الإسـلام والآخـر

"مسألة حُرِّيَة الاعتقاد"

" ... لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ.."

(المائدة : 105)

 "إن العقائد لا تموت بمجرد شَن هجوم عليها، وإنّما تموت العقائد عندما تبرهن عن عدم صلاحيتها"

أوغيست كونت

(التراث والحداثة للدكتور محمد عابد الجابري (مفكر مغربي)- ص117- الطبعة الأولى يوليو 1991- مركز دراسات الوحدة العربية- بيروت – لبنان- ص.ب: 6001/113) 

الفهرس

الموضوع                                      الصفحة

مقدمة (1)                                                          3

مقدمة (2)                                                          6

حرية الاعتقاد                                                     7

مبدأ حُرِّيَة الاعتقاد في القرآن                                       8

أنبياء الله وحرية الاعتقاد                                          11

الجهاد القتالي في القرآن والسُّنّة                                   14

أولاً: القرآن                                                        14

ثانياً: السُّنَّة                                                       20

الجِزيَة ومَدَى تعارُضها مع حرية الاعتقاد                        22

الرِّدَّة وحُرِّيَة الاعتقاد                                             27

الإكراه ولمحات من التاريخ                                      29

القرآن بين الإسلام والإيمان!!                                    40

ختام                                                                          44

موضوع الإسلام والآخر يطول شرحُه، لكننا سنقتصر هنا على جانب حُرّية الاعتقاد وهو الأهَمّ.

مقدمة (1) ..

] - "الله خلق الناس مختارين حتّى يعبدوه عن حُبّ، لأنه لا يريد قوالب تخضَع وإنّما يريد قلوباً تخشَع".

  - "ذلك لأن الله سبحانه وتعالى يحب أن يحبه عبده ويُقبِل عليه مختاراً غير مُجبَر، ويتمَنّى الحق تبارك وتعالى أن يحبه عبده ويتعلق به وهو قادر على عِصيانه والابتعاد عن جادته".

  - " لا يستطيع أحد أن يجبر قلب إنسان على الحب ولا أحد يمكن أن يصدر أمراً يقول (أحبني)

                إذن فالعقائد لا إكراه عليها" [

الشيخ محمد متولي الشعراوي

       (إمام الدعاة في القرن العشرين)

(جريدة اللواء الإسلامي 19/7/2001- ص11. انظر أيضاً كتاب الفتاوى ]1-10[ للشيخ الشعراوي- ص76- مكتبة القرآن- القاهرة- عابدين- ج2- رقم الإيداع: 5061/1981)

" دعوة الدين دعوة إلى الله تعالى، وقوام تلك الدعوة لا يكون إلا البيان، وتحريك القلوب بوسائل التأثير والإقناع.. فأمّا القوة والإكراه فلا يُناسِبان دعوة يكون الغرض منها هداية القلوب، وتطهير العقائد."

   الشيخ علي عبد الرازق

       (قاضي شرعي)

(الإسلام وأصول الحكم- للشيخ علي عبد الرازق- دراسة ووثائق بقلم د. محمد عمارة (عضو مجمع البحوث الإسلامية)- ص147- الطبعة الأولى 1972- المؤسسة العربية للدراسات والنشر- بيروت)

"إن الدين كعقيدة راسخة في كيان الإنسان لا إكراه عليها، ولا تُباع ولا تُشتَرَى، لأنها مرتبطة بالقلب وبالذات الإنسانية، وما كان كذلك لا سلطان لشيء من القُوَى الخارجية عليه،...

والإكراه معناه : إجبار الغير على قَولٍ أو فِعلٍ لا يريده، عن طريق التخويف أو التعذيب أو ما يُشبِه ذلك."

ليس في الدين الذي هو تصديقٌ بالقلب، وإذعانٌ في النّفْس، إكراهٌ أو إجبار، وإنّما الذي فيه هو الاختيار المُطلَق، والرّضا التام بما يطمئن إليه قلب الإنسان من اعتقاد"

فضيلة الإمام الأكبر

                                                               د. محمد سيد طنطاوي

    شيخ الأزهر

(جريدة الأهرام 29/3/2001- ص10

        " فليس الإكراه على الاعتقاد إذن من الإسلام في شيء، لأنه ينافي مبادئه من ناحية، ولا يؤدي غرضه من ناحية أخرى، إذ لا ينشأ عنه إيمان أو اعتقاد مقبول.. والإكراه فوق أنه مَنهِيّ عنه من ناحية المبدأ، هو عديم الجدوى من ناحية الاعتقاد ومن ناحية العمل، وذلك لأن الإكراه هو أن تُلجِئ غيرَك إلى الأخذ بما لا يراه ولا يؤمن به، ومن الهَيِّن أن تجعل غيرَك يعمل بما تُحِب، ولكن من العسير – إن لم يكن من المستحيل – أن تجعله يعتقد رغم أنفه... وإن الدين الإسلامي لا يقبل إلاّ الإيمان الذي انبعث عن طمأنينة قلبية، وعن اختيار، لا عن إكراه أو إجبار"

 فضيلة د. محمود حب الله

   (أستاذ فضيلة د. محمد سيد طنطاوي)

(جريدة الأهرام 5/4/2001- ص10)

"إن الله سبحانه وتعالى خلق أجناساً من البشر خاضعة لحُكْمِه، لا تستطيع أن تعصي له أمراً، خلق مخلوقات كالملائكة ليس لها خيار في "افعل ولا تفعل" وخلق الإنسان وأراد ان يميزه عن الخلق كله فأراد منه عبادة بالحُبّ، أن يُقبِل على عبادة الله سبحانه وتعالى مُحِبّاً لذلك، وهو يستطيع أن يكفُر، ويستطيع أن يعصَى، ولكن حبه لله يملأ قلبه فيأتي طائعاً مختاراً إلى الله سبحانه، ويُقدِّم له الود، هذا في رأيي هو فلسفة خلق الإنسان مع الاختيار، وأي نوع من القهر والقسر يُسقِط العمل تماماً ويُخرِجه عن معناه، ...

هذه هي فلسفة الإيمان في أعماقها. أن تأتي إلى الله طائعاً مُختاراً. فإن أراد أن يُنزل آية من السماء ليجعلنا جميعاً نعبده ليلاً ونهاراً لاستطاع.. ولكنه لا يريد ذلك؛ إنه يريد أن تأتي إليه طائعاً مختاراً... إذن عملية القهر في الإسلام مرفوضة تماماً.. سواء كان هذا القهر بالضرب أو بأي نوع من العقوبة. والإكراه مسقوط عنه الحساب في الإسلام.. حتى في الدين...

هل إذا أمسكنا عصا أو سكيناً وذهبنا إلى الذين لا يُصَلّون.. وجئنا بهم إلى المسجد وأمرناهم بالصلاة .. هل يكون لهم ثواب في هذا؟ أبداً !! ولا تُحسَب لهم صلاة.. لماذا؟ لأنهم أدَّوها خوفاً من العقاب البدني ولم يؤدوها خوفاً من الله سبحانه وتعالى، والله أسقَط هذا تماماً.. وقال " لا إكراه في الدين" .. وبالتالي فإن كل إكراه لأي إنسان يُسقِط الثواب.. إذن ماذا بقي في هذه العملية؟ بقي في هذا كله القدوة.."  

فضيلة د. موسى شاهين لاشين

(جريدة اللواء الإسلامي 26/5/1983- تحت عنوان: الدعوة إلى الله لا تكون بالعنف والقهر)

والعقل أداة التكليف.. يقول الإمام الغزالي في كتابه "المستصفَى" :

العقل أولاً والشرع ثانياً؛ ... ويقصد أن العقل يهتدي إلى الإيمان أولاً ثم بعد أن يؤمن يكون مستعداً لتقَبُّل أحكام الشّرع وهذا حق لأن الله أعز وأجل وأكرم من ان يفرض الإيمان به بالنص ولكنه يريد أن يحصل في قلب العبد، .. .

وإلغاء العقل يضيع الإيمان، والإيمان إذا ضاع ضاعت الحياة، فالعقل يساوي الحياة."

 د. عبد الله النجار

              (عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر)

(جريدة الجمهورية 30/11/2001- صفحة الفكر الإسلامي)

"للإنسان المُكَلَّف بتَبِعات أمانته ورشده، أن يحمل مسئولية عقيدته بإرادته الكسبية غير مُكرَه عليها. وقد ختمت رسالات الدين وتبين الرشد من الغَيّ...

" لأن العقيدة لا تكون عقيدة حتّى تصدر عن اعتقاد حُرّ"

د. بنت الشاطئ

        (أستاذ التفسير والدراسات العليا بكليات الشريعة)

(جريدة الأهرام 11/12/1999- ص18)

"وما ينبغي للدين أن يُكرَه الناسُ عليه إكراهاً ، وأن تفرضه القوة القاهرة على النفوس فرضاً، وإنّما هو ينبوع رحمة وحنان يجب أن تصبو النفوس إليه عن رِضا، وتهوي إليه القلوب عن محبة وشوق"

    د. طه حسين

(عميد الأدب العربي)

(على هامش السيرة- ج2- ص86- مكتبة الأسرة 1994- الهيئة المصرية العامة للكتاب- رقم الإيداع: 4945/1994- الترقيم الدولي: 3-3822-01-977)

"يجب أن يكون المسلم واليهودي والنصراني سواء في حرية العقيدة، وفي حرية الرأي وحرية الدعوة إليه. والحرية وحدها هي الكفيلة بانتصار الحق وبتقدّم العالم نحو الكمال في وحدته العليا، وكل حرب على الحرية تمكين للباطل ونشر لجيوش الظلام لتقضي على جذوة النور المضيئة في النفس الإنسانية، والتي تصل بينها وبين الكون كله، من أزله إلى أبده، صلة اتساق ومحبة ووحدة، لا صلة نفور وفناء .        

    د. محمد حسين هيكل

              (المفكر الإسلامي المشهور)

(حياة محمد – ص235- مكتبة الأسرة 2001- الهيئة المصرية العامة للكتاب- رقم الإيداع بدار الكتب: 9363/2001- الترقيم الدولي: 0-7234-01-977)

"ولا شك أنه لا خير فيمَن يظل مؤمناً بدينه على خوفٍ وعلى إكراه. فمَن أراد تغيير دينه حُراً مختاراً فإن دينه براء منه، لن يخسر بفقدانه شيئاً، بل الخسارة في بقائه مُلحِداً به في الباطن وهو في الظاهر يدّعي الإيمان (أي منافق)

والدولة التي تقوم على اساس الدين تعتبر في الفِكر السياسي – دولة عنصرية".

       المستشار محمد سعيد العشماوي

(أصول الشريعة للعشماوي- ص131، 132- الناشر مكتبة مدبولي الصغير – الطبعة الرابعة 1416هـ/1996م- رقم الإيداع: 9339/1995)

إذن..

"لا مسئولية بدون حرية"

د. محمد أحمد خلف الله

(القرآن ومشكلات حياتنا المعاصرة – ص105- الطبعة الأولى 1982- المؤسسة العربية للدراسات والنشر- بيروت- ص.ب: 5460/11)

مقدمة (2)

الحرية كمصطلح: عَرَّفَت الموسوعةُ العربيةُ العالميةُ الحريةَ بأنها :

الحالة التي يستطيع فيها الأفراد أن يختاروا ويقرروا ويفعلوا بوحيٍ من إرادتهم دونما أيَّة ضغوطٍ من أي نوع عليهم.

(حرية الاعتقاد في القرآن الكريم لعبد الرحمن حللي- ص19- الناشر: المركز الثقافي العربي- الدار البيضاء- المغرب- ص.ب: 4006 (سيدنا) – بيروت – لبنان- ص.ب: 5158/113- الحمراء)

وعَرَّفَتها الموسوعة الإسلامية المُيَسَّرَة بأنها: القدرة على الاختيار بين الممكنات بما يحقق إنسانيتي.                   (المصدر السابق- ص19)

ويرى الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور أن لفظ الحُرّيّة في كلام العرب أُطلِق على معنَيَين أحدهما ناشِئ عن الآخر، الأول: ضد العبودية وهي أن يكون تصرف الشخص العاقل في شؤونه بالأصالة تصرُّفاً غير متوقف على رِضَى أحد آخر، الثاني: ناشئ عن الأول بطريقة المجاز في الاستعمال وهو تَمَكُّن الشخص من التَّصَرُّف في نفسه وشؤونه كما يشاء دون مُعارِض.                         (المصدر السابق- ص18)

حرية الاعتقاد..

] معنى الاعتقاد: الاعتقاد مَصدَر (اعتقد) ، واعتقد كذا عقد عليه القلب والضمير ، أو من عقد بمعنى ربط الشيئ بالشيئ، ويأتي الاعتقاد بمعنى المُعتَقَد أي ما يعقد الإنسان ضميره عليه، ويُطلَق على التصديق مُطلَقاً جازماً أو غير جازم، مطابقاً للواقع أو غير مُطابِق، ثابتاً أو غير ثابت.فالاعتقاد هو اعتناق فكرة والتسليم بصحتها، ويقوم على اعتبارات اجتماعية أو وجدانية أو عقلية؛ وهو على درجات أقواها الراسخ الجازم الذي هو بمرتبة اليقين، وقد يكون ظناً، وفي أضيق معانيه التسليم بشهادة إنسان لا لشيء إلا لأننا نثق به.

وتُطلَق حرية الاعتقاد ويُقصَد بها أن يكون الشخص حُرّاً في اعتناق أيَّ دينٍ أو مبدأٍ يعتقد به، وكذلك حريته في عدم اعتناق دين أو مبدأ بالمَرَّة، أو أنها حق كل إنسان في عدم التَّعَرُّض للضغط والقمع أو حتّى لأي تدخُّل في شؤونه المتعلقة باعتناق دينٍ معيَّن، وبكلمات أخرى فإن هذه الحرية تعني حق كل فرد في الحصول على الحماية القانونية ضد إلزامه جسدياً أو معنوياً أو تهديده بهدف دَفعِه إلى تبَنِّي دين الآخرِين والتَّخَلِّي عن معتقداته، كما تعني هذه الحرية حق كل فرد في المجتمع في الحصول على الحماية ضد القَمع أو القسر في الشؤون الدينية...

وتتضمّن حرية العقيدة أيضاً حق كل إنسان في عدم الكشف عن معتقداته إذا رغب في ذلك، والحماية ضد أي ضغط في شؤونه الاجتماعية والاقتصادية بسبب انتمائه الديني.

وعَبَّر عنها آخر بقوله : (أن يَتَمَتَّعَ الإنسانُ بحق اختيار ما يوصله إليه تفكيره وتطمَئِنّ إليه نفسه من عقيدةٍ أو رَأْيٍ دون إكراهٍ؛ مع الأخذ بعَين الاعتبار احترام سلامة النّظام العام وأمن الدولة).

