بدعة الخلاص فى لحظة  البابا شنوده الثالث

 The Heresy Of: Salvation in a Moment By H.H.pope Shenouda lll

مقدمة

الفصل الأول :  

الفصل الثانى    

 

الفصل الثالث

الفصل الرابع

أهمية العقيدة وتدريسها

بدعة الخلاص فى لحظة : تاريخها وخطورتها

التوبة والمعمودية وعلاقتهما بالخلاص

دور الكنيسة فى نقل الخلاص

الأعمال ومركزها فى الخلاص

ما يسمونها ( مراحل الخلاص )

الفصل الخامس

الفصل السادس

الفصل السابع

الفصل الثامن

الفصل التاسع

الفصل العاشر

الخلاص هو قصة العمر كله

اعتراضات والرد عليها

هل خلص هؤلاء فى لحظة

هل هذه تثبت الخلاص فى لحظة

مفاهيم لاهوتية

الاختيار

 قصة هذا الكتاب

بدأت المفاهيم الخاطئة تنتشر حول عقيدة الخلاص منذ منتصف الستينات ، مما اضطرنى إلى شرح هذا الموضوع فى مؤتمرين لخدام الوجه البحرى ، عقدا فى بنها فى أبريل ومايو سنة 1967 . وكانت نتيجتهما طبع كتاب لنا هو [ الخلاص فى المفهوم الأرثوذكسى ] صدر فى يونيو 1967 .

وعادت المشكلة مرة أخرى إلى الظهور فى النصف الثانى من السبعينات ،

ولكن فى شكل جديد هو ( بدعة الخلاص فى لحظة ) وقد نشرنا عنها مقالات كثيرة فى مجلة الكرازة من سنة 1978 إلى سنة 198. . وقمنا بتدريس موضوع الخلاص فى الكلية الاكليريكية ، مع الجدل المحيط به ، وبخاصة فى الإخوة البلاميس ومن أخذ عنهم .

وأنا فى كل ذلك أضع أمامى قول الآباء الرسل فى الدسقولية : ( امح الذنب بالتعليم ) وكل نا أريده هو الأقناع ، وليس معاقبة المخطئين .

وأخيراً أصدرنا هذا الكتل ، ايكمل كتابنا الأول عن الخلاص .

وأرى أن هناك حاجة إلى إصدار كتاب ثالث فى موضوع الخلاص ، يشمل مناقشة ما يقوله البروتستانت عن : التبرير ، والتقديس ، والتمجيد ، والتجديد ، والملء .. وما إلى ذلك من موضوعات .

وقد رددت على كل النقط ، التى ظهرت فى بعض الكتب كمجال للشك وأخيراً أقول لأولادى . ها أمامكم الطريقان واضحان . انظروا فى أيهما تسلكون .

أريدكم أن تفهموا ، وتؤمنون باعتقاد الكنيسة السليم ، لا أن تقولوا : آمين .

البابا شنوده الثالث

 أهمية العقيدة وتدرسيها

 هل نعلم أولادنا الفضيلة ، بلا إيمان  ، ونتركهم لمحاربات الشكوك ؟

هل التعزية الروحية تكون على حساب الإيمان ؟ وما موقفنا من حرب الشكوك ؟

مقدمة

فى وقت ما ، ربما منذ أكثر من ثلاثين سنة ، اتهمنا بعض الطوائف ، أن تدريسنا العقيدة للناس يكون على حساب روحياتهم ، وأن عظاتنا ليست خلاصية ، وأنهم يسمعون الكلام فى العقيدة فلا يتعزون ، وأن التعزية لا تأتى إلا تأتى إلا بترك المنهج العقيدى إلى المنهج الروحى أو ( الخلاصى ) بحسب تعبيرهم !!

وفى ( بساطة ) الأقباط ، تركنا تدريس العقيدة ، وبدأنا فى الكلام عن الروحيات ، جاريناهم فى الطريقة ( الخلاصية ) فلما وجدنا هكذا ، صاروا يدرسون العقيدة فى عمق ، بحسب مفاهمهم ، يجعلون الكبار والصغار يحفظون آيات معينة ، يفسرونها لهم بريقة خاصة . تحولت مواعظهم الخلاصية إلى موضاعات عقائدية بحتة . والمنهج العقلى الذى انتقدوه ، اندمجوا فيه إلى أبعد الحدود .

وتنبهت الكنيسة للعملية كلها ، وكيف بدأت وتحولت وتطورت .

ورأت الكنيسة أولادها أمام مجموعات ضخمة من الشكوك ، توجه إلى الإيمان ، من داخل ومن خارج ..

وكان لابد أن تعمل عملاً . والعمل بدأ من رئاسة الكنيسة . ولكنه لابد أن ينتشر فى كل مكان ، من أجل الإيمان ..

 ووجد أولادنا أنفسهم أمام شكوك لم تدرس لهم فى مدارس التربية الكنيسة ، ولكنه لابد أن ينتشر فى كل مكان ، من أجل الإيمان ..

ووجد أولادنا أنفسهم أمام  شكوك لم تدرس لهم فى مدارس التربية الكنسية ، ولا فى اجتماعات الوعظ فى الكنيسة ، ولم يجدوا مؤلفات تقدم ردودا . بل زحفت التعاليم الغربية حتى إلى بعض الذين يقومون بالتعليم داخل الكنيسة !!

إن الدين ليس هو مجموعة من الفضائل . فالفضائل توجد حتى عند غير المؤمنين ، عند البراهما والبوذيين وغيرهم .. ولكن الدين أولا هو عقيدة وإيمان ومن هذا الإيمان تنبع الفضائل ، ويكون لها وضع روحى غير وضع الفضائل عند غير المؤمنين ..

( والخلاص ) وإن كان يتعلق بروحيات الإنسان ، وإلا أنه عقيدة لها أسسها وهذه العقيدة تؤثر على طابع الروحيات ..

ولذلك فإن الكنيسة ستعمل بكل جهدها ، على تعميق مفاهيم اعقيدة فى أبنائها منذ بداية طفولتهم ، حتى إذا شبوا لا تتعبهم الشكوك والمحاربات الفكرية التى من الخارج ..

الآباء والأمهات عليهم مسئولية كبيرة فى هذا المجال ..

وينبغى أن تدرك الأم مدى مسئوليتها كإشبين لطفلها ، تسلمته من الكنيسة يوم العماد لتربيته فى حياة الإيمان السليم ..

والمسئولية تقع أيضا على مدارس التربية الكنسية التى ينبغى أن تتعدل مناهجها وتتفق والقيام بهذه الرسالة .

وهناك مسئولية أيضاً على الآباء الكهنة ، وعلى الوعاظ ، والمهتمين بقيادات الشباب ، وكل من له مهمة التعليم ..

الطفل نقدم له الإيمان بطريقة التسليم ، وفى المراحل المتقدمة يأخذ التعليم أسلوب التفهيم . وفى كل الفترات نجعل أولادنا يحفظون العقيدة والآيات . وفى المرحلة الثانوية والجامعية ، يدخل أبناؤنا فى المرحلة الجدلية التى تحتمل مناقشة الآراء المعارضة والشكوك .

ويشمل تدريسنا المنهجين معا ، العقيدى والروحى ، والإيمان والفضيلة ، العقل والقلب ، والإنسان كله ، لكى يكون منهجا متكاملا

اهتمامنا بالإيمان والعقيدة لا ينسينا الحياة الروحية والسلوك . والاهتمام بالفضيلة لا ينسينا الإيمان .. افعلوا هذه ولا تتركوا تلك . فالتطرف فى احد الطريقتين له أخطاؤه وأخطاره .

وفيما ندرس الإيمان لا نكون عقلانيين ، وإنما روحيين أيضا .

وعلينا أن نجمع كل ما يواجه أبناءنا خارج الكنيسة ، من أفكار وتيارات وحروب وشكوك ونقدم  لهم ردود..

وتكون هذه أيضا مسئولية كنائسنا ومجلاتنا ومفكرينا ، بل تكون هذه أيضا مسئولية كلياتنا الإكليريكية

هذا الجيل الذى نعيش فيه ، يحتاج إلى اهتمام خاص بالإيمان . ويكفى كبرهان نظرة واحدة إلى المكتبات والمطبوعات .

وهو جيل لا تصلح له السطحية فى التعليم ، وإنما يجب إعداد المعلمين بعمق خاص فى الفهم والمعرفة والدراسة .

وينبغى أن تكون للخدام دراسات مستمرة تنشط معلوماتهم ، وتجعلها مناسبة لجيلهم   Refreshing Courses.

كل عصر له أفكاره ، وله الدراسات التى تناسبه . ولا يجوز أن يعيش الخدام فى غير جيلهم ، لا يشعرون بالحروب التى يتعرض لها أبناؤهم ، بالشكوك الفكرية التى تهاجهم . وما أجمل قول الرسول : (كونوا مستعدين فى كل فى كل حين ، لإجابة كل من يسألكم ، عن سر الرجاء فيكم ) .

 الفصل الأول

 بدعة الخلاص فى لحظة

 تاريخها ، وخطورتها

 نبذة تاريخية

 الكنيسة ـ طوال القرون الخمسة عشر الأولى ـ فى اعتقادها بالكهنوت والأسرار الكنسية والتقاليد ، ما كانت تؤمن مططلقاً بأن الخلاص يتم فى لحظة فالخلاص يتم بدم المسيح ، ولكن عن طريق الأسرار المقدسة التى وضعها الله فى كنيسته بالروح القدس العامل فيها ، والتى يمارسها رجال الكهنوت .

واستمر الأمر هكذا ، إلى قيام البروتستانتية بقيادة لوثر ، فى بداية القرن السادس عشر للميلاد .

مارتن لوثر كان راهباً كاثوليكيا ، وكان كاهنا . ثم اصطدم بالكنيسة الكاثولكية ، رغبة فى اصلاح الأخطاء التى كانت سائدة وقتذاك . فحرمته الكنيسة وقطعته من الكهنوت . وهنا بدأت المشكلة فى دورها الخطير .. الذى ينبنى أساسا وقبل كل شئ ، على كيف تعيش البروتستانية بدون كهنوت ، وبالتالى ـ فى موضوعنا هذا ـ كيف ينال الناس الخلاص ، بعيدا عن عمل الكهنوت ؟

لوثر وجماعته ـ فى حياته ومن بعده ـ ما كانوا يستطيعون أن يمارسوا أى عمل من أعمال الكهنوت . الكنيسة قطعتهم من الكهنوت ، فليقطعوا هم أيضا الكهنوت من كل أعمال الكنيسة ! وهكذا أنكروا الكهنوت ، وأنكروا سلطة الكهنوت ، ونادوا بأنه لا يوجد سوى كاهن واحد فى السماء وعلى الأرض هو يسوع المسيح . وقد قمنا بالرد على هذه النقطة فى كتابنا ( الكهنوت ) .

كذلك قامت البروتستانتية بالغاء كل ما وضعه رجال الكهنوت بسلطانهم الكهنوتى . وقالوا إنهم يعتمدون على الإنجيل وحده : لا قوانين كنسية ، ولا قرارات مجامع مقدسة ، ولا تقاليد كنسية ، ولا أقوال آباء ...

ولم توافق البروتسسانتية أن تكون الكنيسة وسيطة فى نوال الخلاص ، ولا فى أية علاقة بين

المؤمن وإلهه واعتبرت هذه العلاقة مجرد علاقة فردية ، ولا دخل للكنيسة ولا للكهنوت فيها .. !

وكما ألغت هذه الوساطة على الأرض ، ألغت أيضا فى عقيدتها كل وساطة أخرى فى السماء ، أعنى كل شفاعة القديسين الذين انتقلوا ، وعلمت أبناءها أنه لا فرق بينهم وبين هؤلاء القديسين ، فكل المؤمنين قديسون حسب تسميتهم فى العصر الرسولى . وخلطت بين الشفاعة الكفارية والشفاعة التوسلية ، حسب فهمها للآية التى تتحدث عن الفداء قائلة إنه لا يوجد سوى وسيط واحد وشفيع واحد بين الله والناس هو يسوع المسيح ( 1تى 2 : 5 )

ولم يعد فى البروتستانتية اكرام للقديسين ولا للملائكة ولا للعذراء ، ولم تعد الكنيسة تبنى بأسمائهم .

ومع إنكار الكهنوت وكرامة القديسين ، ومع إنكار القوانين والتقاليد ، تطور الأمر إلى إنكار تعليم الكنيسة ، فلم يعد ملزما لأحد . وأصبح لكل أحد الحق فى أن يفسر الكتاب كما يشاء !! بلا ضابط من سلطة كنسية .

ومع أن بعض العقلانيين ظنوا أن هذا الأمر كان تحريراً للعقل البشرى من كل سلطة كنسية ، ليفكر كما يشاء ، حتى أسموا قيام البروتستانتية بحركة التحرير ! وإلا أنه كان من نتيجة هذه ( الحرية ) قيام عشرات المذاهب البروتستانتية ، ويقول البعض بل مئات . ويوجد فى مصر منها 28 مذهبا .. والسبب فى ذلك هو عدم التقيد بضوابط من التقاليد الكنسية أو التعليم الكنسى ، وعدم وجود سلطة كنسية تؤاخذ أو تقوم من ينحرف فى تفكيره اللاهوتى ..

ونفس خلفاء لوثر لم يلتزموا بكل تعليمه ، ووجد من هو أشد منه إنكاراً للتعليم الكنسى ، مثل كلفن وزوينجل وآخرين .

إنه اخرجهم من الخضوع للكنيسة ورؤساتها ، فلما كان يستطيع  أن يلزمهم بالخضوع له ولكل تعليمه . ويوجد حالياً من البروتستانت من يعارض لوثر فى بعض الأفكار اللاهوتية . وأصبحت الكنيسة اللوثرية مجرد واحدة من الكنائس البروتستانتية المتعددة ، تختلف عن بعضها فى الفكر .

المهم أن هيبة الكنيسة كقيادة ، زالت فى الفكر البروتستانتى .

وبدأت العقلانية فى الكنيسة تناقش كل شئ . وتقبل ما تقبله ، وترفض ما يعن لها رفضه .

وبالتالى أخذت البروتستانتية تتدرج حتى أنكرت الأسرار .

أخذت تناقس أولا ما هو تعريف السر ؟ ثم ما عدد الأسرار ؟ إلى أن انتهت إلى انكار الأسرار . ومادام الكهنوت هو الذى يمارس خدمة الأسرار ، ولا كهنوت فى البروتستانتية ، اذن ما معنى وجود الأسرار ما لزومها ؟!

ولعل البعض يقول : هناك معمودية فى البروتستانتية ..

نعم ، هناك معمودية . ولكنها ليست سراً كنسيا ، ولا يمارسها كهنوت . وليست لها الفاعلية التى نعتقدها فيها .. ! هذه خلافات ثلاثة جوهرية ..

كان المسيحيون فى الكاثوليكية قبل لوثر معتادين أن يعمدهم رجال الكهنوت فى الكنيسة . والإيمان بالمعمودية أصبح راسخا فى النفوس مدى خمسة عشر قرناً ، ولا يمكنه نزعه ، وتسنده آيات من الإنجيل .. فما العمل مع عدم وجود كهنوت فى البروتستانتية ؟ 

الحل هو وضع الشيخ محل الكاهن . وفى ترجمة الكتاب ، تترجم كلمة كاهن بشيخ . ويمكن للشيوخ أن يعمدوا . ولا مانع من أن يأخذوا لقب ( قس ) ، دون أن يعنى هذا اللقب أية صفة أو اختصاصات كهنوتية !

ولكن هل يخلص الناس فى المعمودية فى التفكير البروتستانتى ؟

كلا ، فالبروتستانتية تنادى بأن الخلاص بالإيمان وحده . وهذا خلاف رابع بيننا وبينهم فى المعمودية .

وأخذ البروتستانت يشدون جدا على موضوع الإيمان . وأصبحوا يرددون فى اجتماعاتهم عبارة ( آمن فتخلص ) كما لو كانت هذه هى الآية الوحيدة المتعلقة بالخلاص  فى الكتاب المقدس !! بل ركزوا على الإيمان ، حتى أصبحوا يقولون : ( آمن فقط  .. فتخلص )

والإيمان شعور فى القلب ، يرون أنه يمكن أن يتم فى لحظة . وبالتالى يمكن للإنسان أن يخلص فى لحظة ، طبعاً بدون كنسية ، ولا أسرار ، ولا معمودية ، ولا كهنوت ‍‍‍‍‍!!

وهنا تحولت الفكرة إلى بدعة ، نحاول الآن مناقشتها ، لنرى ما مدى خطورتها على إيمان الكنيسة كله ..

خطورة هذه البدعة

 ببدعة الخلاص فى لحظة ، لا مانع من أن يحيا الناس حياة روحية توصلهم إلى الخلاص الابدى ، بعيدا عن عمل  الكنيسة ، بعيدا عن عمل الكهنوت وعن السلطان الكنسى .. !  حياة أساسها الإيمان وحده ، وهو داخل القلب .. وأساسها النعمة ، وهى من الله . ومع التركيز على الإيمان والنعمة ، تصبح حياة الإنسان مجرد علاقة فردية بينه وبين الله ، وتختفى كلمة الكنيسة ، وكلمة الكهنوت ، وكلمة الأسرار ، من حياة الإنسان الروحية . وسنضرب لذلك أمثلة عديدة :

المعمودية

تبعاً لبدعة الخلاص فى لحظة  ، لا يتحدثون عن عمل المعمودية فى نوال الخلاص ، لأن المعمودية لا تتم فى لحظة . إذن يكون الخلاص فى مفومهم عن طريق الإيمان وحده .

ويتدرج الأمر إلى مفهوم المعمودية ، فينكرون فاعليتها . وينسبون كل فاعلية المعمودية إلى الإيمان

هل المعمودية تمنحك الولادة الثانية ، حينما تولد من الماء والروح ( يو 3 : 5 ) . كلا ، إن الولادة الجديدة فى مفهومهم تكون بالإيمان ، فأنت بالإيمان تصير ابنا لله !

هل المعمودية تمنح التبرير والتجديد ؟ إنك بالإيمان ـ كما يقولون ـ تنال التبرير والتجديد ! مجرد أن تنظر إلى المسيح وهو مصلوب ، تتبرر فى لحظة !

هل تنال فى المعمودية الخلاص ، ومغفرة الخطايا ، وفيها تغسل من خطاياك ؟ كل هذا فى نظرهم تناله بالإيمان .. تناله فى ( لحظة ) إيمانك !

لا مانع إذن من أن تبقى المعمودية ، على أن يجردوها من كل فاعليتها ، وتصبح مجرد جسد بلا روح ، مجرد علامة ، أو مجرد إشهار للإيمان ، أو إعلان للإيمان ، كما يقول الإخوة البلاميس .. !

وهم يقولون إنهم نالوا المعمودية ! ونفذوا وصية المسيح فيها . وتسأل : ما هى فاعلية تلك المعمودية التى ليس بها الخلاص ، ولا التبرير ، ولا المغفرة ، ولا الولادة من الله ؟! ويبقى سؤالك بلا جواب.. !

وإن كان الإيمان به وحده يخلص الإنسان ، فما قيمة هذه المعمودية إذن التى قد خلص الإنسان بدونها ؟! وما معنى قول الرب : ( من آمن واعتمد خلص ) ( مر 16 : 16 )

ولا تجد لهذه الآية صدى فى قلب الذين يؤمنون بالخلاص فى لحظة !! .. ومادام الخلاص فى نظرهم بالإيمان وحده ، إذن لا علاقة له بالكنيسة والكهنوت والأسرار .. !

وماداموا يركزون على الإيمان ، ولا يعمدون إلا من يؤمن :

لذلك هم فى المعمودية ، ينكرون عماد الأطفال بحجة أنهم لم يصلوا بعد إلى الإيمان الواعى !

ويبقى الأطفال هكذا ـ فى نظرهم ـ بلا إيمان ، وبلا معمودية . وتسأل إذن كيف يخلصون ، إن كان الإنسان لا يخلص بدون معمودية ؟! ( مر 16 : 16 ) ويضيع الأطفال فى زحمة هذه الأسئلة !!

وكناحية من التساهل ، يقول البعض : لا مانع من تعميد الأطفال ولكنهم لا ينالون الخلاص إلا فى ,, لحظة تفجر مفاعيل المعمودية فى قلوبهم .. ،،

وما فائدة هذه المعمودية إذن إن كانت لا تفيدهم إلا إذ تفجرت مفاعيلها حينما يكبرون ؟! وإن ماتوا قبل هذا ، هل يكونون قد نالوا الخلاص أم لا ؟‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‌‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍!

التوبة

يرون أنه إن تاب الشخص ، يخلص فى لحظة توبته ! وطبعاً بلا اعتراف ، وبلا كاهن ، وبلا تحليل ..

والتوبة هى مشاعر شخصية ، لا علاقة للكنيسة بها . يقولون للشخص : الق نفسك عند أقدام المسيح ، فتخرج من هناك مبرراً ، وقد أشرق على قلبك نور ، وصرت أبيض من الثلج . وقد محا الله كل خطاياك فى لحظة ، فى تلك الجلسة المنفردة التى جلستها عند قدميه ! تعال إذن لتحكى اختبارك !

ولا مانع من أن تنشر هذه ( الاختبارت الروحية ) وفى مجلة تحمل اسم الارثوذكسية ، لكى يقلدها الناس ، ويسيروا على نهجها ، ويختفى بالتدريج من أذهانهم اسم الكاهن والتحليل والكنيسة والأسرار .

والذى نال الخلاص فى جلسته هذه المنفردة مع الله ، حسبما يقولون ، ما حاجته إذن إلى الكنيسة وأسرارها ؟!

إنه يستغنى عنها طبعاً ، بهذه العلاقة الفردية المباشرة !

وفى التركيز على الإيمان وحده وفاعليته ، يقولن لمن يخطئ : آمن فقط أن الله قد رفع عنك خطيئتك ، فتشعر أنها قد ارتفعت عنك فى لحظة ، ويمكنك سلام قلبى يفوق كل عقل .. بدون اعتراف ، وبدون كنيسة ، وبدون كهنوت .

وإن أعترفت على الله ـ هكذا يقولون ـ فالله هو الذى يغفر لك وليس الكاهن . وفى لحظة اعترافك على الله ستخلص ، وتشعر انك خلصت من خطاياك !

هذه هى مشكلة ( الخلاص فى لحظة ) التى يحاولون بها الغاء الكنيسة ، وهدم كل أسرارها المقدسة .. ليس فقط المعمودية والكهنوت والإعتراف .. إنما حتى سر المسحة المقدسة أيضاً ، التى بها نقبل الروح القدس ..

سر المسحة

يمكن لأى مؤمن ـ فى نظرهم ـ أن يضع عليك اليد ـ فتنال الروح القدس بل يمكن لأى امرأة تضع عليك اليد ، فتنال الروح ، بل وتنال الملء بالروح ‍‍‍!وتستطيع أنت أيضاً بهذا أن تمنح الروح لآخرين !

إذن لم تعد المسحة المقدسة سراً من أسرار الكنيسة ، إنما أمكن تأميمها هى أيضا ، فلم تعد عملا ً من أعمال الكهنوت ، كان يقوم بها الرسل فقط عند بدء قيام المسيحية ( أع 8 : 14 ، 15 ) وأصبحت بهذا الوضع مجرد موهبة ، يمنحها لك الذين نالوها من قبلك ، ولا دخل للكنيسة فى ذلك .. !

وجماعة الإخوة البلاميس ، يرون أن نوال الروح القدس يتم بالإيمان ! ففى إيمكانك تفيض من قلبك ينابيع الروح .. وبهذا لا تكون محتاجاً إلى المسحة المقدسة من الكنيسة ، لأنك تنال الروح من الله مباشرة ، أيضاً بالعلاقة الفردية ، وفى لحظة !!

الأسرار إختبارات !

إنهم لا ينظرون إلى الأسرار من حيث مفعولها السرى فى الإنسان ، إذ ينال بها نعمة غير منظورة بفعل الروح القدس وبخدمة الكهنوت ..

إنما ينظرون إلى كل سر ، على اعتبار أنه اختبار !

ولا يسمون الأسرار أسرارا ، وإنما يسمونها اختبارات !

يقولون إن هناك اختبارين هامين يجب أن يحتازهما الإنسان ، وهما التبرير والتقديس . ويضعون هذين الاختبارين فى موضع سر المعمودية وسر الميرون ، دون الإشارة اطلاقا إلى هذين السرين ، ولا إلى علاقتهما بالكنيسة وبالكهنوت !!

والحياة مع الله ـ فى نظرهم ـ هى مجرد اختبارات ...

الولادة الجديدة مثلاً ، ليست عندهم سرا من اسرار الكنيسة تتم فى المعمودية ، إنما هى اختبار ! ويسألون : هل حصلت يا أخى على اختبار الولادة الجديدة ؟ تعال كلم الناس عن اختبارك ، وكيف ولدت ؟

ويبدو بالطبع ، أن هذه الولادة الجديدة ،  لا علاقة لها مطلقاً بالمعمودية . وتضيع أسرار الكنيسة عندهم وتتحول إلى اختبارات !

ويقول لك أحدهم : تعال احك اختبارك : كيف نلت الروح ؟ كيف نلت الملء  ؟ تعال لتقول لنا اختبارك: كيف خلصت ؟ كيف أشرق عليك المسيح بنوره ؟

ويبدو من كل هذا أن قبول الروح ليس من أسرار الكنيسة ، إنما هو اختبار ! وأن الخلاص ليس هو الإيمان ونوال المعمودية على يد كاهن فى الكنيسة . إنما الخلاص فى

مفهومهم هو مجرد اختبار شخصى ، نتيجة لألقاء نفسك عند قدمى المسيح ، ربما فى حجرتك المغلقة ، ولا علاقة للكنيسة بكل هذا .. ويتم هذا الخلاص فى غرفتك فى لحظة ، أو فى لحظة سماعك إحدى العظات ! ويصرخ السامع ويقول مجداً .. ويكون قد خلص وقتها !!

كل من يحدثك ، أو يطلب منك أن تتحدث عن ( اختبار ) خلاصك .. قل له بصراحة : إن لغتك تظهرك ..

البنوة لله

يرون انها تتم فى لحظة الإيمان ،فى  لحظة قبولك فادياً ومخلصاً !!

ويعتمدون على فهم خاطئ لقول الكتاب : ( أما كل الذين قبلوه ، فاعطاهم سلطانا أن يصيروا أولاد الله ) ( يو 1 : 12 ) أما شرح هذه الآية فسنجده فى هذا الكتاب ص 128

وهذه البنوة لله ، تتم هكذا كما يقولون ، بدون المعمودجية ، بدون الكنيسة ، بمجرد علاقة الفردية بينك وبين الله !

ولذلك هم يسألونك أن قابلتهم : هل خلصت ؟ هل قبلت المسيح مخلصاً وفادياً ؟ كما لو أنك لم تكن مسيحياً على الاطلاق .

والبعض يقدم لك تعهداً ـ وربما فى الإنجيل ـ لكى توقعه ، تقول فيه إنك قد قبلت المسيح مخلصاً !!

وهم لا يكتفون بهذه البنوة التى نلتها بالإيمان ، وإنما :

عليك أن تطالب بحقوقك كابن ، وكوريث مع المسيح !

وهكذا تصير فى لحظة قبولك للمسيح ، ابناً لله ، ووراثاً مع المسيح ، وصاحب حقوق تطالب بها !

وهنا يفقد المؤمن اتضاعه . يفقد شعور الإنسحاق وعد الاستحقاق . وبعد أن كان إنساناً محكوما  عليه بالموت ، يصبح فى لحظة مطالباً بحقوق له كوريث ..

وبعد أن كان فى خورس الموعوظين ، يجد نفسه مدعواً  لأن يقف على منبر الكنيسة وكابن ، يحكى اختباره فى نوال البنوة والميراث مع المسيح ‍‍‍‍‍‍!

الخلاص

إنهم يضعون قاعدتين للخلاص : الخلاص بالدم ، والخلاص قد تم !

الخلاص قد تم على الصليب . وأنت قد نلته بدم المسيح ، فى لحظة إيمانك بالمصلوب . وهذا الخلاص الذى نلته أبدى ، لا يمكن أن تفقده مهما سقطت .

لذلك عليك أن ترتل ترتيلة ( مغسولين بالدم الكريم ) .. أو ترتيلة ( إنى واثق بالدم ، أنا واثق .. ) وما دمت قد نلت الخلاص ، عليك أن تحيا فى بهجة هذا الخلاص إلى الأبد ، هذا الخلاص المجانى ، الذى نلته بمجرد الإيمان ‍‍‍‍! هكذا يعتقدون ..

وفى الإيمان بعدم فقدان هذا الخلاص مهما سقط المؤمن ، يخلطون بين عبارة ( المؤمينن ) وعبارة ( المختارين ) وكأنهما كلمة واحدة !

ونحن يمكننا أن نقول تعليقاً على هذا ، إن كل المختارين هم مؤمنون بلا شك . ولكن ليس كل المؤمنين مختارين . فقد يرتد بعضهم بعد إيمانه ..

وسنكتب لك فى هذا الكتاب بمشيئة الرب شرحا لموضوع الاختبار ، والفكر البروتستانتى فيه ، والرد عليه..

ثم أن موضوع الخلاص فى لحظة ، يتحير فيه المنادون به فى معنى هذه اللحظة ومتى تكون ؟ المكتفون بالإيمان ! والذين يقولون إنهم أرثوذكس ، يقولن إن الخلاص فى لحظة المعمودية .

وواضح أن القول بالخلاص فى لحظة الإيمان يلغى فاعلية المعمودية فيه . والقول بالخلاص فى لحظة المعمودية المعمودية .

وواضح أن القول بالخلاص فى لحظة الإيمان يلغى فاعلية المعمودية فيه . القول بالخلاص فى لحظة المعمودية ، يلغى أن الخلاص يتم بالإيمان وحده ..

ويبقى السؤال فى حيرة . أية اللحظتين هى الأصح ! يزيد الحيرة إن الإيمان عملياً لا يتم فى لحظة ! والمعمودية عملياً لا ينالها الإنسان فى لحظة !!

خلط !

والذين ينادون بالخلاص فى لحظة ، يخلطون بين الخلاص والتوبة والتغير .. فقد يتوب إنسان عن خطية بشعة تتعبه ، فيعتبرونه قد خلص ! وهكذا يخلطون بين الخلاص الذى يسمونه ( التبرير ) وبين التوبة التى يدخلونها تحت عنوان ( التقديس )

ويستخدمون هذه العبارات : التبرير ـ التقديس ـ التجديد ـ التمجيد ـ الخلاص .. تماماً بنفس معناها الموجود فى الكتب البروتستانتية .

محاولة للتبرير

والعجيب أن الذين ينادون بالخلاص فى لحظة ، على الرغم من كل هدمهم لعقائد الكنيسة ، يحاولون أن يقدموا تبريراً لذلك :

فيقولون إنهم بهذا ، يسهلون للناس طريق الخلاص . فيقولون للناس إن الخلاص ليس صعباً ، هو يتم فى لحظة !

ولكن السيد المسيح لم يفعل هكذا . وإنما قال لنا فى صراحة : ( ما أضيق الباب وأكرب الطريق الذى يؤدى إلى الحياة . وقليلون هم الذين يجدونه ) ( مت 7 : 14  ) وكذلك آباؤنا الرسل ، كلمونا بنفس الأسلوب ، وشرحوا لنا الحروب الروحية ( أف 6 ) وقالوا لنا إن عدونا إبليس يجول مثل أسد زائر يلتمس من يبتلعه ( 1بط 5 : 8 ) وقالوا أيضاً : ( سيروا زمان غربتكم بخوف ) ( 1بط : 17 ) . وقالوا أيضاً : ( إن كان البار بالجهد يخلص ، فالفاجر والخاطئ أين يظهران ؟! ) ( 1بط 4 : 18 ) .

وهوذا بولس الرسول يقول : ( بضيقات كثيرة ينبغى أن ندخل ملكوت الله ) ( أع 14 : 22 ) ويوبخ أيضاً قائلاً : لم تقاوموا بعد حتى الدم ، مجاهدين ضد الخطية ) ( عب 12 : 4 )

إن التسهيل قد يقود البعض أحيانا إلى الاستهتار ، وإلى عدم الجهاد ، مادموا يعتقدون أنهم قد خلصوا وانتهى الأمر ! وانه ما عليهم أن يعملوا شيئاً ، فالنعمة تعمل كل شئ !!

وبعد

سنحاول أن نرد على كل النقاط التى يثيرها المتحدثون عن [ الخلاص فى لحظة ] سواء فى نبذاتهم أو كتبهم . مع الرد على مصادرهم الرئيسية التى أخذوها منها ، أعنى الكتب البروتستانتية ، وبخاصة الكتب البلموسية ، فهى معلمهم الأول .. !

الفصل الثانى

المعمودية والتوبة وضرورتهما للخلاص

الذين يقولون إن الخلاص بالإيمان وحده ، لا يعطون قيمة ولا أهمية ولا فاعلية للمعمودية . وإن تكلموا عليها يكون كلامهم ضعيفاً وبغير روح ، ويكون متناقضاً مع كلامهم عن الخلاص فى لحظة الإيمان .

ولا يعتقدون أن الإنسان ينال فى المعمودية الخلاص ، ولا التجديد ، ولا البنوة لله ، ولا مغفرة الخايا .. فكل هذا ينسبونه إلى الإيمان ..

لزوم المعمودية للخلاص

ولكن الكتاب يعلمنا أن المعمودية لازمة للخلاص للأسباب الآتية :

1ـ قول السيد المسيح : ( من آمن واعتمد خلص ) ( مر 16 : 16 ) ولم يقل من آمن فقط ، وإنما جعل المعمودية من شروط الخلاص . وذلك لأنها موت مع المسيح وقيامة معه ( رو 6 : 2 ـ 4 ) 2 ـ وتكلم القديس بطرس الرسول عن الخلاص فى المعمودية ، فقال : ( إذ كان الفلك يبنى ، الذى فيه خلص قليلون ، أى ثمانى أنفس بالماء ، الذى مثاله يخلصنا نحن الآن ، أى المعمودية ) ( 1بط 3 : 2. ، 21 ) .

والقديس بولس يقول إننا بها خلصنا ، بغسل الميلاد الثانى ( تى 3 : 5 )

3 ـ فى يوم الخمسين ، لما آمن اليهود إذ نخسوا فى قلوبهم ، وقالوا للرسل : ( ماذا نفعل أيها الرجال الإخوة ) ( أع 2 : 37 ) لم يقل لهم القديس بطرس الرسول : ما دمتم قد آمنتم ، افرحوا إذن وتهللوا لقد خلصتم بالإيمان وغفرت لكم خطاياكم ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍!

