لاهوت المسيح البابا شنودة الثالث

Divinity of Christ By H. H. Pope Shenouda III

مقدمة الكتاب

الفصل الأول :

لاهوته من حيث مركزة في الثالوث القدوس

1 ـ هو اللوجوس ( الكلمة )

2 ـ بنوة المسيح للآب

البشر أبناء الله

نوع بنوتهم

بنوة المسيح للآب

الابن

ابن الله الوحيد

3 ـ علاقة المسيح بالأب

4 ـ جلوسه عن يمين الآب

5 ـ إرساله للروح القدس

6 ـ علاقاته الأخرى بالروح القدس

استنتاج

الفصل الثاني : السيد المسيح وصفاته الإلهية

7 ـ قدرته على الخلق

8 ـ المسيح معطي الحياة

9 ـ السيد المسيح فوق الزمان

10 ـ المسيح موجود في كل مكان

الله هو الموجود في كل مكان

استنتاج

11 ـ نزوله من السماء

12 ـ هو الأول والآخر

الله وحده هو الأول والآخر

السيد المسيح هو الأول والآخر

ماذا نستنج ؟

 

محاولتان للرد

13 ـ المسيح هو الرب

14 ـ الإيمان به

15 ـ قبوله العبادة والسجود

16 ـ له المجد إلى الأبد

17 ـ المسيح هو الصالح القدوس

ليس أحد صالح إلا الله وحده

المسيح قدوس وصالح

سؤال وجواب

18 ـ المسيح يغفر الخطايا

الحكمة في أن الله وحده غافر الخطايا

السيد المسيح يغفر الخطايا

استنتاج

19 ـ المسيح هو الديان

الله وحده هو الديان

المسيح هو الديان

استنتاج

20 ـ المسيح هو فاحص القلوب والكلي

السيد المسيح يفحص القلوب ويعرف الأفكار

استنتاج

21 ـ المسيح هو المخلص والفادي

الأساس اللاهوتي

المسيح هو مخلص العالم وفاديه

وهو جاء ليخلص من الخطايا

والمسيح قدم خلاصاً تاماً أبدياً

والمسيح وحده هو المخلص

ماذا نستنتج ؟

الفصل الثالث : آيات صريحة تدل على لا هوته

المسيح إله ـ الله

لا يوجد سوي إله واحد

استنتاج

الفصل الرابع : شهادة سلطانه المطلق ومعجزاته

سلطان المسيح المطلق

سلطانه على الطبيعة

سلطانه على الملائكة

المسيح هو صاحب الملكوت

سلطانه على الشياطين

سلطانه على الشريعة

سلطانه على الحياة والموت

سلطانه على نفسه

شهادة معجزاته

مقدمة الكتاب

لاهوت المسيح موضوع من أهم الموضوعات الحيوية في العقيدة المسيحية . وقد قامت بخصوصة هرطقات كثيرة في شتى العصور ، تصدت لها الكنيسة وردت عليها . ولعل من أخطر الهرطقات البدعة الأريوسية التى اشتدت في القرن الرابع الميلادى ، وانعقدت بسببها مجامع مكانية وأيضاً أول مجمع مسكونى في التاريخ ، انعقد سنة 325م ، وحضره318 أسقفاً يمثلون كل كنائس العالم ، وشجبوا آريوس وبدعته ، ووضعوا قانون الإيمان المسيحى . ومع ذلك ظلت بقايا الأريوسية منتشرة إلى يومنا هذا ... وقام ضد لاهوت المسيح فلاسفة وعلماء ملحدون ...

وقامت ضده بدعة شهود يهوه الرئيسى إلى نيوريورك سنة 1909 بامريكا جمعية " برج المراقبة والكراريس " ولهم العديد من الكتب ، أهمها ليكن الله صادقاً ، والحق يحرركم وقيثارة الله ، والخلاص ، والخليقة ، والغنى والاستعداد والحكومة ، والعالم الجديد ، والمصالحة ، والوقاية ونظام الدهور الإلهى ... ومجموعة عديدة من النبذات يسمونها الكراريس . وسنحاول في هذا الكتاب أن نتكلم عن لاهوت المسيح ببحث ايجابى نثبت فيه هذه العقيدة الاساسية من الكتاب المقدس . ولعلنا في كتاب آخر نتناول كل الاعتراضات مع الرد عليها . وقد تعرض للاعتراضات كثير من قديسين عاصروا الحركة الآريوسية ومنهم :

1 ـ القديس أثناسيوس الرسولى في كتابه ضد الأريوسيين Contra Arianos .

2 ـ القديس ايلارى أسقف بواتييه في كتابه عن الثالوث De trinitate . .

3 ـ القديس باسيليوس الكبير .

4 ـ القديس غريغوريوس اسقف نيصص .

5 ـ القديس غريغوريوس الثيولوغوس في مقالاته اللاهوتية .

6 ـ القديس كيرلس الأورشليمى في محاضراته للموعوظين ( المعدين للعماد ) .

أما في بحثنا هذا الايجابى فسنقدم اثباتات للاهوت المسيح من نصوص الكتاب المقدس بعهديه . وقد بدأت هذا البحث منذ يوليو 1953 حينما نشرنا أول مقال عن شهود يهوه في مجلة مدارس الأحد . ثم تتابعت المقالات خلال عامى 1953 ، 1954 م ، وقمت بتدريس هذا الموضوع الكلية الاكليريكية في تلك السنة . ثم عدت لتدريسه مرة أخرى في الستينيات وأنا أسقف للاكليريكية . وأجبت على كثير من الاسئلة الخاصة به في المحاضرات العامة . وقمت بتدريسه أيضاً في الكلية الاكليريكية بجرسى ستى ، ولوس أنجلوس . وأخيراً رأيت من الأفضل طبعه كمنهج دراسى . في كليتنا اللاهوتية بشتى فروعها .

البابا شنوده الثالث

الفصل الأول

لاهوته من حيث مركزه في الثالوث القدوس

هو اللوجوس ( الكلمة )

دعى السيد المسيح بالكلمة في ثلاثة مواضع هامة :

1 ـ ( يو1 : 1 ) " في البدء كان الكلمة والكلمة عند الله . وكان الكلمة الل " وهنا الحديث عن لاهوته واضح تماماً .

ب ـ ( 1يو5 : 7 ) " اللذين يشهدون في السماء هم ثلاثة : الآب والكلمة والروح القدس . وهؤلاء الثلاثة هم واحد " ( وهنا اللاهوت واضح أيضاً . والكلمة هنا بدلاً من ( الابن ) في ( متى28 : 19 ).

ج ـ ( رؤ19 : 13 ) وهو متسربل بثوب مغسول بدم . ويدعى اسمه كلمة الله .

وعبارة ( الكلمة ) هي في اليونانية اللوجوس .

وهي لاتعنى لفظة . وإنما لها معنى لغوى وفلسفى واصطلاحى . كلمة لوجوس مأخوذة من الفعل اليونانى ومعناه ينطق .. وجاء منه المنطق Pronunciation إنما يعنى النطق المعقول أو العقل المنطوق به .

ومن هنا كانت عبارة الكلمة تعنى عقل الله الناطق أو نطق الله العاقل . فهى تعنى العقل والنطق معاً . وهذا هو موضع الابن الثالوث القدوس . وطبيعى أن عقل الله لا ينفصل عن الله . والله وعقله كيان واحد . وإذا كان شهود يهوه يرونه إلهاً أصغر غير الله ( الإله الأكبر الكلى القدوة ) ، فهم لا يفهمون معنى عبارة الكلمة التى هي اللوجوس في ( يو1 : 1 ) وفي ( 1يو5 : 7 ) .

ومادام المسيح هو عقل الله الناطق ، إذن فهو الله ، وإذن فهو أزلي ، لأن عقل الله كائن في الله منذ الأزل . وإذن فهو غير مخلوق . لأن المخلوق لم يكن موجوداً منذ خلقه . ومحال أن نقول هذا عن الله . وهل يعقل أحد أن الله مر عليه وقت كان فيه بدون عقل !؟ ثم بعد ذلك خلق لنفسه عقلاً ! وبأى عقل يخلق لنفسه عقلاً ؟! إن فهم الثالوث يعرفنا أزليه الأقانيم الثلاثة . وأن أقنوم الكلمة من طبيعة الله ذاته ، وكائن فيه منذ الأزل .

وهكذا فإن الاقنوم الثاني ، اللوجوس ، الكلمة ، هو اقنوم المعرفة أو العقل أو النطق في الثالوث القدوس ، هو " المسيح المدخر فيه جميع كنوز الحكمة والعلم " ( كو2 : 3 ) ، أو هو أقنوم الحكمة في الثالوث لذلك قال القديس بولس الرسول عن السيد المسيح إنه " حكمة الله " ( 1كو1 : 24 ) . لذلك لما تجسد ، رأينا الله فيه ، الله لم يره أحد قط ( يو1 : 18 ) أى لم يره أحد في لاهوته . ولكنه لما تجسد ، لما ظهر في الجسد ( 1تى3 : 16 ) رأيناه في هذا الجسد ، رأيناه متجسداً . ولذلك قال القديس يوحنا الرسول " الله لم يره أحد قط . الابن الوحيد الكائن في حضن الآب هو خبر " ( يو1 : 18 ) أى هو الذى أعطانا خبراً عن الله ، عرفنا الله .

وبهذا المعنى قيل أنه " صورة الله غير المنظور " ( كو1 : 15 ) . وقيل " الذى إذ كان في صورة الله ، لم يحسب خلسة أن يكون معادلاً لله . بل أخلى نفسه آخذاً صورة عبد " ( في2 : 5 ـ 7 ) . أى أنه إن ظهر انه معادل لله ( مساو له ) ما كان يحسب هذا اختلاساً ، لأنه هو هكذا فعلاً . إنما وهو معادل للآب ، أخلى نفسه من هذا المجد بتجسده ، وأخذ صورة عبد صائراً في شبه الناس ... وأطاع حتى الموت موت الصليب ( في2 : 8 ) .

وقال عنه القديس بولس في بدء رسالته إلى العبرانيين " الذى به أيضاً عمل العالمين . الذى بهاء مجده ورسم جوهره ... بعدما صنع بنفسه تطهيراً لخطايانا ، جلس في يمين العظمة في الأعالي ، صائراً أعظم من الملائكة " ( عب10 : 2 ـ 4 ) . عبارة " رسم جوهره " أى الصورة بها الله في تجسده ن فرأيناه ، أى المسيح . ولذلك قال المسيح " من رآني الآب " ( يو14 : 9 ) . تجسد لأجل فدائنا ، ليصنع بذلك تطهيراً لخطايانا . وقد أخلى ذاته مع أنه بهاء مجد الله ، وصورة الله ( 2كو4 : 4 ) . ومع ذلك أنه هو الذى عمل العالمين .

وهنا يقدم لنا الرسول صفة من صفات المسيح الإلهية ، وهي كونه الخالق . وقد خلق الكون باعتبار أنه اللوجوس : عقل الله وحكمة الله ...

2

بنوة المسيح للآب

البشر أبناء الله

وفي هذا الإثبات تواجهنا نقطة هامة وهى :

1 ـ أليس أن البشر جميعاً قد دعوا أولاد الله أيضاً ؟

نعم أن البشر قد دعوا أبناء الله ، ولكن بمعنى آخر غير بنوة المسيح لله . في سفر التكوين ود أن " أبناء الله رأوا بنات الناس أنهن حسنات " ( تك6 : 2 ) . والمقصود بأبناء الله هنا أبناء شيث وأبناء أنوش ، حينما " ابتدئ أن يدعى باسم الرب " ( تك4 : 26 ) . أما بنات الناس فهن نسل قايين . كذلك قال الله في سفر اشعياء النبى " ربيت بنين ونشأتهم . أما هم فعصوا على " ( اش1 : 2 ) . وقيل أيضاً في هذا السفر " أنت يارب أبونا ، ولينا " ( أش 63 : 16 ) . وأيضاً " والآن أنت أبونا ، نحن الطين وأنت جابلنا ، وكلنا عمل يديك " ( اش64 : 8 ) . وهذه عبارات عن البنوة ، ولكنها صادرة من مخلوقات ، ولا تعنى بنوه من جوهر الله . وورد أيضاً في المزامير " قدموا للرب يا أبناء الله ... قدموا الرب " إسرائيل ابنى البكر " ( خر4 : 22 ) . وقال في سفر الأمثال " يا ابنى أعطنى قلبك " ( أم23 : 26 ) . وفي العهد الجديد ندعو لله أبانا في مواضع عديدة جداً ، يكفى منها قولنا في الصلاة " أبانا الذى في السموات " ( متى5 : 9 ) ... وعبارات أبوكم السماوي ، وأبوك الذى يرى في الخفاء ... إلخ كثيرة جداً .

نوع بنوتهم

2 ـ ولكن بنوة البشر هي بالإيمان ، أو المحبة أو التبنى :

أما عن البنوة بالإيمان : فقال الكتاب عن السيد المسيح " وأما كل الذين قبلوه ، فأعطهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله أى المؤمنون باسمه " ( يو1 : 12 ) . فكلمة أبناء هنا تعنى المؤمنين .

ب ـ وأما عن بنوة المحبة : فيقول القديس يوحنا في رسالته الأولى " أنظروا أية محبة أعطانا الآب ، حتى ندعى أولاد الله " ( 1يو3 : 1 ) . إذن هو عمل محبة من الله أن يدعونا أولاده ...

ج ـ أما عبارة التبنى فقد وردت في ( رو8 : 23 ) . ومعروف أن الذى يدعى ايناً ، وهو ليس ابناً حقيقياً ، إنما يكون بالتبنى أو بمفهوم روحى .

3 ـ ومع كوننا أبناء مازلنا ندعى ، عبيداً .

فالسيد الرب يقول " متى فعلتم كل ما أمرتم به ، فقولوا إننا عبيد بطالون ، لأننا إنما عملنا ما كان يجب علينا " ( لو17 : 10 ) . والأبرار كلهم دعوا عبيداً . فالرب سيقول لكل من جاهد الجهاد الحسن واستحق الملكوت " نعماً أيها العبد الصالح الأمين . كنت أميناً في القليل فأقيمك على الكثير . أدخل إلى فرح سيدك " ( متى25 : 23 ) . إننا على الرغم من بنوتنا لله ، كلنا مخلوقات . والمخلوق لا يدعى إلهاً . حتى الرعاة ( الوكلاء ) دعوا أيضاً عبيداً مثل رعيتهم . وفي ذلك يقول الرب " يا ترى من هو الوكيل الأمين الحكيم الذى يقيمه سيده على عبيده ليعطيهم طعامهم في حينه ... طوى لذلك العبد الذى جاء سيده يفعل هكذا " لو12 : 42 ، 43 ) ...

بنوة المسيح للآب

4 ـ أما السيد المسيح فبنوته من جوهر الله نفسه :

لذلك كان يدعى أحياناً ( الابن ) . أو ( الابن الوحيد ) كما سنشرح فيما بعد ، لأن له بنوة فريدة لها نفس طبيعة الله ولاهوته وجوهره .

وسنوضح هنا كيف أن بنوة المسيح للآب ليست بنوة عادية . وكيف شهد لها الكل ، حتى الله الآب نفسه ، وفى مناسبات معجزيه . وبطريقة تحمل معنى لاهوت الابن . ونذكر في مقدمتها :

5 ـ شهادة الآب للابن في مناسبة العماد :

شهد الآب للمسيح وقت العماد قائلاً " هذا هو ابنى الحبيب الذى به سررت " ( متى3 : 17 ) ن ( لو3 : 22 ) . وهذه الشهادة تأيدت بمعجزات : السماء انفتحت . الروح القدس ظهر بهيئة حمامة وحل عليه . وصوت من السماء هو صوت الآب يشهد . فإن كانت بنوة عادية ، وكل الناس أبناء ، ما الحاجة إذن لكل هذه المعجزات ؟! إننا من أجل هذه العظمة التى ظهرت وقت العماد ، نسمى هذا الحادث بالثيئوفانيا ، أى الظهور الإلهى ...

6 ـ وشهد الآب له أيضاً في مناسبة التجلى :

وذلك في منظر يدل على لاهوته أمام التلاميذ الثلاثة إذ " تغيرت هيئته قدامهم . وصارت ثيابة تلمع جداً كالثلج " وظهر من السحابة قائلاً : هذا هو ابنى الحبيب . له اسمعوا " ( مر9 : 2 ـ 7 ) . فإن كان ابناً عادياً فما حاجته إلى شهادة من الآب ؟ وما الداعي لهذا المجد في التجلى : النور والسحابة ؟ وما الداعي لصوت الله ؟ كما أن عبارة " له اسمعوا " تعطينا أيضاً

أمراً في الخضوع له . إن كان الكل أبناء الله ، فمن منهم شهد له الآب في مجد كمجد العماد أو مجد التجلى ؟

7 ـ وشهادة الآب للابن قديمة جداً : 

تظهر في قوله للإبن في المزمور الثانى " أنت ابنى اليوم ولدتك . اسألني فأعطيك الأمم ميراثاً ، وسلطانك إلى أقصاء الأرض ـ لترعاهم بقضيب من حديد " ( ز2 : 7 ـ 9 ) . هنا بنوة بسلطان ، إلى أقاصى الأرض تعجب منها القديس بولس الرسول ، وذكرها حينما شرح أن السيد المسيح أعظم من الملائكة تسجد له ، فقال " لأنه لمن من الملائكة قال قط : أنت ابنى اليوم ولدتك " ( عب1 : 5 ) .

8 ـ إن بنوة المسيح لله هي هدف كتابة الإنجيل :

فإنجيل مرقس يبدأ بقولة " بدء يسوع المسيح ابن الله " ( مر1 : 1 ) . فإن كان ابناً كسائر الأبناء ، ما الداعى لهذه العبارة وكل المعجزات الذى ذكرها بعدها ... والقديس يوحنا بعد أن ذكر في إنجيله معجزات لم يذكرها أحد من قبل ، وبعد أن سجل أحاديث المسيح الدالة على لاهوته ، قال بعد ذلك " و آيات أخر كثيرة صنها يسوع قدام تلاميذه لم تكتب في هذا الكتاب . وأما هذه فقد كتبت لتؤمنوا أن يسوع هو المسيح ابن الله ، ولكى تكون إذا آمنتم حياة باسمه " ( يو20 : 30 ، 31 ) . إذن فهى ليست بنوة عادية ، وإنما بنوة تثبتها كل تلك الآيات الدالة على لاهوته . وإن كان ابناً عادياً ، فما لزوم سرد

10 ـ كانت بنوة المسيح لله سبب حكم مجمع السنهدريم عليه :

لقد احتار رؤساء الكهنة كيف يحكمون عليه ، بعد أن تقدم للشهادة شهود زور كثيرون لم تتفق أقوالهم ، حينئذ قال له رئيس الكهنة " استحلفك بالله الحى أن تقول لنا هل أنت المسيح ابن الله ؟ " ( متى 26 : 63 ) . فإن كانت بنوة عادية مثل بنوة باقى الناس لله ، ما معنى أنه يستحلفه رئيس الكهنة أمام أكبر محفل كهنوتى وقتذاك ويسأله عن بنوته . فلما أجابة المسيح بالإيجاب ، وأضاف على ذلك أمرين يلقيان بلاهوته وهما جلوسه عن يمين القوة ، وإتيانه على سحاب السماء " مزق رئيس الكهنة ثيابة ، وقال قد جدف ، ما حاجتنا بعد إلى شهود . ها قد سمعتم تجديفه " ( متى26 : 63 ـ 65 ) . وقدموه للموت لهذا السبب .

11 ـ وبنوة المسيح لله كانت موضع حيرة الشيطان :

لذلك نراه في التجربة على الجبل يقول له " إن كنت ابن الله ، فقل أ تصير هذه الحجارة خبزاً " ( متى4 : 3 ) . سؤال الشيطان يقصد به هذا النوع من البنوة لله التى لها قدرة معجزية خارقة للعادة تحول الحجارة خبزاً وليست بنوة عادية مثل بنوة سائر الناس . ولعل نفس السؤال به الشيطان وقت الصليب على ألسنة الناس القائلين له " إن كنت ابن الله فانزل عن الصليب " ( متى27 : 40 ) . إذن فالمفهوم هنا من الكل أنها بنوة لها قوة المعجزة التى تستطيع أن تنزل من على الصليب ، وليست بنوة عادية يشترك فيها الكل .

12 ـ وهذه البنوة كانت موضع بشارة الملاك للعذراء :

لقد قال لها " الروح القدس يحل عليك ، وقوة العلى تظللك . فلذلك أيضاً القدوس المولود منك يدعى ابن الله " ( لو1 : 35 ) . فلو كان ابناً لله كسائر الناس ، ما كان الأمر يحتاج إلى حلول الروح القدس ، وقوة العلى على والدته ، لكى بذلك يدعى ابن الله . إذن هي هذه البنوة التى من الروح القدس ، كما قال الملاك أيضاً ليوسف " الذى حبل به فيها هو من الروح القدس " ( متى1 : 20 ) . وهي البنوة التى يدعى بها قدوساً ، وهذه صفة من صفات الله . وقال الملاك أيضاً للقديسة العذراء عن ابنها أنه " يكون عظيماً وابن العلى يدعى ويعطية الرب الإله كرسى داود أبيه . ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد . ولايكون لملكه نهاية " ( لو1 : 32 ، 33 ) .. ولا يوجد إنسان من بنى البشر لايكون لملكه نهاية ، ويملك إلى الأبد . إنما هذه صفة من صفات الله . إذن فقد كانت بشارة العذراء عن بنوة المسيح لله تحمل معنى اللاهوت الذى يملك إلى الأبد ولا تكون لملكه نهاية . ولعل هذه البشارة تذكرنا بما ورد عن هذا الأبن في نبوءة دانيال إذ قال عنه كابن للإنسان ط اعطى سلطاناً ومجداً وملكوتاً ، لتتعبد له كل الشعوب والأمم والألسنة سلطاناً سلطان أبدى ما لن يزول ، وملكوته لاينقرض " ( دا7 : 13 ، 14 ) .

13 ـ وارتباط  هذه البنوة بألوهيته أمر ورد في نبوءة اشعياء :

فقد قال " يولد لنا ولد ، ونعطى ابناً . وتكون الرئاسة على كتفه ويدعى اسمه عجيباً مشيراً إلهاً اباً أبدياً رئيس السلام " ( اش9 : 6 ) . فهناك عبارة " ابن " ، وعبارة ط إلهاً قديراً " تجتمعان معاً في نبوءة واحدة . وحتى كلمة ( عجيباً ) تذكرنا بقول الرب لمنوح آبى شمشون " لماذا تسألنى عن اسمى وهو عجيب " ( قض 13 : 18 ، 22 ) .

14 ـ وهذه البنوة المرتبطة بالألوهية وردت في سفر الأمثال أيضاً :

قال " من يصعد إلى السماء ونزل ؟ من جمع الريح في حفنتيه ؟ من صر المياة في ثوب ؟ من ثبت جميع اطراف الأرض ؟ ما اسمه وإسم ابنه إن عرفت ؟! " ( أم30 : 4 ) . وهنا لايتحدث عن واحد من أبناء عديدين ، إنما عن ابن واحد يتميز عن الكل ، لأنه من طبيعة الله ولاهوته .

15 ـ وورد الاعتراف ببنوته لله في معجزة المشى على الماء :

معجزة المشى على الماء كانت تحمل معنى اللاهوت ، لأنها سلطان معجزى على الطبيعة . وقد مشى المسيح على الماء ، بمعجزة عجيبة لم يروها من قبل فقال له بطرس " إن كنت أنت هو ، فمرنى أن آتى إليك على الماء " فسمح له " ومشى بطرس بقوة الرب . ثم شك فسقط فنجاه الرب . فماذا حدث ؟ يقول الكتاب إن " الذين في السفينة جاءوا وسجدوا له قائلين : بالحقيقة أنت ابن الله " ( متى14 : 25 ـ 33 ) . هل يقصدون بهذه العبارة بنوة عادية مثل بنوة باقى البشر لله ؟ مستحيل . فالبنوة العادية ليس دليلها على الماء ،ن والسماح لتلميذه بالمشى على الماء مثله . لذلك سجدوا له وهم يقولون هذه العبارة . وفى هذا السجود اعتراف بأنه ابن الله من نوع فريد ليس لأحد من الناس ، بنوة لها قوة المعجزة الخارقة والسيطرة على الماء والريح .