وقد عَبَّر البعض عن حُرّيّة الاعتقاد بالحُرّية الدينية وأنها:

حق الإنسان في اختيار عقيدته الدينية، فلا يكون لغيره من الناس سلطان عليه فيما يعتقده، بل له أن يعتقد ما يشاء، وله أن لا يعتقد في شيئ أصلاً، وله إذا اعتقد في شيء أن يرجع عن اعتقاده، وله أن يدعو إلى اعتقاد ما يعتقده في حدود ما تتيحه حرية الاعتقاد من الدعوة إلى ما يعتقده بالّتي هي أحسن؛ فلا يكون لغيره حق استعمال القوة معه في دعوته إلى عقيدته، ولا يكون لغيره حق استعمال القوة في إرجاعه إلى عقيدته إذا ارتد عنها، وإنّما هي الدعوة بالتي هي أحسن في كل الحالات.. وهي حرية مُطلَقَة لكل الأشخاص، وحرية مطلقة في كل الأديان، وحرية مطلقة في جميع الحالات على السّواء.

وعَبَّر آخر بقوله: (الحرية الدينية هي الحرية التي تقتضي أن يكون لكل إنسان اختيار كامل للعقيدة التي يعتنقها ويُقِرّ بها من غير ضغطٍ ولا إكراهٍ خارجي).

واعتبر آخر حرية الاعتقاد جزءاً من حرية الرأي التي عرفها بأنها: (حق الشخص في التعبير عن أفكاره ومشاعره باختياره وإرادته ما لم يَكُن في ذلك اعتداء على حق الغير) [.

(المصدر السابق- ص(20-22))

مبدأ حرية الاعتقاد في القرآن..

نَهَى القرآن عن الإكراه في الدّين وأباح حرية الاعتقاد في آيات عديدة نذكر منها:

·        " لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ " (البقرة : 256)

والإكراه لُغَوياً: " هو إلزام الغير فعلاً لا يرَى فيه خيراً يحمله عليه، أو هو الإجبار على الفعل من غير رِضَى، أو الحَمل على فِعل مَكروه، ويكون بتخويف فعل ما هو أشَدّ كراهيةً من الفعل المَدعو إليه ". (نقلاً عن البيضاوي)        (المصدر السابق- ص35)

" وذهب ابن الأنباري إلى أن الدّين ليس ما يَدين به الإنسان في الظّاهر على جهة الإكراه، إنّما الدّين هو المُعتَقَد في القلب، لأن ما هو دين في الحقيقة هو من أفعال القلوب أمّا ما يُكرَه عليه من إظهار الشهادتين فليس بدين حقيقة، كما أن مَن أُكرِه على الكُفر ليس بكافِر." (نقلاً عن ابن الجوزي في التفسير، وتفسير الطبرسي، والتبيان في تفسير القرآن لأبي جعفر محمد بن حسن (الطوسي)).                          (المصدر السابق- ص40)

ويقول حبنكة الميداني: أمّا الدين بمعنى إظهار الشهادتين فالإكراه عليه ممكن، ويكون حينئذٍ إكراهاً على النفاق الذي هو شر من الكُفر الصريح، ولا يُمكن أن يكون هذا من أحكام الإسلام.                             (المصدر السابق- ص44)

وقد ذهب فريق من المفسرين إلى اعتبار الآية عامّةً منسوخة (مُلغاة) بآيات القتال، وأنّها نزلت قبل فَرضِه وأنها من آيات المُوَادَعَة التي نُسِخَت ، وأصحاب هذا الرأي هُم: سليمان ابن مقاتل، وزيد ابن أَسلَم، والضّحّاك، والسّديّ، وابن زيد، وهو المرويّ عن ابن مسعود.                               (المصدر السابق- ص41)

·        " وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ " (يونس : 99)

جاء في التفاسير: الهمزة في قوله (أفأنت) للإنكار.

(المصدر السابق- ص50)

" وهذه الآية هي أول آية صريحة تنزل على النبي (ص) تنفي الإكراه في الدين، وقد أعقبت آيات سابقة تؤكّد طبيعة دعوة النبي (ص) وعلاقته بهم وأن لا سلطة له عليهم لكن سعيَه وتفانيه في سبيل إرشاد النّاس سيطر عليه وعلى عاطفته، فأنزل الله هذه بأسلوب تربوي فيه الإقناع المُشرب بالعِتاب، وكان في نزول هذه الآية تسلية للنبي (ص) وترويج لِما كان يحمله مِن هَمّ، ولِما كان يضيق به صَدرُه من طلب صلاح الكًل الذي لو كان بالإكراه لم يكُن صلاحاً محققاً بل كان إلى الفساد أقرب." (نقلاً عن البحر المحيط لابن حيان، ونظم الدرر للبقاعي، ولباب التأويل في معاني التنزيل للخازن).             (المصدر السابق- ص51)

يقول عبد الرحمن حللي: "يقرر الله سبحانه في هذه الآية مُتَعَلّق مشيئته بإيمان الناس وأنّه مرتبط بإرادتهم ولذلك خلقهم أحراراً غير مُجبَرين، ولو أراد إجبارَهم عليه لخَلَقَهم طائعين كالملائكة لا استعداد عِندَهُم لغير الإيمان، لكن الله لم يشأ ذلك لأنه يُنافي الحكمة التي بُنِيَ عليها أساس التكوين والتشريع في ابتلاء الناس وتركهم أحراراً في اختيارهم.

وإذا كان الأمر كذلك فلا ينبغي لك (يا محمد) أن تجتهد في طلب إيمانهم حتّى تكون كأنك تُكرِهُهم عليه، لأنك لا تقدر على إكراههم وإجبارهم على الإيمان إذ الإيمان الذي تريده منهم هو ما كان عن حُسن اختيار لا ما كان عن إكراه أو إجبار." (نقلاً عن تفسير الرازي).

(المصدر السابق- ص52)

يقول عبد الرحمن حللي أيضاً: يفيد النَّص حُكماً تكليفياً بمنع الإكراه في الإيمان، إذ جاء بأسلوب الاستنكار عقب بيان عِلّة مناسِبة لهذا الحُكم، وهي كَون الإكراه في الدّين يتنافَى مع مشيئة الله التي اقتضت أن يكون النّاس أحراراً مُختارين ، وليس من مُراد الله أن يجعل البشر صِنفاً واحداً بالقَهر، إذ هو قادر على ذلك لكِنّه لم يكرههم لأن الإكراه ينافي التكليف الذي أراده الله (ويُسقِط الثواب والعِقاب)، وقد أكَّدَت آيات كثيرة مشيئة الله هذه منها.

 ·        " وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا " (الأنعام : 107)

" وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً " (هود : 118)، هذا ويتضمّن النّص بيان طبيعة دعوة الرسول (ص) وهي الإرشاد والتبشير والإنذار ثم تركهم إلى عقولهم وضمائرهم من غير إكراه ولا إلحاح ولا تشديد". (نقلاً عن البحر المحيط لابن حيان، والتبيان للطوسي، والتفسير لأبي السعود والمراغي ودروزة).                (المصدر السابق- ص 51، 52) 

يقول صالح الورداني: "من هذه النصوص وغيرها يحدد القرآن أن حرية الاعتقاد مَطلَبٌ إنساني وحق من الحقوق التي يجب احترامها في ظِلِّ الحياة الدّنيا التي هي دار اختبار."

(دفاع عن الرسول للورداني- ص145- الطبعة الأولى 1997- تريدنكو للنشر- بيروت – لبنان- ص.ب: 5316/14)

وفي تفسير (الشعراء : 4): " إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ " 

قال ابن كثير :" أي : لو شِئنا لأنزلنا آية تَضْطَرّهم إلى الإيمان قَهراً، ولكننا لا نفعل ذلك، لأننا لا نريد من أحد إلا الإيمان الاختياري، وقال تعالى: ( وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ) (يونس : 99)، وقال : (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ) ( هود : 118، 119). "

(تفسير بن كثير (6/144، 145)- طبعة دار الشعب (8 مجلدات) – تحقيق العلماء (عبد العزيز غنيم- محمد أحمد عاشور- محمد إبراهيم البنّا).

وفي تفسير المُنتَخَب (المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بالأزهر) لآية (الشعراء : 4) جاء: " إن في قدرتنا أن نأتيهم بمعجزة تُلجِئهم إلى الإيمان ، فيخضعون لأمرِه، ويتم ما ترجوه، ولم نأتهم بذلك لأن سُنّتنا تكليف الناس بالإيمان دون إِلجاء، كي لا تفوت الحِكمة في الابتلاء، وما وراءه من ثواب وعقاب."

(المنتخب في تفسير القرآن الكريم (المجلس الأعلى للشئون الإسلامية)- ص542- الطبعة الثامنة عشر- 1416هـ/1995م- طبعة مؤسسة الأهرام)

أنبياء الله وحرية الاعتقاد..

من ناحية أخرى يخبرنا القرآن أن الأنبياء لا تُكرِه أحداً في الدين. فها هو نوح وهو من الخمسة الكِبار أُولِي العزم يُخاطِب قَومَه قائلاً:

" .. أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ " ( هود : 28)

جاء في تفسير الجلالين : (أنلزمكموها) أنجبركم على قبولها (وأنتم لها كارهون) لا نقدر على ذلك.

(تفسير الإمامين الجلالين – ص184- طبعة شركة الشمرلي- بتصريح من الأزهر الصادر برقم 297 بتاريخ 5/5/1977م)

وجاء في تفسير ابن كثير: (أنلزمكموها)، أي: نغصبكم بقبولها وأنتم لها كارهون.

(تفسير بن كثير (4/250) – مصدر سابق)

وجاء أيضاً في التفسير: (أنلزمكموها) إنكاري أي ما كان لنا ذلك لأن الله نهَى عن الإكراه في الدين. (نقلاً عن الطبري والزمخشري وأبو السعود وابن عاشور والقاسمي).

(حرية الاعتقاد في القرآن الكريم- ص56- مصدر سابق)

ويقول الشيخ مصطفَى عاصي: "والقرآن يقُصّ لنا من أخبار الماضين، ما يؤكد أن حرية الإنسان في اختيار دينه ومُعتَقَدِه أساس شَرَعَه الله وأَقَرَّه، حتّى ولو جاء الاختيار منافياً للإيمان كما قال تعالَى:

"ومَن شاء فليَكفُر". وهذه امرأة نوح وامرأة لوط " كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئاً " (التحريم : 10). فرغم أن المرأَتَين كانتا زَوجتَين لنبيَّين صالِحَين يدعوان الناس إلى الإيمان بالله تعالى وإسلام الوجه إليه.. فلم يستَطِع أحدٌ منهما إرغام زوجته على القبول بفكرة الإيمان وصوابها، وبقيَت كل منهما على كُفرِها وضلالها. ولم يثبت أن نوحاً أو لوطاً تَخَلّصا منهما أو أكرهاهما على شيئ لا تؤمنان به.. لأن الاعتقاد حق لكل إنسان بمفرده، والله – تعالَت حِكمَتُه – لا يحتاج إلى إيمان أُكرِه صاحبه عليه.. حتّى تبقَى دائرة الجزاء والثواب موقوفة على مسئولية الاختيار الحُرّ القائم على المبدأ القرآني : " مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكُ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ " (فُصِّلَت : 46)

وفي المقابل، لم يستطِع فرعَون بكُفرِه وطُغيانه أن يُبقِي زوجته "آسية" على
دينه ويمنعها من الإيمان بالله رب العالمين، حين قررت باختيارها أن تؤمن بالله تعالَى: " رَبِّ
ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي الجَنَّةِ
وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ القَوْمِ
الظَّالِمِينَ" (التحريم:11).

(جريدة الأهالي 13/1/1999م- ص9)

من ناحية أخرى أوضح القرآن وظيفة الأنبياء والرُّسُل، نذكر على سبيل المثال لا الحَصْر:

" .. فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ البَلاغُ المُبِينُ  "(النحل : 35)

"رُسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ" (النساء: 165)

" فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ..." (البقرة : 213)

وقد أورد عبد الرحمن حللي كثيراُ من الآيات التي تحدد وظائف الرّسُل، ثم قال:

" وبهذا الوضوح حدد القرآن وظائف الرُّسُل المباشرة، والتي هي المُنْطَلَق الذي انتظمَت على أساسه علاقتهم مع أقوامهم، وهي كما تجَلَّت علاقة حوار تقوم على الاعتراف بالآخر وحَقّه في اتخاذ قراره الفكري وتحديد عقيدته، لذلك لا توجد أي إشارة من قريب ولا من بعيد إلى أن الرُّسُل أَكرَهوا أحداً في الدّين بل على العَكس فقد نَهَى الله عن الاجتهاد مع غير المؤمنين في الدعوة والحوار، فمَن لم يؤمن فهو حُرٌّ يتحَمّل مسئولية اختياره، وليس من وظيفة الرسُل أن يجبروه. "                    (حرية الاعتقاد.. – ص81- مصدر سابق)

ويقول الشيخ علي عبد الرازق (قاضي بالمحاكم الشرعية): " .. وما عرفنا في تاريخ الرُّسُل رَجُلاً حمل النّاس على الإيمان بالله بحَدِّ السَّيف، ولا غَزا في سبيل الإقناع بدينه، .."

(الإسلام وأصول الحكم- للشيخ علي عبد الرازق- ص147- مصدر سابق)

وقد أمر القرآنُ " النَّبِيَّ " أن يقتدي بالأنبياء السابقين: " أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ
اقْتَدِهْ " (الأنعام : 90)

والأنبياء السابقين الذين هدَى الله لم يُكرِهوا أحداً في الدّين !!

ذلك لأن .. الحساب في اليوم الآخِر، نذكر على سبيل المثال :

" .. فَإِنَّمَا عَلَيْكَ البَلاغُ وَعَلَيْنَا الحِسَابُ " (الرعد : 40)

" إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (الحَجّ : 17)

فلَو حدث في الدّنيا إكراهٌ للناسِ على الإيمان ، ما كان هناك حساب أُخرَوِي، ولَسَقَط الثواب والعِقاب الذي هو مَبْنِيٌّ على حُرّية الاختيار وحُرّيّة الإرادة.

لذلك يقول د. محمد سليم العوا: ] والأصل أن أمر الكُفر والإيمان مَوكُول إلى الله تعالى وَحدَه. وإن الحساب على الكُفر عقاباً وعلى الإيمان ثواباً مُؤَجَّلٌ كله إلى يوم القيامة. وإن الحكم بين أهل مختلف الأديان لا يكون في هذه الدنيا ولا هو من اختصاص سلطاتها دينِيَّةً كانت أم مَدَنِيَّة.

وليس لعقيدة الإنسان – وإيمانه أنها وحدها الحق وأن ما سِواها باطل – أثر إلاّ في نفسِه وفي جماعة المؤمنين معه (انظر المائدة: 105)، وفي حق الفرد والجماعة ألاّ يُفتَن في دينه وألاّ يُكرَه على تغييره، وألاّ يُمنَع من التَّعَبُّد وَفق شعائِر هذا الدين.

وليس لأهل عقيدة دينية أن يجاوزوا هذه الحدود مع أهل العقائد الأخرى ولو على سبيل الدعوة الدينية، فإن الدعوة الدينية لا تكون إلاّ كما قال القرآن الكريم:

q       " ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ " ( النحل: 125)

لذلك قال الله تبارك اسمه:

q       " إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ " (الحَجّ : 17)

فالفصل – وهو الحُكم القَطعِيّ النهائي – بين أهل الأديان، بل بينهم وبين المشركين، يكون يوم القيامة، ويقوم به الله عز وجل وحدَه.