كلا ، بل قال لهم : ( توبوا وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح لغفرة الخطايا ، فتقبلوا الروح القدس ) ( أع 2 : 38 )

إذن كانت خطاياهم باقية ، على الرغم من إيمانهم . وكانوا محتاجين أن يعتمدوا لمغفرة الخطايا .. وهنا نسأل : لماذا كانت الحاجة أن يقوم الرسل فى ذلك اليوم بتعميد ثلاثة آلاف نفس ( أع 2 : 41 ) وهى ليست عملية هينة . أمام كان يكفى إيمانهم ؟‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍!

4 ـ والذى حدث فى يوم الخمسين ، حدث لشاول الطرسوسى لما آمن . لقد سأل الرب : ( ماذا تريد يارب أن أفعل ؟ ) ( أع 9 : 6 )

فلم يقل له الرب : ما دمت قد آمنت فقد خلصت ! بل أرسله ‘لى حنانيا الدمشقى ، الذى قال له : أيها الأخ شاول .. لماذا تتوانى ؟ قم اعتمد واغسل خطاياك ) ( أع 22 : 16 ) وهنا نرى عجباً .. إنساناً تقابل مع المسيح شخصياً ، وتكلم معه فما لأذن ، وسمع دعوته ، وانتخبه الرب إناء مختاراً ، وشاهداً لجميع الناس .. ومع ذلك لم يكن قد اغتسل من خطاياه بعد .. ! واحتاج إلى المعمودية لغسل خطاياه .

أين إذن الخلاص فى لحظة ؟! إنه لم يحدث مع بولس الرسول نفسه الذى تحدث عن أهمية الإيمان فى التبرير ( رو 5 : 1 )

5 ـ نلاحظ هنا أن لزوم المعمودية للمغفرة ، هو جزء من قانون الإيمان

الذى نقول فيه : ( نؤمن بمعمودية واحدة لمغفرة الخطايا ) وهذا هو الأمر الذى قررته الكنيسة الجامعة الرسولية ، فى القرن الرابع الميلادى ، فى المجمع المسكونى العظيم . فهل أخطأ كل آباء الكنيسة فى العالم كله ، فى فهم المعمودية ؟

نقول هذا للذين يعتقدون بقدسية المجامع وقراراتها . أما الإخوة الباقون فتكفيهم آيات الكتاب السابقة . ونقول لهم أيضاً :

6 ـ ما حدث لبولس ، حدث أيضاً لكرنيليوس ...

إنه رجل أممى شهد له الكتاب إنه ( تقى وخائف الله ) وقد استحق أن يظهر له ملاك ويقول له : ( صلواتك وصدقاتك صعدت تذكارا أمام الله ) هذا طلب إليه الملاك أن يستدعى سمعان بطرس ، الذى كلمه والذين معه بكلمة الله ، فآمنوا ، وحل الروح القدس وتكلموا بألسنة ( ( أع 1. : 44 )

فلم يقل لهم بطرس : افرحوا وابتهجوا ، لقد خلصتم بايمانكم ، بل وأكثر من هذا حل عليكم الروح ومنحكم موهبة !! كلا ، بل قال : ( أترى يستطيع أحد أن يمنع الماء حتى لا يعتمد هؤلاء الذين قبلوا الروح القدس كما نحن أيضاً ) وأمر أن يعتمدوا باسم الرب ) ( أع 1. : 47 ، 48 ) .

وهكذا لم يخلص كرنيليوس فى لحظة . ولم يخلص بعيداً عن الكنيسة وأسرارها ، ولا بعيداً عن المعمودية وعن الكهنوت . إنما دخل من الباب الطبيعى الذى رسمه الرب ..

7 ـ وبطرس الرسول أمر بعماد كرنيليوس والذين معه ، لأن السيد المسيح أمر رسله بهذه المعمودية ، حينما أرسلهم قائلا : ( اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم ، وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس ) ( مت 28 : 19 ) والسيد المسيح لا يأمر بشئ ليست له أهمية أو ليست له فاعليته ، حاشا .. فالمعمودية لازمة للخلاص حسب قول الرب .

8 ـ بل قال السيد إن الذى لا يعتمد لا يدخل الملكوت ، إذ قال فى حديثه مع نيقوديموس : ( الحق الحق أقول لك : إن كان أحد لا يولد من الماء والروح ، لا يقدر أن يدخل ملكوت الله ) ( يو 3 : 5 )

9 ـ والمعمودية لازمة لأن بها المغفرة ( أع 2 : 38 ) ، والغسل من الخطايا ( أع 22 : 26 ) وصلب الإنسان العتيق ، والدخول فى جدة الحياة ( رو 6 : 6 ، 4 ) وايضا بها نلبس المسيح ( غل 3 : 27 ) ونصير أولاد الله ، إّ نولد من الماء والروح ( يو 3 : 5 ) وهى موت مع المسيح وقيامة معه ( كو 2 : 12 ، رو 6 : 2 ـ 4 )

فإن كانت للمعمودية كل هذه المفاعيل ، فكيف يمكن للإنسان أن يخلص فى لحظة إيمانه بدون عماد ؟!

وإن كان لابد له أن يعتمد ، فلا يمكن  أن نقول إنه خلص فى لحظة . لأن الإيمان والمعمودية لا يتمان فى لحظة ،

وهما لازمان للخلاص حسب قول الرب : ( من آمن واعتمد خلص ) ( مر 16 : 16  )

وإن كان لابد للمعتمد من التوبة قبل المعمودية ( أع 2 : 38 ) فمن المحال أن تتم التوبة والإيمان فى لحظة .

أما إن كان الخلاص بمجرد قبول المسيح ، والميلاد الثانى بمجرد القبول ، فلماذا ذكر الكتاب كل هذه المفاعيل الروحية للمعمودية ؟!

1. ـ وهكذا نرى أن كل الذين آمنوا ، تعمدوا فوراً ..

وهذا كان واضحاً مع الذين آمنوا فى يوم الخمسين ( أع 2 ) ، ومع كرنيلوس  ) ( أع  1. : 48 ) وكذلك ليديا بائعة الأرجوان ( أع 16 : 15 ) ، وسجان فيليبى ( أع 16 : 53 ) وكريسبس رئيس المجمع ( أع 18 : 18 ) ، والخصى الحبشى ( أع 8 : 38 )

فإن كان الإيمان وحده يخلص الإنسان ، فهل كانت معمودية كل هؤلاء مجرد شئزائد !! أما إن كانت ضرورية حسب أمر السيد المسيح ورسله ، فلا يكون الخلاص بالإيمان وحده ، ولا يكون فى لحظة

11 ـ هنا ونقول : ما أعجب رمز الخلاص فى المعمودية ، بالخلاص فى عبور البحر الأحمر من عبودية فرعون حيث قال موسى النبى : قفوا وانظروا خلاص الرب ) ( خر 14 : 13 ) ويطبق بولس  الرسول هذا الأمر بقوله : ( فإنى لست أريد أيها الإخوة أن تجهلوا أن آباءنا جميعهم كانوا تحت السحابة ، وجمعيهم اجتازوا فى البحر . وجميعهم اعتمدوا لموسى فى السحابة وفى البحر ) ( 1كو 1. : 1 ، 2 )

12 ـ وكما كان يرمز إلى المعمودية الخلاص فى عبور البحر الأحمر ، كان يرمز إليها أيضاً الختان ، الذى كان شرطاً للدخول فى عضوية شعب االله فى العهد القديم ( تك 17 )

يقول القديس بولس الرسول لأهل كولسى عن السيد المسيح ( وبه أيضاً ختتم ختاناً غير مصنوع بيد ، بخلع جسم خطايا البشرية ، بختان المسيح ، مدفونين معه فى المعمودية التى فيها أقمتم أيضاً ) ( كو 2 : 11 ، 12 )

هل الخلاص بالكلمة ؟

الذين يحابون معمودية الماء ، يحاولون أن يهربوا من كلمة ( الماء ) بكافة الطرق ، فينكرون معمودية الماء . وذلك أن يتحدثوا عن معمودية أخرى يسميها بعضهم معمودية الروح ، ويسميها البعض معمودية النار  . بينما لم يتحدث الكتاب إلا عن معمودية واحدة ، كما قال القديس بولس الرسول فى الرسالة إلى أفسس : ( رب واحد ، وإيمان واحد ، معمودية واحدة ) ( أف 4 : 5 )

فما هى هذه المعمودية الواحدة التى يقصدها الكتاب ؟

إننا نقول : معمودية الماء والروح وبها يولد الإنسان ميلاداً جديدا ، حسب قول الرب : ( إن كان أحد لا يولد من الماء والروح ، لا يقدر أن يدخل ملكوت الله ) ( يو 3 : 5 ) ولكنهم يقدمون اعتراضا على مفهوم الماء ، وهو :

إعتراض

يقولون إن الماء هو الكلمة . وميلاد الإنسان من الماء ، يعنى أنه يولد من الكلمة ! ويستدلون بالآتى :

1ـ يقولون فى علاقة المسيح بالكنيسة التى قال عنها الرسول : ( مطهراً إياها بغسل الماء بالكلمة ) ( أف 5 : 26 ) .. إن عبارة الماء هنا تعنى الكلمة !

2ـ يعتمدون أيضاً على قول بطرس الرسول : ( مولودين ثانية ، لا من زرع يفنى ، بل مما يفنى ، بكلمة الله ) ( 1بط 1 : 23 ) ‍ ‍‍‍‍!

3ـ وأيضاً قول يعقوب الرسول : ( شاء فولدنا بكلمة الحق ) ( يع 1 : 28 ) وهنا يرون أن الميلاد بالكلمة !

الرد على الاعتراض

عبارة ( مطهراً إياها بغسل الماء بالكلمة ) ( أف 5 : 26 ) ، لا تعنى اطلاقاً ـ لغوياً أو لاهوتيا ـ أن غسل الماء هو الكلمة .. ! لأن الرسول لم يقل : ( بغسل الماء الذى هو الكلمة ) ! بل بغسل الماء بالكلمة .

1ـ ومعنى هذا أن غسل الماء جاء نتيجة للكلمة .

فبطرس تكلم فى يوم الخمسين ، فلم يغتسل اليهود من خطاياهم ، ولم يتطهروا من خطاياهم بالكلمة ، وإلا ما كان يقول لهم : ( توبوا وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح لمغفرة الخطايا ) أع 2 : 38 ) إذن على الرغم من الكلمة ومن تأثيرها ، إذ كانوا قد نخسوا فى قلوبهم وآمنوا ، وطلبوا الارشاد ( أع 2 : 37 ) إلا أنهم ما كانوا قد تطهروا بعد من خطاياهم . وانتظروا معمودية الماء لمغفرة الخطايا . وفى ظل ما حدث يوم الخمسين ، نسأل عن معنى ( مطهراً إياها بغسل الماء بالكلمة ) فنصل إلى الآتى :

2 ـ الكلمة ـ أى الكرازة ـ توصل إلى الإيمان . والإيمان يوصل إلى المعمودية . والمعمودية توصل إلى مغفرة الخطايا ، أى إلى التطهير من الخطايا .

نفس الوضع حدث مع شاول الطرسوسى . هنا الكلمة جاءته من رب المجد نفسه ، وليس من رسول ولا من أى إنسان . ومع ذلك لم ينل التطهير بمجرد الكلمة . فالرب أرسله إلى حنانيا قال له : أيها الأخ شاول .. لماذا تتوانى ؟ قم اعتمد واغسل خطاياك )  ( أع 22 : 16 ) فإن كان قد اغتسل من خطاياه بالكلمة أوصلته إلى الإيمان ، ثم إلى المعمودية ، حيث اغتسل من خطاياه .

وهنا نفهم معنى عبارة : ( ولدنا بكلمة الحق )

3ـ ( ولدنا بكلمة الحق ) لا تعنى ولادة مباشرة من الكلمة ، إنما تعنى ولادة غير مباشرة بتوسط الإيمان والمعمودية .

وكما أن كلمة الإيمان لم ترد هنا ، فى هذه الآيات ، كذلك كلمة المعمودية لم ترد . على اعتبار أن الكلمتين تفهمان ضمناً ، ولا حاجة إلى إيرادهما فى كل مرة ..

ولا أظن أن أحداً من اخوتنا البروتستانت يفهم أن عبارة ( مولدين ثانية .. بكلمة الله ) أو بكلمة الحق ) تعنى مجرد الكلمة بدون إيمان !!

4 ـ فإن كان يفهم عبارة ( الإيمان ) ضمنا ، فليفهم أيضاً عبارة ( المعمودية ) ضمنا ، باعتبار أن ( حذف المعلوم جائز )

وإلا فكيف يفهم قول الرب : ( من آمن واعتمد خلص ) ( مر 16 : 16 ) ؟!

هنا ونذكر أن الرب قال بعدها : ( ومن لم يؤمن يدن ) ولم يذكر المعمودية ، لأنه لا معمودية لمن لا يؤمن . الذى لا يؤمن ، سوف لا يطلب المعمودية . والذى لا يؤمن ، لا تسمح له الكنيسة بالمعمودية .. فلا داعى لأن يقول الرب : من لم يؤمن ولم يعتمد ، يدان .

5ـ الكلمة إذن أولاً . والإيمان والمعمودية بعدها ، كنتيجتين . وإذا اعتمد الإنسان ينال البنوة ، باعتباره مولودا من الماء والروح ، حسب قول الرب ( يو 3 : 5 ) .

وبهذا يعتبر نفسه مولوداً بالكلمة ، لأنه لولاها ـ كنقطة البدء الأساسية ـ ما كان يصل إلى شئ من كل هذا ، وما كان يخلص .. ! وهنا نحاول أن نفهم قول الرسول :

6 ـ ( لأن كل من يدعو باسم الرب يخلص ) ( رو 1. : 13 )

هل هنا الخلاص بمجرد أنه يدعو باسم الرب ، وننسى كل الخطوات السابقة ؟

كلا . فهذا هو اسلوب لا يتفق مع روح الكتاب إطلاقا !

ونلاحظ فى هذه الآية ( رو 1. : 13 ) إنه لا حديث عن الكلمة ، ولا عن الكلمة ، ولا عن الإيمان إذن نقرأ كل قاله الرسول لنفهم الآية فى الجو الذى قيلت فيه . إنه يقول  : ( لأن كل ما يدعو باسم الرب يخلص . فكيف يدعون بمن لم يؤمنوا به ؟ وكيف يؤمنوت بمن لم يسمعون به ؟ وكيف بلا كارز ؟ وكيف يكرزون إن لم يرسلوا ؟ ) ( رو 1. : 13 ـ 15 )

  7 ـ وهكذا يحدثنا الرسول عن خطوات ضمنية ، لم تذكر فى نص أو حرفية الآية ، ولكنها تفهم ضمنا . والمقصود بهذه الآية أن الخلاص للجميع ، لكل من يدعو . الدعاء باسم الرب يسبقه الإيمان . والإيمان يسبقه سماع الكلمة . وسماع الكلمة يعنى وجود كارزين . والحديث عن الكارزين يعنى وجود كنيسة ترسلهم ، لتكون كرازتهم شرعية .

وبالمثل نتحدث عن كل الخطوات الضمنية . فهنا لم يرد ذكر للتوبة ، ولكنها لابد أن تفهم ضمناً ، لأنه بدونها لا يخلص الإنسان بل يهلك ( لو 13 : 3 ) وبالمثل لم يذكر المعمودية ، ولكنها لابد أن تفهم ضمنا أيضاً حسب قول الرب فى ( مر 16 : 16 ) وهنا نقول :

8 ـ لو كان غسل الميلاد الثانى بمجرد الكلمة ، لماذا قال المسيح لتلاميذه : ( اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم ) ( مت 28 : 19 ) .

ما دامت الكلمة كافية ، إذن تكفى التلمذة ، وهى خدمة واسعة للكلمة ، أكثر من مجرد الكلمة الكلمة للإيمان . ما الداعى للمعمودية إذن ، إن كانوا قد نالوا الميلاد الثانى ، والغسيل والتطهير من خطاياهم ، بمجرد الكلمة ، بدون عماد !!

9 ـ ولماذا أصر الخصى الحبشى على العماد بعد الكلمة ؟

لقد كلمه عن المسيح ، وبشره وأقنعه ، فآمن من كل قلبه أن يسوع هو ابن الله ( أع 8 : 36 ، 37 ) ومع ذلك كانت المعمودية ضروية له جداً .. فلماذا ، إن كان قد تطهر واغتسل ونال البنوة بالكلمة ، حسبما يقولون ؟!

1. ـ مشكلة المحاربين لمعمودية الماء والروح ، إنهم يظنون أنها مجرد معمودية ماء .. كما لو كان ماء بدون روح ! فيستهينون لذلك بالماء !

ولكن الرب يقول : ( يولد من الماء والروح ) ( يو 3 : 5 ) هنا عمل الروح فى الماء ، حيث يقدس الروح القدس هذا الماء ، حتى ان كل من يغطس فيه ويقوم يكون قد ولد من الماء والروح . هذا الذى قال عنه الرسول : ( خلصنا بغسل الميلاد الثانى ، وتجديد الروح القدس ) ( تى 3 : 5 ) ولم ترد هنا عبارة ( الكلمة) . وهذا الماء ليس هو الكلمة ، بل هو ماء حقيقى .

انه ماء حقيقى

1ـ لا شك أن الماء الذى اعتمد به الخصى الحبشى هو ماء حقيقى ،

إذ يقول الكتاب : ( فأنمر أن تقف المركبة ، فنزل كلاهما إلى الماء ك فيلبس والخصى ، فعمده . ولما صعدا من الماء ، خطف روح الرب فيلبس ) ( أع 8 : 38 ، 39 ) وقيل بعدها إن الخصى :

ذهب فى ريقه فرحاً )  ولم يذكر هذا الفرح قبل العماد . لأنه مع قبوله الكلمة وإيمانه ، كان ينقصه شئ هو العماد ..

والماء الذى ذكر فى قصة الحبشى لم يكن هو الكلمة طبعاً ، فالكلمة كانت قد أدت عملها قبل ذلك . حيث قيل إن فيلبس ( فتح فاه  .. وبشره بيسوع ) ( أع 8 : 35 )

2 ـ والماء فى قصة كرنيلوس هو أيضا ماء حقيقى .

ولم يكن هو الكلمة . فالكلمة قد سبقته فى تبشير القديس بطرس له وللذين معه ، حتى آمن ، وحل عليه وعليهم الروح القدس ، وتكلموا بألسنة ( أع 1. : 44 ) وحينئذ قال القديس بطرس  : ( أترى يستطيع أحد أن يمنع الماء ، حتى لا يعتمد هؤلاء الذين قبلوا الروح القدس كما نحن ؟! ( أع 1. : 47 ) ( وأمر أن يعتمدوا باسم الرب )

وهنا نسأل عن أهمية المعمودية لهؤلاء الذين آمنوا ، وحل عليه الروح القدس ، وتكلموا بألسنة .

3 ـ والسيد المسيح أيضا حينما قال : ( يولد من الماء والروح ) ( يو 3 : 5 )  كان يقصد ماء حقيقياً ، وليس مجرد الكلمة .

وكان يقصد بهذا الماء الولادة الجديدة ، من فوق ، ومن الروح ( يو 3 : 3 ، 6 )

4 ـ أحب بهذه المناسبة أن احيل القارئ العزيز إلى فصل طويل عن الماء ورموزه وبركته فى كتابنا عن عن ( خميس العهد ) الذى يشرح من أول عبارة ( روح الله يرف على وجه المياه ) ( تك 1 : 2 )

حول معمودية الأطفال

مادامت المعمودية لازمة للخلاص ، كما شرحنا فى بداية هذا الفصل ... وما دامت فاعلية المعمودية من الخطورة بحيث لا يستغنى عنها الإنسان .. لذلك كان من المهم أن لا نمنع الخلاص عن الأطفال ، ولا نمنع عنهم بركات المعمودية وفاعليتها ..

إعتراض

يقولون إن الإيمان شرط للمعمودية ، والأطفال لم يصلوا إلى وعى الإيمان لذلك لا يمكن تعميدهم . 

وأصحاب هذا الرأى لا يوافقون كلية على معمودية الأطفال .

وهناك رأى يقول بمعموديتهم ، على أن يعلنوا إيمانهم حينما يكبرون ، وحينما تتفجر فيهم فاعلية المعمودية ...

الرد على الاعتراض

1ـ لابد أن نعمد الأطفال من أجل خلاصهم . لأننا لو تركناهم بدون معمودية وبدون إيمان ، فمعنى ذلك هلاكهم .... ومن الذى يقبل على نفسه هلاك كل أطفال العالم ...

2ـ السيد المسيح أبدى اهتماما خاصا بالأطفال . وقال : ( إن لم ترجعوا وتصيروا مثل الأولاد فلن تدخلوا ملكوت الله ) ( مت 18 : 3 ) وقد احتضن الأطفال وباركهم  . وقال : ( دعوا الأولاد يأتون إلى ولا تمنعوهم ، لأن لمثل هؤلاء ملكوت الله . الحق أقول لكم : من لا يقبل ملكوت الله مثل ولد ، فلن يدخله ) ( مر 1. : 14 _ 16 )

إذن فهم يقبلون الملكوت بطريقة يعوزنا محاكاتها . فكيف ؟

3 ـ الطفل ليست لديه أية شكوك ضد الإيمان ، ولا أية مقاومة له . والله لا يطالبه بوعى يناسب الكبار .

4 ـ وهو يحتاج أن يتربى فى الإيمان ، داخل الكنيسة ، وينمو فى هذا الإيمان فنحن نعمده لنعطيه أيضاً هذه الفرصة ، ولا نحرمه من كل وسائط النعمة التى تساعده فى الطريق الروحى ، وإلا نكون كمن يجنى عليه . كما لا نضع كل أمور الإيمان داخل مقياس العقلانية .

5 ـ والطفل ليس محتاجاً أن يعلن إيمانه يبلغ الرشد ، أو يبلغ الثانية عشرة كما يقول البعض ، فهو يعلن إيمانه باستمرار فى كل مراحل طفولته الناطقة  ، حسب قدرة سنه .

ويتساوى مع الطفل كل ( البسطاء ) من الناس ، الذين لم يدخلوا فى نطاق العقلانية التى تدرك بالذهن أشياء كثيرة . ولكن ربما لهم الروح الذى يفحص كل شئ حتى أعماق الله ( 1كو 2 : 1. )

6 ـ أما من جهة قواعد الإيمان المعروفة ، فنحن نعمده على إيمان والديه .

والاعتماد على إيمان الوالدين فى أمور عديدة ، أمر مألوف فى الكتاب المقدس . ومن أمثلته : الختان ، وخلاص الأبكار بدم الخروف ، وخلاص الأطفال بعبور البحر .. إلخ .

ويمكن القراءة عن هذه الموضوع بتفصيل كبير فى كتابنا عن المعمودية .

7 ـ أما قولهم عن تفجير مفاعيل المعمودية فى سن معينة :

فإننا نقول : ( ما هى هذه المفاعيل ) ؟ وما الذى تحتاجه أو يحتاجه بعضها إلى أن يتفجر فى سن معينة

كون المعمودية موتاً مع المسيح وقيامة معه ، أمر لا يحتاج إلى سن ، فهو فى صميم عمل المعمودية موتا مع المسيح وقيامة معه ، أملا لا يحتاج إلى سن ، فهو فى صميم عمل المعمودية كصبغة . وفاعلية المعمودية من حيث الميلاد الثانى ، وغسل المعمد من الخطية الأصلية والخطايا السابقة للمعمودية ... كل هذا لا يحتاج إلى سن معينة يتفجر فيها . فهو يصير أبنا لله ، وتفر له خطاياه ، وينال التبرير والتجديد فى نفس  وقت عماده . وكذلك يموت الإنسان العتيق ، ويولد إنسان جديد ، ولكنه حر .. ويلبس المسيح ( غل 3 : 27 )

إن وجد شئ آخر ( تتفجر فيه مفاعيل المعمودية ) فلعله أمر يتساوى فيه الكبير والصغير ....

8 ـ أما الرأى الذى يقول بخلاص الأطفال بدون معمودية ، فهو رأى ضد تعليم الكتاب المقدس فى الفداء والكفارة وأهمية دم المسيح للخلاص .. ولا يجد تأييدأ من أحد ..

9 ـ الكنيسة كانت تعمد الأطفال منذ البداية ، من عصر الرسل ،

كما يتضح من عماد عائلات بأكملها ، كبارا وصغارا ، كما قيل فى عماد سجان فيلبى : ( والذين له أجمعين ) ( أع 16 : 33 ) وعماد ليديا بائعة الارجوان ( هى وأهل بيتها ) ( أع 16 : 15 ) ومن غير المعقول أن كل هؤلاء وأمثالهم لم يكن بينهم أطفال .

1. ـ لا توجد آية واحدة فى الكتاب المقدس تأمر معمودية الأطفال . 

التوبة وأهميتها للخلاص

1 ـ لا يمكن أن يوجد لاهوتى واحد فى العالم ، يقول إنه يمكن لأن يخلص إنسان بدون توبة .

فعدم التوبة معناه الارتباط بالخطية ، وبالتالى الانفصال عن الله ، لأنه ( أية شركة بين النور والظلمة ؟! )( 2كو 6 : 14 )

والخلاص بمعناه السليم ، هو الخلاص من الخططية وعقوبتها . والسيد المخلص سمى كذلك ( لأنه يخلص شعبه من خطاياهم ) ( مت 1 : 21 ) فمادامت هناك خططية ، لا يوجد إذن خلاص . لأن الإنسان لا يخلص وهو فى حياة الخطية .

2ـ ولزوم التوبة للخلاص يظهر فى قول السيد المسيح :

( إن لم تتوبوا ، فجميعكم كذلك تهلكون ) ( لو 13 : 3 ، 5 )

والتوبة مرتبطة بغفران الخطايا ( أع 5 : 31 )

وقد كان عمل المسيح على الصليب هو مغفرة الخطايا ، لأن هذا هو الخلاص الذى قدمه للعالم (فيه الفداء ، بدمه غفران الخطايا ) ( كو 1 : 14 ) ( الذى فيه لنا الفداء ، بدمه غفران الخطايا ) ( أف 1 : 7 )

ولا يمكن أن تغفر خطية ، مازال الإنسان يرتكبها .

فإن تاب تغفر له ... وملكوت السموات لا يدخله غير التائبين . سيطرحون فى البحيرة المتقدة بالنار والكبريت ( رؤ 21 : 8 )

ويقول القديس بولس الرسول : ( إن أخطأنا بأختبارنا ، بعدما أخذنا معرفة الحق ، لا تبقى بعد ذبيحة عن الخطايا ، بل قبول دينونة مخيف ، وغيرة نار عتيدة أن تأكل المضادين ) ( عب 1. : 26 ، 27 )

3ـ وآباؤنا الرسل ربطوا مغفرة الخطايا بالتوبة ، كما بالمعمودية .

وهكذا من أجل مغفرة الخطايا ، قال القديس بطرس للهيود فى يوم الخمسين : ( توبوا ، وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح ، لمغفرة الخطايا ) ( أع 2 : 38 )

4 ـ يقول الكتاب ، فى ارتباط التوبة بمغفرة الخطايا :

( توبوا وارجعوا لتمحى خطاياكم ) ( أع 3 : 19 )

فهل إذا كان إنسان لا يتوب ، أيستطيع أن يخلص وتمحى خطاياه ؟! كلا بلا شك فقول الكتاب واضح . ولكن لعلك تقول : ( إن خطاياى تمحى بدم المسيح ) نقول لك : لا أحد يختلف فى هذا . ولكنك لا تستحق دم المسيح إن كنت تستمر فى الخطية ولا تتوب . ودم المسيح لا يشجع على البقاء فى الخطية . إذن توبوا وارجعوا لتمحى خطاياكم بدم المسيح .

5ـ والكتاب لا يطلب منا التوبة فقط ، وإنما يقول :

( اصنعوا ثماراً تليق بالتوبة ) ( مت 3 : 8 )

وأيضاً : ( أعمالاً تليق بالتوبة ) ( أع 26 : 2. ) بل أن الرسول يوبخنا إن قصرنا فى التوبة فيقول : لم تقاوموا بعد حتى الدم ، مجاهدين ضد الخطية ) ( عب 12 : 4 )

ومن أجل التوبة ( مصارعتنا ليست مع لحم ودم .. بل مع أجناد الشر الروحية ) ( أف ) وفى هذا يقول لنا الرسول : ( قاوموا إبليس فيهرب منكم ) ( يع 4 : 7 )

6ـ وفى ارتباط التوبة بالخلاص قال الرسول لاهل كورنثوس ، لما أحزنهم بتوبيخه : ( الحزن الذى بمشيئة الله ينشئ توبة لخلاص بلا ندامة ) ( 2كو 7 : 1. )

7 ـ ولما كان الإنسان فى كل يوم يخطئ ، وأجرة الخطية هى موت ( رو 6 : 23 ) ويحتاج إلى الخلاص من هذا الموت .

لذلك هو محتاج إلى التوبة ، ليخلص من هذا الموت .

لأن السيد المسيح يقول : ( إن لم تتوبوا ، فجميعكم كذلك تهلكون ) ( لو 13 : 3 )

8 ـ ولعل البعض يقول : ,, إن التوبة ليست ثمنا للخلاص ، فالخلاص ثمنه هو دم المسيح ... ،، أقول لك :

حقا ان الخلاص ثمنه دم المسيح . ولكن دم المسيح لا يمحو إلا الخطايا الذين تابوا ... التوبة إذن ليست هى الثمن ، إنما هى وسيلة . وبدونها لا نستحق الدم الكريم .

9 ـ ولما كان الإنسان يخطئ كل يوم ، ويحتاج إلى التوبة كل يوم ، إذن فالتوبة تصحبه كل حياته ليخلص من خطاياه . وبالتالى لا يكون الخلاص فى لحظة .

إنها حرب روحية تستمر مدى الحياة . ( الصديق يسقط سبع مرات ويقوم ) ( أم 24 : 16 ) والقديس بولس الرسول يقول : ( أقمع جسدى واستعبده ، حتى بعدما كرزت للآخرين ، لا أصير أنا نفسى مرفوضاً ) ( 1كو 9 : 27 )

فإن كان الرسول العظيم يتكلم هكذا ، فهل أنت أعظم من بولس الرسول ... حتى تقول إنك خلصت وضمنت الملكوت .. ولا تقول هذا بجهاد العمر كله ، وإنما تقول خلصت فى لحظة !!

1. ـ التوبة لازمة إذن للخلاص . ولكن التوبة فى مفهومنا الأرثوذكسى تختلف عن التوبة فى المفهوم البروتستانتى .

التوبة فى المفهوم الأرثوذكسى

الكل ينادى بالتوبة . لا يجادل فى أهميتها أحد .

ولكن التوبة عند الأرثوذكسى شئ . وعند البروتستانتية شئ آخر ، من جهة ما هيتها ومفعولها وإتمامها ، ولزومها للخلاص ، وما يتعلق بها من أمور أخرى ... وسنتناول الآن هذه الخلافات واحدا فواحداً

التوبة سر كنسى

التوبة فى المفهوم الأررثوذكسى هى سر من أسرار الكنيسة السبعة ، اسمه ( سر التوبة ) أما الطوائف البروتستانتية ـ وهى لا تؤمن بأسرار الكنيسة ـ فلا تنظر إلى التوبة كسر مقدس ، إنما كمجرد مشاعر داخل قلب الإنسان من ندم على الخطية ، وعزم على تركها .

إذن هناك فارق بين ( التوبة ) و ( سر التوبة )

ولهذا الفرق دلالاته ، ونتائجه اللاهوتية ،  التى سنذكرها الآن :

التوبة والإعتراف

التوبة فى المفهوم الأرثوذكسى تحمل ضمن أساسياتها الاعتراف على الأب الكاهن بالخطايا ، حسب قول الكتاب : ( من يكتم خطاياه لا ينجح . ومن يقر بها ويتركها يرحم ) ( أم 28 : 13 ) وقد ماارس الناس الإقرار بالخطية ( الاعتراف بها ) فى العهد القديم ( لا 5 : 5 ) واستمر ذلك حتى فترة ما بين العهدين ، فكانوا يأتون إلى يوحنا المعمدان ( واعتمدوا منه فى الأردن معترفين بخطاياهم ) ( مت 3 : 6 ) ومارسوا الاعتراف فى العهد الجديد أيضاً ( أع 19 : 18 )

أما الطوائف البروتستانتية ، فلا تدخل الاعتراف فى نطاق التوبة ، بل تهاجمه وهى فى ذلك على نوعين :

أ ـ نوع يهاجم الاعتراف علنا ، ويهاجم معه الكهنوت أيضاً :

وهذا النوع هو الأضعف . لأنه مكشوف ، يحترس منه الثابتون فى العقيدة . كما أن آراءه ظاهرة يمكن الرد عليها .

ب ـ والنوع الثانى لا يهاجم الاعتراف ، ولا الكهنوت ، ولا التناول . ولكنه ينسبها للناس ، بعدم الحديث عنها ، وبتقديم بدائل لها .

كما ورد فى مجلة ( الينبوع ) : [ هل تحب أن تتبرر الآن ؟ ماذا يمنع ؟ لا شئ إنها فرصة العمر أن تأتى كما أنت ، وتقبل الرب يسوع ، فتتبرر فى لحظات ] !! ( 1 ـ ص 13 )

وورد فيها أيضاً : [ تتطلع إلى حمل الله ، وتضع عليه آثامك وخطاياك . وتنطلق أنت حراً . إلق كل احمالك ، واستمتع بغفرانه ] !! (  1 : ص 17 )

وورد فيها كذلك : [ هذا هو ثمن التبرير  : لقد مات البار ، وسدد دين الخطية كله إلى الابد . إن قبلته اليوم ، تحصل على البراءة ، وتخرج من محضره حراً من كل دين ] ( 1 : ص12 )

وبنفس المعنى قولها عن المسيح : [ إن استطعت أن تراه وهو يطعن بواسطة الجندى الرومانى ، فسوف تتبرر فى لحظة واحدة ] ( 1 : ص 1. ).

وفى كل هذه الأمثلة ، ينال الإنسان التبرير والغفران ويتخلص من جميع خطاياه ، بدون الاعتراف ، وبدون التحليل ، بمجرد قبول المسيح ، أو التطلع إليه  !! وبدون الأسرار الكنسية .

