: 20، 24).

والآن نفهم الآيات السابقة كل من يثبت فيه لا يخطئ + كل من هو مولود من الله لا يفعل خطية = أنه بالمعمودية يعطينا الله إمكانيات جبارة جديدة حتى لا نخطئ، فالجسد العتيق يموت ويقوم إنسان جديد. ولكن نظراً لضعف طبيعتنا البشرية نخطئ أحياناً. وهذا لن ينتهى إلا بحصولنا على البنوة الكاملة التى بها لا نستطيع أن نخطئ حين نلبس الأجساد الممجدة.

كل من يثبت فيه لا يخطئ... كل من يخطئ لم يبصره ولا عرفه = هنا نرى علاقة واضحة بين المعرفة والثبات. فالمعرفة تعنى... إتحاد مع المسيح به يكون لنا ثبات فيه، وحياة. وقوله كل من يخطئ لم يعرفه أى لم يكن له هذا الزرع، وهذه الحياة التى يعطيها المسيح لمن يتحد به.

ولاحظ قوله يثبت = أن هذه الحياة التى نحصل عليها بالمعمودية هى شئ عرضى أى يمكن أن تثبت فينا هذه الحياة، ويمكن أن نفقدها بإصرارنا على حياة الخطية.

من يفعل الخطية فهو من إبليس = هذه تفهم على من تأصلت الخطية فيه وصارت عادة عنده، ويرفض التوبة وبعناد وإصرار على الخطية فإبليس هو قوة تعمل ضد إرادة الله.

إبليس من البدء يخطئ = أى منذ يوم سقوطه بدأ الشر ثم دخل الشر للعالم بحسد إبليس.

أما إبن الله فهو يسقط فى الشر على خلاف طبيعته، أى أن طبيعة الخطية لا تتواءم مع أولاد الله.

لو فهمنا الأيات السابقةعلى أن أولاد الله لا يخطئون أبداً، وإن فعلوا أى خطية لصاروا أولاداً لإبليس، فهذا يدفع لليأس، وأيضاً يتعارض مع بقية أيات الكتاب المقدس بل مع ما قاله الرسول نفسه فى هذه الرسالة (1: 8، 10) ونكرر أن إبن الله قد يخطئ ولكن باب التوبة والإعتراف مفتوح دائماً للعودة كأبناء للأحضان الإلهية كما عاد الإبن الضال (1يو1: 9). ولو كان أولاد الله لا يخطئون أبدً فلماذا طلب السيد المسيح أن نصلى قائلين"

أبانا الذى فىالسموات... وإغفر لنا ذنوبنا.

إذاً نحن أبناء ولكن يمكن أن نتعرض للسقوط. ولكننا فوراً نطلب الغفران ولكن لنفهم أن الخليقة الجديدة التى حصلنا عليها تعنى أن الخطية لم يعد لها سلطان علينا (رو6: 14). أى صار لأولاد الله بإنسانهم الجديد أن يدوسوا على الخطية وشوكتها، ويحيا إبن الله بالرب يسوع المحب سالكاً فى الروح. ولكن متى نخطئ نكون قد إنحرفنا عن وضعنا الحقيقى كأبناء. وبالتوبة نصحح وضعنا وينتهى تماماً إمكانية إنحرافنا عن وضعنا الحقيقى كأبناء حين نحصل على الجسد الممجد.

 

أية 10:- بِهَذَا أَوْلاَدُ اللهِ ظَاهِرُونَ وَأَوْلاَدُ إِبْلِيسَ. كُلُّ مَنْ لاَ يَفْعَلُ الْبِرَّ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ، وَكَذَا مَنْ لاَ يُحِبُّ أَخَاه

أولاد إبليس = إبن إبليس أى من يقتدى بإبليس ويتشبه به كما يقال عنا أننا أولاد إبراهيم لأننا نتشبه بإيمان إبراهيم.

وفى أية 8 سمعنا أن إبليس من البدء يخطئ، أى أن إبليس من بدء خلقته يخطئ. وقد قرر أن لا يخضع لله، ومن بداية الإنسان، وإبليس يحاربه ليتشبه به فيصير إبناً لإبليس (يو8: 44). عوضاً عن أن يكون إبناً لله.

وفى أية 8 نسمع أيضاً "من أجل هذا أظهر إبن الله لكى ينقض أعمال إبليس".

ومن هنا نرى قوة الحق ودخوله للعالم بالمسيح... وما هى علامات أولاد إبليس ؟

كل من لا يفعل البر + من لا يحب أخاه

فالله بار والله محبة، لذلك يطبع سماته فى أولاده أى البر والحب.

 

أية 11 :- لأَنَّ هَذَا هُوَ الْخَبَرُ الَّذِي سَمِعْتُمُوهُ مِنَ الْبَدْءِ: أَنْ يُحِبَّ بَعْضُنَا بَعْضاً

أبناء الله علامتهم وجود المحبة فى قلوبهم، وأبناء إبليس علامتهم هى وجود البغضة فى قلوبهم. هذا هو الخبر = هذه هى الرسالة التى جاءت لنا من الذى أحبنا (يو13: 35).

 

أية 12 :- لَيْسَ كَمَا كَانَ قَايِينُ مِنَ الشِّرِّيرِ وَذَبَحَ أَخَاهُ. وَلِمَاذَا ذَبَحَهُ؟ لأَنَّ أَعْمَالَهُ كَانَتْ شِرِّيرَةً، وَأَعْمَالَ أَخِيهِ بَارَّةٌ

من بركات التجسد أن المسيح يسكن قلوبنا ويفتحها على إخوتنا فلا نكون مثل قايين، بل نحب بالعمل. وقايين لم تكن فيه صورة الله أى البر والمحبة، وبهذا صار يشبه العالم الذى يبغض دائماً أولاد الله، فأبغض قايين هابيل إذ كان هابيل باراً، وهكذا أبغض العالم المسيح فصلبه ولأن قايين كان شريراً وليس على صورة الله لم يقبل الله قرابينه. كان قلب قايين مملوءاً بغضة وكراهية وحسداً لأخية البار فلم يقبل الله قرابينه.

ملحوظة :- كثيراً ما نظن أن سبب الضيق الذى فى قلوبنا والكراهية التى فى قلوبنا هو الآخر، وأن سبب شقائنا هو الآخر، ولو تخلصنا من الآخر لإسترحنا، وهكذا ظن قايين أنه لو تخلص من هابيل لإستراح ولإنتهت مشاكله. ولكن لنعلم أن المشكلة هى فينا، فى قلبنا الخالى من المحبة.

 

أية 13 :- لاَ تَتَعَجَّبُوا يَا إِخْوَتِي إِنْ كَانَ الْعَالَمُ يُبْغِضُكُمْ

العالم هنا هم من يعشقون العالم وشهواته ولا يحبون الله. فمن تعلق بالعالم لا تكون له روح الحب الحقيقى ولا يطيق الله ولا أولاده. فالناس تحب الظلمة ولا تريد أن تأتى للنور، وهم لا يحبون أولاد الله لأن الطهارة والمحبة التى فى اولاد الله توبخهم.

 

أية 14 :- نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّنَا قَدِ انْتَقَلْنَا مِنَ الْمَوْتِ إِلَى الْحَيَاةِ لأَنَّنَا نُحِبُّ الإِخْوَةَ. مَنْ لاَ يُحِبَّ أَخَاهُ يَبْقَ فِي الْمَوْت

الله محبة والله حياة والله نور. فإن كنا قد صرنا أولاداً لله نصير ثابتين فى الله، وبهذا يعطينا الله حياة. ومن هو ثابت فى الله ستكون له صورته أى المحبة لله وللناس حتى أعدائه. ومن لا يؤمن بالله ولا ولد منه فهو ميت. ومن ولد من الله صار حياً وعلامة ذلك الحب. لذلك فقايين بسبب بغضته لأخيه إنتقل من الحياة إلى الموت. فالذى مات حقيقة هو قايين وليس هابيل.

 

أية 15 :- كُلُّ مَنْ يُبْغِضُ أَخَاهُ فَهُوَ قَاتِلُ نَفْسٍ، وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ كُلَّ قَاتِلِ نَفْسٍ لَيْسَ لَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ ثَابِتَةٌ فِيهِ

كل من يبغض أخاه فهو قاتل نفس = إن كانت البغضة هى موت فكل من وجد فى قلبه بغضة فهو ميت أى أنه قتل نفسه، أى حكم على نفسه بالموت. وهذا نفهمه من مقارنة أيات (14، 15). وطالما بقيت البغضة داخل نفس إنسان فهو ميت = كل قاتل نفس له حياة أبدية ثابته فيه. ففى وصايا العهد القديم كل قاتل يقتل (تك9: 6).

وحكم الله عليه بالقتل يعنى ضمنا خسارته لحياته الأبدية. وبالتالى فمن يبغض فلأنه قاتل نفس كما قلنا فهو يخسر حياته الأبدية.

 

أية 16 :- بِهَذَا قَدْ عَرَفْنَا الْمَحَبَّةَ: أَنَّ ذَاكَ وَضَعَ نَفْسَهُ لأَجْلِنَا، فَنَحْنُ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَضَعَ نُفُوسَنَا لأَجْلِ الإِخْوَةِ

فليكن المسيح فى محبته الباذلة قدوة لنا وهذا هو تعليمه (يو 15: 12، 13). أن ذاك = يوحنا فى محبته للمسيح يسوع، يشغل يسوع كل فكره. وفى كتاباته يتصور أن الكل مثله، فلا حاجه له للتعريف به.

