اباحة القران للكذب والنفاق

النفاق الشرعي

 

اباحة القران للكذب والنفاق

 

موقف القران والسنة من الكذب والنفاق، واضح وصريح ومعلن في اكثر من سورة واكثر من حديث . ويرجع سبب أباحت الإسلام لمثل تلك الآفات الذمية والخطيرة لأكثر من سبب أهمها : نصرة الدين ودفع الأذى عن المؤمنين .

ونحن إذ نتعرض هنا للأدلة القرآنية الدالة على مشروعية الكذب والنفاق في الإسلام، نود التذكير بأن الدليل الواحد المعتبر الدال على صحة قضية يكفي لاثباتها ، فكيف لو توفّرت مع إثباتها أدلة قرآنية كثيرة ، لم يُختَلَف في تفسيرها ؛ لاَنّها محكمة (أي واضحة المعنى والحكم) يُنبىء ظاهرها عن حقيقتها ولا مجال للتأويل فيها ؟ .

 

الآية الأولى : ( مَنْ كَفَرَ باللهِ مِنْ بَعْدِ إيمانِهِ إلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلبُهُ مُطْمَئنٌ بالاِيمانِ ) سورة النحل 106.

 

اجمع علماء الإسلام ان هذه الآية نزلت في عمار بن ياسر.

قال ابن عباس: أخذه المشركون وأخذوا أباه وأمه سمية وصهيب  وبلال  وخباب وسالم فعذبوهم, وربطت سمية بين بعيرين , وقيل  لها إنك أسلمت من أجل الرجال; فقتلت وقتل زوجها ياسر, وهما أول قتيلين في الإسلام.

 

وأما عمار فأعطاهم ما أرادوا بلسانه مكرها, فشكا ذلك إلى رسول الله, فقال له رسول الله : (كيف تجد قلبك)؟ قال: مطمئن بالإيمان. فقال رسول الله: (فإن عادوا فعد). راجع تفسير آية سورة النحل للطبري . وبالجملة ، فان جميع ما وقفت عليه من كتب التفسير وغيرها متفق على نزول الآية بشأن عمار بن ياسر وأصحابه الذين وافقوا المشركين على ما أرادوا. اُنظر : تفسير الواحدي 1 : 466 مطبوع بهامش تفسير النووي المسمى دار إحياء الكتب العربية ، مصر ، والمبسوط للسرخسي 24 : 25 . والكشاف | الزمخشري 2 : 449 ـ 550 ، دار المعرفة ، بيروت . والمحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز | ابن عطية الاَندلسي 10 : 234 ـ 235 تحقيق المجلس العلمي بفاس | 1407 هـ  وأحكام القرآن | ابن العربي 2 : 1177 ـ 1182 دار المعرفة ، بيروت (وفيه كلام طويل عن التقية) . وزاد المسير في علم التفسير | ابن الجوزي 4 .

 

أصل الإكراه في الغةً : مأخوذ من الفعل (كَرَهَ) ، والاسم : (الكَرهُ) ويراد به كل ما أكرهك غيرك عليه ، بمعنى : أقهرك عليه، وأما (الكُرْه) فهو المشقة ، يُقال : قمت على كُرْهٍ ، أي: على مشقة .

والفرق بين (الكَرْهِ) ، و (الكُرْهِ) أن الأول هو فعل المضطر ، بينما الثاني هو فعل المختار . لسان العرب | ابن منظور 12 : 80 كَرَهَ .

 

وأمّا في الاصطلاح : فقد عرّفه التفتازاني بأنه : (حمل الغير على أن يفعل ما لا يرضاه ، ولا يختار مباشرته لو خُلِّي ونفسه) . التلويح على التوضيح | سعد الدين التفتازاني 2 : 196 طبعة مصر | 1322 كما عرّفه عبد العزيز البخاري الحنفي بقوله ، هو : (حمل الغير على أمرٍ يمتنع عنه بتخويف يقدر الحامل على إيقاعه ، ويصير الغير خائفاً به) كشف الاَسرار عن أصول البزدوي | عبدالعزيز البخاري

4/1503.

 

وعند السرخسي الحنفي ، هو : (اسم لفعل يفعله المرء بغيره ، فينتفي به رضاه ، أو يفسد به اختياره) . المبسوط | السرخسي 24 : 38 من

كتاب الاكراه. إذاً الإكراه هو (حمل الغير على ما يكرهه) .

ولقد اختلف المسلمون في  حالات الإكراه  ومداه .

