عدم تحريف الكتاب المقدس

مقدمة

 التعريف بالكتاب المقدس

 محتويات الكتاب المقدس

 وحي الكتاب المقدس

 الاعتراضات والرد عليها

 إنجيل واحد أم أربعة؟

 أدلة عدم تحريف الكتاب المقدس

 أدلة عدم نسخ [أي تغييره] الكتاب المقدس

الخاتمة

 

عودة للرئيسية

الباب الثالث

عدم نسخ القرآن للإنجيل

 

 لقد بدأنا مناقشة قضية صحة الكتاب المقدس وعدم تحريفه وأثبتنا ذلك من خلال:

1ـ شهادة الكتاب المقدس نفسه عن عدم تحريف أي حرف منه.

2ـ شهادة القرآن الكريم على عدم تحريف الكتاب المقدس.

3ـ شهادة المنطق لاستحالة تحريف الكتاب المقدس فيكل بلاد العالم وبين الفرقاء.

4ـ شهادة علم الآثار عن عدم تحريف الكتاب المقدس.

5ـ شهادة علماء الإسلام على عدم تحريف الكتاب المقدس.

 

    وفي هذا الباب نناقش قضية أخرى وهي: هل نسخ القرآن الإنجيل؟ بمعنى هل ألغاه وحل محله؟؟

الواقع أن مناقشة هذا الموضوع سوف تضطرنا لطرح عدة أسئلة جوهرية:

السؤال الأول: ما هو مفهوم النسخ في لغة القرآن؟

السؤال الثاني: كيف ينسخ القرآن الإنجيل وهو الذي صدق عليه؟

السؤال الثالث: كيف ينسخ القرآن الإنجيل وهو يأمر النبي محمد والمسلمين بالرجوع إليه؟

السؤال الرابع: كيف ينسخ القرآن الإنجيل وهو يأمر النصارى بأن يحكموا بما فيه؟

السؤال الخامس: كيف ينسخ القرآن الإنجيل وهو يأمر بإقامة شرائعه؟

السؤال السادس: أي كتاب يختص بالناسخ والمنسوخ؟

    دعنا نناقش هذه الأسئلة بهدوء ومنطق سليم مبني على آيات القرآن الكريم وأقوال علماء الإسلام الأفاضل.

 

الفصل الأول

ما هو مفهوم النسخ في لغة القرآن

 

أولا: يذكر الإمام جلال الدين السيوطي في كتابه (الإتقان الجزء الثاني ص 20و21) عن معاني النسخ فيقول: "يرد النسخ في القرآن الكريم:

(1) بمعنى الإزالة. ومنه قوله في سورة الحج (52): ""وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنَّى، ألقى الشيطان في أمنيته، فينسخ الله ما يلقي الشيطان، ثم يُـحكِّـم الله آياته، والله عليم حكيم"

(2) وبمعنى التبديل، في سورة النحل (101) "وإذا بدلنا آية مكان آية، والله أعلم بما ينزل، قالوا: إنما أنت مفتر! بل أكثرهم لا يعلمون"

(3) وبمعنى التحويل. (في آخر سورة الأنفال) كتناسخ المواريث من واحد إلى واحد.

(4) وبمعنى النقل: من موضع إلى موضع، فتقول "نسخت الكتاب" أي نقلت ما فيه حاكيا للَفْظِهِ وخطِّه. يشهد بذلك قوله تعالى في سورة الجاثية (28)  "إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعلمون"

 

ثانيا: ويوضح الإمامان الجلالان القصد من الآية الأولى التي ذكرها السيوطي عن معنى النسخ أي الإزالة من واقع الآية الواردة في سورة الحج (52) التي تقول "وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنَّى، ألقى الشيطان في أمنيته، فينسخ الله ما يلقي الشيطان، ثم يُـحكِّـم الله آياته، والله عليم حكيم"

 يفسر الإمامان الجلالان هذه الآية قائلين: "معنى تمنى أي قرأ. ومعنى أمنيته: أي قراءته. وقد قرأ النبي صلى الله عليه وسلم في سورة النجم بمجلس من قريش، بعد الكلمات "فرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى" بإلقاء الشيطان على لسان الرسول من غير علمه صلى الله عليه وسلم "تلك الغرانيق العلى، وإن شفاعتهن لترتجى" ففرحوا بذلك، ثم أخبره جبريل بما ألقاه الشيطان على لسانه من ذلك فحزن، فسُلِّىَ بهذه الآية.