16 ـ وبسبب نفس الاقدرة المعجزية للاهوته ، إعتراف نثانائيل بأن المسيح ابن الله :

قال الرب لنثانائيل " قبل أن دعاك فيلبس وأنت تحت التينة رأيتك " ( يو1 : 48 ) . فلما أدرك نثانائيل قوة الرب على معرفة الغيب سواء برؤيته ، أو بقصة مخفاة في حياة نثانائيل ، أجاب وقال " يا معلم أنت ابن الله " ( يو1 : 49 ) . وطبعاً لم يكن المقصود هنا البنوة العامة لبنى البشر ، وإنما البنوة التى لها من صفات اللاهوت معرفة الغيب . والسيد المسيح تقبل هذا الاعتراف من نثانائيل ، وأضاف عليه ما يقوى هذا الإيمان فيه . فقال له " هل آمنت لأنى قلت لك أنى رأيتك أنى تحت التينة ؟ سوف ترى أعظم من هذا ... من الآن ترون السماء مفتوحة ، وملائكة الله يصعدون وينزلون على ابن الإنسان " ( يو50 : 51 ) .

17 ـ وإيمان قائد المائة ببنوة المسيح لله ، إيمان مرتبط كذلك بمعجزة :

يقول إنجيل معلمنا متى " وأما قائد المائة والذين معه يحرسون يسوع ، فلما رأوا الزلزلة وما كان ، خافوا جداً وقالوا : حقاً كان هذا ابن الله " ( متى27 : 54 ) . أنظر أيضاً ( مر15 : 38 : 39 ) . إنهم رأوا معجزة الزلزلة ، والظلمة أيضاً التى حدثت على الأرض كلها وقت الصلب ، من الساعة السادسة حتى الساعة التاسعة أى في الظهيرة تماماً . لذلك آمنوا وقالوا : حقاً كان هذا ابن الله . وهم يقصدون طبعاً البنوة من لاهوته التى لها السيطرة على الطبيعة ز لذلك قال الكتاب إنهم خافوا . ولعله قد قوى إيمانم هذا ، لما حدث أن أحد العسكر ضربة بالحربة فخرج من جنبه دم وماء " ( يو19 : 34 ) .

 18 ـ ومعجزية العماد هي التى جعلت المعمدان يشهد أن المسيح ابن الله :

لقد شهد يوحنا وقال " وأنا لم أكن أعرفه . ولكن الذى أرسلنى لأعمد بالماء ، ذاك قال لى الذى ترى الروح نازلاً ومستقراً عليه ، فهذا هو الذى يعمد بالروح القدس وأنا قد رأيت وشهدت أن هذا هو ابن الله " ( يو1 : 34 ) . وهذه البنوة لله التى يشهد بها يوحنا الكاهن والنبى ، ليست هى بنوة عادية إنما هى بنوة بعد معجزة ، تحمل معنى الاعتراف بلاهوته ، إذ أنه قال في نفس المناسبة " هذا هو الذى قلت عنه يأتى بعدى رجل كان قدامى ، لأنه كان قبلى " ( يو1 : 30 ) والمعروف أن المسيح ولد بعد يوحنا المعمدان بسته أشهر .

19 ـ والاعتراف بهذه البنوة ، ظهر في معجزة منح البصر للمولود أعمى :

بعد المعجزة قابله الرب وقال له : أتومن بابن الله ؟ أجاب ذاك وقال من هو ياسيد لأومن به . فقال له يسوع قد رأيته ، والذى يتكلم معك هو هو . فقال أومن ياسيد وسجد له " ( يو9 : 35 ـ 38 ) . إلى إيمان ، وإلى معجزة ، وكانت نتيجتها أنه سجد له كابن الله ... ويزيد هذه المعجزة أهميته وهنا ليس الحديث عن بنوة عادية لله يشترك فيها جميع الناس ، وإلا ما كان المولود أعمى يسأل : من هو يا سيد ؟. ولو كانت بنوة عامة لقال المولود أعمى : كلنا أبناء الله وأنا نفسى ابن الله ، لكنها بنوة إحتاجت أنها تحمل اعلاناً من السيد المسيح نفسه أنه ابن الله وتحمل ايضاً دعوته الناس إلى هذا الإيمان .

كذلك الإيمان به كابن الله أمر احتاج إلى كرازة وشرح :

ويظهر هذا الأمر واضحاً في إيمان الخصى الحبى ، الذى قابله فيلبس وكان هذا الخصى يقرأ نبوءات اشعياء عن المسيح ، وما كان يفهم معنى ما يقرأ . فشرح له فيلبس ذلك الاصحاح . وبشره بيسوع فطلب العماد . فقال له فيلبس " إن كنت تؤمن من كل قلبك يجوز " فأجاب وقال أنا أومن أن يسوع هو ابن الله " ( أع 8 : 28 ـ 37 ) . والبنوة العامة لاتحتاج إلى شرح وتفسير وكرازة لأنها للكل . ولعل من نفس هذا النوع إيمان مرثا التى شرح لها المسيح أنه القيامة والحياة وقال " من آمن ولو مات فسيحيا . فقالت له : نعم يا سيد أنا قد آمنت أنك أنت المسيح ابن الله الآتى إلى العالم " ( يو11 : 25 ـ 27 ) . طبعاً كانت تقصد بنوة لها الصفة المعجزية تؤيدها عبارة ( الآتى إلى العالم ) . أى أنه ليس من هذا العالم ، وإنما أتى إليه .

21 ـ وهي بنوة أعلنها المسيح في أكثر من موضع :

واضحة في دعواته أعمى إلى الإيمان ( يو9 : 35 ـ 37 ) . وواضحة أيضاً في قوله لملاك كنيسة ثياتيرا في سفر الرؤيا " هذا ما يقوله ابن الله الذى له عينان كلهيب نار " ( رؤ2 : 18 ) . وواضحة في كل أحاديثه عن الابن .

22 ـ وهي بنوة أقنومية في الثالوث القدوس :

كما قال السيد المسيح لتلاميذه " اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والروح القدس " ( متى28 : 19 ) . واستخدام ( اسم ) هنا بالمفرد تعنى أن الثلاثة واحد . ولما كانت بنوته للآب ليست بنوة عامة ، وإنما هي بنوة خاصة بمعنى خاص يعنى لاهوته . لذلك كان يلقب بالابن .

الابن

23 ـ وعبارة ( الابن ) في الكتاب تعنى المسيح وحده :

وفي هذا يقول السيد المسيح عن نفسه " إن حرركم الابن ، فبالحقيقة تكونون أحراراً " ( يو8 : 36 ) .قال هذا يبشرهم بأنه جاء ليحرره من خطاياهم . وقال القديس يوحنا الانجيلى " من له فله الحياة . ومن ليس له ابن الله ، فليست له حياة " ( 1يو5 : 12 ) . وهكذا جمع في آية واحدة بين عبارتى الابن وابن الله ليدلا على كائن واحد . وقال أيضاً ط ونحن قد نظرنا ونشهد أن الآب قد أرسل الابن مخلصاً للعالم " ( 1يو4 : 14 ) . وعبارة الابن وحدها تعنى المسيح . وقال القديس يوحنا المعمدان " الآب يحب الابن ، وقد دفع كل شئ في يده . الذى يؤمن بالابن له حياة أبدية . والذى لايؤمن بالابن لن يرى حياة ، بل يمكث عليه غضب الله " ( يو3 : 35 ، 36 ) . وواضح أن استعمال كلمة ( الابن ) هنا خاص بالسيد المسيح وحده ، يضاف إليه بركات الإيمان به ، ودفع كل شئ إلى يدية ، أي كل سلطان ، حتى سلطان منح الحياة الأبدية . إن المسيح كان يتحدث عن نفسه باعتباره الابن وابن الله .

24 ـ واليهود كانوا يفهمون هذه البنوة لله بمعناها اللاهوتى :

لذلك لما سألوه في مجمعه النهدريم هل أنت المسيح ابن الله وأجاب بالإيجاب . مزق رئيس الكهنة ثيابة وقال : قد جدف . ما حاجتنا بعد إلى شهود " ( متى26 : 65 ) . ويقول إنجيل يوحنا " من أجل هذا كان اليهود يطلبون أكثر أن يقتلوه ، لأنه لم ينقض السبت فقط ، بل قال أيضاً إن الله أبوة معادلاً نفسه بالله " ( يو5 : 18 ) . لاهوته هذا كان سبب طلبهم قلته إذ قالوا له " لسنا نرجمك لأجل عمل حسن بل لأجل تجديف ، فإنك وأنت إنسان تجعل نفسك إلهاً " ( يو10 : 33 ) . وهذه هي التهمة التى قدموه بها للصلب ، وقالوا لبيلاطس " لنا ناموس ، وحسب ناموسنا يجب أن يموت ، لأنه جعل نفسه ابن الله " ( يو19 : 7 ) . وليست البنوة العامة تدعو إلى الحكم بالموت ، هذه التى يقول فيها اشعياء النبى " أنت يارب أبونا " ( اش64 : 8 ) . ولكنها البنوة الخاصة التى يفهم منها لاهوته ، وأنه معادل لله .

ابن الله الوحيد

لقد أطلق على السيد لقب ابن الله الوحيد ، لتميزه عن باقى أبناء الله الذين دعوا ابناء بالمحبة ، بالإيمان ، بالتبنى ، أما هو فإنه الابن الوحيد الذى من نفس طبيعة الله وجوهره ولاهوته . وقد دعى ابناً في المواضع الآتية :

1 ـ " الله لم يره أحد قط . الابن الوحيد الكائن في حضن الآب هو خبر " ( يو1 : 18 ) أى أنه أعطى خبراً عن الله ، أى عرفنا الله عن طريق ابنه المنظور لنا بتجسده ، بينما الآب غير منظور في لاهوته . وهكذا قال في موضع آخر لتلميذه فيلبس  " الذى رآنى فقد رأى الآب . فكيف تقول أنت أرنا الآب ؟! " ( يو14 : 9 ) .

2 ـ ورد تعبير الابن الوحيد في قوله أيضاً " هكذا أحب الله العالم ، حتى بذل ابنه الوحيد ، لكى لايهلك كل من يؤمن به ، بل تكون له الحياة الأبدية " ( يو3 : 16 ) .

3 ـ " الذى يؤمن به لايدان . والذى لايؤمن قد دين ، لأنه لم يؤمن باسم ابن الله الوحيد " ( يو3 : 18 ) .

وكون الإيمان بهذا الابن الوحيد يؤهل للحياة الأبدية ، ويمنع الدينونة ، فهذا دليل على لاهوته ، إن سلك الإنسان حسبما يليق بهذا الإيمان .

4 ـ كذلك قال القديس يوحنا في رسالته الأولى " بهذا اظهرت محبة الله فينا ، أن الله قد أرسل ابنه الوحيد إلى العالم لكى نحيا به " ( 1يو4 : 9 ) . ولايمكن أن نحيا به إلا إن كان هو الله ، لأن الله هو مصدر الحياة .

5 ـ وقال في الاصحاح الأول من انجيله " والكلمة صار جسداً وحل بيننا ، ورأينا مجده كما لوحيد من الآب مملوءاً نعمة وحقاً " ( يو1 : 14 ) . وهنا يتحدث عن المجد اللائق به كابن الله الوحيد .هذه خمسة شواهد من الكتاب تتحدث عن السيد المسيح باعتباره الابن الوحيد للآب ، تمييزاً له عن باقى البشر . أما دليل بنوته على لاهوته فيكفى في هذه الآيات أنه سبب الحياة ، وبه تكون الحياة الأبدية . والإيمان به ينجى من الهلاك ومن الدينونة ، بينما عدم الإيمان به سبب الدينونة . وأن له المجد اللائق بابن الله الوحيد .

( 3 )

علاقة المسيح بالآب

علاقة الابن بالآب تثبت لاهوته " وغالبيتها اعلانات من السيد المسيح نفسه عن هذه العلاقة . وفى البعض منها أراد اليهود قتله . وسنفحص أهم خصائص العلاقة بين الآب والابن .

1 ـ كون الابن عقل الله الناطق :

أو نطق الله العاقل ( اللوجوس ) ، فهذا يعنى لاهوته بلاشك . لأن الله وعلقه كيان واحد . وقد قيل في ذلك أيضاً عن المسيح أنه حكمة الله وقوة الله ( 1كو1 : 23 ، 24 ) . وهذا كله امقصود بكونه ابن الله ، وابن الله الوحيد ، كما سبق وشرحنا .

2 ـ قال السيد المسيح " أنا ةالآب واحد " ( يو10 : 30 ) .

وفهم اليهود خطورة هذا التصريح من جهة لاهوته . فأمسكوا حجارة ليجموه . فلما سألهم عن السبب ، قالوا له " لأجل تجديف . فإنك وأنت تجعل نفسك إلهاً " ( يو10 : 31 ـ 33 ) . وقد كرر السيد المسيح حقيقة أنه هو والآب واحد ، وذلك في المناجاة الطويلة بينه وبين الآب ، التى قال له فيها عن تلاميذه " أيها الآب احفظهم في اسمك . الذين أعطيتنى ليكونوا واحداً ، كما أننا نحن واحد " ( يو17 : 11 ) . وكرر هذه العبارة أيضاً " ليكونوا واحداً ، كما أننا نحن واحد " ( يو17 : 22 ) . أى ليكونوا هم كنيسة واحدة ، فكرر واحداً ، كما أننا لاهوت واحد وطبيعة واحدة .

3 ـ وقال السيد المسيح أيضاً " أنا في الآب والآب في " ( يو14 : 10 ) .

وكرر هذا التعبير مرة أخرى . " صدقونى أنى في الآب والآب في ، وإلا فصدقونى لسبب الأعمال نفسها " ( يو14 : 11 ) . أى الأعمال التى يعملها وتدل على لاهوته ، مثل أعمال الخلق مثلاً ... ( يو1 : 3 ) ( كو1 : 16 ) . وقد كرر نفس العلاقة في مناجاته للآب فقال " أنت أيا الآب فى وأنا فيك " ( يو17 : 21 ) . وكون الآب فيه ، معناه أن فيه اللاهوت ، أى اتحاد اللاهوت بالناسوت . ولعل أفضل تفسيراً لهذا ، هو قول القديس بولس الرسول عن المسيح إن " فيه يحل كل ملء اللاهوت جسدياً " ( كو2 : 8 ، 9 ) . والحلول أقنومة ، مثل حلول النور في الشمس ، أو حلول الحرارة في النار . أو حلول الفكر في العقل ، بحيث يفهم منه أنهما كيان واحد .

4 ـ وقال السيد المسيح أيضاً عن قوة علاقته بالآب ، وذلك في نفس مناجاته للآب :

" كل ما هو لى فهو لك . وكل ما هو لك فهو لى " ( يو17 : 10 ) . وهو تصريح لايمكن أن يصدر عن بشرىة ، لأن معناه المساواة الكاملة بينه وبين الآب . وهذا الذى كان بسببه يريد اليهود أن يرجموه ، لأنه كان يجعل نفسه معادلاً لله ( يو5 : 18 ) . وقد قال بولس الرسول في ذلك إنه " إذ كان في صورة الله ، لم يحسب خلسة أن يكون معادلاً لله ، لكنه أخلى نفسه " ( فى2 : 6 ) أى أنه عن تصرف كمعادل لله ، ما كان ذلك يحسب منه اختلاساً ، لأنه هو كذلك . وقد كرر الرب نفس عبارته في ( يو16 : 15 ) " كل ما للآب فهو لى " .

5 ـ وصرح السيد المسيح أيضاً بأنه يعمل أعمال الآب ...

فقال لليهود " إن كنت لست أعمل أعمال أبى ، فلا تؤمنوا بى . ولكن إن كنت أعمل ، فإن لم تؤمنوا بى ، فآمنوا بالأعمال ، لكى تعرفوا وتؤمنوا أن الآب فى وأنا فيه " ( يو10 : 37 ، 38 ) " فطلبوا أن يمسكوه " ( يو10 : 39 ) . وكونه يعمل أعمال الآب دليل على لاهوته ، لذلك أراد اليهود أن يقتلوه . كذلك لما قال " أبى يعمل حتى الآن ، وأنا أيضاً أعمل " ( يو5 : 17 ) اعتبر اليهود كلامه هذا إعلاناً لمساواته للآب . لذلك قيل بعدها مباشرة " فمن أجل هذا كان اليهود يطلبون أكثر أن يقتلوه " ( يو5 : 18 ) . وفي الاصحاح الخامس من إنجيل شرحج مفصل من الرب لهذه النقطة ونذكر من ذلك قوله " كما أن الآب يقيم الموتى ويحيى ، كذلك الابن يحيى من يشاء " ( يو5 : 21 ) ..

6 ـ وقال أيضاً " لكى يكرم الجميع الابن كما يكرمون الآب " ( يو5 : 22 ) .

وهذا كلام لايجرؤ إنسان بشرى أن يقوله ، لأنه يحمل مساواة للآب في الكرامة ، وهذا دليل على لاهوته .

7 ـ كذلك قال " أنتم تؤمنون بالله ، فآمنوا بى " ( يو14 : 1 ) .

وكون الناس يؤمنون به كما يؤمنون بالآب ، دليل على المساواة بينه وبين الآب وبالتالى دليل على لاهوته .

8 ـ وقال " من رآنى فقد رأى الآب " ( يو14 : 9 ) .

ووبخ بذلك فيلبس لما قال له " أرنا الآب وكفانا " أجاب " أنا معكم زماناً هذه مدته ، ولم تعرفني يا فيلبس ؟! الذي رآنى فقد رأى الآب . فكيف تقول أنت أرنا الآب ؟ ألست تؤمن أنى أنا في الآب ، والآب في " ( يو14 : 8 ـ 10 ) . وقال لتلاميذه " لو كنتم قد عرفتموني ، لعرفتم أبى أيضاً . ومن الآن تعرفونه وقد رأيتموه " ( يو14 : 7 ) ز حقاً إننا نرى الآب في شخص ابنه ، لآنه هو صورة الآب وهو رسم جوهره وبهاء مجده " ( عب1 : 3 ) . ولعل هذا ما عبر عنه القديس يوحنا الإنجيلي بقوله " الله لم يره أحد قط . الآبن الوحيد الكائن في حضن الآب هو خير " ( يو1 : 18 ) . أى رأينا الله في شخصه ...

9 ـ هناك علاقة أخرى بين المسيح والآب تثبت لاهوته وهي :

( 4 )

جلوسه عن يمين الآب

·       وهذه الحقيقة سجلها الوحى الإلهى في مواضع كثيرة ، نذكر منها :

أ ـ قول السيد المسيح لأعضاء مجمع السنهدريم أثناء محاكمته " من الآن تبصرون ابن الإنسان جالساً عن يمين القوة وآتياً على سحاب السماء " ( متى26 : 64 ) .

ب ـ قول القديس اسطفانوس أثناء استشهاده " ها أنا أرى السماء مفتوحة ، وابن الإنسان قائماً عن يمين الله " ( أع7 : 56 ) .

ج ـ قول القديس الإنجيلي في قصة الصعود " ثم أن الرب بعدما كلمهم ارتفع إلى السماء ، وجلس عن يمين الله " ( مر16 : 16 ) .

د ـ قول القديس بولس الرسول عن السيد المسيح " بعدما صنع بنفسه تطهيراً لخطايانا ، جلس عن يمين العظمة في الأعالي " ( عب1 : 2 ، 3 ) .

ه ـ وفي شرحه كيف أن المسيح أعظم من الملائكة ، قال " لمن من الملائكة قال قط : اجلس عن يمين ، حتى أضع أعداءك موطئاً لقدميك " ( عب1 : 13 ) . وقد أخذ هذا عن مزمور ( 110 : 1 ) . الذى ورد فيه الرب لربى اجلس عن يمينى ... " .

فماذا يفهم من جلوس المسيح عن يمين الآب ؟

·   الآب ليس له يمين ولا شمال ، لأنه غير محدود . كما أنه مالئ الكل . لا يوجد فراغ عن يمينه لكى يجلس فيه أحد . فما معنى الجلوس عن يمينه ؟

·       إن كلمة اليمين ترمز إلى القوة وإلى البر وإلى العظمة .

  كما قيل " يمين الرب صنعت قوة . يمين الرب رفعتني . يمين الرب صنعت قوة فلن أموت بعد بل أحيا " ( مز117 ) . ويعنى أن قوة الله صنعت هذا وهنا يمين الآب وبر الآب وعظمته . ولذلك قيل أيضاً عن الابن إنه جلس عن يمين القوة حيناً ، وعن يمين العظمة حيناً آخر .

·       وكلمة جلس هنا تعنى استقر ...

ومعنى هذا أن الابن الذى ـ في إخلائه لذاته ـ كان يبدو أمامكم في ضعف ، تلطمونه وتجلدونه ، وتصلبونه ، هذا بالصعود قد دخل في قوته . ولم تعودوا ترونه ضعيفاً فيما بعد ... حتى أنه في مجيئه الثانى سيأتى على السحاب ، في مجده ، محاطاً بالملائكة والقديسين ( متى25 : 31 ) . لأنه في المجئ الثانى سيأتى " بقوة ومجد كثير " ( متى24 : 30 ) . كذلك فإن الابن الذى وقف أمامكم كخاطئ ومذنب ، ووقف أمام الآب حاملاً كل خطايا العالم ... هذا سيجلس عن يمين أبيه ، أى في بره ، لا يجرؤ أحد أن يتهمه فيما بعد .

إن عبارة الجلوس عن يمين الآب ، تعنى أن مرحلة إخلاء الذات قد انتهت ودخل الابن في مجده .

ولهذا قيل في جيئة الثاني إنه يأتى " بمجده ومجد الآب " ( لو9 : 26 ) وقيل " إن ابن الأنسان سوف يأتى في مجد أبيه مع ملائكته " ( متى16 : 27 ) هذا المجد هو الجلوس عن يمين الآب .

( 5 )

إرسالة للروح القدس

ينقسم هذا الإثبات إلى أربع نقاط هي :

1 ـ الله روح .

2 ـ الله هو المتصرف في روحه طبعاً .

3 ـ السيد المسيح يسكب روح الله ، ويرسل روح الله ، وينفخ روح الله .

4 ـ استنتاج لاهوت المسيح .

1 ـ الله روح :

وهذا واضح من قول السيد المسيح نفسه " الله روح ، والذين يسجدون له فبالروح والحق ينبغى أن يسجدوا " ( يو4 : 24 ) . وأيضاً قول الرسول " وأما الرب فهو الروح " ( 2كو3 : 17 ) .

2 ـ الله هو الذى يسكب روحه :

وواضح هذا من قول الرب في سفر يؤئيل " أنا الرب إلهكم وليس غيرى ويكون بعد . ذلك أنى أسكب روحى على بشر ، فيتنبأ بنوكم وبناتكم ، ويحلم شيوخكم احلاماً ، ويرى شبابكم رؤى " ( يؤئيل 2 : 27 ـ 29 ) . وفي ( خر39 : 29 ) " لأنى سكبت روحى على بيت إسرائيل يقول السيد المسيح الرب " .

3 ـ والله يرسل روحه إلى العالم ، أو يجعل روحه على البشر :

يقول المزمور " نرسل روحك فتخلق ، وتجدد وجه الأرض " ( مز104 : 30 ) ويقول الرب في سفر حزقيال " وأجعل روحى في داخلكم " ( خر36 : 27 ) . وفي سفر العدد " يا ليت أنى كل الشعب كانوا أنبياء إذا جعل الرب روحه عليهم ( عد11 : 29 ) . ويقول بولس الرسول " .. الله الذى أعطانا أيضاً روحه القدوس " ( 1تس4 : 8 ) .

4 ـ ومع ذلك فالسيد المسيح قد سكب روح الله على التلاميذ .

وهذا واضح من ( أع2 : 33 ) . وهذه النقطة بالنسبة إلى شهود يهوه ليست في حاجة إلى إثبات . فهم يعترفون بها في كتابتهم ( .. ليكن الله صادقاً ص 44 فقرة 5 ) إذ يقولون " إن روح الله قد انسكب بيد يسوع على التلاميذ في يوم الخمسين .

5 ـ والسيد المسيح يرسل روح الله :

وهذا صريح جداً في إنجيل يوحنا إذ قال السيد لتلاميذه " ومتى جاء المعزى الذى أرسله إليكم من الآب ، روح الحق الذى من عند الله ينبثق ، فهو يشهد لى " ( يو15 : 26 ) . وقال لهم أيضاً " لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزى . ولكن إن ذهبت أرسله إليكم ( يو16 : 7 ) . وقال لهم أيضاً " لأنه إن لم أنطلق يأتيكم المعزى . ولكن إن ذهبت أرسله إليكم " ( يو16 : 7 ) .

6 ـ السيد المسيح ينفخ روح الله :

كما ورد في إنجيل يوحنا " ولما قال هذا نفخ وقال : إقبلوا الروح القدس " ( يو20 : 22 ) .