ومثال ذلك ما ورد فى إحدى المجلات القبطية ، التى دخلت فيها هذه الروح تحت عنوان [ اختبارت روحية ] وفى كل ذلك ، لا حديث عن الأسرار ، كأن لا أهمية لها ، وتقديم بدائل من كلام له طابعه الروحى ، ويخفى خطورة لاهوتية ..

إنه طريق غير مكشوف ، وواجبنا أنم نكشفه للناس ، ليحترسوا .

وهذا الاسلوب هو ما يميز النبذات غير الأرثوذكسية .

التوبة والكنيسة

بينما تقدم البروتستانتية التوبة كمجرد عمل فردى داخل القلب ، تضيف الأرثوذكسية إلى ذلك عمل الكنيسة والأسرار والكهنوت . وهذه الثلاثة لا تتعرض لها الكتابات التى تهاجم العقائد الأرثوذكسية ، وبها تميز النبذات

أما الأرثوذكسية فتقدم فى التوبة : التحليل من فم الكاهن ، حسب قول الرب لرجال الكهنوت : اقبلوا الروح القدس . من غفرتم خطاياه تغفر له . ومن أمسكتموها عليه امسكت ) ( يو 2. : 22 ، 23 ) ومع التحليل ، يوجد الارشاد الروحى من أب الاعتراف ، والسماح بالتناول من الأسرار المقدسة .

التوبة والخلاص

الأرثوذكسية ترى التوبة لازمة للخلاص ، حسبما ذكرنا قبلاً

أما البروتستانت ، ففى التركيز على أهمية الدم فى موضوع الخلاص ، ينسون الكلام على التوبة ، أو يضعونها تحت عنوان ( التقديس ) دون التركيز على دورها فى الخلاص ..

والبعض يضعون كلمة الخلاص مكان كلمة التوبة . فإن كان إنسانا مدمنا على الخمر أو القمار مثلاً ، وتأثر بعظة وتاب ، يقولون إنه خلص فى تلك اللحظة ! وربما يعود إلى ذلك . وقد يبطل هذا الشخص الخمر والقمار بصفة دائمة ، وتكون له خطايا أخرى لم يخلص منها ..

التوبة والنعمة

فى التوبة يركز البروتستانت على عمل النعمة  ، ويرون كل جهاد الإنسان لا قيمة له ! يكفى أن يلقى بنفسه عند قدمى المسيح ، فيخلصه من جميع خطاياه ، دون عمل منه !

أما التعليم الأرثوذكسى ، ففيه الحياة الروحية هى شركة مع الروح القدس الروح يعين ، والنعمة تعمل ، والإنسان يجاهد .

وإن لم يجاهد ، يبكته الرسول بقوله ، ( يبكته الرسول بقوله : ( لم تقاوموا بعد حتى الدم ، مجاهدين ضد الخطية ) ( عب 12 : 4 ) والكتاب المقدس يصور لنا الحياة الروحية ، حربا مع أجناد الشر الروحية ، تحتاج إلى سلاح الله الكامل ( أف 6 ) ولابد للإنسان أن ينتصر فى هذه الحرب لينال المكافأة . والسيد المسيح فى رسائله إلى ملائكة ( رعاة ) الكنائس السبع ، كرر عبارة : ( من يغلب .. ) سبع مرات ، كشرط للنعيم الابدى ( رؤ 2 ، 3 )

إن النعمة لا تعمل وحدها كل شئ ، وإلا ما كان الله يقول عن التوبة : ( ارجعوا إلى ، أرجع إليكم ) ( ملا 3 : 7 )

وقد كتبنا عن هذا الموضوع باباً كاملاً فى كتاب ( الخلاص فى المفهوم الأرثوذكسى ) يمكن الرجوع إليه .. وخلاصة الأمر هى :

تركز البروتستانتية على الجانب الإلهى وحده ، فى التوبة ، وفى الخلاص ، وتهمل الجانب البشرى تماماً .

التوبة والاختبارات

إنهم يعتبرون اختبارا . ويشجعون التائبين أن يحكوا اختباراتهم فى الاجتماعات أمام الناس . فتسمع منهم عبارات : ,, أنا كنت ( كذا ) وصرت ( كذا ) .. ،، ويظل يسرد خطايا بشعة بلا خجل .. مغطياً إياها بما وصل إليه من نعمة !!

أما الأرثوذكسية فلا توافق على سرد هذه القصص ، لأنها غالباً ما تحمل افتخاراً بالتغير الذى وصل إليه التائب . وقد يتأذى البعض من سماع الخطايا التى يعلنها ( التائب ) بلا خجل ..

التوبة بين الفرح والإنسحاق

تعلم الأرثوذكسية بوجوب إنسحاق التائب ، متذكراً ما أساء به إلى الله ، مبللا فراشة بدموعه كما فعل داود النبى . أما البروتستانتية فتدفع الناس إلى فرح لا إنسحاق فيه .. بل كثيراً ما يتحول التائب حديثاً إلى خادم ، بطريقة مباشرة ، لا تعطيه فرصة للحزن الداخلى على خطاياه !

ويعللون ذلك بوجوب الفرح بالخلاص ( امنخنى بجهة خلاصك ) ( مز 5. ) بينما بولس الرسول تحدث عن فوائد الحزن على الخطية ( 2كو 7 )

ولا ننسى أنه ـ فى تناول خروف الفصح ـ وسط فرح الشعب بخلاصه من سيف المهلك ، كان يأكل الفصح على أعشاب مرة ، حسب أمر الرب ( خر 12 : 8 ) والأعشاب المرة كانت تذكرهم بخطاياهم ، التى بسببها وقعوا فى عبودية فرعون .

الفصح يذكرهم بالخلاص وبهجته . ولكنه يؤكل على أعشاب مرة .

فما هو مركز ( الأعشاب المرة ) فى التوبة بالمفهوم البروتستانتى ؟ وما مركز إنسحاق القلب ودموع التوبة ؟

التوبة والتجديد :

إن ما نسميه فى الأرثوذكسية ( توبة ) ، كثيراً ما يسميه البروتستانت تجديداً ، أو ولادة جديدة ، أو خلاصاً .. ‍‍‍‍!

فيسألون التائب : هل تجددت ؟ هل خلصت ؟ هل اختبرت الولادة الجديدة ، الخلاص ، تتم فى سر المعمودية . أما التوبة فهى عملية تغيير فى سلوك الإنسان .

على إننا نفرق بين تجديد الطبيعة الذى يحدث فى المعمودية ، وتجديد الذهن ( رو 12 : 2 ) الذى يحدث فى التوبة .

التوبة والسلوك والأعمال :

البروتستانتية ، لا ترى الحياة المسيحية حياة سلوك وعمل ، بل حياة نعمة وإيمان . وأما الأرثوذكسية فإلى جوار الإيمان والنعمة ، تضيف السلوك والأعمال كثمر لهما ، يدل عليهما .

فالكتاب يقول : ( اصنعوا ثماراً تليق بالتوبة ) ( مت 3 : 8 ) ( وأعمالاً تليق بالتوبة ) ( أع 26 : 2. ) ويقول : وأنا أريك بأعمالى إيمانى ) (يع 2 : 18 ) كما يقول القديس يوحنا الرسول : ( من قال إنه ثابت فيه ، ينبغى أنه كما سلك ذاك يسلك هو أيضاً ) ( 1يو 2 : 6 ) ( إن سلكنا فى النور كما هو فى النور ، فلنا شركة بعضنا مع بعض ، ودم يسوع ابنه يطهرنا من كل خطية ) ( 1يو 1 : 7 )

إذن أهمية السلوك والأعمال ، تعليم كتابى ..

إن التطهير يتم بالدم ، ولكن على أساس التوبة والسلوك فى النور ،حسب تعليم القديس يوحنا الرسول ( 1يو 1 : 7 )

دور الكنيسة فى نيل الخلاص

إن الخلاص العظيم الذى قدمه السيد المسيح على الصليب ، تنقله الكنيسة بعمل الروح القدس فيها إلى الناس . وذلك يتكليف من السيد المسيح نفسه . وذلك عن طريق ثلاثة أمور هى : خدمة الكلمة ، وخدمة الأسرار ، وخدمة المصالحة ، والرعاية ..

خدمة الكلمة

اخوتنا البروتستانت يركزون فى الخلاص على الإيمان . وكيف يصل الإيمان إلى الناس إلا عن طريق الكنيسة ؟

وفى هذا يقول الرسول : ( كيف يؤمنون بمن لم يسمعوا به ؟ وكيف يسمعون بلا كارز ؟ وكيف يكرزون إن لم يرسلوا ؟ ( رو 1. : 14 ) والكنيسة هى التى ترسل الكارزين ، بعد أن تضع عليهم اليد ، وهى التى تنشر الإيمان ، الذى بدونه لا يخلص أحد . 

إذن الكنيسة لها دور أساسى فى الخلاص عن طريق نشر الإيمان ، بالكرازة وخدمة الكلمة ..

وهذه الخدمة تستلمها الكنيسة من فم المسيح نفسه ، الذى قال لآبائنا الرسل : ( اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم ، وعمدوهم .. وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به ) ( مت 28 : 19 ) ( اذهبوا إلى العالم أجمع ، واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها ) ( مر 16 : 15 )

بهذه الكرازة أوصلت الكنيسة الإيمان للناس ، وبدونها ما كان ممكناً ان يخلصوا ولذلك حرص الرسل على هذه الخدمة . وفى سيامة الشمامسة السبعة قالوا : ( وأما نحن فنعكف على الصلاة وخدمة الكلمة ) ( أع : 4 )

وقد جعل الرب خدمة الكلمة الموصلة للخلاص من إختصاص الكنيسة ، ولم يعهد بها حتى للملائكة ففى قصة إهتداء كرنيلوس ، أرسل له الله ملاكاً . وكان يمكن لهذا الملاك أن يبشر كرنيليوس برسالة الخلاص . ولكنه لم يفعل ذلك ، إنما أحاله إلى الكنيسة المؤتمنة على هذه الخدمة . وهكذا قال له : ( ارسل إلى يافا رجالا ، واستدع سمعان الملقب بطرس ) وماذا تكون مهمة بطرس هذا ؟ قال الملاك فى ذلك :

( وهو يكلمك كلاماً به تخلص أنت وأهل بيتك ) أع 1. : 14 ) .

وصارت هذه مهمة من عمل الكنيسة ، أعنى خدمة التعليم ، وتفهيم الناس قواعد الإيمان وتعريفهم بطريق الخلاص . وهكذا قال القديس بولس الرسول لتلميذه تيموثاوس الأسقف :

( لاحظ نفسك والتعليم وداود على ذلك . فانك إن فعلت هذا ، تخلص نفسك والذين يسمعونك أيضاً ) ( 1تى 4 : 16 )

إذن التعليم هو وسائط الخلاص . والكنيسة هى التى اؤتمنت على التعليم ، بحسب قول الرب : ( وعلموهم  جميع ما أوصيتكم به ) ( مت 28 : 19 ) وهكذا قال بولس الرسول : ( إذ الضرورة موضوعة على ، فويل إن كنت لا أبشر .. فقد استؤمنت على وكالة ) ( 1كو 9 : 16 ، 17 ) وكان الخلاص هو هدف التبشير لذلك يقول الرسول بعد ذلك :

( .. لأخلص على كل حال قوماً .. ) ( 1كو 9 : 22 )

وعن طريق الكرازة وخدمة الكلمة ، استطاع فيلبس أن يقود الخصى الحبشى إلى الإيمان لكى يخلص ( أع 8 ) بخدمة الكلمة فى يوم الخمسين ، أمكن أن تخلص ثلاثة آلاف نفس ( أع 2 : 41 )

وخدمة الكلمة لا يقوم بها إلا المرسل من الكنيسة ، لذلك لما دعا الروح القدس برنابا وشاول لهذه الخدمة أحالهما إلى الكنيسة .

وقال الروح القدس : ( افرزوا لى برنابا وشاول للعمل الذى دعوتهما إليه ) ( أع 13 ) إنها دعوة من الروح القدس . ولكن لابد أن تمر عن طريق الكنيسة من خلال القنوات الشرعية التى عهد لها الله بهذه الخدمة : ( فصاموا حينئذ وصلوا ووضعوا عليهما الأيادى وأطلقوهما بسلام ) وهكذا عملا فى خدمة الكلمة ( أع 13 : 2 ، 3 ) وخدمة الكلمة ليست كل شئ فى عمل الكنيسة من جهة الخلاص ، إنما هناك أيضاً خدمة الأسرار .

خدمة الأسرار

الكنيسة تقدم الخلاص عن طريق خدمة أسرار الكنيسة المقدسة .

1ـ وفى مقدمة هذه الأسرار سر المعمودية ، الذى قال فيه الرب : ( من آمن واعتمد خلص ) ( مر 16 : 16 ) والذى أمر به الكنيسة حينما قال لآبائنا الرسل : ( اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم ، وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس ) ( مت 28 : 19 )

ولذلك فإن الرسل ، حالما آمن اليهود فى يوم الخمسين ، عمدوهم لمغفرة الخطايا ( أع 2 : 41 ، 38 ) .

ولا شك أن مغفرة الخطايا التى تأتى بالمعمودية لازمة للخلاص .

وهكذا عمدوا أيضاً الخصى الحبشى ( أع 8 ) وكرنيليوس وجميع الذين كانوا يسمعون الكلمة معه ( أع 1. ) وعمدوا أهل السامرة ( أع 8 ) وعمدوا سجان فيلبى والذين له ( أع 16 ) وكذلك ليديا بائعة الأرجوان هى وأهل بيتها ( أع 16 )

ومازالت الكنيسة بالمعمودية تنقل الخلاص إلى الناس ، إذ يدفنون فيها مع المسيح ويقومون معه . يموت إنسانهم العتيق ( رو 6 ) ويلبسون المسيح فى المعمودية ( غل 3 : 27 )

وقد شرحنا فى بداية هذا الفصل فاعلية المعمودية وعلاقتها بالخلاص . وفيها تعطيهم الكنيسة مغفرة الخطية الأصلية والخطايا السابقة للمعمودية ، عن طريق استحقاقات دم المسيح ، وتصيرهم أولاداً لله ( يو 3 : 5 ، تى 3 : 5 )

2 ـ ولكن الناس يخطئون بعد معموديتهم ، ويحتاجون إلى الخلاص من عقوبة هذه الخطايا . وهنا تقدم لهم الكنيسة سر التوبة ، وسر الافخارستيا ، لمغفرة خطاياهم .

وذلك بالسلطان الممنوح للكنيسة فى قول السيد المسيح : ( من غفرتم خطاياه تغفر له . ومن أمسكتم خطاياه أمسكت ) يو 2. : 23 ) وقوله : ( ما تحلونه على الأرض يكون محلولا فى السماء . وما تربطونه على الأرض يكون مربوطا فى السماء ) ( مت 18 : 18 )

أى فرح للمؤمن أن يأخذ خلاً من خطاياه ، بسلطان معطى من السيد المسيح نفسه . وهناك ينال المغفرة .

ونفس المغفرة ينالها فى سر الافخارستيا ، الذى نقول عنه فى القداس الإلهى : ( يعطى عنا خلاصاً ) وغفراناً للخطايا ، وحياة أبدية لكل من يتناول منه ) وذلك بناء على قول السيد المسيح لتلاميذه حينما سلمهم هذا السر ( جسده ودمه ) ( لمغفرة الخطايا ) ( مت 26 : 28 ) . وحسب قوله لليهود : من يأكل جسدى ويشرب دمى فله حياة أبدية ) ( يو 6 : 54 ) و ( ويثبت فى وأنا فيه ) ( يو 6 : 56 )

3 ـ والكنيسة تساعد الناس على الخلاص بسكنى الروح القدس فيهم ، وتعطيهم ذلك عن طريق سر المسحة المقدسة ( 1يو 2 : 2. ، 27 )

وكان هذا السر العظيم ، تمنحه الكنيسة فى بادئ الأمر عن طريق وضع اليد ( أع 8 : 17 ، أع 19 : 6 ) ومادام بدون الروح القدس ، لا يستطيع إنسان أن يحيا حياة روحية ، ولا أن يتبكت على خطية ، إذن فمنح هذا السر عن طريق الكنيسة له عمله الخلاصى العميق .

 4 ـ وكل هذه الأسرار المقدسة المؤدية إلى الخلاص ، تقدمها الكنيسة عن طريق سر آخر هو سر الكهنوت .

وهكذا ندرك أهمية الكنيسة والكهنوت فى قضية الخلاص .

حقاً إن الخلاص قد تم على الصليب بالفداء بدم المسيح . ولكن نقل هذا الخلاص إلى الناس تقوم به الكنيسة عن طريق الكهنوت والأسرار المقدسة ..

وبالإضافة إلى هذا تقوم الكنيسة بالرعاية وخدمة المصالحة

الرعاية وخدمة المصالحة

كل مؤمن معرض أن يضل عن الطريق ، فمن يفتقده ويرعاه ، ويرده إلى الطريق ، إلا الكنيسة التى تقود المؤمنين فى حياة التوبة ، وبالتالى فى طريق الخلاص ، حسب قول الكتاب :

( من رد خاطئاً عن ضلال طريقه ، يخلص نفساً من الموت ، ويستر كثرة من الخطايا ) ( يع 5 : 2. )

وبهذا العمل ، تخلص الكنيسة نفوساً من الموت ، تخلصهم من موت الخطية عن طريق الارشاد ، وعن طريق الافتقاد ، وعن طريق الهداية . وهكذا تعمل على مصالحتهم مع الله .. هذه المصالحة التى قال عنها القديس بولس الرسول :

( وأعطانا خدمة المصالحة . نسعى كسفراء عن المسيح ، كأن الله يعظ بنا . نطلب عن المسيح : تصالحوا مع الله ) ( 2كو 5 : 18 ، 2. )

ويمكن أن تدخل هذه المصالحة تحت سر التوبة .

ولولا أهمية هذا العمل لخلاص أنفس الناس ، ما كان الكتاب يقول إن الله أعى البعض أن يكونوا رعاة .. لعمل الخدمة لبنيان جسد المسيح ( اف 4 : 11 ، 12 ) وما كان يقول لبطرس : ( ارع غنمى ، أرع خرافى ) ( يو 21 : 15 ، 16 )

عمل الرعاية هذا يقوم به الكهنوت فى الكنيسة :

وهكذا قال بولس الرسول لأساقفة أفسس : ( احترزوا إذن لأنفسكم ولجميع الرعية التى أقامكم الروح القدس فيها أساقفة ، لترعوا كنيسة الله التى اقتناها بدمه ) ( اع 2. : 28 )

أترى كان يتم الخلاص بدون عمل الرعاية ؟ محال ..

هوذا الإنجيل يقول عن الغنم الى لا راعى لها  إن الرب ( لما رأى الجموع تحنن عليهم ، إذ كانوا منزعجين ومنطرحين ، كغنم لا راعى لها ) ( مت 9 : 36 ) وهؤلاء ما أسهل أن يفتك بهم العدو ، ويفقدون الخلاص .

إن الخلاص لا يمكن الحصول عليه بدون الكنيسة .

الفصل الثالث

الأعمال ومركزها فى موضوع الخلاص

إعتراض

الذين ينادون بالخلاص فى لحظة ، يقولون إن الخلاص هو بالإيمان وحده الذى يمكن نواله فى لحظة !! لذلك هم ينكرون كل مفعول للأعمال ، ويعترضون على إدخالها فى موضوع الخلاص ، الذى تم فيه المسيح وحده ...

وهم يقدمون لاثبات رأيهم آيات كثيرة من الكتاب منها :

( لما ظهر لف مخلصنا الله واحسانه ، لا بأعمال فى بر عملناها ، بل بمقتضى رحمته خلصنا ، بغسل الميلاد الثانى وتجديد الروح القدس ) ( تى 3 : 5 )

( لأنكم بالنعمة مخلصون ، بالإيمان . وذلك ليس منكم ، هو عطية الله . ليس من أعمال كى لا يفتخر أحد ... ) ( أف 2 : 9 )

الرد على الاعتراض

1ـ إننا نسأل الذين يركزون على الإيمان ، ويرفضون الأعمال كلها :

أى أعمال تقصدون ؟ هناك ستة أنواع من الأعمال : 

أـ أعمال الناموس التى هى مجرد ممارسات طقسية .

ب ـ أعمال قبل الإيمان ، أى الأعمال الصالحة التى للأمم .

ج ـ أعمال بشرية فقط ، لا يشترك الله فيها .

د ـ عمل الروح القدس فى الأسرار .

هـ ـ أعمال صالحة هى شركة مع الروح القدس .

و ـ أعمال الله وحده ، وطريقة أستحقاقنا لها .

فعلينا أن نفحص كل هذه الأنواع الستة ، ونرى ما هى أنواع الأعمال التى يرفضها الكتاب ؟ وما هى الأنواع اللازمة من الأعمال والتى بدونها بدونها لا نخلص ، إذ أن الإيمان بدون أعمال ميت .

2 ـ هنا ونسأل : لماذا ركز الرسول على موضوع الإيمان ؟

لقد ركز فى الكلام مع غير المؤمنين من اليهود والأمم ، أو فى الكلام عنهم ، حتى تظهر أهمية الفداء بدم المسيح .

لأنه بدون الإيمان لا يمكن أن يخلص أحد من هؤلاء مهما كانت أعمالهم . ولأن الإيمان هو النقطة الصعبة إذ هى تغيير الدين . فإن قبلوها سيقبلون كل ما بعدها كالمعمودية والتوبة والتناول . فالذى يقبل المسيح سيقبل كل تعاليمه ..

لهذا مع اليهود والأمم ـ ركز الرسول على الإيمان وليس أعمالهم :

فمن جهة اليهود ، هاجم أعمال الناموس بدون إيمان .

ومن جهة الأمم ، هاجم أعمالهم الصالحة بدون إيمان .

أما أعمال الصالحة إذا اضيفت إلى الإيمان ، فإنها تكون لازمة ومقبولة باعتبارها ثمرا للإيمان ..

فلتناول بالشرح هذين النوعين المرفوضين :

أعمال الناموس

3 ـ كانت لأعمال الناموس أهمية فى العهد القديم ، يظنون أنهم يتبررون بها . وتدخل فيها الممارسات الطقسية التى يفرضها الناموس  : مثل الختان ، وحفظ السبت ، والمواسم والأعياد وأوائل الشهور  ، وما فيها من تقدمات ، وما يختص بالنجاسات والتطهير ، فى الأكل والشرب واللمس وغير ذلك ، مما نفى الرسول الاعتماد عليه ، مؤكداً أن الإنسان لا يتبرر به .

بل أظهر أن أعمال الناموس قد بطلت ، لأنها كانت مجرد رمز لنعم العهد الجديد أو كانت مجرد ظل للخيرات العتيدة . وقال فى ذلك :

( لا يحكم أحد عليكم فى أكل أو شرب ، أو من جهة عيد أو هلال أو سبت ، التى هى ظل الأمور العتيدة ) ( كو 2 : 16 )

فالختان مثلاً ، كان من أعمال الناموس . كان علامة لشعب الله . وقد كان رمز للمعمودية ، إذ به يموت جزء من إنسان ، رمزاً لموت الإنسان كله . حينما يموت المؤمن فى المعمودية ، ويدفن مع المسيح ، لكى يحيا معه . إذن الختان فى العهد الجديد كمجرد عمل من أعمال الناموس ، لا علاقة له بالخلاص ، لأنه ظل للأمور العتيدة وقد حلت المعمودية محله .

وحتى فى العهد القديم ، أظهر الرب أن أعمال الناموس هذه ، إن كانت خالية من الروح ، تصبح بلا قيمة ..

وذلك لأنها قد صارت مجرد ممارسات لا يشترك القلب فيها ، وقد يمارسها الإنسان مع ممارسة الخطية فى نفس الوقت ‍ ‍‍!

فقال فى سفر إشعياء : لا تعودوا تأتون إلى بتقدمة باطلة  . البخور هو مكرها لى . رأس االشهر والسبت ونداء المحفل . لست أطيق الإثم والاعتكاف . رؤس شهوركم وأعيادكم ابغضتها نفسى . صارت على ثقلاً ، مللت حملها .. أيديكم ملآنة دماً ) ( إش 1 : 13 ـ 15 ) .

5 ـ وأعمال الناموس هذه هى التى هاجمها الرسول بقوله :

( إذ نعلم الإنسان لا يتبرر بأعمال الناموس ، بل بإيمان يسوع المسيح ) ( إلى 2 : 16 ) . ( ولكن أن ليس أحد يتبرر بالناموس عند الله ، فظاهر لأن البار بالإيمان يحيا ) ( غل 3 : 11 ) ( لأنه بأعمال الناموس ، كل ذى جسد لا يتبرر أمامه ) ( رو 3 : 2. )

واضح هنا جداً ، كلامه عن أعمال الناموس . وواضح أيضاً أن هذا النوع من الأعمال ، ليس هو ما نقصده فى حياتنا المسيحية . ربما قصده من أرادوا تهويد المسيحية المسيحية ..

6 ـ هذا من جهة اليهود . ومن جهة محاولة بعض اليهود الذين اعتنقوا المسيحية فى عصر الرسل ، وأرادوا إدخال عاداتهم اليهودية فى المسيحية ، وكذلك فقوسهم وممارساتهم . فشرح لهم الرسل أن اللازم للخلاص هو الإيمان ، وليست أعمال الناموس . وماذا إذن عن الأمم ؟؟ هنا يتكلم الرسول عن :

الأعمال بدون إيمان

ويمكن أن نقول عنها أيضاً : الأعمال الصالحة قبل الإيمان ، كأعمال الأتقياء من الأمميين ، مثل كرنيليوس وغيره .

إنها أعمال صالحة ، ولكنها بدون إيمان لا تبرر الإنسان . فالتبرير . فالتبرير هو بالدم فقط ، دم المسيح ، الذى حمل خطايانا ، ومات عنا ( الذى فيه لنا الفداء ، بدمه غفران الخطايا ) ( كو 1 : 14 ) وهكذا قال الرسول : ( متبررين مجاناً بنعمته ، بالفداء الذى بيسوع المسيح ، الذى قدمه الله كفارة ، بالإيمان بدمه ، لإظهار بره ، من أجل الصفح عن الخطايا السالفة ) ( رو 3 : 24 ، 25 )

إذن كل أعمال صالحة ـ بدون دم المسيح ـ لا تخلص .

وذلك لأنه بدونك سفك دم لا تحصل مغفرة ( عب 9 : 22 )

والخلاص ـ كما نؤمن جميعاً ـ هو عن طريق الفداء العظيم الذى تم على الصليب . إذن الأعمال بغير الإيمان بالدم والكفارة لا تبرر أحداً . وهذه الأعمال هى التى قال عنها الرسول : ( لا بأعمال فى بر عملناها )

وواضح أيضاً أننا لا نقصد هذا النوع مطلقاً  ، فى حديثنا عن الأعمال فكلنا مؤمنون بالفداء والكفارة وأهمية دم المسيح .

يبقى النوع الثالث المرفوض من الأعمال وهو :

الأعمال البشرية وحدها

أى الأعمال التى يعملها البشر ، بدون إشتراك الله معهم فى العمل ، دون شركة الروح القدس .. إنما هى مجرد ذراع بشرى .. هذه لا علاقة لها بالخلاص ..

ونحن لا نستطيع أن نسمى مثل هذه أعملاً روحية ، أو أعملاً صالحة بالمفهوم الدقيق للكلمة .

الدقيق للكلمة .

إن العمل البشرى المنفصل عن الله ، لا يخلص الإنسان .

العمل الذى يعمله الإنسان وحده ، دون أن يدخل الله فيه ، مصيره أن يؤول إلى المجد الباطل . ولا مكافأة له ، ولا علاقة له بالخلاص . وعنه نقول فى صلواتنا بالأجبية : ( وبأعمالى ليس لى خلاصاً ) أى بأعمالى وحدها ، بدونك أنت ، وبدون دمك ..

هذه هى الأنواع الثلاثة من الأعمال ، المرفوضة ، والتى لا علاقة لها بالخلاص . فلنتكلم عن الأنواع الثلاثة الأخرى ..

عمل الروح القدس فى الأسرار

إن أسرار الكنيسة السبعة ليست أعمالاً بشرية يقوم بها الأب الكاهن . وإنما هى أعمال سرية يقوم بها الروح القدس نفسه على يد الكاهن ، الذى لا يعدو أن يكون خادماً للأسرار .

الروح القدس هو الذى يلد المؤمنين فى المعمودية ولادة جديدة ، يصيرون بها ( مولدين من الماء والروح ) ( يو 3 : 5 ) ومولدين من الروح ( يو 3 : 6 )

فهل نعتبر المعمودية إذن عملاً بشرياً أم إلهيا ؟

والروح القدس هو الذى يقدس المؤمن ويثبته فى سر المسحة المقدسة ، سر الميرون . ولذلك قال القديس يوحنا الحبيب : ( وأما أنتم فلكم مسحة من القدس ) ( 1يو 2 : 2. ) فهل المسحة عمل بشرى ، وهى من القدوس ؟

إن الروح القدس هو الذى يحل على المؤمنين ( أع 19 : 6 ) ، فهل هذا عمل بشرى ؟!

والروح القدس هو الذى يغفر الخطايا فى سر التوبة . لذلك نفخ الرب فى وجوه تلاميذه القديسين . وقال لهم : ( اقبلوا الروح القدس . من غفرتم خطاياه تغفر له .. ) ( يو 2. : 22 ، 23 ) إذن فالمعمودية تتم بالروح تتم بالروح القدس الذى قبلوه . فهل نعتبرها عملاً بشرياً ؟!

والروح القدس هو الذى يحول الخبز والخمر إلى جسد الرب ودمه فى سر الأفخارستيا . والسيد الرب نفسه هو الذى يقول : ( خذوا كلوا .. هذا هو جسدى ) ( 1كو 11 : 24 ) خذوا اشربوا .. هذا هو دمى ) ( مت 26 : 26 ، 27 ) والرب نفسه وضع بركات هذا السر ( يو 6 : 5. ـ 56 )

والروح هو الذى يجعل الاثنين واحدا فى سر الزيجة . لذلك يقول الرب عن ذلك ( الذى جمعه الله ، لا يفرقه إنسان ) ( مر 1. : 9 )

وهكذا  فى باقى الأسرار المقدسة . الروح القدس هو العامل فيها ، وهو المعطى كل بركاتها ونعمها

فالذين ينكرون أسرار الكنيسة وفاعليتها فى الخلاص ، إنما ينكرون عمل الروح القدس نفسه ، الذى تتمم الأسرار .

لماذا ينكرون لزوم المعمودية للخلاص ، مع قول الله الصريح : ( من آمن واعتمد خلص ) ( مر 16 : 16 ) ؟‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍! هل المعمودية هى عمل بشرى لا يحتمله محاربو الأعمال ؟! أم أنها بالحقيقة عمل الروح القدس ، الذى يلد من الماء إنساناً جديداً .. ؟

وإن كانت عمل الروح ، إذن فهى عمل الله .

إذن من ينكر فاعلية المعمودية ، إنما ينكر عمل الله .

وإن كان الله فى المعمودية( قد شاء فولدنا ) ( بغسل الميلاد الثانى ، وتجديد الروح القدس ) ( تى 3 : 5 ) وخلصاً بهذا الغسل من خطايانا ( أع 22 : 16 ) فلماذا الاعتراض إذن على عمل الله ؟‍‍‍!

ولماذا يعترضون على مغفرة الكاهن للخطايا ؟ هل هذه المغفرة هى عمل إنسان ، أم هى عمل الروح القدس ؟

وإن كانت عمل الروح ، فلماذا يرفضونها ؟! وإن كانت عمل الروح ، فهى إذن عمل إلهى . وما الكاهن سوى خادم لهذا السر . الروح القدس هو الذى يغفر الخطايا ويعلن ذلك من فم الكاهن ( 1 ) وقد شرحنا هذا بالتفصيل فى كتاب الكهنوت .

هذه الأعمال التى يعملها الرب فى الأسرار المقدسة ، من أجل خلاصنا ، ينبغى أن نقف أمامها ونقول : ( قفوا وانظروا خلاص الرب ) ( خر 14 : 13 ) .

هل تنكر كل أسرار الكنيسة وعمل الروح القدس فيها ، من أجل التشبث ببدعة الخلاص فى لحظة ؟ أو من أجل الاصرار على أن الخلاص بالإيمان وحده ، الذى يظنون أن يتم فى لحظة ؟! وفى سبيل ذلك لا مانع من إنكار كل آيات الكتاب المقدس التى تثبت غير ذلك !!

إن محاربة أسرار الكنيسة ، هى عدم فهم لهذه الأسرار . يظنون أعمالاً بشرية فيها جمونها . وهى عمل الروح القدس .

ننتقل إلى نوع آخر من الأعمال ، ونفحص ما إذا كان الذين يرفضونها على حق أم لا ؟ تلك هى :

أعمال شركة الروح القدس

إننا نطلب شركة الروح القدس معنا فى العمل . ونقول فى صلواتنا  فى رفع البخور : ( إشترك فى العمل مع عبيدك ، فى كل عمل صالح )

لا شك اننا بدون الله ، ى نقدر أن نعمل شيئاً ( يو 15 : 5 ) هو العامل فينا ، وهو العامل بنا ، وهو العامل معنا . وكما قال القديس بولس عن نفسه وعن زميله فىالخدمة أبولس : ( نحن عاملان مع الله ) ( 1كو 3 : 9 ) وقال لأهل فيلبى : ( لأن الله هو العامل فيكم أن تريدوا أن تعملوا من أجل المسرة ) ( فى 2 : 13 )

ومادام الله هو العامل فينا ، إذن فالأعمال الصالحة التى يقوم بها المؤمن ليست مجرد اعمال بشرية ، وإنما هى شركة الروح الذى فيه ، الذى يحركه للعمل ويشترك معه .

لهذا تمنحنا الكنيسة فى كل اجتماع بركة ( شركة الروح القدس ) التى أشار إليها القديس بولس الرسول ( 2كو 13 : 14 ) . لا نشترك مع الروح القدس فى الجوهر أو فى اللاهوت ، حاشا .. ! وإنما نشترك معه فى العمل . ونصير بهذا الاشتراك ( شركاء الطبيعة الإلهية ) ( 2 بط 1 : 4 ) .. فى العمل .

والعمل الذى يشترك فيه معنا روح الله ، لا يجوز لإنسان أن يحتقره ، أو يتجاهل قيمته فى موضوع الخلاص .

ومن له أذنان للسمع فليسمع ( مر 4 : 9 ، 23 ) .