والإسلام الذي يتضَمَّن كتابه عشرات الآيات التي تتحدّث عن كُفر غير المسلمين يجعل الحُكم بينهم مؤجَّلاً إلى يوم القيامة : " وَقَالَتِ اليَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ اليَهُودُ عَلَى شَيءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ " (البقرة : 113).

وفي سياق أكثر من ثلاثين آية من سورة آل عِمران تتحدَّث عن المسلمين وأهل الكتاب نقرأ قول الله تعالى : " وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ " (آل عِمران : 85).

فَمَرَدُّ الحِساب والجزاء في شأن الدين هو إلى الآخرة وحدها. [

(جريدة الشعب 21/1/2000م- ص13- تحت عنوان: العلاقة بين المسلمين وأهل الكتاب.. مفاهيم أساسية)

الجهاد القتالي في القرآن والسُّنّة وحرية الاعتقاد..

إن ما تَم تقريره من مبدأ حرية الاعتقاد في القرآن يجعل القارئ يتساءل عن آيات أخرى وأحاديث صحيحة تبدو معارضة لِما تَم تقريره.

أولاً : القرآن:

·   "فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ" (التوبة : 5).

جاء في تفسير ابن كثير (من أشهر التفاسير عند أهل السنة): وهذه الآية الكريمة هي آية السيف التي قال فيها الضحاك بن مزاحم: إنها نسخت كل عهد بين النبي (ص) وبين أحد من المشركين، كل عهد وكل مدة.

وقال ابن عباس (حَبْر الأُمّة) في هذه الآية: أمره الله تعالى أن يضع السيف فيمن عاهد إن لم يدخلوا في الإسلام، ونقض ما كان سَمّى لهم من العهد والميثاق، ..."

(تفسير ابن كثير (4/55) – مصدر سابق)

ونقل العوفي عن ابن عباس (حَبْر الأمّة) قوله: "لم يَعُد يُعتَرَف بأي عقد ولا أي ميثاق حماية للكافر منذ أن كانت قد أوحيَت هذه الآية وقررت حل الالتزامات المُثبتة في
المعاهدة".

(الفِكر الإسلامي نقد واجتهاد- د. محمد أركون- ص184- الطبعة الثالثة 1998م-  دار الساقي- ص.ب: 5342/113- بيروت- لبنان- الترقيم الدولي: 1 095 85516 1)

يقول د. محمد أركون: " أما المفسر محمد بن أحمد بن الجوزي الكلبي فيقول : إن نسخ الأمر بحالة السلام مع الكفار والمغفرة لهم وعدم مقاومتهم وتحمل شتائمهم قد سبق هنا الأمر بقتالهم. وهذا يعفي من تكرار نسخ الأمر بالعيش في سلام مع الكفار في كل آية من آيات القرآن. فالأمر بالعيش معهم في سلام وارد في عدد (114) مئة وأربع عشرة آية موزعة على (54) أربع وخمسين سورة. ولكن كل هذه الآيات منسوخة من قِبَل (المائدة : 5)، و(البقرة : 216) التي تقول: (كُتِب عليكم القتال) ".         (المصدر السابق)

] وقال الحسين بن فضل فيها: هي آية السيف نسخت هذه كل آية في القرآن فيها ذِكر الإعراض والصَّبر على أذَى الأعداء.. فالعَجَب مِمَّن يستدِلّ بالآيات المنسوخة على ترك القتال والجهاد. وقال الإمام أبو عبد الله محمد بن حزم المتوفى سنة 56 في الناسخ والمنسوخ باب الإعراض عن المشركين في مائة وأربع عشرة آية في ثماني وأربعين سورة نسخ الكل بقوله عز وجَلّ (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم).

ويقول الحافظ محمد بن أحمد بن محمد بن جزي الكلبي صاحب تفسير التسهيل لعلوم التنزيل: وتقَدَّم هنا ما جاء من نسخ مسالمة الكفار والعفو عنهم والإعراض والصبر على أذاهم بالأمر بقتالهم ليغني ذلك عن تكراره في مواضعه فإنه وقع منه في القرآن مائة وأربع عشرة آية من أربع وخمسين سورة نسخ ذلك بقوله: (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم)، (كُتِب عليكم القتال).

ويقول الإمام المحقق أبو القاسم هبة الله سلامة : (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) هي الآية الثالثة وهي الناسخة ولكن نسخت من القرآن مائة آية وأربعاً وعشرين ثم صار آخرها ناسخاً لأولها وهي قوله تعالى: (فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتَوا الزكاة فخَلَّوا سبيلهم) (كتاب الناسخ والمنسوخ).

وقال السدي والضحاك إن آية السيف منسوخة بآية (فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرِّقاب حتّى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإمّا مَنّاً بَعدُ وإمّا فداء) وهي أشَدّ على المشركين من آية السّيف. وقال قتادة بالعكس، ولا أعلم أحداً خالف القول بالمنسوخ سوى السيوطي، قال في كتاب الاتفاق : (الأمر حين الضّعف والقِلَّة بالصَّبْر وبالصَّفح ثم نسخ بإيجاب القتال، وهذا في الحقيقة ليس نسخاً بل هو من قسم المُنسَأ كما قال تعالَى: (أو نُنسِها) .. فالمنسأ هو تأجيل الأمر بالقتال إلى أن يقوى المسلمون، وفي حال الضَّعف يكون الحكم وجوب الصبر على الأذى وبهذا يضعف ما لهج به كثيرون من أن الآية في ذلك منسوخة بآية السيف وليس كذلك بل هو المنسأ.[  

(جذور الفتنة في الفِرَق الإسلامية- اللواء حسن صادق- ص406، 407- طبعة ثالثة 1997م – الناشر مكتبة مدبولي- القاهرة)

فكيف يكون الإنسان حراً في اعتقاد ما يشاء ومن ثَمَّ يُقتَل المُشرِك ويؤخَذ ويُحصر .. إلا أن يتوب ويقيم الصلاة ويؤتي الزكاة؟

أليس في هذا إكراه في الدين؟

] لقد عالج فئة (كثير) من المفسرين هذه الإشكالية من خلال مقولة النسخ التي أثبتت التعارض بين هذه الآية والآيات التي تثبت حرية الاعتقاد، واعتبروا أن آية السيف ناسخة
لما يعارضها، فأحالوا بهذه المقولة عشرات الآيات في القرآن إلى التاريخ ليكون نصيب الفرد منها لقلقة لسان من خلال التلاوة*، واعتماداً على مقولة النسخ ربط بعض الفقهاء الجهاد
بعلة الكفر، واعتبروا الكفر مبيحاً لقتل الكافر إلا ما استثناه النَّص. ومن أبرز هؤلاء
الفقهاء الإمام الشافعي، وبعض أصحاب الإمام أحمد وابن حزم. وذهب إلى هذا الرأي بعض
المعاصرين...
[

(حرية الاعتقاد- ص129، 130- مصدر سابق)

·        "وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ.." (الأنفال: 39)

وهي مكررة أي مؤكدة في (البقرة : 193)

وقد اتجه كثير من المفسرين إلى تفسير الفتنة بالشِّرك، وفسرها البعض الآخربالكُفر..

(المصدر السابق- ص155)

قال القرطبي في تفسيره: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ) (البقرة: 193)، قال: أمر بالقتال لكل مشرك في كل موضع.. وهو أمر بقتال مُطلَق لا بشرط أن يبدأ الكفار، دليل ذلك قوله تعالى: (الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ) ، وقال (ع): (أُمِرت أن أقاتل الناس حتّى يقولوا لا إله إلا الله) فدلت الآية والحديث على أن سبب القتال هو الكُفر لأنه قال: (حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ) أي كُفر، فجعل الغاية عدم الكفر وهذا ظاهر.

(وقفات مع د. البوطي في كتابه عن الجهاد – لعبد الآخر حماد الغنيمي- ص91- دار البيارق للنشر- الأردن- ص. ب: 864- الرمز: 11592- لبنان بيروت- ص.ب: 5974/113 الحمراء)

ويقول ابن كثير: ] ثم أمر تعالى بقتال الكفار: (حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ) أي : شِرك. قاله ابن عباس، وأبو العالية، ومجاهد، والحسن، وقتادة، والرّبيع، ومقاتل بن حيان، والسدي، وزيد بن أسلم.

(ويكون الدين كله لله) أي يكون دين الله هو الظاهر على سائر الأديان، كما ثبت في الصحيحين عن أبي موسى الأشعري قول النبي: " مَن قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله". وفي الصحيحين أيضاً: أُمِرت أن أقاتل الناس حتّى يقولوا لا إله إلا الله... [

(تفسير ابن كثير- (1/329)- مصدر سابق)

وقال الإمامان الجلالان في تفسيرهما: (فتنة) شِرك.

لذلك يقول د. عبد الآخر حمّاد الغنيمي (من علماء الإسلام) : "وقد يتفهم المسلم الواعي موقف الغرب الكافر من قضية الجهاد في الإسلام؛ فالعارفون من الغربيين يعلمون جيداً أن غاية الجهاد في الإسلام * أن لا يبقى في الأرض دين غير الإسلام كما قال تعالى: (وقاتلوهم حتّى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله) (الأنفال : 39) والفتنة الشِّرك كما قال ابن عباس وغيره من السلف.               (وقفات مع د. البوطي.. – ص5، 6- مصدر سابق)

وفي موضع آخر يقول: " ولما كان الأمر كذلك كان من أهم ما ينبغي على دعاة الإسلام أن يوقظوا في الأمة روح الجهاد، مبينين لهم فضل قتال أعداء الله عز وجل وأن في الجهاد القتالي عزَّهم وشرفَهم، كما أنه ينبغي أن تبقى فكرة الجهاد مستقرة في ذهن المسلم حتّى في زمن سقوطه عنه لعجزه وعدم قدرته، ليبقى مستعداً للقيام بهذا الواجب عند تحصيله القدرة اللازمة له، وصَحَّ عن النبي (صلعم) أنه قال: "مَن مات ولم يَغزُ، ولم يُحَدِّث به نفسه مات على شعبة من نفاق" (أخرجه مسلم وأبو داود والنّسائي من حديث أبي هريرة) .

(المصدر السابق- ص27)

يقول د. عبد الآخر في كلامه عن مراحل القتال في القرآن: ] " وثالثة هذه المراحل مرحلة قتال المشركين كافة: مَن قاتلنا منهم ومَن لم يقاتل، وغزوهم في بلادهم حتّى لا تكون فتنة (شِرك) ويكون الدين كله لله، وهذه المرحلة هي التي استقر عندها حكم الجهاد، ومات عليها رسول الله (صلعم)، وفي هذه المرحلة نزلت آية السيف وهي قوله تعالى: "فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ..." (التوبة : 5). وقوله تعالى: "قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ" (التوبة: 29)

وفي الصحيح: "أُمِرت أن أقاتل الناس حتّى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا منّي دماءهم وأموالهم وحسابهم على الله". (أخرجة البخاري ومسلم والترمذي وأبو داود والنسائي وأحمد)

وفيه أيضاً قوله (صلعم) : "اغزوا باسم الله في سبيل الله، قاتلوا مَن كفر بالله، ...".

وهذه المرحلة ناسخة لِما قبلها من المراحل، قال ابن عطية في تفسيره لآية السيف : "وهذه الآية نسخت (ألغت) كل موادعة في القرآن أو ما جرى مجرى ذلك، وهي على ما ذُكِر مائة وأربع عشرة آية.. ".

وقال الشوكاني: "أما غزو الكفار ومناجزة أهل الكفر وحملهم على الإسلام أو تسليم الجزية أو القتل فهو معلوم من الضرورة الدينية... وما ورد في موادعتهم أو تركهم إذا تركوا المقاتلة فذلك منسوخ بإجماع المسلمين".

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فكل مَن بلغته دعوة الرسول (صلعم) إلى دين الله الذي بعثه به فلم يستجب له فإنه يجب قتاله (حتّى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله)...

وقال ابن القيم: "وكان محرما (القتال) ثم مأذوناً به ثم مأموراً به لمَن بدأهم بالقتال ثم مأموراً به لجميع المشركين..". (عن زاد المعاد)

فقد ظهر من ذلك كله أن الجهاد في الإسلام قد مَرّ بمراحل كان نهايتها الأمر بقتال المشركين سواء بدأونا بقتال أم لا، وكان ذلك الحكم ناسخاً لِما قبله من الأحكام، .. [.

(المصدر السابق- ص(42-44))

لذلك يقول الإمام أبو الأعلى المودودي تحت عنوان (الحاجة إلى الجهاد وغايته):

] والذي أردت تبيينه والكشف عن حقيقته بمناسبة الموضوع الذي نحن بصدده الان، هو أن الإسلام ليس بمجرد مجموعة من العقيدة الكلامية وجملة من المناسك والشعائر، كما يُفهَم من معنى الدين في هذه الأيام، بل الحق أنه نظام كلّي شامل يريد أن يقضي على سائر النُّظُم الباطلة الجائرة في العالم ويقطع دابرها ويستبدل بها نظاماً صالحاً ومنهاجاً معتدلاً يرى أنه خير للإنسانية من النُّظُم الأخرى، وأن فيه نجاة للجنس البشري من أدواء الشر والطغيان وسعادة له وفلاحاً في العاجلة والآجلة معاً.

وتحت عنوان (الانقلاب العالمي الشامل) يقول: "لعلك تبينت مما أسلفنا أنفاً أن غاية "الجهاد في سبيل الإسلام" هو هدم بنيان النظم المناقضة لمبادئه وإقامة حكومة مؤسسة على قواعد الإسلام في مكانها واستبدالها بها. وهذه المهمة، مهمة إحداث انقلاب إسلامي عام، غير منحصرة في قُطر دون قُطر، بل ما يريده الإسلام ويضعه نُصب عينيه أن يحدث هذا الانقلاب الشامل في جميع أنحاء المعمورة... إلخ [

(الجهاد للأئمة الثلاثة.. – ص35، 40- المختار الإسلامي للنشر- الفجالة- رقم الإيداع 8642/95- الترقيم الدولي: 4-119-220 -977)

·        وفي (التوبة : 33) ومكررة في (الفتح : 28) و(الصف : 9):

" هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ".

قال البيضاوي: أي على سائر الأديان فينسخها، أو على أهلها فيخذلهم. وقال : هي كالبيان لقوله: "ويأبَى الله إلاّ أن يُتِمَّ نُورَه".

(تفسير الإمام البيضاوي (3/142) – دار الفكر للنشر- 1416هـ/1996م- تحقيق الشيخ عبد القادر عرفات العشا حسونة- إشراف مكتب البحوث والدراسات- بيروت – لبنان-  ص.ب: 7061/11)

وقال ابن كثير : (ليظهره على الدين كله)، أي: على سائر الأديان، كما ثبت في الصحيح، عن رسول الله (ص) أنه قال: " إن الله زوى (جمَع) لي الأرض مشارقها ومغاربها، وسيبلغ مُلك أمّتي ما زوي لي منها" (رواه مسلم)

(تفسير ابن كثير (7/78) – مصدر سابق)

ويقول صالح الورداني: "للآية دلالة مستقبلية هامة؛ فهذا الحدث وهو ظهور الدين الحق – الإسلام – على الأديان كلها لم يحدث في أي فترة من فترات التاريخ الإسلامي لا في زمن الرسول ولا في أي زمن من بعده، وهذا الأمر إن دَلّ على شيء فإنما يدل على أن هناك قوة مدعومة من قِبَل الله سبحانه - سوف تظهر لتحقق ظهور الإسلام على أديان الأرض – أي نهاية جميع الأديان عدا الإسلام".