 

أية 17 :- وَأَمَّا مَنْ كَانَ لَهُ مَعِيشَةُ الْعَالَمِ، وَنَظَرَ أَخَاهُ مُحْتَاجاً، وَأَغْلَقَ أَحْشَاءَهُ عَنْهُ، فَكَيْفَ تَثْبُتُ مَحَبَّةُ اللهِ فِيهِ؟

أحشاءه = الأحشاء هى الجزء الذى إعتقدوا قديماً أنه خاص بالعواطف والمشاعر. والمعنى أن ليس فى قلبه شفقه وحنان، فمثل هذا لا تثبت فيه محبة الله. فلو كانت محبة الله ثابته فيه لكان قد إمتلأ حباً وشفقة وحنان متشبهاً فى ذلك بالرب يسوع.

 

أية 18 :- يَا أَوْلاَدِي، لاَ نُحِبَّ بِالْكَلاَمِ وَلاَ بِاللِّسَانِ، بَلْ بِالْعَمَلِ وَالْحَقِّ

إذاً المطلوب هو المحبة العملية، أى المحبة التى تظهر فى أعمال وخدمة (يع2 :15، 16). ونلاحظ أن المطلوب هو الحب الحقيقى وليس السعى وراء المجد الباطل.

 

أية 19:- ! وَبِهَذَا نَعْرِفُ أَنَّنَا مِنَ الْحَقِّ وَنُسَكِّنُ قُلُوبَنَا قُدَّامَهُ

بهذا نعرف أننا من الحق = بهذا نعرف أننا ثابتون فى الرب يسوع الحق ونسكن قلوبنا قدامه = نقنع قلوبنا أن تطمئن. والقلب هنا هو الضمير. ومتى نطمئن ؟ إن كان لنا محبة عملية باذلة وليس بمجرد كلمات. وهذه المحبة لا تأتى إن لم نتذوق محبة المسيح أولاً ثم نعطى الأخرين مما أعطاه لنا المسيح.

 

أية 20 :- لأَنَّهُ إِنْ لاَمَتْنَا قُلُوبُنَا فَاللهُ أَعْظَمُ مِنْ قُلُوبِنَا، وَيَعْلَمُ كُلَّ شَيْءٍ

قد يصاب إنسان باليأس حينما يسمع ما سبق ويتساءل فى وسوسة هل أنا أحب الناس حقيقة أم لا. وهل إنتقلت من الموت إلى الحياة أم مازلت فى الموت. فكيف نهدئ قلوبنا إن نخستنا قلوبنا.

هنا نرى حنان يوحنا ومحبته للناس. نرى حنانه فى هذه الأية التى لها تفسيران :-

1.     إن كان قلبنا يؤنبنا هكذا، فكم بالحرى الله الذى هو أعظم من قلوبنا، وهو أقدس منا، ويعلم كل شئ، وأكثر مما تدركه قلوبنا. فإن لا مك قلبك فماذا عن لوم الله. فمن المؤكد أن لومه أعظم. وقطعاً ليس هذا هو المعنى المقصود، فهذا يزيد المخاوف والوسوسة.

2.     حكم الضمير ليس معصوماً من الخطأ ولا هو نهائى، فنحن يجب أن نعلم أن مراحم الله أعظم من تقصيرنا وهو يفرح حتى لا بأشواقنا، وهو يرثى لنا ويتحنن علينا ويقبل ما نقدمه. ونقول فى أوشية القرابين " والذين يريدون أن يقدموا لله وليس لهم " فما يفرح الله إتجاه القلب فاللص اليمين ضبط إتجاه قلبه فكان أفضل من قيافا الذى قدم ألاف الذبائح. يوحنا هنا يسكن الضمائر الموسوسة المتعبة، ويقول إن الله أعظم من أن يحكم علينا بعمل واحد أو إثنين، بل هو ينظر لإتجاه القلب. وإذ نجد أن محبة الله منغرسة فى قلوبنا فهذه علامة أننا غير مرفوضين، فلا نهتم بهواجسنا.

 

أية 21 :- أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، إِنْ لَمْ تَلُمْنَا قُلُوبُنَا فَلَنَا ثِقَةٌ مِنْ نَحْوِ اللهِ

هناك من لا تلومهم قلوبهم لأن ضمائرهم ميته من كثرة الإثم، مثل هؤلاء قد أطفأوا الروح القدس. وهذه الأية لا تنطبق على هؤلاء. بل إن هذه الأية تنطبق على المسيحى الحقيقى الذى يرفع قلبه لله كقاض ليعرف رأى الله فيه. يرتمى أمامه معترفاً بأنه خاطئ ولا شئ، غير مهتم بمديح الناس أو هجومهم عليه، يطلب من الله الذى وحده يستطيع أن يكشف ويعطى للقلب سلام وطمأنينة لمن هو على الطريق الصحيح.

 

أية 22 :- وَمَهْمَا سَأَلْنَا نَنَالُ مِنْهُ، لأَنَّنَا نَحْفَظُ وَصَايَاهُ، وَنَعْمَلُ الأَعْمَالَ الْمَرْضِيَّةَ أَمَامَهُ

مهما سألنا ننال منه = هذه قالها السيد المسيح (مت 7: 8). وهذه الأية لها علاقة بالأية السابقة، والرباط بينهما هو الثقة. فمن له ثقة فى الله يسأل والله يعطيه. وهذا ما قاله السيد المسيح "كل ما تطلبونه حينما تصلون فأمنوا أن تنالوه فيكون لكم" (مر11: 24). وهناك شرط أخر لإستجابة الصلاة (راجع 1يو5: 14). ونجد فى هذه الأية شرطاً أخر لإستجابة الصلاة = نحفظ وصاياه ونعمل الأعمال المرضية أمامه. وفى الأية التالية يحدد ماهى الأعمال المرضية أمامه.

 

أية 23 : وَهَذِهِ هِيَ وَصِيَّتُهُ: أَنْ نُؤْمِنَ بِاسْمِ ابْنِهِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، وَنُحِبَّ بَعْضُنَا بَعْضاً كَمَا أَعْطَانَا وَصِيَّةً

نؤمن بإسم إبنه = نقبله فادياً ومخلصاً. وهذه الأية تشير لأهمية العقيدة التى نعتقدها فى المسيح بجانب أعمالنا.

نحب بعضنا بعضاً = يوحنا يرى أن أعظم وصية هى المحبة، فالله أعطى فىالناموس وصايا كثيرة، لكن أعظم ما فيها أن نحب ألأخرين.

 

أية 24:- وَمَنْ يَحْفَظْ وَصَايَاهُ يَثْبُتْ فِيهِ وَهُوَ فِيهِ. وَبِهَذَا نَعْرِفُ أَنَّهُ يَثْبُتُ فِينَا: مِنَ الرُّوحِ الَّذِي أَعْطَانَا.

قال السيد المسيح " إثبتوا فى وأنا فيكم (يو15: 4). وهنا يشرح يوحنا كيف يتم هذا الثبات هو لمن يحفظ وصاياه = فلا شركة للنور مع الظلمة (2كو6: 14). وهذه الأية مثل ماقال السيد "إن أحبنى أحد يحفظ كلامى ويحبه أبى وإليه نأتى وعنده نصنع منزلاً" (يو14: 23). وكيف نعرف أننا ثابتين فيه وهو فينا = بهذا نعرف أنه يثبت فينا من الروح الذى أعطانا = فالروح يملأ من هو ثابت فى المسيح، ومن يملأه الروح يعطيه الشعور بالبنوة لله، فهو يشهد لأرواحنا أننا أولاد الله (رو8: 16). وإن كنا أولاد فسنحب أبونا السماوى. وأول ثمار الروح محبة ثم فرح وسلام... هذه للمملوء من الروح... ولمن هو ثابت فى المسيح.

وهذه الأية هى مدخل للإصحاح الرابع الذى يحدثنا عن الروح القدس.


 

الإصحاح الرابع

نرى فى هذا الإصحاح موقفنا من الهراطقة ومن الإخوة. فعلينا بكل تدقيق أن نرفض الهراطقة، والرسول له تعليم متشدد جداً فى هذا الموضوع (2يو11، 10). ولكن بالنسبه للإخوة علينا أن نعاملهم بكل حب.

 

أية 1:- أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، لاَ تُصَدِّقُوا كُلَّ رُوحٍ، بَلِ امْتَحِنُوا الأَرْوَاحَ: هَلْ هِيَ مِنَ اللهِ؟ لأَنَّ أَنْبِيَاءَ كَذَبَةً كَثِيرِينَ قَدْ خَرَجُوا إِلَى الْعَالَمِ.

لا تصدقوا كل روح = أى التعليم الذى يقول كل معلم أن مصدره روح الله القدوس. فالمعلمين الكذبة مصدرهم أرواح شريرة مخادعة.

والرسول هنا يطلب أن لا نسير وراء كل عاطفة أو محبة بشرية لشخص أو إعجاب بشخص، أو إنفعال وراء شخص، فقد يقودنا هذا للسير وراء هرطقة، فليس كل ما نسمعه صحيحاً.