إننا إن تكلمنا ، فلسنا نحن المتكلمين ، بل يشهد السيد المسيح قائلاً : ( لستم أنتم المتكلمين ، بل روح أبيكم فيكم ) ( مت 1. : 2. ) ونحن حينما نصلى ، هل نحن الذين نصلى وحدنا ؟ كلا ( لأننا لسنا نعلم ما نصلى لأجله كما ينبغى ، بل الروح نفسه يشفع فينا بأنات لا ينطبق  بها ) ( رو 8 : 26) وإن تبنا ، فإن الروح هو الذى ( يبكتنا على خطية ) يو 16 : 8 ) وهو الذى يرشدنا ويقوينا . وإن خدمنا ، فالسيد المسيح يقول : ( ولكنكم ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم ، وحينئذ تكونون لى شهوداً ) ( أع 1 : 8 )

إذن الأعمال الصالحة التى يعملها المؤمن ، لا يعملها وحده مطلقاً ، بل الروح القدس هو الذى يعملها فيه كما رأينا .

ومحاربتها هى محاربة للروح القدس العامل فيها . بل هى أيضاً محاربة للسيد المسيح الذى قال : ( بدونى لا تقدرون أن تعملوا شيئاً ) ( يو 15 : 5 ) حتى إرادتنا ، حتى كل عمل نعمله .. يقول الرسول : إن الله هو العامل فيكم أن تريدوا وأن تعملوا لأجل المسرة ( فى 2 : 13 )

إذن محاربة الأعمال الصالحة هى عدم فهم لهذه الأعمال . يظنونها مجرد أعمال بشرية فيهاجمونها ! ليتهم يدركون عمل الروح فيها ، حينئذ سوف يستحون من مهاجمتها .

وهذه الأعمال الصالحة لا يمكن أن ندخل الملكوت بدونها . وكما شرحنا بالتفصيل فى كتابنا ( (الخلاص فى المفهوم الأرثوذكسى ) .

إن الأعمال الصالحة لا نخلص بها ، ولكننا لا نخلص بدونها .

على الأقل ، يمكن أن نسمى هذه الأعمال ( ثمر الإيمان )

فإن كانوا يركزون على الإيمان وحده ، هنا نسأل : هل هذا الإيمان له ثمر ، أم هو بدون ثمر ؟ إن كان لابد أن يكون له ثمر ، ليثبت أنه إيمان حى ، فهنا تظهر قيمة الأعمال . وإن كان بلا ثمر ، تقف أمامنا الآية التى تقول : ( كل شجرة لا تصنع ثمراً ، تقطع وتلقى فى  النار ) ( مت 3 : 1. )

وإن كان الإيمان لازماً للخلاص ، فهو لازم بثمره ، أى بهذه الأعمال الصالحة .

وإن كان بلا أعمال ، فهو ( إيمان ميت ) ( يع 2 : 17 ، 2. ) ينظر القديس يعقوب الرسول إلى صاحبه ويقول : ( إن قال أحد أن له إيمانا ، ولكن ليس له أعمال : هل يقدر الإيمان أن يخلصه )

(يع 2 : 14 ) .

ننتقل بعد ذلك إلى النقطة الأخيرة فى موضوع الأعمال ، وهى : عمل الله ذاته وكيف نستحقه

أعمال الله وحده

الفداء هو عمل الله وحده  ، لم نشترك نحن فيه .

والخلاص الذى تم بالفداء ، هو عمل الله وحده .

ولكن عمل الله شئ ، واستحقاقنا لعمل الله شئ آخر .

بقد قدم الله بالفداء كفارة للعالم كله ( 1يو 2 : 2 ) فهل انتفع بها كل العالم ؟! كلا ، طبعاً . والخلاص الذى قدمه الرب للعالم ، هو خلص به جميع الناس ؟! كلا .. إذن ماذا نستفيد : إن أهملنا خلاصاً هذا مقداره ؟! ) عب 2 : 3 )

إذن فكيف ننال الخلاص الذى دبره الله وحده ؟

أنناله بالإيمان ؟ الإيمان نفسه عمل . أننال هذا الخلاص بالمعمودية والتوبة ؟ إنهما أيضا عملان .

 وما هو عمل الإيمان الذى ننال به الخلاص ؟ يقول الرسول :  ( قد وهب لكم لأجل المسيح ، لا أن تؤمنوا به فقط ، بل أيضاً أن تتألموا لأجله ) ( فى 1 : 29 )

 إذن هذا الإيمان ، هو هبة من الله .

ويقول الرسول عن هذا الإيمان : ( ليس أحد يقدر أن يقول يسوع رب ، إلا بالروح القدس ) ( 1كو 12 : 3 )

وكذلك المعمودية هى ولادة من الروح ( يو 3 : 5 ، 6 )

ومع أن الخلاص هو عمل الله وحده ، إلا أننا نناله فى المعمودية ، حسب قوله ( من آمن واعتمد خلص ) ( مر 16 : 16 )

كما إننا لا يمكن أن ننال الخلاص بدون التوبة .

وذلك حسب قول الرب : إن لم تتوبوا ، فجميعكم كذلك تهلكون ) ( لو 13 : 3 ، 5 ) وكذلك حسب قول برس الرسول لليهود فى يوم الخمسين ( أع 2 : 38 ) الخلاص هو عمل الله وحده . هذا حق . ولكن كيف نناله ؟ القديس بطرس الرسول يشرح هذا الموضوع قائلاً :

( توبوا وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح لغفران الخطايا فتقبلوا عية الروح القدس ) ( أع 2 : 38 ) .

إذن لابد من التوبة والمعمودية ، لننال المغفرة ، ونقبل عطية الروح القدس . وهل يوجد خلاص بدون هذه المغفرة ، وبدون الروح القدس ؟ فإن كانت المغفرة لازمة للخلاص وتنال هنا بالتوبة والمعمودية ، فلماذا إذن إنكار قيمة الأعمال ؟‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍!

إن التعليم الأرثوذكسى هو تعليم كتابى .

وهوذا أمامنا آيات الكتاب واضحة فى موضوع الخلاص.

أما عن توضيح الأعمال بالتفصيل ، وكون أن الدينونة تكون حسب الأعمال ، لأن اللخ سيجازى كل واحد حسب أعماله ) ( رؤ 22 : 12 ) أو أن الأعمال الشريرة تؤدى إلى الهلاك ، فهذا نحيلك فيه إلى كتاب ( الخلاص فى المفهوم الأرثوذكسى ) ..

الفصل الرابع

ما يسمونها مراحل الخلاص

م

الموضوع

المرحلة الأولى

المرحلة الثانية

المرحلة الثالثة

1

مفهومه

نوال الخلاص

(خلاص نلناه)

اتمام الخلاص

( خلاص نحياه)

كمال الخلاص

( خلاص نترجاه)

2

بركاته

خلاص من قصاص الخطية

(التبرير)

من سلطان الخطية

التقديس

من جسد الخطية

( التمجيد )

3

زمانه

فى لحظة

مسيرة العمر

فى لحظة

4

شواهده

لو 7 : 48 ، 5.

مر16 : 16

فى 2: 12

2كو 7 : 1

فى 3 : 2. ، 21

1كو 15 : 52

5

عوامله

دم المسيح

دم المسيح

مجئ المسيح

6

وسائله

سر التوبة والمعمودية

سر المسحة والتناول

المجئ الثانى

7

مستلزماته

الإيمان الواعى

الجهاد القانونى

السهر والانتظار

نبذة

وزعت هذه النبذة بالبريد ، وأوصلها بعض أبنائنا إلينا . وهى مأخوذة عن فكر بروتستانتى ، وقد حاول صاحبها أن يلبسها ثياباً أرثوذكسية لم تستطع أن تغطيها .

هذه النبذة تقسم الخلاص إلى ثلاث مراحل :

أ ـ خلاص نلناه ، من قصاص الخطية ، يتم فى لحظة .

ب ـ خلاص نحياه  ، من سلطان الخطية ، هو مسيرة العمر .

ج ـ خلاص نترجاه ، من جسد الخطية ، يتم فى لحظة .

ويرون أن الخلاص الذى نلناه يتم ( بالتبرير ) ، والذى نحياه يتم ( بالتقديس ) والخلاص الذى نترجاه يسمى ( التمجيد )

ومعروف أن مصدر هذا التقسيم ، هو قصة راع بروتستانتى :

سألته إحدى الفتيات ( بأدب شديد ! ) : ,, هل خلصت با حضرة القسيس ؟،، فأجابها : ,, خلصت ، وأخلص ، وسأخلص ،، فصارت هذه العبارة رائدة لكثيرين . وبدأ تقسيم الموضوع إلى المراحل الثلاث : خلاص نلناه ، وخلاص نحياه ، وخلاص نترجاه . وهو تقسيم سجعى سنفحص ما معناه ، وما مغزاه ، وما فحواه ..

ويقول البروتستسانت إن الخلاص الذى نلناه فى لحظة ، قد تم فى لحظة قبول المسيح فادياً ومخلصاً ، أى فى لحظة الإيمان .

ولعلكم تلاحظون أن كتب العهد الجديد التى يوزعها الجدعونيون مجاناً ، تحوى آخرها إقراراً بقبول  المسيح فادياً ومخلصاً ، لكى يوقع عليه حامل الإنجيل ... !

تناقض

وعلى الرغم من أن نبذة ( مراحل الخلاص  ) ذكرت أن الخلاص الذى نلناه من عقوبة الخطية قد تم فى لحظة ، إلا أنها ـ لكى نأخذ مظهراً أرثوذكسياً ـ قالت إن هذا الخلاص من مستلزماته : الإيمان الواعى ، ووسائله هى سر التوبة وسر المعمودية !

بل ورد فيها : ,, بهذا صار لأى إنسان امتياز مبارك ، عندما يقبل إلى المسيح بتوبة قلبية ، وإيمان واع ، أن يحصل على بر المسيح ، عندما يتحد معه بشبه موته ، أى بالمعمودية ، ليقوم معه فى حدة الحياة ( رو 6 : 3 ) ولهذا قال المسيح : ( من آمن واعتمد خلص ) ( مر 16 : 16 ) ،، اهـ

وهنا يبدو التناقض ، ويعرج كاتب النبذة بين الفرقتين ( 1مل 18 : 21 ) : بين الفكر البروتستانتى والمظهرية الأرثوذكسية . ويقف أمامنا سؤال ليس له جواب ، وهو :

كيف يمكن أن نجمع فى لحظة ، بين التوبة القلبية ، والإيمان الواعى ، وسر المعمودية ؟!

والوصول إلى التوبة يحتاج إلى وقت ، والوصول إلى الإيمان الواعى يحتاج إلى وقت . وممارسة سر المعمودية تستغرق وقتاً . فكيف يمكن إتمام كل ذلك فى لحظة ؟

إن البروتستانت صرحاء مع أنفسهم . يقولون إن الخلاص الذى تم ، إنما كان ذلك فى لحظة الإيمان . أما الفكر البروتستانتى الذى يحاول أن يلبس ثياباً أوثوذكسية فلأنه غير صريح ، لذلك يقع فى تناقض ..

فلنناقش الآن ما ورد فى النبذة عن مراحل الخلاص :

1ـ عبارة ( مراحل ):

مجرد الحديث عن ( مراحل ) يعنى أن الخلاص لا يتم فى لحظة .

فهناك أكثر من مرحلة ، ثلاث مراحل ، لا يمكن أن تعنى لحظة إلا لو كانت كل مرحلة ثلث لحظة . وكان يمكننا أن نكتفى بهذا ، للرد على كاتب النبذة .. كما أن هناك رداً آخر تحويه تفاصيل هذه المراحل وهو :

إن إحدى هذه المراحل ( التقديس ) تشمل ( مسيرة العمر ) كله !

ومادامت تشمل كل عمر الإنسان ، إذن فهذا الخلاص لا يتم فى لحظة . ومما يزيد الأمر تعقيداً على كاتب النبذة ، انه بعد هذا العمر كله ، يوجد ( خلاص نترجاه ) وعده مجئ المسيح ..

2 ـ الإيمان والتوبة ، واللحظة !

ليس الإيمان أمراً يأتى عفو الخاطر . وليست التوبة مجرد انفعال وقتى . فهما ولا شك يحتاجان إلى وقت :

والإيمان والتوبة يحتاجون إلى عمل الكلمة ، وإلى عمل النعمة :

هذه الكلمة ، أو هذه الكرازة ، نجدها واضحة فى قول الرب : ( اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم ، وعمدوهم ... وعلموهم جميع ما أوصيتكم به ) ( مت 28 : 19 ، 2. )

وفى قوله : ( اكرزوا بالإنحيل للخليقة كلها . من آمن واعتمد خلص ) ( مر 16 : 15 ، 16 ) ونجد خدمة الكلمة واضحة فى عمل بطرس الرسول فى يوم الخمسين : كلمة . بعدها نخس السامعون فى قلوبهم ، فآمنوا ، ودعاهم الرسل إلى التوبة والمعمودية ( أع 2 : 37 ، 38 ) ونجد نفس الأمر فى إيمان الخصى الحبشى : يشره فيلبس ، فآمن ، فاعتمد ( أع 8 : 35 ـ 38 )

وفى خلال خدمة الكلمة ، كان الإيمان يزحف فى قلب السامعين ، حين وصل إلى نضجه ، ثم إلى إعلانه .. ولم يتم كل ذلك فى لحظة .

ونفس الكلام نقوله عن التوبة أيضاً . إنها لا تهبط فجأة فى القلب فى لحظة . يلزمها خدمة الكلمة ، أو تأثيرات أخرى من عمل النعمة ، تظل تعمل فى القلب ، حتى توصله إلى التوبة . وتدخل هى أيضاً فى (مراحل الخلاص ! )

بعد كل هذه المقدمات ، فلنتناول هذه المراحل الثلاث ونفحصها :

الخلاص من عقوبة الخطية

هذا الذى تسميه النبذة ( خلاصاً نلناه ) بالتبرير ، فى لحظة ! وهو ـ كما تشرح النبذة ـ خلاص من قصاص الخطية ، عوامله دم المسيح ، ووسائله سر التوبة والمعمودية ، ومستلزماته الإيمان . وشواهده ( مر 16 : 16 ) ( من آمن واعتمد خلص ) و( لو 7 : 48 ، 5. ) ( قالها : مغفورة لك خطاياك .. إيمانك قد خلصك )

واضح أن السيد المسيح قدم خلاصاً بدمه على الصليب . ولكن هذا الخلاص لم ينله كل أحد . فكفارة السيد المسيح شئ ، واستحقاق هذه الكفارة شئ آخر ..

فمازال هناك كثيرون لم يخلصوا حتى الآن ، على الرغم من الدم الطاهر المسفوك ، وعلى الرغم من الكفارة التى تحمل خطايا العالم كله ( 1يو 2 : 2 ) وذلك لأنهم لم يسلكوا فى الطريق المؤدى إلى الخلاص . ومن جهة هذا الطريق تذكر الآيات الآتية كمثال :

1ـ ( من آمن واعتمد خلص ) ( مر 16 : 16 )

2 ـ ( توبوا .وليعتمد كل واحد منكم على اسم المسيح لغفران الخطايا ) ( أع 2 : 38 )

3 ـ ( قم اعتمد ، واغسل خطاياك ) ( أع 22 : 16 )

4 ـ ( إن لم تتوبوا ، فجميعكم كذلك تهلكون ) ( لو 13 : 3 ، 5 )

ومن هذه الآيات يتضح أنه للخلاص من عقوبة الخططية تلزم ثلاثة أمور لا تتم فى لحظة ، وهى الإيمان والتوبة والمعمودية .

وحتى مع الخلاص بهذه الأمور الثلاثة ، لا يعنى الأمر سوى الخلاص من الخطية الجدية الأصلية ، والخطايا الفعلية السابقة للمعمودية .

هذه الخطية الأصلية ، هى التى قال عنها الكتاب : ( بإنسان واحد دخلت الخطية إلى العالم ، وبالخطية الموت . وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس ، إذ أخطأ الجميع ) ( رو 5 : 12 ) وهكذا أصبحنا كلنا ) أمواتاً بالخطايا ) ( اف 2 : 5 ) لقد كنا كلنا جزءاً من آدم ومن حواء ، حينما حكم عليهما بالموت ..

فى المعمودية غفرت لنا الخطية الأصلية ، والخطايا السابقة للمعمودية . وهذا لا يعنى مغفرة الخطايا التى تحدث أيضاً فى المستقبل ، بعد الإيمان والمعمودية ‍

الخلاص من عقوبة الخطية ، أمر ينسحب على خطايا الماضى والحاضر والمستقبل .

فكل خطية بعد المعمودية ، لها عقوبة وقصاص . وهذه العقوبة لا يخلص الإنسان منها ، إلا بالتوبة وذلك حسب قول الرب : ( إن لم تتوبوا فجميعكم كذلك تهلكون ) ( لو 13 : 3 ، 5 ) فكيف يمكن لإنسان أن يقول إنه نال الخلاص من عقوبة الخطية لحظة إيمانه ، أو لحظة توبته ، أو لحظة معموديته ؟‍‍‍‌‍‍‍! ألا يبقى أمامنا السؤال بلا جواب : وماذا عن الخلاص من عقوبة الخطايا التى بعد الإيمان والمعمودية ؟! الجواب هو :

كل إنسان ـ لكى يخلص من عقوبة الخطية ـ يحتاج إلى توبة مستمرة كل حياته ، عن كل خية يرتكبها . ونحن فى كل يوم نخطئ . وخطيئتنا لها قصاص وتحتاج إلى توبة .

إذن الخلاص من عقوبة الخطية فى لحظة ، أمر مستحيل عمليا ً . لأنه لا يوجد إنسان معصوم ( إن قلنا إنه ليس لنا خطية ، نضل أنفسنا وليس الحق فينا ) ( 1يو 1 : 8 ) ( لأننا فى أشياء كثيرة نعثر جميعنا ) ( يع 3 : 2 ) إذن كيف نخلص من هذه الخطايا ؟ يقول القديس يوحنا الرسول : ( إن سلكنا فى النور ، كما هو فى  النور .. إن اعترفنا بخطايانا .. ) ( يو 1 : 7 ، 9 ) حينئذ ( دم يسوع المسيح ابنه يطهرنا من كل خطية ) ( وهو امين وعادل ، حتى يغفر لنا خطايانا ، ويطهرنا من كل إثم ( 1يو 1 : 7 ، 9 )

إذن اعترافنا بخطايانا ، وسلوكنا فى النور ، أمران لازمان لنا فى كل حياتنا لكى يغفر لنا خطايانا ، ونستحق دم المسيح يطهرنا من كل خطية ..

وهذا الأمر يستمر معنا كل الحياة ، أعنى حياة التوبة الدائمة  ، والاعتراف بالخطايا ، والسلوك فى النور .. فالتوبة ليست عملاً لحظياً ، إنما هى حياة ..

وبهذا فإن الخلاص من عقوبة الخطية أمر نطلبه طول من عقوبة الخطية أمر نطلبه طول حياتنا ، ونسلك فى وسائله ولا نقول إننا نلناه فى لحظة !

إنما يتحدث عن الخلاص من عقوبة الخطية فى الماضى ، إنسان قد انقطعت صلته بالخطية تماماً ، واصبحت الخطية بالنسبة إليه من حديث الماضى وحده ! أما إنسان يعتقد أن الخلاص من سلطان الخطية ،موضوع مسيرة العمر كلها ، فهو يعترف ضمناً أنه لم يخلص من الخطية وممارساتها . وبالتالى لم يخلص بعد من عقوبتها .. !

ممارسة الخطية ، وعقوبة الخطية ، أمران متلازان . فمادام الخلاص من سلطان الخطية هو مسيرة العمر كله ، إذن بالتالى الخلاص من عقوبة الخطية هو طلبة العمر كله . ننتقل إلى النقطة التالية فى ( مراحل الخلاص ) وهى :

الخلاص من سلطان الخطية

كان يمكن أن تقول إن هذه النقطة خارجة عن عن موضوع بحثنا ، مادام كاتب النبذة يقول إنها تشمل مسيرة العمر كله . إذن هى ضد بدعة ( الخلاص فى لحظة ) وتوقع أصحابها فى تناقض ...ويسمونها مرحلة ( التقديس ) .

ويسمونها أيضاً مرحلة ( إتمام الخلاص )ويستشهدون بقول الكتاب : ( تمموا خلاصكم بخوف ورعدة ) ( فى 2 : 12 ) وبقوله أيضاً : ( لنطهر ذواتنا من كل دنس الجسد والروح ، مكملين القداسة فى خوف الله ) ( 2كو 7 : 1 ) ولذلك يقولون إنه مستلزمات هذه المرحلة الجهاد القانونى ، ومن وسائلها سر المسحة والتناول ...

1 ـ عبارة إتمام الخلاص ، تعنى أن الخلاص لم يتم . وإتمامه كما يقولون يحتاج إلى مسيرة العمر . فما معنى إذن ( الخلاص فى لحظة ) ؟!

2 ـ وإن كانت المرحلة السابقة هى ( نوال الخلاص ) هذا الذى يقولون إنه تم فى لحظة !

فهل يتفق مع نوال الخلاص ، أن تقضى بعده مسيرة العمر ( فى خوف ورعدة ) ( فى 2 : 12 ) ؟

3 ـ عبارات التبرير والتقديس والتمجيد ، التى وردت فى هذه النبذة ، لنا عليها تعليق فى بحث خاص فى هذا الكتاب .

ننتقل إلى النقطة الثالثة فى هذه ( المراحل ) وهى :

الخلاص من  جسد الخطية !

قالوا فى ذلك : وفى نهاية الحياة ، وعد الرب أنه سيأتى ، ليعطى المؤمنين الذين ينتظرون مجيئه أجساداً نورانية شبه جسده الممجد ( فإن سيرتنا نحن هى فى السموات ، التى منها ننتظر مخلصاً هو الرب يسوع ، الذى سيغير شكل جسد تواضعنا ، ليكون على صورة جسد مجده ) ( فى 3 : 2. ، 21 ) .. وأيضاً ( 1كو 15 : 52 )

ويقولون إنه الخلاص الذى نترجاه ، وانه كمال الخلاص ، وانه الخلاص من جسد الخطية ، ويسمونه التمجيد . ويقولون ان عوامله ووسائله هى مجئ المسيح الثانى . ومستلزماته السهر والانتظار . ويقولون إن هذا الخلاص يتم فى لحظة .

ولنا على كل هذا الكلام ملاحظات ، من بينها :

1 ـ عجيب أن يكون الخلاص الذى ننتظره ، هو الخلاص من هذا الجسد ولبسالجسد الروحانى ( 1كو 15 : 52 ) !!

فلبس الجسد الروحانى فى القيامة ، هو مجرد مقدمة للأفراح ...

حيث نلبس إكليل البر ( 2تى 4 : 8 ) ونخلص من هذا تاجهاد العنيف ، ونتمتع بما لم تره عين ، ولم تسمع به أذن ، ولم يخر على قلب بشر ( 1كو 2 : 9 ) نتمتع بالعشرة مع الله ، ومع ملائكته وقديسيه ، فى أورشليم السمائية مسكن الله مع الناس ( رؤ 21 : 3 ) حيث نأكل من شجرة الحياة ( رؤ 2 : 7 ) ومن المن المخفى ( رؤ 2 : 17 ) ونجلس مع الابن فى عرشه ( رؤ 3 : 21 ) وترجع إلينا الصورة الإلهية ، ونتمتع بكل البركات التى وردت فى سفر الرؤيا . ونحيا حياة كلها سعادة وبركة .

هذه هو الخلاص العظيم الذى ننتظره . وخلع الجسد المادى فيه هو مجرد عنصر سلبى من سلبيات كثيرة .

حيث نتخلص من المادة كلها ، ومن هذا العالم ومن الخطية ونتائجها : الموت والحزن ، كما نخلص من حروب الشياطين ومن الخطية عموماً ، لأنه : ( لا يكون حزن ولا صراخ ولا وجع فيما بعد ) ( والموت لا يكون فيما بعد ) ( رؤ 21 ) وإبليس الذى يضلنا سيكون قد طرح فى بحيرة النار والكبريت ( رؤ 2. : 1. ) كما سنخلص من معرفة الخطية ، وترجع أذهاننا وقلوبنا إلى البساطة والنقاوة التى لا تعرف خطية .. فلماذا إذن تركيز الخلاص الذى نترجاه ، على مجرد خلع الجسد المادى؟!

2 ـ ولماذا يسميه كاتب النبذة ( جسد الخطية ) ؟

هل لمجرد الإيقاع اللفظى ، فى التوافق بين عبارات ( خلاص من عقوبة الخطية ) ومن سلطان الخطية ، ومن جسد الخطية .. ! تماماً كالإيقاع اللفظى فى التقسيم السجعى : خلاص نلناه ، وخلاص نحياه ، وخلاص نترجاه.. ! إن شرح الأمور اللاهوتية على لفظى أو سجعى ، كم أوقع الكثيرين فى أخطاء لاهوتية عديدة وصعبة .. !

من قال إننا نلبس جسد الخطية ؟!

لو كان هذا الجسد خطية ، ما كان الله قد خلقه ، لأن الله لا يخلق شيئاً شريراً على الإطلاق . ولو كان هذا الجسد خطية ، ما لبس الله جسداً حينما تجسد لخلاصنا . ولو كان هذا الجسد خطية ، ما كنا نكرم أجساد  القديسين ، وما كانت ملامسة عظام اليشع تقيم ميتاً ( 2مل 13 : 21 ) ولو كان هذا الجسد خطية ، ما كان الرسول يقول : ( مجدوا الله فى أجسادكم وفى أرواحكم التى هى لله ) ( 1كو 6 : 2. ) وما كانت أجسادنا تصير هياكل للروح القدس ( 1كو 6 : 19 ) وأعضاء المسيح ( 1كو 6 : 15 ) وما كانت أجسادنا تشترك فى العمل الروحى : فى الصلاة والصوم والسهر والسجود والتعب من أجل خلاص الآخرين.. !

إن كان الجسد يخطئ  ، فالروح أيضاً تخطئ .

الشيطان روح من غير جسد مادى ، وهو يخطئ . وقد وقع فى خطايا الكبرياء ، والكذب ، والحسد ، خداع الآخرين . ولم يشترك معه جسد فى هذه الأخطاء .. والبشر ايضاً يقعون فى أخطاء الروح هذه ، وفى أخطاء أخرى كثيرة للروح . وبأخطاء الروح يدفعون الجسد إلى الخطية دفعاً .

ونحن نصلى إلى الله أن يطهر نفوسنا وأجسادنا وأرواحنا ، وان ينجينا من دنس الجسد والروح . والرسول نفسه يقول : ( لنطهر ذواتنا من كل دنس الجسد والروح ، مكملين القداسة فى خوف الله ) ( 2كو 7 : 1 ) إذن الروح تتدنس كما يتدنس الجسد .

والخلاص الذى نطلبه ، هو خلاص من الخطية عموماً ، ومن الدنس عموماً ، سواء كان من الجسد أو من الروح .

ومادامت الروح تخطئ ، إذن الروح تتعذب فى الأبدية كما يتعذب الجسد . وليس العذاب فق للجسد فقط للجسد ، باعتباره جسد الخطية !!

إن الكتاب يقول لنا : ( قبل الكسر الكبرياء ، وقبل السقوط تشامخ الروح )( أم 16 : 18 ) ويحدثنا أيضاً عن ( تكبر الروح ) ( جا 7 : 8 ) وقيل عن نبوخذ نصر الملك إنه ( ارتفع قلبه وقست روحه ) ( دا 5 : 2. ) ويقول الكتاب : ( طول الروح خير من تكبر الروح . لا تسرع بروحك إلى الغضب ، لأن الغضب يستقر فى حضن الجهال ) ( جا 7 : 9 ) وقال الله عن الجيل الزائغ المتمرد إنه ( لم تكن روحه أمينة لله ) ( مز 78 : 8 ) ولأهمية الروح وعملها وإمكانية سقوطها قال الكتاب : ( مالك روحه خير من مالك مدينة ) ( أم 16 : 32 )

لماذا إذن الكلام عن الخلاص فقط من جسد  الخطية ؟ بينما المطلوبهو الخلاص من الخطية جسداً وروحاً ..

3 ـ لعل التركيز على  ( جسد الخطية ) هو الظن بأن التخلص من هذا الجسد المادى يتم فى لحظة !!

ولعل حجة هؤلاء هى قول الرسول : ( هوذا سر أقوله لكم : لا نرقد كلنا . ولكننا كلنا نتغير . فى لحظة فى طرفة عين ، عند البوق الأخير . فإنه سيبوق ، فيقام الأموات عديمى فساد ، ونحن نتغير . لأن عذا الفاسد لابد أن يلبس عدم فساد ، وهذا المائت يلبس عدم موت ) ( 1كو 15 : 51 ـ 53 )

الواقع إن الذى يتم فى لحظة ، هو عملية الاختطاف ، وما يتتبعها من تغير عند البوق الأخير ، فى يوم القيامة :

يقول الرسول : ( إننا نحن الأحياء الباقين إلى يوم الرب ، لا نسبق الراقدين لأن الرب نفسه ، بهتاف ، بصوت رئيس ملائكة ، وبوق الله ، سوف ينزل من السماء . والأموات فى المسيح سيقومون أولاً ، ثم نحن الأحياء الباقين سنخطف جميعاً معهم ، لملاقاة الرب فى الهواء . وهكذا نكون على حين مع الرب ) ( 1تس 4 : 15 ـ 17 ) .

هؤلاء الذين يبقون أحياء إلى مجئ الرب ، ويخطفون معه إلى السحاب . تتغير أجسادهم فى لحظة إلى أجساد روحانية .

وذلك لكى يمكنهم أن يلاقوا الرب فى الهواء ، ويأخذهم معه على السحاب ، ويكونوا معه كل حين . ولا يجوز هذا للأجساد المادية . كما انهم بهذا التغير يصيرون مثل باقى البشر الذين قاموا من الأموات بأجساد  روحانية ( 1كو 15 : 44 ، 53 )

وطبعاً كاتب نبذة ( مراحل الخلاص ) لم يكتبها لهؤلاء الباقين إلى مجئ الرب الذين سيخفون لملاقاة الرب فى الهواء !!

أما الذين يموتون الآن ، ويقومون فى اليوم الأخير ، وكذلك الذين ماتوا قبلنا ... كلهم لا ينبق عليهم الخلاص من الجسد المادى فى لحظة .. فلماذا ؟

ذلك لأن هذا الموضوع ، ينقسم إلى مرحلتين بينهما مسافة :

أ ـ المرحلة الأولى ، وهى خلع الجسد المادى ، بالموت .

ب ـ المرحلة الثانية ، وهى لبس الجسد الروحانى ، فى القيامة .

وبين المرحلتين مدى زمنى ، ربما يكون آلاف أو مئات السنين ، وليس لحظة ! لأن لحظة التخلص من الجسد المادى  بالموت ، ليست هى لحظة التمجيد الذى يقصدونه ، وليست وسيلتها مجئ  المسيح ، وليس شاهدها ( 1كو 15 : 52 ) أو ( فى 3 : 21 ) فكل هذا عن تغيير الجسد فى يوم القيامة.

وواضح أنه ليست بيننا وبين القيامة لحظة .

فالمسافة بين الموت والقيامة طويلة جداً . ولأن المسافة طويلة ، فإن الخليقة كلها تئن منتظرة . وفى هذا يقول الرسول :

( .. فإننا نعلم أن كل الخلقية تئن وتتمخض معاً إلى الآن . وليس هكذا فقط ، بل نحن الذين لنا باكورة الروح ،  نحن أنفسنا أيضاً نئن فى أنفسنا ، متوقعين التبنى فداء أجسادنا . لأننا بالرجاء خلصنا ، ولكن الرجاء المنظور ليس رجاء . لأن ما ينتظره أحد ، كيف يرجوه أيضاً ؟ ولكن إن كنا نرجو ما لسنا ننتظره ، فإننا نتوقعه بالصبر ) ( رو 8 : 22 ـ 25 )

هذا الذى ننظره ونتوقعه ، بالصبر والرجاء ، لا يمكن أن تنطبق عليه عبارة لحظة . فما أطول المسافة بين خلعنا لهذا الجسد ، ولبسنا الجسد الروحانى النورانى ..

 ومن هنا يكون وصول الإنسان إلى مرحلة ( التمجيد ) التى يقصدونها لا يتم لقارئ النبذة أو لغيره فى لحظة .

ننتقل إلى قاعدة عامة نطبقها على ما ورد فى نبذة ( مراحل الخلاص ) وهى :

خطورة التحديدات

هذه التحديدات الموجودة فى ( مراحل الخلاص ) تحديدات غير مقبولة لاهوتياً ، والصيغات السجعية واللغوية ليست هى المقياس اللاهوتى السليم ...

فمثلاً تحديد الخلاص من عقوبة الخطية بأنه خلاص نلناه ، فى الماضى تعبير خاطئ ، لأننا أيضاً نحياه ونترجاه .

فنحن نحياه ، عن طريق التوبة المستمرة ، وما يصحبها من مغفرة وخلاص من العقوبة . كما إننا نترجى هذا الخلاص فى المستقبل ، حينما نقف أمام الله فى يوم الدينونة الرهيب ، راجين أن نسمع منه عبارات المغفرة والخلاص . وإلا فما معنى ( يوم الدينونة ) الذى سيجازى فيه الرب كل واحد حسب أعماله ؟ ( مت 16 : 27 ، رو 22 : 12 )

2ـ والخلاص من سلطان الخطية ، أمر يختص أيضاً بالماضى والحاضر والمستقبل . ومن الصعب تحديده بالحاضر فقط .

فمهما كان الخلاص الذى نحياه حالياً من جهة سلطان الخطية ، فهو لا يقاس اطلاقا بما نترجاه فى الأبدية ، حيث نحيا فى البر والقداسة والنقاوة ، بلا صراع ، بلا جهاد ، إذ ننال إكليل البر ( 2تى 4 : 8 ) ولا تكون خطية فيما بعد ( لأن الأمور الأولى قد مضت ) ( رؤ 21 : 4 )

ولا يكون فى الأبدية أى سلطان للشيطان ولا أعوانه فى محاربة المؤمنين ، ولا أى ضعف فيهم يستسلم لأية حروب داخلية أو خارجية ، بل تنتهى الحرب تماماً .

إذن الخلاص من سلطان الخطية ليس خاصاً فقط ، بمعنى أننا نحياه الآن . إننا سنحياه أيضاً فى المستقبل . لذلك نحن فى صراعنا الحالى ، نترجى هذه الحالة الروحية السامية .

إن الذى ينكر الخلاص من بعض سلطان الخطية فى الماضى ، إنما ينكر عقيدياً بعض مفاعيل المعمودية فى تجديد الطبيعة .