استنتاج

7 ـ من كل هذا يمكن أن نستنتج لاهوت المسيح :

أ ـ من ذا الذى يستطيع أن يسكب روح الله ، ويرسل روح الله ن وينفخ روح الله في الناس ، إلا الله ذاته . وإن كان السيد المسيح قد فعل ذلك ، ألا يكون هو الله إذن ؟

ب ـ يقول الله في سفر يؤئيل " أنى أسكب روحي على كل بشر " ويستشهد بطرس الرسول بهذه الآية عند حلول الروح القدس في يوم الخمسين : " يقول الله إنى أسكب من روحى على كل بشر " ( أع2 : 16 ، 17 ) . بينما يقول في سفر الإصحاح إن المسيح بعدما ارتفع " سكب هذا الذى أنتم تبصرونه وتسمعونه " ( أع2 : 33 ) . فمن يكون المسيح إذن ، هذا الذى يسكب روح الله على الناس ، إلا الله نفسه .

ج ـ لايمكن أن نتصور ، ولايتصور شهود يهوه ، أن هناك قوة غير الله تستطيع أن ترسل روح الله أو تسكب روح الله .

( 6 )

علاقاته الأخرى بالروح القدس

وسنعرض هنا نقطتين هامتين :

أ ـ قول الرب في حديثه مع التلاميذ عن الروح القدس :

" ذاك يمجدنى ، لأنه يأخذ مما لى ويخبركم " ( يو16 : 14 ) .

" كل ما للآب هو لى . لهذا قلت إنه يأخذ مما لى ويخبركم " ( يو16 : 15 ) . فكيف يمكن لروح الله أن يأخذ من أحد ليعطى الناس ؟ .. روح الله الذى كان يتكلم في أفواه الأنبياء ، والذى كان يعرفهم بكل شئ ، ويمنحهم المواهب المختلفة ... كيف يمكن أن يأخذ روح الله من المسيح إلا أن يكون المسيح هو الله نفسه .

فما هو التفسير الروحى لأخذ الروح القدس من المسيح ؟

المسيح هو الأقنوم الثاني متجسداً . والأقنوم الثاني هو اقنوم العقل والمعرفة والفهم والنطق في الثالوث القدوس . لذلك فإن الروح القدس يمكن لاهوتياً أن يأخذ من أقنوم المعرفة . وأيضاً يفسر السيد المسيح هذا الأمر بقوله " كل ما للآب فهو لي " وهذه آية أخرى تثبت لاهوته سنتعرض لشرحها عندما نتكلم عن علاقة الآب بالابن .

تفسير آخر : هو أن الروح القدس يأخذ من استحقاقات الفداء التى قدمها المسيح ، ويعطى الناس في أسرار الكنيسة . مثال لذلك : يأخذ من استحقاقات الغفران التي تمت في فداء المسيح لنا ، ويخبر الناس أن خطاياهم قد غفرت ، سواء في سر المعمودية ، أو في سر الافخارستيا .

ننتقل إلى نقطة أخرى في اثبات لاهوت المسيح وهي :

ب ـ دلالة أن المسيح حبل به من الروح القدس :

نرجع إلى قصة ميلاد المسيح ، فنرى أن القديس متى الإنجيلي يقول " ولما كانت مريم أمة مخطوبة ليوسف ، قبل أن يجتمعا ، وجدت حبلى من الروح القدس " ( متى1 : 18 ) . ويؤيد هذا بقول الملاك ليوسف " .. لأن الذى حبل به فيها هو من الروح القدس " ( متى1 : 20 ) . والقديس لوقا الإنجيلي يسجل كلام الملاك للقديسة العذراء ، ومنه " الروح القدس يحل عليك ، وقوة العلى تظللك . فلذلك أيضاً القدوس المولود منك يدعى ابن الله " ( لو1 : 35 ) .

استنتاج

فمن يكون المسيح إذن ؟ وماذا تكون طبيعته ؟

1 ـ إنه من روح الله ، كما يقول متى الرسول " الذى حبل به فيها هو من الروح القدس " لذلك حل روح الله على مريم ، ووجدت حبلى من الروح القدس ، ولما كان المسيح قد ولد من روح الله ، لذلك كانت لولادته نتيجتان حسب رواية لوقا الإنجيلي : أنه قدوس ، وأنه ابن الله وكلاهما يدلان على لاهوته .

2 ـ الله روح ( يو4 : 24 ) . والمسيح من روح الله ، إذن هو من ذات جوهر الله وله نفس طبيعته . لذلك دعى قدوساً ، وهذا اسم من أسماء الله ، حسبما قالت السيدة العذراء في تسبحتها " واسمه قدوس " ( لو1 : 49 ) . وهذه النقطة سنفرد لها بحثاً خاصاً .

الفصل الثاني

السيد المسيح وصفاته الألهية

( 7 )

 قدرته على الخالق

لاشك أن الخالق هو الله . وقصة الخليقة تبدأ بعبارة " في البدء خلق الله السموات والأرض " ( تك1 : 1 ) . والإصحاح الأول من سفر التكوين يشرح كيف خلق الله كل شئ . وفي سفر اشعياء يقول الله " أنا الرب صانع كل شئ ، ناشر السموات باسط الأرض " ( اش44 : 24 ) . " أنا الرب صانع كل هذه " ( اش45 : 7 ) .

1 ـ ومع ذلك هناك آيات في الكتاب تذكر أن المسيح هو الخالق :

أ ـ ( يو1 : 3 ) يقول يوحنا الإنجيلي عن السيد المسيح " كل شئ به كان ، وبغيره لم يكن شئ مما كان " وهنا لا يذكر فقط أنه الخالق ، إنما أيضاً بغيره ما كانت هناك خليقة . ويقول أيضاً " كان في العالم ، وكون العالم به " ( يو1 : 10 ) ..

ب ـ ( عب1 : 1 ) ويقول بولس الرسول " الذى به عمل العالمين " .

ج ـ ( كو1 : 16 ) ويقول أيضاً " فإن فيه خلق الكل ، ما في السموات وما على الأرض ، ما يرى وما لا يرى ، سواء كانوا عروشاً أم سيادات أم رياسات أم سلاطين . الكل به وله قد خلق .

د ـ ( 1كو8 : 6 ) ويقول أيضاً " به جميع الأشياء ونحن به " .

2 ـ وقد ذكر الكتاب معجزات للسيد تدل على الخلق .

منها معجزة إشباع خمسة آلاف من خمس خبزات وسمكتين ( لو9 : 10 ـ 17 ) .

وهنا خلق مادة لم تكن موجودة ، أمكن بها إشباع هذه الآلاف . ويزيد هذه المعجزة قوة أن الجميع أكلوا وشبعوا . ثم رفع ما فضل عنهم من الكسر أثنتا عشرة قفة . فمن أين أتت كل هذه الكسر . إنها مادة لم تكن موجودة ، خلقها الرب يسوع . وهذه المعجزة العظيمة ذكرها كل الإنجيليين الأربعة .

ويشبة هذه المعجزة إشباع أربعة آلاف من الرجال عدا النساء والأطفال .

وذلك من سبع خبرات وقليل من السمك ( متى15 : 32 ـ 38 ) ثم رفعوا ما فضل عنهم سبعة سلال مملوءة . وهنا أيضاً خلق مادة لم تكن موجودة . والقدرة على الخلق هي من صفات الله وحده .

3 ـ ومن معجزات الخلق أيضاً تحويل الماء خمراً في عرس قانا الجليل ( يو2 ) .

وهنا عملية خلق : لأن الماء مجرد أوكسجين وأيدروجين ، فمن أين أتى الكحول وباقى مكونات الخمر ؟ لقد خلق السيد كل هذا في تلك المعجزة ، التى مما يزيد قوتها أنها تمت بمجرد إرادته في الداخل ، دون أية عملية ، ولا رشم ولا مباركة ، ولا حتى صدر منه أمر كأن يقول فليتحول الماء إلى خمر ... إنما قال " املأوا الأجران ماء ، فملأوما . ثم قال لهم استقوا الآن ( يو2 : 7 ، 8 ) . وهكذا صار الماء خمراً بمجرد إرادته . أراد أن تخلق مادة الخمر فخلقت حتى بدون أمر .

4 ـ ومن معجزات الخلق أيضاً منح البصر للمولود أعمى ( يو9 ) .

لقد خلق له السيد المسيح عينين لم تكونا موجودتين من قبل . وخلقهما من الطين مثلما خلق الإنسان الأول .الطين الذى يضعونه في عين البصير فيفقده البصر ، وضعه السيد في محجرى الأعمى فصار عينين . ويزيد هذه المعجزة قوة أن الرب أمر المولود أعمى أن يغتسل بعد ذلك في بركة سلوام . والمفروض أن الاغتسال بالماء يذيب الطين ، ولكنه على العكس أمكن هنا أن يثبت الطين العينين في المحجرين ، ويربطهما بشرايين وأنسجة وأعصاب ... ولكل هذا قال الرجل المولود أعمى لليهود " منذ الدهر لم يسمع أن أحداً فتح عيني مولود أعمى ( يو9 : 32 ) .

هنا ويوجهنا سؤال لاهوتي هام وهو :

5 ـ كيف يكون المسيح خالقاً ، بينما الخلق من صفات الله وحده ؟

لقد كان يخلق بقوة لاهوته ، باعتبار أنه الأقنوم الثاني ، عقل الله . إذن فهل هو الذى خلق الكون أم الله الآب هو الذى خلق الكل ظ إن الله الآب خلق العالم كله بالابن ، خلقه بعقله ، بفهمه بمعرفته ، بكلمته ، أي بالأقنوم الثاني . لذلك يقول الرسول " الذى به عمل العالمين " . به أي بعقله ، بحكمته ...

( 8 )

المسيح معطى الحياة

1 ـ يقول عنه يوحنا الإنجيلي " فيه كانت الحياة " ( يو1 : 4 ) . والسيد المسيح قد أعطى الحياة هنا ، وفي الأبدية وهذا عمل من أعمال الله وحده .

2 ـ وقد أعطى السيد المسيح الحياة في إقامته للموتى .

وذكر الكتاب المقدس ثلاث معجزات من هذا النوع .

أ ـ ( مر5 : 22 ، 35 ـ 42 ) إقامة ابنه يا يرس ـ وكانت مسجاة على فراشها في البيت . وأهلها يبكون ويولولون كثيراً .

ب ـ ( لو7 : 11 ـ 17 ) إقامة ابن ارملة نايين ، وكان محمولاً على نعش في الطريق . وجمع كثير من المدينة حوله .

ج ـ ( يو11 ) إقامة لعازر بعد موته بأربعة أيام ، وكان مدفوناً في قبره ، وقالت أخته عنه قد أنتن .

والمهم في هذه المعجزة الثلاثة أنها تمت بالأمر .

مما يدل على لاهوته ، وعلى أنه مانح الحياة ، وسنعرض لهذا الأمر بالتفصيل عند حديثنا عن اثبات لاهوت المسيح من معجزاته .

3 ـ ويكفى تعليقاً على معجزاته في إقامة الموتى ، قول السيد المسيح " لأنه كما أن الآب يقيم الأموات ويحيى ، كذلك الابن يحيى من يشاء " ( يو5 : 21 ) . وهنا مساواة بينه وبين الآب ، وأيضاً جعل منح هذه الحياة متوقفاً على مشيئته .

4 ـ قال السيد المسيح عن نفسه إنه " المواهب الحياة للعالم " ( يو6 : 33 ) باعتباره " خبز الحياة " ( يو6 : 35 ) . وقال " أنا هو خبز الحياة " " النازل من السماء " " إن أكل أحد من هذا الخبز يحيا إلى الأبد " " والخبز الذى أنا أعطى هو جسدي الذى أبذله من أجل حياة العالم " " من يأكل جسدي ويشرب دمى ، فله حياة أبدية ، وأنا أقيمه في اليوم الأخير " ( يو6 : 35 ـ 58 ) .

وهذا الفصل السادس من إنجيل يوحنا يقدم المسيح كمعطى للحياة ، من خلال سر الافخارستيا ،

تقديم جسده ودمه ، وأيضاً من جهة قول المسيح " وأنا أقيمه في اليوم الأخير " ( يو6 : 54 ) .

5 ـ وتحدث المسيح عن ذاته بأنه يعطى الحياة الأبدية ، كما قال " خرافي تسمع صوتى وأنا أعرفها فتتبعني . وأنا أعطيهما حياة أبدية ولن تهلك إلى الأبد . ولا يحفظها أحد من يدى " ( يو10 : 27 ، 28 ) . ونلاحظ هنا عبارة " أنا أعطيها " .

6 ـ كذلك منح الحياة الأبدية لكل من يؤمن به . فقال " لا يهلك كل من يؤمن به ، بل تكون له الحياة الأبدية " .

7 ـ كذلك في حديثه مع المرأة السامرية ، شجعها أن تطلب منه " الماء الحى " . وقال لها " من يشرب من الماء الذى أعطية أنا فلن يعطش إلى الأبد . بل الماء الذى أعطية يصير فيه ينبوع ماء ينبع إلى حياة أبدية " ( يو4 : 10 ـ 14 ) . ونلاحظ هنا قوله مرتين " الذى أعطية " على اعتبار أن منه هذه العطية ، التى هي الحياة هنا التى تنبع إلى حياة أبدية .

استنتاج

لم يحدث مطلقاً أن إنساناً بهذا الأسلوب ، الذى به يكون واهباً للحياة ، ومعطياً لها ، وأنه يعطى حياة أبدية ، وأنه يحيى من يشاء .

والذى يتبعه يحيا إلى الأبد ، ولا يهلك ، ولا يحفظه أحد من يده ... إنها كلها أعمال من سلطان الله .

( 9 )

السيد المسيح فوق الزمان

1 ـ نستطيع أن نستنتج أن السيد فوق الزمن من قوله لليهود :

" قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن " ( يو8 : 58 ) .

ومعنى هذا أن له وجوداً وكياناً قبل مولده بالجسد بالآف السنين ، قبل أبينا إبراهيم ، وقد فهم اليهود من هذا أنه يتحدث ضمناً عن لاهوته ، لذلك " رفعوا حجارة ليرجموه " ( يو8 : 59 ) .

2 ـ وصرح أيضاً أنه قبل جده داود :

فمع أنه من نسل داود حسب الجسد ، إلا أنه قال في سفر الرؤيا " أنا يسوع ... أنا أصل وذرية داود " ( رؤ22 : 16 ) . وعبارة ذرية داود مفهومة وواضحة ، لأنه من نسله ، ولكن كلمة ( أصل ) هنا ، تعنى أنه كان موجوداً قبل داود ... وقد شهد بهذا أيضاً أحد الكهنة الجالسين حول العرش الإلهي ، فقال ليوحنا الرائي " هوذا قد غلب الأسد الذى من سبط يهوذا ، أصل داود " ( رؤ5 : 5 ) ...

3 ـ وهو أيضاً قبل كوكب الصبح :

إن الكتاب يعطيه وجوداً قبل داود ويهوذا وإبراهيم ، فيقول له الرب في المزمور " من البطن قبل كوكب الصبح ولدتك " ( مز110 : 3 ) .

4 ـ بل هو قبل العالم وقبل كل الدهور .

هكذا في مناجاته للآب في ( يو17 : 5 ) يقول له " مجدني أنت أيها الآب عند ذاتك ، بالمجد الذى كان لي عندك قبل كون العالم " ( يو17 : 5 ) . ويقول له أيضاً " لأنك أحببتني قبل إنشاء العالم " ( يو17 : 24 ) . إذن فهو موجود قبل إنشاء العالم .

5 ـ هو قبل الخليقة ، التى به قد خلقت :

ففي حديث القديس بولس الرسول عنه باعتباره " صورة الله غير المنظور " ( كو1 : 15 ) قال " الكل به وله قد خلق . الذى هو قبل كل شئ ، وفيه يقوم الكل " ( كو1 : 16 ، 17 ) . إذن فهو كائن قبل كل شئ . لماذا ؟ لأن الكل به قد خلق .

6 ـ وطبعاً كونه قد خلق كل شئ ، يعنى أنه كائن قبل كل شئ .

ذلك يقول القديس يوحنا الإنجيلي " كل شئ به كان ، وبغيره لم يكن شئ مما كان " ( يو1 : 3 ) . وقال " في العالم كان ، والعالم به كون " ( يو1 : 10 ) . مادام العالم به كون ، إذن هو قبل كون العالم ، وقبل كل شئ .

7 ـ بل إن وجوده أزلى ( منذ الأزل ) .

لعل أوضح ما قيل عن وجوده قبل الزمن ، نبوءة ميخا النبى الذى يقول " وأنت صغيرة أن تكونى بين ألوف يهوذا ، فمنك يخرج لي الذى يكون متسلطاً على إسرائيل . ومخارجه منذ القديم منذ أيام الأزل " ( مى5 : 2 ) . وهنا يصفه بالأزليه ، وهي من صفات الله وحده . فما معنى عبارة " مخارجه من القديم منذ أيام الأزل " معناها هو الآتى :

8 ـ أنه خرج من الآب منذ الأزل ، أي ولد من الآب منذ الأزل ،

باعتباره الابن في الثالوث القدوس ، إنه عقل الله الناطق . وعقل الله كائن فيه منذ الأزل وهو حكمة الله ( 1كو1 : 24 ) ، وحكمة الله كائنة فيه منذ الأزل .

ومادامت الأزليه صفة من صفات الله وحده ، فهذا دليل أكيد على لاهوت المسيح ، لأنه أزلى ، فوق الزمن .

9 ـ وله أيضاً صفة الأبدية :

ولعل صفة الأبدية فيه تتضح من قول الرسول " يسوع المسيح هو هو أمساً واليوم وإلى الأبد " ( عب13 : 8 ) . وقول المسيح لتلاميذه " ها أنا معكم كل الأيام وإلى انقضاء الدهر " ( متى28 : 20 ) . وعن هذه الأبدية يقول عنه دانيال النبى " سلطانه أبدي ما لن يزول . وملكوته ما لا ينقرض " ( دا7 : 14 ) .

( 10 )

المسيح موجود في كل مكان

الله هو الموجود في كل مكان

1 ـ الوجود في كل مكان صفة من صفات الله وحده . وهكذا يقول له داود النبى " أين أذهب من روحك ، ومن وجهك أين أهرب ؟ إن صعدت إلى السموات فأنت هناك . وإن فرشت في الهاوية فها أنت . إن أخذت جناحى الصبح ، وسكنت في أقاصى البحر ، فهناك أيضاً تهدينى يدك وتمسكني يمينك " ( مز139 : 7 ـ 10 ) .

2 ـ الكائن الموجود في كل مكان ، لاشك أنه كائن غير محدود .

والله هو الكائن الوحيد غير المحدود . وعلى ذلك تكون هذه صفة خاصة به وحده . إذ لا يوجد كائن سواه غير محدود . إن الله في السماء ، وفي نفس الوقت على الأرض . لأن السماء هي كرسيه ، والأرض هي موضع قدميه " ( متى5 : 34 : 35 ) ، ( اش66 : 1 ) . وما وجود الله في أماكن العبادة سوى نوع من وجوده العام . وهكذا قال له سليمان الحكيم عند تدشين الهيكل " هوذا السموات وسماء السموات لا تسعك ، فكم بالأقل هذا البيت الذى بنيت " ( 1مل8 : 27 ) .

3 ـ ولا يمكن لكائن آخر غير الله أن يوجد في كل مكان ، وإلا أصبح هو الآخر غير محدود ، بينما هذه هي إحدى الصفات المميزة لله وحده . فإن استطعنا أن نثبت أن المسيح موجود في كل مكان ، أمكن بذلك اثبات لاهوته .

المسيح موجود في كل مكان

1 ـ إنه بعد المؤمنين به وعداً لا يستطيع أن يصرح به سوي الله وحده . فهو يقول لهم " حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمى ، هناك أكون في وسطهم " ( متى18 : 20 ) . ومعنى هذا أن السيد المسيح موجود في كل بقاع الأرض ، إذ قد انتشرت الكنيسة حتى وصلت إلى أقاصى الأرض . تصور يوم الأحد مثلاً ، والمسيحيون في العالم كله مجتمعون باسم المسيح في صلواتهم في الكنائس ، والمسيح وسطهم في كل مكان يصلون فيه ... ألا يعنى هذا أنه موجود في كل مكان على الأرض .

2 ـ وفي نفس الوقت الذى يحدد فيه كل الأرض ، هو موجود أيضاً في السماء ، إذ قد صعد إلى السماء كما رآه الرسل ( أع1 : 9 ) ، وهو عن يمين الآب كما رآه اسطفانوس ( أع7 : 56 ) .

3 ـ وهو في نفس الوقت في الفردوس ، مع الذين انتقلوا من عالمنا ، ودليلنا على ذلك قوله للص اليمين " اليوم تكون معى في الفردوس " ( لو23 : 43 ) . وأيضاً قول القديس بولس الرسول " لي اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح ، فذاك أفضل جداً " ( فى1 : 23 ) . وهذا اثبات أن الذين ينطلقون من الجسد ، يكونون مع المسيح في الفردوس ، بينما هو مع المؤمنين المجاهدين على الأرض .

4 ـ السيد المسيح موجود إذن في السماء ، وعلى الأرض ، وحيثما ينتظر الأبرار ، وهذا يتفق مع وعده للكنيسة حينما قال " وها أنا معكم كل الأيام وإلى انقضاء الدهر " ( متى28 : 20 ) .

5 ـ وفي حديث السيد المسيح مع نيقوديموس ، صرح بهذه الحقيقة ، فقال له " ليس أحد صعد إلى السماء ، إلا الذى نزل من السماء ، ابن الانسان الذى هو في السماء " ( يو3 : 13 ) . أي أنه كان في السماء فس نفس الوقت الذى كان فيه يكلم نيقوديموس على الأرض .

فهو على الأرض يكلم نيقوديموس ، وهو الذى صعد إلى السماء وهو موجود في نفس الوقت في السماء .

6 ـ والسيد المسيح ليس فقط موجوداً على الأرض حينما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمه ، بل هو أيضاً موجود في قلب كل مؤمن محب له . وفي ذلك يقول " إن أحبني أحد يحفظ كلامي ، ويحبه أبى ، وإليه نأتى ، وعنده نصنع منزلاً " ( يو 14 : 23 ) أي أن كل إنسان محب لله هو بيت للمسيح ، ينزل للسيد في قلبه ويعيش معه في كل مكان يحل فيه ، وفي كل أقامته وتنقلاته ، وهكذا استطاع بولس الرسول أن يقول :

" أحيا لا أنا ، بل المسيح يحيا في " ( غل2 : 20 ) .

7 ـ والسيد المسيح لا يوجد فقط حيثما يوجد الأبرار القديسون . بل أيضاً في الأمكنة التى ضل فيها الأشرار ، يبحث عنهم ويفتقدهم ويقرع على أبواب قلوبهم . وهكذا يقول " هأنذا واقف على الباب واقرع . إن سمع أحد صوتي وفتح الباب أدخل وأتعشى معه وهو معي " ( رؤ3 : 20 ) .

استنتاج2

ثابت من كل الكلام الذي قلناه أن السيد المسيح كائن غير محدود ، موجود في كل مكان : في السماء وفي الفردوس ، وفي نفس الوقت على الأرض ، في أماكن العبادة ، وفي اجتماعات المؤمنين ، وفي قلوب محبيه . كما أنه يقرع على أبواب قلوب الضالين والمبتعدين عن وصاياه . ينتقل مع كل إنسان حيثما انتقل ، ويكون معه وهو مستقر هو مع الأحياء ، ومع الذين انتقلوا أيضاً .

كل هذا لا ينطبق إلا على كائن واحد هو الله .

( 11 )

نزوله من السماء

1 ـ قال السيد المسيح في حديثه مع اليهود :

" أنا هو الخبز الذى نزل من السماء " ( يو6 : 41 ) .

وقال إنه بهذا معطى الحياة " لأن خبز الله هو النازل من السماء ، الواهب حياة للعالم " ( يو6 : 33 ) . وكرر عبارة " نزلت من السماء " ( يو6 : 38 ) . وفسر نزوله من السماء بقوله :

2 ـ " خرجت من عند الآب ، وأتيت إلى العالم " .

" وأيضاً أترك العالم وأذهب إلى الآب " ( يو16 : 28 ) . وركز على عبارة خروجه من عند الآب بقوله لتلاميذه " الآب يبكم لأنكم قد أحببتموني ، وآمنتم أنى من عند الآب خرجت " ( يو16 : 27 ) . وكرر هذا المعنى أيضاً في حديثه مع اليهود ( يو8 : 42 ) .

3 ـ إذن هو ليس من الأرض ، بل من السماء ، وقد خرج من عند الآب .