ونلاحظ أن الغنوسيين إدعوا أن تعاليمهم بوحى إلهى. وهم إدعوا وغيرهم وهم كاذبين أن الروح القدس يرشدهم لما يقولونه من تعاليم كاذبة = لأن أنبياء كذبة. هؤلاء سبق الرسول وقال عنهم أنهم تركوا الكنيسة (19:2). إمتحنوا الأرواح = أى نمتحن الكلام الذى نسمعه ونقارن بما قاله الرب وقاله رسل الرب (الكلمة المكتوبة) وبما تعلمه الكنيسة. أضفت لهذا أن لنا مسحة من القدوس (1يو20:2). وهذا ما يسميه بولس الرسول قارنين الروحيات بالروحيات (1كو13:2). وراجع أيضاً (1كو3:12 + مت24 :5، 4 + 2كو11 :2-4). علينا كمؤمنين أن لا ننخدع بخداعات فلسفية أو كبرياء الفلسفة البشرية.

 

أيات 2، 3  :- بِهَذَا تَعْرِفُونَ رُوحَ اللهِ: كُلُّ رُوحٍ يَعْتَرِفُ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي الْجَسَدِ فَهُوَ مِنَ اللهِ، وَكُلُّ رُوحٍ لاَ يَعْتَرِفُ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي الْجَسَدِ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ. وَهَذَا هُوَ رُوحُ ضِدِّ الْمَسِيحِ الَّذِي سَمِعْتُمْ أَنَّهُ يَأْتِي، وَالآنَ هُوَ فِي الْعَالَمِ.

الروح القدس هو الذى يشهد لنا أن المسيح هو الله المتجسد لخلاصنا. ونلاحظ أن القديس يوحنا هنا يتحدث عن هرطقة معينة هى إنكار التجسد. ولكننا الآن أمام عشرات بل مئات الهرطقات فلنحذر، كل هذه الهرطقات هى ضد الله. قد يدعى كل من هؤلاء أن الروح القدس أوحى له بما يقول. ولكن هل ينقسم الروح القدس على نفسه. بل الروح القدس يعطى الفكر الواحد (فى2:2 + أف4: 3-5). فالمنشقين ليس لهم روح الوحدة بل الإنشقاق. وما أهمية التجسد ؟ هو بركة لنا :-

1.     المسيح قدس الجسد البشرى. وبجسدنا البشرى دخل السماء، فصار لنا أن ندخل نحن أيضاً للسماء.

2.     بدون جسد بشرى كيف كان المسيح سيموت عنا، فالذى كان لابد ويموت عنا هو إنسان مشابه لنا فى كل شىء وبدون خطية.

3.     المسيح صار لنا مثالاً يمكن أن نتتبعه، وهو ليس خيالاً لا أستطيع أن أحيا حياته.

4.     بإتحاد اللاهوت بالناسوت صار لنا أن نقيم علاقة مع الله، لكن إن كانت المادة شراً كما قالوا فالله كان لا يمكن أن يقترب منى، إذاً بالتالى فلا معنى للتناول مثلاً. فكرهم الهرطوقى يحرمنا من بركات كثيرة.

 

أية 4 :- أَنْتُمْ مِنَ اللهِ أَيُّهَا الأَوْلاَدُ، وَقَدْ غَلَبْتُمُوهُمْ لأَنَّ الَّذِي فِيكُمْ أَعْظَمُ مِنَ الَّذِي فِي الْعَالَمِ.

هنا الرسول يشجعهم حتى لا يضطربوا أمام هذه الهرطقات لأن الذى فيكم = أى الروح القدس أعظم من الذى فى العالم = أى الشيطان والضلال والشر. وهذا ما فعله المسيح أنه يطمئننا جميعاً أنه غلب العالم (يو33:16) غلبتموهم = إذاً لا نخاف بل سننتصر. لذلك فالآن ومع إزدياد الهرطقات لا نخاف فالروح القدس فى كنيسته يحفظها.

 

أية 5 :- هُمْ مِنَ الْعَالَمِ. مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ يَتَكَلَّمُونَ مِنَ الْعَالَمِ، وَالْعَالَمُ يَسْمَعُ لَهُمْ.

هم من العالم = أى المعلمين الكذبة، وهم من العالم لأن لهم دوافع غير سليمة مقل المكاسب المادية والسياسية والإعتداد بالذات.

يتكلمون من العالم = أى من خارج الكنيسة فهم منشقون عنها.

والعالم يسمع لهم = فأهدافهم متطابقة لرغائب أهل العالم، ولنلاحظ أن الشيطان يميل قلوبهم لأنه يريد إنشقاق الكنيسة.

 

أية 6 :- نَحْنُ مِنَ اللهِ. فَمَنْ يَعْرِفُ اللهَ يَسْمَعُ لَنَا، وَمَنْ لَيْسَ مِنَ اللهِ لاَ يَسْمَعُ لَنَا. مِنْ هَذَا نَعْرِفُ رُوحَ الْحَقِّ وَرُوحَ الضَّلاَلِ.

يضع الرسول الإستماع لنا كحد فاصل بين روح الحق وروح الضلال، وكلمة لنا تعنى التلاميذ والرسل الذين أرسلهم المسيح لينشروا الإيمان فى الأرض. هم الذين سلموا الإيمان للكنيسة نقياً. هذه الأية تساوى ما قاله بولس الرسول أن الكنيسة مبنية على أساس الرسل (أف20:2).

 

أيات 7، 8 :- أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، لِنُحِبَّ بَعْضُنَا بَعْضاً، لأَنَّ الْمَحَبَّةَ هِيَ مِنَ اللهِ، وَكُلُّ مَنْ يُحِبُّ فَقَدْ وُلِدَ مِنَ اللهِ وَيَعْرِفُ اللهَ. وَمَنْ لاَ يُحِبُّ لَمْ يَعْرِفِ اللهَ، لأَنَّ اللهَ مَحَبَّةٌ.

أيها الأحباء لنحب لأن المحبة هى من الله = الرسول كان يتكلم عن الهراطقة وهرطقاتهم، فما الذى جعله ينتقل إلى موضوع المحبة فجأة :-

1.     الموضوع الأساسى للرسالة هو المحبة، وقد شعر الرسول أنه تركه فترة طويلة فعاد إليه.

2.     نفهم من الأيات السابقة أن المملوء من الروح هو الذى يكتشف ضلال هؤلاء الهراطقة. وما هى علامة إمتلائنا بالروح، المحبة. فمن يجد فى نفسه أنه مملوء محبة فهو مملوء بالروح. إذاً هو قادر على إكتشاف الهرطقات. وهو يستطيع بسهولة أن يميز الحق من الضلال. أما من هو بلا محبة فهو بلا روح ومثل هذا سينخدع.

ولاحظ أن الرسول يقول لنحب بعضنا بعضاً ولم يقل لنحاول أن نحب. وذلك لأن المحبة تنسكب من الروح. ونحن قد حل فينا الروح القدس، وبذلك فنحن لنا إمكانية الحب (رو5:5).

ولاحظ قوله الله محبة. ولم يقل الله يحب أو الله محب فهذه صفة

أما قوله الله محبة فهذا يعنى أن جوهر الله هو المحبة. هو ينبوع محبة،

تفيض منه محبة إلى الابن المحبوب أولاً (أف6:1)

وذلك عن طريق روح المحبة، أى الروح القدس.

وبالمعمودية نولد من الله ونتحد بالمسيح

وبهذا ينسكب فينا روح المحبة المنسكب فى الإبن لذلك يقول وكل من يحب فقد ولد من الله ويعرف الله = ويعرف الله تعنى أنه متحد بالله وله حياة الله أى له المحبة. والذى لا يحب هو رافض لعطايا الله ولا يريد أن يثبت فيه أى يعرفه. إن لم توجد فينا المحبة نكون قد غيرنا الخاتم الذى به نتشكل بشكل الله. ولاحظ أن المحبة تأتى من الله، وأن المحبة تقودنا لله. فمن يتقبل المحبة من الله يقترب إليه. إذاً هى دائرة لو دخل فيها الإنسان يقترب لله أكثر وأكثر.

 

أية 9 :- بِهَذَا أُظْهِرَتْ مَحَبَّةُ اللهِ فِينَا: أَنَّ اللهَ قَدْ أَرْسَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ إِلَى الْعَالَمِ لِكَيْ نَحْيَا بِهِ.

بهذا أظهرت محبة الله فينا = بالروح القدس المنسكب من الله (رو5:5). ولاحظ أنه لم يقل لنا بل فينا، فالمحبة ليست شيئاً أراه بل هى محسوسة داخلى. أظهرت =

1.     كانت موجودة أزلياً.

2.     أعلنت وظهرت بصورة مرئية فى تجسد المسيح. فالله يحبنا منذ الأزل ولم يحبنا فجأة.

وكيف إنسكب الروح فينا فظهرت محبة الله فينا؟ أن الله قد أرسل إبنه لكى نحيا به = الروح إنسكب فينا بإستحقاقات دم المسيح المبذول عنا. وكان الفداء والروح القدس الذى حل علينا سبب حياة لنا، بأن عدنا إلى صورة الله التى خلقنا عليها، وصورة الله هى المحبة، فالله محبة.

نحيا به = فالمسيح صار حياتنا "أحيا لا أنا بل المسيح يحيا فى" (غل20:2). لذلك قال السيد المسيح "أتيت لتكون لهم حياة ويكون لهم أفضل" فالحياة بدون المسيح غير محتملة بل قد تدفع الكثيرين للإنتحار، أما بالمسيح فهى سلام وفرح.

 

أية 10:- فِي هَذَا هِيَ الْمَحَبَّةُ: لَيْسَ أَنَّنَا نَحْنُ أَحْبَبْنَا اللهَ، بَلْ أَنَّهُ هُوَ أَحَبَّنَا، وَأَرْسَلَ ابْنَهُ كَفَّارَةً لِخَطَايَانَا.