(الخدعة للورداني- ص183- الطبعة الثالثة 1997م- تريدنكو للنشر- بيروت – لبنان- ص.ب: 5316/14)

·  وفي (التوبة: 123) : " يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنْ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ " .

قال القرطبي: إنه سبحانة عرفهم كيفية الجهاد، وأن الابتداء بالأقرب فالأقرب من العدو؛ ولهذا بدأ رسول الله (صلعم) بالعرب، فلما فرغ قصد الروم وكانوا بالشام.

(الجهاد في الإسلام للشيخ محمد متولي الشعراوي- ص137- مركز التراث لخدمة الكتاب والسنة- مكتبة التراث الإسلامي- عابدين- طبعة 1998-  رقم الإيداع: 9713/1998م- الترقيم الدولي: X- 230 – 260 – 977)

يقول ابن كثير : وكلما علوا أمّة انتقلوا إلى مَن بعدهم، ثم الذين يلونهم من العتاة الفجار، امتثالاً لقوله تعالى: " يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنْ الْكُفَّارِ" ، وقوله تعالى : " وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً " أي وليجد الكفار منكم غلظة عليهم في قتالكم لهم، فإن المؤمن الكامل هو الذي يكون رفيقاً بأخيه المؤمن غليظاً على عدوه الكافر... وقال تعالى: " يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدْ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ". ( التوبة : 73)، وفي الحديث أن رسول الله (ص) قال: " أنا الضحوك القَتّال، يعني: أنّه ضحوك في وجه وليّه، قتّال لهامة عدوه.

(تفسير ابن كثير (4/174، 175) – مصدر سابق)

آية الجهاد التي أُسقِطَت من القرآن..

نقل السيوطي عن المسوّر بن مخرمة، قال: قال عُمَر لعبد الرحمان بن عوف: ألَم تجد فيما أُنزِل علينا: "أن جاهِدوا كما جاهدتم أول مرة" فإنّا لا نجدها؛ قال ، أُسقِطَت فيما أُسقِط من القرآن" (نقلاً عن الإتقان للسيوطي).

(حقيقة مصحف فاطمة عند الشيعة- ص126- بقلم أكرم بركات العاملي- الطبعة الأولى 1997- دار الصفوة للنشر – بيروت-  ص.ب: 97/25)

ويقول الشيخ محمد متولي الشعراوي – تحت عنوان – استمرار وجوب الجهاد: إن وجوب الجهاد مستمر على الأمة بعد الصحابة رضوان الله عليهم؛ لقوله تعالى في سورة البقرة: "وقاتلوهم حتّى لا تكون فتنة ويكون الدين لله" (البقرة : 193). وقوله نعالى في سورة الأنفال: "وقاتلوهم حتّى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله" (الأنفال : 39).

وفي التكملة تفسير عبد الرحمن السيوطي عند قوله تعالى: (حتّى لا تكون فتنة) : حتّى لا يوجد شِرك. وقال عند قوله تعالى: (ويكون الدين كله لله) يعني تكون الطاعة والعبادة خالصة لله دون غيره. ويدل على استمرار وجوب الجهاد أيضاً قوله تعالى: " فَإِذا لَقِيتُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا" (محمد : 4). قال المفسرون: أي : حتّى تنقضي الحرب ولم يبقَ إلاّ مسلم أو مسالِم.

والمعنى: حتّى يضع أهل الحرب شِركهم ومعاصيهم وهو غاية لِما ذُكِر من الضرب والشد والمَنّ والفداء ، بمعنى أن هذه الأحكام جارية فيهم؛ حتّى لا يكون حرب مع المشركين بزوال شوكتهم، وقيل : بنزول عيسَى عليه السلام.

(الجهاد في الإسلام للشيخ الشعراوي- ص47، 48- مصدر سابق)

لذلك يقول محمد عبد السلام فرج* في كتابه (الفريضة الغائبة): لأن الله أوصانا بالجهاد المُسَلَّح.                      (الفكر الإسلامي نقد واجتهاد د. محمد أركون- ص182- مصدر سابق)

ثانياً : السُّنّة ..

·   جاء في الحديث الصحيح (المتواتر) : "أُمِرتُ أن أُقاتل النّاس حتّى يقولوا : لا إله إلاّ الله. فإذا قالوها عصموا منّي دماءَهم وأموالهم إلاّ بحقّها، وحسابهم على الله". (رواه البخاري ومسلم).

(تفسير ابن كثير (1/329)- مصدر سابق)

·   في مسند الإمام أحمد قال النبي: " بُعِثتُ بين يدَي السّاعة بالسّيف، حتّى يُعبَد الله وحده لا شريك له. وجُعِل رزقي تحت ظِلّ رُمحِي، وجُعِلت الذِّلّة والصَّغار على مَن خالف أمري.."

(تفسير ابن كثير (1/213)- مصدر سابق)

 وقد عَلَّق المنافقون (المعارضون في المدينة) قائلين: عجباً لمحمد يزعم أن الله بعثه ليقاتل النّاس كافة حتّى يُسلِموا، وقد قبل من مجوس هجر، وأهل الكتاب، الجزية، فهلا أكرههم على الإسلام وقد ردها على إخواننا من العرب فشُقّ ذلك على المسلمين فنزلت: "عليكم أنفسكم لا يضركم مَن ضَلّ إذا اهتديتم" (المائدة: 105).

(نواسخ القرآن لابن الجوزي- ص151- دار الكتب العلمية – بيروت – لبنان- ص.ب: 9424/11)

·   وفي الصحيح أيضاً: " مَن رأى منكم مُنكَراً فليغيره بيده، فإن لم يستطِع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان".

(وقفات مع د. البوطي.. – ص17- مصدر سابق)

وأيضاً: "كلا والله لتأمُرُنّ بالمعروف ولتَنهَوُنّ عن المنكر ، ولتأخذُنّ على يد الظالم، ولتأطرنه على الحق أطراً – ولتقصرنه على الحق قصراً".

(في رحاب القرآن- حسين حسن سلامة- ص21- مكتبة الأسرة 1999- الهيئة المصرية العامة للكتب- رقم الإيداع بدار الكتب: 9816/99- الترقيم الدولي: X- 6271-01-977)

ويعلق على الحديث د. عبد الآخر حماد الغنيمي (من علماء الإسلام) قائلاً: "فلا شك أن الكفر من المنكرات بل هو أكبر المنكرات، فوجب إزالته بهذا الحديث.

قال القرافي (في كتابه الذخيرة) عند تعداده أسباب الجهاد: السبب الأول وهو معتبر في أصل وجوبه ويتجه أن يكون إزالة منكر الكُفر فإنه أعظم المنكرات ومَن عَلِم مُنكراً وقدر على إزالته وجب عليه إزالته.          (وقفات مع د. البوطي.. – ص17، 18- مصدر سابق)

ويقول المعتزلة في (الأصل الخامس) وهو "الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكَر" : إنّه من الواجب على المسلم أن يُغَيِّر المُنكَر بالسَّيف واليَدّ إذا كانت له قدرة على ذلك فإذا لم يقدِر فليغيره بلسانه، وإذا لم يقدر فليغيره بقلبه... وهذا واجب عليه وجوب الفرائض الدينية
الأخرى .
                                (التراث والحداثة- ص57- مصدر سابق)

وفي تفسير الآية (110) من سورة آل عمران: "كنتم خير أمة أُخرِجَت للناس تأمرون بالمعروف وتَنهَون عن المُنكَر وتؤمنون بالله". روى البخاري عن أبي هريرة قال: "خير الناس للناس تأتون بهم في السلاسل في أعناقهم حتّى يدخلوا الإسلام".

(تفسير ابن كثير (2/77)- مصدر سابق)

وجاء عن النبي قوله: "لا تسبّوا أصحاب محمد، فإنهم أسلموا من خوف الله، وأسلم الناس من خوف أسيافهم".     

(الخلافة الإسلامية للعشماوي- ص89 (هوامش)- دار سينا للنشر- لطبعة الأولى 1990- رقم الإيداع: 1945/1990)

نكتفي بهذا القدر من السنة النبوية.

الجزية ومدى تعارُضها مع حرية الاعتقاد..

يقول الإمام ابن القيّم: "الجزية : هي الخراج المضروب على رؤوس الكفار إذلالاً وصَغاراً". (عن أحكام أهل الذمة 1/22).

(وقفات مع د. البوطي.. – ص166- مصدر سابق)

سؤال: إذا لم تكُن الجزية غاية للقتال كما في الآية:

" قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ " (التوبة : 29)، فهل يمثل إلزامها نوعاً من الإلجاء من خلال تقرير عبء اقتصادي أو مضايقة معنوية تُلجِئ مَن أُلزِم بها إلى الدخول في الإسلام؟

جاء في تفسير ابن كثير للآية (وهو من أشهر التفاسير عند أهل السّنّة والجماعة):

] "هذه الآية الكريمة نزلت أول الأمر بقتال أهل الكتاب، بعد ما تمهّدت أمور المشركين ودخل الناس في دين الله أفواجاً، فلما استقامت جزيرة العرب أمر الله رسوله بقتال أهل الكتابَين اليهود والنّصارَى، وكان ذلك في سنة تِِسع*، ولهذا تجهز رسول الله (ص) لقتال الروم ودعا إلى ذلك، وأظهره لهم، وبعث إلى أحياء العرب حول المدينة فندبهم، فأوعبوا (جاءوا أجمعين) معه، واجتمع من المقاتلة نحو ثلاثين ألف ، وتخلف بعض الناس من أهل المدينة ومَن حولها من المنافقين وغيرهم، وكان ذلك في عام جدب، ووقت قَيظ وحَرّ، وخرج عليه السلام يريد الشام لقتال الروم، فبلغ تبوك، فنزل بها وأقام على مائها قريباً من عشرين يوماً، ثم استخار الله في الرجوع، فرجع عامه ذلك لضيق الحال وضَعف الناس، ...

وقوله: (حتّى يعطوا الجزية) أي : إن لم يُسلِموا، (عن يد)، أي: عن قهر لهم وغَلبَة، (وهُم صاغرون)، أي: ذليلون حقيرون مُهانون. فلهذا لا يجوز إعزاز أهل الذّمّة ولا رفعهم على المسلمين، بل هُم أذلاء صغرة أشقياء، كما جاء في صحيح مسلم، عن أبي هريرة (رض) أن النبي (ص) قال: "لا تبدءوا اليهود والنّصارَى بالسلام، وإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه".

الوثيقة العُمَرِيّة..

ولهذا اشترط عليهم أمير المؤمنين عُمَر بن الخطاب (رض) تلك الشروط المعروفة في إذلالهم وتصغيرهم وتحقيرهم، وذلك مما رواه الأئمة الحُفّاظ ، من رواية عبد الرحمن بن غنم الأشعري قال: كتبت لعمر بن الخطاب (رض) حين صالَح نصارَى من أهل الشام: "بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب لعبد الله عُمَر أمير المؤمنين من نصارَى مدينة كذا وكذا، إنّكم لمّا قدِمتم إلينا سألناكم الأمان لأنفسنا وذرارينا، وأموالنا، وأهل ملّتنا وشرطنا لكم على أنفسنا أن لا نُحدِث في مدينتنا ولا في ما حولها ديراً ولا كنيسة، ولا قلاية (شبه الصومعة) ولا صومعة راهب، ولا نجدد ما خرب منها، ولا نُحيي منها ما كان خطط المسلمين، وألاّ نمنع كنائسنا أن ينزلها أحد من المسلمين في ليل ولا نهار، وأن نوسع أبوابها للمارة وابن السبيل، وأن ينزل ما مَرّ بنا من المسلمين ثلاثة أيام نطعمهم، ولا نؤوي في كنائسنا ولا في منازلنا جاسوساً، ولا نكتم غشّاً للمسلمين، ولا نُعَلِّم أولادنا القرآن، ولا نُظهِر شِركاً، ولا ندعو إليه أحداً؛ ولا نمنع احداً من ذوي قرابتنا الدخول في الإسلام إن أرادوه، وأن نوقر المسلمين، وأن نقوم لهم من مجالسنا إن أرادوا الجلوس، ولا نتشبّه بهم في شيء من ملابسهم، في قلنسوة، ولا عمامة، ولا نعلين، ولا فرق شعر، ولا نتكلم بكلامهم، ولا نَكتَنِي بكناهم، ولا نركب السروج، ولا نتقلد السيوف، ولا نتخذ شيئاً من السلاح، ولا نحمله معنا، ولا ننقش خواتيمنا بالعربية، ولا نبيع الخمور. وأن نجز مقاديم رؤوسنا، وأن نلزم زينا حيثما كنّا، وأن نشد الزنانير على أوساطنا، وأن لا نظهر الصليب على كنائسنا، وأن لا نظهر صلوبنا ولا كتبنا في شيء من طرق المسلمين ولا أسواقهم، ولا نضرب نواقيسنا في كنائسنا إلاّ ضرباً خفياً، وأن لا نرفع أصواتنا بالقراءة في كنائسنا في شيء من حضرة المسلمين، ولا نخرج شعانين ولا باعوثا (استسقاء النصارَى)، ولا نرفع أصواتنا مع موتانا، ولا نظهر النيران معهم في شيء من طرق المسلمين ولا أسواقهم، ولا نجاورهم بموتانا، ولا نتخذ من الرقيق ما جرى عليه سهام المسلمين، وأن نرشد المسلمين، ولا نطلع عليهم في منازلهم.

قال: فلما أتيت عُمَر بالكتاب، زاد فيه: ولا نضرب أحداً من المسلمين ، شرطنا لكم ذلك على أنفسنا وأهل ملتنا، وقبلنا عليه الأمان، فإن نحن خالفنا في شيء مما شرطناه لكم ووظفنا على أنفسنا ، فلا ذمة لنا، وقد حَلّ لكم منّا ما يحلّ من أهل المعاندة والشقاق [

(تفسير ابن كثير (4/74-76)- مصدر سابق. انظر أيضاً وقفات مع د. البوطي ص (167-177)- مصدر سابق)

وفي تفسير الجلالين: (ولا يحرّمون ما حرّم الله ورسوله) كالخمر (ولا يدينون دين الحق) الثابت الناسخ لغيره من الأديان وهو دين الإسلام (من) بيان للذين (الذين أوتوا الكتاب) أي اليهود والنصارى، (حتّى يعطوا الجزية ) الخراج المضروب عليهم كل عام (عن يد) حال أي منقادين أو بأيديهم لا يوكلون بها (وهُم صاغرون) أذلاء منقادون لحُكم الإسلام.

(تفسير الجلالين- ص156- مصدر سابق)

وفي تفسير البيضاوي: (ولا يدينون دين الحق) الثابت الذي هو ناسخ سائر الأديان ومبطلها. (حتّى يعطوا الجزية) ما تقرر عليهم أن يعطوه. (عن يد) منقادين، أو عن يدهم بمعنى مسلمين بأيديهم غير باعثين بأيدي غيرهم.. فإن إبقاءهم بالجزية نعمة عظيمة. (وهُم صاغرون) أذلاء. وعن ابن عباس (رض) قال: تؤخذ الجزية من الذمّي وتوجَأ عنقه.