ثالثا: سورة البقرة (106) "ما ننسخ من آية أو ننسها نأتي بخير منها أو مثلها "

يقول الجلالان: "نزلت هذه الآية لما طعن الكفار في النسخ وقالوا إن محمدا يأم أصحابه اليوم بأمر وينهي عنه غدا"

تعليق:

  من كل ما تقدم نرى أن النسخ يختص بآيات القرآن الكريم لا غير، فلا توجد آية واحدة في القرآن ولا حديث واحد من الأحاديث الشريفة تقول أن القرآن ينسخ الإنجيل.

 

الفصل الثاني

كيف ينسخ القرآن الإنجيل

وهو الذي صدق عليه؟

    كيف يجرؤ إنسان عاقل أن يقول أن القرآن قد نسخ الإنجيل فهو بقوله هذا يطعن في قرآنه الذي يذكر صراحة في مواضع عديدة أنه جاء مصدقا للتوراة والإنجيل. وإليك بعض تلك الآيات على سبيل المثال لا الحصر:

1ـ سورة يونس (37) "وما كان هذا القرآن أن يُفترى من دون الله ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين"

2ـ سورة المائدة (46) "وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه"

3ـ سورة الأنعام (92) "وهذا كتاب أنزلناه بالحق مبارك مصدق الذي بين يديه"

4ـ سورة فاطر (31) "والذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحق مصدقا لما بين يديه"

5ـ سورة الأحقاف (12) "ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة، وهذا كتاب مصدق لسانا عربيا"

6ـ سورة الأحقاف (31) "إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه"

7ـ سورة يوسف (11) "وما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه"

8ـ البقرة (91) "وهو الحق مصدقا لما بين يديه"

9ـ سورة البقرة (97) "نزله على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه"

10ـ سورة آل عمران (3) "نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه"

 

تفسير الإمام البيضاوي لتعبير مصدقا لما يديه وتصديق الذي بين يديه يقول: "جاء تصديقا أي مطابقا لما تقدمه من الكتب الإلهية المشهود على صدقها فهو شاهد على صحتها".

    فمن يعقل أن القرآن الذي يصدق على صحة التوراة والإنجيل يمكن أن ينسخهما؟؟!!

 

الفصل الثالث

كيف ينسخ القرآن الإنجيل

وهو يأمر النبي محمد والمسلمين بالرجوع إليه؟

 

أولا: الله يحيل النبي محمد إلى الكتاب المقدس ليزيل ما عنده من شك في القرآن:

فقد جاء في سورة يونس (94): "فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين  يقرأون الكتاب من قبلك"  

ما معنى هذا الكلام؟ معناه أنه إن كان محمد في شك من القرآن الذي أنزل إليه، فعليه أن يسأل اليهود والنصارى الذين عندهم الكتاب من قبله، وفي هذا شهادة لعدم نسخ القرآن لكتاب اليهود والنصارى، وإلا ما قيل له أن يسألهم، لأنه منطقيا كيف يسأل أصحاب كتاب منسوخ؟

 

ثانيا: ويأمر النبي محمد بالاقتداء بالكتاب المقدس والأنبياء الذين هداهم:

وقد جاء في سورة الأنعام (90) "وأولئك الذين آتيناهم الكتاب والحُكْم والنبوة أولئك الذين هدى الله، فبهداهم اقْتدِه"

ويوضح مجمع اللغة العربية في المعجم الوسيط معنى كلمة اقتده بالقول: [يفعل مثل فعله أي يقتدي به وفي التنزيل العزيز "فبهداهم اقتده"] (المعجم الوسيط الجزء الثاني ص 720)

فلو كان الكتاب المقدس منسوخا فكيف يأمره أن يقتدي بهداه؟؟؟

ثالثا: ويأمرهم بالرجوع إلى أهل الذكر أي أهل الكتاب ليتعلموا منهم إن كانوا لا يعلمون!