نحن لم نبدأ بمحبة الله، بل الله هو الذى بدأ بإعلان محبته بإرساله لإبنه. هو أحبنا بالرغم من خطايانا وعداوتنا له، أحبنا دون إستحقاق منا. لأن طبيعته هى المحبة. وفى محبته لم يستح حتى بالصليب.

 

أية 11:- أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، إِنْ كَانَ اللهُ قَدْ أَحَبَّنَا هَكَذَا، يَنْبَغِي لَنَا أَيْضاً أَنْ يُحِبَّ بَعْضُنَا بَعْضاً.

إن كان الله قد أحبنا ونحن غير مستحقين، وأعطانا روح المحبة كهبة منه لنا، فنحن الآن  ملزمين   أن نحب الآخرين :-

1.     الله فى طبيعته التى هى المحبة لن يحتمل رائحة الكراهية فينا، فمن يحيا فى الكراهية لن يسكن الله عنده.

2.     نحن نحيا الآن كمسيحيين بحياة المسيح فينا، ويقودنا الروح القدس الذى يعطينا المحبة، فمن يرفض أن يحيا فى محبة فهو يقاوم الروح القدس ويرفض حياة المسيح فيه ويريد أن يحيا مثل حياة العالم.

3.     الله أحبنا ونحن غير مستحقين، فلنرد الجميل ونحب إخوتنا.

 

أية 12 :- اَللهُ لَمْ يَنْظُرْهُ أَحَدٌ قَطُّ. إِنْ أَحَبَّ بَعْضُنَا بَعْضاً فَاللهُ يَثْبُتُ فِينَا، وَمَحَبَّتُهُ قَدْ تَكَمَّلَتْ فِينَا.

الله لم ينظره أحد قط = فكيف نحب من لم نره... إن أحب بعضنا بعضاً المحبة لله لا تنشأ عن رؤيته بالجسد ولكن هى مشاعر يضعها الروح القدس فى قلوبنا. لكن هذه المشاعر لا تنمو وبالتالى تزداد محبتنا لله إن لم نحب إخوتنا.

إن المشاعر تجاه الله تكمل فينا لو أحببنا الآخرين. فالقلب المحب يستطيع أن يعاين الله. إن أحب بعضنا بعضاً يثبت فينا = هذا ما نبه له الرسول من قبل (1يو24:3) إن من يحفظ وصايا الله يثبت فيه وهو فيه، وأهم وصية، بل ملخص كل الوصايا هى وصية المحبة. ومحبته قد تكملت فينا = أى عمل محبته بلغ غايته فينا.

 

أية 13 :- بِهَذَا نَعْرِفُ أَنَّنَا نَثْبُتُ فِيهِ وَهُوَ فِينَا: أَنَّهُ قَدْ أَعْطَانَا مِنْ رُوحِهِ.

كيف نعلم أننا ثابتون فيه، إذا سكن فينا الروح القدس، وهذا إن سكن فينا تكون له ثماره وأولها المحبة. فإبحث فى نفسك. . هل لك محبة لله وللناس. فى هذه الحالة فالروح القدس ساكن فيك وبالتالى أنت ثابت فى المسيح.

 

أية 14:- وَنَحْنُ قَدْ نَظَرْنَا وَنَشْهَدُ أَنَّ الآبَ قَدْ أَرْسَلَ الاِبْنَ مُخَلِّصاً لِلْعَالَمِ.

ونحن قد نظرنا = يوحنا رأى المسيح وسمعه ولمسه لذلك يقول نشهد ولكن نظرة يوحنا لم تكن نظرة جسدية فقط. فكثيرين رأوا المسيح وسمعوه ثم صلبوه. ولكن نظرة يوحنا كانت نظرة عميقة بالروح القدس، فعرف حقيقة المسيح. ونحن بالروح القدس أمكن أن يكون لنا هذه النظرة الإيمانية.

مخلصاً =

1.     من الدينونة.

2.     من الخطية ومن مخاوفنا وشهواتنا وعنادنا.

 

أية 15 : - مَنِ اعْتَرَفَ أَنَّ يَسُوعَ هُوَ ابْنُ اللهِ، فَاللهُ يَثْبُتُ فِيهِ وَهُوَ فِي اللهِ.

هنا نرى شرطاً آخر أو برهاناً آخر للثبات فى المسيح، ألا وهو الإعتراف فى حب وبمجاهرة وأمام الكل، بل أمام المخاطر والضيقات. هنا حب يصل إلى حد الإستشهاد لأجل المسيح الذى أحببناه. فالإيمان والحب ليس مكانهما القلب فقط، بل الإيمان بدون أعمال ميت. فكيف نقول أننا نحب المسيح ونحن نخشى الإضطهاد (رو8: 35-39).

 

أية 16 :- وَنَحْنُ قَدْ عَرَفْنَا وَصَدَّقْنَا الْمَحَبَّةَ الَّتِي لِلَّهِ فِينَا. اللهُ مَحَبَّةٌ، وَمَنْ يَثْبُتْ فِي الْمَحَبَّةِ يَثْبُتْ فِي اللهِ وَاللهُ فِيهِ.

هنا نرى يوحنا يتكلم عن معرفة     إختبارية.

 


 

                             عرفنا    صدقنا.

فالحب ملأ قلبه وتذوق حلاوة الحب. ونحن قد عرفنا = والمعرفة حياة (يو3:17). فالمحبة علامة الحياة.

 

أية 17:- بِهَذَا تَكَمَّلَتِ الْمَحَبَّةُ فِينَا: أَنْ يَكُونَ لَنَا ثِقَةٌ فِي يَوْمِ الدِّينِ، لأَنَّهُ كَمَا هُوَ فِي هَذَا الْعَالَمِ هَكَذَا نَحْنُ أَيْضاً.

المحبة تكملت = المحبة تنمو، وهذا معنى النمو فى النعمة. إن محبة المسيح كاملة، لكن ينقصها من يتقبلها ويتذوقها أى يقبل أن يحيا فيها ويجاهد لأجلها. ومن يفعل سيشعر بالمحبة تملأ قلبه، بل تزداد يوماً فيوم، فتكمل ومتى نعرف أن المحبة صارت كاملة فينا؟ الإجابة هو أن نشتهى يوم الدين، نشتهى لقاء الرب = يكون لنا ثقة فى يوم الدين = كما قال بولس الرسول "لى إشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح" (فى23:1). أى يكون لنا ثقة ورجاء فى الأمجاد الأبدية المعدة لنا، ثقة فى الله الذى يحبنا وليست ثقة فى أنفسنا، علينا أن نكمل أيام غربتنا طالبين رحمة الله، ولكن فى رجاء وثقة فى محبة الله ورحمته. ومن يبدأ بالمخافة والرهبة من يوم الرب والدينونة فيترك خطيته ويدخل فى عشرة مع الله، ومع الوقت يستعذب محبة الله، فلا يعود يخاف من الدينونة بل يخاف أن يغضب الله الذى أحبه، ويخشى أن يخسر المكان المعد له، فيتمم خلاصه بخوف ورعدة. وكلما تقدم الإنسان فى علاقته مع الله يشتهى لقاءه. وحتى لا ننسى يكرر الرسول أن الشرط لهذا هو محبة إخوتنا كما أحبنا المسيح.

لأنه كما هو فى هذا العالم = كما يحب الله العالم.

هكذا نحن أيضاً = علينا أن نحب الله ونحب إخوتنا.

المقصود أن نتشابه مع الله فى المحبة مع الفارق، فالموضوع نسبى.

 

أية 18:- لاَ خَوْفَ فِي الْمَحَبَّةِ، بَلِ الْمَحَبَّةُ الْكَامِلَةُ تَطْرَحُ الْخَوْفَ إِلَى خَارِجٍ لأَنَّ الْخَوْفَ لَهُ عَذَابٌ. وَأَمَّا مَنْ خَافَ فَلَمْ يَتَكَمَّلْ فِي الْمَحَبَّةِ.

فال القديس أنطونيوس لتلاميذه "أنا لا أخاف الله" فلما قالوا هذا القول صعب يا أبانا، قال لأنى أحبه. والمحبة الكاملة تطرح الخوف إلى خارج.

ونلاحظ أن الكلام هنا فى أية 18 مرتبط بأية 17 التى تكلمت عن يوم الدين. ونلاحظ أن الإنسان الطبيعى لا يوجد عنده لا خوف من الله ولا محبة لله. [الإنسان الطبيعى هو البعيد تماماً عن الله، أى الذى لم تتعامل معه النعمة]. وحينما يستيقظ هذا الإنسان على حالته القاسية يبدأ بأن يكون عنده خوف بلا محبة، ثم ينضج فتختلط مشاعر الخوف والمحبة. وكلما تكمل المحبة يخرج الخوف. الخوف الذى يقصده الرسول هنا هو الخوف من العقاب فى جهنم، وهذا هو خوف المبتدئين، أما الأبرار فهم يخافون الله إذ يهابونه، بل الملائكة تهاب الله. الخوف المقدس هو أننا نخاف أن نسىء لله المحب. ومن يحب الله حقيقة لن يعود يخاف ممن يحبه وقد شعر بمحبته ولن يخاف حتى من الأعداء فى هذا العالم ولا من مصادمات الحياة وإحتمالات المجهول، لأنه سيترك كل هذا للمسيح ويسلك فى سلام وشركة مع المسيح.

لأن الخوف له عذاب =  الخوف من عقاب جهنم والدينونة، وهذا لا يتفق مع أفراح المحبة، فمحبة الله تملأ القلب فرحاً وسلاماً.

