أدلة التقية من السنة

النفاق الشرعي

 

أدلة التقية من السنة

 

مقتل كعب بن الأشرف

 

سرية مقتل كعب بن الأشرف في السنة الثالثة من الهجرة: عن جابر بن عبد الله قال رسول الله  : من لكعب بن الأشرف فإنه قد آذى الله ورسوله؟ فقام محمد بن مسلمة فقال يا رسول الله ( أنا يا رسول الله ) أتحب أن أقتله؟ قال نعم. قال: فأذن لي أن أقول شيئاً ( وهو استئذان من النبي  بأن يتكلم كلاماً وحتى لو كان منافياً للإيمان وذلك لإظهار الكفر أمام كعب بن الأشرف فأذن به). قال النبي : قل، قال: فأتاه محمد بن مسلمة وذكره ما بينهم قال إن هذا الرجل ( يقصد النبي قد أراد الصدقة وعنانا ( وهذا القول ظاهره إنكار الصدقة والتعدي عليه   وهذا كفر ) ..

وقد يفيد بأنه من الممكن للمسلم إظهار موالاته الكاملة للعدو في الحرب ولو وصل الأمر إلى إظهار الشرك والكفر. وإني قد أتيتك استحلفك فلما سمعه قال وأيضاً والله لتملنه قال: إنا قد تبعناه ونكره أن ندعه حتى ننظر إلى شيء يصير أمره وقد أردت أن تسلفني سلفاً. قال فما ترهنوني نسائكم؟ قال: أنت أجمل العرب أنرهنك نسائنا؟ قال: ترهنوني أولادكم. قال: يسب ابن أحدنا فيقال: رهنت في وسقين من تمر ولكن نرهنك  اللَّأمة ( أي السلاح ) قال: نعم. فواعده أن يأتيه بالحرب فأتى عبس بن حبر وعباد بن بشر فجاؤا فدعوه ليلاً فنزل إليهم قال سفيان: قال غير عمرو قالت امرأته: إني لأسمع صوتاً كأنه صوت دم قال: إنما هذا محمد ورضيعه أبو نائلة إن الكريم لو دعى إلى طعنة ليلاً لأجاب قال محمد: إني إذا جاء فسوف أمُدّ يدي إلى رأسه، فإذا استمكنت منه فدونكم ( وتلك هي طريقة للتمكن من قتله حيث أنه كان ضخم الجثة قوي البنية ) قال: فلما نزل، نزل وهو متوشح قالوا: نجد منك ريح الطيب قال: نعم تحتي فلانة أعطر نساء العرب قال أفتأذن لي أن أشم منه؟ قال: نعم فشم ثم قال: أتأذن لي أن أعود؟ قال: فاستمكن منه ثم قال: دونكم فقتلوه. ( متفق عليه ) [ الصارم المسلول على شاتم الرسول لابن تيمية ص70 -71 ]. البخاري 2327.

 

اخرج البخاري بسنده عن جابر بن عبدالله الاَنصاري  قال : (قال رسول الله: « مَنْ لكعب بن الاَشرف فإنّه قد آذى اللهَ ورسولَهُ ؟ فقام محمد بن مَسْلَمَةَ ، فقال : يا رسول الله ! أتُحبُّ أنْ أقتُلَهُ ؟ قال : نعم . قال فأذنْ لي أنْ أقول شيئاً . قال : قل . فأتاه محمد بن مسلمة ، فقال : إنّ هذا الرجلَ- بعني النبي-  قد سألنا صدقةً وإنّه قد عنانا ، وإني قد أتيتك استسلفك.. الخبر) . صحيح البخاري 5 : 115 ، باب قتل كعب بن الاَشرف . ثم ذكر البخاري تمام القصة التي انتهت بقتل ابن الاَشرف على يد محمد بن مسلمة وجماعته من الصحابة الذين أرسلوا معه .

في أحكام القرآن لابن العربي ، أن الصحابة الذين كلّفوا بقتل ذلك الخبيث ، وكان محمد بن مسلمة من جملتهم ، أنهم قالوا : (يا رسول الله أتأذن لنا أن ننال منك ؟) فأذن لهم . أحكام القرآن | ابن العربي المالكي 2 : 1257 .

