الكذب على الأعداء

النفاق الشرعي

 

الكذب على الأعداء

 

وقد صح في الحديث الكذب في ثلاثة أشياء. قال الطبري إنما يجوز من الكذب في الحرب المعاريض دون حقيقة الكذب فإنه لا يحل .. هذا كلامه .. والظاهر هو إباحة حقيقة نفس الكذب، لكن الاقتصار على التعريض أفضل والله أعلم. من شرح النووي 12/45 .

 

تخطيطات إسلامية

من خلال دراسة السرايا يخرج المسلم بتخطيطات إسلامية وخدع قتالية تمضي أحكامها على كثير من المسلمين، ونذكر على سبيل المثال:

1- سرية مقتل كعب بن الأشرف في السنة الثالثة من الهجرة: عن جابر بن عبد الله قال رسول الله  : من لكعب بن الأشرف فإنه قد آذى الله ورسوله؟ فقام محمد بن مسلمة فقال يا رسول الله ( أنا يا رسول الله ) أتحب أن أقتله؟ قال نعم. قال: فأذن لي أن أقول شيئاً ( وهو استئذان من النبي صلى الله عليه وسلم بأن يتكلم كلاماً وحتى لو كان منافياً للإيمان وذلك لإظهار الكفر أمام كعب بن الأشرف فأذن به). قال  : قل، قال: فأتاه محمد بن مسلمة وذكره ما بينهم قال إن هذا الرجل ( يقصد النبي  ) قد أراد الصدقة وعنانا ( وهذا القول ظاهره إنكار الصدقة والتعدي عليه   وهذا كفر ) .. وقد يفيد بأنه من الممكن للمسلم إظهار موالاته الكاملة للعدو في الحرب ولو وصل الأمر إلى إظهار الشرك والكفر. وإني قد أتيتك استحلفك فلما سمعه قال وأيضاً والله لتملنه قال: إنا قد تبعناه ونكره أن ندعه حتى ننظر إلى شيء يصير أمره وقد أردت أن تسلفني سلفاً. قال فما ترهنوني نسائكم؟ قال: أنت أجمل العرب أنرهنك نسائنا؟ قال: ترهنوني أولادكم. قال: يسب ابن أحدنا فيقال: رهنت في وسقين من تمر ولكن نرهنك  اللَّأمة ( أي السلاح ) قال: نعم. فواعده أن يأتيه بالحرب فأتى عبس بن حبر وعباد بن بشر فجاؤا فدعوه ليلاً فنزل إليهم قال سفيان: قال غير عمرو قالت امرأته: إني لأسمع صوتاً كأنه صوت دم قال: إنما هذا محمد ورضيعه أبو نائلة إن الكريم لو دعى إلى طعنة ليلاً لأجاب قال محمد: إني إذا جاء فسوف أمُدّ يدي إلى رأسه، فإذا استمكنت منه فدونكم ( وتلك هي طريقة للتمكن من قتله حيث أنه كان ضخم الجثة قوي البنية ) قال: فلما نزل، نزل وهو متوشح قالوا: نجد منك ريح الطيب قال: نعم تحتي فلانة أعطر نساء العرب قال أفتأذن لي أن أشم منه؟ قال: نعم فشم ثم قال: أتأذن لي أن أعود؟ قال: فاستمكن منه ثم قال: دونكم فقتلوه. ( متفق عليه ) [ الصارم المسلول على شاتم الرسول لابن تيمية ص70 -71 ].

 

2-  سرية عبد الله بن أنيس : وكانت في السنة الرابعة وسببها أن النبي بلغه أن خالد بن سفيان الهُذلي يُقيم بِعُرنة وأنه يجمع الجموع لحرب المسلمين فأمر رسول الله عبد الله بن أنيس بقتله .. قال عبد الله قلت يا رسول الله انعته لي ( صفه لي ) حتى أعرفه فقال   ( إنك إذا رأيته أذكرك الشيطان .. وأية ما بينك وبينه ذلك ). قال: واستأذنت رسول الله  أن أقول ( هو نفس إذن محمد بن مسلمة ) فأذن لي ثم قال لي: انتسب إلى خزاعة .. وهذا كذب ولكنه مباح. قال عبد الله: فعرفته بنعت ( أي بوصف ) رسول الله وشعرت بالخوف منه فقلت صدق رسول الله. قال عبد الله وكان وقت عصر قد دخل حين رأيته فخشيت أن تكون بيني وبينه مجاولة تشغلني عن الصلاة فصليت وأنا أمشي نحوه أومئ برأسي الركوع والسجود، فلما انتهيت إليه قال: ممن الرجل؟ قلت: من خزاعة سمعت بجمعك لمحمد فجئتك لأكون معك ( ففي هذا القول إظهار الموالاة ) قال: أجل إني لأجمع له قال عبد الله: فمشيت معه وحدثته فاستحلى حديثي وأنشدته وقلت عجباً له، أحدث محمد من هذا الدين الحدث! فرق الآباء وسفه أحلامهم ( وهذا القول كفر) .. قال أبي سفيان إنه لم يلق أحد يشبهني، وهو يتوكأ على عصا يهد الأرض حتى انتهى إلى خبائه وتفرق عنه أصحابه إلى منازل قريبة منه وهم يطيقون به، فقال هلم يا أخا خزاعة فدنوت منه .. فقال اجلس .. قال عبد الله: فجلست معه حتى إذا مدَّ الناس وناموا اغتلته فقتلته وأخذت رأسه ثم خرجت وتركت ظعائنه مكبات عليه. فلما قدمت المدينة وجدت رسول الله فلما رآني قال: أفلح الوجه .. قلت أفلح وجهك يا رسول الله ثم وضعت الرأس بين يديه وأخبرته خبري.