وحقاً من يحب الله لن يشعر بهذا الخوف الذى له عذاب، بل سيكون عنده خوف مقدس، يجعله يخاف أن يعمل الخطأ لئلأ يحزن قلب الله فينفصل عنه فالنفس الخالية تماماً من الخوف هى نفس مستهترة، لم تنفتح أعينها على الله، لذلك يقول بولس الرسول "تمموا خلاصكم بخوف ورعدة" (فى 12:2) ويقول داود النبى "خوف الرب نقى ثابت إلى الأبد" (مز9:19). وهذا النوع من الخوف ليس له عذاب.

 

أية 19:- نَحْنُ نُحِبُّهُ لأَنَّهُ هُوَ أَحَبَّنَا أَوَّلاً.

نحن نحبه لأنه هو أحبنا أولاً = وفى ترجمات أخرى "نحن نحب لأنه. . . " أى نحن نحب الله والإخوة لأن الله سبق وأحبنا أولاً، بل ونحن بعد فى خطايانا، فأى فضل لنا. . علينا أن نرد له هذه المحبة له ولأولاده. هو بدأ وأحبنا وفدانا وأعطانا حياته نحيا بها فى محبة له وللآخرين، ومن يبدأ يشعر بمحبته يسهل عليه حب الآخرين.

 

أية 20:- إِنْ قَالَ أَحَدٌ: "إِنِّي أُحِبُّ اللهَ" وَأَبْغَضَ أَخَاهُ، فَهُوَ كَاذِبٌ. لأَنَّ مَنْ لاَ يُحِبُّ أَخَاهُ الَّذِي أَبْصَرَهُ، كَيْفَ يَقْدِرُ أَنْ يُحِبَّ اللهَ الَّذِي لَمْ يُبْصِرْهُ؟

محبة الإخوة هى الدليل الصادق على محبتنا لله، فيستحيل أن نقتنى محبة الله ونحن لا نحب إخوتنا الذين نراهم فتتحرك أحشاءنا بالمحبة لهم. فالتعلق بالشىء المنظور أقوى وأسهل من التعلق والمحبة بالشىء غير المنظور.

 

أية 21:- وَلَنَا هَذِهِ الْوَصِيَّةُ مِنْهُ: أَنَّ مَنْ يُحِبُّ اللهَ يُحِبُّ أَخَاهُ أَيْضاً.

ولنا هذه الوصية منه =

تحب الرب إلهك من كل قلبك...                                           (تث5:6)

تحب قريبك كنفسك.                                                        (لا18:19)

تحب الرب إلهك من كل قلبك... وقريبك مثل نفسك. فقال له بالصواب أجبت. إفعل هذا فتحيا     

(لو10: 25-28)

إن أحبنى أحد يحفظ كلامى.                                               (يو23:14)

والسيد المسيح إعتبر أن الوصية العظمى فى الناموس"تحب الرب إلهك من كل قلبك... وتحب قريبك كنفسك".                                                                 (مت22: 35-40)

أن تحبوا بعضكم بعضاً كما أحببتكم أنا.                                   (يو13: 35، 34)

إذاً الناموس يوصينا بأن نحب الله ونحب القريب، والسيد المسيح إعتبر أن هاتين الوصيتين هما الأعظم، وهما ملخص الناموس. والسيد أوصى بأن نحب بعضنا بعضاً. إذاً وصية المحبة هى وصيته. وهو أيضاً قال إن من يحبه يحفظ وصاياه. إذاً نستنتج ما قاله الرسول هنا من يحب الله يحب أخاه أيضاً إذاً فمحبة القريب هى أساس الوصايا. ولا يكفى  حفظ كل الوصايا دون حفظ هذه الوصية.


 

الإصحاح الخامس

أية 1 :- كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ أَنَّ يَسُوعَ هُوَ الْمَسِيحُ فَقَدْ وُلِدَ مِنَ اللهِ. وَكُلُّ مَنْ يُحِبُّ الْوَالِدَ يُحِبُّ الْمَوْلُودَ مِنْهُ أَيْضاً

كل من يؤمن = ما الذى جعل الرسول ينتقل من الكلام عن المحبة إلى الكلام عن الإيمان ؟ الرسول يريد أن يشرح أن  المحبة ليست شيئاً يتمتع به الإنسان الطبيعى (غير المسيحى الذى لم تتعامل معه النعمة) بل هى عطية الروح القدس للمؤمن المعمد. هى طبيعة مكتسبة بها نحب الله والناس حتى الأعداء. وحب الأعداء هذا ليس ممكناً للإنسان العادى الطبيعى... فقط  هذا للمؤمن. المحبة التى يتكلم عنها الرسول ليست مشاعر إنسان تجاه إنسان يحبه، بل هى طبيعة جديدة وخليقة جديدة، يحيا بها المؤمن وبها يحب كل إنسان.

ولماذا ذكر الرسول الإيمان فقط دون أن يذكر المعمودية، هل الإيمان وحده دون معمودية يكفى لنحصل على هذه الطبيعة الجديدة ؟

قطعاً لا. والرسول لن يناقض نفسه فهو الذى ذكر أن الولادة الثانية تكون من الماء والروح (يو3: 5) وهو ذكر موضوع المعمودية هنا فى أية (6)، (8). ولكن المقصود أن الإيمان هو المدخل لهذه الطبيعة الجديدة. إذاً الإيمان الذى يتكلم عنه الرسول هنا هو إيمان حى عامل بالمحبة (غل5: 6). إن يسوع هو المسيح = أن يسوع هو إبن الله الذى تجسد ليفدينا ويعطينا حياة جديدة ويعطينا التبنى.

فقد ولد من الله = كما قلنا فالولادة من الله تستلزم الإيمان أولاً ثم المعمودية التى بها تغفر خطايانا وننال التبنى. وعلامة أننا صرنا أولاد لله، أننا نحب الله أبونا. وطالما هو أبونا كلنا، فلابد أن نحب إخوتنا المولودين مثلنا منه = كل من يحب الوالد. يحب المولود منه أيضاً. وبهذا فإن هذه الأية هى إمتداد للأية الأخيرة من الإصحاح السابق التى فيها ينص الرسول على أن من يحب الله يحب أخاه أيضاً. وإرتباط الإيمان بالمحبة نراه فى أن علامة الإيمان الحى هى المحبة. أما من يقول أنا مؤمن وهو لايحب إخوته فإيمانه ميت، كإيمان الشياطين (يع2: 19).

 

اية 2 :- بِهَذَا نَعْرِفُ أَنَّنَا نُحِبُّ أَوْلاَدَ اللهِ: إِذَا أَحْبَبْنَا اللهَ وَحَفِظْنَا وَصَايَاهُ

سبق وقال أن علامة محبتنا لله هى محبتنا للإخوة (1يو4: 20، 21)  وهو يقول أن علامة محبتنا لأولاد الله هى محبتنا لله، فما المعنى ؟

قد ينخدع الإنسان المؤمن ويتصور أنه يحب الناس، ولكن تكون محبته نفسانية جسدانية أو لمنفعة ما، أو لأنه لا تكون هناك ظروف ومحكات تختبرهذه المحبة، أى لا توجد مشاكل من النوع الذى يجلب الكراهية، فيظن الإنسان نفسه أنه مملوء محبة. لذلك يحدثنا معلمنا يوحنا هنا عن المحبة الحقيقية وعلامتها أننا نحب الله. فالروح القدس يسكب محبة الله فينا أولاً ثم الإخوة. ولكن كيف نعلم أننا نحب الله؟ يجيب الرسول وحفظنا وصاياه. فحفظ الوصايا علامة محبة الله (يو14: 21، 23). وأهم وصية هى المحبة.

 

اية 3 :- فَإِنَّ هَذِهِ هِيَ مَحَبَّةُ اللهِ: أَنْ نَحْفَظَ وَصَايَاهُ. وَوَصَايَاهُ لَيْسَتْ ثَقِيلَةً،

وصاياه ليست ثقيلة = لماذا ؟

1.     إن كنا نحب الله سنجد وصاياه سهلة، فالمحبة تستسهل الأمور الصعبة بل سننفذ الوصايا بدون كبت. فعلامة المحبة هى الطاعة الكاملة لوصايا من تحبه، بل أن تسعى لأن تجعله مسروراً

2.     الله لا يأمر بشئ إن لم يعطى قوة على التنفيذ، فهو يعمل بى وفى، هو يحمل معى مهما كان الأمر صعب. هذه مثل "إحملوا نيرى فهو هين" (مت29:11). ولشرح هذا... أننا نكون قادرين على حمل إنسان ثقيل بسهولة فى الماء، فالماء يرفع معنا دون أن نعانى من ثقل الشخص المحمول، ومن لا يعرف ما يفعله الماء يظن أننا نقوم بعمل إعجازى إذ نحمل هذا الشخص الثقيل، وهكذا كل من هو خارج الإيمان يظن أن المؤمن الملتزم بوصايا الله أنه يعمل عملاً عجيباً ن بينما أن الله هو الذى يعمل ويعطى المعونة، بل أن من ولد من الله حقاً يجد لذته وسعادته فى تنفيذ الوصايا. وصايا الله ثقيلة فعلاً على طبيعة الإنسان القديمة (مثل محبة الأعداء والطهارة...). ولكن لنسمع قول بولس الرسول "أستطيع كل شئ فى المسيح الذى سقوينى" (فى13:4) وهذا إستجابة لقول السيد المسيح "بدونى لا تقدرون أن تفعلوا شيئاً" (يو5:15).