 

ولا يخفى أن ما طُلب من الاِذن ، إنما هو لاَجل الحصول على ترخيص نبوي بالقول المخالف للحق بغية الوصول إلى مصلحة إسلامية لا تتحقق إلاّ من هذا الطريق ، فجاء الاِذن الشريف بأن يقولوا ما يشاؤون بهدف الوصول إلى تلك المصلحة .

ومنه يعلم صحة ما مرّ سابقاً بأن التقية كما قد تكون بدافع الإكراه ، قد تكون أيضاً بغيره ، كما لو كان الدافع اليها غاية نبيلة ومصلحة عالية.

 

سرية خالد بن سفيان الهُذلي

وكانت في السنة الرابعة وسببها أن النبي بلغه أن خالد بن سفيان الهُذلي يُقيم بِعُرنة وأنه يجمع الجموع لحرب المسلمين فأمر رسول الله عبد الله بن أنيس بقتله .. قال عبد الله قلت يا رسول الله انعته لي ( صفه لي ) حتى أعرفه فقال إنك إذا رأيته أذكرك الشيطان .. وأية ما بينك وبينه ذلك ). قال: واستأذنت رسول الله أن أقول (هو نفس إذن محمد بن مسلمة ) فأذن لي ثم قال لي: انتسب إلى خزاعة .. وهذا كذب ولكنه مباح. قال عبد الله: فعرفته بنعت ( أي بوصف ) رسول الله   وشعرت بالخوف منه فقلت صدق رسول الله. قال عبد الله وكان وقت عصر قد دخل حين رأيته فخشيت أن تكون بيني وبينه مجاولة تشغلني عن الصلاة فصليت وأنا أمشي نحوه أومئ برأسي الركوع والسجود، فلما انتهيت إليه قال: ممن الرجل؟ قلت: من خزاعة سمعت بجمعك لمحمد فجئتك لأكون معك ( ففي هذا القول إظهار الموالاة ) قال: أجل إني لأجمع له قال عبد الله: فمشيت معه وحدثته فاستحلى حديثي وأنشدته وقلت عجباً له، أحدث محمد من هذا الدين الحدث! فرق الآباء وسفه أحلامهم ( وهذا القول كفر) .. قال أبي سفيان إنه لم يلق أحد يشبهني، وهو يتوكأ على عصا يهد الأرض حتى انتهى إلى خبائه وتفرق عنه أصحابه إلى منازل قريبة منه وهم يطيقون به، فقال هلم يا أخا خزاعة فدنوت منه .. فقال اجلس .. قال عبد الله: فجلست معه حتى إذا مدَّ الناس وناموا اغتلته فقتلته وأخذت رأسه ثم خرجت وتركت ظعائنه مكبات عليه. فلما قدمت المدينة وجدت رسول الله فلما رآني قال: أفلح الوجه .. قلت أفلح وجهك يا رسول الله ثم وضعت الرأس بين يديه وأخبرته خبري. راجع الصارم المسلول على شاتم الرسول لابن تيمية .

 

 

 

 

غدره ببني المصطلق

عن ابن عون قال كتبت إلى نافع أسأله هل كانت الدعوة قبل القتال قال فكتب إلي إن ذاك كان في أول الإسلام وإن رسول الله قد أغار على بني المصطلق وهم غارون وأنعامهم تسقى على الماء فقتل مقاتلتهم وسبى سبيهم وأصاب يومئذ جويرية ابنة الحارث وحدثني بهذا الحديث عبد الله بن عمر وكان في ذلك الجيش - أحمد 4625.

 

ونظير هذا الحديث بالضبط ما رواه أحمد في مسنده ، والطبري ، وعبد الرزاق ، وأبو يعلى ، والطبراني وغيرهم من حديث الصحابي الحجاج بن علاط السلمي وقصته بعد فتح خيبر ، إذ استأذن النبي ، أن يذهب إلى مكة لجمع أمواله من مشركي قريش على أن يسمح له النبي بأن يقول شيئاً يسرّ المشركين ، فأذن له النبي ، وفعلاً قد ذهب إلى مكة ولما قَرُبَ منها رأى رجالاً من المشركين يتسمعون الأخبار ليعرفوا ما انتهى إليه مصير المسلمين في غزوتهم الجديدة (خيبر) . فسألوا ابن علاط عن ذلك ـ ولم يعلموا باسلامه ـ فقال لهم : (وعندي من الخبر ما يسركم) ! قال : (فالتاطوا بِجَنْبَيْ ناقتي يقولون : إيه يا حجاج ! قال : قلت : هُزموا هزيمة لم تسمعوا بمثلها قط) !!