حقاً إننا مانزال نحارب . ولكن مقاومتنا بعد المعمودية أقوى بكثير من حالتنا قبلها . ولذلك يقول بولس الرسول : ( إن خلاصنا الآن أقرب مما كان حين أمنا ) ( رو 13 : 11 )

كذلك الخلاص من سلطان الخطية ، نلنا منه شيئاً فى الماضى ، حينما دخلنا بالمعمودية فى جدة الحياة ، فى نعمة التجديد ، أعنى تجديد الطبيعة ، هذه التى قال عنها القديس بولس الرسول : عالمين هذا ، أن إنساننا العتيق قد صلب معه ، ليبطل معه ، ليبطل جسد الخطية ، كى لا نعود نستعبد أيضا للخطية ) ( رو 6 : 6 ، 4 )

3 ـ كذلك الخلاص الذى نترجاه ، ذكرنا من قبل أن حصره فى الخلاص من قبل أن حصره فى الخلاص من الجسد المادى ، هو تحديد خاطئ ..

4 ـ إن القضايا اللاهوتية تحتاج إلى دقة كبيرة فى التعبير .

مجرد تغيير  كلمة بكلمة ، قد يؤدى إلى خطأ لاهوتى ، أو إلى بدعة . والتقيد فى المسائل اللاهوتية بالتعبير السجعى ، قد تكون له خطورة كبيرة .

5 ـ كذلك تعبير لحظة له أخطاؤه لاهوتياً ولغوياً . ومن الصعب لغوياً أن نطلق كلمة لحظة على مرحلة !

كيف يمكن لإنسان أن يتحدث عن ( مراحل ) الخلاص ، فيقول إنها ثلاث مراحل : المرحلة الأولى منها لحظة ، والمرحلة الأخيرة منها لحظة  ، والمرحلة الأخيرة منها لحظة ، والمرحلة الوسطى هى مسيرة العمر . والمراحل الثلاث توضع تحت عنوان ( الخلاص فى  لحظة ) ؟!

وفى هذه المراحل ينسى الكاتب كل الخطوات الطويلة التى كانت ممهدة لها . فإن كانت المرحلة الأولى التى يسمونها التبرير تعتمد على الإيمان ، فهل يمكن تجاهل كل الخطوات التى أوصلت الإنسان إلى الإيمان ، كخدمة الكلمة ، وعمل القلب ، وصراع الروح للاستجابة .

وحتى المرحلة الأولى التى يقولون إنها خلاص نلناه فى لحظة ، بالإيمان الواعى ، والتوبة القلبية ، وبالمعمودية ، نسألهم فيها :

أية لحظة تقصدون ؟

أهى لحظة خاصة بالإيمان ؟ أم بالتوبة ؟ أم بالمعمودية  ؟

لا المعمودية تتم فى لحظة ، ولا التوبة ، ولا الإيمان ! فكيف يمكن أن تشمل الكل معاً فى لحظة ؟!!!

6 ـ بقى فى النبذة موضوع خاص بمعمودية الأطفال . تعليقنا عليه ، فى الفصل الخامس بالمعمودية .

الفصل الخامس

الخلاص هو قصة العمر كله

الخلاص بالإيمان والتوبة والمعمودية

1ـ أنت يا أخى ، كنت فى صلب آدم ، حينما أخطأ ، وحينما عوقب ، وحينما دخل الموت إليه . فورثت عنه كل هذا ، وتلقيت معه حكم الموت ، كجزء منه ودخلت الخطيئة إلى طبيعتك ، وفقدت صورتك الإلهية .

وأصبحت فى حاجة إلى الخلاص من هذه الخطية الأصلية الجدية ، ومن كل نتاجها وعقوباتها .

هذه التى قال عنها الرسول : ( بإنسان واحد ، دخلت الخطية إلى العالم وبالخطية الموت . وهكذا إجتاز الموت إلى جميع الناس ، إذ أخطأ الجميع ) ( رو 5 : 12 ) فكيف إذن نلت الخلاص من هذه الخطية ؟

2 ـ تبدأ قصة الخلاص فى  حياة كل إنسان بالإيمان والتوبة والمعمودية .

وذلك حسب قول السيد المسيح : ( من آمن واعتمد خلص ) ( مر 16 : 16 ) وحسب قول القديس بطرس الرسول لليهود فى يوم الخمسين : ( توبوا وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح لغفران الخطايا .. ) ( أع 2 : 38 )

وهذه الخطايا تشمل الخطية الأصلية ، وجميع الخطايا الفعلية التى ارتكبها الإنسان قبل المعمودية .

3 ـ فى المعمودية ننال خلاصاً وغفراناً ، وغسلاً لخطايانا ، وتجديداً .

فيها ندفن مع المسيح ( كو 2 : 12 ) نموت معه ، لنقوم معه ، ونحن فى جدة الحياة ( رو 6 : 4 ) ( عالمين أن إنساننا العتيق قد صلب معه ، ليبطل جسد الخطية ، حتى لا نعود نستعبد أيضاً للخطية )

( رو 6 : 6 ) .

لقد صرنا فى المعمودية أولاداً لله ، وصرنا أعضاء فى جسد المسيح . بل أكثر من هذا يقول الرسول : ( لأنكم جميعكم الذين اعتمدتم للمسيح ، قد لبستم  المسيح )

( غل 3 : 27 ) لقد متنا مع المسيح وقمنا . مات إنساننا العتيق المحكوم عليه بالموت ، وقام  إنسان جديد على صورة الله ..

4 ـ ولكننا مازلنا نخطئ بعد المعمودية . المعمودية منحتنا تجديداً فى طبيعتنا ، ولكنها لم تمنحنا عصمة . لقد صار المعتمد إنساناً   جديداً ، ولكنه إنسان حر ، وبالحرية يمكن أن يخطئ.

نحن لا ننكر أننا نخطئ بعد المعمودية ، ونخطئ كل يوم ( وإن قلنا إنه ليس لنا خطية ، نضل أنفسنا وليس الحق فينا ) ( 1يو 1 : 8 )

نعمة التجديد التى نلناها فى المعمودية ، لم تسلبنا نعمة الحرية التى لنا كصورة الله ، هذه الحرية الى ترفع من قدر إنسانيتنا ... الطبيعة ألتى أخذناها من المعمودية ، طبيعة نقية ، ومع ذلك هى طبيعة قابلة للخطية . فهكذا كانت أيضا طبيعة آدم قبل السقوط ..

5ـ إننا لم ننل العصمة .لم ننل بعد إكليل البر ، الذى يهبه لنا فى ذلك اليوم الرب الديان العادل ( 2تى 4 : 8 ) .

حقاً إننا نخطئ  بعد المعمودية . ولكن لا شك أن هناك فرقاً بين من يخطئ قبل العماد وحياته فى الشر ، وبين من يخطئ بعد عماده ، ويتبكت من الروح القدس ومن ضميره . وتكون الخطية بالنسبة إليه شيئاً عارضاً ، ترفضه روحه ويمكنه الإنتصار عليه ..

6 ـ كذلك نحن فى سر الميرون ، سر المسحة المقدسة ( 1يو 2 : 2. ، 27 ) ، يسكن فينا الروح القدس ، نصير هياكل للروح القدس ، وروح الله يسكن فينا ( 1كو 3 : 16 )

ولكن الروح القدس الذى فينا ، لا يرغمنا على الخير .

ولا يمنعنا من إرتكاب الخطية إجباراً بالقوة . إنما يرشدنا ويقوينا ، ويبكتنا على خطية . ونبقى كما نحن أحراراً ، يمكن أن نسقط فى الخطية ، إذا انحرفت إرادتنا الحرة .

وواضح أننا نخطئ بعد المعمودية ، وبعد سكنى الروح القدس فينا . وهنا لابد أن يعترضنا سؤال وهو :

7 ـ هذه الخطايا التى نقع فيها بعد المعمودية : أليست لها عقوبة ؟ ألا تحتاج أيضاً إلى خلاص ؟!

الكتاب صريح فى هذا الأمر . إنه يقول : ( أجرة الخطية هى موت ) ( رو 6 : 23 ) كل خطية ، بلا استثناء ( لأنه لابد أننا جميعاً نظهر أمام كرسى المسيح ، لينال كل واحد ما كان بالجسد بحسب ما صنع خيراً كان أم شراً ) ( 2كو 5 : 1. ) وقد قال السيد نفسه : ( ها أنا آتى سريعاً وأجرتى معى ، لأجازى كل واحد كما يكون عمله ) ( رؤ 22 : 12 ) ومادامت هناك عقوبة على كل خطية فعلية نرتكبها ، إذن لابد من احتياج مستمر للخلاص . وكيف ذلك ؟ نتدرج إلى :

الخلاص بالتوبة والتناول

8 ـ لعلك تقول : كل خطاياى قد حملها المسيح المسيح على الصليب

هنا وأقول لك : أية خطايا قد حملها المسيح عنك ؟

بكل صراحة ، يجب أن تعلم أن المسيح لا يحمل عنك إلا الخطايا التى تتوب عنها . لأنه هو نفسه يقول ( إن تتوبوا فجميعكم كذلك تهلكون ) ( لو 13 : 3 ، 5 ) والكتاب يقول فى ذلك أيضاً ( أم تستهين بغنى لفه وامهاله وطول اناته ، غير عالم أن لطف الله إنما يقتادك إلى التوبة . ولكنك  من أجل قساوتك وقلبك غير التائب تدخر لنفسك فى يوم الغضب واستعلان دينونة الله العادلة ، الذى سيجازى كل واحد حسب أعماله ) ( رو 2 : 4 _ 6 )

9 ـ إذن هناك خلاص تناله أيضاً فى التوبة ..

والتوبة ليست عملاً يتم فى لحظة ، إنما هى تستمر معك طول حياتك ، عن كل خطية ترتكبها فى رحلة العمر الطويلة . وليست التوبة فقط ، وإنما ..

1. ـ هناك خلاص تناله فى التناول  من جسد الرب ودمه :

إننا نقول فى القداس الإلهى عن التناول : ( يعطى عنا خلاصاً وغفراناً للخطايا وحياة أبدية لمن يتناول منه ) .

ولعل هذا مأخوذ من وعود السيد المسيح التى قال فيها : من يأكل جسدى ويشرب دمى ، فله حياة أبدية ... من يأكل جسدى ويشرب دمى ، يثبت فى وأنا فيه ) ( يو 6 : 54 ، 56 )

إذن هناك خلاص نناله فى المعمودية ، وخلاص نناله فى التوبة والتناول وما فى التوبة من اعتراف بالخطايا .

لا نستطيع ان نقول إننا خلصنا حقاً ، مادمنا نخطئ ، ومادامت عقوبة الخطية تترصدنا ، ومادمنا نحتاج كل يوم إلى توبة ... إنما نحن ننال خلاصاً فى كل يوم بالتوبة ، وتمحى خطايانا بالدم ، ونخطئ مرة أخرى .

11 ـ إننا نحيا على الأرض فترة اختبار . والإنسان لا يختبر فى لحظة ، أو فى فترة معينة من حياته . إنما حياته كلها ـ حتى يوم وفاته ـ هى فترة اختبار .

إن لحظات مقدسة فى حياة الإنسان ، لا يمكن أن تعبر عن حياته كلها ، مهما كانت لحظات توبة ، أو عمق الصلة مع الله فى صلاة وتأمل وخدمة للآخرين .. ‍‍‍‍‍‍‍! فحياة الإنسان فيها الكثير من التغير ومن التقلب ..

القديس بطرس الرسول كان فى لحظة ما فى منتهى الحماس والتمسك بالرب حتى الموت ، يقول له : ( إن شك الجميع ، فأنا لا أشك .. ولو اضطررت أن أموت معك ، لا أنكرك ) ( مر 14 : 29 ، 31 ) .. وبعدها بساعات ، سب ولعن ، وقال لا أعرف الرجل ، منكراً المسيح ثلاث مرات ( مت 26 : 74 ، 75 )

إن كان رسول عظيم كهذا ، تعرض إلى حرب روحية شديدة وسقط ، فماذا تقول عن نفسك يا من تظن أنك خلصت ؟!

إنك فى حرب

12 ـ إنها حرب  قائمة دائمة ، تستمر معك طول الحياة ..

ومادامت فى حرب ، كيف تعلن نتيجتها قبل انتهائها ؟!

هذه الحرب يتحدث عنها القديس بولس الرسول فيقول : ( إن مصارعتنا ليست مع لحم ودم بل مع .. أجناد الشر الروحية ) ( أف 6 : 12 ) وقال لنا عن هذه الحرب : ( من أجل ذلك ، إلبسوا سلاح الله الكامل ، لكى تقدروا أن تقاوموا فى اليوم الشرير ، وبعد أن تتموا كل شئ أن تثبتوا ) ( أف 6 : 13 ) وما أجمل تلخيص الرسول لأمور الحرب هنا :

حرب . سلاح . مقاومة . تتمموا كل شئ . ثبتوا ... ونحتاج فى هذه الحرب إلى إطفاء جميع سهام الشرير الملتهبة ( أف 6 : 16 ) .

والقديس بطرس الرسول يقول عن هذه الحرب : ( اصحوا واسهروا ، لأن إبليس خصمكم كأسد زائر ، يجول ملتمساً من يبتلعه هو . فقاوموه راسخين فى الإيمان ) ( 1ب 5 : 8 ، 9 ) إذن هو يكلم مؤمنين ، ومحاربين ، ويحتاجون إلى صحو وسهر ، ومقاومة لعدو شديد . والقديس بولس يريد أن نقاوم حتى الدم ، مجاهدين ضد الخطية ( عب 12 : 4 )

الحرب مازالت مستمرة . ونتيجتها هى التى تقرر خلاصكم .

ولذلك فإن السيد المسيح يكرر عبارة ( من يغلب .. ) سبع مرات فى رسائله إلى الكنائس السبع التى فى آسيا ( رؤ 2 ، 3 ) فهل تحسب نفسك من الغالبين ، والحرب مازالت مستمرة ؟! انتظر إذن حتى تنتهى هذه الحرب .

13 ـ كثيراً ما يخيل إليك أنك قد خلصت من الخطية ، ثم ترجع إليها أو إلى غيرها

مرة أخرى .. !

كثيراً ما تظن أنك صرت صديقاً باراً ، ثم ترى أن ( الصديق يسقط سبع مرات ويقوم ) ( أم 24 : 16 ) وكيف  يقوم ؟ يقوم بعمل النعمة ، وبخدم المصالحة من رجال الكهنوت ( 2كو 5 : 18 ، 2. ) وبسرى التوبة والإفخارستيا ، وبمعونة من الكنيسة فى افتقادها ورعايتها ..

وكثيراً ما تحولك التوبة ، ليس من خاطئ إلى تائب فحسب ، بل من خاطئ إلى قديس . ولكن هل تظن بهذا أنك قد وصلت ؟! كلا ، فإن الحرب ضد القديسين أخطر وأصعب !

أتراك صرت قديساً ، وظننت أنك قد خلصت ؟! إذن اسمع ما يقوله سفر الرؤيا عن الوحش : ( وأعطى أن يصنع حربا مع القديسين ويغلبهم ) ( رؤ 13 : 7 ) هؤلاء القديسون الذى غلبهم الوحش ، الا يحتاجون إلى الخلاص ؟!

14 ـ  ما أكثر صلوات القديسين طلباً للخلاص ..

وما أكثر صلواتنا اليومية التى نصليها بالمزامير طلباً للخلاص . ونقول فيها : ( اللهم باسمك خلصنى ) ( مز 53 ) ( انضح على بزوفاك فاخلص ، واغسلنى فأبيض أكثر من الثلج ) ( مز 5. ) ( إلى متى أردد هذه المشورات فى نفسى ، وهذه الأوجاع فى قلبى النهار كله ؟ إلى متى يرتفع عدوى على ) ( مز 12 )

15 ـ فمادامت الحرب الروحية التى تهدد خلاصنا ، هى طول الحياة كلها إذن فهذا الخلاص هو قصة الحياة كلها .

لا تستكبر بل خف

16 ـ يقول القديس بولس الرسول  : لا تستكبر بل خف . لأنه إن كان الله لم يشفق على الأغصان الطبيعية فلعله لا يشفق عليك أنت أيضاً . فهوذا لطف الله وصرامته : أما الصرامة فعلى الذين سقطوا . وأما اللطف فلك ، إن ثبت فى اللطف . وإلا فأنت أيضاً ستقع ) ( رو 11 : 2. ـ 22 )

إذن هناك إحتمال أنك لا تثبت ، وحينئذ تقطع . فذلك لا تستكبر وتظن أنك قد خلصت وانتهى الأمر ، بل خف . المتضعون يسلكون بهذه المخافة . أما المتكبرون فيفتخرون باطلا بأنهم خلصوا ، وضمنوا الخلاص إلى الأبد . وبهذا الافتخار تزول المخافة من قلوبهم . وبالتالى يزول الحرص ، وتتخلى عنهم النعمة بسبب الكبرياء فيسقطون . ويبلون وصية الرسول القائل :

17 ـ ( تمموا خلاصكم بخوف ورعدة ) ( فى 2 : 12 )

ومعنى هذا أن الخلاص الذى نلناه فى المعمودية من الخطية الأصلية والخطايا السابقة للمعمودية ، وهو خلاص يحتاج إلى تتميم .

وهو تتميم يشمل الحياة كلها ، ولا يتم فى لحظة .

18 ـ إنه لم يتوقف على القبول والإيمان ، ولا على التوبة والمعمودية  ، وإنما يحتاج إلى ثمر الإيمان ( يو 15 : 5 ، 6 ) وإلى ثمار تليق بالتوبة ( مت 3 : 8 ) ويلزمه فى كل ذلك عمل النعمة ، وشركة الروح القدس ( 2كو 13 : 14 ) ومحبة الله ، والثبات فى هذه المحبة ( يو 15 : 9 ) والجهاد ( 2تى 2 : 5 عب 12 : 1 ) والمصارعة مع الشيطان  ( أف 6: 12 ) والمقاومة حتى الدم ( عب 12 : 4 ) كما تلزم فاعلية الأسرار وهى كثيرة ..

ويلزم أيضاً الخوف : الخوف من السقوط ، ومن الدينونة ..

19 ـ ويقول القديس ذهبى الفم عن الخوف ، فى شرح ( فى 2 : 12 ) :

[ إن الرسول لم يقل فق ( بخوف ) وإنما قال ( ورعدة ) وهى درجة أعلى بكثير من الخوف ..

هذا الخوف كان عند القديس بولس نفسه . ولذلك قال : أنا أخاف ( لئلا بعدما كرزت لآخرين ، أصير أنا مرفوضاً ) ( 1كو 9 : 27 ) .

لأنه إن كان بدون الخوف لا تتم بعض الأمور الزمنية ، فكم بالأولى الأمور الروحية .. لأنه حيثما توجد حرب بمثل هذا العنف ، وحيثما توجد هذه العوائق العظيمة ، كيف يمكن أن توجد إمكانية للخلاص بدون خوف ؟! ]

ويستطرد القديس يحنا ذهبى الفم فيقول :

[ أنت قد آمنت ، وقمت بأعمال فاضلة . وقد ارتقيت إلى فوق . إذن احترس لنفسك . كن فى خوف حيثما تقف . ولتكن لك العين الحذرة ، لئلا تسقط . لأنه ما أكثر أمور الشر الروحية التى تعمل على الإحاطة بك ( أف 6 : 12 ) ]

جميلة هذه النصيحة التى يقولها لنا القديس ذهبى الفم : إن عوائق كثيرة تعمل على الإحاطة بنا . لذلك ينبغى أن نتمم خلاصنا بخوف ورعدة .

20 ـ تخاف لأنك لا تزال فى الجسد ، ولأن حروباً كثيرة تحيط بك لإسقاطك ، ولأنك مهدد بأنك ستقطع إن لم تثبت . وتخاف بسبب ضعف طبيعتك وقوة أعدائك . كما أن الخوف يجلب لك الحرص والتدقيق والاتضاع ، ويلصقك بالصلاة بالأكثر ، لتنال معونة من فوق .

21 ـ وقد أكد القديس بطرس الرسول ضرورة هذا الخوف بقوله : ( إن كنتم تدعون أباً ، الذى يحكم بغير محاباة حسب عمل كل واحد ، فسيروا زمان غربتكم بخوف ) ( 1بط 1 : 17 )

نعم نسير بخوف ، لئلا يفقد أحد إكليله ( رؤ 3 : 11 ) .. لئلا تمحى أسماؤنا من سفر الحياة ( رؤ 3 : 5 خر 32 :33 ) لئلا تتزحزح منارتنا من مكانها ( رؤ 2 : 5 ) لئلا نعمل مثل الغلاطيين : ( نبدأ بالروح ونكمل بالجسد ) ‍ ‍‍‍‍‍! ( غل 3 : 3 )

22 ـ نخاف أيضاً ، لأن الخلاص ليس سهلاً ، فالرسول يقول :

( إن كان البار بالجهد يخلص ، فالفاجر والخاطئ أين يظهران ) ( 1بط 4 : 18 ) والإنسان البار هو مؤمن طبعاً ، لأن ( البار بالإيمان يحيا ) ( عب 1. : 38 ) فإن كان هذا المؤمن البار ، بالجهد يخلص ، أفلا يخاف المؤمن العادى ؟!

23       ـ ذلك لأنه لو كان الخلاص يتم فى لحظة ، أو لو كان قد تم وانتهى الأمر ، ما كان هناك داع للخوف .

ولكن الكتاب يقول : ( أما البار فبالإيمان يحيا . وإن ارتد ، لا تسر به نفسى ) ( عب 1. : 38 ) هناك إذن احتمال أن يرتد المؤمن ، ولا يسر به الله . حقاً إنه أمر يدعون للخوف ..

24 ـ أيقول أحد إن المؤمن قد خلص وضمن الخلاص ؟! ماذا نقول إذن عن هذا الذى يرتد بعد إيمانه ؟!

وقصص الإرتداد عن الإيمان كثيرة فى الكتاب .. وقد شرحنا هذه النقطة بالتفصيل فى كتابنا ( الخلاص فى المفهوم الأرثوذكسى ) فلا داعى للاستفاضة فيها هنا . إنما نقول : مادام هناك خوف من الارتداد ، إذن ( سيروا زمان غربتكم بخوف ) كما يقول الرسول ( 1بط 1 : 17 )

زمان غربتكم

25ـ حينما قال الرسول : ( سيروا زمان غربتكم بخوف ) (1بط1 : 17 ) كان يقصد طبعاً طول مدة غربتنا على الأرض ، يرافقنا الحرص فيها طلباً للخلاص . ولهذا فإن الكنيسة كانت باستمرار تهتم كيف فارق الإنسان هذا العالم ، وليس كيف بدأ حياته . ولذلك يقول القديس بولس الرسول عن الأمثلة التى نفتدى بها :

( انظروا إلى نهاية سيرتهم ، فتمثلوا بإيمانهم ) ( عب 13 : 7 ) .

وماذا تعنى عبارة ( نهاية سيرتهم )  إلا أن الخلاص يشمل الحياة كلها حتى نهاية السيرة بحيث لا نستطيع أن نحكم قبل هذه النهاية ، التى فيها هؤلاء القديسون ( كملوا فى الإيمان )

26ـ فالخلاص ليس هو مجرد البدء ، إنما الاستمرارية حتى النهاية .

ليس هو انتقالك من الموت إلى الحياة ، إنما استمرارك فى الحياة . فقد تبدأ بالروح وتكمل بالجسد ، كما فعل الغلايون الأغبياء ( غل 3 : 3 )

ليس الخلاص فى أن تصير قديساً ، إنما الخلاص هو أن تستمر فى القداسة ، حتى تسلم وديعتك بسلام وتنتقل إلى الرب .

27 ـ هوذا بولس الرسول يقدم لنا أهل أفسس كمثال :

إنه يكتب رسالته إلى القديسين الذين فى أفسس ( 1 : 8 ) ومع ذلك يطلب إليهم أن يسلكوا كما يليق بالدعوة التى دعوا إليها ( 4 : 1 ) وأن يسلكوا بالتدقيق ، لا كجهلاء بل كحكماء ( 5 : 15 ) وشرح لهم حروب الشياطين ( 6 : 1. ـ 18 ) وقال لهؤلاء  ( ألبسوا سلاح الله الكامل ، لكى تقدروا أن تثبتوا ضد مكايد إبليس ) ( 6 : 11 ) .

بل  ما أعجب قول بولس الرسول إلى قديسى أفسس ، وهو يحذرهم من الوقوع من الوقوع فى الزنا والنجاسة والطمع وكلام السفاهة .

فيقول : ( وأما الزنا وكل نجاسة أو مع ، فلا يسم بينكم كما يليق بينكم كما يليق بقديسين  ولا

القباحة ولا كلام السفاهة ... ) ( 5 : 3 ـ 7 ) أكان  هناك خوف على هؤلاء القديسين أيضاً ( لأنه بسبب هذه الأمور يأتى غضب الله على بناء المعصية ، فلا تكونوا شركاءهم )

( أف 5 : 6 ، 7 )

إذن فالقديسون يحتاجون إلى سلاح وإلى حرب ، وإلى ثبات ، حتى يعلن الله خلاصهم فى اليوم الأخير ( 1بط 1 : 5 )

28 ـ فهل يجرؤ إنسان أن يسأل غيره قبل الوقت ، ويقول له : ,, هل خلصت يا أخ ؟ ،، إن كان قد خلص ، وخلص فى لحظة سجلها فى مفكرته ، فما معنى الجهاد إذن مدى الحياة ؟ وما معنى الحرب التى يتعرض لها القديسون ؟ وما معنى أن بعض القديسين سيغلبهم الوحش ( رؤ 13 ) ؟ وما معنى سقوط ثلاثة من ملائكة الكنائس السبع ( رؤ 2 ، 3 ) ؟ وما معنى حاجة المؤمنين إلى سلاح الله الكامل لكى يقدروا أن يثبتوا ضد مكائد إبليس ( أف 6 ) ؟!

إن شعر أحد فى لحظة أنه قد تخلص من محبة الخطية ، فليتضع هذا الشخص ولينسحق . فربما تعود إليه الخطية مرة أخرى ، وبصورة أشد وأبشع !

إن الشيطان ليس نائماً ، ولم يسلم سلاحه بعد . بل على العكس هو مازال يجول كأسد يزأر ( 1بط 5 : 8 ، 9 ) . لذلك حياة القديسين هى حياة جهاد طوال ( زمان غربتهم ) على الأرض .. حتى بولس الرسول نفسه ، الذى صعد إلى السماء الثالثة وسمع كلمات لا ينطبق بها

( 2كو 12 : 2 ، 4 )

29 ـ بولس الرسول العظيم يقول : ( أقمع جسدى واستعبده ، حتى بعدها كرزت لآخرين ، لا أصير أنا نفسى مرفوضاً ) ( 1كو 9 : 27 ) !

هذا القديس المتواضع ، لم يقل أنا خلصت فى لحظة ، كما يقولها بكل جرأة أحد الشبان فى أيامنا ! بل انه يقول بكل اتضاع : ( أسعى نحو الغرض ، لأجل جعالة دعوة الله العليا ) ( اسعى لعلى أدرك ، الذى لأجله أدركنى أيضاً المسيح ) ( فى 3 : 14 ، 12 )

3. ـ ولا يقول هذا الكلام عن نفسه فقط ، بل يضعه كقاعدة أمامنا ، بل أمام الكاملين منا فيقول :

( فليفتكر هذا جميع الكاملين منا .. فلنسلك بحسب بحسب ذلك القانون عينه ، ونفتكر ذلك عينه ) ( فى 3 : 15 ، 16 )

إذن يا من تظن أنك نلت الخلاص فى لحظة ، انتظر قليلاً ولا تتسرع .. ربما تكون لحظة من النعمة قد مرت بك ، فأحسست شيئاً روحياً داخلك . وظننت أن نعمة تلك اللحظة قد صارت لك بيعة الحياة كلها ..

إذن ( لا تستكبر بل خف ) ( رو 11 : 2. ) وأمامك مثال :

31 ـ القديس تيموثاوس ، تلميذ بولس الرسول ، كمثال فى الخلاص :

كان هذا القديس من رجال الإيمان المعروفين . وقد تربى تربية صالحة على يدى أمه وجدته ( 2تى 1 : 5 ) وكان منذ طفولته يعرف الكتب المقدسة ( 2تى 3 : 15 ) وقد صار بعد إيمانه أحد أساقفة الكنيسة ، وصار مساعداً لبولس الرسول فى كرازته الواسعة . ولقد قال عنه القديس بولس فى رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس : ( لأنه يعمل عمل الرب كما أنا أيضاً ) ( 1كو 16 : 1. )

ومع كل ذلك ، يقول له معلمه بولس :

لاحظ نفسك والتعليم ، وداوم على ذلك . لأنك إن فعلت هذا ، تخلص نفسك والذين يسمعونك أيضاً ) ( 1تى 4 : 16 )

إذن القديس تيموثاوس الأسقف والمبشر والمعلم ومساعد بولس الرسول ، الذى يعمل عمل الرب كما هو أيضاً .. تيموثاوس رجل الإيمان ، كان محتاجاً إلى الخلاص ، وكان محتاجاً أن يلاحظ نفسه لكى يخلص ... وهذه الملاحظة للنفس كانت لابد أن تستمر على الداوم .

وقد جعل الرسول خلاص هذا القديس الأسقف مشروطا بشرط : إن فعلت هذا تخلص نفسك . إن لاحظت نفسك والتعليم ودامت على ذلك ..

من يصبر إلى المنتهى

32 ـ مادام موضوع الخلاص هو قصة العمر كله ، إذن علينا أن نجاهد باستمرار ، ونصبر على حروب العدو وهجماته .. وماهى حدود هذا الصبر ؟ يقول السيد الرب :

( من يصبر إلى المنتهى ، فهذا يخلص ) ( مت 1. : 22 )

وعبارة الصبر إلى المنتهى لكى يخلص الإنسان ، تعنى أن الخلاص لا يتم فى لحظة . وتعنى أن الصبر ليس له مدى محدود ، وإنما إلى المنتهى ، أى إلى ( نهاية سيرتهم ) لأنه يحدث أحياناأن تبرد محبة الكثيرين ( مت 24 : 12 ) ولا نستطيع أن نحصى عدد الذين يتركون محبتهم الأولى ( رؤ 2 : 4 ) ، ويحتاجون إلى توبة ..

33 ـ إن الإكليل لم يأت موعده بعد ، ففترة إختبارنا لا تزال قائمة. وسنظل فى هذا الإختبار مدى الحياة . وقد قال الرب : ( كن أميناً إلى الموت ، فسأعطيك ( إكليل الحياة )  (   رؤ 2 : 1. ) وعبارة ( إلى الموت ) لا تنطبق عليها كلمة لحظة . وهذه الأمانة ( إلى الموت ) شرط لنوال إكليل الحياة ..

34 ـ وقد وعد بمنح الأكاليل لمن يغلب . والغلبة لا تحدد الآن . فطالما نحن فى حرب ، لا تستطيع أن تقول إنك خلصت . وإنما ( لما تنتهى الحرب نكلل ) ، كما يقال فى الترتيلة . ومتى تنتهى الحرب ؟  بانتهاء الحياة على الأرض .

35 ـ لا تحكم قبل الوقت . ولا تحكم باللحظات ، فاللحظات تتغير .

ربما ما تناله فى لحظة ، تفقده فى لحظة أخرى ! وما أخطر التغير  الذى شرحه الوحى الإلهى بقوله : ( مدة كل أيام الأرض .. برد وحر ، صيف وشتاء ، نهار وليل ، لا تزال ) ( تك 8 : 22 ) ليتك إذن تصلى لكى لا يكون هربك فى شتاء ( مت 24 : 2. )

لا تقل إذن : ,, إنى خلصت فى اليوم الفلانى ،، محدداً الساعة والدقيقة ! بل الأفضل أن تصلى ، لكى يديم الله عليك خلاصه حتى المنتهى   ، إلى نهاية سيرتك .

36 ـ لا يكفى أن تبدأ  ، إنما يجب أن تثبت وتستمر :

فالرسول يقول : ( وأما اللطف فلك ، إن ثبت فى اللطف ، وإلا فأنت أيضاً ستقطع ) ( رو 11 : 22 ) وهذا الثبات الذى يطلبه الرسول ، لا تحكم عليه لحظة ، إنما هو قصة الحياة كلها .

أنت تبت فى لحظة ( فرضاً ) ؟! هذا حسن جداً . ولكنك لن تخلص ، إلا إذا ثبت فى التوبة . والزمن يحكم على هذا الثبات ...

حياتك تغيرت فى لحظة ؟! حسن جداً ، ولكنك لن تخلص إلا إذا احتفظت بهذا التغير إلى أفضل  ، حتى المنتهى .

37 ـ مرت عليك لحظات مصيرية ، عرفت فيها الله ، أدركت فيها فناء العالم هذا حسن ورائع ، وإنما المهم أن تثبت . واللحظات لا يمكن أن تحكم على ثباتك .. !

أتراك تحولت من خاطئ إلى قديس ؟! حسن جداً .. ولكن الخلاص هو أن تثبت فى هذه القداسة ول حياتك

وتسلك كما يليق بالدعوة التى دعيت  إليها ، حسبما نصح الرسول قديسى أفسس ( أف 4 : 1 ـ 3 ) وحتى إن كنت قد نلت خلاصاً بعمل الرب معك ، وبجهاد طويل وليس فى لحظة ، وبممارسة أسرار الكنيسة وكل وسائط النعمة .. انصت إلى قول الرسول : ( تمموا خلاصكم بخوف ورعدة ) ( فى 2 : 12 )

إن هذا الخلاص هو قصة العمر كله ..

خلاص فى اليوم الأخير

38 ـ إعلان الخلاص ليس عملك ، حتى تقول : ,, أنا خلصت ،،  أو تقول عن غيرك ,, خلص فلان ،، إنه عمل الله .

الله هو الذى يعلن الخلاص ، لأنه الديان العادل . يقول فى اليوم الأخير : ( تعالوا يا مباركى أبى ، رثوا الملك المعد لكم منذ تأسيس العالم ) ( مت 25 : 34 ) أو يقول : ( اذهبوا عنى يا ملاعين إلى النار المعدة لإبليس وملائكته ) ( مت 25 : 41 ) هو الذى يجلس على كرسى مجده ، ويفرز الخراف من الجداء ، والقمح من الزوان ... يقول الرسول :

( أنتم بقوة الله محروسون ، بإيمان ، لخلاص مستعد أن يعلن فى اليوم الأخير ) ( 1بط 1 : 5 ) .

39 ـ ومادام لم يعلن ، واعلانه من فم الله وحده ، إذن فلا نسبق الوقت ، ولا نعلن حكم الله المنتظر .