هذا  هو موطنة الأصلي . أما وجوده بين الناس على الأرض بالجسد ، فلذلك لأنه " أخلى نفسه ، آخذاً صورة عبد في شبه الناس " ( في2 : 7 ) . ولكنه لابد أن يصعد إلى السماء التى نزل منها . أما عن هذه الأرض ، فهو كائن قبلها ، بل هو الذى أوجدها ، لأن " كل شئ به كان ، وبغيره لم يكن شئ مما كلن " ( يو1 : 3 ) أما هو فقد كان في الآب منذ الأزل ، وهذا هو مكانه الطبيعى ، بل هذه مكانته ...

 4 ـ ونزوله من السماء وصعوده إليها ، أمر شرحه لنيقوديموس ، فقال :

ليس أحد صعد إلى السماء ، إلا الذى من السماء ، ابن الإنسان الذى هو في السماء " ( يو3 : 13 ) .

والمقصود بالسماء هنا سماء السماوات ، التى لم يصعد إليها أحد ، ولم ينزل منها أحد ، إلا المسيح باعتباره أقنوم الابن " الكائن في حضن الآب " ( يو1 : 18 ) في سماء السماوات حيث عرش الله ، كما قال في العظة على الجبل إن السماء هي كرسى الله ( متى5 : 34 ) أي عرشه . وقوله " ابن الإنسان الذى هو في السماء " معناها أنه كائن في السماء ، بينما هو على الأرض يتكلم ، مما يثبت لاهوته أيضاً لوجوده في السماء وعلى الأرض في نفس الوقت .

ومعجزة صعوده إلى السماء ( أع1 : 9 ) هي تأكيد لقوله لتلاميذه " أيضاً أترك العالم وأذهب إلى الآب " ( يو16 : 28 ) .

5 ـ وهو ليس في السماء كمجرد مقيم ، إنما له فيها سلطان :

فقد قبل إليه روح القديس اسطفانوس أول الشمامسة الذى قال في ساعة رجمه " أيها الرب يسوع اقبل روحى " ( أع7 : 59 ) . وهو الذى أدخل اللص إلى الفردوس أي السماء الثالثة ( 2كو12 : 2 ، 4 ) إذ قال لهذا اللص " اليوم تكون معي في الفردوس " ( لو23 : 43 ) . من هو الذى يقبل الأرواح ، وله السلطان أن يدخلها إلى الفردوس إلا الله نفسه ؟! وهكذا كان المسيح .

6 ـ وهو الذى أعطى الرسل مفاتيح السماء أيضاً :

فقال لبطرس ممثلاً لهم " وأعطيهم مفاتيح ملكوت السموات " ( متى16 : 19 ) . وقال للتلاميذ جميعاً " كل ما تربطونه على الأرض يكون مربوطاً في السماء . وكل ما تحلونه على الأرض يكون محلولاً في السماء " ( متى18 : 18 ) . وهنا نسأل من له سلطان أن يسلم مفاتيح السموات للبشر ، ويعطيهم سلطاناً أن يحلوا ويربطوا فيها سوى الله نفسه ؟!

7 ـ ومن سلطان المسيح في السماء ، أنه تسجد له كل القوات السمائية .

وفي هذا يقول الرسول " لكى تجثو باسم يسوع كل ركبه ممن في السماء ، ومن على الأرض ؟ " ( في2 : 9 ) . وسجود الملائكة له دليل على لاهوته . وقد قال عنه الرسول أيضاً :

8 ـ إنه أعلى من السموات ، وإنه في السماء يشفع فينا :

فقال " إذ هو حي كل حين ليشفع فيهم . لأنه كان يليق بنا رئيس كهنة مثل هذا ، قدوس بلا شر ولا دنس ، قد انفصل عن الخطاة ، وصار أعلى من السموات " ( عب7 : 25 ، 26 ) .

إذن من علاقة المسيح بالسماء ، يمكن إثبات لاهوته بدلائل كثيرة .

( 12 )

هو الأول والأخر

وهذا الإثبات سيشمل أربع نقاط أساسية هي :

أ ـ الله وحده هو الأول والآخر ، ليس قبله إله ولا بعده .

ب ـ المسيح هو أيضاً الأول والآخر ، الألف والياء .

ج ـ ما معنى الأول ، وعلى أي شئ يدل ؟

د ـ محاولتان من شهود يهوه للرد .

الله وحده هو الأول والآخر

في الأزل كان الله ، الله وحده . هو الأول والألف . ثم خلق الله جميع الكائنات ، كلها صنعه يديه . لا يستطيع مخلوق أياً كان يقول إنه الألف أو الأول ، لأن الأولوية لله وحده . لهذا نرى الله يصف نفسه بهذه الصفة . فيقول في سفر اشعياء " أنا الأول والأخر ، ولا إله غيرى " ( اش44 : 6 ) .

" أنا هو : أنا الأول وأنا الآخر . ويدى أسست الأرض ، ويمينى نشرت السموات " ( اش48 : 12 ، 13 ) " أنا هو . قبلي لم يصور إله ، وبعدى لا يكون " ( اش43 : 10 ) .

السيد المسيح هو الأول والآخر

1 ـ أنظر إلى نبوءة سفر الرؤيا : " هوذا يأتى مع السحاب ، وستنظره كل عين والذين طعنوه وتنوح عليه جميع قبائل الأرض ، نعم آمين . أنا هو الألف والياء ، البداية والنهاية ، يقول الرب الكائن والذى كان ، والذى يأتى القادر على كل شئ " ( رؤ1 : 7 ، 8 ) . أريت هذه الآية لأحد شهود يهوه في سنة1953 . فارتبك أولاً ، ثم قال " كلا إن الآيه الأولى هي فقط عن المسيح ، أما الثانية فعن الله الآب " . قال هذا على الرغم من وضوح الآيه ، وعلى الرغم من كلمة يأتى هو المسيح . فأشفقت عليه في ارتباكه ، وقلت له : أنا متنازل إلى حين عن هذه الآيه ، فالعقيدة لا تتوقف على آيه واحدة . ولنأت إلى آيه غيرها وهي أكثر وضوحاً . قال الرائى :

2 ـ أنا يوحنا أخوكم وشريككم في ملكوت يسوع المسيح وصبره . كنت في الجزيرة التى تدعي بطمس . وسمعت ورائي صوتاً عظيماً كصوت بوق قائلاً " أنا هو الألف والياء . الأول والآخر ... فالتفت لأنظر الصوت الذى تكلم معي . ولما التفت رأيت سبع مناير من ذهب . وفي وسط السبع المناير شبه ابن إنسان متسربلاً بثوب إلى الرجلين ... " ( رؤ1 : 9 ـ 13 ) . من هو هذا ، شبه ابن الإنسان ، إلا السيد المسيح الذى قال : أنا الألف والياء ، الأول والآخر ... هذا القديس يوحنا الرائى يؤكداً فيقول :

3 ـ " فلما رأيته سقطت عند رجليه كميت ، فوضع يده اليمنى على قائلاً : لاتخف أنا هو الأول والآخر والحى وكنت ميتاً . وها أنا حي إلى أبد الآبدين آمين .. " ( رؤ1 : 17 ) . فمن هو هذا الحى وكان ميتاً إلا ربنا يسوع المسيح القائم من الأموات ... 

4 ـ ويتكرر هذا المعنى مرة أخرى في الإصحاح الأخير من سفر الرؤيا حيث يقول الرب " هاأنا آتى سريعاً وأجرتى معى ، لأجازى كل واحد كما يكون عمله . أنا الألف والياء ، البداية والآخر ... أنا يسوع ... " ( رؤ22 : 12 ـ 16 ) .

ماذا نستنتج ؟

أ ـ يقول الله في سفر اشعياء " أنا هو . انا الأول والأخر " ويكرر هذه العبارة مرات . ويسوع المسيح يقول في سفر الرؤيا " أنا هو الألف والياء ، الأول والآخر ، البداية والنهاية " ويكرر هذا العبارة مرات . فكيف يمكن التوفيق بين القولين إلا أنهما لكائن واحد هو الله ، وليكن الله صادقاً .

ب ـ قال السيد المسيح إنه هو الأول ، هو الألف ، أي لا يوجد أحد قبله . وهذه العبارة لايمكن تفسيرها إلا على أنه الله ، وإلا يكون الله موجوداً على الآطلاق ، إذ لا يوجد من هو قبل الأول ، ولاقبل الألف . كيف توفق إذن بين الأول ، قول الله " أنا هو قبلى لم يصور إله ، وبعدى لايكون " ... التوفيق الوحيد هو أن قائل العبارتين واحد .

ج ـ إذا كان المسيح هو الأول ، إذن فهو ليس مخلوقاً ، لأنه لا يوجد قبله من يخلقه . ومادام غير مخلوق إذن فهو أزلى ، وإذن هو الله .

 محاولتان للرد

بعد أن نشرنا الإثبات السابق في مجلة مدارس الأحد ( يوليو 1953 ) قام شهود يهوه بمحاولتين للرد على مجلتهم برج المراقبة ( نوفمبر 1953 ) من ص174 وذلك بادعائين هما :

أ ـ الادعاء بأن الذي يأتى هو الآب ! وذلك رداً على ( رؤ1 :8 ) .

ب ـ الإدعاء بأن ما ورد عن المسيح من حيث هو الأول والآخر ، إنما قيل فقط من جهة أمور محدودة ، تختص بموت المسيح وقيامته !

وقد كتبنا رداً مطولاً على هذين النقطتين ، نشر في مجلة مدارس الأحد في يناير 1954 ، نلخصه في الآتى :

1 ـ لاشك أن الآتى هو السيد المسيح ، يأتى للدينونة ، ليجازى كل واحد بحسب عمله [ أنظر ( مت25 : 31 ـ 46 ) ، ( مت16 : 27 ) ] . ولعل آخر آية في سفر الرؤيا تقول " أمين ـ تعال أيها الرب يسوع " ( رؤ22 : 20 ) . والسيد المسيح نفسه قال لرؤساء الكهنة " من الآن تبصرون ابن الإنسان جالساً عن يمين القوة وآتياً على سحاب السماء " ( متى26 : 64 ) . وقال في علامات الأزمنة " وحينئذ تنوح جميع قبائل الأرض . ويبصرون ابن الإنسان آتياً على السحاب بقوة ومجد كثير . فيرسل ملائكته ... " ( متى24 : 29 ـ 31 ) ...  فإن كان شهود يهوه يقولون أن الآتى هو يهوه ، وثابت من الآيات أن الآتي هو المسيح ، فإنهم يقدمون لنا بذلك إثباتاً جديداً على أن المسيح هو الله . ولكى يهرب شهود يهوه من هذا المأزق ، قالوا في ص184 من نفس عدد برج المراقبة " لأن يهوه يأتى ممثلاً بالمسيح يسوع " فهل معنى هذا عودتهم إلى الاعتراف أنه الله ظهر في الجسد ... ( 1تى3 : 16 ) ؟

2 ـ أما قولهم عن أن عبارة الأول والآخر قيلت عن المسيح فيما يخص موته وقيامته فإننا نرد عليهم بالآتى :

أ ـ من جهة الموت ، لم يكن المسيح أول من مات ، ولا آخر من مات . فقد مات الملايين قبله ، وملايين بعده .

ب ـ من جهة القيامة ، فهو وإن كان حقاً باكورة الراقدين ، أى أول القائمين بجسد ممجد ، إلا أنه ليس آخر القائمين من الأموات ، لأن كل الناس سيقومون في يوم القيامة ، الأبرار منهم والأشرار ( يو5 : 28 ، 29 ) .

( 13 )

المسيح هو الرب

أول نقطة في هذا الموضوع هي أن ( الرب ) اسم من أسماء الله ، والنقطة الثانية هي أن السيد المسيح دعي رباً ، لا بمعنى مجرد سيد ، إنما في مجالات تثبت لاهوته ، كما في مجال الصلاة ، أو الإيمان ، أو الدينونة ، أو الخلاص ، أو عقب معجزة عجيبة ، أو في ساعة الموت ... ألخ .

وسنتناول كل ذلك بالشرح ، مع إثبات من آيات الكتاب المقدس . 

1 ـ الرب اسم من أسماء الله :

قال الله في سفر اشعياء النبي " أنا أنا الرب ، ليس فيرى مخلص " ( اش43 : 11 ) . " أنا الرب وليس آخر . لا إله سواي " ( اش45 : 5 ) " أليس أنا الرب ، ولا إله آخر غيري " ( اش45 : 21 ) . وقال السيد المسيح مذكراً بما ورد في ( تث6 : 13 ) " للرب إلهك تسجد ، وإياه وحده تعبد " ( لو4 : 8 ) ( مت4 : 10 ) وقال أيضاً " لا تجرب الرب إلهك " ( لو4 : 12 ) ( متى4 : 7 ) . فالرب هو الله . ولذلك قيل في سفر التثنية " لأن الرب إلهكم هو إله الآلهة ورب الأرباب " ( تث10 : 17 ) . وقيل في سفر هوشع " أنا الرب إلهك ـ وإلهاً سوى لست تعرف " ( هو13 : 4 ) . ولعل من أهم الآيات الدالة على أن كلمة الرب هي من أسماء الله وحده قول الله في سفر اشعياء " أنا الرب . هذا اسمي . ومجدي لا أعطية لأخر " ( اش43 : 8 ) .

2 ـ أطلق اسم الرب على المسيح في مناسبات تدل على لاهوته :

ولعل منها ذلك السؤال الذي حير الرب الفريسيين ، حينما قالوا إن  المسيح هو ابن داود . فقال لهم " فكيف يدعوه داود بالروح رباً قائلاً : قال الرب لربي أجلس عن يميني حتى أضع أعداءك تحت موطئ قدميك ( مز109 : 1 ) " فلم يستطيع أحد أن يجيبه بكلمة " ( متى22 : 43 ـ 46 ) . فداود يدعوه ربه ، ويزيد الآية قوة ، جلوسه عن يمين الله ...

3 ـ وقد استخدام اسم الرب بالنسبة إلى المسيح في مجال الصلاة :

وهو مجال العبادة لا يمكن أن توجه فيه كلمة ( يارب ) إلا لله وحده . وفي ذلك قال السيد المسيح في العظة على الجبل " ليس كل من يقول لي يارب يارب يدخل ملكوت السموات ، بل الذى يفعل إرادة أبى الذي في السموات " ( متى7 : 21 ) . وهو هنا يقول إن الصلاة الموجهة إليه بدون أعمال صالحة لا تفيد . وبنفس المعنى قال " لماذا تدعونني يارب يارب ، وأنتم لاتفعلون ما أقوله " ( لو6 : 46 ) .

4 ـ واستخدام اسم الرب بالنسبة إلى المسيح في يوم الدينونة الرهيب :

وفي هذا قال السيد المسيح " كثيرون سيقولون لي في ذلك اليوم : يارب يارب . أليس باسمك تنبأنا ، وباسمك اخرجنا شياطين ، وباسمك صنعنا قوات كثيرة فحينئذ أصرح لهم أنى لم أعرفكم قط . اذهبوا عنى يا فاعلي الإثم " ( متى7 : 22 ، 23 ) . وحديثهم معه باعتبار أنه الديان ، وقيامة هو بعمل الديان ، دليل على لاهوته لأنه ولاشك أنهم حينما يخاطبونه في يوم الدينونة بعبارة يارب ، هذا دليل على لاهوته لأنه هو المتصرف الأبدي . وعبارة باسمك تنبأنا . باسمك صنعنا قوات ، هنا اعتراف باللاهوت في أخطر ساعة . وفي حديث الرب عن جلوسه للدينونة في اليوم الأخير ، يخاطبه الأبرار والأشرار جميعاً بعبارة يارب . فيقول له الأبرار " يارب متى رأيناك جائعاً فأطعمناك . أو متى رأيناك عطشاناً فسقيناك " ( متى25 : 37 ) وبنفس الأسلوب يخاطبه الأشرار " يارب متى رأيناك جائعاً أو عطشاناً أو غريباً أو مريضاً أو محبوساً ولم نخدمك " ( متى25 : 44 ) . ويتلقى هؤلاء وأولئك منه الحكم بمصيرهم الأبدي . وهذه ساعة رهيبة يخاطبة فيها الكل كإله . وقد جلس على كرسى مجده وحوله جميع الملائكة والقديسين ( متى25 : 31 ) . وفي نفس الوضع حديث الرب عن الدينونة ، ووقوف الأشرار خارجاً يقولون يارب افتح لنا ( لو13 : 25 ) .

5 ـ واستخدمت عبارة الرب للمسيح ، في ساعة الموت :

وهي ساعة حرجة جداً ، يهتم فيها الإنسان ـ وبخاصة البار ـ بكل لفظة ينطق بها حرصاً على خلاصه . ونحن نرى قديساً عظيماً مثل اسطفانوس أول الشمامسة يقول في ساع موته " أيها الرب يسوع اقبل روحي " ( أع7 : 59 ) . فهو هنا يعترف أن يسوع هو الرب ، وهو الذى يستودع اسطفانوس روحه في يديه ويقول هذا بعد أن رآه قائماً عن يمين الله في الأعالي . أنه اعتراف واضح بلا هوته . ومثله اعتراف اللص اليمين الذى قال له " اذكرني يارب متى جئت في ملكوتك . والرب قبل منه هذا الاسم ( يارب ) . ومنحه الوعد أن يكون معه في نفس اليوم في الفردوس . أي أن إيمانه بأن المسيح رب استحق عليه الفردوس .

6 ـ واستخدم اسم الرب بالنسبة الذي المسيح في مجال الخلق :

فقال الرسول " ورب واحد يسوع المسيح الذى به جميع الأشياء ونحن به " ( 1كو8 : 6 ) .

7 ـ واستخدم نفس التعبير من توما الرسول في مجال التعبير عن إيمانه :

فلما آمن أنه هو : ووضع إصبعه مكان المسامير ، قال في إيمان " ربي وإلهى " ( يو20 : 28 ) . وهي عبارة واضح فيها التصريح . وقد قبل منه السيد المسيح هذه العبارة وهذا الإيمان ، ووبخه على أنه كان متأخراً في التصريح بهذا الإيمان ، قال له " لأنك رأيتني يا توما آمنت ؟ طوبى للذي آمنوا ولم يروا . ( يو20 : 29 ) .

8 ـ واستخدم نفس الاسم في مجال إيمان السجان وخلاصه :

قال بولس وسيلا لسجان فيلبى " آمن بالرب يسوع فتخلص أنت وأهل بيتك " ( أع16 : 31 ) . عبارة رب هنا استخدمت بمعنى إله ، لأنها خاصة بالإيمان والخلاص ، وهما خاصان بالله وحده .

9 ـ واستخدم اسم الرب للمسيح في مجال المجد :

فقال القديس بطرس الرسول " أنمو في النعمة وفي معرفة ربنا ومخلصنا يسوع المسيح له المجد الآن وإلى يوم الدهر " ( 2بط3 : 18 ) . وواضح أن هذا تعبير يدل على لاهوته . فشتان بين كلمة رب بالمفرد ، وكلمة الرب . ثم أكثر منها كلمة ربنا ومخلصنا وهي لا تطلق إلا على الله . وبخاصة ما ذكر بعدها هنا له المجد الآن وإلى يوم الدهر . ويقول القديس يعقوب الرسول معاتباً " يا أخوتي ، لا يكون لكم إيمان ربنا يسوع المسيح رب المجد في المحاباة " ( يع2 : 1 ) فهو يريد أن يكون الإيمان به مرتبطاً بأعمال صالحة . وأهمية الآية في عبارة ( ربنا ) ، وعبارة ( رب المجد ) ، وارتباط العبارتين بالإيمان . وهذا لا يستخدم إلا في مجال الحديث عن الله .

10 ـ إن تعبير رب المجد دليل على اللاهوت :

لأن المجد ليس له رب إلا الله وحده ، الكلى المجد . وتعبير رب المجد أقوى بكثير من عبارة له المجد . وقد قيلت العبارتين عن السيد المسيح . وتعبير رب المجد تكرر مرة أخرى في قول القديس بولس الرسول عن الحكمة الإلهية التي لو عرفها " لما صلبوا رب المجد " ( 1كو2 : 8 ) .

11 ـ وقد أطلق على السيد المسيح لقب رب الأرباب:

وهو من ألقاب الله وحده . فقد قيل في سفر التثنية " لأن الرب إلهكم هو إله الآلهة ورب الأرباب ، الإله العظيم الجبار المهوب " ( تث10 : 17 ) . ومع ذلك نرى إن لقب رب الأرباب أطلق على السيد المسيح في أكثر من موضع . فقبل في سفر الرؤيا " وله على ثوبه وعلى فخذه إسم مكتوب : ملك الملوك ورب الأرباب " ( رؤ19 : 16 ) . وأيضاً " هؤلاء سيحاربون الخروف والخروف يغلبهم ، لأنه رب الأرباب وملك الملوك " ( رؤ17 : 14 ) . فمن يكون رب الأرباب وملك الملوك سوي الله نفسه ، وقد قيل ذلك عن السيد المسيح ، في تعبير يدل على لاهوته .

12 ـ وقيل أيضاً إنه رب السبت ( متى12 : 8 ) .

في حديث بين السيد المسيح والفريسيين حول السبت وعمل الرحمة فيه . قال لهم في أسلوب يوجههم إلى لاهوته " إن ههنا أعظم من الهيكل .. إنى أريد رحمة لا ذبيحة " . وختم حديثه بقوله " لأن ابن الإنسان هو رب السبت أيضاً " ( متى12 : 1 ـ 8 ) . كلهم كانوا يعرفون أن يوم السبت هو يوم الرب . وشريعة السبت هي شريعة أصدرهما الله نفسه . ولكن هوذا السيد المسيح يقول إنه رب السبت ايضاً أي رب هذا اليوم الخاص بالرب ، وهو صاحب الشريعة فيه . وهذا كلام لا يصدر إلا عن الله نفسه .

13 ـ ودعي السيد المسيح أيضاً : الرب برنا :

وقد ورد ذلك في نبوءة لأرميا النبى قال فيها " ها أيام تأتي ـ يقول الرب ـ وأقيم لداود غصن بر . وينجح ويجرى حقاً وعدلاً في الأرض ... وهذا هو اسمه الذى يدعونه به : الرب برنا " ( أر23 : 5 ، 6 ) . وقد تحققت في السيد المسيح إذ صار برنا بعد أن منحنا التبرير بدمه .

14 ـ واستخدم لقب يارب له في مجال المعجزة :

فبطرس الرسول بعد أن مشى معه على الماء ، خاف لما رأي الريح شديدة . وإذ ابتدأ يغرق صرخ قائلاً " يارب نجنى " ( متى14 : 30 ) فمد الرب يده ونجاه والذين في السفينة سجدوا له قائلين بالحقيقة أنت ابن الله " ( متى14 : 33 ) . وها نرى أن كلمة رب استخدمت في مجال معجزة . وحدث بعدها سجود ، واعترف ببنوته لله ، مما يدل على لاهوته .

15 ـ وفي مجال المعجزة أيضاً نرى شهادتين للرسل :

فبعد معجزة صيد السمك قبل دعوة بطرس ، سجد بطرس وقال للسيد المسيح " أخرج يار من سفينتى فإني رجل خاطئ " ( لو5 : 8 ) . وقوة الآية هنا تتركز في عبارة يارب ، ومعها سجود ، وبعد معجزة . فهي ليست كلمة عادية . وعبارة فإني رجل خاطئ تعطي قوة في الشعور بعدم الاستحقاق لوجود الرب القدوس في سفينته . وفي معجزة صيد السمك الكثير بعد القيامة نجد نفس الوضع :

" قال يوحنا لبطرس هو الرب " ( يو21 : 7 ) . ولم يجسر أحد من التلاميذ أن يسأله من أنت ، إذ كانوا يعلمون أنه الرب " ( يو21 : 12 ) .

16 ـ واستخدمت القديسة اليصابات هذا الاسم في استقبالها للعذراء :

امتلأت اليصابات من الروح القدس لما سمعت سلام القديسة مريم وقالت لها " من أين لي هذا ان تأتي أم ربي إلى . هوذا حين صار صوت سلامك في أذني ، ارتكض الجنين بابتهاج في بطنى " ( لو 1 : 43 ) . قالت ذلكم في مجال معجزة ، وهي ممتلئة بالروح القدس . وفي شعور بالانسحاق وعدم الاستحقاق لزيارة أم ربي لها . وكان هذا اعترافاً بلاهوته ...