 

أية 4 :- لأَنَّ كُلَّ مَنْ وُلِدَ مِنَ اللهِ يَغْلِبُ الْعَالَمَ. وَهَذِهِ هِيَ الْغَلَبَةُ الَّتِي تَغْلِبُ الْعَالَمَ: إِيمَانُنَا

كيف نغلب العالم ؟

1.     كل من ولد = من ولد من الله، صار إبناً لله. فيحب أبوه ويثق فيه، يثق فى أن كل ما يقوله هو لمصلحته وفائدته، ويهرب من شهوات العالم التى تجذب الإنسان الطبيعى.

2.     من يؤمن ويعتمد يحيا المسيح فيه  (غل2: 20 + فى1: 21). والمسيح الذى فينا قال ثقوا أنا قد غلبت العالم (يو16: 33). وراجع (1يو3: 9 + 1كو15: 57). فالمسيح الذى فينا يعطينا قوة نغلب بها.

3.     من أحب الله إكتشف اللؤلؤة الكثيرة الثمن (مت13: 46) فإحتقر باقى اللألئ أى العالم بما فيه (فى3: 7، 8). ومن إحتقر شهوات العالم يغلب. والروح القدس يسكب محبة الله فينا (رو5: 5).

4.     راجع أية (3) لترى كيف أن وصايا الله ليست ثقيلة. عندئذ سنغلب شهوات العالم التى تجذبنا.

 

أية 5 :- مَنْ هُوَ الَّذِي يَغْلِبُ الْعَالَمَ، إِلاَّ الَّذِي يُؤْمِنُ أَنَّ يَسُوعَ هُوَ ابْنُ اللهِ؟

لقد إنتصرت الطبيعة البشرية فى يسوع المسيح، ومن يؤمن تكون له النصرة. ولكن ما هو الإيمان المطلوب فى المسيح لكى ننتصر؟ يسوع هو إبن الله = هذه تساوى عظيم هو سر التقوى الله ظهر فى الجسد (1تى16:3) أى الإيمان بسر التجسد. أن الله دخل إلى العالم وأعطانى حياته أحيا بها وهذه هى التى تجعلنى أغلب. وهو عاش كإنسان مثلى وإختبر ضعفناتى، فيستطيع أن يعيننى ويسندنى.

 

أية 6 :- هَذَا هُوَ الَّذِي أَتَى بِمَاءٍ وَدَمٍ، يَسُوعُ الْمَسِيحُ. لاَ بِالْمَاءِ فَقَطْ، بَلْ بِالْمَاءِ وَالدَّمِ. وَالرُّوحُ هُوَ الَّذِي يَشْهَدُ، لأَنَّ الرُّوحَ هُوَ الْحَقُّ

فى الأية السابقة حدثنا الرسول عن التجسد. وهنا يحدثنا عن كيفية الإستفادة من سر التجسد... أى بالمعمودية.

هذا هو الذى أتى = أى المسيح. بماء ودم = أى ليس بماء فقط مثل يوحنا المعمدان الذى كان يعمد للتوبة. بل أتى المسيح بماء ودم. لقد أعطى يوحنا أهمية كبيرة لخروج الدم والماء من جنب المسيح لذلك كررها فى إنجيله وفى رسالته، فهو الوحيد الذى رأى الماء والدم من جنب المسيح. وخروج الماء والدم من جنب المسيح إشارة لخروج الكنيسة من جنبه بصفتها حواء الجديدة. وكان المسيح على الصليب فى موته مرموزاً له بأدم النائم (أف3:5 + تك32:2). وعمل المعمودية كان مرموزاً له فى العهد القديم بالتطهير بالماء والدم (لا4:14-7). والجديد فى العهد الجديد هو عمل الروح القدس فى الماء، فالمعمودية ليست ماءً عادياً بل ماء يعمل فيه الروح القدس بإستحقاقات الدم، فيولد المعمد من الماء والروح ولادة جديدة وخليقة جديدة قادرة أن تغلب العالم ولا يكون للخطية سلطان عليها (رو14:6). والخليقة الجدية هى الموضوع الذى يتكلم فيه الرسول، الخليقة الجدية التى تغلب العالم. وهذه الخليقة تكون بالماء ودم يسوع المسيح = أى بالمعمودية والروح هو الذى يشهد = المعمودية هى بالماء والروح (يو5:3). ولكن ذكر الماء والدم، وترك الروح ليذكره هنا، أنه يشهد فى داخلنا لعمل المسيح، ولحياة المسيح فينا، وعمله الخلاصى، وللبنوة التى حصلنا عليها "أرسل الله روح إبنه إلى قلوبكم صارخاً يا أبا ألأب (غل6:4). فالروح لن يحل فينا ويصرخ يا أبا الأب ويشهد للبنوة التى صارت لنا، مالم يكن قد عمل فى الماء لنولد بخليقة جديدة ونصير أبناء فعلاً. وبهذه الطبيعة الجديدة ونغلب العالم وشهواته (أيات5، 4).

والروح القدس الذى فينا هو روح الحق ويشهد للحق (يو13:16، 14) لأن الروح هو الحق= والروح يشهد للمسيح وعمله ويعطينا أن نحبه وأن نختاره فهو الحق ونرفض العالم الباطل، وهذه هى غلبة العالم. وكون أن العالم باطل الأباطيل نجده فى (جا2:1). والروح يعطينا أن نميز بين الحق والباطل ويساعدنا أن نختار الحق لنغلب.

 

أية 7 :- فَإِنَّ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ فِي السَّمَاءِ هُمْ ثَلاَثَةٌ: الآبُ، وَالْكَلِمَةُ، وَالرُّوحُ الْقُدُسُ. وَهَؤُلاَءِ الثَّلاَثَةُ هُمْ وَاحِد

ليس الروح القدس فقط هو الذى يشهد للمسيح وعمله فينا، بل إن الثالوث الأقدس يشهد لتجسد الإبن  وعمله الخلاصى للإنسان.

فالأب شهد للإبن فى يوم المعمودية وفى يوم التجلى وفى الهيكل أمام الكثيرين (مت17:3 + مت5:17 + لو35:9 + يو28:12-30) والإبن شهد لنفسه بأقواله وتعاليمه ومعجزاته وقيامته (رو4:1) وصعوده أمام أعين تلاميذه. ولنذكر قول السيد المسيح "أتيت لتكون لهم حياة ويكون لهم أفضل".

والروح القدس شهد له فى النبوات التى أوحى بها لأنبياء العهد القديم، وبحلوله على هيئة حمامه. وهو يشهد للمسيح داخلنا (14:16).

هم واحد = فنحن نؤمن بإله واحد مثلث الأقانيم.

 

أية 8 :- وَالَّذِينَ يَشْهَدُونَ فِي الأَرْضِ هُمْ ثَلاَثَةٌ: الرُّوحُ، وَالْمَاءُ، وَالدَّمُ. وَالثَّلاَثَةُ هُمْ فِي الْوَاحِدِ

الذين يشهدون فى الأرض = الآن. فالآن الروح القدس لا يحل بشكل منظور (حمامة أو ألسنة نار). والآب لا يتكلم ليشهد للمسيح من السماء. والإبن لا نراه بأعيننا الجسدية. ولكن عمل الله الخلاصى والذى يبدأ فى حياة المؤمن بالمعمودية مشهوداً له بالمعمودية. وهى روح وماء ودم   والثلاثة فى واحد = الواحد هو جسد المسيح الذى تدفق منه الماء والدم، والروح القدس حل على جسد المسيح لحساب الكنيسة كلها يوم عماد المسيح من المعمدان. والروح الأن يعمل فى ماء المعمودية، وذلك بقوة دم المسيح، فتلد المعمودية أبناء لله، خليقة جديدة، وكل من شعر بقوة هذه الخليقة الجديدة وإمكانياتها يدرك عمل المسيح الخلاصى، هذه القوة التى تعطيها المعمودية لأولاد الله تشهد على أن المسيح هو مخلص العالم بدمه. والمعمودية لا معنى لها بدون وجود أحد الثلاثة عناصر (الماء والدم والروح). والولادة من الماء والروح نص عليها السيد المسيح فى (يو5:3).

 

أية 9 :- إِنْ كُنَّا نَقْبَلُ شَهَادَةَ النَّاسِ فَشَهَادَةُ اللهِ أَعْظَمُ، لأَنَّ هَذِهِ هِيَ شَهَادَةُ اللهِ الَّتِي قَدْ شَهِدَ بِهَا عَنِ ابْنِه

نقبل شهادة الناس = كثيرون شهدوا للمسيح إبتداء من نثنائيل (يو49:1) وحتى لونجينوس الجندى (مر39:15). فشهادة الله أعظم = شهادة الثالوث عن عمل المسيح، أن المسيح أتى ليعطينى حياة (موضوع هذا الإصحاح).

 

أية 10 :- مَنْ يُؤْمِنُ بِابْنِ اللهِ فَعِنْدَهُ الشَّهَادَةُ فِي نَفْسِهِ. مَنْ لاَ يُصَدِّقُ اللهَ فَقَدْ جَعَلَهُ كَاذِباً، لأَنَّهُ لَمْ يُؤْمِنْ بِالشَّهَادَةِ الَّتِي قَدْ شَهِدَ بِهَا اللهُ عَنِ ابْنِه

من يؤمن بإبن الله = المؤمن هو إنسان معمد، حل فيه الروح القدس، وصار مسكناً للروح، والروح يشهد فى داخله للمسيح شهادة عملية إختبارية، من لا يصدق من الله = من يقاوم شهادة الله فى داخله أى صوت الروح القدس، ومن لا يصدق الكتب المقدسة، ومن يقاوم الإيمان المسلم مرة للقديسين (يه3) والمودع فى الكنيسة، يجعل الله كاذباً.