سورة النحل (43): "وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم، فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون بالبينات والزبر"

رابعا: والنبي محمد نفسه يشهد للتوراة والإنجيل قائلا في:

سورة القصص (49): "قل: فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما فأتَّبعُه "

ما أقوى هذه الشهادة!! ففي هذه الآية القرآنية الكريمة: أن الكتاب المقدس (التوراة والإنجيل) هو من عند الله. وأنه صادق ليتبعه محمد، وهي شهادة كافية لإثبات عدم نسخه.

فلو كان الكتاب منسوخا هل كان يأمرهم بالرجوع إلى أهل الكتاب وهل كان النبي يشهد له بهذا الكلام؟؟؟

 

الفصل الرابع

كيف ينسخ القرآن الإنجيل

وهو يأمر أهل الكتاب بأن يحكموا بما فيه؟

 

1ـ سورة البقرة (212) "كان الناسُ أمةً واحدةً فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه"

    فالكتاب أنزل للنبيين ليحمكوا بين الناس بما فيه، فكيف يقول قائل إن القرآن ينسخه

2ـ سورة المائدة (68): "قل: يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم".  فهو هنا يطلب من اليهود والنصارى أن يحكموا التوراة والإنجيل ويقول بما أنزل الله فيهّ!!!! أليس في هذا شهادة قوية على أن القرآن لم ينسخ التوراة والإنجيل؟؟؟

3ـ سورة المائدة (43):

       "وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله".

4ـ سورة المائدة (44) "إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون والربانيون والأحبار "

5ـ المائدة (47):  "وليحكم أهل الإنجيل بما انزل الله فيه ومن لا يحكم بما أنزل الله فيه فأولئك هم الفاسقون".

     وهذه الآية أيضا تشهد بعدم نسخ القرآن الكتاب المقدس لأن النبي محمد يستشهد به ويطلب من النصارى أن يحكموا بما أنزل الله فيه.

      فإن كان الكتاب المقدس منسوخا فكيف كان النبي محمد يستشهد به. هل يستشهد بكتاب منسوخ؟؟؟ أليس استشهاده بالكتاب المقدس دليل على أنه لم ينسخ؟؟؟ بل قال   ما هو أكثر من هذا قال: "ومن لا يحكم بما أنزل الله فيه فأولئك هم الفاسقون"!!!!

    كيف إذن يدعون أن القرآن نسخ الكتاب المقدس

6ـ سورة المائدة (71) "قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم"

سورة المائدة (69) "ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم"

  

   القرآن يشجع أهل الكتاب أن يقيموا التوراة والإنجيل فكيف يجرؤ أحد أن يقول أنه نسخهما؟؟!!

 

الفصل الخامس

كيف ينسخ القرآن الإنجيل

وهو يأمر بإقامة شرائعه؟

سورة المائدة (48): " لكل جعلنا منكم شِـرْعَـةً ومنهاجا، ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة"

2ـ يقول الإمامان الجلالان: "لكل جعلنا منكم أيها الأمم شريعة وطريقا واضحا في الدين تمشون عليه ولو شاء الله لجعلكم على شريعة واحدة، ولكن فرَّقكم فرقا ليختبركم فيما أتاكم من الشرائع المختلفة، لينظر المطيع منكم والعاصي، فسارعوا إلى الخيرات"

فالقرآن يأمر أهل التوراة بشرعها، وأهل الإنجيل بشرعة، وأهل القرآن بشرعه.

فهل بعد هذا يقولون أن القرآن نسخ الكتاب المقدس !!!

3ـ سورة الشورى (13): "شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا، والذي أوحينا إليك، وما وصينا به ابراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه"

4ـ وفسره الإمام البيضاوي: "أي شرع لكم من الدين، دين نوح ومحمد وما بينهما من أرباب الشرع وهو الأصل المشترك وأقيموا الدين وهو الإيمان بما يجب تصديقه والطاعة في أحكام الله"

    فكيف ينسخ القرآن شرع الكتاب المقدس وهو يعترف به؟؟

5ـ سورة النساء (25): "يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم"

6ـ فسره الجلالان: "سنن الذين من قبلكم أي طرائق الأنبياء في التحريم والتحليل"

واضح جدا أن القرآن يبين للعرب طرائق الأنبياء وشرعهم في التحريم والتحليل فكيف يدعى جاهل أنه نسخ الكتاب المقدس بما فيه من شرع؟؟