17 ـ وبعد معجزة القيامة استخدمت كلمة الرب كثيراً :

" جاءت مريم المجدلية وأخبرت التلاميذ أنها رأت الرب " ( يو20 : 18 ) " ففرح التلاميذ إذ رأوا الرب " ( يو20 : 20 ) . " وقال له التلاميذ ( لتوما ) قد رأينا الرب " ( يو20 : 25 ) . " وهم يقولون إن الرب قام بالحقيقة وظهر لسمعان " ( لو24 : 34 ) . وقال بطرس للمسيح ثلاث مرات " أنت تعلم يارب إني أحبك " ( يو21 : 15 ـ 17 ) .

18 ـ واستخدم الملائكة لقب الرب بالنسبة إلى السيد المسيح :

سواء في البشارة بميلاده ، أو البشارة بقيامته .

ففي الميلاد قال الملاك للرعاة " ها أنا أبشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب إنه ولد لكم اليوم في مدينة داود مخلص هو المسيح الرب " ( لو2 : 10 ، 11 ) . وفي القيامة قال الملاك للمريمتين " إنكما تطلبان يسوع المصلوب . ليس هو ههنا ، لأنه قام كما قال . هلما أنظر الموضع الذى كان الرب مضطجعاً فيه " ( متى28 : 5 ، 6 ). وها نرى شهادة الملائكة لربوبية المسيح .

19 ـ وقيلت عبارة الرب أيضاً في معجزة الصعود :

وهكذا يقول القديس مرقس الإنجيلي " ثم أن الرب بعد ما كلمهم ارتفع إلى السماء وجلس عن يمين الله . أما هم فخرجوا وكرزوا في كل مكان ، والرب يعمل معهم ويثبت الكلام بالآيات " ( مر16 : 19 ، 20 ) . وهنا استخدام كلمة الرب في مجال الصعود إلى السماء والجلوس عن يمين الآب ، وفي مجال تثبيت كرازتهم بالآيات ... كل هذا يعطى معنى أنها ليست كلمة عادية ، وإنما تستخدم في مجال الإيمان بلا هوته .

20 ـ وكان الإنجيليون يستخدمون كلمة الرب كثيراً بدلاً من اسم المسيح .

ففي معجزة إقامة ابن أرملة نايين قال القديس لوقا عن هذه الأرملة " فلما رآها الرب تحنن عليها وقال لها لا تبك " ( لو7 : 13 ) . وفي خضوع الشياطين للتلاميذ ، قالوا له " يارب حتى الشياطين تخضع لنا باسمك " ( لو10 : 17 ) . وفي معجزة التجلي قالوا له " يارب جيد أن نكون ههنا " بطرس كلام الرب كيف قال له أنك قبل أن يصيح الديك تنكرني ثلاث مرات " ( لو22 : 6 ) . وفي قصة زكا " فوقف زكا وقال للرب : ها أنا يارب أعطي نصف أموالي للمساكين " ( لو19 : 8 ) . وفي ( لو22 : 31 ـ 61 ) وردت عبارة الرب عن المسيح 6مرات .

 21 ـ كذلك أطلق لقب الرب على المسيح في أسفار العهد الجديد :

وكمثال لذلك في سفر أعمال الرسل في دعوة شاول الطرسوسى " قال الرب لشاول أنا يسوع الذي أنت تضطهده ... فقال ... يارب ماذا تريد أن أفعل " ( أع9 : 5 ، 6 ) . وهنا قيلت في مجال معجزة ظهر فيها الرب بنور عظيم ، وهي معجزة كانت السبب في إيمان شاول . وقال بولس الرسول " لكن بنعمة الرب يسوع المسيح ، أن نخلص كما أولئك أيضاً " ( أع15 : 11 ) . وعبارة النعمة تكررت كثيراً ومنها " نعمة ربنا يسوع المسيح ... مع جميعكم " ( 2كو13 : 14 ) . ولا شك أن عبارة النعمة مع ربنا ، وفي مجال البركة تعطى معنى لاهوتياً . وقال الرسول أيضاً " وكل ما لمتم بقول أو فعل ، فاعلموا الكل باسم الرب يسوع " ( كو3 : 17 ) . ولاشك  أن هذا دليل على لاهوته ، إذا كان كل فعل وقول يكون باسمه ، باعتباره الرب . وقد وضح الرسول صلة المسيح كرب بالله الآب . فبعد أن تحدث عن أن المسيح " تجثو له كل ركبة ما في السماء وما على الأرض وما تحت الأرض " قال مباشرة " ويعترف كل لسان أن يسوع المسيح هو رب لمجد الله الآب " ( في2 : 10 ، 11 ) . ذلك أنه " بهاء مجده ورسم جوهرة " ( عب1 : 30 ) " كل من يراه يكون قد رأي الآب " ( يو14 : 9 ) .

22 ـ وأخيراً نقول أن السيد المسيح قبل أن يدعي بكلمة الرب وربي و يارب . ودعا نفسه هكذا .

لم يتعرض مطلقاً على أن يقال له يارب يارب ... يا ربنا ... ونجد في قصة الفصح ، لما أرسل تلميذين لإحضار جحش ليركبه في الذهاب إلى أورشليم قال لهما " قولا : الرب محتاج إليه " ( مر11 : 3 ) ( لو19 : 31 ) .

23 ـ وعبارة الرب يسوع هي آخر عبارة يختم بها العهد الجديد :

فآخر آيتين في سفر الرؤيا هما " أنا آتي سريعاً . آمين . تعال أيها الرب يسوع . نعمة ربنا يسوع المسيح مع جميعكم آمين " ( رؤ22 : 20 ـ 21 ) . إننا نستقبله في مجيئه الثاني بعبارة " تعال أيها الرب يسوع " ( وإلى أن يجئ تكون نعمة ربنا يسوع المسيح معنا . وكلمة ربنا شهادة واضحة على أنه الله . إننا لا نقول " ربنا " لبشر ...

( 14 )

الأيمان به

1 ـ الإيمان يكون بالله وحده .

وبهذه نجد نصاً هاماً في الكتاب وهو قول السيد المسيح " أنتم تؤمنون بالله ، فآمنوا بي " ( يو14 : 1 ) . وهكذا جعل الإيمان به مساوياً للإيمان بالآب ، بنفس الوضع ونفس الخطورة .

2 ـ وذلك أنه إن كان الإيمان به وصل إلى الحياة الأبدية ( يو3 : 16 ) ، فإن عدم الإيمان به يؤدي إلى الهلاك .

ولذلك يقول أيضاً " إن لم تؤمنوا إنى أنا هو ، تموتون في خطاياكم " ( يو8 : 24 ) . وفي علاقة الإيمان به بالحياة ، يقول في قصة إقامة لعازر من الموت " من آمن بي ولو مات فسيحيا . وكل من كان حياً وآمن بي ، فلن يموت إلى الأبد " ( يو11 : 25 ، 26 ) .

3 ـ والإيمان به قضية خلاصة ، بها يتعلق خلاص الإنسان .

ولهذا قال بولس وسيلا لسجان فيلبى " آمن بالرب يسوع ، فتخلص أنت وأهل بيتك " ( أع16 : 31 ) . طبعاً إن سلك في الأمور المتعلقة بهذا الإيمان ، مثال ذلك قوله " من آمن واعتمد خلص " ( مر16 : 16 ) .

4 ـ من يكون المسيح إذن ، إذا كان من يؤمن به ينال غفران الخطايا ؟

كما قال القديس بطرس الرسول في قبول كرنيليوس " له يشهد جميع الأنبياء أن كل من يؤمن به ، ينال باسمه غفران الخطايا " ( أع10 : 43 ) . وكذلك قال القديس بولس الرسول في مجمع إنطاكية بيسيدسة " فليكن معلوماً عندكم أيها الرجال الأخوة ، أنه بهذا ينادي لكم بغفران الخطايا ، وبهذا يتبرر كل من يؤمن " ( أع13 : 38 ، 39 ) . وطبعاً نضم إلى هذا الإيمان ، قول القديس بطرس الرسول لليهود في يوم الخمسين ، بعد أن نخسوا في قلوبهم وآمنوا وسألوا عن طريق الخلاص . فقال لهم " توبوا ، وليعتمد كل واحد منكم على إسم يسوع المسيح لغفران الخطايا ، فتلقوا عطية الروح القدس " ( أع2 : 38 ) . فالإيمان يقود إلى المعمودية ، والمعمودية توصل إلى غفران الخطايا . وغفران الخطايا يشمل التبرير الذي هو بدم المسيح . وما أكثر الآيات التي وردت عن الإيمان والتبرير ( أع13 : 39 ) ( رو5 : 1 ) . وكذلك توصيل المعمودية إلى قبول الروح القدس .

5 ـ ولهذا فإنه توجد علاقة بين الإيمان بالمسيح ، وقبول الروح القدس . فالذي يؤمن به يؤهل لنوال الروح القدس .

وعن هذا قال السيد المسيح " من آمن بي ، تجري من بطنه أنهار ماء حي " وقال هذا عن الروح الذي كان المؤمنون به مزمعين أن يقبلوه . لأن الروح القدس لم يكن قد أعطي بعد " ( يو7 : 38 ، 39 ) .

6 ـ وهناك عمل للروح القدس يسبق الإيمان بالمسيح .

وفي هذا يقول الرسول " ليس أحد يستطيع أن يقول يسوع رب إلا بالروح القدس " ( 1كو12 : 3 ) , ولعل هذا يبرر قصة حلول الروح قبل معمودية كرنيلوس والذين معه . وهو عمل تمهيدي من الروح ، غير الحلول الذي كان المؤمنون ينالونه بوضع الأيدي ( أع8 : 17 ) . ثم صار بعد ذلك بالمسحة المقدسة ( 1يو2 : 20 ، 27 ) .

7 ـ وقيل أيضاً في نتائج الإيمان بالمسيح " كل من يؤمن به لا يخزي " 

( رو9 : 33 ) ( رو10 : 11 ) ( 1بط2 : 6 ) . أي أنه لا يخزي في يوم الدينونة في اليوم الأخير .

8 ـ إذن ليس الإيمان بالمسيح مجرد شئ هين ، وإنما هو أمر خطير تتعلق به الحياة الأبدية . وما أخطر قول الرسول :

" الذي يؤمن بالابن له حياة أبدية . والذي لا يؤمن بالابن لن يري حياة ، بل يمكث عليه غضب الله " ( يو3 : 36 ) .

الإيمان يتعلق به الخلاص ، وغفران الخطية ، وعطية الروح القدس كما ذكرنا ونحن حينما نذكر هذا الإيمان ، إنما نقصده بمعناه الكامل بكل ما يتعلق به من أمور كالمعمودية والتوبة والأعمال التي هي ثمر الإيمان لكي يكون إيماناً حياً .

9 ـ هذا الإيمان تتعلق به المعمودية أيضاً ، بكل ما للمعمودية من فاعلية روحية .

لأنه لا يمكن أن تتم المعمودية بدون الإيمان أولاً . ولهذا حينما طلب الخصى الحبشي أن يعتمد ، قال له فيلبس " إن كنت تؤمن من كل قلبك يجوز " فقال الخصى " أنا أومن أن يسوع المسيح هو ابن الله " ( أع8 : 36 ، 37 ) . ومعروف أن الأطفال يعتمدون على إيمان والديهم .

10 ـ والإيمان بالمسيح هو سبب كتابة الإنجيل .

وفي هذا يقول القديس يوحنا الإنجيلي عن كل ما سجله في إنجيله من آيات " وأما هذه فقد كتبت لكي تؤمنوا أن يسوع هو المسيح ابن الله . ولكي تكون لكم إذا آمنتم حياة باسمه " ( يو20 : 31 ) .

11 ـ وهذا الإيمان يؤهل المؤمن أن يكون ايناً لله .

بأن يولد بعده من الماء والروح ( يو3 : 5 ) .. ولهذا قال الكتاب " وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا أبناء الله أي المؤمنون باسمه " ( يو1 : 12 ) .

استنتاج

12 ـ لا يمكن إنسان أياً كان أن يحصل من يؤمن به على كل هذه النتائج الروحية التي تتعلق بأبدية المؤمن ، ومركزه مع الله كابن ، ومع الكنيسة كعضو فيها بالإيمان والمعمودية .

13 ـ ولكن ما هو كنه هذا الإيمان بالمسيح ؟

نؤمن بأ يسوع هو المسيح ، وهو ابن الله ( يو20 : 31 ) ونؤمن بأن ابن الله الوحيد ( يو3 : 16 ، 18 ) بكل ما تحمله هذه العبارة من صفات لاهوتية . ونؤمن بأنه اللوجوس ، عقا الله الناطق ، كلمة الله ... ونؤمن أن في الآب والآب فيه ( يو14 : 10 ، 11 ) . ونؤمن أن من يري المسيح فقد رأي الآب ( يو14 : 9 ) . ونؤمن أن فيه الحياة ( يو1 : 4 ) ( 1يو5 : 11 ) . ونؤمن أنه مخلص العالم ( يو4 : 42 ) ( مت1 : 21 ) وأنه كفارة لخطايانا ( 1يو4 : 10 ) ( 1يو2 : 2 ) ونؤمن أيضاًث بكلامه ... وبالطريق الذي رسمه الرب للخلاص ...

كل هذا يدل على لاهوت المسيح ، يضاف إليها إيمانك بصفاته اللاهوتية .

( 15 )

قبوله العبادة والسجود

السيد المسيح قبل السجود من الناس . وكان سجود عبادة ، وليس مجرد سجود احترام . وكان ذلك في مناسبة إيمان أو معجزة .

1 ـ ففي منح البصر للمولود أعمي . لما دعاه للإيمان به كابن الله قال " أؤمن يا سيد " وسجد له ( يو9 : 38 ) . وقيل منه المسيح هذا السجود في مناسبة إيمانه .

2 ـ ولما مشي على الماء ، وجعل تلميذه بطرس يمشي معه ، حدث أن " الذين في السفينة جاءوا وسجدوا له قائلين : " بالحقيقة أنت ابن الله " ( متى14 : 33 ) . وقبل ذلك منهم .

3 ـ وقد سجد له القديس بطرس ، بعد معجزة صيد السمك الكثير قائلاً له " اخرج يارب من سفينتي لأني رجل خاطئ " ( لو5 : 8 ) . وقبل منه السيد المسيح هذا السجود وعبارة يارب . ودعاه أن يكون صياداً للناس .

4 ـ وسجدت له نازفة الدم بعد شفائها ( مر5 : 33 ) .

5 ـ وسجد له يا يرس قائلاً " إن ابنتي الآن ماتت . ولكن تعال وضع يدك عليها فتحيا " ( مر5 : 18 ) . إذن فهو سجود مصحوب بإيمان أن المسيح قادر على إقامة الميت بمجرد وضع يده ... وقد أقام له السيد المسيح ابنته ( مر5 : 25 ، 26 ) .

6 ـ والسيد المسيح سجدت له المر يمتان بعد القيامة ( متى28 : 9 ) .

7 ـ وسجد له الأحد عشر رسولاً لما رأوه بعد القيامة ( متى28 : 17 ) وقيامته من الموت كانت معجزة من أعظم المعجزات ، وكان لها تأثيرها في الرسل وفي المريمتين هو السجود له .

8 ـ يضاف إلى هذا أن المجوس سجدوا له طفولته ( متى2 : 11 ) .

9 ـ ونذكر مع هذا قول القديس بولس الرسول " ... تجثو باسم يسوع كل ركبة ممن في السماء وما على الأرض ومن تحت الأرض . ويعترف كل إنسان أن يسوع المسيح هو رب لمجد الله الآب " ( في2 : 10 ، 11 ) .

إذن هو تقبل السجود من الناس ، في مناسبات معجزات خارقة ، وفي مناسبات إيمان به كابن لله ، وسجدت له الملائكة وكل الكائنات في السماء وعلى الأرض . وسجد له رسله . وكل هذا يدل على لاهوته .

وكما قبل من الناس السجود ، قبل منهم أيضاً الصلاة .

10 ـ  أن يقال له " يارب يارب " ( متى7 : 22 ) .

11 ـ و حتى الصلاة الموجهة إلى الآب ، قال أن تكون باسمه ، فستجاب وهكذا قال لتلاميذه " الحق الحق أقول لكم إن كل ما طلبتم من الآب باسمي يعطيكم إلى الآن لم تطلبوا شيئاً باسمي . اطلبوا تأخذوا ليكون فرحكم كاملاً " ( يو16 : 23 ، 24 ) .

12 ـ بل قال أيضاً " مهما سألتم باسمي فذلك أفعله ، ليتمجد الآب بالابن ، عن سألتم شيئاً باسمي فإني أفعله " ( يو14 : 13 ، 14 ) . وعبارة " إنى أفعله " التي ذكرها هنا مرتين ، تعني أنه يستجيب بنفسه . وليست مثل عبارة " مهما طلبتم من الآب باسمي يعطيكم " هنا المسيح نفسه يعطي ، لكي يتمجد الآب بالابن .

12 ـ بل قال أيضاً " مهما سألتم باسمي فذلك أفعله ، ليتمجد الآب بالابن ، عن سألتم شيئاً باسمي فإني أفعله " ( يو14 : 13 ، 14 ) . وعبارة " إنى أفعله " التي ذكرها هنا مرتين ، تعني أنه يستجيب بنفسه . وليست مثل عبارة " مهما طلبتم من الآب باسمي يعطيكم " هنا المسيح نفسه يعطي ، لكي يتمجد الآب بالابن .

( 16 )

لي المجد إلى الأبد

1 ـ عبارة " له المجد إلى الأبد " ( هي عبارة خاصة بالله وحده ، وهي تدخل في تسبحة السارافيم له ( أش6 : 3 ) .

2 ـ وهذا المجد الإلهي ، لا يعطيه الله لكائن آخر . وهكذا قال في سفر اشعياء النبي " أنا الرب . هذا اسمي ، ومجدي لا أعطية لآخر " ( اش42 : 8 ) ، فإن ثبت أن السيد المسيح كان له هذا المجد ، فهذا لابد يكون دليلاً على لاهوته ولا يمكن أن يكون له مجد الآب ، إلا لو كان هو الله . فالله لا ينافسه غيره في مجده .

3 ـ الكتاب يعطينا فكره أن السيد المسيح له هذا المجد ، اللائق به كإله . فهو يجلس في مجده ، كديان لجميع الشعوب والأمم ، إذ يقول " ومتى جاء ابن الإنسان في مجده ، وجميع الملائكة القديسين معه فحينئذ يجلس على كرسي مجده ، ويجتمع أمامه جميع الشعوب ... " ( متى25 : 31 ، 32 ) . والمعروف أن الدينونة هي عمل الله ، كما ورد في ( تك18 : 25 ) .

4 ـ ويقول معلمنا بطرس الرسول " ولكن انموا في النعمة وفي معرفة ربنا ومخلصنا يسوع المسيح له المجد الآن وإلى يوم الدهر " ( 2بط3 : 18 ) . وعبارة ( ربنا ) مع عبارة ( له المجد ) دليل واضح على اللاهوت .

5 ـ ويقول أيضاً " لكي يتمجد الآب في كل شئ بيسوع المسيح الذي له المجد والسلطان إلى الآبدين آمين " ( 1بط4 : 11 ) . وما أجمل أن نقارن هذه الآية وسابقتها بقول القديس يهوذا الرسول " الإله الحكيم الوحيد مخلصنا له المجد والعظمة والقدرة والسلطان الآن وإلى كل الدهور آمين " ( يه25 ) .

المجد للذي للآب هو نفسه الذي للابن .

6 ـ بل يذكر الكتاب أن السيد المسيح له نفس مجد الآب .

فيقول السيد المسيح " فإن ابن الإنسان سوف يأتي في مجد أبيه مع ملائكته ، وحينئذ يجازي كل واحد حسب عمله " ( متى16 : 27 ) . ويقول أيضاً " لأن من استحي بي وبكلامي ، فبهذا يستحي ابن الإنسان متى جاء بمجده ومجد الآب والملائكة والقديسين " ( لو9 : 26 ) .

7 ـ ومساواة الابن للآب في المجد واردة في سفر الرؤيا من حيث أنه " في وسط العرش " ( رؤ7 : 17 ) . وأيضاً في تلك التسبحة التي سمعها الرائي من كل خليقة مما في السماء وعلي الأرض وتحت الأرض .. ويقول سمعتها قائلة " للجالس على العرش وللخروف البركة والكرامة والمجد والسلطان إلى أبد الآبدين " ( رؤ5 : 13 ) . نفس المجد والسلطان الذي للآب هو للابن شبة بخروف كأنه مذبوح ( رؤ5 : 6 ) . وهذا المجد المساوي هو إلى أبد الآبدين . ولاشك أن هذا دليل على لاهوته .

8 ـ ويتحدث السيد المسيح عن هذا المجد فيقول عن هذا فيقول " جلست مع أبي في عرشه " ( رؤ3 : 21 ) . وهذا المجد كان له عند الآب قبل كون العالم ( يو17 : 4 ، 5 ) .

( 17 )

المسيح هو الصالح القدوس 

سيشمل هذا الإثبات ثلاث نقاط وهي :

1 ـ ليس أحد صالحاً إلا واحد وهو الله ( متي19 : 17 ) .

2 ـ المسيح صالح وقدوس .

3 ـ استنتاج .

ليس أحد صالح إلا الله وحده

1 ـ يقول سفر المزامير " الكل زاغوا معاً وفسدوا . وليس من يعمل صلاحاً ، ليس ولا واحد " ( مز14 : 3 ) ، ( مز53 : 3 ) . وقد استشهد الرسول بهذه الآية في رسالته إلى رومية ( رؤ3 : 12 ) .

2 ـ ويشهد القديس يوحنا الحبيب بنفس هذه الحقيقة فيقول " إن قلنا أنه ليس لنا خطية نضل أنفسنا وليس الحق فينا " ( 1يو1 : 8 ) وكذا اعترف القديسون أنهم خطاة . وبولس الرسول الذي صعد إلى السماء الثالثة قال " الخطاة الذين أولهم أنا ( 1تى1 : 15 ) . وقال أنا فجسدي مبيع تحت الخطية ... وليس ساكن في أي في جسدي أي شئ صالح " ( رؤ7 : 14 ، 18 ) .

3 ـ وبينما البشر كلهم خطاة ، يكون الله هو لصالح الوحيد ، كما يقول الرب نفسه " ليس أحد صالحاً إلا واحد وهو الله " ( متى19 : 17 ) .

4 ـ كذلك يقول الكتاب عن الله أنه قدوس ، كما هتف له السارافيم " قدوس قدوس قدوس " ( أش6 : 3 ) . وكما قالت العذراء " لأن القدير صنع بي عجائب ، واسمه قدوس " ( لو1 : 49 ) .

5 ـ بل أكثر من هذا أن الكتاب يحصر القداسة في الله وحده ،

حسب الترنيمة التي قيلت له في سفر الرؤيا " عظيمة وعجيبة هي أعمالك أيها الرب الإله القادر على كل شئ ... من لا يخافك يارب ويمجد اسمك ، لأنك وحدك قدوس " ( رؤ15 : 3 ، 4 ) . إذ وصلنا إلى هذه النقطة نضع أمامنا الحقيقة الثانية وهي :

المسيح قدوس وصالح

1 ـ إن الملاك يبشر العذراء ويقول لها " الروح القدس يحل عليك ، وقوة العلي تظللك . فلذلك أيضاً القدوس المولود منك يدعي ابن الله " ( لو1 : 35 ) .

2 ـ وبطرس الرسول يوبخ اليهود بعد شفاء الأعرج ، ويقول لهم عن رفضهم المسيح " ولكن أنتم أنكرتم القدوس البار ، وطلبتم أن يوهب لكم رجل قاتل " ( أع3 : 14 ) .

3 ـ وبولس الرسول يتكلم عن السيد المسيح فيقول " قدوس بلا شر ولا دنس ، قد انفصل عن الخطاة ، وصار أعلى من السموات " ( عب7 : 26 ) .

4 ـ والكنيسة كلها صلت بعد إطلاق بطرس ويوحنا وقالت " امنح عبيدك أن يتكلموا بكلامك بكل مجاهرة ... ولتجر آيات وعجائب باسم فتاك القدوس يسوع ( أع4 : 30 ) . أنظر أيضاً ( أع4 : 27 ) .

5 ـ ونفس الرب في رسالته إلى ملاك كنيسة فيلادلفيا يقول " هذا يقوله القدوس الحق الذي له مفتاح داود ، الذي يفتح ولا أحد يغلق ، ويغلق ولا أحد يفتح " ( رؤ3 : 7 ) .

6 ـ وفي قداسة الرب يسوع ، يبدو للكل وقد انفصل عن الخطاة ( عب7 : 26 ) . وأنه الوحيد الصالح . لذلك يقول لليهود متحدياً " من منكم يبكتني على خطية ؟!... " ( يو8 : 46 ) . ويقول عن الشيطان " رئيس هذا العالم يأتي وليس له في شئ " ( يو14 : 30 ) .