الإعلان سيكون فى يوم الرب ، فى اليوم الأخير . ولذلك قال الرسول فى عقوبته لخاطئ كورنثوس

( لكى تخلص الروح فى يوم الرب ) ( 1كو 5 : 5 )

ولم يقل الآن ... إنه خلاص ( يعلن فى اليوم الأخير ) . وحتى الأكاليل التى ننالها فى هذا الخلاص ، وقال الرسول : ( وأخيراً وضع لى إكليل االبر ، الذى يهبه لى فى ذلك اليوم ، الرب الديان العادل . وليس لى فقط ، بل لجميع الذين يحبون ظهوره أيضاً ) ( 2تى 4 : 8 ) .

هل أنت إذن قد خلصت ، أم تنتظر ذلك اليوم ، وتنتظر الإعلان أو الحكم من فم الديان العادل ؟

وذلك بعد أن تغلب ، وبعد أن تنتهى الحرب ..

أنت إذن طول عمرك تسعى للخلاص لكى تناله . وفى هذا نرى أن القديس بولس الرسول العظيم ، رجل الرؤى والمعجزات ، الذى صعد إلى السماء الثالثة ، والذى تعب أكثر من جميع الرسل .. هذا الرسول العظيم يقول :

( أسعى لعلى أدرك ، الذى لأجله أدركنى المسيح ) ( فى 3 : 12 )

إذن حياتنا فى الأرض هى حياة سعى لكى ندرك . ويستمر هذا السعى ـ بجهاد مرير ـ ول العمر . ومتى ينتهى هذا السعى ؟ ينتهى عند الموت . ولذلك فإن القديس  بولس الرسول لم يستطع أن يقول : ( جاهدت الجهاد الحسن ، أكملت السعى ) ، إلا بعد أن قال قبلها مباشرة ( أنا الآن اسكب سكيباً ، ووقت انحلالى قد حضر ) (  2تى 4 : 7 ، 6 ) .

أخشى إن قلت ( أنا خلصت ) أو ( إنى واثق ) .. تهمل نفسك وتقع فى الامبالاة . لأنه لماذا الجهاد مادمت قد ضمنت كل شئ ؟‍!

تذكر باستمرار قول الرسول : ( إذن من يظن أنه قائم ، فلينتظر لئلا يسقط ( 1كو 1. : 12 )  ‍‍

الفصل السادس

إعتراضات والرد عليها

اعتراض ( 1 ) المغفرة بالدم وحده  والرد عليه

يقولون : التوبة لا تغفر الخطايا ، فهى محدودة ، والخطية غير محدودة . والمعمودية لا تغفر الخطايا . إنما مغفرة الخطايا هى بدم المسيح وحده .

ونحن لا ننكر إطلاقاً أن المغفرة هى بالدم  ، حسب تعليم الكتاب ( بدون سفك دم لا تحصل مغفرة ) عب 9 : 22 ) ولكن هذه المغفرة التى قدمها الدم ، نحصل عليها نحن بالمعمودية والتوبة .

وهذا هو تعليم الكتاب نفسه وليس رأياً خاصاً لأحد .

وهذا هو تعليم الكتاب نفسه وليس رأياً خاصاً لأحد .

وفى هذا قال القديس برس لليهود فى يوم الخمسين : ( توبوا ، وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح لغفران الخطايا .. ) ( أع 2 : 38 )

ومن جهة التوبة ، فقد قال عنها السيد المسيح نفسه : ( إن لم تتوبوا ، فجميعكم كذلك تهلكون ) ( لو 133 : 3 ، 5 ) وقال الآباء الرسل فى موضوع قبول الأمم : ( إذن أعطى الله الأمم أيضاً التوبة للحياة ) ( أع 11 : 18 ) ..

حقاً إن التوبة محدودة ، والمعمودية محدودة . ولكنهما تعيان الاستحقاق لكفارة الدم غير المحدودة

وكما أن الآباء الرسل ربطوا بين التوبة والحياة ( أع 11 : 18 ) كذلك السيد المسيح رب بين المعمودية والخلاص بقوله : ( من آمن واعتمد خلص ) ( مر 16 : 16 )

إننا لا نفصل بين الدم ، والتوبة والمعمودية .

فهما مبنيتان على الدم . وبدون الدم لا مفعول لهما . ولكنهما صكان يصرفان من استحقاقات الدم . وهما اللذان يوصلان إلى استحقاق المغفرة التى قدمها الدم .

اعتراض ( 2 ) الخلاص قد تم  والرد عليه

يقولون إن الخلاص قد تم على الصليب من دينونة الخطية إلى الابد .

نعم إن عمل المسيح فى الخلاص قدتم على الصليب . ومع ذلك فمازال البشر يسعون لنوال هذا الخلاص الذى تم على الصليب ، والذى له شروط لنواله ...

هو تم من جهة عمل المسيح . ولكن هل تم من جهتنا نحن ؟ 

هناك عمل بشرى يجب أن نقوم به نحن . لأن الله لا يفرض علينا الخلاص فرضاً ، إنما نحن نناله بكامل إرادتنا ، بوسائط وضعها الله نفسه ومنها :

1 ـ الإيمان . فالخلاص الذى تم على الصليب ، نناله أولاً بالإيمان :

والسيد المسيح يقول : ( إن لم تؤمنوا إنى أنا هو ، تموتون فى خطاياكم ) يو 8 : 24 ) وأيضاً : ( لكى لا يهلك كل من يؤمنون به ، بل تكون لهم الحياة الابدية ) ( لو يو 3 : 16 ) .

الخلاص إذن تم ، ولكن لا يناله إلا من يؤمن . ولذلك قال بولس وسيلا لسجان فيلبى : ( آمن بالرب يسوع ، فتخلص أنت وأهل بيتك ) ( أع 16 : 31 ) ولم يقولا له : افرح فالخلاصص قد تم ، سواء آمنت أو لم تؤمن ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍!

2 ـ الخلاص تم . ولكن لا نناله إلا بالمعمودية :

وهذا هو تعليم الرب القائل : ( من آمن واعتمد خلص ) ( مر 16 : 16 ) هل يمكن إنسان أن يفرح باطلاً ويقول قد تم ، بينما هو لم يؤمن ويعتمد !

3 ـ والخلاص تم . ولكن إن لم نتب نهلك ( لو 13 : 3 ) حقاً إن الخلاص قد تم . ومع ذلك لم يخلص حنان وقيافا .   ولم يخلص إسكندر الحداد الذى سيجازه الرب حسب أعماله ( 2تى 4 : 14 ) ولم يخلص سيمون الساحر ( أع 8 ) ولا حنانيا وسفيراً ( أع 5 ) ولم يخلص النيقولاويون ( رؤ 2 : 15 ) ولا إيزابل ( رؤ 2 : 2. ) ولم تخلص بابل العظيمة ( رؤ 18 : 2 ) .

4 ـ الخلاص تم ، بمعنى أن السيد المسيح فتح باب الخلاص للذين يؤمنون ويتوبون ويعتمدون ، ويسلكون حسب الروح

وليس حسب الجسد ( رو 8 : 1 ) ويعيشون فى شركة الروح القدس ( 2كو 13 : 14 ) ويكون لهم ثمار الروح ( غل 5 : 22 ) ولهذا يقول بولس الرسول إلى : ( أحباء الله القديسين الذين فى رومية ) ( رو 1 : 7 ) ( فإن خلاصنا الآن أقرب مما كان حين آمنا ) رو 13 : 11 )

5 ـ هذا الخلاص الذى تم ، يبكتنا عليه قول الرسول :

( كيف   ننجو نحن ، إن أهملنا خلاصاً هذا مقداره ) ( عب 2 : 3 )

كيف نستحق هذا الخلاص ؟ وكيف نقبله ؟ وكيف نناله ؟ وكيف نثبت فيه ، فلا نفقده ؟

إذن لا ينبغى أن نقول الخلاص قد تم ، ونقف بعيداً عنه !

6 ـ وإن كان الخلاص قد تم وانتهى الأمر ، فلماذا قال بولس الرسول لتلميذه القديس تيموثاوس :

( لاحظ نفسك والتعليم ، وداوم على ذلك لأنك إذا فعلت هذا ، تخلص نفسك والذين يسمعونك أيضاً ) ( 1تى 4 : 16 ) .

7 ـ وإن كان الخلاص قد تم وانتهى الأمر ، فلماذا قال اليهود للرسل فى يوم الخمسين : ( ماذا نصنع أيها الرجال الأخوة ؟ ) ( أع 2 : 37 ) ولماذا  قال شاول الطرسوسى للمسيح : ( ماذا تريد يارب أن أفعل ؟ )  ( أع 9 : 6 )

إذن هناك عمل بشرى يجب أن يعمله الإنسان :

عمل يعمله ، لكى ينال  هذا الخلاص الذى تم ، ولكى يثبت فى هذا الخلاص متى ناله . وغالبية البروتستانت للأسف الشديد ، يتجاهلون هذا الجانب البشرى ، الذى منه الإيمان والتوبة والمععمودية والأعمال الصالحة ، مع أن هذا الجانب البشرى فى نفس الوقت ليس بشرياً بحتاً ، إنما عمل الله أيضاً واضح   فيه ..

8 ـ وإن كان الخلاص قد تم ، فلماذا ننتظره ونرجوه ؟ 

هذا الذى قال عنه القديس بولس الرسول ( فإن سيرتنا نحن هى فى السموات ، التى منها أيضاً ننتظر مخلصاً هو الرب  يسوع المسيح ... ) ( فى 3 : 2. ) وهذا الخلاص المرجو يقول عنه الرسول ( لأننا بالرجاء خلصنا . ولكن الرجاء المنظور ليس خلاصاً لأن ما ينظر أحد ، كيف يرجو أيضاً . ولكن إن كنا نرجو ما لسنا ننظره ، فإننا نتوقعه بالصبر ) ( رو 8 : 24 ، 25 ) وعن هذا يقول القديس بطرس الرسول :

( خلاص مستعد أن يعلن فى الزمان الأخير ) ( 1بط 1 : 5 )

9 ـ وإن كان الخلاص قد تم . فما معنى قول السيد المسيح : ( أنا الكرمة وأنتم الأغصان .. إن كان أحد لا يثبت فى ، يطرح خارجاً كالغصن ، فيجف ويجمعونه ويطرحونه فى النار فيحترق ) ( يو 15 : 5 ، 6 ) وهذا نفس الكلام الذى أنذر به المعمدان  قائلاً :

( كل شجرة لا تصنع ثمراً جيداً تقطع وتلقى  فى النار ) ( مت 3 : 1. ) .

1. ـ وإن كان الخلاص قد تمن ، فلماذا يقول الكتاب :

( سيروا زمان غربتكم بخوف ) ( 1بط 1 : 17 )

( تمموا خلاصكم بخوف ورعدة ) ( فى 2 : 12 )

11 ـ يقولون إن كفارة المسيح قد وفت العدل الإلهى .

هذا حق ، بالنسبة إلى عمل المسيح من جهة الآب . أما من جهتنا ، فيجب أن تكون لنا علاقة بهذه الكفارة التى وفت العدل الإلهى . ويجب أن نسلك فى الطريق الذى يجعلنا مستحقين لهذه الكفارة .

12 ـ إن كان الخلاص  قد تم ، فلماذا نقول فى صلاتنا :

( إغفر  لنا ذنوبنا ، كما نغفر نحن أيضاً ) ؟

إن هناك ذنوب تحتاج إلى مغفرة . ونحن لب هذه المغفرة فى كل صلاة ، حسب تعليم المسيح لنا ( مت 5 : 12 )

 اعتراض  ( 3 ) لماذا لا تقول : قد خلصت ؟ والرد عليه

يقولون : أليس الأرثوذكسى يعتقدون أنهم قد خلصوا فى المعمودية ؟ لماذا إذن لا يقول كل شخص منهم : ,, أنا قد خلص ،، ؟‍‍‍!

لأن المعمودية إنما تخلصنا من الخطايا السابقة للمعمودية .. سواء الخطية الأصلية أو الخطايا الفعلية . ويبقى بعد ذلك طريق طويل أمامنا نصارع ونجاهد فيه حتى نخلص .

والخلاص من الماضى وحده فقط لا يكفى ..

فأنت قد تخلص بسر التوبة من خطية أو خطايا فعلتها فى الماضى . ولكنك لا تستطيع أن تقول بصفة عامة ,, قد خلصت ،، ماذا إذن عن الحاضر بضعفاته وحروبه ؟ وماذا أيضاً عن المستقبل ؟

إن أمامنا باقى العمر ، لنجاهد فيه الجهاد الحسن ، ونكمل السعى ( 2تى 4 : 8 ) واضعين نصب أعيننا قول الرسول : ( سيروا زمان غربتكم بخوف ) ( 1بط 1 : 17 ) وحتى إن مرت علينا فترة فى التوبة ، حفظنا الله فيها بلا خطية ، نتذكر قول الكتاب :

 ( من يظن أنه قائم ، فلينظر أن لا يسقط ) ( 1كو 1. : 12 )

اعتراض ( 4 ) مغفرة إلى الأبد والرد عليه

يقولون إن الموت الكفارى على الصليب ، منح غفراناً من دينونة الخطية إلى الأبد .

نعم لقد قدم السيد المسيح بموته الكفارى كنزاً من المغفرة نناله منه بسر التوبة ، فى كل مرة . وليس من المعقول أن يعطينا الله فى يوم الإيمان ، أو فى يوم العماد ، غفراناً لكل الخطايا التى سنرتكبها فى المستقبل .

إنما كل خطية نسقط فيها ، تحتاج إلى توبة لمغفرتها ، وتحتاج إلى خلاص من دينونتها .

فإن تبنا عنها ، واعترفنا بها وتركناها ، ننال المغفرة عن طريق التوبة ، فى استحقاقات دم المسيح

وليس هناك اعفاء من الدينونة بدون توبة . 

والكتاب يقول : ( لابد أننا جميعاً نظهر أمام كرسى ، لينال كل واحد منا ما كان بالجسد ، بحسب ما صنع خيراً كان أم شراً ) ( 2كو 5 : 1. )

( 5 ) حول فاعلية المعمودية

إعتراض

ورد فى كتب ( الاخوة البلاميس ) مرات عديدة جداً :

إن المعمودية لا فاعلية لها على الاطلاق ، إنما هى لمجرد إشهار الإيمان ، أو اعلان الإيمان ‍‍‍!!

الرد على الاعتراض

ليس هذا هو تعليم الإنجيل ، الذى تحدث فى عمق عن فاعلية المعمودية ، ولم يقل مطلقاً إنها لإشهار الإيمان . ولا توجد آية واحدة تذكر . إنما توجد آيات عديدة تتحدث عن فاعلية المعمودية ، تذكر من بينها :

1 ـ فاعلية المعمودية فى الخلاص :

وذلك واضح جداً من قول السيد المسيح له المجد : ( من آمن واعتمد خلص ) ( مر 16 : 16 )

2 ـ فاعلية المعمودية فى غسل الإنسان من خطاياه :

وذلك واضح من قول حنانيا الدمشقى لشاول الطرسوسى بعد لقائه مع السيد المسيح : ( أيها الأخ شاول .. لماذا تتوانى ؟ قم اعتمد واغسل خطاياك ) ( أع 22 : 16 ) أى أن شاول بعد لقائه مع المسيح ، وإيمانه ، واختياره من الرب ، كان لا يزال محتاجاً أن يغسل خطاياه ، بالمعمودية .

3 ـ المعمودية لغفران الخطايا :

وهذا واضح من قول بطرس الرسول لليهود فى يوم الخمسين : ( توبوا وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح لغفران الخطايا .. ) ( أع 2 : 38 )

4 ـ المعمودية للميلاد من الله :

وهذا واضح من قول السيد المسيح لنيقوديموس : ( الحق الحق أقول لك : إن كان أحد لا يولد من الماء والروح ، لا يقدر أن يدخل ملكوت الله ) ( يو 3 : 5 )

ولعل هذا ما قصده بولس الرسول أيضاً بقوله : ( بل بمقتضى رحمته خلصنا ، بغسل الميلاد الثانى وتجديد الروح القدس ) ( تى 3 : 5 )

5 ـ المعمودية دفن مع المسيح ، وقيامة معه ، وختان روحى :

وقد ورد هذا فى رسالة بولس الرسول إلى كولوسى ، إذ يقول : ( وبه أيضاً ( أى بالمسيح ) ختنتم ختاناً غير مصنوع بيد ، بخلع جسم خطايا البشرية بختان المسيح ، مدفونين معه فى المعمودية ، التى فيها أقمتم أيضاً معه .. وإذ كنتم أمواتاً بالخطايا وغلف جسدكم ، أحياكم معه ، مسامحاً لكم بجميع الخطايا ) .. ( كو 2 : 11 ـ 13 ) .

والدفن مع المسيح والقيامة معه ـ بالمعمودية ـ ورد أيضاً فى ( رو 6 ) كما سنذكر الآن ..

6 ـ بالمعمودية التجديد ، إذ ندخل بها فى جدة الحياة ) :

وفى هذا يقول بولس الرسول لأهل رومية : ( أم تجهلون أننا ، كل من اعتمد ليسوع المسيح ، اعتمدنا لموته ، فدفنا معه بالمعمودية للموت . حتى كما أقيم المسيح من الأموات بمجد الآب ، هكذا نسلك نحن أيضاَ فى جدة الحياة .. عالمين هذا أن إنساننا العتيق قد صلب معه ، ليبطل جسد الخطية ) ( رو 6 : 2 _ 6 )

هنا ونعرض أيضا لقول عوض سمعان ، الكاتب البلاموسى المشهور :

,, بالنزول فى الماء نعلن موتنا مع المسيح ، وبالصعود من الماء نعلن قيامتنا ،، .

فنقول إن الكتاب لم يقل عن المعمودية إنها مجرد اعلان لموتنا مع المسيح وقيامتنا .. بل قال : متنا مع المسيح . قمنا معه . مدفونين معه بالمعمودية . إنساننا العتيق قد صلب معه ..

النصوص واضحة وصريحة ، ولا يمكن تغييرها وتأويلها ، لمجرد تأييد فكر بشرى خاص من جهة المعمودية . إنها موت حقيقى مع المسيح ، موت للإنسان العتيق ، وليست مجرد اعلان للموت ، وهى قيامة حقيقية مع المسيح ، قيامة لإنسان جديد ، فى جدة الحياة ، وليست مجرد اعلان للقيامة . تؤيد هذا شهادة كتابية أخرى وهى :

7 ـ بالمعمودية نلبس المسيح :

حقاً ما أجمل ، وما أعمق ، وما أروع ، قول القديس بولس الرسول عن المعمودية فى رسالته إلى أهل غلاطية :

( لأنكم كلكم الذين اعتمدتم للمسيح ، قد لبستم المسيح ) ( غل 3 : 27 )

أنريد فاعليه للمعمودية أكثر من هذا ؟! أم ننكر الآية أو نخفيها ، أو نفسرها حسب هوانا ، لنثبت أفكاراً بشرية بعيدة عن الإنجيل فى فهم المعمودية ؟!

ها هى النصوص المقدسة واضحة عن فاعلية المعمودية ، ولا يوجد نص واحد يقول إنها مجدرد إشهار للإيمان !

ومن له أذنان للسمع فليسمع ( مت 13 : 9 ، 43 )

إعتراض  ( 6 ) حول الغسيل بالمعمودية والرد عليه

يقولون إن المعمودية لا تغسل إلا الأجساد ، ولا تأثير لها على النفس !

1 ـ لم يقل الكتاب اطلاقاً إن المعمودية هى لغسل الجسد !

بل ان هذه النقطة يرد عليها القديس بطرس الرسول  بقوله عن رموز الفلك : ( إذ كان الفلك يبنى ، الذى فيه خلص قليلون أى ثمانى أنفس بالماء ، الذى مثاله يخلصنا نحن الآن ، أى المعمودية . لا لإزالة وسخ الجسد ، بل سؤال ضمير صالح عن الله بقيامة يسوع المسيح ) ( 1بط 3 : 2. ، 21 )

2 ـ وعبارة ( لا لإزالة وسخ الجسد ) ترد على عبارة ,, المعمودية لا تغسل إلا الأجساد ،، .

وعبارة ( يخلصنا ) تدل اننا الخلاص فى المعمودية ، حسبما قال الرب فى ( مر 16 : 16 )

ويرد على عبارة ان المعمودية هى لغسل الجسد ، قول القديس حنانيا الدمشقى لشاول الطرسوسى بعد إيمانه :

3 ـ ( لماذا تتوانى ؟ قم اعتمد واغسل خطاياك ) ( أع 22 : 16 )

وواضح طبعاً أن غسل الجسد ليس هو غسل الإنسان من خطاياه ، إنما الغسل من الخطايا هو غسل للروح ، وتنقية لها وتطهير وتبرير وتجديد . ويؤيد هذا ما قاله القديس بولس فى عبارة :

4 ـ خلصنا بغسل الميلاد الثانى ، وتجديد الروح القدس ) ( 2تى 3 : 5 )

5 ـ إن غسل الجسد فقط يمكن أن يدعيه البعض ، إن كان الأمر هو معمودية من الماء ، ولكنها من الماء والروح .

ولهذا قال السيد المسيح : ( إن كان أحد لا يولد من الماء والروح ، لا يقدر أن يدخل ملكوت الله ) ( يو 3 : 5 ) . إنه ليس ماء ساذجاً ، ذلك الذى يغطس فيه الناس فى المعمودية ، إنما نضع فيه من زيت المسحة المقدسة ، مسحة الروح القدس ( 1يو 2 : 2. ، 27 ) وبالصلاة يأخذ الماء طبيعة جديدة ، لكى يكون من يولد منه يولد من الماء والروح .

6 ـ ولو كانت المعمودية لمجرد غسل الجسد ، ما كان بطرس الرسول يطلب من اليهود أن يعتمدوا

لمغفرة الخطايا ( أع 2 : 38 ) 

7 ـ وإن كانت لغسل الجسد فقط ، ما كان السيد المسيح يجعلها وسيلة ننال بها الخلاص ، حسب قوله فى ( مر 16 : 16 ) .

إن مجرد غسل الجسد ، لا يخلص الإنسان !

إذن فهذا الاعتراض من جانب البلاميس  ، لا يتفق مطلقاً مع تعليم المسيح ورسله القديسين فى الإنجيل المقدس . ويؤسفنى أن يترك البعض آيات الكتاب ليقدموا فكرهم الخاص بدلاً منها ، أو أنهم يسخرون الآيات لخدمة فكرهم !

( 7 ) وأيضاً : حول الغسيل بالمعمودية

إعتراض                   

يقولون إن الذى يغسل الخطايا هو الدم ، وليس المعمودية ، بدليل قول الكتاب فى سفر الرؤيا عن السيد المسيح : ( الذى أحبنا ، وقد غسلنا من خطايانا بدمه .. ) ( رؤ 1 : 5 )

الرد على الاعتراض

إننا لا ننكر مطلقاً أننا نغتسل من خطاياه فى المعمودية ، حسب تعليم الكتاب ( أع 22 : 16 ) إنما هو فى المعمودية يغتسل بدم المسيح ، ولا فاصل بين الأمرين . بدليل أنه فى المعمودية يموت مع المسيح ، ويدفن مع المسيح .

لقد وضع الرب أن غسلك بالدم يتم بغسيل المعمودية .

وإلا كان عليك أن تنكر الآية التى تقول : ( قم اعتمد واغسل خطاياك ) ( أع 22 : 16 ) وباقى الآيات التى تحمل نفس المعنى . لماذا هذا الأسلوب الذى يعتمد على آية واحدة ، ويهمل كل الآيات الأخرى التى يتكامل بها المعنى ؟! ليس هذا هو الحق الإنجيلى . فأتصاف الحقائق ليست كلها حقائق !

فى التوبة أيضاً يغتسل الإنسان من خطاياه ، بدم المسيح .

هل يعترض أيضاً الإخوة البلاميس على مفعول التوبة فى غسل الخطايا ، قائلين إننا من خطايانا بالدم !!

إن المعمودية تأخذ من استحقاق الدم . والتوبة أيضاً تأخذ من استحقاق الدم وكل الحياة المسيحية تقوم على أساس دم المسيح . والنعمة أيضاً تعطيناً من استحقاق الدم .

فهل ننكر مفعول المعمودية والتوبة والنعمة ، ونرتل قائلين : ( مغسولين بالدم الكريم ) ؟! ونهمل آيات الكتاب الخاصة بالمغفرة !

إن الدم هو الأساس ، والمعمودية والتوبة والنعمة وسائط . الدم هو العمل الإلهى الفدائى الذى قدم لنا . والمعمودية والتوبة تدخلان أيضاً فى الجانب البشرى المطلوب منا ، لاستحقاق عمل الدم من أجلنا .

يمكننا إذن لتبسيط المعنى وتوضحيه ، أن نقول :

إننا نغسل من خطايانا بدم المسيح ، فى المعمودية .

ونفس العبارة يمكن أن نقولها عن التوبة والاعتراف ، ونقولها أيضاً عن سر الافخارستيا .

ولكن الإخوة البلاميس ، ومن يجرى أيضاً فى تيارهم الفكرى ، يعودون فيقدمون اعتراضاً آخر خاصاً بالمغفرة :

( 8 )  المغفرة بالإيمان

إعتراض

يقولون إن المغفرة تتم بالإيمان ، بدليل قول الرب :

( حتى ينالوا بالإيمان بى غفران الخطايا ) ( أع 26 : 18 ) وأيضاً قول الآباء الرسل : ( له يشهد جميع الأنبياء ، أن كل من يؤمن به ينال باسمه غفران الخطايا ) ( أع 1. : 43 )

الرد على الاعتراض

طبعاً بالنسبة إلى غير المؤمنين لابد من التركيز على الإيمان . لأنه لا تجوز له معمودية ، وتوبته بدون المسيح ـ إن تاب ـ لا تمنحه مغفرة ( بغير الدم  )

وهاتان الآيتان المستخدمتان ( أع 26 : 18 ، أع 1. : 43 ) ، كلاهما عن قبول الأمم ، الذين لابد من تبشيرهم بالإيمان ، قبل أى حديث معهم عن العقائد الى هى داخل الإيمان ..

فالإيمان هو الخطوة الأولى التى تقودهم إلى المغفرة .

لأنهم مهما تابوا يقف أمامهم قول السيد المسيح : ( إن لم تؤمنوا أنى أنا هو ، تموتون فى خاياكم ) ( يو 8 : 24 ) فإن آمنوا تكونون لتوبتهم حينئذ قيمة ..

وإن آمن هؤلاء الأمم ، يقودهم الإيمان إلى المعمودية والمغفرة :

ولنأخذ مثال شاول الطرسوسى ، من اليهود وليس من الأمم .

لقد تقابل مع السيد المسيح فى طريق دمشق ، وتحدث معه فماً لأذن . وآمن ، وقال : ( ماذا تريد يارب أن أفعل ) ( أع 9 : 6 ) فأرسله الرب إلى حناينا . وقال له حناينا : ( أيها الأخ شاول .. لماذا تتوانى ؟ قم اعتمد واغسل خطاياك ) ( أع 22 : 16 )

فإن كانت خطايا شاول قد غفرت بالإيمان ، فلماذا طلب إليه أن يغتسل منها بعد ذلك بالمعمودية ؟!

أليس هذا دليلاً على أن شاول ـ بعد إيمانه ـ بقيت خطاياه تنتظر المعمودية لكى تغسله منها ؟

( من له أذنان للسمع فليسمع ) ( لو 14 : 35 )

وأحب أن أقول للإخوة البلاميس : إلى جوار هذه الآيات التى عن المغفرة بالإيمان ، ضعوا الآيات التى عن المغفرة بالمعمودية ،

وهى كثيرة منها ( أع 2 : 38 ، أع 22 : 16 ) وضعوا أيضاً الآيات الخاصة بالتوبة مثل ( لو 13 : 3 ، 5 ، أع 11 : 18 ) ولا تستخدموا أسلوب ( الآية الواحدة ) لأنه لا يوصل إلى عقيدة .

هنا وأحب أن أهمس فى آذانكم بكلمة صريحة هى :

أنتم تقولون إن المغفرة بالدم وحده ، وليس بالمعمودية ولا بالتوبة ! فلماذا تقولون الآن إن المغفرة بالإيمان ؟!

حقاً إن المغفرة هى بالدم . والإيمان وسيلة ، والمعمودية وسيلة ، والتوبة وسيلة وهذه الوسائل الثلاث لازمة للمغفرة . ويمكن أن نضع أمامنا أيضاً قول الرب : ( أغفروا  يغفر لكم ) ( لو 6 : 37 ) ( إن لم تغفروا للناس زلاتهم ، لا يغفر لكم أبوكم أيضاً زلاتكم ) ( مت 6 : 15 ) على أن هاتين الأخيرتين يمكن وضعهما أيضاً ضمن ( التوبة ) إنما ذكرتهما من جهة التوجيه إلى بعض التفاصيل

فإن آمن شخص ، ولم يغفر لأخيه ، أترى ينال الغفران ؟!

ألستم توافقون معى ، على أن الحق هو كل الحق ؟

حقاً إن ثمن الخلاص هو الدم ، وليس ثمنه المعمودية ولا التوبة . وكذلك ليس ثمنه الإيمان . لأن الخلاص هو هبة مجانية ، كقول الكتاب : ( متبررين مجاناً بنعمته بالفداء ) ( رو 3 : 24 ) ولأنه أيضاً ( بدون سفك دم لا تحصل مغفرة ) ( عب 9 : 22 )

ولكن الإيمان والمعمودية والتوبة ، وسائل أساسية لازمة لنوال استحقاقات الدم . وبدونها لا نستفيد من دم المسيح القادر على مغفرة خطايا العالم كله .

 انظروا هوذا دم المسيح أمامنا ، يستطيع أن يطهر من كل خطية . ولكن الرسول يضع لهذا التطهير شروطاً فيقول : ( إن سلكنا فى النور كما فى النور ، فلنا شركة بعضنا مع بعض ، ودم يسوع المسيح ابنه يطهرنا من كل خطية ) ( 1يو 1 : 7 ) ( إن اعترفنا بخطايانا ، فهو أمين وعادل ، حتى يغفر لنا خطايانا ، ويطهرنا من كل إثم ) ( 1يو 1 : 9 ) .

إذن المغفرة بالدم . ولكن هناك شروطاً لنوال هذه المغفرة . ومن ضمن هذه الشروط : الإيمان ، والمعمودية ، والتوبة ..

ومن ضمن الشروط كما يقول الكتاب : أن تغفر لغيرنا ، وأن نسلك فى النور ، وأن نعترف بخطايانا .. وهذه النقاط الأخيرة لا مانع من ادماجها فى شرط التوبة .

( 9 ) حول المغفرة بالمعمودية

إعتراض

يقولون : المغفرة بالمعمودية تحول الغفران من عمل باطنى للتوبة والإيمان ، إلى عمل سطحى ‍ ‍‍‍‍!

الرد على الاعتراض              

ونجيبهم بأن هذا الكلام يصح ، لو كانت معمودية بدون إيمان ، وبدون توبة !

ونحن نطلب من المتقدم إلى المعمودية ، أن يجحد الشيطان ( للتوبة ) ، وأن يعترف بالإيمان . وإن كان طفلا ، ينوب أحد والديه عنه فى ذلك .

وهذا ما فعله القديس بطرس الرسول مع الذين آمنوا من اليهود ، ونخسوا فى قلوبهم . وقال لهم إلى جوار إيمانهم ( توبوا وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح لمغفرة الخطايا ) ( أع 2 : 38 ) وهكذا اجتمع الإيمان والتوبة والمعمودية معاً لنوال المغفرة .

( 10 ) الإيمان ونوال الروح القدس

إعتراض

إنهم كما يحاولون الغاء سر المعمودية ، أو ما  لهذه المعمودية من فاعلية ، يحاولون أيضاً الغاء سر المسحة المقدسة .

فيقولون إن الإيمان هو الوسيلة لحلول الروح القدس . ويعتمدون فى ذلك علىقول الرب : ( من آمن بى ـ كما قال الكتاب ـ تجرى من بطنه أنهار ماء حى . قال هذا عن الروح الذى كان المؤمنون به مزمعين أن يقبلوه . لأن الروح القدس لم يكن قد أعطى بعد .. ) ( يو 7 : 38 ، 39 ) ويعتمدون أيضاً على قول القديس بولس الرسول فى رسالته إلى أهل أفسس : ( إذ آمنتم ، ختمتم بروح الموعد القدوس ) ( أف 1 : 13 )

الرد على الاعتراض              

إن الروح القدس لا يناله المؤمن بمجرد إيمانه ، بل ينالوه كخطوة تالية للإيمان . وقد تكون بينهما فترة طويلة ونفس النص الذى أورده الإخوة البلاميس يحمل هذا المعنى ، إذا ورد فيه ( قال هذا عن الروح الذى كان المؤمنون به مزمعين أن يقبلوه  ، لأن الروح القدس لم يكن قد أعطى بعد ) ( يو 7 : 39 ) إذن هؤلاء به ، لم ينالوا الروح القدس بمجرد إيمانهم ، وإنما كانوا مزمعين أن يقبلوه ..

ومتى قبلوا الروح القدس ؟ .. قبلوه فى يوم الخمسين كالآباء الرسل ، أو بعد الخمسين مثل كثير من المؤمنين الآخرين .

إنه عطية من الله ينالها المؤمن بعد الإيمان ، وبعد المعمودية أيضاً . ولهذا قال القديس بطرس لليهود بعد إيمانهم فى يوم الخمسين : ( توبوا ، وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح لمغفرة الخطايا ، فتقبلوا عطية الروح القدس ) ( أع 2 : 38 )

إذن الإيمان والتوبة والمعمودية ، تمهيد لقبول الروح القدس .

وكان الروح القدس يمنح فى بداية العصر الرسولى ، بوضع يد الرسل . ثم صار يمنح بالمسحة المقدسة ، كما شرح القديس يوحنا الرسول فى رسالته الأولى ( وأما أنتم فلكم مسحة من القدوس ) ( 1يو 2 : 2. ) ( وأما أنتم فالمسحة التى أخذتموها منه ثابتة فيكم ) ( 1يو 2 : 27 ) .