(تفسير البيضاوي (3/139، 140)- مصدر سابق)

لذلك يقول د. عمر عبد الآخر الغنيمي: ] غير المسلمين ضرب الإسلام الصَّغار عليهم بسبب كفرهم؛ لأنه لا يمكن أن يجعل المسلم كالكافر لا في الدنيا، ولا في الآخرة كما قال الله تعالى: "أفنجعل المسلمين كالمجرمين ما لكم كيف تحكمون" (القلم: 35، 36).

وقد مَرّ بنا قوله (صلعم) : (... وجعل الذلة والصغار على مَن خالف أمري)، وقوله: (... لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام وإذا لقيتم أحدَهم في طريق ما فاضطروه إلى أضيقه)، فهذا يبين أن الصغار والإذلال مترتب على الكُفر لا على الحرابة (العداء للإسلام)".

ومما يؤكد ما قلناه أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب (رض) قد أخذ على نصارَى أهل الشام حين صالحهم شروطاً فيها الإذلال والصّغار،.... إلخ[.

(وقفات مع د. البوطي.. – ص169- مصدر سابق)

يقول عبد الرحمن حللي – تحت عنوان إشكالات حول الجزية - : ] ثَمَّة بعض التساؤلات تحيط بتشريع الجزية تتعلق بطبيعة الجزية التي أضفت عليها بعض تعليلات الفقهاء – بل أكثرهم – صفة العقوبة، لاسيما ما اقترنت به من قيود في الآية من اشتراط عن أن تكون عن يد مع الصغار، مما فُهِم على أنه يتضمن الذل والإهانة، مما يعني إحراج الذِّمّي بسبب دينه، وهذا يتنافَى مع حرية الاعتقاد التي أوضحنا.

ولابد من الاعتراف قبل تفصيل آراء الفقهاء أنّ تعابيرهم عن الجزية تتضمَّن ما ذكرناه آنفاً من إحراج للذمِّيين، فمن ذلك "إيجاب الجزية عليهم ليرَوا ذُلّ الكُفر بأداء الجزية فيبادروا إلى عِزّ الإيمان، .. وفي الجزية ذُلّ، وتؤخَذ بطريق الصغار جزاء على الكُفر". (عن محاسن الإسلام للبخاري)، "والجزية وُضِعَت صَغاراً وإذلالاً للكفار" (عن أحكام أهل الذِّمّة لابن القيم الجوزية).

"والمقصود منه – الصَّغار – تعظيم أمر الحُكم الإسلامي، وتحقير أهل الكُفر ليكون ذلك ترغيباً لهم في الانخلاع عن دينهم الباطل واتباعهم دين الإسلام". (نقلاً عن محمد الطاهر ابن عاشور).[

(حرية الاعتقاد في القرآن الكريم- ص173، 174- مصدر سابق)

وقد خلص د. محمد خير هيكل بعد دراسة مُوَسَّعَة عن الجهاد إلى أن النصوص الشرعية تدل على مشروعية الجهاد ضد الكفار لإعلاء كلمة الله بصورة مُطلَقَة – أي بغض النظر بكون الكفار مُعتَدين أو غير مُعتَدِين ما داموا يرفضون الدخول تحت الحُكم الإسلامي – كلما كان ذلك ممكناً؛ ويُعتَبَر الدفاع عن أهل الذمة والحلفاء الذين أدخلهم المسلمون تحت حمايتهم ضد العدوان الخارجي، ويعتبر هذا الدفاع من الجهاد الواجب في سبيل الله؛ والأصل في العلاقة بين المسلمين وغيرهم من الدول والشعوب قبل تبليغهم الدعوة الإسلامية وإنذارهم بالخيارات الثلاثة – الإسلام، القتال، الجزية – هي السِّلم، أمّا بعد تبليغهم الدعوة والإنذار فالعلاقة معهم بعد رفضهم الاستجابة هي الحرب ما لَم تُعقَد معاهدة بين الطرفين.

(المصدر السابق ص152، 153)

واختلفوا (العلماء) في إنبات الشَّعر الخشن حول الفَرْج، وهي الشِّعرة، هل تدل على بلوغ أم لا؟ على ثلاثة أقوال، يفرق في الثالث بين صبيان المسلمين ، فلا يدل على ذلك لاحتمال المعالجة، وبين صبيان أهل الذِّمّة فيكون بلوغاً في حقهم لا يتعجّل بها إلاّ ضرب الجزية عليه، فلا يعالجها.

(تفسير ابن كثير (2/187)- مصدر سابق)

وقد زاد البعض فرأى أنّه من غير الجائز لإمام المسلمين التعاقد على سِلم دائم مع بلاد الحرب، لأن في ذلك إلغاء لفريضة الجهاد.

(أصول الشريعة للمستشار محمد سعيد العشماوي – ص151- (نقلاً عن كتاب الأحكام السلطانية للماوردي- على مذهب الشافعية)- الناشر: مكتبة مدبولي الصغير- ميدان سفنكس- الطبعة الرابعة 1996م- رقم الإيداع 9339/95)

ومن كل ما سبق نرى ما يراه د. رشيد الخيون (مفكر عراقي) الذي قال: "إن أهم ما يميز المكي؛ الذي نزل بمكة قبل الهجرة، هو الدعوة بالتي هي أحسن، وتفضيل مبدأ السِّلم على مبدأ القتال، والتأكيد على الحرية الدينية. أما طابع السور المدنية؛ التي نزلت بالمدينة، بعد استتباب الدعوة وتحقيق الانتصارات فتميزت بالشدة والعُنف"

(جدل التنزيل – ص20- منشورات الجمل- كولونيا – ألمانيا 2000- Postfach 210149-50527 Köln.,. Germany)

ويذكر د. محمد عمارة (عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر) أنّ الناس دخلوا في الإسلا هرباً من الجزية، فيقول: ] كتب الوالي أشرس إلى عامل الخراج "ابن أبي العمرطة" يقول: "إن في الخراج قوة للمسلمين، وقد بلغني أن أهل "السغد" وأشباههم لم يسلموا رغبة ، إنّما دخلوا في الإسلام تعوذاً من الجزية، فانظر مَن اختتن، وأقام الفرائض، وحسن إسلامه، وقرأ سورة من القرآن، فارفع عنه خَراجَه!"

ويعلق د. محمد عمارة على هذه الشروط قائلاًَ: فهو هنا قد وضع للإسلام الذي تعترف به الدولة ويعترف به عامل الخراج عدة شروط:

1-   أن يكون صاحبه مختتناً. والذين كانوا يسلمون لم يكونوا أطفالاً ولا صبية حتّى يسهل عليهم يومئذٍ الاختتان!

2- وإقامة الفرائض تتطلب مستوى أعلى من مستوى أدائها، فالأداء أسهل من الإقامة بما لا يُقاس، كما يقول الإمام محمد عبده.

3-   وحُسن الإسلام شرط يصعب وضع المقاييس الدالة على بلوغ إسلام المرء حده ودرجته!

4- وقراءة سورة من القرآن بالنسبة لقوم لا يعرفون العربية هو نوع من
التعجيز!.. إلخ.
[

(الإسلام وفلسفة الحُكم ]1[ - الخلافة ونشأة الأحزاب الإسلامية- ص170- الطبعة الأولى أغسطس 1977- المؤسسة العربية للدراسات والنشر – بيروت – لبنان- ص.ب: 5460/11، انظر أيضاً : الإسلام والثورة ]3[ لنفس المؤلف – ص90- دار الثقافة الجديدة – القاهرة- أبريل 1979- رقم الإيداع: 2607/79)

ويقول عبد الرحمن الشرقاوي: وفي أيام عُمَر استنكف جماعة من أهل الشام من اسم الجزية، وارتضوا أن يدفعوا بشرط تغيير اسمها، ولكن عُمَر صَمَّم على أن يدفعوا الجزية صاغرين باسم الجزية، فاحتكموا إلى علِيّ، فأقنع عُمَر أن يقبل منهم الجزية باسم "صدقة تطهّرهم"...

(عليّ إمام المُتَّقين – ج1- ص86- دار غريب للنشر بالفجالة- رقم الإيداع: 5914- الترقيم الدولي: 5- 080-172-977)

ويقول د. إبراهيم أحمد العدوي (أستاذ التاريخ الإسلامي): "إن الشعوب رأت في اعتناق الإسلام الطريق الوحيد للدخول في صفوف السادة العرب. ثم أن اعتناق الإسلام أسقط عنهم الجزية، وغير ذلك من الالتزامات المفروضة على غير المسلم. وأصبحت كلمة مسلم منذ ذلك الوقت ترادف كلمة عربي. "

(الحضارة العربية- ص90- كتاب الهلال- العدد 342- يونية 1979- دار الهلال بالقاهرة)

ويقول أحمد أمين: وكتب عُمّال الحجاج إليه: "إن الخراج قد انكسر، وإن أهل الذمة قد أسلموا ولحقوا بالأمصار". فأخذ الحجاج منهم الجزية مع إسلامهم، وجعل قُرّاء البصرة يبكون لِما يرون. ومنهم مَن كان يسلم فوراً مما يشعر به من المهانة، ... إلخ.

(فجر الإسلام – ص142- مكتبة الأسرة 2000- الهيئة المصرية العامة للكتاب- رقم الإيداع بدار الكتب : 8542/2000- الترقيم الدولي: 8-6692-01-977)

يتضح مما سبق تحت عنوان الجهاد القتالي أن الصلة بين الإسلام وغيره من الدول أو المجتمعات هي الحرب دائماً، وأن السِّلم ليس إلاّ هُدنَة مؤقتة ريثما يتهيّأ المسلمون.

الرِّدَّة في القرآن والسُّنَّة وحرية الاعتقاد..

جاء في (التوبة : 73، 74) : " يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدْ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ. يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ
إِسْلامِهِمْ
... يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمْ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِير" .

في تفسير البيضاوي والجلالين (يا أيها النبي جاهد الكفار) بالسيف.

(ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم) وأظهروا الكفر بعد إظهار الإسلام.

(تفسير البيضاوي (3/158)- انظر أيضاً تفسير الجلالين للآية)

ويؤيد ذلك السّنّة الصحيحة حيث جاء :

قول النبي (ص) : "مَن بَدَّل دينه فاقتلوه" أخرجه البخاري والترمذي والنّسائي وأبو داود وابن ماجة والإمام أحمد.           (حرية الاعتقاد في القرآن الكريم- ص47- مصدر سابق)

وقوله : "لا يحل دم امرئ مسلم إلاّ بإحدَى ثلاث: ... "، وذكر منها التارك لدينه المفارق للجماعة. أخرجه أحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنّسائي ومالك.

(المصدر السابق- ص47، 48)

وقوله: "إذا أبق العبد إلى الشِّرك فقد حُلَّ دَمُه". رواه أبو داود.

(دفاع عن الرسول للورداني- ص141- مصدر سابق)

ويُروَى أن عبد الله بن سعد بن أبي سرح كان يكتب لرسول الله (ص) فأزَلَّه الشيطان – أي ارتد – ولحق بالكُفّار. فأمر به رسول الله أن يُقتَل يوم الفتح. فاستجار له عثمان بن عفان فأجاره رسول الله. رواه أبو داود .                 (المصدر السابق- ص141)

يقول ابن حزم: "لم يختلف أحد من الأمّة كلها على أن هذه الآية (لا إكراه في الدّين) ليست على ظاهرها لأن الأمَّة مُجمِعَة على إكراه المُرتَدّ عن دينه".

(حرية الاعتقاد.. ص106- مصدر سابق)

لكن د. عبد المتعال الصعيدي يقول : " .. إذ لا فرق بين الإكراه في الابتداء والإكراه في الدّوام، لأن الإسلام الذي يحصل به يكون فاسداً في الحالتين".

(المصدر السابق- ص107)

ومعلوم أن الخليفة الأول أبا بكر قد حارب كل صنوف المرتدين حتّى المسلمين الذين ظلّوا مسلمين لكنهم امتنعوا عن دفع الزكاة، مفسرين الآية (103) من سورة التوبة "خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصَلِّ عليهم إنّ صلاتك سكن لهم" أن الزكاة مقابل التمَتُّع بصلاة النبي عليهم، وقد انقطع ذلك بموت النبي.

وقد أورد العشماوي النتائج الخطيرة لحروب هذه الفئة ومنها قوله: "ولقد قنَّن الخليفة الأول بحروب الصدقة (حروب مانعي الزكاة) إشهار سيوف المسلمين على المسلمين وابتداء حرب المؤمنين للمؤمنين، فحروب الرّدّة كانت مُوَجَّهَة ضد مسلمين موحِّدين، ومن مؤمنين مُصَلِّين نحو مؤمنين مصلين، وبها بدأ طريق طويل من حرب المسلم للمسلم وقتال المؤمن للمؤمن، وتعَصُّب كل فرقة لرأيها وتحيُّز كل جماعة لتفسيرها، والسَّعي لفرض التفسير أو الرأي على الغير بالقوة والعنف والحرب والضرب.

(الخلافة الإسلامية للعشماوي- ص(102-104)-  مصدر سابق)

وحجم الرِّدَّة الهائل يدل دلالة قاطعة على أن العرب دخلوا في الإسلام مُكرَهين (ارجع لحروب الرِّدّة في عهد أبي بكر).

يقول د. طه حسين: إن أبا بكر نظر فإذا جزيرة العرب قد انتقضت عليه إلاّ أقلها، فلم يَرَ بُدَّاً من أن يجاهد المرتدين كما كان النبي (ص) يقاتل المشركين من قبل.

(مرآة الإسلام- ص117- مكتبة الأسرة 1994- الهيئة المصرية العامة للكتاب- رقم الإيداع بدار الكتب: 4978/1994- الترقيم الدولي: 9-3833- 01-977)

ويقول عبد الرحن الشرقاوي: لقد ارتدت العرب جميعاً، فلم يَبقَ على الإسلام إلاّ أهل المدينة وأهل مكة والطائف.

(الفاروق عُمَر- ص37- دار غريب للنشر بالفجالة- رقم الإيداع: 4368/95- الترقيم الدولي: 6-159-215-977)

يدل أيضاً على حجم الرِّدَّة أن أبا بكر جهز أحد عشر جيشاً سَيَّرها إلى أحياء العرب التي ارتدت.                                       (المصدر السابق- ص38)

وتقول د. بنت الشاطئ تحت عنوان "التقويم الإسلامي للهجرة": ".. المسلمون قِلَّة والعدو المرتد كَثرَة.               (جريدة الأهرام 13/7/1995)

وقد ذكر الإمام أبو جعفر النّحّاس أنّ النبي قد أكره العرب على دين الإسلام وقاتلهم ولم يَرضَ منهم إلاّ الإسلام ..

(كتاب الناسخ والمنسوخ للإمام أبي جعفر النحاس- ص76- الطبعة الثانية 1417هـ/1996م- مؤسسة الكتب الثقافية –بيروت- لبنان- ص.ب: 5115/114)

إذن، فالخليفة أبو بكر سار على سُنَّة نبيه.

الإكراه ولمحات من التاريخ..