7 ـ ويشهد الرسل عنه قائلين " مجرب في كل شئ مثلنا بلا خطية " ( عب4 : 15 ) . " لم يعرف خطية " ( 2كو5 : 21 ) و " ليس فيه خطية " ( 1يو3 : 5 ) . " والذي لم يفعل خطية ، ولا وجد في فمه مكر " ( 1بط2 : 22 ) .

8 ـ وحتى الغرباء والأعداء شهدوا عنه نفس الشهادة :

فيهوذا الذي أسلمه قال " أخطأت إذ أسلمت دماً برئياً " ( متى27 : 4 ) . وبيلاطس الذي حكم عليه قال " إني من دم هذا البار " ( متى27 : 19 ) .

9 ـ وحتى الشيطان شهد له قائلاً " أنا أعرف من أنت قدوس الله " ( مر1 : 24 ) ( لو4 : 34 ) .

10 ـ وحتى شهود يهوه شهدوا له في مجلتهم ( برج المراقبة ـ عدد يونيو 1953 ص96 ) . في الإجابة عن سؤال حول قول سلمين الحكيم " رجلاً واحداً بين ألف وجدت . أما إمرأة فبين لم أجد " ( جا7 : 28 ) . فقالوا : إن عدد ألف كناية عن الكمال ، وألف رجل كناية عن جميع الرجال ، وإن كان لم يوجد وسط جميع النساء إمرأة واحدة صالحة بلا خطية ، فقد وجد بين الرجال واحد فقط صالح هو يسوع المسيح ( الوحيد هو هذا القبيل الذي عاش على الأرض ) .

استنتاج3

1 ـ إن كان ليس أحد صالحاً ، إلا واحد فقط وهو الله . وقد ثبت أن المسيح صالح أو هو الوحيد الصالح ، إذن هو الله . هذا الذي انفصل عن الخطاة وصار أعلى من السموات .

2 ـ وإن كان الله هو وحده قدوس ( رؤ15 : 4 ) . وقد ثبت أن المسيح قدوس إذن هو الله .

سؤال

لماذا إذن حينما سأله الشاب الغني أيها المعلم الصالح ، أي صلاح أعمل لتكون لي الحياة الأبدية ؟ أجابة : لماذا تدعونني صالحاً . ليس أحد صالحاً إلا واحد وهو الله ( متي19 : 16 ، 17 ) .  

الجواب

هو أن اليهود اعتادوا أن ينادوا معلميهم بعبارة أيها المعلم ، أو أيها المعلم الصالح . فالسيد المسيح أراد أن يسأل الشاب : هل هذا لقب روتيني تناديني به كباقي المعلمين . إن كان الأمر هكذا فاعلم أنه ليس أحد صالحاً إلا وحده . فهل تؤمن أني هذا الإله ؟! ولكن السيد المسيح لم يقل أنه غير صالح . بل في مناسبة أخري قال أنا هو الراعي الصالح ( يو10 : 11 ) كما قال " من منكم يبكتنى على الخطية " ( يو8 : 46 ) .

( 18 )

المسيح يغفر الخطايا

الله وحده هو الذي يغفر الخطايا

 ـ يقول داود في المزمور " باركي يا نفسي الرب وكل ما في باطني ليبارك اسمه القدوس ... الذي يغفر جميع ذنوبك ... " ( مز10 : 1 ، 3 ) ... وأيضاً " إن كنت للآثام راصداً يارب ، يارب من يثبت ؟! لأن من عندك المغفرة " ( مز130 : 3 ، 4 ) .

2 ـ وفي سفر الخروج " الرب إله رحيم ورؤوف ... غافر الإثم والمعصية " ( خر34 : 6 ، 7 ) .

3 ـ والسيد المسيح علمنا أن نطلب من الله المغفرة الربية ( متى6 : 12 ) . وطلب إلينا أن نسامح مغفرة الله لنا ( متى6 : 14 ، 15 ) .

وهو على الصليب قال " يا أبتاه اغفر لهم .. " ( لو23 : 34 ) .

4 ـ وكان اليهود يفهمون هذه الحقيقة ، ويعتقدون أنه لا يقدر أن يغفر الخطايا إلا الله وحده ( مر2 : 7 ) .

الحكمة في أن الله وحده غافر الخطايا

أ ـ المغفرة هي من حق الله وحده ، لأن الخطية هي موجهة أصلاً إليه . فهي كسر لوصاياه ، وتعد على شرائعه ، وتمرد على ملكوته . وهي أيضاً عدم محبة لله ، وتفضيل للشر عليه ، ونكران لجميلة . والخطية هي رفض لله . ونري هذا واضحاً في قول الرب " ربيت بنين ونشأتهم . أما هم فعصوا على ... تركوا الرب . استهانوا بقدوس إسرائيل " ( اش1 : 2 ـ 4 ) .

ب ـ وحتى الخطايا التي يخطئ بها الناس بعضهم نحو بعض ، قبل أن تكون خطية ضد إنسان ، هي بالأكثر خطية ضد الله وصاياه ، وضد خليقة . لذلك قال داود في مزمور التوبة " لك وحدك أخطأت إلى الرب " فرد عليه " والرب نقل عنك خطيتك . لا تموت " ( 2صم12 : 13 ، 14 ) . انظر أيضاً ( مي 7 : 9 ) ، ( اش42 : 24 ) ، ( 1مل8 : 45 ، 46 ) ، ( تث1 : 41 ) ...

السيد المسيح يغفر الخطايا

1 ـ لقد غفر للمفلوج . وقال له في وضوح " مغفورة لك خطاياك " ( متى9 : 2 ) ، ( مر2 : 5 ) ، ( لو5 : 20 ) . ولما فكر الكتبة في قلوبهم قائلين " لماذا يتكلم هذا بتجاديف ؟ من يقدر أن يغفر الخطايا إلا الله وحده ؟! " ( مر2 : 7 ) . قال لهم الرب " لماذا تفكرون بالبشر في قلوبكم .. ولكن لكي تعلموا لابن الإنسان سلطاناً على الأرض أن يغفر الخطايا ... قال للمفلوج قم احمل سريرك واذهب إلى بيتك " ( متى9 : 4 ، 6 ) ( مر2 : 7 ـ 10 ) .

2 ـ والسيد المسيح غفر للمرأة الخاطئة التي بللت قدميه بدموعها . وقال لها " مغفورة لك خطاياك " ( لو7 : 48 ) . وتذمر الحاضرون وقالوا في أنفسهم " من هذا الذي يغفر الخطايا " .

3 ـ والسيد المسيح غفر للص المصلوب معه ، وافتح له باب الفردوس على الرغم من سيرته السابقة ، قائلاً له " اليوم تكون معي في الفردوس " ( لو23 : 43 ) .

4 ـ لم تكن مغفرته للناس تعدياً على حقوق الله . لأنه بعد أن قال للمفلوج " مغفورة لك خطاياك " شفاه فقام وحمل سريره ومشي . ولو كان المسيح قد تجاوز حدوده في هذه المغفرة ، واعتدي على حقوق الآب ، ما كان يمكنه أن يشفي ذلك المفلوج بعدها ...

 استنتاج4

مع أن الجميع يؤمنون أن هو وحده الذي يغفر الخطايا ، قام المسيح بمغفرة الخطية للمفلوج وللمرأة الخاطئة وللص ولغيرهم . بمجرد أمره . ليس بصلاة يطلب فيها الحل من الله ، كما يفعل الكهنة حالياً ، إنما بالأمر " مغفورة لك خطاياك " ولم يقل " اذهب الرب يغفر لك " . وقال في صراحة أن له هذا السلطان أن يغفر الخطايا على الأرض . ولما قال اليهود إن المغفرة لله وحده ، لم يعرضهم في هذا المبدأ ، بل استبقي هذا الفهم ، وأعلن سلطانه على المغفرة وأثبت سلطانه هذا بمعجزة أجراها أمامهم . وكأنه يقول لهم : أنا هو هذا الإله الذي له وحده سلطان المغفرة .

( 19 )

 المسيح هو الديان

نقدم هنا ثلاث نقاط ، هي :

أ ـ إن الله وحده هو الديان .

ب ـ السيد المسيح هو الديان .

ج ـ استنتاج .

الله وحده هو الديان

أبونا إبراهيم في شفاعته في أهل سادوم ، يلقب الرب بأنه " ديان الأرض كلها " ( تك18 : 25 ) . ويقول داود في مزاميره " الرب يدين الشعوب " ( مز7 : 8 ) ، " يدين الشعوب بالاستقامة " ( مز96 : 10 ) ، " يدين المسكونة بالعدل " ( مز96 : 13 ) ( مز98 : 9 ) ، " يارب إله النقمات اشرق . ارتفع يا ديان الأرض " ( مز94 : 2 ) " تخبر السموات بعدله . لأن الله هو الديان " ( مز50 : 6 ) . وفي الرسالة إلى رومية " .. يدين الله العالم " ( رو3 : 6 ) . وطبيعي أن الله يدين العالم ، لأنه هو فاحص القلوب والكلي ، وقارئ الأفكار ، وعارف أعمال كل أحد . لذلك يدين بالعدل والاستقامة .

المسيح هو الديان

1 ـ يقول بولس الرسول " لأننا لابد أننا جميعاً نظهر أمام كرسي المسيح ، لينال كل واحد ما كان بالجسد ، بحسب ما صنع خيراً كان أم شراً " ( 2كو5 : 10 ) .

2 ـ وقال الرب في إنجيل متي " إن ابن الانسان سوف يأتي في مجد أبيه مع ملائكته ، وحينئذ يجازي كل واحد بحسب عمله " ( متى16 : 27 ) .

3 ـ وقال أيضاً " ومتي جاء ابن الإنسان في مجده وجميع الملائكة القديسين معه ، فحينئذ يجلس على كرسي مجده . ويجتمع أمامه جميع الشعوب ، فيميز بعضهم عن بعض ، كما يميز الراعي الخراف من الجداء . فيقيم الخراف عن يمينه و الجداء عن يساره ويقول .. " ( متى25 : 31 ـ 46 ) ثم يشرح تفاصيل قضائه العادل : فيمضي هؤلاء إلى عذاب أبدي ، والأبرار إلى حياة أبدية " .

 4 ـ ويقول عن نهاية العالم " يرسل ابن الإنسان ملائكته ، فيجمعون من ملكوته جميع المعاثر وفاعلي الأثم ، ويطرحونهم في أتون النار .. " ( متى13 : 41 ، 42 ) .

5 ـ ويقول القديس بولس الرسول لتلميذه تيموثاوس " .. الرب يسوع المسيح العتيد أن يدين الأحياء والأموات عند ظهوره وملكوته " ( 2تى4 : 1 ) .

6 ـ ويقول الرب في سفر الرؤيا " وها أنا آتي سريعاً وأجرتي معي ، لأجازي كل واحد كما يكون عمله " ( رؤ22 : 13 ، 14 ) .

7 ـ ولعل من أسباب قيامه للدينونة ، أنه يعرف أعمال كل أحد . وهكذا نجد أنه في رسائله لملائكة الكنائس السبع في آسيا ، يقول لكل راعي كنيسة " أنا عارف أعمالك " ( رؤ2 : 2 ، 9 ، 13 ، 19 ) ، ( رؤ3 : 1 ، 8 ، 15 ) . انظر أيضاً ( متى7 : 22 ، 23 ) .

استنتاج5

فإن كان المسيح هو الديان ، فإنه يكون الله ، لأن الله هو الديان . وهو يفعل ذلك ، ويحكم على أفعال الناس لأنه يعرفها . وأيضاً لقوله :

8 ـ " فستعرف جميع الكنائس أني الفاحص الكلي والقلوب . وسأعطي كل واحد بحسب أعماله " ( رؤ2 : 23 ) . إذن ليس هو فقط يعرف الأعمال ، وإنما بالأكثر فاحص القلوب والكلي . وهذا يقدم لنا دليلاً آخر على لاهوته

( 20 )

 المسيح هو فاحص القلوب والكلى

لا يستطيع أحد أن يفحص القلوب ، ويقرأ الأفكار ، ويطلع على خبايا النفوس ، إلا الله وحده ، لأن هذا من صفات معرفته غير المحدودة . وهو وحده الكائن غير المحدود . وقد أثبت الكتاب المقدس لله وحده هذه الصفة كما يظهر مما يلي :

1 ـ قال سليمان للرب في صلاته عند تدشين الهيكل " فاسمع أنت من السماء مكان سكناك واغفر واعمل و أعط كل إنسان حسب كل طرقه ، كما تعرف قلبه لأنك أنت وحدك قد عرفت قلوب كل بني البشر " ( 1مل8 : 39 )

وهنا نشدد على عبارة " أنت وحدك " ...

2 ـ وأمثال سليمان حافلة بهذه الشهادات . فهو يصف الله بأنه " وازن القلوب ( أم21 : 2 ) . كما يصفه أيضاً بأنه " ممتحن القلوب " ( أم17 : 3 ) .

3 ـ وداود النبي يقول في المزمور " فإن فاحص القلوب والكلي هو الله البار " ( مز7 : 9 ) . ويقول أيضاً عنه " لأنه هو يعرف خفيات القلوب " ( مز44 : 21 ) .

4 ـ وفي سفر ارميا النبي يقول " القلب أخدع من كل شئ ، وهو نجس ، من يعرفه ؟ أنا الرب فاحص القلب مختبر الكلي ، لأعطي لكل واحد حسب طرقه حسب ثمر أعماله ، فاحص الكلي والقلوب " ( أر11 : 20 ) .

5 ـ وعاموس النبي يقول " أخبر الإنسان ما هو فكره ... يهوه إله الجنود اسمه " ( عا4 : 13 ) .

6 ـ ويقول القديس بولس الرسول " هكذا نتكلم لا كأننا نرضى الناس ، بل الله الذي يختبر قلوبنا "

( 1تس 2: 4 ) .

يتضح من كل ما سبق أن الله هو الذي يختبر القلوب ، ويزنها ويمتحنها ، ويعرف خفياتها . وهو الذي يخبر الإنسان ما هو فكره . وهو وحده الذي يعرف قلوب كل بني البشر . وهو وحده فاحص القلوب والكلي ..

السيد المسيح يفحص القلوب ويعرف الأفكار

1 ـ إنه يقول كما ذكرنا " فستعرف جميع الكنائس أني أنا هو الفاحص الكلي والقلوب . سأعطي كل واحد منكم بحسب أعماله " ( رؤ2 : 23 ) . وهناك أمثلة كثيرة في الأناجيل تدل على أنه يقرأ الأفكال ويرد عليها دون أن يسمع شيئاً ...

ومن أمثلة ذلك :

2 ـ يقول الكتاب عن التلاميذ أنهم " فكروا في أنفسهم قائلين : إننا لم نأخذ خبزاً . فعلم يسوع وقال لهم " لماذا تفكرون في قلوبكم يا قليلي الإيمان أنكم لم تأخذوا خبزاً " ( يو16 : 7 ، 8 ) ( مر11 : 16 ، 17 ) ( متى16 : 8 ) .

3 ـ ولما قال الرب للمفلوج " مغفورة لك خطاياك " يقول الكتاب عن الكتبة أنهم " قالوا في أنفسهم هذا يجدف ، فعلم يسوع أفكارهم . فقال لهم " لماذا تفكرون بالشر في قلوبكم . أيهما أيسر ... " ( مر2 : 6 ـ 8 ) ، ( متى9 : 3 ، 4 ) ، ( لو5 : 21 ، 22 ) .

4 ـ وبعد شفاء المجنون الأعمى والأخرس ، يقول الكتاب " وأما الفريسيون فلما سمعوا قالوا : هذا لا يخرج الشياطين إلا ببعلزبول رئيس الشياطين . فعلم يسوع أفكارهم " وقال لهم : كل مملكه تنقسم على ذاتها تخرب " ( متى12 : 24 ، 25 ) ، ( لو11 : 17 ) .

5 ـ وفي حادثة شفاء ذي اليد اليابسة ، يقول الكتاب " وكان الكتبه والفريسيون يراقبونه هل يشفي في السبت لكي يجدوا عليه شكايه ، أما هو فعلم أفكارهم ... ثم قال لهم ... هل يحل في السبت فعل الخير أم فعل الشر " ( لو6 : 7 ـ 9 ) .

6 ـ فعندما حروب التلاميذ بالعظمة ، يقول الكتاب " وداخلهم فكر من عسى أن يكون أعظم فيهم . فعلم يسوع فكر قلبهم ، وأخذ ولداً وأقامه " ( لو9 : 46 ، 47 ) .

7 ـ وفي حادثة المرأة الخاطئة التي بللت قدامي المسيح بدموعها ، أجاب له المجد على أفكار الفريسى . وفي ذلك يقول الكتاب " فلما رأي الفريسي الذي دعاه ذلك ، تكلم في نفسه قائلاً : لو كان هذا نبياً لعلم من هذه المرأة التي تلمسه وما حالها ، إنها لخاطئة . فأجاب يسوع وقال له ... " ( لو7 : 39 ، 40 ) .

8 ـ وفي معرفته بالخفيات ، تضرب مثلاً بما قاله لبطرس عن السناره والاستار ( متى17 : 27 ) . ومعرفته بشك توما وحديثه مع باقي الرسل ( يو20 : 27 ). ومعرفته بموت لعازر ( يو11 : 11 ) . ومعرفته بما حدث لنثنائيل تحت التينة ( يو1 : 47 ـ 50 ) . ومعرفته بماضي السامرية ( يو4 : 18 ) .

استنتاج6

سنترك معرفة الغيب هنا جانباً ونتكلم عن قراءته للأفكار .

1 ـ يقول الكتاب " فإن فاحص القلوب والكلي الله البار " ( مز7 : 9 ) . ويقول السيد المسيح " فستعرف الكنائس أني أنا هو الفاحص الكلي والقلوب " ( رؤ2 : 23 ) أليس هذا اعترافاً صريحاً بأنه هو الله . فليكن المسيح هو الله ، وليكن الله صادقاً .

2 ـ يقول الكتاب صراحة عن الله " أنت وحدك قد عرفت قلوب كل بني البشر " ( 1مل8 : 39 ) . وقد ثبت أن المسيح قد قرأ الأفكار وعرف خبايا القلوب والنفوس . فهل الكتاب يتناقص مع ذاته أم أن الله والمسيح واحد ؟ . وبهذا يعرف المسيح قلوب البشر . فليكن المسيح هو الله ، وليكن الله صادقاً .

( 21 )

المسيح هو المخلص والفادي

يشمل هذا البحث أربع نقاط رئيسية هي :

أ ـ الله هو الفادي والمخلص . هو وحده الذي يفدي البشرية ويخلصها .

ب ـ الأساس اللاهوتي لهذه النقطة .

ج ـ المسيح هو وحده الفادي والمخلص .

د ـ استنتاج لاهوت السيد المسيح .

الله هو الفادي والمخلص

يشهد الكتاب المقدس بهذا الأمر شهادة صريحة فيقول سفر المزامير " الأخ لن يفدي الإنسان فداء ، ولا يعطي الله كفارة عنه ... إنما الله يفدي نفسي من الهاوية " ( مز49 : 7 ، 15 ) . ويكرر داود النبي نفس المعني فيقول " باركي يا نفسى الرب . وكل ما في باطني فليبارك اسمه القدوس ... الذي يغفر جميع ذنوبك ، الذي يفدي من الحفرة حياتك " ( مز103 : 1 ـ 4 ) . ويؤكد سفر اشعياء هذا الأمر في أكثر من شهادة فيقول " هكذا يقول الرب ملك إسرائيل وفادية رب الجنود : أنا الأول وأنا الآخر ، ولا إله غيري " ( اش44 : 6 ) . إذن الفادي هو هذا الإله الواحد هو رب الجنود وهو الأول والأخر.

ويكرر أشعياء النبي نفس الصفات فيقول " فادينا رب الجنود اسمه قدوس إسرائيل " ( أش47 : 4 ) . ويقول الله " أنا الرب إلهك الممسك بيمنك ... وفاديك قدوس إسرائيل ( اش41 : 13 ، 14 ) .

وتنسب السيدة العذراء الخلاص لله فتقول " تعظم نفسي الرب . وتبتهج روحي بالله مخلصي " ( لو1 : 46 ) . ويقول القديس بولس الرسول " مخلصنا الله " ( تي2 : 10 ) وأيضاً حين ظهر لطف مخلصنا الله وإحسانه ... " ( تى3 : 4 ) . ويختم القديس يهوذا رسالته بنفس الشهادة فيقول " والقادر أن يحفظكم غير عاثرين ، ويوقفكم أمام مجده بلا عيب ... الإله الحكيم الوحيد مخلصنا له المجد والعظمة ... " ( يه24 ، 25 ) .

وهذا الخلاص منسوب لله وحده :

إنه تقرير صريح من الله يقول فيه " إلهاً سواي لست تعرف ، ولا مخلص غيري ( هو13 : 4 ) . ويقول أيضاً " أليس أنا الرب ولا إله غيري ، إله بار ومخلص وليس سواي " ( أش45 : 21 ) . " أنا الرب مخلصك وفاديك عزيز يعقوب " ( أش49 : 26 ) ( أش60 : 16 ) .

الأساس اللاهوتي

لنبحث ما هو الأساس لموضوع الخلاص والفداء هذا :

أ ـ الخطية التي وقع فيها الإنسان الأول ، ويقع فيها كل إنسان ، هي خطية ضد الله .

لأنها عصيان لله ، وعدم محبة لله ، وعدم احترام له ، بل هي ثورة على ملكوته وهي مقاومة لعمل لاهوته وروحه القدوس . بل هي عدم إيمان أيضاً ... لهذا يقول داود النبى لله في المزمور الخمسين " لك وحدك أخطأت . والشر قدامك صنعت " ولهذا احتشم يوسف الصديق من فعل الخطية وقال " كيف أفعل هذا الشر العظيم وأخطئ إلى الله " ( تك39 : 9 ) .

ب ـ وقد أخطأ كل البشر " زاغوا معاً وفسدوا . ليس من يعمل صلاحاً ، ليس ولا واحد " ( مز14 : 3 ) . واجرة الخطية موت ( رو6 : 23 ) " وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس إذ أخطأ الجميع " ( رو5 : 12 ) .

ج ـ ومادامت الخطية موجهة إلى الله أصلاً ، والله غير محدود ، تكون إذن غير محدودة .

وإذا كفر عنها لابد من كفارة غير محدودة ، تكفي لمغفرة جميع الخطايا ، لجميع الناس ، في جميع الأجيال وإلى آخر الدهور .

د ـ ولكن لا يوجد غير محدود إلا الله وحده .

لذلك كان لابد أن نفسه يتجسد ، ويصير إبناً للإنسان ، حتى يمكن أن ينوب عن الإنسان ، ويقوم بعمل الكفارة لخطايا العالم كله " ( 1يو2 : 2 ) . 

هـ ـ وهذه المهمة قام بها السيد المسيح ليخلص العالم كله .

ولو لم يكن هو الله ، ما كانت تصلح كفارته إطلاقاً ، لأنها استمدت عدم محدوديتها لكونه إلهاً غير محدود ، قال عنه الرسول إنه " فيه يحل كل ملء اللاهوت جسدياً " ( 1كو2 : 9 ) .

المسيح هو مخلص العالم وفاديه

 قال عنه الملاك في البشارة إنه يدعي يسوع " لأنه يخلص شعبه من خطاياهم " ( متى1 : 21 ) . ولم يقتصر خلاصه على شعبه ، بل قال " لم آت لأدين العالم ، بل لأخلص العالم " ( يو12 : 47 ) . بل قيل إنه " هو بالحقيقة المسيح مخلص العالم " ( يو4 : 42 ) . وقد قال عن نفسه إنه " جاء لكي يخلص ما قد هلك " ( متى18 : 11 ) ( لو19 : 10 ) ... والعالم كله تحت حكم الهلاك .

وهو جاء ليخلص من الخطايا

ويخلص شعبه من خطاياهم ( متى1 : 21 ) . وكما قال بولس الرسول " إن المسيح يسوع جاء إلى العالم ليخلص الخطاة الذين أولهم أنا " ( 1تى1 : 15 ) . وقال " بذل نفسه لأجلنا يفدينا من كل إثم " ( تى2 : 14 ) . وقال أيضاً " المسيح افتدانا من لعنه الناموس " ( غل2 : 13 ) .

