بحث ثاني اختلاف الأمة الواحدة في البيئة والثقافة قد يجر إلى اختلاف في العقيدة .

 

كان اتباع المسيح في  أورشليم  وفلسطين كلهم من اليهود، في بدء الدعوة .

وكما كان المسيح ، مع دعوته بالإنجيل ، يمارس الشريعة الموسوية ، كان الرسل صحابته في دعوتهم للمسيحية يمارسون الشريعة الموسوية ؛ فيترددون على الهيكل ، ويحفظون الأعياد اليهودية ، ويحافظون على الختان ، والصوم وسائر أحكام التوراة ، لأنها أمست جزاءً من قوميتهم.

 فكانوا كل يوم يلازمون الهيكل بنفس واحدة (اع 2:46) ؛ ويصعدون إلى الهيكل للصلاة في أوقاتها ( اع 3 : 1) ؛ وخارج أورشليم يقيمون الصلاة  الإسرائيلية بأوقاتها ( اع 10 : 9) ؛ وكان المتحررون منهم مثل بولس يحافظون على عوا ئدهم كالنذر التوراتي ( اع 18: 18) .

وكانوا يعيدون  مع اليهود أعياد الفصح  ( اع 20 : 6 ) . وهذه صورة كاملة للحياة  النصرانية اليهودية ، في حوار يعقوب ،  أسقف أورشليم ، مع بولس الرسول الذي كان يدعوا إلى التحرير من الشريعة الموسوية . قال يعقوب ، زعيم النصرانية ، لبولس ، زعيم المسيحية : ( أيها الأخ أنت ترى كم  ربوة من اليهود الذين آمنوا وهم جميعا غيورون للناموس. وقد أخبروا عنك انك تعلّم جميع اليهود الذين بين الامم الارتداد عن موسى قائلا ان لا يختنوا اولادهم ولا يسلكوا حسب العوائد.

فاذا ماذا يكون. لا بد على كل حال ان يجتمع الجمهور لانهم سيسمعون انك قد جئت. فافعل هذا الذي نقول لك. عندنا اربعة رجال عليهم نذر. خذ هؤلاء وتطهر معهم وانفق عليهم ليحلقوا رؤوسهم فيعلم الجميع ان ليس شيء مما أخبروا عنك بل تسلك انت ايضا حافظا للناموس. واما من جهة الذين آمنوا من الامم فارسلنا نحن اليهم وحكمنا ان لا يحفظوا شيئا مثل ذلك سوى ان يحافظوا على انفسهم مما ذبح للاصنام ومن الدم والمخنوق والزنى. حينئذ اخذ بولس الرجال في الغد وتطهر معهم ودخل ) . أعمال 21 : 17- 27.

هذه الصورة تظهر لنا ان اتباع المسيح من اليهود ، وعلى رأسهم آل البيت ، كانوا يقيمون التوراة والإنجيل معاً ؛ وينادون بالايمان بموسى وعيسى معا؛ ويرفعون شعار العماد والختان معا .

هذا محور عقيدتهم ، الذي يظهر تشيعهم (النصراني) لأهل بيت المسيح وتوراة موسى ، على حساب الرسل ، صحابة المسيح ، وعلى حساب حقيقة الإنجيل ، كما نرى في رسائل العهد الجديد إليهم

بدأت المشاكل تظهر عندما آمن بعضهم من الأميين المشركين .

وشريعة التوراة ، قبل القران : ( إنما المشركون نجس) ! وعلامة شركهم انهم غير مختوني! فهل يصح لليهودي النصراني  ان يجتمع بالمسيحي من اصل وثني ، ويدخل بيته ، ويأكل معه ؟ فاحتاج بطرس (ولما صعد بطرس إلى اورشليم خاصمه الذين من أهل الختان . قائلين انك دخلت إلى رجال ذوي غلفة واكلت معهم) . اعمال 11 : 1-3

 

فشرح لهم بطرس انه فعل ذلك بأمر رباني ، وثبته الله بحلول الروح القدس على المهتدين من الامميين ، كما حل على الرسل أنفسهم ! ( فلما سمعوا ذلك سكتوا وكانوا يمجدون الله قائلين إذا أعطى الله الأمم أيضا التوبة للحياة) اع 11 : 17-18.

 فالمشكل الأول الذي واجه الجماعة المسيحية هو المؤالفة بين أهل الكتاب وألاميين في الايمان بالمسيح : هل المهتدي إلى المسيح من الأمم عليه ان  يتهود مع ايمانه بالمسيح حتى تصح مسيحيته؟.

انتشرت الدعوة المسيحية بين الأميين ، وتكاثر عدد المسيحيين من الأمم حتى فاق عدد أهل الكتاب من اليهود المتنصرين . كانوا يهتدون دون ان يتهودوا ويخضعوا لشريعة موسى والختان . فظهر بين اتباع المسيح سلوك في الحياة المسيحية متعارض : النصارى اليهود ظلوا يقيمون شريعة موسى مع العماد والايمان بالمسيح ؛ والمسيحيون من الأمم يعتنقون المسيحية من دون اليهودية وشريعتها . وسرعان ما ذر الشقاق قرنه بين العنصرين المؤمنين ايمانا واحدا : ما هو موقف الدعوة المسيحية  من الشريعة الموسوية ؟ . جاء الجواب مختلفا ، باختلاف البيئة ؛ فالنصارى اليهود يقولون بإقامة التوراة والإنجيل معا بلا تفريق ؛ والمسيحيون من الاميين يقولون بالإنجيل وحده من دون الشريعة الموسوية والختان .

وتزعم مقالة النصارى ال بيت المسيح ، وعلى رأسهم أبناء قلوبا ، عم المسيح بحسب البشرية ، الذين كانوا يسمونهم لهذه القرابة (اخوة الرب)؛ وكانت منزلتهم عندهم تضاهي منزلة الرسل ، صحابة المسيحولذلك أمروهم أساقفة  عليهم في أورشليم من دون الرسل أنفسهم . فكان زعيمهم وزعيم ال بيت المسيح ، يعقوب (أخو الرباول أسقف على أورشليم ، بوجود الرسل أنفسهم .وبدأ يظهر تشيعهم للشريعة ولآل بيت المسيح ، على حساب المسيحية العامة ، عند هداية جماعة الفريسيين ( اع 15: 5) .

وتزعم مقالة المسيحيين من غير أهل الكتاب بولس ، رسول الأمم ، منذ هدايته وبعثته .

فكان في رسالاته ورسائله ، إيلافاً  للدعوة المسيحية بين الأمم غير الكتابية ، يدعو إلى تحرير المسيحية من اليهودية وشريعتها وختانها .

كان لكل فريق حججه في تأييد نظريته .

عودة للفهرس