 

3- قصة نعيم بن مسعود في غزوة الأحزاب: لما جاء نعيم بن مسعود مسلماً أوصاه أن يكتم إسلامه ورده إلى المشركين يوقع بينهم .. فذهب نعيم إلى بني قريظة وقال لهم على هيئة النصيحة: لا تقاتلوا مع القوم ( يقصد قريش وغطفان ) حتى تأخذوا رهناً من أشرافهم يكونون بأيديكم .. وذلك بعد أن أقنعهم أن قريشاً وغطفان بصفتهم ليسوا من أهل المدينة فإن حدث شيء لحقوا ببلادهم وتركوهم للنبي   فقالوا له: لقد أشرت بالرأي: ثم أتى قريشاً وأخبرهم أن يهود بني قريظة قد ندموا على تحالفهم معكم وأرسلوا إلى محمد يقولون ( هل يرضيك أن نأخذ لك من القبيلتين رجالاً من أشرافهم .. فتضرب أعناقهم) وأتى غطفان فقال مثل ذلك، فأرسل ابو سفيان ورؤوس غطفان إلى بني قريظة عكرمة بن أبي جهل في نفر من قريش وغطفان فقالوا لهم: أغدوا للقتال حتى نناجز محمداً .. فأجابوا بأن هذا يوم السبت وهو يوم لا نعمل فيه شيئاً ولن نقاتل معكم حتى تعطونا رهناً من رجالكم يكونون بأيدينا ثقة لنا فإنا نخشى إن اشتد عليكم القتال أن تنشمروا إلى بلادكم، فلما رجعت الرسل قالت قريش وغطفان: والله إن الذي حدثكم به نعيم بن مسعود لهو الحق. إنا والله لا ندفع إليكم رجلاً واحداً من رجالنا، فقالت بنو قريظة إن الذي ذكر لكم نعيم لهو الحق ومن هنا انتسب نعيم للفرقة في صفوف الأحزاب.

نقطة هامة:

جواز انغماس المسلم في صفوف الكفار إن كان في ذلك مصلحة للمسلمين.

يقول ابن تيمية في الفتاوي 28/540-541 وقد روى مسلم في صحيحه عن النبي قصة أصحاب الأخدود .. وفيها أن الغلام أمر بقتل نفسه لأجل مصلحة الدين ولهذا جَوَّز الأئمة الأربعة أن ينغمس المسلم في صف الكفار وإن غلب على ظنه أنهم يقتلونه إذا كان في ذلك مصلحة للمسلمين. انتهى. ويعني كلام ابن تيمية جواز انغماس المسلم في صفوف الجيش الكافر وإن أدى ذلك إلى قتله حتى قبل أن يرى بعينه الفائدة من انغماسه.

 

الدعوة قبل القتال

 

جواز الإغارة على الكفار الذين بلغتهم دعوة الإسلام من غير إنذار .. روى الإمام مسلم عن ابن عون قال: كتبت إلى نافع أسأله عن الدعاء قبل القتال قال فكتب اليّ: إنما كان ذلك في أول الإسلام قد أغار رسول الله على بني المصطلق وهم غارون وأنعامهم تسقى على الماء فقتل مقاتلهم وسبى سبيهم، وأصاب يومئذ ( قال يحيى: أحسبه قال ) جويرية ( أو قال البتة ) ابنة الحارث.