والمسيح قدم خلاصاً تاماً أبدياً

قال عنه الرسول إنه كرئيس كهنة " يقدر أن يخلص أيضاً إلى التمام " ( عب7 : 25 ) . وقال إنه " صار لجميع الذين يطيعونه سبب خلاص أبدي " ( عب5 : 9 ) . ولهذا يعجب الرسول قائلاً " فكيف تنجو نحن إن أهملنا خلاصاً هذا مقداره ؟! " ( عب2 : 3 ) . والخلاصة أن المسيح جاء فادياً ، ومخلصاً وكفارة ، يخلص العالم كله من خطاياهم ، ويفديهم من كل إثم ، ومن لعنة الناموس ، خلاصاً أبدياً ، إلى التمام ...

والمسيح وحده هو المخلص

وفي هذا قال القديس بطرس الرسول " ليس بأحد غيره الخلاص " ( أع4 : 12 ) .

ماذا نستنتج ؟

1 ـ خلاص العالم من الخطايا يحتاج كما قلنا إلى كفارة غير محدودة لفدائه . وليس غير محدود إلا الله وحده . ولما كان السيد المسيح قد قام بهذا الفداء . وأكمله إلى التمام ، وافتدي جميع الناس من كل إثم ، مخلصاً إياهم خلاصاً أبدياً من لعنة الناموس ... إذن فالمسيح غير محدود ، وإذن هو الله . إن عملية الفداء إثبات رائع يؤكد لاهوت المسيح ، لأنه إن لم يكن كذلك ، ما اعتبر الفداء فداء ، وما كان يمكنه أن يخلص العالم كله من جميع الخطايا ...

2 ـ يقول الله " إلهاً سواي لست تعرف ، ولا مخلص غيري " ( هو13 : 4 ) . ويقول " لا إله غيري ، إله بار ومخلص ليس سواي " ( اش45 : 21 ) . ووسط كل هذا ، يثبت أن هناك مخلصاً هو المسيح يسوع ، وأنه المخلص الوحيد ، وليس بأحد غيره الخلاص " ( أع4 : 12 ) . فكيف يمكن التوفيق بين كل هذا ؟ هل الله كاذب؟! أم الكتاب كاذب ؟! حاشا . بل ليكن الله صادقاً . ولا يمكن أن يكون هكذا ، إلا إذا كان الله هو المسيح . بحيث حينما نقول إن الله هو المخلص ، إنما نعنى نفس الوقت أن المسيح هو المخلص .

3 ـ إن كان المسيح ليس هو الله ، وقد بذل نفسه عن جميع الناس حباً لهم ، فهل المسيح أكثر حباً للناس من الله ؟! وهل يوجد كائن آخر يفوق الله في حبه للبشر . ولا شهود يهوه يستطيعون أن يقولوا شيئاً من هذا ...

4 ـ وإن كان المسيح غير الله ، وقد قام بالفداء مرغماً كمجرد طاعة لأمر ، فإن هذا يفقد عملية الفداء أكبر ركن فيها . ويتعارض أيضاً مع قول السيد المسيح " ليس لأحد حب أعظم من هذا أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه " ( يو15 : 13 ) . كما أن ذلك يتنافي مع قول الكتاب المقدس " إن المسيح بذل نفسه لأجلنا لكي يفدينا من كل إثم " ( تى2 : 14 ) .

5 ـ وإن كان المسيح غير الله ، وقد كلفه الله بهذا حباً من الله للعالم كما تقول الآية " هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد ... " ( يو3 : 16 ) . فهل معنى هذا أن الله أحب الناس على حساب غيره ؟! كلا . إن هذه الآية لا يمكن أن يستقيم فهمها إلا إذا كان الله والمسيح واحداً ، كما قال السيد المسيح " أنا والآب واحد " ( يو10 : 30 ) . وبهذا يفهم أن الله فدي الناس بنفسه . وبهذا يتحقق قول الكتاب " الأخ لن يصدق قول بولس الرسول " قد ألقينا رجاءنا على الله الحى ، الذي هو مخلص جميع الناس " ( 1تى4 : 10 ) .

6 ـ إذا كان المسيح غير الله ، الحق للناس أن يعبدوه دون الله ، فهو الذي خلقهم من العدم حسب قول الكتاب " كل شئ به كان وبغيره لم يكن شئ مما كان " ( يو1 : 3 ، 10 ) ... وشهود يهوه يعترفون بأنه الخالق . كذلك هو الذي اشتراهم بدمه الكريم وطهرهم لنفسه شعباً خاصاً ( 1بط1 : 8 ) ( تى2 : 14 ) . ومن الذي يستطيع أن يلوم قوماً يعبدون خالقهم وفاديهم ؟!

7 ـ إننا نتمسك بأن المسيح هو الله ، ليس فقط لأن هذا هو الدليل الأساسي على إتمام عملية الفداء ، وإنما أيضاً إثبات لقول الله " من يد الهاوية أفديهم . ومن الموت أخلصهم " ( هو13 : 14 ) . لقد نسب الله لنفسه هذا العمل الذي قام به : فليكن الله صادقاً قول المسيح " أنا والآب واحد " ( يو10 : 30 ) .

الفصل الثالث

آيات صريحة تدل على لاهوته

آيات صريحة

المسيح إله ـ الله

1 ـ ( رو9 : 5 ) قال القديس بولس الرسول في حديثه عن اليهود " ومنهم المسيح حسب الجسد ، الكائن على الكل إلهاً مباركاً إلى الأبد آمين . وعبارة ( الكائن على الكل ) تعطي قوة للاهوته ، فهو ليس إلهاً معين مثل آلهة الوثنيين . وعبارة ( إلى الأبد ) تعنى استمرارية عبادته . ولاهوته إلى غير نهاية .

2 ـ ( يو20 : 28 ) قول توما للسيد المسيح " ربي وإلهي " . وقد قبل السيد المسيح هذا اللقب . ووبخه على أنه آمن بعد أن رأي وكان يحب أن يكون إيمانه دون أن يري .

3 ـ ( يو1 : 1 ) " في البدء كان الكلمة ( اللوجوس ) .. والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله " ومع أن شهود يهوه يقولون في هرطقتهم " وكان الكلمة إلهاً " ... إلا أنهم لا ينكرون لاهوت المسيح ، بل ويرون أنه إله ، وإله قدير ، ولكن ليس هو الله ، بل هو الثاني بعد يهوه مباشرة . ولكي لا ندخل معهم في معركة ترجمات ، مجرد كونه إلهاً توصل إلى أنه الله ، حيث لا يوجد سوي إله واحد . وسنشرح هذه النقطة بالتفصيل إن شاء الله .

4 ـ ( متى1 : 23 ) وأشار الملاك إلى نبوءة اشعياء " هوذا العذراء تحبل وتلد ابناً ويدعون اسمه عمانوئيل الذي تفسيره الله معنا " ( أش7 : 14 ) . وكون المسيح هو الله معنا ، اعتراف صريح بلاهوته . ولذلك فإن اشعياء النبي يوضح هذا المعني في الإصحاح التاسع بقوله :

5 ـ ( أش9 : 6 ) " لأنه يولد لنا ولد ، ونعطي ابناً . وتكون الرياسة على كتفه . ويدعي اسمه عجيباً مشيراً إلهاً قديراً أباً أبدياً رئيس السلام " . ولعل عبارة " إلهاً قديراً " في هذا الآية الصريحة هي التي جعلت شهود يهوه يقولون إن المسيح إله قدير ( ومع ذلك فهو ليس الله في نظرهم !! ) . والعجيب إن هذه الآيات وردت في سفر اشعياء النبي الذي تكررت فيه مرات عديدة عبارة أنا الله وليس غيري . ليس غيري إله . لا إله سواي ( اش45 : 5 ، 6 ، 21 ، 22 ) ...

6 ـ ( عب1 : 7 ، 8 ) وفي شرح القديس بولس الرسول كيف أن السيد المسيح أعظم من الملائكة ، قال " عن الملائكة يقول : الصانع ملائكته أرواحاً وخدامه لهيب نار . وأما عن الابن : كرسيك ( عرشك ) يا الله إلى دهر الدهور .. " وقد اقتبس بولس هذه الآية من ( مز45 : 6 ) والحديث فيها عن لاهوت المسيح واضح .

7 ـ ( 1تى3 : 16 ) " عظيم هو سر التقوي الله ظهر في الجسد ، تبرر في الروح ، تراءى لملائكة ، كرز به بين الأمم ، أومن به في العالم ، رفع في المجد " . وواضح من هذه الآية أن المسيح هو الله الذي ظهر في الجسد . ولكن بدعة شهود يهوه تقدم ترجمة أخرى تقول فيها " عظيم هو سر التقوى الذي ظهر في الجسد " ! ولكن باقي الآية لا تحمل هذه الترجمة . إذ كيف أمكن أن سر التقوى يتراءى لملائكة ؟! أو كيف رفع في المجد ؟! ... أليس هو الذي رأته الملائكة ، وصعد إلى السماء في مجد ، كما كرز به بين الأمم ، وآمنوا به في العالم ... ومع ذلك فإن الحقائق اللاهوتية لا تتوقف على آية واحدة . فإن ( 1تى3 : 16 ) تشبهها إلى حد آيه أخرى هي :

8 ـ ( كو2 : 7 ، 8 ) حيث يقول القديس بولس الرسول عن السيد المسيح " فإنه فيه يحل كل ملء اللاهوت جسدياً " . ويزيد هذه الآية قوة عبارة " كل ملء اللاهوت " . فإن كان المسيح فيه كل ملء اللاهوت ، إذن لا ينقصه شئ وهو الله ، وليس إله غيره ، لأن خارج كل الملء لا يوجد شئ . وعبارة جسدياً تعنى أن هذا اللاهوت أخذ جسداً ، أو ظهر في الجسد ، كما توضح الآية السابقة ( 1تى3 : 16 ) . ويوضحها أيضاً قول الرسول لما حدث أنه " من ميليتس أرسل إلى أفسس واستدعي كهنة الكنيسة " ( أع20 : 17 ) . وقال لهم :

9 ـ ( أع20 : 28 ) " احترزوا إذن لأنفسكم ولجميع الرعية التي أقامكم الروح القدس فيها أساقفة ، لترعوا كنيسة الله التي اقتناها بدمه " . والمعروف أن الله روح ( يو4 : 24 ) . والروح ليس له دم . والله لا يقتني الكنيسة بدمه . إلا إذا أخذ جسداً ، وبذل دمه عنها . وهنا نصل إلى نفس المعني ( الله ظهر في الجسد " . أوردنا آيات عديدية يذكر فيها أن المسيح هو الله ، أو هو إله ، وبقي لنستكمل المعنى أن نذكر الحقيقة الثانية وهي :

لا يوجد سوي إله واحد

1 ـ هذا واضح من الوصية الأولي من الوصايا العشر " لا تكن لك آلهة أخرى أمامي " ( خر20 : 3 ) ( تث5 : 7 ) .

2 ـ وأيضاً من آيات أخرى في سفر التثنية مثل " الرب هو الإله . ليس آخر سواه " ( تث4 : 35 ) و " اسمع يا إسرائيل : الرب عديدة جداً في سفر اشعياء النبي نذكر من بينها كمثال : ( اش43 : 10 ، 11 ) " أنا هو . قبلي لم يصور إله ، وبعدي لا يكون . أنا أنا الرب ، وليس غيري مخلص " ( وهذا الإصحاح هو الذي منه أخذ شهود يهوه اسمهم ، من عبارة " أنتم شهودي يقول الرب " ( اش43 : 10 ، 12 ) ، ( اش44 : 6 ) " أنا الأول وأنا الآخر . ولا إله غيري " .

( اش45 : 5 ، 6 ) " أنا الرب وليس آخر إله سواي ... أنا الرب وليس آخر " ( اش45 : 21 ، 22 ) " أليس أنا الرب ولا إله آخر غيري ، ... ليس سواي ... أنا الله وليس آخر " . ( اش46 : 9 ) " لأني أنا الله ، وليس آخر . الإله وليس مثلي " ...

4 ـ شهادة أخري عن وحدانية الله من سفر هوشع النبي :

( هو13 : 4 ) " أنا الرب إلهك .. سواي لست تعرف " .

هذه أمثلة من شهادات عن وحدانية الله في العهد القديم ، ونجد في العهد الجديد نفس الشهادة . ومن أمثلتها :

( رو3 : 30 ) " لأن الله واحد هو " .

( رو3 : 20 ) " ولكن الله واحد " . ( يع2 : 19 ) " أنت تؤمن أن الله واحد . حسناً تفعل . والشياطين يؤمنون ويقشعرون " . أي أنه حتى الشياطين ـ مهما نزل مستواهم ـ يعرفون تماماً أن الله واحد ويقشعرون من دينونته . ويعوزنا الوقت إن أوردنا كل الآيات التي تدل على وجود إله واحد لا غير . لذلك نسجل الحقيقة الآتية :  

إن وجدت في الكتاب عبارة آلهة ، فإنها لا تعني الألوهية أطلاقاً :                   

أحياناً يكون المقصود منها آلهة الوثنيين ، كما قيل في المزمور " الرب عظيم هو ومسبح جداً . مرهوب على كل الآلهة . لأن كل الآلهة . لأن كل آلهة الأمم شياطين ( أصنام ) ( مز95 : 54 ، 5 ) . قوله في المزمور التالي " اسجدوا له ( الله ) يا جميع الآلهة " ( مز97 : 7 ) وطبيعي أن التي تسجد لغيرها . لا تكون آلهة بالحقيقة . ومن الأمثلة الأخرى قول الوحي في ( المزمور 82 : 6 ، 7 ) " أنا قلت أنكم آلهة وبنو العلي كلكم . ولكنكم مثل البشر تموتون ، وكأحد الرؤساء تسقطون " . وطبيعي أن الذي يموت ويسقط لا يكون إلهاً . إنما هو تعبير رمزي يدل على القوة والسيادة ، مثلما خاف بعض أعداء اليهود عند عودته تابوت الرب وقالوا " من ينقذنا من يد هؤلاء الآلهة القادرين ؟ هؤلاء هم الآلهة الذين ضربوا مصر بجميع الضربات " ( 1صم4 : 8 ) . وصفوا كل الشعب بأنهم آلهة . وهذا تعبير رمزي أو مجازى .

استنتاج7

إذا كان لا يوجد سوي إله واحد بشهادة الكتاب المقدس بعهديه . والسيد المسيح إله بشهادة نفس الكتاب بعهديه ، إذن فالمسيح هو الإله الواحد . الله يقول في سفر اشعياء " لا إله غيري " وفي نفس السفر يقول الوحي عن المسيح إنه إله قدير . فماذا يعني هذا ، سوي أن الاثنين واحد .

الفصل الرابع

شهادة سلطانة المطلق ومعجزاته

سلطان المسيح المطلق

تحدثنا عن صفات المسيح اللاهوتية ، التي تثبت لاهوته ، والتي هي من صفات الله وحده ، من حيث هو فوق الزمن ، في أزليته ، وأبديته ، ومن حيث وجوده في كل مكان ، ومن حيث بنوته للآب ... ننتقل إلى فصل آخر له تفاصيل كثيرة . وهو إثبات لاهوت المسيح من جهة سلطانه المطلق في نواح متعددة ... فنتحدث عن سلطان على الخليقة : سلطانه على الطبيعة وعلى الحياة والموت ، وسلطانه على الملائكة ، وعلى الشياطين . كذلك سلطانه على الشريعة ، وعلى الملكوت ، يضاف إلى هذا سلطانه على نفسه .

سلطانه على الطبيعة

كان للسيد المسيح سلطان على الطبيعة من كل ناحية : سلطان على البحر وعلى الرياح والأمواج ، وسلطان على النبات والحيوان ، وسلطان على النور ، وعلى الأرض والصخور ، وسلطان على الأبواب المغلقة ، وسلطان على قوانين الطبيعة . وكان يأمر فيطاع ، كصاحب سلطان ، يدل على لاهوته . وسنشرح كل هذا بالتفاصيل فيما يلي :

1 ـ سلطانه على البحر والرياح والأمواج :

أ ـ يقول مارمرقس الإنجيلي " حدث نوء عظيم ، فكانت الأمواج تضرب السفينة حتى صارت تمتلئ " فلما خاف التلاميذ ، ماذا فعل الرب ؟ " قام وانتهر الريح وقال للبحر : اسكت ابكم . فسكت الريح وصار هدوء عظيم " ( مر4 : 37 ، 39 ) . وكان تأثير ذلك على الركاب أنهم قالوا " من هو هذا ؟! فإن الريح أيضاً والبحر يطيعانه " ( مر4 : 41 ) . حقاً من له سلطان على البحر والرياح والأمواج ، يأمرها وينتهرها فتطيع إلا يذكرنا هذا بقول المزمور " أيها الرب إله الجنود ، من مثلك قوي ؟ ... أنت متسلط على كبرياء البحر ، عند ارتفاع لججة ، أنت تسكنها " ( مز89 : 8 ، 9 ) .

ب ـ من سلطته أيضاً على البحر ، قول يوحنا الإنجيلي أيضاً " وكان الظلام قد أقبل . ولم يكن يسوع قد أتى إليهم . وهاج البحر من ريح شديدة تهب . فلما كانوا قد جدفوا نحو خمس وعشرين غلوة أو ثلاثين ، نظروا يسوع ماشياً على البحر ، مقترباً إلى السفينة فخافوا " ( يو6 : 17 ـ 19 ) . ويقول القديس مرقس عن هذه المعجزة " ولما صار المساء كانت السفينة في وسط البحر وهو على البر وحده. ورآهم معذبين في الجذف ، لأن الريح كانت ضدهم وفي الهزيع الرابع أتاهم ماشياً على البحر ... فصرخوا فصعد إليهم إليك إلى السفينة ، فسكنت الريح . فبهتوا وتعجبوا في أنفسهم جداً إلى الغاية " ( مر6 : 47 ـ 51 ) .

ج ـ والسيد المسيح لم يكتف فقط بالمشي على الماء ، إنما جعل القديس بطرس الرسول أن يمشي أيضاً معه على الماء . ولما خاف وبدأ يسقط ، أقامه من البحر . قال له بطرس يا سيد إن كنت أنت هو ، فمرني أن آتى  إليك على الماء ، فقال تعال . فنزل بطرس من السفينة ومشى على الماء ... ولكن لما رأي الريح شديدة خاف . ولما ابتدأ يغرق صرخ قائلاً يارب نجني . ففي الحال مد يسوع يده وأمسك به ... ولما دخلا السفينة سكنت الريح " ( متى14 : 25 ـ 32 ) .

كل هذا طبعاً بسلطانه ، بقواته الخاصة ، قوة لاهوته ... أين هنا الحديث في الطبيعة عن قوانين الجاذبية ؟ أليست هذه القوانين أيضاً من صنعه ؟ لأن " كل شئ به كان " ( يو1 : 3 ) ...

2 ـ كذلك لا ننسي ما حدث للطبيعة أثناء صلبه ، من حيث زلزلة الأرض ، وتشقق الصخور ، وشق حجاب الهيكل ( متى27 : 51 ) . وكيف حدثت ظلمة على الأرض كلها من الساعة السادسة حتى الساعة التاسعة ( مر15 : 33 ) ، ( لو23 : 44 ، 45 ) .

3 ـ كما ظهر سلطانه أيضاً في معجزات صيد السمك الكثير ، عند دعوة بطرس ( لو5 : 4 ـ 7 ) وبعد القيامة ( يو21 : 5 ـ 11 ) . ويفهم من هذا سلطانه على الحيوان أيضاً . يعرف أين يوجد السمك ، وكيف يجمعه في مكان واحد لتلقطه الشباك .

4 ـ ومن سلطان المسيح على الطبيعة ، أنه لعن التينة فيبست في الحال ( متى21 : 19 ) . وهنا تبدو سلطته على النبات .

5 ـ وسلطته على الطبيعة تبدو أيضاً في شفائه للأمراض وبخاصة التي لا شفاء منها ، بمجردج أمره أو لمسه أو مشيئته ، كما شفي المرضي بالبرص ، والعمي والخرس والبكم والصم ، وكما أقام الأعرج والمفلوج ...

6 ـ ومن سلطانه على الطبيعة أيضاً :

صعوده إلى السماء ، ليس فقط في ( أع1 : 9 ) ، ( مر16 : 19 ) . وإنما أيضاً في ( يو3 : 13 ) .

7 ـ ومن سلطان المسيح أيضاً على الطبيعة ، دخوله على التلاميذ بعد القيامة والأبواب مغلقة ( يو20 : 19 ) . وكذلك في قيامته ، خروجه من القبر وهو مغلق وعليه حجر عظيم ... كل هذا بسلطانه وبقوة لاهوته ...  

سلطانه على الملائكة

1 ـ في الاصحاحين الأول والثاني من الرسالة إلى العبرانيين يشرح القديس بولس الرسول كيف أن السيد المسيح أعظم من الملائكة ( عب1 : 4 ) . بأدلة تثبت لاهوته من حيث هو الابن ، وعن يمين العظمة في الأعالي ، وقد قيل عنه كرسيك يا الله إلى دهر الدهور ، وكل شئ قد وضع تحت قدميه ...

2 ـ وبعد التجربة على الجبل قيل " وصارت الملائكة تخدمه " ( مر1 : 13 ) " وإذ ملائكة قد جاءت فصارت تخدمه " ( متى4 : 11 ) .

3 ـ وقد قيل في خضوع الملائكة له " ... يسوع المسيح الذي هو في يمين الله . إذ قد مضي إلى السماء ، وملائكة وسلاطين وقوات مخضعة له " ( 1بط3 : 21 ، 22 ) . فمن هو هذا الذي تخدمه الملائكة ، وتخضع له ملائكة وسلاطين وقوات ، إلا أن يكون هو الله وحده ؟‍‍!

4 ـ وقيل عنه " لتسجد له كل ملائكة الله " ( عب1 : 6 ) . كما قيل عنه في موضع آخر أنه تجثو باسمه كل ركبة مما في السماء ... ( فى2 : 10 ) . ولا يمكن أن الملائكة تسجد وتجثو إلا لله وحده .

وقيل في سفر الرؤيا حيوانات ، والأربعة والعشرين كاهناً سجدوا له وهم يترنمون " مستحق أنت أن تأخذ السفر وتفتح ختومه " ( رؤ5 : 8 ) .

5 ـ وقد قيل في أكثر من موضع أن الملائكة هم ملائكته وهو يرسلهم .

أ ـ ففي ( متى13 : 41 ، 42 ) " يرسل ابن الإنسان ملائكته ، فيجمعون من ملكوته جميع المعاثر وفاعلي الإثم ويطرحونهم في أتون النار " من ذا الذي له سلطان أن يرسل الملائكة في الدينونة إلا الله وحده ؟

ب ـ وفي ( متى24 : 30 ، 31 ) " ويبصرون ابن الإنسان آتياً على سحاب السماء بقوة ومجد كثير . فيرسل ملائكته ببوق عظيم الصوت ، فيجمعون مختار يه من الأربع رياح ، من أقاصي السموات إلى إقصائها " .

ونلاحظ هنا أن الملائكة هم ملائكته ، والملكوت هو ملكوته ، والمختارين هم مختاره . وهذا لا يمكن أن ينطبق على إنسان ولا على مخلوق أياً كان ...

6 ـ هذا التعبير خاص بالله وحده . فالملائكة هم ملائكة الله .

فالمزمور يقول " باركوا الرب يا ملائكته " ( مز103 : 20 ) . ويقول أيضاً الصانع ملائكته أرواحاً وخدامه ناراً تلتهب " ( مز104 : 4 ) ( عب1 : 7 ) . وقيل أيضاً " يوصي ملائكته بك فعلي أيديهم يحملونك " ( مز91 : 11 ) ( متى4 : 6 ) .. وقال السيد المسيح نفسه " من يغلب سيلبس ثياباً بيضاً وسأعترف باسمه أمام أبى وأمام ملائكته " ( رؤ3 : 5 ) . والله هو الذي يرسل ملائكته فيقول دانيال النبي " ألهي أرسل ملاكه وسد أفواه الأسود " ( دا6 : 22 ) .

فكيف تكون الملائكة ملائكة الله ، وملائكة المسيح في نفس الوقت ،

 إلا لو كان الاثنان واحداً ، وعندنا شاهد جميل في آخر سفر الرؤيا يقول " والرب إله الأنبياء القديسين أرسل ملاكه ليري عبيده ما ينبغي أن يكون " ( رؤ22 : 6 ) . وفي نفس الإصحاح " أنا يسوع أرسلت ملاكي لأشهد لكم بهذه الأمور " ( رؤ22 : 16 ) قارن أيضاً مع ( رؤ1 : 1 ) .