وسفر أعمال الرسل يقدم لنا مثالين أن الروح القدس ما كان ينال مع الإيمان ، ,غنما هو عطية مستقلة تماماً ، قد ينالها المؤمنون بعد فترة من إيمانهم . وهذان المثلان هما إيمان السامرة ( أع 8 ) ، وإيمان أفسس ( أع 19 )

أ ـ قيل عن إيمان السامرة : ( ولما سمع الرسل الذين فى أورشليم أن السامرة قد قبلت كلمة الله ، أرسلوا إليهم بطرس ويوحنا ، اللذين لما نزلا صليا لأجلهم لكى يقبلوا الروح القدس ، لأنه لم يكن قد حل على أحد منهم ، غير أنهم كانوا معتمدين باسم الرب يسوع . حينئذ وضعا الأيادى عليهم ، فقبلوا الروح القدس ) ( أع 8 : 14 ـ 17 )

هؤلاء كانوا مؤمنين ومعتمدين ، ولم يكن الروح القدس قد حل على أحد منهم . ونالوه بوضع ايدى الرسولين فيما بعد .

ب ـ أما من جهة تلاميذ أفسس ، فإن بولس الرسول سألهم : ( هل قبلتم الروح القدس لما آمنتم ؟ ) فأجابوه : ( ولا سمعنا أن يوجد الروح القدس ) ( أع 19 : 2 ) وكانوا قد اعتمدوا بمعمودية يوحنا .. ( فأعتمدوا باسم الرب يسوع . ولما وضع بولس يده عليهم ، حل الروح القدس عليهم ) ( أع 19 : 5 ، 6 ) .

وهؤلاء كانوا قد آمنوا فقط . وعلى الرغم من إيمانهم ، ما كانوا يعملون أنه يوجد الروح القدس . والإيمان لم يهبهم الروح .. كما يدعى الإخوة البلاميس !

لذلك اعتمدوا أولاً ، ثم قبلوا الروح القدس بوضع يد الرسول القديس بولس . وبالنسبة إليهم كان الإيمان عملاً مستقلاً عن المعمودية  عن قبول الروح ..

إن الإيمان مجرد تمهيد لقبول الروح . ولا ينال الروح إلا من آمن أولاً . وحينئذ ينال الروح بعد المعمودية .

ولما قال الرسول : ( إذ آمنتم ، ختمتم بروح الوعد ) ( أف 1 : 13 ) إنما قصد ان الإيمان كان التمهيد لختمهم بالروح .

 الفصل السابع

هل خلص هؤلاء فى لحظة ؟‍‍‍!

العشــــار .

الإبن الضـال .

زكـــــا .

سجـان فيلبى .

اللـص اليمين .

نبذة بغير توقيع

أرانى أحدهم نبذة بروتستانتية عنوانها من الخارج هو : ( بدعة الخلاص فى لحظة ) أما فى داخلها ، فدفاع عن هذه البدعة يختتم بعبارة : ,, إذن الخلاص فى لحظة حقيقة مؤكدة ،، !!

وعرفت أن القصد من عنوان النبذة هو محاولة لإعطائها صورة أرثوذكسية من الخارج تغرى الأرثوذكسي بقراءتها ، كما لو كانت صادرة من الكنيسة ! بينما فى داخلها تعليم غير أرثوذكسى !!

ولست حالياً بصدد الحكم على هذا الأسلوب فى النشر ، ومدى روحانيته ، ومدى صراحته فى الإيمان ( 1تى 1 : 2 ) إنما سأتعرض للموضوع ذاته ، وأناقش النقاط الأساسية فيه .

وسنتناول الأمثلة التى ذكرها الكاتب بالتتابع . وفى مقدمتها : العشار والابن الضال ، وهل خلص كل منهما فى لحظة ؟

للمثلين هدف آخر :

لم يكن السيد المسيح فى أى من هذين المثلين يشرح عقيدة الخلاص ، إنما كان فى أحدهما يتحدث عن أهمية الاتضاع ، وفى الثانى يتحدث عن أهمية التوبة .

هل يرى أخوتنا البروتستانت أن الاتضاع والتوبة هما سبب الخلاص ؟! إذ لم يذكر فى مثل العشار ، ولا فى مثل الابن الضال ، أى شئ عن الإيمان ، ولا عن الفداء والكفارة ودم المسيح !

وذلك لأن لكل منهما هدفاً آخر . فلماذا إذن يستخدم كلام الكتاب فى غير موضعه ؟! وما هى المناسبة الخاصة بكل من هذين المثلين ؟

هل خلص العشار فى لحظة

أما عن مثل العشار ، فيقول القديس لوقا الإنجيلى عن الرب :

( وقال لقوم واثقين بأنفسهم أنهم أبرار ، ويحتقرون الآخرين ، هذا المثل : إنسانان صعدا إلى الهيكل ليصليا ، واحد فريسى والآخر عشار ) ( لو 18 : 9 ، 1. ) وانتهى المثل بعبارة : ( لأن كل من يرفع نفسه يتضع ، ومن يضع نفسه يرتفع )

هنا إذن تركيز على مقارنة بين الكبرياء والاتضاع .. أو مقارنة بين الافتخار والانسحاق .. وكيف أن الإنسان ينخفض ويدان بالكبرياء والافتخار ، بينما يتبرر بالاتضاع والانسحاق .

ولكن الاخوة البروتستانت الذين ينادون بأن التبرير بالإيمان ، يركزون هنا على عبارة : ( نزل إلى

بيته مبرراً دون ذاك ) التى قيلت عن العشار بسبب اتضاعه وانسحاقه !

فهل هم يؤمنون أن التبرير يكون بالاتضاع ؟!

إن الاتضاع عمل ، والانسحاق عمل ، والاعتراف بالخطية عمل . فهل يخلص العشار بأعماله ؟‍وما مركز الدم والكفارة والفداء ؟ حيث لا إشارة إلى شئ من كل هذا ‍‍‍‍!!

إن عبارة : ( نزل مبرراً دون ذاك ) تعنى ببساطة أن الرب يقبل توبة المتضعين المستحقين بقلوبهم ، ويرفض افتخار المتكبرين . أو تعنى أن الله يرفع المتضعين ، ويخفض المتكبرين ، كما يفهم من ختام هذا المثل ( لو 18 : 14 )

إن الرب لم يضرب هذا المثل إطلاقاً ليشرح قضية الخلاص ، أو ليذكر أن الخلاص يمكن أن يتم فى لحظة .

ومع ذلك فإن فى هذا المثل معنيين أرثوذكسيين :

أولهما الاعتراف بالخطية ، والثانى هو الصلة بالهيكل ( بالكنيسة ) .

لقد ذهب العشار إلى بيت الرب ، ليعترف بخيئته ، ويشرح عدم استحقاقه وقف من بعيد ، لا يشاء أن يرفع عينيه إلى السماء ، ثم قرع واعترف بخطيته لم ( يطالب بحقوقه ) كما يفعل البعض !! إنما طلب الرحمة فى إنسحاق ، وشعور بعدم الاستحقاق ..

هنا يعترض البعض بأن العشار خلص بدون معمودية وتناول !

فنرد عليهم بأنه ما كان ممكناً فى هذا المثل التحدث عن أسرارالكنيسة ، لأنها لم تكن قد تأسست بعد ، فأسرار الكنيسة تأسست على دم المسيح ، الذى لم يكن قد سفك بعد !!

المعمودية هى موت وقيامة مع المسيح ( رو 6 : 4 ، 5 ) والمسيح عندما قال هذا المثل ، لم يكن قد مات بعد .. ما كان ممكناً للعشار أن يقول عن المسيح مع الرسول : ( مدفونين معه بالمعمودية ) ( كو 2 : 12 ) وهكذا أيضاً عن باقى الأسرار التى تأسست على استحقاقات دم المسيح ..

كذلك لم يكن الحديث عن الأسرار هو هدف هذا المثل .

إنما كان قصده تبكيت قوم ( واثقين بأنفسهم أنهم أبرار ، ويحتقرون الآخرين ) ومع كل هذا ، ، لا مانع من أن نرجع إلى السؤال الأساسى ونرد عليه وهو :

هل يفهم من المثل أن العشار نال الخلاص فى لحظة ؟

إن إنسحاق العشار وتوبته واعترافه وطلبه الرحمة ، كل ذلك يعطيه استحقاقاً للمغفرة ، كأى استحقاق للمغفرة فى العهد القديم ، ينتظر دم المسيح لسداد أجرة الخطية ..

فلو عاش منسحق وتائب ومعترف مثل هذا أيام المسيح ، لكان عليه ـ لكى ينال الخلاص ـ متى تأسست الكنيسة ،  بعد الفداء وحلول الروح القدس ... أن يذهب ويعلن إيمانه  بالمسيح المصلوب القائم ، وينال المعمودية لمغفرة  الخطايا ( أع 2 : 38 )

وبهذا لا يكون قد خلص فى لحظة ، لأنه ( بدون سفك دم لا تحصل مغفرة ( عب 9 : 22 )

أما لو كان هذا العشار قد عاش ومات قبل صلب المسيح ، لكان عليه أن ينتظر فى الجحيم ، إلى أن يخرجه الرب بعد الصلب مع آدم والأنبياء وباقى القديسين ، ولا  يكون قد خلص فى لحظة ...

هل خلص الأبن الضال فى لحظة

كما كان هدف مثل العشار هو التواضع ، وليس الخلاص ( لو 18 : 9 ) ، كذلك مثل الابن الضال ، بل كل الاصحاح ، عن التوبة ( لو 15 ) وليس عن الخلاص 

كان الفريسيون والكتبة قد تذمروا لأن المسيح يقبل إليه العشارين والخطاة ( لو 15 : 1 ، 2 ) فذكر لهم الرب ثلاثة أمثلة عن رجوع الخطاة ، هى الخروف الضال والدرهم المفقود ، وارلابن الضال  كلها قصص عن سعى الرب وراء الخطاة وردهم ، وقبول الراجعين منهم ...

إنها قصص عن التوبة ، وليست قواعد عقائدية للخلاص ...

ومع ذلك ، فإن قصة الابن الضال ، تحوى رمزواً عميقة ...

فلنتأمل إذن هذا المثل ، ونفحص التوبة التى فيه  .

لقد مرت على الأبن لحظات مصيرية ، جلس فيها إلى نفسه ، وبحث حالته ومصيره ، وقرر التوبة

إنها لحظات مقدسة بلا شك ، ولحظات مصيرية ،  ولكنها ليست لحظات خلاص  لأن الخلاص لا يتم فى لحظة ولا لحظات !

إن الجلوس مع النفس شئ ، وتقرير المصير شئ ، والتوبة شئ  ولكن الخلاص شئ أكبر من هذا كله  وهنا يبدو الفرق الواضح العميق بين التفكيرين الأرثوذكسى والبروتستانتى .

فى التفكير البروتستانتى : الخلاص مجرد علاقة فردية بين الإنسان والله ، لذلك يرون أنه يمكن أن يتم فى لحظة .

أما فى العقيدة الأرثوذكسية ، فإن للكنيسة دوراً فى الخلاص ، باعتبارها أمنية على نعم الروح القدس التى فى الأسرار المقدسة 

وهكذا يكون للكهنوت دور ، كوكيل لله ( تى 1 : 7 ) وبالتالى لا يمكن أن يتم الخلاص فى لحظة .

لقد جلس الابن الضال مع نفسه ، واستعرض سوء حالته ، وقرر التوبة  ولكن هذه اللحظات المصيرية المقدسة ، لم تكن لحظات خلاص ... فلماذا ؟

أولا ، لأنه كان لا يزال فى أرض بعيدة ، بعيداً عن الآب وعن حضن الآب ، وعن بيت الآب الذى هو الكنيسة  . ولا يمكن أن يتم الخلاص ، وهو بعيد عن الآب  ..

وقد شعر هو بهذا وبأهميته ، فقاال : أقوم واذهب إلى أبى ، وأقول له أخطأت ) ( لو 15 : 18 ) وقام وذهب إلى أبيه   .

 رجوعه إلى بيت الآب ، معناه رجوعه إلى الكنيسة  فالخلاص يتم فى بيت الآب  لذلك اشترك العبيد فى القصة ، وهم يرمزون هنا إلى الكهنة .

قال الأب لعبيده : ( اخرجوا الحلة الأولى والبسوه  واجعلوا خاتماً يتم فى يديه ، وحذاء فى رجليه  وقدموا العجل المسمن واذبحوه ، فنأكل ونفرح ) وقال هذا قبل أن يقول : ( لأن ابنى هذا كان ميتاً فعاش ، وكان ضالاً فوجد ) .

لنرى ماذا تحمل هذه التفاصيل ، من رموز وطقوس ؟

لبس الحلة الأولى يرمز إلى المعمودية ، وإلى البر 

يرمز إلى المعمودية ، إن كان المثل عن غير المؤمنين  . فالابن الضال يرمز إلى الأمم الذين تغربوا عن الرب فى كورة بعيدة ، بينما الابن الأكبر يرمز إلى اليهود ..

ولبس الحلة هنا يذكرنا بقول الرسول : ( لأنكم جميعاً الذين اعتمدتم للمسيح ، قد لبستم المس يح ) ( غل 3 : 27 ) 

والحلة الجديدة ترمز أيضاً إلى ( تبررات القديسين ) بالنسبة إلى المؤمنين ( رؤ 19 : 8 ، حز 16 : 1. ، أف 6 : 14 ) ونلاحظ أن هذا البر فى ( حز 16 ) جاء بعد المعمودية والميرون . بعد ( فحممتك بالماء ) أى المعمودية ( ومسحتك بالزيت ) أى الميرون . ثم ( ألبستك .. ) ( حز 16 : 9 ، 1. )

أما الأكل من العجل المسمن المذبوح ، فيرمز إلى الافخارستيا .

ونلاحظ أن هذا قد تم ـ فى مثل الابن الضال ـ بعد التوبة والاعتراف وانسحاق القلب . بعد قوله : ( أخطأت .. ولست مستحقاً أن أدعى لك ابناً )

ونلاحظ أيضاً أن ذبح وتقديم العجل المسمن ، تم بواسطة عبيد الآب ، أى رجال الكهنوت ، الذين لهم دور فى القصة .

كما أن ذبح العجل يعنى سفك الدم ، ويذكرنا بقول الرسول : ( بدون سفك دم لا تحصل مغفرة ) ( عب 9 : 22 )

ما كان ممكناً للآبن  الضال أن يخلص قبل ذبح العجل المسمن ، وسفك دمه والتناول منه  ..

أما الخاتم فى يده فيرمز إلى البنوة ، وإلى أن نفسه قد صارت عروساً للمسيح . والحذاء فى رجليه ، يرمز إلى حفظ الوصايا ( أف 6 : 15 )

وهكذا نرى أنت قصة الابن الضال قد شملت :

أـ الرجوع إلى النفس ولومها ، والتوبة ، والاعتراف والأنسحاق .

ب ـ الرجوع إلى الكنيسة ، وإلى بيت الآب وحضن الآب 

ج ـ المعمودية ، والبر .

د ـ التناول من سر الافخارستيا ، وحفظ الوصايا .

هـ ـ مشاركة عبيد الآب الذين هم رجال الكهنوت .

وواضح أن كل هذا ، لم يتم فى لحظة ...

 ومن له اذنان للسمع فليسمع .. ( مت 13 : 9 )

هل خلص زكا فى الخطية

قصة زكا تشبه قصة سجان فيلبى فى عبارة : ( اليوم حصل خلاص لهذا البيت ) ( لو 19 : 9 ) وتزيد عليها تفاصيل عديدة فى قصة توبة زكا ، لا يمكن أن تتم فى لحظة .

ومع أن كلمة ( اليوم ) لا تعنى كلمة ( لحظة ) ، إلا إننا سنبحث تفاصيل القصة لنرى على أى شئ تدل ؟

تشرح القصة : سعى زكا إلى المسيح .. رغبته ، بساطته ، صعوده إلى الجميزة ، ودعوة الرب له : ( اسرع وانزل لأنه ينبغى أن أمكث اليوم فى بيتك ) وأسرع زكا ونوله ، وقبوله للرب فرحاً . وحتى بعد كل ذلك لم يكن الرب قد قال : ( اليوم حصل خلاص لهذا البيت )

وإنما زكا أخذ الرب إلى بيته ، ودخل الرب بيته . ( فلما رأى الجميع ذلك تذمروا قائلين : إنه دخل ليبيت عند رجل خاططئ ) ( لو 19 : 17 )

ومع أن اللقاء عند الجميزة ، وما قبل الجميزة من مشاعر ، والدعوة ، والذهاب إلى البيت ... لا يمكن أن يتم كل ذلك فى لحظة .. إلا أن الرب لم يكن قد قال بعد : ( اليوم حصل خلاص لهذا البيت ) ثم جاءت توبة زكا واعترافه ، وعزمه على رد الظلم .. هل كل ذلك ، يمكن أن تشمله كلمة ( لحظة ؟!

ومع ذلك فإن لنا ثلاثة ملاحظات على عبارة : ( اليوم حدث خلاص لهذا البيت ) :  الأولى هى عبارة : ( لهذا البيت ) فأهل ذلك البيت لا يمكن أن يكونوا قد خلصوا فى لحظة بتوبة واحدة منهم  إنما تكون توبته بدء علاقة مع الرب تؤدى إلى خلاصهم . وهذا لا يتم فى لحظة .

الملاحظة الثانية هى اننا لا يمكن فى هذا المثل أن نتكلم عن الأسرارالكنسية لأنها لم تكن قد تأسست بعد ...

الملاحظة الثالثة : هى أن زكا لا يمكن أن يكون قد خلص إلا بعد صلب المسيح ، لأنه بدون سفك دم لا تحصل مغفرة ( عب 9 : 22 )

فالعبارة التى قالها الرب لا تعنى سوى وعد بالخلاص ، او اعلان أن هذا البيت مستحق للخلاص الذى سيتم بعد حين على الصليب . إن زكا وأهل بيته قد أخذوا وقتذاك صكاً للخلاص الذى لم ينالوه إلا بعد صلب المسيح ، وبشرط ...

يقيناً أن زكا وأهل بيته لم ينالوا الخلاص إلا بعد إتمام الفداء ، وإيمانهم بهذا الفداء ، وعمادهم فى العصر المسيحى لمغفرة الخطايا ( أع 2 : 38 )

فبدون الإيمان بدم المسيح لا يمكن أن يخلص أحد .

لابد أن يكونوا قد اعتمدوا وغسلوا خطاياهم ، حسب نصيحة حنانيا لشاول الطرسوسى ( أع 22 : 16 ) فاستحقاق الخلاص شئ ، ونواله شئ آخر ..

إذن لا يمكن أن يكون زكا قد نال الخلاص فى لحظة .

إن القول بأن أحداًنال الخلاص قبل الصلب ، هو هدم صريح لعقيدة الخلاص بالدم التى يؤمن بها اخوتنا البروتستانت !

حسن هو هذا الإيمان . ولكن يناسبه التبيق بالأكثر.

ولا يصح أن يأخذ أحد آيات الكتاب حرفياً ، ( فالحرف يقتل ) كما يقول الكتاب ( 2كو 3 : 6 ) بل ينبغى أيضاً أن نمزح بنص الآية الفهم اللاهوتى السليم ، وإلا قادتنا الحرفية إلى السطحية .

ومن له اذنان للسمع فليسمع ( مت 11 : 15 )

هل خلص سجان فيلبى فى لحظة

فى قصة سجان فيلبى ، نقرأ أن بولس وسيلاً قد قالا له : ( آمن بالرب يسوع المسيح ، فتخلص أنت وأهل بيتك ) ( أع 16 : 31 )

فهل إيمان فيلبى ، خلص أهل بيته فى لحظة ؟

لاهوتياً وعملياً ، من المستحيل أن يتم هذا فى لحظة .

إنما إيمان شخص ، قد يؤدى إلى خلاص أهل بيته ، فى حالة ما إذا كان يقودهم ذلك إلى الإيمان ، أى يتبعونه فى إيمانه  ويكون إيمانه هو الخططوة الأولى التى تقود إلى الخلاص بعد حين .

وهذا واضح فى قصة خلاص سجان فيلبى وبيته  . يقول سفر أعمال الرسل : ( وكلماه وجميع من فى بيته بكلمة الرب . فأخذهما فى تلك الساعة من الليل ، وغسلهما من الجراحات ، واعتمد فى الحال ، هو الذين له أجمعون ) ( أع 16 : 32 ـ 34 ) وبعد العماد يقول الكتاب : ( وتهلل مع جميع بيته )

فلو كان مجرد إيمانه قد خلصه ، ماذا كانت الحاجة إلى تبشيره وكل بيته بكلمة الله فى تلك الساعة من الليل ؟! وماذا كانت الحاجة إلى أن يعتمد فى الحال ، هو والذين له أجمعون ؟! ثم بعد ذلك يتهلل وعبارة : ( اعتمد فى الحال ) تعنى ضمناً أهمية المعمودية لخلاصه . ولذلك فى الحال اعتمد هو الذينله أجمعون ، لكى ينالوا الخلاص حسب قول السيد الرب : ( من آمن واعتمد خلص ) ( مر 16 : 16 ) وكما اعتمد الخصى الحبشى بعد إيمانه مباشرة ( أع 8 : 37 ، 38 )

وطبيعى أن كل ذلك لم يتم فىلحظة  .

لم يقل الرسولان لسجان فيلبى : مادمت قد آمنت ، تهلل إذن فقد خلصت ، وصرت إبناً لله ، بمجرد قبولك !!

إنما كانت هناك كرازة ، وأعمال حسنة تدل على توبة ، ثم عماد .. هل يجرؤ أحد إذن أن يقول إن سجان فيلبى قد خلص هو وأهل بيته فى لحظة ؟!

أو هل يجرؤ أحد أن يقول إن سجان فيلبى ، قد خلص بدون الكنيسة ، أو بدون المعمودية ؟!

هل خلص اللص فى لحظة 

مثال خلاص اللص على الصليب ، هو من الأمثلة الشهيرة ، التى يحاول البعض استخدامها ، لاثبات الخلاص فى لحظة ، ولعدم ضرورة المعمودية والكهنوت . وهم فى ذلك يقدمون الاعتراض الآتى المكون من ثىث نقاط :

إعتراض

1 ـ لقد خلص اللص فى لحظة ، حينما قال له الرب : ( اليوم تكون معى فى الفردوس ) ( لو 22 : 43 ) !

2 ـ وقد خلص بدون معمودية !

3 ـ وقد خلص أيضاً بدون كهنوت وبدون تدخل الكنيسة !

فلماذا إذن تشترطون الكهنوت والكنيسة والمعمودية ؟

الرد على الاعتراض

لا يمكن أن يكون اللص قد خلص فى لحظة .. ونقدم لذلك الأدلة االآتية :

1ـ لا يمكن أن يكون اللص قد خلص بمجرد الوعد الإلهى ، قبل موت المسيح على الصليب .

وذلك لأن أجرة الخطية هى موت ( رو 6 : 23 ) فلابد أن يموت المسيح أولا ليخلص اللص ..

وواضح أن السيد المسيح قد بقى على الصليب ربما حوالى ساعتين بعد أن قال وعده للص . لأن ذلك الوعد كان هو الكلمة الثانية من كلمات المسيح السبع على الصليب . ربما قالها فى الساعة الأولى من الساعات الثلاث التى قضاها على الصليب من السادسة إلى التاسعة . فهل خلص اللص بعد موت المسيح مباشرة ؟ هنا ونقول :

2ـ كان لابد للص أن يموت مع المسيح لكى يخلص .

وموته مع المسيح هو معمودية فى أعمق صورها .

لأنه ماهى المعمودية ؟ يقول الرسول : ( أم تجلهون أننا ، كل من أعتمد ليسوع المسيح ، أعتمدنا لموته ، فدفنا معه بالمعمودية للموت ) ( رو 6 : 3 ) ويقول : ( لأنه إن كنا قد صرنا متحدين معه بشبه موته ، نصير أيضاً بقيامته ، عالمين هذا أن إنساننا العتيق قد صلب معه ليبل جسد الخطية ) ( رو 6 : 5 ، 6 ) .

وواضح أن اللص صلب مع المسيح صلب حقيقياً ، ومات معه موتاً حقيقياً ، وليس مجرد على ( شبه موته ) من هنا كان موته هذا معمودية مثالية هى مثال لكل معمودية .

فكيف يجرؤ أحد أن يقول إن اللص لم يعتمد ؟!

إن من ينال هذه البركة العظمى مع المسيح يكون بلا شك فى وضع مثالى ، لعل بولس الرسول اشتهاه اشتهاء حينما قال : ( مع المسيح صلبت ) ( غل 2 : 2. )

إن الوحيد فى جميع قديسى الأرض الذى يقول هذه العبارة لفظاً ومعنى هو طبعاً اللص اليمين ..

يليه بصورة مشابهة ، القديسون الشهداء ، الذين لم يموتوا مع المسيح حرفياً ، إنما ماتوا من أجله ، فاعتبروا كأنهم ماتوا معه .

ونحن نعتبر أن الذين آمنوا بالمسيح واستشهدوا قبل معمودية الماء ، إما قد نالوا معمودية الدم

، بالموت معه .

وهنا نسأل : متى نال اللص هذه المعمودية ومات على الصليب ؟

إن الكتاب يشرح لنا أن المسيح مات فى الساعة التاسعة ( مت 27 : 45 ـ 5. ، مر 15 : 33 ـ 37 ، لو 23 : 44 ـ 46 ) .

والمعروف أن جسد المسيح انزل من على الصليب فى الساعة الحادية عشرة . يقول متى الرسول إنه : لما كان المساء ) ( مت 27 : 57 ) . ويقول القديس مرقس : ( لما كان المساء ، إذ كان الاستعداد أى قبل السبت )  ( مر 15 : 42 ) ويقول القديس لوقا : ( زكان يوم الاستعداد والسبت يلوح ) ( لو 23 : 54 ) ويقول  يوحنا : ( إذ كان استعداد ، فلكى لا تبقى الأجساد على الصليب فى السبت .. ) ( يو 19 : 31 ) .

ووقت أنزال جسد المسيح من على الصليب ، لم يكن اللصان قد ماتا ، فكسر الجند أرجلهما : ( أما يسوع فلما جاءوا إليه ، لم يكسروا ساقيه لأنهم رأوه قد مات ) ( يو 19 : 33 )

إذن اللص مات بعد الحادية عشر ، أى بعد ساعتين من موت المسيح . وبهذا يكون قد نال الخلاص وقتذاك ، بعد موته . وتكون قد مرت حوالى أربع ساعات بعد الوعد الإلهى بدخوله الفردوس .

إذن لم يخلص اللص فى لحظة . ولم يدخل الفردوس عقب الوعد الإلهى مباشرة ، بل بعده بأربع ساعات .

مادمنا قد أثبتنا أن اللص لم يخلص فى لحظة ، ولم يخلص بدون معمودية ، تبقى إذن الإجابة على الاعتراض الثالث الخاص بالكهنوت والكنيسة .

لقد نال اللص خلاصه عن طريق المسيح رأس الكنيسة ورئيس الكهنة الأعظم ، الذى يمثل الكنيسة تماماً فى ذلك الوقت ، الذى لم يكن فيه الكهنوت المسيحى قد تأسس بعد ، ولم تكن الكنيسة  قد تأسست بعد.

الفصل الثامن

هل هذه الآيات تثبت الخلاص فى لحظة ؟‍‍‍!

الذين قبلوه ( يو 1 : 12 )

التفتوا إلى ( إش 45 : 22 )

آيات ( اليوم ) ( أع 17 : 3. ، عب 3 : 8 )

آيات ( الآن ) ( 2كو 6 : 2 ، رو 13 : 11 )

1

مجرد قبول المسيح

الفهم الخاطئ وخطورته :

الذين ينادون بالخلاص فى لحظة ، يجعلون هذا الخلاص متوقفاً على مجرد قبول المسيح ! يكفى ـ فى عرفهم ـ أن تقبل المسيح فاديا ومخلصاً ، فتنال الخلاص وينتهى الأمر !!

والقبول فى نظر هؤلاء ـ كما يقول كتاب ( التلمذة ) ـ هو التصديق : أى تصديق أنك خاطئ  ، وأنك تستحق الموت ، وتصدق أن المسيح مات عنك ، وتقبله فادياً ومخلصاً ..

وبهذا القبول ـ كما يعلمون ـ ينال الشخص التبرير ، والتجديد ، والولادة من فوق ، وغفران الخطايا ، والانتقال من الموت إلى الحياة !!

ومعنى هذا ، أن ينال الإنسان التبرير والتجديد والمغفرة والخلاص ، بمجرد القبول ! أى بدون معمودية ، ولا كنيسة ، ولا اسرار ، ولا كهنوت !

كل ذلك يتم وبى كنيسة ـ بمجرد القبول ! أى بدون معمودية ، ولا كنيسة ، ولا أسرار ، ولا كهنوت !

كل ذلك يتم ـ وبلا كنيسة ـ بمجرد القبول ! هكذا يقولون ! ومن هنا أتت بدعة الخلاص فى لحظة

يقولون فى مجلة ( الينبوع ) ( عدد يناير 1978 ) : يكفى أن تنظر إلى المسيح على الصليب ، والجندى يطعنه بالحربة ، فتتبرر فى الحال !!

عجباً بمجرد النظر ، بلا توبة ، بلا اعتراف ، بلا تحليل ، بلا تناول .. بمجرد قبولك المسيح ‍ ‍‍! أى الغاء تام لوجود الكنيسة ولوجود الأسرار المقدسة !

ويصبح دليل الخلاص هو : هل قبلت المسيح فادياً ومخلصاً ؟!

إنه تعبير معروف مصدره ، مستعار من الطوائف غير الأرثوذكسية التى تركز على مجرد هذا القبول وحده . ووما تجدر الإشارة إليه أن الأناجيل التى يوزعها الجدعونيون ، يوجد فى آخرها اقرار بقبول المسيح فادياً ومخلصاً ، ليوقع عليه حامل الإنجيل .. كما لو كان مجرد الاقرار كافياً وحده لنوال الخلاص ... !

ويستند المعتقدون بكفاية هذا القبول ، على قول الكتاب :

( وأما كل الذين قبلوه ، فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله .. ) ( يو 1 : 12 )

وهكذا يرون أن الولادة الجديدة تتم بمجرد هذا القبول !

الرد على ذلك :

ما هو تفسير هذه الآية ( يو 1 : 12 ) ؟

وما علاقتهما بالنبوة لله ؟ وهل تصلح لإثبات ( الخلاص فى لحظة ) ؟

أول ما نلاحظه فى هذه الآية ، بالنسبة إلى الذين قبلوه :

لم يقل الكتاب : كل الذين قبلوه صاروا أولاد الله .. إنما قال : ( أعططاهم سلطاناً أن يصيروا .. أى صار لهم الحق أن يصيروا أولاد الله .. أما كيف يصيرون فلا شك أن ذلك بالميلاد من فوق ، الميلاد من الماء والروح ( يو 3 : 3 ، 5 )

وهذا الميلاد من الماء والروح ، ذكره الرب فى حديثه مع نيقوديموس قائلاً : ( الحق الحق أقول لك : إن كان أحد لا يولد من الماء والروح ، لا يقدر أن يدخل ملكوت اله ) ( يو 3 : 5 ) ولهذا بدون المعمودية لا تتم هذه الولادة .

 والذين يقولون إن الميلاد الثانى يتم بمجرد قبول المسيح ( أى الإيمان به ) ، إنما ينكرون المعمودية ، يخرجون من دائرة الأرثوذكسية .

نقطة أخرى نناقشها بالنسبة إلى هذه الآية وهى :

ما معنى عبارة : ( الذين قبلوه ) ؟ من هم الذين قبلوه ؟

لا شك أن الذين قبلوه ، هم الذين قبلوا تعليمه أيضاً ...

وتعليمه لا يقول آمن فقط ، إنما يقول : ( من آمن واعتمد ، خلص ) ( مر 16 : 16 ) فإن كنت قد آمنت فقط ، ولم تعتمد ، مكتفياً بمجرد القبول ، فلا تكون قد قبلت تعليم المسيح ... فلا تستحق أن تصير من أولاد الله ... إن الذى يقبل المسيح ، يقبل إنجيله ، وكنيسته ، ووكلاءه .. وكلاء السرائر الإلهية ، ويقبل كل الأسرار المقدسة التى تركها لنا كوسائط للخلاص ... فالقبول ليس مجرد شعور ...

هل شاول الطرسوسى بمجرد قبوله للمسيح نال الخلاص فى لحظة ؟!

أم سلمه الرب للكنيسة ؟ وأمرته الكنيسة أن يعتمد ويغسل خطاياه ( أع 22 : 16 ) ، أى أن خطاياه كانت لا تزال باقية بعد قبوله المسيح ، تنتظر المعمودية لتغسله منها ...

واليهود الذين آمنوا فى يوم الخمسين ، هل نالوا الخلاص فى اللحظة

التى نخسوا فيها فى قلوبهم ، أم قال لهم الكنيسة على فم بطرس الرسول : ( توبوا ، وليعتمد كل واحد منكم على إسم يسوع المسيح لمغفرة الخطايا ) ( أع 2 : 38 ) .

وماذا نقول عن قصة خلاص كرنيليوس والخصى الحبشى ؟

إن قبول الإنسان للرب ، وإيمانه ومعرفته لله ، كل هذه هى الخطوات الأولى فى طريق الخلاص . أما الخلاص فهو قصى العمر كله .

إن الخلاص هو قصة الإيمان ومعرفته لله ، كل هذه هى الخوات الأولى فى طريق الخلاص . أما الخلاص فهو قصة العمر كله .

إن الخلاص هو قصة الإيمان والتوبة والمعمودية ، وهو قصة الطاعة والقداسة وشركة الروح القدس ، وفاعلية الأسرار الإلهية ، وعمل النعمة مع الارادة البشرية ، والثبات فى الحب وحفظ الوصايا ، والصمود أما حروب الشياطين .

إن الذين قبلوه ، كان كل منهم يسأل : ( ماذا تريد يارب أن أفعل ؟ ) ،

فهكذا فعل شاول الطرسوسى ( أع 9 : 6 ) وهكذا أيضا فعل اليهود الذين قبلوا الرب

فى يوم الخمسين ، إذ سألوا قائلين : ( ماذا نصنع أيها الرجال الأخوة ؟ ) ( أع 2 : 37 )

وهذا دليل على أن هناك شيئاً ينبغى عمله بعد القبول .

كرنيليوس لما قبل الرب ، لم يصر إبناً بمجرد قبوله . إنما أمره الملاك أن يلجاً إلى الكنيسة ، ويستدعى بطرس ليقول له : ( ماذا ينبغى أن يفعل ) ( أع 1. : 6 ) ..

والخصى الحبشى لما قبل الرب ، لم يصر ابنا فى الحال ، مع أنه كان يؤمن من كل قلبه ( أع 8 : 37 ) ولكنه لما اعتمد ، مضى فى طريقه فرحاً . وهنا نسأل عن سر شغفه بطلب العماد ..