 

الشرح: قال النووي: في هذا الحديث جواز الإغارة على الكفار الذين بلغتهم الدعوة من غير إنذار بالإغارة وفي هذه المسألة ثلاثة مذاهب حكاها المازري والقاضي .. أحدها يجب الإنذار مطلقاً قال مالك وغيره .. وهذا ضعيف .. والثاني لا يجب مطلقاً وهذا أضعف منه أو باطل .. والثالث يجب إن لم تبلغهم الدعوة ولا يجب إن بلغتهم لكن يستحب وهذا هو الصحيح وبه قال نافع مولى ابن عمر والحسن البصري والثوري والليث والشافعي وأبو ثور وابن المنذر والجمهور .. قال ابن المنذر وهو قول أكثر أهل العلم .. انتهى. صحيح مسلم شرح النووي 12/35-36

 

 

جواز تبييت الكفار ورميهم وإن

أدى ذلك إلى قتل ذراريهم

 

عن ابن عباس عن الصعب بن جثامة قال قلت: يا رسول الله إنا نُصيب في البيَات من ذراري المشركين ( ذريتهم ) قال: هم منهم .. رواه مسلم

الشرح: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حكم صبيان المشركين الذين يُبيتون فيصاب من نسائهم وصبيانهم بالقتل فقال هم من آبائهم أي لا بأس لأن أحكام آبائهم جارية عليهم في الميراث وفي النكاح وفي القصاص وفي الديات وغير ذلك، والمراد إذا لم يُ تَ  عمدوا من غير ضرورة. انتهى .. صحيح مسلم شرح النووي 12/49

 

الكف عن قصد النساء والرهبان والشيوخ بالقتل

 

عن ابن عمر قال: وُجِدَت امرأة مقتولة في بعض مغازي النبي فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والصبيان ( رواه الجماعة إلا النسائي ).

 

ويروي أحمد وأبو داود أنه في إحدى الغزوات مر رسول الله على مقتولة مما أصابت المقدمة فوقفوا ينظرون إليها يعني وهم يتعجبون من خَلْقها حتى لحقهم رسول الله فقال: ما كانت هذه لتقاتل ، فقال لأحدهم الحق خالداً فقل له: لا تقتلوا ذرية ولا عسيفاً ( أي أجيراً ). وحديث ابن عباس السابق في جواز قتل الذراري لا يتناقض مع هذا الحديث حيث أن لكل منهما حالة تختلف عن الأخرى.

 

جواز قطع أشجار الكفار وتحريقها

روى الإمام مسلم عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  حرق نخل بني النضير وقطع وهي البُوَيرَة. زاد قتيبة وابن رمح في حديثهما فأنزل الله عز وجل: }  ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزي الفاسقين {  الحشر: 5  قال النووي في شرح الحديث: جواز قطع شجر الكفار وإحراقه. صحيح مسلم شرح النووي 12/50

 

أخرج البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ( بعث النبي  سرية عيناً وأمَّر عليهم عاصم بن ثابت رضي الله عنه .. فانطلقوا حتى إذا كانوا بين عُسفان ومكة ذُكروا لِحَيٍّ من هذيل يقال لهم بنو لحيان فتبعوهم بقريب من مائة رام، فاقتصوا آثارهم حتى أتوا منزلاً نزلوه .. فلما انتهى عاصم وأصحابه لجأوا إلى فدفد ، وجاء القوم فأحاطوا بهم فقالوا: لكم العهد والميثاق إن نزلتم إلينا أن لا نقتل منكم رجلاً. فقال عاصم: أما أنا فلا أنزل في ذمة كافر، اللهم خبر عنا نبيك، فقاتلوهم حتى قتلوا عاصماً في سبعة نفر بالنبل. وبقي خبيب وزيد ورجل آخر رضي الله عنهم، فأعطوهم العهد والميثاق، فلما أعطوهم العهد والميثاق نزلوا إليهم، فلما استمكنوا منهم حلوا أوتار قسيهم فربطوهم بها. فقال الرجل الثالث الذي معهما: هذا أول الغدر، فأبى أن يصحبهم فجرَّروه وعالجوه على أن يصحبهم فلم يفعل فقتلوه وانطلقوا بخبيب وزيد حتى باعوهما بمكة، وذكر قصة قتل خبيب إلى أن قال: استجاب الله لعاصم بن ثابت يوم أصيب. فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه خبرهم وما أصيبوا.

 

لقد تركنا الكثير جداً من المسائل التي جوّز فيها فقهاء المسلمين التقية بغية للاختصار ، كتجويزهم التقية مثلاً في : الصدقة ، والاقرار ، والنكاح ، والاجارة ، والمباراة ، والكفالة ، والشفقة ، والعهود ، والتدبير ، والرجعة ـ بعد الطلاق ـ والظهار ، والنذر ، والايلاء ، والسرقة ، وغيرها من الفروع الشرعية . راجع في ذلك بدائع الصنائع 7 : 175 ـ 191 . والمحلّى 8 : 331 ـ 335 مسألة : 1406 وغيرهما مما ذكرناه من مصادر الفقه 

عودة