هؤلاء نظروا في التاريخ الإسلامي فقالوا:

·   الشيخ على عبد الرازق (قاضي شرعي): ".. فقد غزا (صلعم) المخالفين لدينه من قومه العرب، وفتح بلادهم، وغنم أموالهم، وسبى رجالهم ونساءهم. ولا شك في أنّه (صلعم) قد امتد بصره إلى ما وراء جزيرة العرب، واستعد للانسياب بجيشه في أقطار الأرض، وبدأ فعلاً يصارع دولة الرومان في الغرب، ويدعو إلى الانقياد لدينه كسرى الفُرس في الشرق، ونجاشي الحبشة ومقوقس مِصر، .. إلخ.

        وظاهر أول وهلة أن الجهاد لا يكون لمجرد الدعوة إلى الدين، ولا لحمل الناس على الإيمان بالله ورسوله، وإنّما يكون الجهاد لتثبيت السلطان، وتوسيع المُلك.

(الإسلام وأصول الحكم – ص147- مصدر سابق)

·   صالح الورداني: "أمّا عُمَر فإنّه هاجم البلاد وأدخلهم في الإسلام بالسَّيف والقهر، ولذلك كره الناس الإسلام واتهموه بأنه دين السيف والقوة، لا دين المنطق واللِّين وصار سبباً لكثرة أعداء الإسلام، فإذن: فتوحات عُمَر شَوَّهَت سمعه الإسلام وأعطَت نتائج سلبية معكوسة."

(المناظرات بين فقهاء السُنّة وفقهاء الشيعة- ص43، 44- الهدف للإعلام والنشر- الطبعة الأولى مايو 1999- رقم الإيداع: 10286/99- الترقيم الدولي: 5-05-5751-977)

·   ابن عبد الحَكَم: "فلَمّا قَدِم عُمَر بن الخطاب (رض) الجابية قام إليه عَمرو بن العاص فخلا به، وقال: يا أمير المؤمنين ايذَن لي أن أسير إلى مِصر.. إنّك إن فتحتها كانت قوة للمسلمين وعوناً لهم وهي أكثر الأرض أموالاً.. فتَخَوَّف عُمَر بن الخطاب على المسلمين وكره ذلك، فلم يزَل عَمرو يعظم أمرها عند عُمَر بن الخطاب، ويخبره بحالها ويُهَوِّن عليه فتحها حتّى ركَن (وافق) عُمَر لذلك، فعقد له على أربعة آلاف رجُل"

(فتوح مصر لابن عبد الحكم – د. إبراهيم أحمد العدوي (أستاذا التاريخ الإسلامي) – ص44- مكتبة الأسرة 1995- الهيشة المصرية العامة للكتاب- رقم الإيداع: 4938/1995 – الترقيم الدولي: 6-4409-01-977)

يقول ابن الحَكَم: " فقد ذكر المفاوضون العرب للروم أنّهم يعرضون عليهم ثلاث خصال، هي الدخول في الإسلام، أو دفع الجزية إذا رغبوا في البقاء على دينهم، وإذا رفضوا الخصلتين السابقتين فلا مناص من القتال في سبيل نشر
الإسلام
"
                     (المصدر السابق- ص28)

·   د. محمد عمارة (عضو مجمع البحوث الإسلامية): " على أن أخطر المواقف التي واجهت عمر بن الخطاب، وهو يرسي القواعد الاقتصادية والاجتماعية للامبراطورية الجديدة، كان الموقف حيال الأرض الزراعية، الواسعة والغنية، التي فتحتها جيوش العرب والمسلمين في المشرق: العراق، وفارس، وفي المغرب: مصر، وفي الشمال: الجزيرة والشام ... فلقد أدرك عمر بن الخطاب أن فتوحات دولته لن تمتد في المستقبل القريب إلى ما هو أبعد كثيراً من هذه الحدود التي امتدت إليها، ومن ثَمَّ فإن هذه الأرض الخصبة التي ترويها أنهار "النيل" و "بردى" ، و"دجلة" و " الفرات" هي الثروة الرئيسية في هذه الامبراطورية حاضراً ومستقبلاً.

ثم نظر الرجل إلى نصوص القرآن، وإلى تطبيقات الرسول ومن بعده أبو بكر، فإذا النصوص والتطبيقات جميعها تعتبر هذه الأرض المفتوحة "فَيئاً" أفاءه الله على الفاتحين، ومن ثَمَّ فإن الحكم هو قسمة هذه الأرض بما عليها ومَن فيها من الفلاحين بين الجنود والفاتحين؟! أي أن القرآن والسُّنَّة يقضيان بتمليك هذه الأرض للجنود الفاتحين ملكية خاصة، وبتحويل شعوب هذه البلاد المفتوحة – وبالذات الفلاحين – إلى عبيد أرقاء لهؤلاء الجُند الفاتحين؟! .

(قضايا إسلامية ]2[- العدالة الاجتماعية لعمر بن الخطاب- ص29- دار الثقافة الجديدة – القاهرة- رقم الإيداع بدار الكتب: 3365/78)

·   طه حسين: " إن عُمَر بن الخطاب أنفق في خلافته القصيرة المدة عشرة أعوام في حَمل العرب على الإسلام، ثم أنفق عاماً وبعض عامٍ في رد العرب إلى الإسلام بعد أن انتقضوا عليه، ثم أنفق سائرها في دفع العرب إلى نشر الإسلام في أقطار الأرض"

(الفتنة الكبرى ]1[- عثمان- ص44- دار المعارف- الطبعة العاشرة- رقم الإيداع : 2580/1984- الترقيم الدولي: 0-0795-02-977)

وفي موضع آخر يقول: " .. وليس هنا موضع البحث عن هذه الهجرة إلى المدينة، وعَمّا أعَدّ الأنصار لنصر النبي وإيوائه، وعن النتائج المختلفة التي أنتجتها الهجرة. ولكنّا نستطيع أن نسجّل مطمئنين أن هذه الهجرة قد وضعت مسألة الخلاف بين النبي وقريش وضعاً جديداً، جعلت الخلاف سياسياً يعتمد في حله على القوة والسيف بعد أن كان دينياً يعتمد على الجدال والنضال بالحُجّة ليس غير.

منذ هاجر النبي إلى المدينة تكونت للإسلام وحدة سياسية لها قوتها المادية وبأسها الشديد، وأحست قريش أن الأمر قد تجاوز الأوثان والآراء الموروثة والسنن القديمة، إلى شيء آخر كان فيما يظهر أعظم خطراً في نفوس قريش من الدين وما يتصل به، وهو السيادة السياسية في الحجاز، والطرق التجارية بين مكة وبين البلاد التي كانت ترحل إليها بتجارتها في الشتاء والصيف. وأنت تعلم أن محاولة الاستيلاء على العير هو أصل الوقعة الكبرى الأولى بين النبي وقريش في بدر. فليس من شك إذن في أن الجهاد بين النبي وقريش قد كان دينياً خالصاً ما أقام النبي في مكة، فلما انتقل إلى المدينة أصبح هذا الجهاد دينياً وسياسياً واقتصادياً، وأصبح موضوع النزاع بين قريش والمسلمين ليس مقصوراُ على أن الإسلام حق أو غير حق. بل هو يتناول مع ذلك الأمة العربية، أو الحجازية على أقل تقدير ، لمَن تذعن، والطرق التجارية لمَن تخضع.

(في الأدب الجاهلي- ص117، 118- الطبعة الثانية عشرة- دار المعارف- رقم الإيداع: 3109/1977- الترقيم الدولي: 7-791-246-977)

·   المستشار محمد سعيد العشماوي : " والخِلافة لم تنشر الإسلام الحَق، ولم تخدم المسلمين. ذلك أنّها نشرت للإسلام صيغة سياسية عسكرية أساءت إليه وشَوَّهَته. ولو لم يتم غزو البلاد* التي أسلم أهلها فيما بعد، وتم نشر الإسلام والدعوة إلى الشريعة من خلال الأفراد والجماعات – لا عن طريق السُّلطة – كما حدث في نشر الإسلام في وسط وغرب أفريقيا وفي جنوب شرق آسيا – لكان ذلك أفضل للإسلام وأنقَى لقِيَمِه، ونفياً لأي ادّعاءٍ يزعم أن الإسلام قد انتشر بحد السيف أو ضغوط السياسة أو إكراه السُّلطة.

ونشر الإسلام في ربوع الأماكن المفتوحة – إن كان نجاحاً – فإنّه لا يقاس بمدى ما ألحق بالمسلمين من هوان، وما بدر بينهم من شقاق، وما انتهى بهم إلى فراق."

(الخلافة الإسلامية للعشماوي- ص23- مصدر سابق)

وفي موضع آخر يقول: ".. فإذا كان الغزو لنشر الإسلام صحيحاً في جانب فإن له جانباً آخر ليس صحيحاً؛ هو أثر الغزو على نفوس المغزوين وطبائع الغازين وروح العقيدة التي يتم على أساسها. ذلك أن الغزو لابد أن يصيب نفوس المغزوين ببعض الجراح التي قد لا تلتئم سريعاً وتظهر نتائجها السيئة ولو بعد حين؛ كما أنه يؤثر على طبائع الغازين (الغزاة) بما قد يجعل منها عدوانية مستمرة وجشعاً وطمعاً في الأسلاب والغنائم والمراكز والمناصب؛ هذا فضلاً عن المردود الخطير الذي يلحق العقيدة ذاتها فيصبغها بالدم ويخلطها بالعنف، بحيث يستحيل على كثير من الناس فيما بعد أن يخلصوا العقيدة من الظروف التاريخية والأعمال الفردية التي داخلتها وخالطتها، فيظنون المؤقت أبداً ويعتقدون أن المرحلي مستمر؛ وبذلك يجنحون إلى العدوان، ويقع مَن ينظر إلى العقيدة ذاتها- تحت وهم التعميم وقصور الرؤية- فيصفها هي ذاتها بالعدوانية والحربية والعسكرية.

ومما يؤيد ما سلف، ويؤكد ما أنف أن فتح فارس والشام ومصر لم يؤدِّ فوراً إلى إسلام الفُرس والشوام والمصريين بل تراخَى إسلامهم فترة وفترات بعد الفتح حتى كان، عندما هدأت النفوس وسكنت الجوانح، واستطاع اهل البلاد المفتوحة من خلال اتصالاتهم الشخصية بالمسلمين العرب أن يتعرفوا على الأصول الإسلامية والأخلاقيات الحقيقية، فتحوّلوا تِباعاً إلى الإسلام*. فلو أن المسلمين الأوائل عمدوا في نشر الإسلام إلى التبشير السِّلمي وتقديم المثل الشخصي- كما حدث بعد ذلك في جنوب وغرب أفريقيا وفي شرق آسيا- لكان التاريخ عامةً والتاريخ الإسلامي خاصة قد كسب كثيراً واتخذ مجرى آخر تماماً؛ ولكان المسلمون قد تجنبوا المذاهب الحربية والاتجاهات العسكرية والحروب المدنية والاغتيالات الشخصية والصراعات الطائفية التي ظهرت داخل الإسلام، وفي بلاد المسلمين، ثم استقرت فيما بينهم، وتداخلت مع بعض الاعتقادات، وتشابكت مع بعض الاتجاهات، وتناسجت ضمن أفكار كثير من
الجماعات".
                      (المصدر السابق- ص107)

·   فضيلة الدكتور سيد أحمد المُسَيَّر (أستاذ التفسير والحديث بكلية أصول الدين ورئيس قسم الدعوة): ".. ومثاله أيضاً ما فعله عمر ابن الخطاب (رض) في سواد العراق لمّا افتتحه عُنْوَة وقهراً فإنه مَنَّ على أهله برقابهم وأراضيهم وجعل عليهم الجزية في رءوسهم والخرَاج في أراضيهم مع أن ما فعله رسول الله -صلعم- في خيبر وقد افتتحها عنوة غير ذلك وهو أنه مَنَّ عليهم برقابهم فقط دون الأراضي فإنه جعلها للفاتحين ولم يمن بها على أهلها ، وكذلك فعله في كل بلد افتتحها عنوة حين يريد أن يمن عليهم لا يمن إلاّ بالرقاب فقط، وهو ما أخذ به الشافعي وسار على مقتضاه إلاّ أن الحنفية قالوا:

هذا الفعل من عمر رضي الله عنه وهو إمام من أئمة الهدى المتبوعين لا يخفَى عليه فعل النبي (ص) في خيبر- دليل على أن ما فعله الرسول (ص) فيها وفي غيرها لم يكن حكماً حتماً لا يجوز غيره بل لإمام المسلمين في ذلك أن يتصرف بما يراه مصلحة وسداداً.. على أن عمر بن الخطاب (رض) لم يفعل ذلك إلاّ بعد استشارة الصحابة مراراً، وقد جمعهم على ذلك وقال: أما إنّي لو تلوت آية من كتاب الله تعالى استغنيت بها عنكم ثم تلا قوله عز وجل "ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى – إلى قوله عز ذكره والذين جاءوا من بعدهم" الآية - ثم قال: أرى لمَن بعدكم في هذا الفيء نصيباً، ولو قسمتها بينكم لم يكن لمَن بعدكم نصيب، فمَن بها عليهم وجعل الجزية على رؤوسهم والخراج على أراضيهم، فيكون ذلك لهم ولمَن يأتي بعدهم من المسلمين".

(السُّنَّة المُطَهَّرَة- ص94- دار الطباعة المحمدية بالأزهر- الطبعة الأولى 1402هـ /1981م- رقم الإيداع: 4927/1981)

سؤال: هل نفهم من كلام فضيلة الشيخ المُسَيّر أن عُمَر عَمل بآي القرآن في حين لم يعمل الرسول بها؟

·   د. سيد محمود القمني: ] وبمرور الوقت لم يبق وداد الود على حاله، فقد استمر يهود يثرب يهوداً دون اندماج كامل يضمن لدولة المدينة تماسكها، ثم تأتي غزوة بدر الكبرى لتضع بيد المسلمين القوة المادية سلاحاً ومالاً، وتمنحهم الثقة النفسية والقوة المعنوية، وهكذا آذن فجر الأيام البدرية بمغرب مرحلة آن لها أن تغرب. وأخذت آيات القرآن تترى تحمل روح سياسة جديدة، تنسخ ما قد سلف من حرية اعتقاد سمح بها في ظرفها، آتية بجديد يوطئ لخلاص يثرب الكلام لدولة الإسلام، لأن الدين قد أصبح عند الله فقط هو الإسلام (إِنَّ الدين عند الله الإسلام) (آل عمران: 19). (ومَن يبتَغِ غير الإسلام ديناً فلن يُقبَل منه) (آل عمرن: 85).

وأخذت الجفوة في الاتساع لتتحول إلى عداء جهير صحبته معارك طاحنة انتهت بخروج يهود من يثرب نهائياً، مع إيضاح جديد تُحيطنا به الآيات عِلماً في قولها: (من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه) (النساء: 46) . (وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه) (البقرة: 75)، ناهيك عن تقرير القرآن أن القائلين بأن الله ثالث ثلاثة قد كفروا، قد صحبته معلومة لم تكن معلومة بالتوراة، وهي أن يهود تقول عن الله الذي لم يلد ولم يولد أنه قد أنجب عزيراً ابن الله.