 

أية 11 :- وَهَذِهِ هِيَ الشَّهَادَةُ: أَنَّ اللهَ أَعْطَانَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً، وَهَذِهِ الْحَيَاةُ هِيَ فِي ابْنِه

الله يشهد لإبنه ليس لأن إبنه يحتاج لهذه الشهادة، بل لنا نحن، إذ أن الإبن كان هدف تجسده أن نؤمن به فيكون لنا حياة ابدية. "وهذه هى الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقى وحدك ويسوع المسيح الذى أرسلته". (يو3:17 + يو15:3). وهذه الحياة هى فى إبنه = هذه الحياة التى أعطاها لنا الله تسرى فينا:

1.     بالإيمان.

2.     بالمعمودية (دم+ ماء + روح).

3.     بالتناول من جسد الرب لنثبت فيه "من يأكلنى يحيا".

والحياة البدية ليس معناها أن نحيا للأبد، فالأشرار والشياطين سيحيون للأبد، ولكن فى عذاب جهنم. ولكن المقصود بالحياة الأبدية هى أن تكون لنا حياة الله ذاته، نحيا بها. وهى حياة كلها قوة وغلبة ومجد ونور وفرح وسلام ومحبة وطهارة وهى تبدأ من الأن.

 

أية 12 :-. مَنْ لَهُ الاِبْنُ فَلَهُ الْحَيَاةُ، وَمَنْ لَيْسَ لَهُ ابْنُ اللهِ فَلَيْسَتْ لَهُ الْحَيَاة

من له الإبن فله الحياة = هذه الحياة الأبدية هى حياة الإبن فينا "لى الحياة هى المسيح" (فى21:1)+ "المسيح يحيا فى" (غل20:2). ومن له الإبن أى من يثبت فى الإبن ويملك الإبن عليه، فيكون الإبن هو حياته. ومن هو متحد بالإبن، وهذا بدأ بالمعمودية، وعلينا أن نحرص على هذا الثبات "إثبتوا فى وأنا فيكم" (يو4:15). وهى حياة ابدية لأن المسيح الذى يحيا فينا هو أبدى، لذلك ستكون نهاية هذه الحياة مجد أبدى هناك.

 

أية 13 :- كَتَبْتُ هَذَا إِلَيْكُمْ أَنْتُمُ الْمُؤْمِنِينَ بِاسْمِ ابْنِ اللهِ لِكَيْ تَعْلَمُوا أَنَّ لَكُمْ حَيَاةً أَبَدِيَّةً، وَلِكَيْ تُؤْمِنُوا بِاسْمِ ابْنِ اللهِ

تؤمنوا بإسم إبن الله = الإسم يعبر عن الشخصية، فإسم إبن الله هو تعبير عن كامل شخصيته وجبروته ومحبته التى وصلت للفداء. وراجع (أع12:4) "ليس بأحد غيره الخلاص، لأن ليس إسم آخر تحت السماء قد أعطى بين الناس به ينبغى أن نخلص" وراجع ايضاً (يو36:3) ولاحظ قوله أنتم المؤمنين ثم يقول لهم أن تؤمنوا. لذلك فقوله تؤمنوا تعنى تثقوا. وهذا يتفق مع أية (14).

 

اية 14 :-. وَهَذِهِ هِيَ الثِّقَةُ الَّتِي لَنَا عِنْدَهُ: أَنَّهُ إِنْ طَلَبْنَا شَيْئاً حَسَبَ مَشِيئَتِهِ يَسْمَعُ لَنَا

طلب فى الأية السابقة أن يكون لنا ثقة فى الله، وهنا نجد دلالات هذه الثقة. أنه إن طلبنا شيئاً يستجيب لنا = وهذه هى الثقة التى لنا عنده ولكن هناك شروط للإستجابة أى لإستجابة الصلاة وهى أن تكون :-

1.     حسب مشيئته = الصلاة ليست أداة لإقناع الله بأن يغير تفكيره، بل من يصلى متجاوباً مع روح الله، يعلمه الروح القدس ماذا يطلب، أى أن الصلاة هى إستكشافاً لمشيئة الله. فالإنسان قد يبدأ الصلاة بإصرار على الحصول على شئ معين قائلاً... أريد يارب كذا وكذا... ولو خضع لصوت الروح القدس داخله، الذى يقنعه ربما بأن هذا الشئ ليس فى صالحه، نجد هذا الشخص ينهى صلاته قائلاً " لتكن مشيئتك " " وليكن ليس حسب إرادتى بل حسب إرادتك "، وهكذا صلى المسيح فى بستان جثسيمانى. فالروح القدس يعطى للذى يصلى بطريقة صحيحة أن يسلم إرادته كاملاً لله، بل أن تتفق إرادته مع إرادة الله، فيطلب بحسب مشيئة الله. وهذا نسميه شفاعة الروح القدس (رو26:8، 27) فإذا كنت مسلماً الأمر تماماً لله، فأنا مقبول أمام الله، أما لوكنت فى حالة تذمر، فأنا غير مقبول أمام الله، وهذا مايقوم به الروح القدس أنه يقنعنى فى الصلاة أن أسلم الأمر بالكامل لله (أر7:20). وقد نصلى ضد مصلحتنا، ولذلك لا يستجيب الله، كما صلى بولس الرسول ثلاث مرات ليشفى والله لم يستجب لأنه خاف عليه من الكبرياء وبالتالى من الضياع (2كو7:12-9).

ومشيئة الله هى خلاص نفوسنا، فكل من يطلب طلباً به يخلص يعطيه له الله. ونلاحظ أن السيد المسيح علمنا فى الصلاة الربانية أن نقول "لتكن مشيئتك". ولكن للأسف يكون لسان حالنا كثيراً ونحن نصليها أن يكون فى قلوبنا... لتكن مشيئتك إن كانت حسب مشيئتنا، لذلك نشتكى إن لم يستجب الله ونتذمر ونقول "الله لا يسمعنا. لذلك يقول بولس الرسول" لسنا نعلم ما نصلى لأجله كما ينبغى (رو26:8). ولكن الروح يعطينا إقناع (= يشفع فينا) بما نطلبه وبما يتفق مع مشيئة الله. ويمكن أن نقول أن الله يستجيب دائماً، ونقولها بثقة ولكن هناك 3 حالات لهذه الإستجابة:

أ‌.        أن يستجيب فوراً.

ب‌.    أن يستجيب بعد فترة أى فى ملء الزمان حينما يكون الزمان مناسباً والظروف مناسبة.

ت‌.    أن لا يستجيب إن كان الطلب ضد خلاص نفوسنا.

2.     من شروط إستجابة الصلاة أن تكون بإيمان (مر24:11). فلا يقبل أن أطلب شيئاً من الله وأنا أشك أن الله قادر على الإستجابة أو أكون فى حالة شك فى محبته، وأنه فى محبته لابد وسيستجيب.

3.     أن تكون الصلاة بإسم يسوع (يو14:14) لذلك ننهى الصلاة الربانية قائلين "بالمسيح يسوع ربنا".

4.     أن نكون ثابتين فى المسيح (يو7:15) وذلك بحفظ وصاياه (1يو22:3، 23).

5.     أن نغفر لمن يسئ إلينا (مر25:11).

6.     أن لا نطلب طلبة لا تتفق مع إسم المسيح، أى تكون الغاية من الصلاة إشباع شهواتنا ورغباتنا(يع3:4).

7.     بل كلما يرتقى إنسان فى علامته مع الله لا يطلب سوى مجد الله، ولا يطلب ما لنفسه بقدر ما يطلب عن الآخرين. (يع16:5).

 

أية 15 :- وَإِنْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّهُ مَهْمَا طَلَبْنَا يَسْمَعُ لَنَا، نَعْلَمُ أَنَّ لَنَا الطِّلْبَاتِ الَّتِي طَلَبْنَاهَا مِنْهُ

من يصلى لدرجة أنه يصلى بحسب مشيئة الله، أى خاضعاً تماماً لصوت الروح القدس داخله. لابد أن تكون له هذه الثقة أن الله سيستجيب.

 

أية 16 :- إِنْ رَأَى أَحَدٌ أَخَاهُ يُخْطِئُ خَطِيَّةً لَيْسَتْ لِلْمَوْتِ، يَطْلُبُ، فَيُعْطِيهِ حَيَاةً لِلَّذِينَ يُخْطِئُونَ لَيْسَ لِلْمَوْتِ. تُوجَدُ خَطِيَّةٌ لِلْمَوْتِ. لَيْسَ لأَجْلِ هَذِهِ أَقُولُ أَنْ يُطْلَبَ

خطية للموت =الموضوع ليس فى نوعية الخطية، بل فى العناد والإصرار على إرتكاب الخطية. فحتى خطايا الزنا أو القتل لها غفران لو إستجاب الإنسان للروح القدس ولم يقاوم وقدم توبة. والله لا يتدخل فى حرية أحد بل هو يحاول أن يقنعه أن يترك الخطية، ولكن إن رفض وعاند يتركه. فحرية الإنسان هى التى تحدد هل الخطية للموت أم لا.