7ـ والدليل على أن القرآن لم ينسخ شرائع الكتاب المقدس أن النبي محمد حكم بشريعة الرجم التي أقرتها التوراة على الزاني والزانية اللذين من خيبر كما جاء في سورة المائدة (48) "فاحكم بينهم بما أنزل الله"

يقول الإمام الزمخشري: "روي أن شريفا من خيبر زنى بشريفة، وهما محصنان، وحكمهما الرجم بحسب التوراة. فرفضوا رجمهما لشرفهما، فبعثوا رهطا منهم ليسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وقالوا إن أمركم محمد بالجلد والتحميم فاقبلوا. وإن أمركم بالرجم فلا تقبلوا. وأرسلوا الزانيين معهم. فأمرهم النبي بالرجم. فأبوا أن يأخذوا به، فجعل بينه وبينهم حكما هو الحبر اليهودي ابن صوريا فشهد بالرجم" وقالوا في ختام القصة أن النبي بعد شهادة الحبر اليهودي ابن صوريا أمر برجمهما. فرجموهما عند باب المسجد، لإقامة حد التوراة عليهما. وهكذا أجمع المفسرون أن أسباب نزول هذه الآية في سورة المائدة هو هذه القصة. وهكذا أقر النبي محمد شرع التوراة الذي هو الرجم ولم ينسخه.

 

   وجاء في الجلالين "نزلت هذه الآية في اليهود إذ زنى منهم اثنان، فتحاكموا إلى النبي، فحكم عليهما بالرجم. فجيء بالتوراة، فوجد فيها الحكم بالرجم، فغضبوا"

     إن استشهاد النبي محمد بحكم التوراة هو دليل أكيد على أن الكتاب المقدس لم ينسخ.

الفصل السادس

أي كتاب يختص بالناسخ والمنسوخ؟

 

هذا سؤال في منتهى الأهمية. ينبثق منه عدة أسئلة:

1ـ هل الناسخ والمنسوخ موجود في التوراة؟

2ـ وهل هو موجود في الإنجيل؟

3ـ أو أن المقصود من الناسخ والمنسوخ هو أن القرآن ينسخ ما قبله من كتب؟

4ـ أم أن الناسخ والمنسوخ يقتصر على آيات القرآن الكريم فيما بينها؟

الناسخ والمنسوخ يختص بالقرآن فقط

 

    الواقع أننا لو درسنا آيات الناسخ والمنسوخ نجدها تخصص هذا الكلام على آيات القرآن فيما بينها ولا علاقة لها بالتوراة والإنجيل لا من قريب ولا من بعيد، فإليك الآيات القرآنية الكريمة، ثم شهادة علماء الإسلام على ذلك:

 

1ـ  سورة النحل (101) "وإذا بدلنا آية مكان آية، والله أعلم بما ينزل، قالوا: إنما أنت مفتر! بل أكثرهم لا يعلمون"

     واضح من هذه الآية أن المقصود هو تبديل آيات القرآن الكريم.

 

سورة الحج (52) التي تقول "وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنَّى، ألقى الشيطان في أمنيته، فينسخ الله ما يلقي الشيطان، ثم يُـحكِّـم الله آياته، والله عليم حكيم"

 يفسر الإمامان الجلالان هذه الآية قائلين: "معنى تمنى أي قرأ. ومعنى أمنيته: أي قراءته. وقد قرأ النبي صلى الله عليه وسلم في سورة النجم بمجلس من قريش، بعد الكلمات "فرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى" بإلقاء الشيطان على لسان الرسول من غير علمه صلى الله عليه وسلم "تلك الغرانيق العلى، وإن شفاعتهن لترتجى" ففرحوا بذلك، ثم أخبره جبريل بما ألقاه الشيطان على لسانه من ذلك فحزن، فسُلِّىَ بهذه الآية.

3ـ سورة البقرة (106) "ما ننسخ من آية أو ننسها نأتي بخير منها أو مثلها "

  يقول الجلالان: "نزلت هذه الآية لما طعن الكفار في النسخ وقالوا إن محمدا يأمر أصحابه اليوم بأمر وينهي عنه غدا"

4ـ الإمام جلال الدين السيوطي يقول في كتابه الإتقان الجزء الثاني ص 22: "النسخ هو مما خص الله به هذه الأمة" (يقصد الأمة العربية [ كنتم خير أمة أظهرت للناس (آل عمران 110)])