هكذا كانت حسابات الجدل المتفاعل بين صدق الواقع وبين الوحي الصادق الذي طابق الواقع وتحرك معه في درس عظيم من البرمجة والتخطيط، بدأ على أمر وانتهى إلى أمر، وقفت بعده دولة الرسول موحدة شامخة بعد الخلاص المنكر الإيماني الحي لدعوة الرسول، يهود يثرب.

(السؤال الآخر- ص80- مطابع روز اليوسف (الكتاب الذهبي)- الطبعة الأولى 1998- رقم الإيداع: 4026/98)

وفي موضع آخر يتكلم عن الخط الهمايوني الصادر في عاصمة السلطنة العثمانية بتاريخ 18/2/1856م، بعد أن أضاف إليه العزبي باشا وكيل وزارة الداخلية قراره في فبراير 1934م على هيئة شروط عشرة تقيد حرية بناء الكنائس. في الوقت الذي يتم فيه استغلال الحرية المطلقة لبناء المساجد من أجل منافع شخصية انتهازية دنيوية بحتة يتم عبرها كسر كل القوانين، بإنشاء العمارات السكنية العشوائية في مناطق يُمنَع فيها البناء بحكم القانون. بل والاستمتاع بكافة الخدمات والمرافق، مضافاً إليها منحة الإعفاءات الضريبية على العقار، لمجرد أن صاحبه كان فهلوياً يتاجر بالدين لحسابه الشخصي، وقام بترك مساحة تحت عمارته تخصص كمسجد ليضيف لأوكار الإرهاب وكراً جديداً، يثقل كاهل الأمن بأكثر مما ينوء به أصلاً.

والمعلوم أن هذا الأمر قد أدى إلى وضع ترميم وإنشاء الكنائس بيد رئيس الجمهورية وحده،واستمر قائماً دون تعديل، ودون وضع قوانين تضع الأصول المرعية لتفعيل مواد الدستور في حقوق مواطنة متساوية. حتّى صدر القرار الجمهوري رقم (23) في يناير 1998م بتفويض المحافظين كل في نطاق محافظته لمباشرة اختصاصات رئيس الجمهورية بهذا الشأن.

وهو الأمر الذي يدفع دفعاً إلى التساؤل عن السبب وراء هذا التقييد في جانب، مع الحرية المطلقة على الجانب الآخر؟

والإجابة البسيطة تكمن في سيادة منهج التفكير الطائفي وليس الوطني على مستوى الشارع، بل وعلى كل المستويات، مما أدى إلى اعتبارات تراعي رأياً عاماً غير رشيد على حساب مستقبل الوطن. وهو الرأي الذي تمثله الفتوى العلنية المنشورة في مجلة الدعوة لسان حال جماعة الإخوان في حُكم بناس الكنائس، وذلك في ديسمبر 1980، وتقول نصّاً:

"إن حكم بناء الكنائس في ديار الإسلام على ثلاثة أقسام؛ الأول: بلاد أحدثها المسلمون وأقاموها كالمعادي والعاشر من رمضان وحلوان. وهذه البلاد وأمثالها لا يجوز فيها إحداث كنيسة ولا بيعة. والثاني: ما فتحه المسلمون من البلاد بالقوة كالإسكندرية بمصر والقسطنطينية بتركيا.. فهذه أيضاً لا يجوز بناء هذه الأشياء فيها وبعض العلماء قال بوجوب الهدم لأنها بلاد مملوكة للمسلمين .. والقسم الثالث: ما فتح صلحاً بين المسملين وبين سكانها، والمختار هو إبقاء ما وُجِد بها من كنائس وبيَع على ما هي عليه في وقت الفتح، ومَنع بناء وإعادة ما هُدِم منها".

ويستطرد القمني قائلاً: "فهل تجاوزت فتوى الإخوان الأصول؟ وهل أحدثت في الإسلام جديداً قياساً على ما نسمع من تسامح جميل زمن الفتح؟ وإذا لم يكن الأمر كذلك، فمن أين استمدت الفتوى مشروعيتها؟ وإلى أيّ أصول استندت؟

الواضح من البداية أن الفتوى فتوى طائفية تماماً، تعامل الوطن بعقلية غير مصرية على الإطلاق وتشهد على نفسها بذلك. فهي تتحدث عن بلاد موطوءة بالفتح، وعن ملكية آلت لأصحابها بالغزو، بالأرض ومَن عليها من بشر، لها سادة وفيها أتباع آلوا إلى التبعية الهزيمة وعليهم الخضوع لشروط السيد المنتصر[ .

(الفاشيون والوطن- ص (200-202)- الطبعة الأولى 1999- الناشر المركز المصري لبحوث الحضارة (تحت التأسيس)- رقم الإيداع : 13539/99- الترقيم الدولي: 5- 9828-19-977)

·   د. عبد الله القصيمي (مِن نَجْد - السعودية): فَعَن طريق التكرار المستمر
اكتسب شعار الوحدة العربية قدسية شبه دينية جعلت الهجوم عليه غير ممكن. وبسبب الشحن العاطفي لهذا الهدف أصبح تمحيصه أو التشكيك في جدواه خطيراً كالسؤال التالي: "هل من الخير أن يعود النبي محمد أو خلفاؤه الراشدون
ليقيموا دولة عربية واحدة تفتح كل العالم، وتستَرِقّ كل العالم، كالذي حدث يوماً
ما
.. ؟".

(من أصولي إلى مُلحِد- ترجمة محمود كبيبو- ص179- دار الكنوز الأدبية- الطبعة العربية الأولى 2001- ص.ب: 7226- 11 – بيروت – لبنان)

·   سيف بن عُمَر (مؤَرِّخ سلَفي): "إن الإسلام لم ينتشر إلا بحد السّيف وإثارة النزعات القبَلية، وللانتصار للعدنانية على القحطانية، ..".

(عبد الله بن سبأ – الحقيقة المجهولة- ص90- دار الهادي – الطبعة الأولى 1999- غبيري- بيروت- لبنان- ص.ب: 286/25)

·   محمود عبد الرازق عفيفي: "ويمكن أن نقول إن الامبراطورية الإسلامية العسكرية الغازية انتشرت بحد السيف، وانتشر الإسلام تِباعاً، إما لأن سنة المغلوب يدخل في دين الغالب، وإما الرهبة أو الخوف أو لوضع الجزية أو عن عِلم حقيقي بالإسلام وهُم العلماء – وهم قِلَّة جداً. ".

(هذا قرآني- الطبعة الأولى- ص19- رقم الإيداع بدار الكتب: 7372/1995)

·   أحمد أمين: "وأفهَمَ الإسلامُ (العربَ) أن دينَهم خير الأديان، وأن العالم حولَهم في ظلام، وأن نبيهم هادي الناس جميعاً، وأنهم ورثته في هداية الأمم، فكان ذلك من البواعث على غزو هذه الأمم يدعونها إلى دينهم، ويبشرون به،...".

(فجر الإسلام- ص117- مصدر سابق)

وفي موضع آخر يقول: "وكثير من هذه البلاد فُتِحَت عُنوَة، فكان أهلها عُرضَة للأسر والسبي، حتّى أكبر الأسَر وأعظمها جاهاً، ذكر الزمخشري في كتابه "ربيع الأبرار": "أن الصحابة (رض) لَمّا أتوا المدينة بسبي فارس في خلافة عُمَر بن الخطاب كان فيهم ثلاث بنات ليزدجرد (ملك الفُرس) فباعوا السبايا، وأمر عُمَر ببيع بنات يزدجرد أيضاً.. ".           (المصدر السابق- ص140)

·   د. عبد الهادي عبد الرحمن: ".. بالإضافة إلى ذلك فإن محمداً لم يسكت عند فتح مكة، بل انطلق – وقد تحررت يداه نهائياً – إلى القبائل يحصدها حصداً، وتوَّج احتلاله لمكة وضرباته الموجعة بعام الوفود القادمة من كل البلاد العربية، يعلنون إسلامهم وولاءهم للسُّلطة الجديدة في مكة، وخضعوا خوفاً ووقاية وحاجة اقتصادية ودينية (لأن محمداًَ كان قد منع أن يقرب الوثنيون الكعبة)، ثم يقرر النبي – بعد منع المشركين عن المسجد الحرام – القتال كبديل عن الراحة، والجزية أو الغنيمة "كبديل" عن التجارة.

(جذور القوة الإسلامية- ص162- الطبعة الأولى نيسان/أبريل 1988- بيروت- لبنان- ص.ب: 1813/11)

·   جوزيف شاخت، و كليفورت بوزورث: " ففي الكتابات الإسلامية يصبح العالم المسيحي دار الحرب بالمعنى الصحيح، والحرب ضد العالم المسيحي هي النمط النموذجي والأصلي للجهاد.

يمكن تبين الصراع بين الإسلام والمسيحية، من الناحية العسكرية، في أربع مراحل متداخلة: مرحلتين للهجوم، ومرحلتين للهجوم المعاكس. وفي كل هذه المراحل انتقلت أراضي واسعة وآهلة بالسكان عن طريق الفتح من جهة لأخرى، الأمر الذي أدى إلى نتائج عميقة أثرت في كليهما.

بدأ الصِّدام بين الإسلام والمسيحية في حياة الرسول (ص)، ففي المراحل الأولى لرسالته، حين كان الكفاح الأساسي مُوَجَّهاً ضد الوثنية العربية، كان موقفه من اليهود والمسيحيين ودياً ويتصف بالاحترام. غير أن قيادة الجماعة جعلته يحتك ثم يصطدم بكليهما. في بادئ الأمر كان اليهود، الممثلون بقوة في المدينة، هم العدو المباشر، في حين أن المسيحيين بقوا حلفاء يحتمل إدخالهم في الدين. وبعد ذلك ، عندما أدّى التوسع في نفوذ جماعة المدينة إلى تصادم المسلمين بالقبائل المسيحية في الجزيرة العربية وعلى الجبهات الشمالية انتهت العلاقات مع المسيحية، كما هو الحال بالنسبة لليهودية، إلى الحرب: "قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتّى يُعطوا الجزية عن يد وهُم صاغرون" (التوبة: 29). و"وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل. قاتلهم الله أَنّى يؤفكون" (التوبة: 30).

هذه الآيات فُسِّرَت على أنها تلغي ما سبق من الوحي الذي كان يعبر عن موقف أكثر مودة وتشجيعاً لغير المسلمين. ففيها الأساس القرآني للتعاليم الشرعية التي تفرض على المسلمين مقاتلة المسيحيين واليهود وغزوهم. فإذا رفضوا الإسلام فُرِضَت عليهم عقوبات مالية واجتماعية.

وتقول الروايات الإسلامية إنه في السنة السابعة للهجرة (628م) أرسل الرسول رسالتين من المدينة إلى قيصر وكسرى – الإمبراطورين الروماني والفارسي – يبلغهما فيهما برسالته ويدعوهم لقبول الإسلام أو لتحمل عواقب عدم الإيمان. على أن الاتجاه العام اليوم هو إلى اعتبار نَص هاتين الرسالتين ، وحتّى قصة إرسالهما أمراً مشكوكاً فيه*، ولكن هاتين الرسالتين، مثلهما مثل الكثير من الروايات الإسلامية، تعكسان تقييماً دقيقاً وإن يكن لاحقاً للواقع. فالعلماء يختلفون فيما إذا كان محمد (ص) قد فَكّر حقاً بفتح الإمبراطوريتين وإدخالهما في الإسلام. على أنه ما من شك في أنه بدأ العمليات التي كان من شأنها، إلى حدٍّ كبير، تحقيق ذلك.

كانت خيبر أول فتح إسلامي، وهي واحة تبعد حوالي 100 ميلاً إلى شمالي المدينة على الطريق إلى الشام. وكان يسكنها اليهود، وبعضهم كان قد أُخرِج من المدينة. وفي عام 628م قاد محمد (ص) جيشاً قوامه 1600 رجلاً ضد خيبر واستطاع أن يحتل الواحة خلال ستة أسابيع وسمح لليهود أن يحتفظوا بأهلهم ويمارسوا دينهم. وذهبت أراضيهم وممتلكاتهم إلى الفاتحين، لكن سمح لهم بالبقاء في حقولهم وبفلاحتها مقابل دفع نصف المحصول للمالكين الجدد.

وفي تاريخ لاحق طرد الخليفة عُمَر، يهود خيبر من واحتهم، ويُقال إنه فعل ذلك حتّى لا يَبْقى غير دين واحد هو الإسلام في أرض الجزيرة العربية المقدسة. على أن الترتيبات التي فرضها عليهم الرسول بالأصل أصبحت، مع شيء من التغيير البسيط، هي النَّمَط المُتَّبع في الفتوحات التالية. ولقد بدأ التوسع باتجاه الشمال، في الأراضي المسيحية في السنوات الأخيرة من حياة محمد (ص). وقد ضم خلفاؤه، تحت الحكم الإسلامي، مناطق واسعة من العالم المسيحي، بما في ذلك الأراضي الداخلية المسيحية في الشرق الأوسط وكل شمال أفريقيا وإسبانيا وأجزاء من فرنسان وإيطاليا، ومعظم جزر البحر المتوسط. "

(تراث الإسلام- ص (240-242)- كتاب عالم المعرفة (الكويت) – ج1- الطبعة الثالثة مايو/أيار 1998- مديرة التحرير سحر الهنيدي- الترقيم الدولي: 8-005-0-99906)

·   الشيخ خليل عبد الكريم: ولأننا في هذا الكتاب كشفنا عن حقيقة تاريخية مستمدة من (النصوص) ذات الدرجة الأولى (القرآن والسُّنّة) ومن كتب التراث العوالي التي يضعها كل مسلم على عينيه ورأسه ولا يماري في مقامها المحمود إلا الشَّكِس النَّكِد العَنود.

تلك الحقيقة التاريخية هي استعمال السيف مع كل مَن رفض اعتناق الدين الإسلامي من المشركين أو الكُفّار أو الوثنيين، وذلك داخل الجزيرة العربية. وقدّمنا الأسانيد عليها . ومن الغريب أن سلفهم الصالح لم يكن يعمل على إخفائها بل كان يظهرها بكل سهولة وسلاسة، ثم جاء الخلف الميمون وحاول وما زال يحاول طمسها ودسها دسيساً متناسين أن الحقائق التاريخية من أعسر العُسر بل من المحال حجبها ومواراتها وصرف النظر عنها فما بالك إذا كانت ثابتة ثبوتاً قاطعاً بالنصوص وبالمصادر التراثية صاحبة الرتبة السامية ولإمام أهل الشام الأوزاعي قالة موجزها أنك إذا استندت في تدعيم حجتك إلى آثار السّلف فلا يهمك إن قبلك الناس أو رفضوك.

والإسلاميون عندما يجهدون جهدهم في تغطية حقيقة امتشاق الحُسام لإذاعة الديانة الإسلامية (نكرر داخل الجزيرة) ونشرها وفشوها والتضبيب عليها والتعمية عليها بل وحتّى تسويغها أو تجميلها وتزيينها... إلخ، إنّما ينطلقون في ذلك من منهج مغلوط مفاده مقايسة أحداث القرون الوسيطة بموازين القرن الواحد بعد العشرين...