المسيح هو صاحب الملكوت

1 ـ الملكوت هو ملكوت الله :

ونحن نصلي في الربية قائلين للآب السماوي " ليأت ملكوتك " ( متى6 : 10 ) . ويقول الرسول " .. الله الذي دعاكم إلى ملكوته ومجده " ( 1تس2 : 12 ) انظر أيضاً ( يع2 : 5 ) وقول ربنا يسوع المسيح " .. ملكوت أبي " ( متى26 : 29 ) . أنظر أيضاً ( متى13 : 43 ) . وعبارة ( ملكوت الله ) في مواضع عديدة منها ( لو13 : 18 ، 20 ، 28 ، 29 ) .

2 ـ مع ذلك فالسيد المسيح يعلن أنه صاحب الملكوت .

فيقول " الحق أقول لكم إن من القيام ههنا قوماً لا يذقون الموت يروا ابن الإنسان آتياً في ملكوته " ( متى16 : 28 ) . هذا عن انتشار ملكوته على الأرض . ويقول الرب نفسه " هكذا في إنقضاء اعالم : يرسل ابن الإنسان ملائكته ، فيجمعون من ملكوته ، جميع المعاثر وفاعلي الإثم ، ويطرحونهم في أتون النار " ( متى13 : 41 ، 42 ) .

3 ـ أما عن ملكوته السماوي ، فيقول عنه الرسول " أناشدكم إذن أمام الله والرب يسوع المسيح ، العتيد أن يدين الأحياء والأموات عند ظهوره وملكوته " ( 2تى4 : 1 ) . وعن هذا الملكوت السماوي ، قال اللص اليمين " اذكرني يارب متى جئت في ملكوتك " ( لو23 : 43 ) .

4 ـ ولعله عن هذا الملكوت قال دانيال النبي " عن السيد المسيح " سلطانه سلطان أبدي ما لن يزول ، وملكوته لا ينقرض " ( دا7 : 14 ) . وكانت هذه الألفاظ  لا تطلق إلا على الله الحي إلى الأبد ، إله العلي الحي القيوم ( دا4 : 3 ، 34 ) ( دا6 : 26 ) .

إذن فالملكوت هو ملكوت الآب ، وهو ملكوت المسيح ، ماذا نستنتج إذن : هل استطاع بشري أن يتكلم عن ملكوته ، ملكوت روحي في الأرض ، وملكوت أبدي في السماء ، ما لن يزول ، وما لن ينقرض ، فيه الملائكة ملائكته ، وفيه المختارون مختار وه " ( متى24 : 31 ) .

سلطانه على الشياطين

1 ـ كان الشياطين يخافون الرب ويصرخون عند لقائه ، خائفين من أن يهلكهما أو يعذبهم .

أ ـ ومن أمثلة ذلك الإنسان الذي كان عليه روح نجس في مجمع كفر ناحوم هذا الروح صرخ قائلاً " آه ، ما لنا ولك يا يسوع الناصري . أتيت لتهلكنا . أنا أعرفك من أنت قدوس الله " ( مر1 : 22 ، 24 ) . وانظر أيضاً ( مر3 : 11 ) .

ب ـ كذلك مع الإنسان الذي كان اسمه لجيئون ، لأن فيه شياطين كثيرة وبسبب عنفه كان مربوطاً بسلاسل وقيود . هذا لما رأي خر له وصرخ بصوت عظيم مالي ولك يا يسوع ابن الله العلي . أطلب أن تعذبني " ( لو8 : 28 ) .

ج ـ وهكذا أيضاً مع المجنونين الهائجين من القبور في كورة الجرجسيين " حتى لم يكن أحد يقدر أن يجتاز من تلك الطريق " هذان لما أبصرا السيد " صرخا قائلين : ما لنا ولك يا يسوع ابن الله . أجئت إلى هنا قبل الوقت لتعذبنا " ( متى8 : 29 ) . فسمح الرب أن الشياطين التي في هذين المجنونين تخرج منها وتمضي إلى قطيع الخنازير ...

2 ـ وكان السيد ينتهر الشياطين بالأمر فيخرجون :

ففي كفر ناحوم ، انتهر الروح النجس قائلاً " اخرس واخرج منه " ( مر1 : 25 ) . مع لجيئون " أمر الروح النجس أن يخرج من الإنسان " ( لو8 : 29 ، 31 ) . وفي إخراج الروح الأخرس ، انتهره قائلاً " أيها الروح الأخرس الأصم ، أنا آمرك أخرج منه ولا تدخله أيضاً " ( مر9 : 29 ) . كذلك في حالة الصبي الذي كان يمزقه الشيطان ويصرعه " انتهر الروح النجس ، وشفي الصبي وسلمه إلى أبيه " ( لو9 : 42 ، 43 ) . وفي كل تلك الحالات كانت الأرواح النجسة أي الشياطين تطيع أمره وتخرج في الحال . هذا السلطان لا يمكن أن يكون لإنسان .

3 ـ وليس فقط بأمر المسيح كانت تخرج الشياطين ، إنما أيضاً باسمه :

مثلما قال له الرسل " يارب ، حتي الشياطين تخضع لنا باسمك " ( لو10 : 17 ) . ذلك لأنه كان قد أعطاهم سلطاناً على قوة العدو ( لو10 : 11 ) . وهذا هو الفرق بين الرب والبشر في إخراج الشياطين : هو يخرجهم بأمره ، وهم لا يخرجون بأمرهم ، إنما بسلطانه هو . وفي هذا قال عن المؤمنين به " وهذه الآيات تتبع المؤمنين : يخرجون الشياطين باسمي " ( مر16 : 17 ) . ولعل من أجمل الأمثلة على ذلك : قصة الجارية التي كان عليها روح عرافة ، وكانت تتبع بولس الرسول . يقول سفر أعمال الرسل أن القديس بولس " التفت إلى الروح وقال : أنا آمرك باسم يسوع المسيح أن تخرج منها فخرج في تلك الساعة " ( أع16 : 18 ) .

4 ـ ونلاحظ هنا أن إخراج الشياطين كانت تأتي تحت أسماء ثلاثة :

إما أنهم شياطين صراحة ، أو أرواح نجسه ، أو مجانين . كما يتضح من الأمثلة السابقة ... وأيضاً قارن ( لو10 : 17 ، 20 ) ، ( مر7 : 25 ، 26 ، 29 ) ، ( لو8 : 29 ، 30 ) ، ( لو9 : 42 ) ، ( لو10 : 17 ، 20 ) ، ( متى10 : 1 ، 8 ) .

سلطانه على الشريعة

1 ـ الشريعة هي شريعة الله . والوصايا هي وصايا الله .

وقد منح الله الشريعة منذ البدء . وهو الذي سلمها مكتوبة لموسي النبي ( خر20 ) .

2 ـ ولكن السيد المسيح وضع لنا شريعة العهد الجديد .

في العظة على الجبل ، وفي قوله لتلاميذه " وصيه جديدة أنا أعطيكم ..." ( يو13 : 34 ) وفي كل التعاليم الروحية التي تركها ، وقيل إنه فيها " كان يعلمهم كمن له سلطان وليس كالكتيبة " ( متى7 : 28 ) .

3 ـ كذلك كان له موقف من شريعة العهد القديم .

يتضح في عبارته العجيبة القوية التي تكررت مراراً في العظة على الجبل " سمعتم إنه قيل للقدماء ... أما أنا فأقول لكم ... " ( متى5 : 22 ، 27 ، 32 ، 34 ، 39 ، 44 ) . ليس لأحد مطلقاً سلطان كهذا على شريعة الله ، إلا الله وحده .

4 ـ وهكذا نري أن السيد المسيح كان له سلطان في التشريع بخصوص السبت أنه يحل فيه عمل الخير . وبخصوص العشور إنها أقل الأشياء ، أمامها وصية " من سألك فأعطه " ( متى5 : 42 ) . وكان له سلطان في التشريع بخصوص الزوجة الواحدة ، والطلاق ( متى5 : 32 ) . ويعوزنا الوقت إن تحدثنا عن باقي الشرائع في المسيحية ، وما شرعه المسيح في مجال الكمال ...

5 ـ ولعل من أقوي العبارات في سلطة المسيح على الشريعة ، قوله من جهة شريعة السبت " ابن الإنسان هو رب السبت أيضاً " ( متى12 : 8 ) ، ( مر2 : 28 ) ( لو6 : 5 ) . إن كان هو رب السبت هو يوم الرب ، إذن فهو الله .

6 ـ لو يجرؤ إنسان مطلقاً أن يتكلم هكذا عن الشريعة " أما أنا فأقول لكم " .. بل كان موسي والأنبياء يستخدمون عبارة " يقول الرب " ... ولا يمكن أن يتحدث المسيح بهذا السلطان " أما أنا فأقول لكم " إلا لو كان هو الله ...

سلطانه على الحياة والموت

1 ـ تحدث السيد عن علاقته بالحياة ، فذكر أنه هو نفسه الحياة .

قال " أنا هو القيامة والحياة " من آمن بي ولو مات فسيحيا . ومن كان حياً وآمن بي ، لن يموت إلى الأبد " ( لو11 : 25 ، 26 ) . وقال أيضاً أنا هو الطريق والحق والحياة " ( يو14 : 6 ) . فهل يستطيع بشري أ يقول " أنا الحياة والقيامة والحق " ؟ !

2 ـ وعن سلطانه على الموت ، قال عنه الرسول " مخلصنا يسوع المسيح الذي ابطل الموت ، وأنار الحياة والخلود " ( 2تي1 : 10 ) . والرب نفسه شهد عن نفسه في سفر الرؤيا قائلاً " ولي مفاتيح الهاوية والموت " ( رؤ1 : 18 ) . ويقول " إن كان أحد يحفظ كلامي ـ فلن يري الموت إلى الأبد " ( يو8 : 51 ) .

3 ـ من هذا الذي له سلطان على الموت وعلى الحياة ، إلا الله نفسه ، لأن كل البشر كانوا جميعهم تحت حكم الموت . وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس ، إذ أخطأ الجميع " ( رو5 : 12 ) . أما المسيح فهو الذي أبطل الموت ...

4 ـ إن سلطان الموت والحياة في يد اله وحده . فهو الذي قال في سفر التثنية " أنا أنا هو ، وليس إله معي . أنا أميت وأحيي " ( تث32 : 39 ) . وهو الذي قيل عنه في سفر صموئيل النبي " الرب يميت ويحي ، يهبط إلى الهاوية ويصعد " ( 1صم2 : 6 ) فإن كان هذا السلطان في يد المسيح كما قال ( يو5 : 21 ) إذن فهو الله .

سلطانه على نفسه

1 ـ يوجد إنسان له سلطان على نفسه ، على روحه ، فالرب هو " إله أرواح جميع البشر " ( عب27 : 16 ) .

وهو الذي قال " ها كل الأنفس هي لي " ( حز18 : 14 ) .

وقال عنه بولس الرسول إنه أبو الأرواح ، فقال " أفلا نخضع بالأولي لأبي الأرواح فنحيا " ( عب12 : 9 ) .

2 ـ ومع ذلك فإن السيد المسيح يقول " .. أضع نفسي لآخذها أيضاً . ليس أحد يأخذها مني ، بل أضعها أنا من ذاتي ، لي سلطان أن أضعها ، ولي سلطان أن آخذها أيضاً " ( يو10 : 17 ، 18 ) .

هل يجرؤ إنسان أن يدعي هذا السلطان ؟ إن السيد المسيح هو وحده الذي قال هذه العبارة لأنه هو الله.

3 ـ وظهر سلطانه هذا في القيامة ، حينما قام بنفسه ، ولم يقيمه أحد ، كما حدث بالنسبة إلى كل الذين قاموا من قبل . وخرج بهذه النفس من القبر المغلق ، دون أن يشعر به أحد ...

شهادة معجزاته

1 ـ نقول كمقدمة لهذا الإثبات ...

إن معجزات السيد المسيح لا تعد يوحنا الرسولي في خاتمة إنجيله " آيات أخر كثيرة صنعها يسوع قدام تلاميذه ولم تكتب في هذا الكتاب " يو20 : 30 ) ، " وأشياء أخرى كثيرة صنعها يسوع ، إن كتبت واحدة فواحدة ، فلست أظن إن العالم نفسه يسع الكتب المكتوبة " ( يو21 : 25 ) . وكمثال ذلك يقول القديس لوقا الإنجيلي " وعند غروب الشمس ، كان كل الذين عندهم مرضي بأنواع أمراض كثيرة يقدمونهم إليه . فكان يضع يديه على كل واحد فيشفيهم " ( لو4 : 40 ) ـ هنا معجزات بالجملة لا تحصي . وورد عن ذلك في إنجيل مرقس " ولما صار المساء إذ غربت الشمس ، قدموا إليه جميع السقماء والمجانين . وكانت المدينة كلها مجتمعة على الباب . فسفي كثيرين كانوا مرضي بأمراض مختلفة . وأخرج شياطين كثيرة ... " ( مر1 : 32 ـ 34 ) .

وقال القديس متي الإنجيلي " كان يسوع يطوف كل الجليل ، يعلم في مجامعهم ، ويكرز ببشارة الملكوت ، ويشفي كل مرض وكل ضعف " ( متى4 : 23 ) ، ويكمل " فاحضروا إليه جميع السقماء المصابين بأمراض وأوجاع مختلفة ، والمجانين والمصروعين والمفلوجين ، فشفاهم " ( متى4 : 24 ) . هل نستطيع هنا أن نحصى ما ينطوي تحت عبارات ، كل مرض ، وجميع السقماء ... إلخ ؟

إذن نحن هنا نقتصر على إثبات لاهوت المسيح من المعجزات القليلة التي دونت في الأناجيل .

2 ـ كذلك كانت معجزات المسيح تشمل أنواعاً عديدة :

منها معجزات الخلق ، وإقامة الموتى ، والمشي على الماء ، وانتهار الرياح والأمواج والبحر ، والصعود إلى السماء ، والنزول منها ، والدخول من الأبواب المغلقة ، والولادة من عذراء ، واخرج الشياطين ، وتفتيح أعين العميان ، وشفاء الأمراض التي مرت عليها 38 سنة أو 18 سنة وفشل فيها الطب . وباختصار كما قال متي الإنجيلي " كل مرض وكل ضعف ، في جميع السقماء والمجانين .. " . من ذا الذي يقدر أن يشفي كل مرض ، ويكون له سلطان على الطبيعة والشياطين بهذا التنوع وبهذا القدر ، إلا الإله الذي خلق هذه الطبيعة ؟  

3 ـ كانت معجزات المسيح بمجرد الأمر ، أو الانتهار للمرض :

في شفاء حماه بطرس من الحمي الشديدة " انتهر الحمي ، فتركتها . وفي الحال قامت وخدمتهم " ( لو4 : 39 ) . هنا المرض ينتهي بمجرد أمره أو انتهاره . وفي شفاء صاحب اليد اليابسة ، قال للرجل " مد يدك . ففعل هكذا ، فعادت يده صحيحة " ( لو6 : 10 ) . بمجرد الأمر تمت معجزة يعجز الطب كله أمامها . وفي إخراج الأرواح النجسة ، كان يستخدم أيضاً الأمر والانتهار فيخرجون . ولذلك قيل عنه إنه " بسلطان يأمر حتي الأرواح النجسة فتطيعه " ( مر1 : 27 ) . وكذلك في إسكات الأمواج وتهدئه البحر ، استخدم الأمر أيضاً " انتهر الريح وقال للبحر : اسكت ابكم . فسكنت الريح وصار هدوء عظيم " ( مر4 : 39 ) .

والأمر بالنسبة إلى الطبيعة والأمراض والعاهات ، لا يمكن أن يصدر من إنسان . فهذا سلطان إلهي ، كثيراً ما كان يجعل المشاهدين يعترفون بلا هوته ، كما سبق وذكرنا ...

4 ـ حتي في إقامة الموتي ، نجد عنصر الأمر أيضاً ...

ففي إقامة ابنه يايرس ، قال لها " طابيثا قومي " أي صبية لك أقول قومي وللوقت قامت الصبية ومشت " ( مر5 : 41 ، 42 ) ، فابطل الموت بأمره ، وأعاد الحياة بأمره . وكذلك في إقامة ابن أرمله نايين " قال أيها الشاب لك أقول قم . فجلس الميت وابتدأ يتكلم " ( لو7 : 14 ، 15 ) . وفي إقامة لعازر ، قال له بصوت عظيم " لعازر لم خارجاً " فخرج الميت ويداه ورجلاه مربوطات باقمطة ... " ( لو1 : 43 ، 44 ) .

5 ـ أحيانا كانت المعجزة تتم بمجرد اللمس أو وضع يده .

كما قيل " فكان يضع يديه على كل أحد فيشفيهم " ( لو4 : 40 ) . وملخس عبد رئيس الكهنة لما قطعت أذنه " لمس أذنه وأبرأها " ( لو22 : 51 ) . وفي شفاء الأعميين لمس أعينهما ، فللوقت أبصرت أعينهما وتبعاه " ( متى20 : 34 ) . . ولما وضع يديه على أعمي بيت صيدا أبصر ( مر8 : 25 ) . ونازفة الدم التي أنفقت كل أموالها على الأطباء بلا فائدة ، مجرد أن لمست هدب ثوبه " جف ينبوع دمها وبرئت " ( مر5 : 29 ) .

6 ـ وكانت معجزات تتم بمجرد إرادته ، بدون أمر منه ...

كما حدث في تطهير الذي صرخ قائلاً له " إن أردت تقدر أن تطهرني " فتحنن ومد يده ولمسه وقال له " أريد فاطهر " ( مر1 : 41 ) ، وللوقت طهر برصه ( متى8 : 2 ، 3 ) . وفي معجزة تحويل الماء إلى خمر في عرس قانا الجليل ، خلقت مادة جديدة بمجرد إرادته ، حتى بدون أمر ، وبدون لمس . لمجرد أنه أراد في داخله ( يو2 : 7 ـ 9 ) .

7 ـ ملاحظة أخري أن جميع معجزاته كانت تتم بدون صلاة :

كان يعملها بقوته الذاتية ، بقوة لا هوته ، والمعجزة الوحيدة التي سبقتها مخاطبة الآب . كانت إقامة لعازر من الموت . ولعل السبب في ذلك ، أنه أراد إخفاء لا هوته عن الشيطان ، وكان بينه وبين الصليب أيام قلائل . كما أنه إن وجدت فى كل معجزاته العديدة جداً معجزة وحيدة فيه صلاة فلعلها لتعليمنا أن نصلى . ولعل فيها رداً على أعدائه الذين كانوا يتهمونه باستخدام قوة الشيطان في معجزاته . ومع ذلك فإنه في إقامة لعازر استخدم الآمر أيضاً ، فقال " لعازر هلم خارجاً " (يو11 : 43 ) . وفي معجزة اشباع الجموع قيل إنه نظر إلى فوق ، وأنه شكر وبارك ( مر6 : 41 ) ( متي 15 : 36 ) . ولم يذكر في إحدى هاتين المعجزتين أنه صلي . أما النظر إلى فوق ومباركة الطعام قبل الأكل منه ، فلعل هذا لتعليمنا ...

8 ـ وما أكثر المعجزات التي كانت تتم باسمه في العهد الجديد :

كما حدث في شفاء الأعرج الذي يستعطي على باب الجميل ، إذ قال له القديس بطرس " ليس لي فضه ولا ذهب . ولكن الذي لي فإياه أعطيك . باسم يسوع المسيح الناصري قم وامش ... " ( أع3 : 6 ) . وأيضاً يطهر من قول السيد المسيح " وهذه الآيات تتبع المؤمنين : يخرجون الشياطين باسمي " ( مر16 : 17 ) .

9 ـ وهذا هو الفارق بين معجزات السيد المسيح ومعجزات رسله وقديسيه :

هو يجري المعجزة بقوته الذاتية . أما التلاميذ فكانت معجزاتهم باسم المسيح ، أو بالقوة التي أخذوها منه ، بسلطانه هو . فالقوة ترجع إليه . ولهذا قال بولس الرسول " أستطيع كل شئ في المسيح الذي يقويني " ( في4 : 13 ) .

هذا السلطان منحه الرب لتلاميذه إذ " اعطاهم سلطاناً على أرواح نجسه حتي يخرجوها ، ويشفوا كل مرض وكل ضعف " ( متى10 : 1 ) . وقال للاثنى عشر " اشفوا مرضي . طهروا برصاً . أقيموا موتي . أخرجوا شياطين " ( متى10 : 8 ) . وقال للسبعين أيضا " ها أنا أعطيكم سلطاناً لتدوسوا الحيات والعقارب وكل قوة العدو " ( لو10 : 19 ) .

10 ـ والسيد المسيح قدم معجزاته كسبب يدعو للإيمان به :

فقال " صدقوني أني أنا في الآب في . وإلا فصدقوني لسبب الأعمال نفسها " ( يو14 : 11 ) . وقال لليهود " إن كنت لست أعمل أعمال أبي ، فلا تؤمنوا بي . ولكن إن كنت أعمل ، فإن لم تؤمنوا بي ، فآمنوا بالأعمال ، لكي تعرفوا وتؤمنوا أن الآب في وأنا فيه " ( يو10 : 37 ، 38 ) . وقوله " أعمل أعمال أبي " تعني أنه يعمل أعمال الله ذاته . وهذا دليل أكيد على لا هوته .

لذلك فهو يلوم اليهود قائلاً " لو لم أكن قد عملت بينهم أعمالاً لم يعملها أحد غيري ولم تكن لهم خطية " ( يو15 : 24 ) . هذه الأعمال التي لم يعملها أحد من قبل ، هي الأعمال الإلهية التي قال عنها " أعمل أعمال أبي " ( يو10 : 37 ) .

وهو بهذا يعلن أن معجزاته دليل على لا هوته .

11 ـ وكان السيد المسيح يطوب الإيمان الذي بمعجزاته ويدعو إليه :

فقد طوب إيمان قائد المائة الذي قال له " قل كلمة فقط غلامي " ( متى8 : 8 ) ، وكان غلامه ، مطروحاً في البيت مفلوجاً متعذباً جداً " ... وأعطاه السيد وعداً بشفاه غلامه ، فبرأ غلامه من تلك الساعة . وقال السيد : " الحق أقول لكم لم أجد ولا في إسرائيل إيماناً بمقدار هذا " ( متى8 : 10 ) . وحقاً إيمان قائد المائة هذا كان عجيباً . لقد آمن أن المسيح بمجرد أن يقول كلمة ، فإن هذه الكلمة تقدر أن تشفي غلامه من بعد ، دون أن يلمسه أو يضع يده عليه يباركه . يكفي مجرد الأمر . والمسيح طوب هذا الإيمان ، وحققه بشفاء الغلام .

12 ـ ومعجزات المسيح دليل على صدق حديثه ، عن لا هوته :

إن السيد المسيح كان يصنع المعجزات الخارقة جداً . وفي نفس الوقت يقول " أنا والأب واحد " ( يو10 : 30 ) " من رآني فقد رأي الآب " ( يو14 : 9 ) . وإن له سلطان على مغفرة الخطايا ( مر2 : 10 ) . وكان يقول إنه ابن الله الوحيد ( يو3 : 16 ، 18 ) وأنه صعد إلى السماء ، ونزل من السماء ، وهو موجود في السماء ( يو3 : 13 ) . وأنه سيأتي على سحاب السماء ، ويرسل ملائكته لجمع مختار يه ( متى24 : 30 ، 31 ) . فلو كان كلامه غير صادق ، ما كان يقدر أن يجري المعجزات بعده .. إن كان بكلامه هذا قد نسب إلى نفسه سلطان الله وصفاته عن غير حق ، ما كان يقدر بعد ذلك على صنع المعجزات .

13 ـ لا ننسي أن حياة المسيح كانت معجزة انفرد بها :

من حيث ولادته من عذراء ( اش7 : 14 ) الأمر الفريد في تاريخ العالم كله ، فلا هو حدث قبله ولا بعده . وكذلك بشر بميلاده نجم غير عادي ( متى2 : 2 ـ 10 ) . وسجد له المجوس . وفي طفولته اذهل شيوخ اليهود ( لو2 : 47 ) . كذلك كان المسيح معجزة في عماده ( متى3 ) . وفي التجلي على جبل طابور ( مر149 ـ 8 ) . وفي قيامته ( مر16 ) ودخوله على تلاميذه والأبواب مغلقة ( يو20 : 19 ) . وكان معجزة في صعوده إلى السماء وجلوسه عن يمين الآب ( مر16 : 19 ) . حياته كلها سلسلة من المعجزات تدل على لا هوته الذي كان متحداً بناسوته طوال الفترة التي ظهر في الجسد ، وإلى الأبد أيضاً .

14 ـ إقرأ إجابتنا عن سؤالين خاصين بمعجزات السيد المسيح :

وذلك في كتابنا ( سنوات مع أسئلة الناس ) الجزء الثاني في صفحة 57 إلى صفحة 63 .

الصفحة الرئيسية