ثم أخذ يعدد لهم كيف أنّ اليهود تمكنوا من قتل المسلمين ، وتتبع فلولهم ، وأن النبي وقع أسيراً بأيديهم ، وأنهم أجمعوا على أن يبعثوه مقيداً بالحديد إلى قريش ليقتلوه بأيديهم وبين أظهرهم !!! . هذا مع علمه علم اليقين ان ما يقوله كذبا ، لكنه أراد بهذا أن يجمع أمواله من المشركين على أحسن ما يرام ، وقد تمّ له ذلك بفضل التقية التي شهد فصولها حينذاك العباس عم النبي  الذي اغتمّ أولاً ثم استرّ بعد أن سرّه ابن علاط بحقيقة الخبر (اُنظر : تقية الحجاج بن علاط في مسند أحمد 3 : 599 ـ 600 | 12001 والطبعة الاُولى 3 : 138ـ 139 . ومصنف عبدالرزاق 5 : 466 | 9771 . والمعجم الكبير | الطبراني 3 : 220 | 3196 . ومسند أبي يعلى الموصلي 3 : 399 ـ 403 | 3466 . وتاريخ الطبري 2 : 139 في حوادث سنة 7 هجرية . ومثله في الكامل | ابن الاثير 2 : 223 . والبداية والنهاية | ابن كثير 4 : 215 . والاصابة| ابن حجر 1 : 327 . وقال في مجمع الزوائد 6 : 155 : ورجال أحمد رجال الصحيح

 

وصرح ابن العربي المالكي باتفاق العلماء على صحة معناه فقال عند قوله تعالى : (إلاّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطمَئِنٌ بِالاِيمانِ ) : (لما سمح الله تعالى في الكفر به.. عند الاكراه ولم يؤاخِذ به ، حمل العلماء عليه فروع الشريعة ، فإذا وقع الإكراه عليها لم يؤاخذ به ، ولا يترتب حكم عليه ، وعليه جاء الاَثر المشهور عند الفقهاء : « رفع عن أمتي الخطأ ، والنسيان ، وما استكرهوا عليه » ، ـ إلى ان قال عن حديث الرفع ـ : (فإنّ معناه صحيح باتفاق من العلماء) . أحكام القرآن | ابن العربي 3 : 1177 ـ 1182 وفيه تفصيل مطول عن الاَحكام المتصلة بحديث الرفع ، فراجع .

 

عن  نبي الإسلام انه قال: كل الكذب يكتب على ابن ادم الا رجل كذب بين مسلمين ليصلح بينهما. حديث متفق عليه.

 

عن أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط مرفوعا " ليس الكذاب الذي يصلح بين اثنين أو قال بين الناس فيقول خيرا أو ينمي خيرا رواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم, وابي داود والنسائي.

 

عن أسماء بنت يزيد مرفوعا عن النبي " كل الكذب يكتب على ابن آدم إلا ثلاث خصال , إلا رجل كذب لامرأته ليرضيها , أو رجل كذب في خديعة حرب , أو رجل كذب بين امرأين مسلمين ليصلح بينهما رواه أحمد والترمذي .

 

وقد روي , في الموطأ عن صفوان بن سليم مرسلا " أن رجلا قال : يا رسول الله أكذب لامرأتي ؟ فقال " لا خير في الكذب فقال : فأعدها وأقول لها_ أي  يوعدها دون ان يفي بوعده لها_ ؟ فقال " لا جناح عليك ".راجع احياء علوم الدين 3/137.

 

وعلى هذا قال ابن حزم في كتاب الإجماع : اتفقوا على تحريم الكذب إلا في الحرب وغيره , ومداراة الرجل امرأته , وإصلاح بين اثنين , ودفع مظلمة مرادة بين اثنين مسلمين , أو مسلم وكافر . راجع احياء علوم الدين 3/137.

عودة