 

قيل :" لما سمح الله عز وجل بالكفر به وهو أصل الشريعة عند الإكراه, فإذا وقع الإكراه لم يؤاخذ به ولم يترتب عليه حكم; وبه جاء الأثر المشهور عن النبي: (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) باتفاق العلماء . قاله القاضي أبو بكر بن العربي. وذكر أبو محمد عبد الحق أن إسناده صحيح قال: وقد ذكره أبو بكر الأصيلي في الفوائد وابن المنذر في كتاب الإقناع . راجع تفسير الطبري في شرحه لآية سورة النحل 106.

 

أجمع أهل العلم على أن من أكره على الكفر حتى خشي على نفسه القتل, أنه لا إثم عليه إن كفر وقلبه مطمئن بالإيمان,

 

ولا تبين منه زوجته ولا يحكم عليه بحكم الكفر. 

وذهبت طائفة من علماء المسلمين إلى أن الرخصة إنما جاءت في القول, وأما في الفعل فلا رخصة فيه, مثل أن يكرهوا على السجود لغير الله أو الصلاة لغير القبلة, أو قتل مسلم أو ضربه أو أكل ماله, أو الزنى وشرب الخمر وأكل الربا.

 

واحتج من قصر الرخصة على القول بقول ابن مسعود: ما من كلام يدرأ عني سوطين من ذي سلطان إلا كنت متكلما به. فقصر الرخصة على القول ولم يذكر الفعل, وهذا لا حجة فيه; لأنه يحتمل أن يجعل للكلام مثالا وهو يريد أن الفعل في حكمه.

 

وقالت طائفة: الإكراه في الفعل والقول سواء.

 روي ذلك عن عمر بن الخطاب ومكحول, وهو قول مالك.

 روى ابن القاسم عن مالك أن من أكره على شرب الخمر وترك الصلاة أو الإفطار في رمضان, أن الإثم عنه مرفوع.

 

وقال إسماعيل حقي في تفسيره روح البيان 5/84 في تفسيره لآية {الا من اكره } اجبر على ذلك التلفظ بأمر يخاف على نفسه، أو على عضوا من أعضائه لان الكفر اعتقاد، والإكراه على القول دون   الاعتقاد، والمعنى لكن المكره على الكفر باللسان { وقلبه مطمئن بالأيمان} لم تتغير عقيدته. وفيه دليل على ان الأيمان المنجي المعتبر عند الله هو التصديق بالقلب . راجع المصدر المذكور.

 

وقد ذكر الزمخشري بتفسيره: روى  ان أناس من اهل مكة فتنوا فارتدوا عن الإسلام  بعد دخولهم فيه ، وكان فيهم من اكره، وأجرى كلمة الكفر على لسانه ، وهو معتقد للأيمان. منهم عمار بن ياسر ، وأبواه، ياسر، وسمية، وصهيب، وبلال، وخباب، عذبوا00 فأما عمار فأعطاهم ما أرادوا بلسانه مكرهاً . راجع: الكشاف عن حقائق التنزيل 2،431.

 

الآية الثانية:

( لا يَتَّخِذِ المُؤمِنُونَ الكافِرينَ أوليَاءَ مِنْ دُونِ المُؤمِنينَ وَمَن يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ في شيءٍ إلاَّ أنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وإلى اللهِ المَصيرُ ) سورة آل عمران : 3 | 28 .

 

وقد أخرج الطبري في تفسير هذه الآية ، من عدة طرق ، عن ابن عباس، والحسن البصري ، والسدي ، وعكرمة مولى ابن عباس ، ومجاهد ابن جبر ، والضحاك بن مزاحم جواز التقية في ارتكاب المعصية عند الاكراه عليها كاتخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين في حالة كون المتقي في سلطان الكافرين ويخافهم على نفسه ، وكذلك جواز التلفظ بما هو لله معصية بشرط أن يكون القلب مطمئناً بالايمان ، فهنا لا أثم عليه. تفسير الطبري (جامع البيان عن تأويل آي القرآن) 6: 313 ـ 317 ، ط2 ، دار المعرفة ، بيروت | 1392 هـ .

 

هذا مع اعتراف سائر المسلمين بأن الآية لم تنسخ فهي على حكمها منذ نزولها وإلى يوم القيامة ، ولهذا كان الحسن البصري يقول : (إنَّ التقية جائزة إلى يوم القيامة) . حكاه الفقيه السرخسي الحنفي ، وقال معقباً : (وبه نأخذ ، والتقية أن يقي نفسه من العقوبة بما يظهره وإن كان يضمر خلافه). المبسوط | السرخسي 24 : 45 من كتاب الإكراه.

 

دعونا وقبل ان نستكمل استعراض أقول مفسري القران  في تفسيرهم لآية سورة آل عمران 28 : ( لا يَتَّخِذِ المُؤمِنُونَ الكافِرينَ أوليَاءَ مِنْ دُونِ المُؤمِنينَ وَمَن يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ في شيءٍ إلاَّ أنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ) دعونا نتعرف على معنى التقية .

عودة