وهذا المسلك الذي طبّقه الإسلام والذي أكّدته آية السيف وأعلنه محمد في حديث صحيح أوردته العوالي من كتب السّنّة ومنها الصحاح الستة كما أوضحنا في حينه وهو (أُمِرتُ أن أُقاتل الناس حتّى يقولوا و يشهدوا ألاّ إله إلاّ الله) هو الذي كان يتوافق مع ظروف ذيّاك الزمان ويتلاءم مع ذلك المكان ويتواءم مع أولئك المخاطَبين بالدين الذي رفضوه ولم يؤمنوا به إلاّ بحرّ أو بحَدّ السَّيف...

السيف لأن الأعراب الأشاوس فتحوها واستعمروها واستوطنوها، ولم يكن يعنيهم الدين بل كان همهم الأكبر : كسح الخيرات واستعباد الرجال وسبي النسوان والفتيات والاستيطان إذا راق لهم المكان...

ليس هذا دفاعاً وتبريراً أو تسويغاً أو تزويقاً أو تجميلاً أو نقشاً أو برقشة.. إلخ، إنّما هو عرض لحقيقة تاريخية ثابتة لا سبيل لنكرانها لأن النصوص ومصادر السلف انتصبت لتقديم الأدلة القاطعة عليها .. والحقائق التاريخية ليست في حاجة إلى تزيين أو تقبيح إنّما المطلوب تحليل للظروف الموضوعية التي واكبتها وليس تحسيناً أو تسويئاً لها لتجلية صورتها وتوضيح قسماتها وإبراز ملامحها.

(دولة يثرب- بصائر في عام الوفود- ص (395-397) – الطبعة الأولى 1999- دار سينا للنشر- القاهرة- دار الانتشار العربي ببيروت- ص.ب: 5752/113- الترقيم الدولي: 410 841170 1)

·   د. محمد حسين هيكل: ومَتَى حكم السَّيف فقُل على العقل وعلى العِلم وعلى الخير وعلى المحبة وعلى الإيمان بل على الإنسانية نفسها العفاء.

(حياة محمد- مكتبة الأسرة 2001- الهيئة المصرية العامة للكتاب- ص577- رقم الإيداع: 9363/2001- الترقيم الدولي: 0-7234-01-977)
 

وقد صدق مَن قال: ليس أبلَغ من التاريخ حُجَّة ومن الواقع سَنَداً ومِن الأحداث دليلاً!

        والغريب أن الإكراه يأتي بمسلمين وليس بمؤمنين، بل قد يأتي بمنافقين يقولون الشهادتين ويؤدّون الفرائض أمام الناس، أما قلوبهم فبعيدة عن الإيمان الحقيقي بالله، مع أن القرآن يخبرنا أن الله يريد إيماناً وليس إسلاماً..

"مَن آمَن بالله واليوم الآخِر وعمل صالحاً لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هُم يحزنون" (البقرة: 62) ومؤكَّدَة في (لمائدة: 69).

ومن المستحيل أن تتوفر هذه الشروط عند شخص أُكرِه على الإيمان.

القرآن بين الإسلام والإيمان..

يخبرنا القرآن في سورة (مدنية) أن المطلوب هو الإيمان وليس الإسلام، وما الإسلام (النطق بالشهادتين) إلاّ إعلان الانقياد تحت راية الإسلام، أما الإيمان فهو ثقة قلبية ، أي نابعة من أعماق القلب وهذا ما يريده الله.

ففي (الحجرات : 14): "قَالَتْ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلْ الآيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ".

جاء في تفسير البيضاوي: (قالت الأعراب آمنّا) نزلت في نفر من بني أسَد قدموا المدينة في سنة جدبة وأظهروا الشهادتين...

(قُل لم تُؤمنوا) إذ الإيمان تصديق مع ثقة وطمأنينة قلب، ولَم يحصل لكم إلاّ لما مَنَنْتُم على الرسول (ص) بالإسلام وترك المقاتلة كما دَلّ عليه آخر السورة.

(ولكن قولوا أسلمنا) فإن الإسلام انقياد ودخول في السِّلم وإظهار الشهادتين وترك المحاربة و..... . ولم تؤاطيء قلوبكم ألسنتكم بَعد. (وإن تطيعوا الله ورسوله) بالإخلاص وترك النّفاق. (لا يلتكم من أعمالكم شيئاً) لا ينقصكم من أجورها شيئاً.

(تفسير البيضاوي (5/220)- مصدر سابق)

ويقول ابن كثير: "يقول تعالَى مُنكِراً على الأعراب الذين أول ما دخلوا في الإسلام ادّعَوا لأنفسهم مقام الإيمان، ولم يتمَكّن الإيمان في قلوبهم بعد. وقد استُفيد من هذه الآية الكريمة: أن الإيمان أخص من الإسلام كما هو مذهب أهل السُّنّة والجماعة ويدل عليه حديث جبريل عليه السلام – حين سأل عن الإسلام، ثم عن الإيمان، ثم عن الإحسان، فتَرَقَّى من الأعَمّ إلى الأخص، ثم للأخَصّ منه.  

(تفسير بن كثير (7/367)- مصدر سابق)

وقد ذهب البخاري إلى أن هؤلاء كانوا منافقين يُظهِرون الإيمان وليسوا كذلك.

(المصدر السابق- ص368)

وقد رُوِيَ عن سعيد بن جبير، ومجاهِد، وبن زيد أنهم قالوا في قوله : (ولكن قولوا أسلمنا)، أي: استسلمنا خوف القتل والسباء. قال مجاهد: نزلت في بني أسد بن خزيمة.

(المصدر السابق)

وقال الواحدي في أسباب نزول الآية: نزلت في أعراب بني أسد بن خزيمة ... أظهروا الشهادتين ولم يكونوا مؤمنين في السِّر.

(أسباب النزول للواحدي النيسابوري- ص336- دار الحديث بالقاهرة- تحقيق أيمن صالح شعبان- الطبعة الرابعة 1998- رقم الإيداع: 5095/98- الترقيم الدولي: 8-002-300-977)

وقال الجلالان في تفسيرهما: (قالت الأعراب) نفر من بني أسد (آمنّا) صَدَّقنا بقلوبنا (قُل) لهم (لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا) أي انقدنا ظاهراً (ولمّا) أي (لم يدخل الإيمان في قلوبهم) إلى الآن لكنّه يُتَوَقَّقَع منكم (وإن تطيعوا الله ورسوله) بالإيمان وغيره (لا يَلِتكُم) لا ينقصكم (من أعمالكم) أي من ثوابها (شيئاً إن الله غفور رحيم) للمؤمنين (رحيم) بهم.

(تفسير الجلالين – ص436- مصدر سابق).

وفي تفسير المنتخَب (المجلس الأعلى للشئون الإسلامية): قالت الأعراب بألسنتهم: آمنّا، قل لهم – يا محمد - : لم تؤمنوا، لأن قلوبكم لم تُصَدِّق ما نطقتم به ، ولكن قولوا : انقدنا ظاهراً لرسالتك، ولَمّا يدخل الإيمان في قلوبكم بعد، وإن تطيعوا الله ورسوله صادقين لا ينقصكم من ثواب أعمالكم أي شيء..

(تفسير المنتخب- ص764- مصدر سابق)

ويعلّق على الآية د. محمد حسين هيكل في كتابه حياة محمد قائلاً: وهؤلاء الذين يسلمون دون إيمان، وإنّما يسلمون عن رغبة أو رهبة أو هوى، تظل نفوسهم ضعيفة عقائدهم مزعزعة وقلوبهم مستعدة للإذعان للناس والخضوع لأمرهم.

(حياة محمد – ص523- مصدر سابق)

وفي موضع آخر يقول: لبسوا الإسلام على أبدانهم، ولم ينفذ منه شيء إلى وجدانهم. وكثير منهم كان يحمل إلهه معه يعبده في خلوته، ويصلّي مع الجماعات لتمكين سلطته.

(المصدر السابق- ص571، 572)

ويعلق المستشار محمد سعيد العشماوي قائلاً: وأغلب هؤلاء الأعراب لم يدخلوا الإسلام – كما يقول القرآن – طائعين مختارين للدين ذاته، لكنهم فعلوا ذلك تسليماً لسلطة النبي وسلطان المؤمنين من المهاجرين والأنصار، ..

وليس أدَلّ على تقدير وتفكير هؤلاء الأعراب من أنهم – حتّى في عصر النبي – كانوا يتوقعون المغانم من دخولهم الإسلام.

(الخلافة الإسلامية للعشماوي- ص50- مصدر سابق)

ويعلّق حسين عبد الله المعتوق: وهذه الآية الكريمة تدل على عدة أمور منها:

أن الإسلام أعَمّ من الإيمان، فالإسلام هو ما ظهر من أقوال الإنسان وأفعاله سواء استقر في القلب أو لم يستقر، بخلاف الإيمان فهو ما استقر في القلب، وإلى هذا المعنى ذهب عِدَّة من المحققين من مختلف علماء المذاهب الإسلامية.

(جذور الانحراف- دراسات في أسباب وتاريخ انحراف الأمة- ص17- الطبعة الأولى 2002- دار الكاتب العربي- غبيري- بيروت- ص.ب: 355/25)

ويقول د. طه حسين: وأظهروا أنّهم قد أسلموا لسلطان النبي دون أن تؤمن به قلوبهم، فأظهروا ما أظهروا من الرِّدّة، وجعلوا يساومون في الزكاة، وتقول وفودهم لأبي بكر: نقيم الصلاة ولا نؤدِّي الزكاة.

(الشيخان- ص12- الطبعة السادسة- دار المعارف- رقم الإيداع: 3026/1978- الترقيم الدولي: 6-285-247-977)

وفي موضع آخر يقول: فأولئك الأعراب الذين أعلنوا أنهم آمنوا، يأمر الله نبيه أن يرد عليهم بأنهم لم يؤمنوا، ويأذن لهم في أن يقولوا أسلمنا، وإن كان الإيمان لم يدخل في قلوبهم بَعْد...

وإذن فقد كان في عهد النبي (صلعم) مؤمنون ومسلمون.

فما عسى أن يكون الفرق بين الإيمان والإسلام؟ فأمّا الإيمان فالظاهر من هذه الآية الكريمة نفسها، أنّه شيء في القلوب قوامه إخلاص الدين لله من دخيلة النفس واستقرار التصديق بوجوده وبإرساله النبي وبكل ما أوحي إليه في أعماق الضمير.....

(مرآة الإسلام- ص176- مصدر سابق)

واضح إذن من كل التفاسير وأقوال المفكرين أن النطق باللسان وقول الشهادتين (إعلان الانقياد تحت راية الإسلام) ليس دليلاً على الإيمان، وقد يخفي وراءه نفاقاً كما في حالة الأعراب من بني أسد . فالإيمان تصديق قلبي لا يطلع عليه غير الله.

إذن، فمن المستحيل إكراه إنسان على الإيمان وهو الدرجة الأخص الأرقى المطلوبة بحسب ما جاء في (الحجرات: 14).

لذلك يُعَرِّف بن قتيبة الإسلامَ بأنّه الدخول في السِّلم، أي في الانقياد والمتابعة. قال تعالى في (النساء: 94): (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمْ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا) أي: انقاد لكم وتابعكم. والاستسلام مثله. (عن كتاب اللسان 15/286)

(تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة- ص479- تحقيق السيد أحمد صقر- الطبعة الثانية 1973- مكتبة دار التراث بالقاهرة- رقم الإيداع: 5028/1973)

ألَم يقُل إمام الدُّعاة: الله خلق الناس مختارين حتّى يعبدوه عن حُب، لأنه لا يريد قوالب تخضع وإنّما يريد قلوباً تخشع. إذن فالعقائد لا إكراه عليها.          (سبق ذكره)

من ناحية أخرى يقول د. طيب تيزيني (مفكر سوري): بل لعلنا نرى في القرآن تأكيداً على أن "الله" هو "الأعلم" بمَن يضل وبمَن يستقيم، وعلى أنه – من ثَمَّ – يأمر نبيه بأن يجادل محاوريه "بالتي هي أحسن"، منبهاً إياه قائلاً بأن "ربك هو أعلم بمَن ضل". فأن يكون "رب النبي هو ما هو عليه، إنّما يعني أن ذلك يفضي إلى المصادرة على الحقيقة حيال النبي ومَن حوله. وهذا بدوره، يعلق "الحكم" على الضال والمستقيم كليهما إلى "يوم الحساب"، مفسحاً الطريق رحبة أمام احتمالات "التوبة"، عَبر حوار "مع الذات – ذات المؤمن" وبينها وبين "علاّم الغيوب".

(النَّص القرآني أمام إشكالية البنية والقراءة- د. طيب تيزيني- ج5- ص258- طبعة 1997- دار الينابيع للنشر – دمشق- ص.ب: 6348)

ختام:

] إن بعض الناس يرون أنّه من الأيسر لهم أن يُشهِروا السيوف

من أن يوجِدوا الضمائر، وأن يعلنوا الحرب من أن يُنَقُّوا القلوب،

وأن يقتلوا الناس بدلاً من أن يُحيُوا الجميع؛

ولذلك فقد جعلوا من الجهاد سيفاً وحرباً وقتلاً،

وفي الصحيح أنه ضمير وقلب وحياة [.

المستشار محمد سعيد العشماوي.

(الإسلام السياسي للعشماوي- ص116- الطبعة الثالثة 1992- دار سينا للنشر- رقم الإيداع: 8701/1987- الترقيم الدولي: 9-385-103-977) 

..انتهى..

 

*  تتبع دكتور مصطفى زيد الآيات التي ادُّعِيَ نسخها بآية السيف فوصلت إلى مائة واربعين آية (ارجع للمصدر).

*  يقول د. عبد الآخر الجهاد في الاصطلاح الشرعي هو قتال الكفار لإعلاء كلمة الله - انظر المصدر.

* من المتهمين في قضية اغتيال السادات.

*  يقول المؤرخ محمد أركون: ينبغي أن نذكر هنا أن القرآن الذي ظهر بعد التوراة والأناجيل من حيث الزمن يعترف بتلك اللحظتين من لحظات لوحي ويُقَدِّم نفسه بصفته آخر تجليات الكتاب السماوي بين البشر (آخر الوحي). بالمقابل نجد أن يهود المدينة ومسيحييها قد رفضوا الاعتراف بمحمد كنبي، وهذا ما يفسر لنا سبب القطيعة الحاصلة بين الطرفين حوالي نهاية الفترة المدنية. ونجد في القرآن آيات عديدة شديدة التسامح تجاه "بني إسرائيل" والمسيحيين. ولكن نجد في سورة التوبة ، التي أوحيَت عام 630هـ بعد فتح مكة من قِبَل المؤمنين ، الأية التالية التي استخدمت في ما بعد كأساس لتحديد المكانة القانونية لليهود والمسيحيين الذين أصبحوا ذميين ، أي محميين. تقول الآية "قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا اليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين آوتوا الكتاب حتّى يُعطوا الجزية عن يد وهُم صاغرون. وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارَى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنَّى يؤفَكون" (الآيتان 29، 30).

*  المستشار يعتبرها غزواً وليس فتوحات.

*  نتحَفَّظ على هذه الجملة موجهين القارئ إلى بحث "مفهوم النجاة في الإسلام"، وبحث "من السيرة النبوية".

* الرسالة إلى هرقل عظيم الروم وردت في البخاري وبدأت بعبارة "اسلَم تَسلَم"- كتاب بدء الوحي – طبعة مكتبة الإيمان بالمنصورة 2003م.

الصفحة الرئيسية