والإنسان حينما يفعل الخطية لأول مرة يبكته الروح القدس، ولكن إن قاوم وعاند يعتاد عليها ولا يسمع لصوت الروح القدس، بل يبدأ يتلذذ بالخطية بل يفتخر بها (وهذا مايمكن أن نسمية التجديف على الروح القدس). فالقلب قد تقسى تماماً رافضاً التوبة أو الإستجابة للروح القدس. ولمثل هذا الإنسان، مهما صلينا فلا فائدة فهو لن يتوب. هذه إذاً خطية للموت.

يخطئ ليس للموت = اى خطايا الضعف البشرى نظراً لوجودنا فى الجسد. لكنه يجاهد ويريد أن يتغير ويرضى الله. هذا نطلب له الغفران ونصلى له. ولعل هذا إشارة لسر التوبة والإعتراف وصلاة التحليل.

يطلب فيعطيه حياة = أى غفران يؤدى للحياة الأبدية.

ونفهم من كلمات الرسول أن خطايا الموت هى:

1.     الإصرار على إنكار المسيح والهرطقة وإفساد المؤمنين.

2.     المصرون على خطايا الكراهية والبغضة. وخطايا إنكار المسيح ورفضه اشار لها بولس الرسول فى (عب6) فهؤلاء الذين أنكروا المسيح هم الأرض المعرضة للحريق. هؤلاء لا تستطيع لهم الكنيسة أن تفعل أى شئ بل تتركهم ولا تصلى لأجلهم. لا تصلى لغفران خطاياهم، بل تصلى لهدايتهم وإبعاد أذيتهم عن الكنيسة.

ونرى أن قساوة القلب ومهاجمة ومقاومة الكنيسة هى خطايا موت لذلك لم يصلى بولس الرسول لإسكندر النحاس، (2تى14:4، 15). والسيد المسيح لم يصلى عن كل العالم بل من أعطاهم له الآب أى المؤمنين (يو9:17) والكنيسة لا تصلى عن المنتحرين لأنهم أصروا على يأسهم حتى النهاية.

 

أية 17 :- كُلُّ إِثْمٍ هُوَ خَطِيَّةٌ، وَتُوجَدُ خَطِيَّةٌ لَيْسَتْ لِلْمَوْتِ

كلمة إثم فى اليونانية تعنى إعتداء الإنسان على حق الغير. وكلمة خطية = تعنى مخالفة إرادة الله ووصاياه. فكل إعتداء على حق الغير هو خطية لأنها تخالف إرادة الله. وكل إنحراف عن المحبة الكاملة لله وللإخوة هو خطية. لذلك لا يجب أن تؤخذ الخطية على محمل الخفة.

 

أية 18 :- نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ مَنْ وُلِدَ مِنَ اللهِ لاَ يُخْطِئُ، بَلِ الْمَوْلُودُ مِنَ اللهِ يَحْفَظُ نَفْسَهُ، وَالشِّرِّيرُ لاَ يَمَسُّه

كل من ولد من الله لا يخطئ = سبق شرحها فى إصحاح (3) وفى المقدمة. لكن الرسول يقول هذا هنا بعد أية (16) ليكون المعنى أن كل من ولد من الله لن يكون قاسى القلب معاند رافض للتوبة يخطئ خطية الموت، إن سقط يقوم سريعاً ويتوب. ولكن الرسول يطلب من أولاد الله أن كل واحد يحفظ نفسه والشرير لا يمسه = أى لا يستطيع أن يجرى معه إتصالاً من أى نوع. وراجع قصة القديسة يوستينة فى تاريخ الكنيسة، فهذه القديسة حاول الشياطين التى كان يرسلها الكاهن الوثنى أن تدخل بيتها لغوايتها، فلم تستطيع الشياطين دخول بيتها لأنها كانت تصلى. فمن هو ثابت فى أبيه لا يقدر عليه الشيطان، ولكن فى اللحظة التى فيها ينسى بنوته لله وينحرف قليلاُ عن أبيه يسقط. لذلك يطلب الرسول هنا من كل مولود من الله أن يحفظ نفسه  أى يحاول أن يظل دائماً ملتصقاً بالله.

ويكون معنى الأية : كل من ولد من الله لا يخطئ (خطية للموت). بل المولود من الله يحفظ نفسه (يجاهد) والشرير لا يمسه (فالذى فينا كأولاد لله أعظم). هذه الأية أتت هنا بعد أن قال أن هناك خطية للموت حتى لا يرتعب السامعين، فهو هنا يعطى طمأنينة أن كل من يريد الثبات ويجاهد، لا سلطان للشيطان عليه ولن يمسه. هذه الطمأنينة لمن تحرك قلبه وخاف، أما القلب القاسى فلن يحركه تخويف ولن يطمئنه كلام الرسول هنا.

 

أية 19 :- نَعْلَمُ أَنَّنَا نَحْنُ مِنَ اللهِ، وَالْعَالَمَ كُلَّهُ قَدْ وُضِعَ فِي الشِّرِّيرِ

نحن من الله = مولودين منه. والعالم كله = ليس كل الناس بل الذين أحبوا العالم وتعلقوا به. قد وضع فى الشرير = أى تحت سلطان الشيطان الشرير. فكما يعيش أولاد الله فى دائرة قوة الله فتحفظهم، يعيش أولاد العالم فى دائرة قوة الشرير وإغرائه. فالشيطان يزيف  كل ما هو حق ويغوى اتباعه ويضللهم فيسقطوا فيستبعدهم. وكيف يضلل الشيطان اتباعه ؟ بأن يصور لهم العالم والخطية أنها متعة ولذة وهدف يسعون وراءه.

 

أية 20 :- وَنَعْلَمُ أَنَّ ابْنَ اللهِ قَدْ جَاءَ وَأَعْطَانَا بَصِيرَةً لِنَعْرِفَ الْحَقَّ. وَنَحْنُ فِي الْحَقِّ فِي ابْنِهِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ. هَذَا هُوَ الإِلَهُ الْحَقُّ وَالْحَيَاةُ الأَبَدِيَّة

فى الأية السابقة رأينا العالم قد وضع فى الشرير، والشيطان يضلل الناس، ولكن ما موقفنا نحن أولاد الله = أعطانا بصيرة لنعرف الحق = الله أعطى أولاده بصيرة بها يدركون تفاهة العالم (جا2:1 + فى8:3). وأيضاً يعطيهم بصيرة فتنفتح عيونهم ويدركون الأمجاد المعدة لهم فى السماويات (1كو9:2- 12). ومن هذه الأيات الأخيرة من كورنثوس نفهم أن هذه البصيرة تكون بالروح القدس المعطى لنا. والحق فى هذه الأية فى مقابل العالم فى أية (19). فالعالم هو الباطل (جا2:1). ونحن تكون لنا هذه البصيرة إن ثبتنا فى المسيح = ونحن فى الحق  (ندرك الحق ونميز بينه وبين الباطل) فى إبنه يسوع المسيح = فالمسيح هو الحق (يو6:14). وثباتنا فى المسيح يملأنا من الروح القدس، روح الحق، والذى يرشد للحق (يو13:16). فثباتنا فى المسيح هو ثبات لنا فى الحق. وثباتنا فى المسيح يأتى عن طريق حفظ وصاياه. يعطينا الإمتلاء من الروح الذى يفتح بصيرتنا فنعرف المسيح وعمله ومحبته وما أعطاه لنا، وما أعده لنا فى السماء، وهذا يجعلنا نحتقر العالم الباطل. هذا هو الإله الحق والحياة الأبدية = بدأ الرسول رسالته بأن المسيح هو كلمة الحياة وبظهوره أظهرت الحياة (1يو1:1، 2). وهنا يسميه الحياة الأبدية. وبهذا تتفق بداية الرسالة ونهايتها. وبهذا يلخص الرسول رسالته فى أن إبن الله قد أتى إلى العالم وأعطانا معرفة الإله الحق الذى لا يعرفه عبدة الأوثان ولا الهراطقة. وأعطانا أن نكون فيه بالإيمان. ومن يؤمن به تكون له حياة ابدية، ويحيا فى محبة، ويغلب العالم فلا ينجذب لشهواته. فالمؤمن يفتح الله بصيرته فيعرف أن الرب يسوع هو كل الحق ويشبع به مؤمناً أنه مصدر حياته، فيثبت فيه بأن يطيع وصاياه ولا يريد أن يفارقه.

 

أية 21 :- أَيُّهَا الأَوْلاَدُ احْفَظُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ الأَصْنَامِ. آمِينَ.

إحفظوا أنفسكم من الأصنام. أيها الأولاد = أى لا يليق كأولاد لله أن تتعلقوا بالأصنام فأولاد الله لا يعطون قلوبهم لأحد سوى الله الذى فداهم وأعطاهم حياة أبدية. وقوله إحفظوا أنفسكم يعنى لا تقبلوا شيئاً أو أحداً يحتل مكان الله فى قلوبكم.

ولكن ماهى الأصنام ؟ قد تكون الأوثان التى عبدها قديماً عباد الأوثان. ولكن تكرار بولس الرسول أن الطمع عبادة أوثان (أف5:5 + كو5:3) تجعلنا نمتد فى فهمنا للأصنام بأنها تكون الطمع أو شهوة الزنا أو الملذات المختلفة والمال والذات. أى يجب أن لا نضع شيئاً فى قلوبنا غير الله، ويكون الله فقط هو كل شئ فى حياتى.

فالأصنام عموماً هى أدوات عبادة الشيطان. والشيطان عرض على السيد المسيح كل ما فى العالم من ممالك على أن يسجد له

 

 

الصفحة الرئيسية