إن التشديد على قبول المسيح فاديا ، كان دعوة يوجهها الرسل إلى غير المؤمنين ، إذ لا يوجد طريق للخلاص غير هذا .

ولكن ما معنى كتابة نبذات تدعو المؤمنين إلى قبول المسيح فاديا ومخلصاً ؟! هل هم حالياً غير مؤمنين به كمخلص ؟!

هل المؤمنون الذين توزع عليهم النبذات ، لم يقبلوا المسيح بعد فادياً لهم ؟! أليس من الواضح أن الذين تتخذ كرازتهم هذا الأسلوب لا يفرقون بين المؤمنين وغير المؤمنين !

وإلا فما معنى أن تصدر نبذة عن جماعة تسمى نفسها ( شباب الكنيسة القبطية الأرثوذكسية ) تدعو فيها إلى مجرد قبول المسيح ، للخلاص ونوال الحياة الجديدة ! دون أن تذكر شيئاً عن الأسرار ، وعن البر الذى فى المسيح يسوع ... !

,, 2 ،،

التفتوا إلى ، واخلصوا ( إش 45 : 22 )

من الآيات التى يعتمد عليها من ينادون بالخلاص اللحظى ، قول الرب فى سفر إشعياء النبى : ( التفتوا إلى واخلصوا يا جميع أقاصى الأرض ) ( إش 45 : 22 ) . وهم يشددون على كلمة ( التفتوا ) ويرون أن الخلاص _ حسب هذه الآية _ يتم فى لفتة ، أى فى لحظة !! فهل هذه الآية تعنى الخلاص فى لحظة ؟

والجواب هو أن هذه الآية لا علاقة لها مطلقاً بموضوع الخلاص فى لحظة ، إنماا هى خاصة بترك عبادة الأصنام والرجوع إلى عبادة الله وحده ...

ليت االذين يوردون نصوصاً من الكتاب المقدس ، يتحققون جيداً مما يقتبسون ، ويعرفون ما هى المناسبة التى قيلت فيها الآية ؟ ولمن قيلت ؟ وأيضاً ليتهم لا يوردون النص مبتوراً ، أو منفصلاً تماماً عن باقى الآيات .

فاللاهوتى الحقيقى ، أو المؤمن الحقيقى ، لا يحاول أن يخضع الآيات لمفاهيمه الخاصة ، إنما يخضع هو لمفهوم الآيات .

وهذه الآيات المقتبسة من إشعياء ، سنفهمها فى ضوء الحقائق الآتية :

أ ـ تكملة الآية ذاتها . ولماذا لم يذكر مقتبسها تكملتها ؟

ب ـ تكملة الاصحاح التى قيلت فيه هذه الآية ( إش 45 )

ج ـ كل مضمون الاصحاحات 43 إلى 48 من سفر إشعياء

فنقول إن كل هذه الاصحاحات تدعو إلى ترك الآلهة الغربية .

كلها تدعو إلى عبادة الإله الحقيقى وحده ، وعدم الالتفات إلى الآلهة الأخرى .

ويتكرر فيها كلها قول الرب : ( أنا الله وليس غيرى ) ( أنا الرب وليس آخر ) ( قبلى لم يصور إله ، وبعدى لا يكون ) ( أنا هو وليس سواى ) .

والله فى كل تلك الاصحاحات يشير إلى الخلاص به هو ، فيجب الالتفات إليه وحده ، وليس إلى الآلهة الغريبة أو إلى الأصنام . وهكذا يقول :

أو المعنى هو أديروا قلوبكم نحوى . اتجهوا إلى وليس إلى الأصنام . وهذا هو ما ظهره الترجمة الانجليزية : ,, Turn to me and be Saved،،.

والمتتيع قراءة الاصحاح من أوله ، يجد الرب يقول :

( لكى تعرف أنى أنا الرب الذى يدعوك . أنا الرب وليس آخر ) ( إش 45 : 3 ) ( وأنت لست تعرفنى . أنا الرب وليس آخر . لا إله سواى . نطقتك وأنت لم تعرفنى ) ( ع 4 ، 5 ) ( لكى يعلموا من مشرق الشمس ومن مغربها ، أن ليس غيرى . أنا الرب وليس آخر )( ع 6 ) أنا الرب صانع كل هذه ) ( ع7 ) ( أنا الرب قد خلقته ) ( ع 8 ) ( أنا صنعت الأرض وخلقت الإنسان عليها . يداى أنا نشرنا السموات وكل جندها ) ( ع 12 ) ( ..  الله وليس آخر ) ( ع 14 ) .

وبعد أن يتكلم الرب عن أنه هو الله وحده ، يتكلم عن الخلاص وأنه به وحده ، فيقول :

( أما إسرائيل ، فيخلص باالرب خلاصاً أبدياً ) ( ع 17 ) ( أنا الرب وليس آخر ( ع 18 ) ( أنا الرب ) ( ع 19 ) ( لا يعلم الحاملون خشب صنمهم والمصلون إلى إله لا يخلص ) ( ع 2. )

( أليس أنا الرب ، ولا إله غيرى إله بار ومخلص ، ليس سواى . التفتوا إلى واخلصوا .. ) ( ع 21 ، 22 ) .

إنها دعوة إلى ترك عبادة الأصنام ، والإيمان بالله وحده .

وترك إسرائيل لعبادة الأصنام ، والتفاتهم إلى الله ، لكى يخلصوا ، لم يتم فى لحظة ...

لم يتم ذلك إلا بجهاد كبير من الأنبياء ، وبضربات من الله كان من ضمنها السبى ورحهم إلى أيدى أعدائهم ليذلوهم ، ثم طول أناة من الله عليهم ، حتى التفتوا إليه أخيراً ، واداروا ظهورهم للأصناام ، واتجهوا نحو الله ...

وحتى كل الذين التفتوا إلى الله ليخلصوا ، لم ينالوا الخلاص إلا بدم المسيح الذى سفك بعد ذلك بحوالى 8.. سنة  .

لقد رقدوا على رجاء ، كباقى الآباء وانتظروا ..

ولم ينالوا الخلاص بمجرد لفتة ، أو فى لحظة ..

وكا الذى نالوه كان وعداً بالخلاص ...

إنهم لم يخلصوا إلا بالإيمان ، وبترك الأوثان .

ولم يخلصوا إلا إلا فى ملء الزمان .

ليس بمجرد لفتة ، إنما بعد أجيال طويلة .

ومن له أذنان للسمع فليسمع ، مايقوله الروح للكنائس .

,, 3 ،،

الآيات الخاصة بعبارتى ( اليوم ) ، ( الآن )

الآيات

الذين ينادون بالخلاص فى لحظة ، يستخدمون الآيات الآتية :

1 ـ ( هوذا الآنوقت مقبول . هوذا الآن يوم خلاصى ) ( 2كو 6 : 2 )

 2ـ ( إنها الأن ساعة لنستيقظ من النوم . فإن خلاصنا الآن أقرب مما كان حين آمناا ) ( رو 3 : 11 )

3 ـ ( اليوم إن سمعتم صوته ، فلا تقسوا قلوبكم ) ( 2ب 3 : 8 ) .

4 ـ ( الله الآن يأمر جميع الناس فى كل مكان ، أن يتوبوا متغاضياً عن أزمنة الجهل ) ( أع 17 : 2. ) .

5 ـ ( اليوم حصل خلاص لهذا البيت ) ( لو 19 : 9 )

وهنا يبدو التركيز على عبارة ( اليوم ) وعبارة ( الآن )

عبارة ,, اليوم ،،

من الواضح جداً ، أن استخدام عبارة ( اليوم ) ههنا  ، تحمل تنازلاً عن عبارة ( لحظة )  فالعبارتان مختلفتان تماماً فى الزمن .

فمهاجمتنا للبدعة الخلاص فى لحظة ، سببه الأساسى هو أنه من غير الممكن أن تتم فى لحظة كل اسرار الكنيسة اللازمة للخلاص .. فلا يمكن لإنسان أن يؤمن ويعتمد فى لحظة ، ولا أن يتوب ويعترف ويأخذ التحليل ويتناول فى لحظة ... كل هذا مستحيل عملياً .

ومن هنا كانت عبارة ( لحظة ) تعنى إنكاراً واضحاً لأهمية الأسرار والكهنوت والمنيسة فى موضوع الخلاص .

لهذا فالآيات المشتملة على كلمة ( اليوم ) هى خروج عن الحوار فى هذا الموضوع ، لأن الإيمان والأسرار يمكن أن تتم فى يوم ...

يمكن فى يوم واحد ، أن يتم الإيمان والعماد معاً ... ويمكن أن تتم التوبة ، ومعها الاعترااف أيضاً والتناول ... وهكذا تكون الكنيسة قد أدت دورها ، وتمت الأسرار اللازمة للخلاص بخدمة الكهنوت

فى يوم واحد ، أمكن لكرنيليوس ، أن يستدعى بطرس الرسول ، اذى كرز له فآمن وأعتمد هو وجميع الذين سمعوا الكلمة ( أع 1. )

ومع ذلك ، فسنحاول أن نفهم معاً هذه الآيات التى قدموها لاثبات الخلاص فى لحظة ونرى ما تقدمه من معنى :

الآن وقت مقبول

 الآن يوم خلاص ( 2كو 6 : 2 )

إن عبارة ( الآن وقت ) وعبارة ( الآن يوم ) لا تعنيان مطلقاً ( الآن لحظة ) ، فلم يقل الآن لحظة خلاص ، ولا الآن لحظة مقبولة ... ومع ذلك نقول :

كلمة الآن هنا تعنى عدم التأجيل ...

ولا تعنى انهم يخلصون فى لحظة ، لأنه أرسل رسالته هذه ( إلى كنيسة الله التى فى كورنثوس ، مع القديسين أجمعين الذين فى أخائية ) ( 2كو 1 : 1 ) فهو هنا لا يكلم غير مؤمنين . ولم يتحدث إليهم هنا عن الإيمان أو الفداء أو المعمودية .

إنما كان يحدثهم عن التوبة ، وعدم تأجيلها ..

والتوبة مقبولة الآن ، وقبولة فى كل وقت . لأن الله يقول : ( من يقبل إلى ، لا أخرجه خارجاً ) ( يو 6 : : 37 ) والقديس بولس كان فى الرسالة االماضية قد حدثهم عن الانقسامات التى بينهم ( 1كو 3 : 3 ) ووصفهم بأنهم جسديون ( 1كو 3 : 1 ، 4 ) ثم وبخهم على الخاطئ الذى ادانه الرسول وحكم عليه ( 1كو 5 : 5 ) وقال لهم : ( اعزاوا االخبيث من وسطكم ) ( 1كو 5 : 13 ) ووبخهم على االالتجاء إلى المحاكم ( 1كو 6 : 1 ، 5 ) ووبخهم على خايا أخرة كثيرة ... وفى هذه الرسالة يعفو عن الخاطئ الذى حكم عليه ( 2كو 2 : 7 ) ويقول لهم :

( الآن أنا أفرح ، لا لأنكم حزنتم ، بل لأنكم حزنتم للتوبة  .. لأن الحزن الذى بحسب مشيئة الله ، ينشئ توبة لخلاص بلا ندامة) ( 2كو 7 : 9 ، 1. )

 إذن هنا ، هو يحدثهم عن التوبة ، والخلاص من الخطايا التى يرتكبونها . والتوبة يحسن بها عدم التأجيل ، فوقتها الآن وقت مقبول ، والتخلص منها اليوم هو أفضل ، لأنه يوم خلاص ... ما علاقة كل هذا إذن بالخلاص فى لحظة ؟ والرسول لم يستخدم هذا التعبير مطلقاً ً

إنه ينادى لهم بخدمة المصالحة ،  أن ( تصالحوا مع الله ) ( 2كو 5 : 2. ) فإن تأثروا وتابوا ، فلا يجوز أن يؤجلوا التوبة ، لأن الآن وقت مقبول ...

ونفس الكلام عن عدم تأجيل التوبة ، هو قصد الرسول بقوله :

الآن ساعة لنستيقظ

اليقظة الروحية مطلوبة فى كل وقت ، وليس من المصالح تأجيلها ، فهى لازمة الآن . فما علاقة اليقظة بالخلاص فى لحظة .

إن الذى يستقظ ، يبحث كيف يخلص . تماماً مثلما حدث للابن الضال ، الذى لما استيقظ ، فكر ماذا يفعل . فقال أقوم الآن وأذهب إلى أبى ، وأقول له : أخطأت .. ( لو 15 : 17 ، 18 ) .

إذن فاليقظة تتبعها خططوات ... ولذلك شرح لهم الرسول ما يفعلونه فى هذه اليقظة الروحية ..

فقال لهم : ( إنها الآن ساعة لنتستيقظ ... فلنخلع أعمال الظلمة ، ونلبس أسلحة النور . لنسلك بلياقة كما فى النهار ، لا بالبطر والسكر ، لا بالمضاجع والعهر ، لا بالخصام والحسد بل ألبسوا الرب يسوع المسيح ، ولا تصنعوا تدبير الجسد لأجل الشهوات ) ( رو 13 : 11_ 14 )

هنا يضع أمامهم برنامجاً روحياً ، ربما يحتاج إلى جهاد روحى ووقت . وليس هو كلاماً عن الخلاص فى لحظة .

وهو فى كل ذلك يكلم أناساً مؤمنين . ولذلك فإنه يقول لهم فى نفس الآية : ( إنها الآن ساعة لنستيقظ من النوم ، فإن خلاصنا الآن أقرب مما كان حين آمناً ) ( رو 13 : 11 ) إذن هم كانوا مؤمنين ، وقد قبلوا المسيح من قبل فادياً ومخلصاً ... ولكنهم الآن تتعبهم الخطايا ، ويحتاجون إلى توبة . ويجب عد تأجيل هذه التوبة ، بكل تكون الآن .. فخلاصهم الآن من خطاياهم بالتوبة ، أسهل من حالتهم حين قبلوا الإيمان ...

إنها نفس الدعوة إلى العبرانيين ، بعدم تأجيل التوبة بقوله :

اليوم أن سمعتم صوته ، فلا تقسوا قلوبكم

إنه لا يتكلم ععن الخلاص فى لحظة ، إنما يدعوهم أن يفتحوا قلوبهم لله ، وأن يتوبوا . والمفروض أن يستجيبوا بسرعة لعمل الله فيهم ، لئلا يدركهم غضب الله الذى ادرك آباءهم فى القفر ( عب 3 : 8 )

والرسول يقول إن عدم الرجوع إلى الله ، وعدم الاستجابة لصوته ، عبارة عن قساوة قلب . لذلك اليوم لا تقسوا قلوبكم ..

ما علاقة هذه الآية بالخلاص فى لحظة ؟ اننى متعجب .

كذلك ما هى علاقة الخلاص فى لحظة بهذه الآية :

الله الآن يأمر جميع الناس أن يتوبوا

إن ( الله الآن يأمر جميع الناس فى كل مكان ، أن يتوبوا متغاضياً ععن أزمنة الجهل ) ( أع 17 : 2. )

فهل دعوة الله الناس إلى التوبة الآن ، معناها أنهم قد خلصوا فى لحظة .. إنه يدعوهم الآن ، وربما يستجيبون أو لا يستجيبون . والذين يستجيبون قد يأخذون وقتاً للتخلص من خطاياهم ، وقد يتدرجون فى ذلك .. وربما يتوبون ، ويعودون إلى السقوطط مرة أخرى ... ولكنهم فى توبتهم يتغاضى الله عن أزمنة الجهل ...

فهل أمر الله للنااس بالتوبة ، تعنى الخلاص فى لحظة ؟ لمجرد ورود عبارة الآن ؟!

حتى لو كانت .. ! ، يقول الرسول الآن الله يأمر . وليس الآن الناس يخلصون .

وحتى عبارة ( الآن يخلصون ) لا تعنى لحظة ...

ومع ذلك لا يخلط أحد بين عبارتى : التوبة ، والخلاص . فهناك فروق بينهما نشرحها فى فصل عنوانه ( مفاهيم ).

اليوم حصل خلاص

أما عن عبارة ( اليوم حصل خلاص لهذا البيت ) ( لو 19 : 9 ) التى قالها الرب زكا وبيته ، فقد شرحناها تحت عنوان : ( هل خلص زكا فى لحظة ) ( انظر ص 12. ) 

كما أن عبارة ( اليوم ) كما قلنا ، هى خارجة عن موضوعنا .

التوبة والخلاص

نلاحظ أن باقى الآيات كلها خاصة بالتوبة ، وليس بالخلاص .

والتوبة هى جزء بسيط من موضوع الخلاص . ولا يمكن أن المنادين بالخلاص فى لحظة يقولون إن االتوبة معناها الخلاص الآن ، حيث لم يرد فى هذه الآيات أية إشارة إلى الإيمان أو الدم أو الفداء أو الكفارة أو المعمودية ، فهى إذن ليست آيات خاصة بالخلاص ، ولا علاقة لها بموضوعنا .

الفصل التاسع

مفاهيم لاهوتية

الخلط بين التوبة والخلاص .

الخلط بين التغيير والخلاص .

لحظات مباركة ، ليست لحظاات خلاص .

المغفرة قبل الصليب.

الإيمان والخلاص .

التبرير أم التقديس .

الإجابة بآية لا تكفى .

أية اللحظات ؟‍

الخلط بين التوبة والخلاص

1 ـ ما أكثر الذين يخلطون بين التوبة والخلاص . فإن تاب إنسان وتغيرت حياته ، يقولون عنه إنه قد خلص ، وهو نفسه يقول : ( أنا قد خلصت ) ويسجل تاريخ ذلك فى مذكرته ، ويدعوه البعض أن يقف على المنبر ليحكى ( إختباره ( ، أو يحكى قصة خلاصه ، لينتفع بها الآخرون .. ‍ ‍‍‍‍‍!

2 ـ وربما تكون توبة جزئية ، أقصد توبة من خطية معينة تتعبه ، أو من الخطيئة الرئيسية فى حياته !

ربما تكون الخطية البارزة فى حياته ، أو التى تشعره بأنه خارج دائرة أولاد الله ، هى خطية الزنا ، أو شرب الخمر ، أو لعب القمار ، أو السرقة ... إلخ . فإن عملت التوبة فى قلبه أو تأثر ، وأبطل هذه الخطية البشعة ، يظن أنه قد خلص ، ويقول أمام الناس : ( قد خلصت ) !

3 ـ ومع ( خلاصه ) من هذه الخطية ، قد تكون له خطايا أخرى !

مثل خطية الغضب مثلاً  ،  أو محبة المديح والمجد الباطل ، أو بعض خطاياا اللسان أو عدم التدقيق فى الحياة ، أو غير ذلك ... ولكنه يقول قد خلصت ، لمجرد خلاصه من الخمر والقمار أو النساء !

4 ـ وتحضرنى فى هذا المجال قصة قرأتها فى كتاب :

كان يتحدث مؤلفه عن إمكانية الخلاص فى لحظة ، فاستشهد بقصة رواها أحد الآباء الكهنة المعروفين عن إنسان كان مدمنا على التدخين ، ثم خلا إلى نفسه ، ورأى أن يحرق قوته وصحته فيما يدخن ، فقرر الامتناع عد ذلك ، وألقى بعلبة السجاير بعيداً ، قائلاً لها : ,, اذهبى ، لا أرجعك الله ،،

وقال ذلك المدمن التائب : ,, ومنذ تلك اللحظة لم أعد إليها ابدأً ،، وأعتبر المؤلف تلك القصة دليلاً على إمكتانية الخلاص فى لحظة  !! أو دليلاً على الخلاص فى لحظة من محبة الخطية !!

والعجيب أن تلك القصة ، تكررت فى كتاب المؤلف مرتين ، كما لو كانت دليلاً قوياً دافعا ! فهل الخلاص فى مفهومه ، هو مجرد ترك التدخين ؟! وهل الخلاص من محبة الخطية ، هو مجرد الخلاص من التدخين ؟! وربما تكون لهذا المدمن خطايا أخرى كثيرة لا تزال محتاجة إلى جهاد كبير حتى الدم ( عب 12 : 4 ) كما تحتاج إلى معونة كبيرة من النعمة ... 

وكم من أناس تخلصوا من مثل هذه الخطية ، وحكوا اختباراتهم ، ثم انفجروا فى إحدى اللحظات فى خطية غضب وسخط ، لم يخلصوا منها بعد ... 

وحتى لو خلصوا من الغضب ، هناك خطايا أخرى ، وهناك ضعفات فى حياتهم وحياة كل إنسان تحتاج إلى إصلاح .

5 ـ وهم أنفسهم يقولون إن ( التقديس ) يحتاج إلى مسيرة العمر كله ... ! فهل يؤخذ الاقلاع عن التدخين دليلاً على الخلاص ؟! وهل ترك التدخين يدخل تحت عنوان التبرير أم التقديس ؟! وهل هو داخل فى استحقاقات الفداء والدم ؟ ومتى وكيف ؟

6 ـ إن الخلاص له معنى واسع ، التوبة هى جزء منه ، أو هى عامل موصل إليه ضمن عوامل أخرى .

لا يجوز إذن وضع الكلام عن التوبة ، سواء كانت كلية أو جزئية ، فى موضع الكلام عن الخلاص . وإلا فأين الحديث عن الإيمان والمعمودية ، والدم والكفاغرة والفداء ، وسائر الأمور الأخرى المتعلقة بالخلاص ، مثل عمل النعمة، أو عمل الروح القدس فى موضوع الخلاص .. ؟! إن كان مجرد ترك خطية واحدة يعتبر خلاصاً !

7 ـ ينبغى أن يكون مفهوم الخلاص واضحاً أمامنا بمعناه الواسع ..

هذا الخلاص االذى عمل الرب ومازال يعمل من أجله ، وهذا الخلاص الذى نجاهد بكل قوانا ، وبكل ما أوتينا من نعمة لكى نصل إليه ، بعد أن أخذنا جزءاً منه ، واضعين أمامنا قول الرسول : ( تمموا خلاصكم بخوف ورعدة ) ( فى 2 : 12 ) هذا الخلاص الذى من أجله ( مصارعتنا ليست مع لحم ودم ، بل مع أجناد الشر الروحية ) ( أف 6 : 12 ) وتحتاج إلى سلاح الله الكامل لكى نقدر أن نقاوم ، وأن نثبت ، وأن نطفئ جميع سهام الشرير الملتهبة ... ( أف 6 : 13 ، 16 ) ...

8 ـ ليس هو مجرد تخلص من خطية معينة ، أو من جملة خايا ، فهذا هو الجانب السلبى . ويبقى جانب إيجابى ، ليس الآن مجاله ...

إن الخلاص ـ كما قلنا _ موضوع واسع ، التوبة جزء منه .

والتوبة أيضاً موضوع واسع ، يقظة القلب جزء منه ، وإنسحاق القلب وندمه جزء آخر ، وترك الخطية جزء ثالث ، وعدم محبة الخطية جزء رابع ، والاعتراف والتناول والتحليل عناصر أخرى فى التوبة . تشترك فيها الكنيسة مع التائب بمساعدته على التوبة ونوال الغفران .

وواضح أن كل هذه العناصر ، لا تتم فى لحظة .

 ومن له أذنان للسمع فليسمع .

حديثنا الحالى عن الفارق بين المفهوم الواسع الذى للخلاص ، ومفهوم التوبة يجرنا هذا الحديث إلى موضوع مشابه هو :

الخلط بين التغيير والخلاص

1 ـ قرأت فى أحد الكتب فقرة يقول فيها قائلها :

,, شاول الملك عندما مسحه صموئيل النبى ، قال له : ( يحل عليك روح الرب .. وتتحول إلى رجل آخر ) ( 1صم 1. : 6 ) . وقد تم هذا القول لشاول فى لحظة . إذ يسجل الكتاب قائلاً : ( وكان عندما أدار كتفه لكى يذهب من عند صموئيل ، أن الله أعطاه قلباً آخر ) ( 1صم 1. : 9 ) ولاحظ تعبير الكتاب أنه ( عندما أدار كتفه ) وادارة الكتف لا تستغرق وقتاً  ( أهـ )

وفى الواقع لست أجد فى هذه القصة دليلاً على الخلاص فى لحظة ، إنما أرى فيها دليلاً على عكس هذا‍‍‍  !!

شاول الملك تغير فعلاً ، وتغير فى لحظة ، وأعطاه الله قلباً آخر ، وعمل روح الرب فيه ، فتنبأ مع الأنبياء ، حتى قال الناس فى تعجب : ( أشاول أيضاً بين الأنبياء ؟! )

كل هذا حدث حقاً . ولكن ماذا كانت نهاية شاول ؟

2 ـ إن شاول الذى تغير فى لحظة ، وحل عليه روح الرب وتنبأ ، لم يخلص أبداً ، بل هلك !

فقد ختمت حياة هذا الإنسان بمأساة ، قال فيها الوحى الإلهى : ( وفارق روح الرب شاول ، وبغته روح ردئ من قبل الرب ) ( 1صم 16 : 14 ) وكان يحتاج إلى داود ، لكى يضرب له على العود فيهدأ . ( والرب ندم لأنه ملك شاول على إسرائيل ) ( 1صم 15 : 35 ) ولما ناح عليه صموئيل النبى ، قال له الرب : ( حتى متى تنوح على شاول ، وأنا قد رفضته ؟! ) ( 1صم 16 : 1)

3 ـ حقاً إن التغير شئ ، والخلاص شئ آخر  .

ولا يجوز أن نأخذ الكلام عن التغير ، كلاماً عن الخلاص  

إن شاول الملك لم ينل الخلاص بتغيره ، ولا بحلول روح الله عليه ، ولا بموهبة النبوة التى منحت له ، ولا بالمسحة المقدسة التى نالها من صموئيل النبى !! وكانت نهايته إلى الهلاك . ولهذا فإن الكتاب لا يعطى الأهمية الكبرى ، ولا اسم الخلاص للتغيرات التى تحدث حتى للقديسين  ، وإنما يقول : ( أنظروا إلى نهاية سيرتهم ) ( عب 13 : 7 ) 

4 ـ وما أسهل أن التغير إلى أفضل ، يعقبه تغير آخر إلى أسوأ . وحياة الإنسان دائمة التغير . والمهم هو كيف تنتهى أيام غربته فى العالم .

ومثاال شاول الملك هذا ، عن التغير اللحظى ، لا يخدم بدعة الخلاص فى لحظة ، بل هو ضدها تماماً

ونفس الكلام نقوله أيضاً إن التغير فى حياة التوبة ، حتى لو تم فى لحظة .. !

5 ـ وقد يتغير إنسان فى لحظة ، من خاطئ إلى تائب !

ولكن ذلك لا يعنى أنه قد خلص ، فقد يفقد توبته .

توبته قد تنقله من الموت إلى الحياة ! ثم يعود إلى الموت مرة أخرى ، إن لم تستمر معه التوبة ، وعاد إلى الخطية ، وأجرة الخطية موت ( رو 6 : 23 )

وقد تكون التوبة قوية جداً ، وعمل النعمة قوياً جداً .

6 ـ ويتحول فى التوبة من خاطئ إلى قديس ، ثم يفقد قداسته ويسقط ولا يكون قد خلص فى لحظة !

وبغض النظر عن أن كلمة قديس ، أطلقت فى الكتاب فى أحيان كثيرة على عموم المؤمنين ، كما قال بولس الرسول : ( سلموا على قديس فى المسيح يسوع ) ( فى 4 : 21 ) ( ساهرين لهذا بعينه بكل مواظبة وطلبة لأجل جميع االقديسين ) ( أف 6 : 18 ) وأرسل القديس بولس رسائله إلى (جميع القديسين فى المسيح يسوع الين فى فيلبى مع أساقفة وشمامسة ) ( فى 1 : 1 ) وإلى ( القديسين أجمعين الذين فى أخائية ) ( 2كو 1 : 1 ) وإلى ( القديسين الذين فى كولوسى ) ( كو 1 : 2 ) ( انظر أيضاً فى 4 : 22 ، 13 : 24 ، 1 كو 1 : 2 ، 2 كو 13 : 13 )

بغض النظر عن كل هذا ، نقول : كم من قديسين سقطوا ، وفقدوا الدفعة الأولى فى حياتهم التى حولتهم إلى قديسين ، وااحتاجوا إلى تكرارالتوبة والتغير من جديد ...

داود النبى كان قديساً ، وسقط ، واحتاج إلى توبة ودموع . وشمشون كان قديساً ، ومن رجال الإيمان ( عب 11 : 32 ) ومع ذلك سقط ، واحتاج إلى توبة لكى يخلص . وسليمان كان قديساً ، وتحدث مع الله أكثر من مرة وتراءى له فى جبعون ، ومنحه قلباً حكيماً مميزاً لم يكن مثله من قبل ولا من بعد ( 1مل 3 : 5 ـ 12 ) وتراءى له ثانية بعد تدشين الهيكل ، وأخبره أنه سمع صلاته ( 1مل 9 : 2 ، 3 ) ومع ذلك سق سليمان ( 1مل 11 : 4 ) وأحتاج إلى توبة .

ويعوزنا الوقت إن تحدثنا عن قديسين فى التاريخ سقطوا ، واحتاجوا إلى توبة لخلاصهم ، ومن أمثلتهم يعقوب المجاهد ، وموسى السائح ، وبائيسة .. وغيرهم .

إذن الوصول إلى القداسة شئ ، والوصول إلى الخلاص شئ آخر ، إّ يمكن فقد القداسة . والإنسان دائم التغير .

7 ـ يمكن أن يتغير الإنسان من خاطئ إلى قديس ، ولا يكون قد خلص بعد ، لأنه محتاج إلى الثبات فى القداسة ، وليس إلى مجرد التحول إليها  ...

وهوذا الرسول يقول : ( فإذا لنا هذه المواعيد أيها االأحباء ، لنطهر ذاوتنا من كل دنس الجسد والروح ، مكملين القداسة فى خوف الله ) ( 2كو  7 : 1 ) ويقول : ( يثبت قلوبكم بلا لوم فى القداسة ) ( 1تس 3 : 13 )

8 ـ لذلك نقول إن الخلاص هو قصة العمر كله ، يمر فيها الإنسان على الإيمان والتوبة والمعمودية والقداسة ، ويحتاج إلى أن يثبت .

إنه يتغير فى سلوكه فى حالة إلى أخرى . ولكن عليه أن يثبت فى الحالة الفضلى التى يصل إليها . ولا يظن أن مجرد التغير هو الخلاص ...

9 ـ وهناك من يتغير ويخلص ، ولكنه لا يخلص فى وقت تغيره .

شاول الطرسوسى مثلاً : تغير قلبه من مضطهد للكنيسة إلى مؤمن بالرب يسوع وصاار أناء مختاراً ( أع 9 ) ولكنه لم يخلص فى لحظة لقائه بالرب ، وفى لحظة هذا التغير .

بل أرسله الرب إلى حنانيا الذى قال له : ( أيها الأخ شاول ... لماذا تتوانى ؟ قم اعتمد واغسل خطايااك ) ( أع 22 : 16 ) إذن حطاياه لم تكن قد غسلت حتى ذلك الوقت . فلما اعتمد اغتسل منها وخلص ( مر 16 : 16 )

إذن ساعة التغير ، ليست هى ساعة الخلاص

كما أن كثيرين يحتاجون إلىمدة طويلة للتغير ..

1. ـ ما أكثر نواحى التغير فى حياة الإنسان . ولكن ليس كل تغير  خلاصاً . إنك قد تتأثر بعظة أو بقراءة معينة ، فتغير شيئاً من حياتك ، أو تغير حياتك كلها . ولكن هذا التغير ليس هو الخلاص ربما مزمور واحد يغير حياتك ، أو آية تغير حياتك ، أو معجزة تغير حياتك . تغيرها إلى التوبة او التكريس مثلاً 

11 ـ ولكن تكريس الحياة شئ ، والخلاص شئ آخر

إن آية واحدة سمعها الأنبا أنطونيوس ، استطاعت أن تغير حياته فذهب وباع  كل ماله واعطاه للفقراء ، واتجه إلى حياة الرهبنة . أيجرؤ أحد  أن يقول إن الأنبا أنطونيوس نال الخلاص ، حينما سمع هذه الآية وتغير ؟‍ ‍‍‍‍‍‍‍!

حقاً إنه تغيير . ولكن الرهبنة شئ ، والخلاص شئ آخر .

إذن لا يجوز أن نأخذ كل تغيير على أنه خلاص !

12 ـ حدث أيضاً أن القديس أوغسطينوس جلس جلسة روحية مع نفسه ، قادته إلى التوبة وتغيير الحياة . وكانت جلسة تاريخية حاسمة ، ولكنه لم ينل الخلاص فى تلك  الجلسة . ولقد  قرأ كتاب حياة الأنبا أنطونيوس ، وتأثر به جداً . ولكن هذا التأثر وما تبعه من تغيير لم يكن هو الخلاص ، إنما كان خطوة فى الطريق .

إن الجلسة مع النفس هامة ، وقد تكون نتيجتها تغيراً أو سعياً إلى التوبة . ولكنها مجرد خوات إلى الله .

ليست هذه الخطوات هى الخلاص ، إنما تقود إليه .

قد تأخذ من الجلسة قوة من الله ونعمة تعينك فى حياتك . وقد تنتهى إلى تصميم داخلى على التوبة . كل هذا حسن ومفيد ، ولكن ليس هو الخلاص . إنها مجرد وسائ .. هكذا كان القديسون يجلسون إلى أنفسهم ، أويدخلون داخل أنفسهم . ولكنهم لم ينالوا الخلاص فى تلك اللحظات ، إنما نالوا نعمة وبركة .

بعض من الذين تغيروا ، ونالوا خلاصاً بالإيمان والتوبة والمعمودية ، تعرضوا لتغيير عكسى أوصلهم إلى الردة .

وقصص هذه الردة كثيرة فى الكتاب المقدس : منها قصة ديماس الذى كان أحد مساعدى القديس بولس الرسول فى الكرازة ( كو 4 : 14 ) والذى ذكره فى إحدى المرات قبل القديس لوقا ( فل 24 ) هذا تغير وارتد وقال عنه القديس بولس : ( ديماس قد تركنى إذ أحب العالم الحاضر ) ( 2تى 4 : 9 )

ومن أمثلة ديماس ، أولئك الذين قال عنهم الرسول : ( لأن كثيرين ممن كنت أذكرهم لكم مراراً ، والآن أذكرهم أيضاً باكياً ، وهم أعداء صليب المسيح ) ( فى 3 : 18 )

إن الردة رد على من يضعونعبارة ( التغير  ) فى موضع كلمة ( الخلاص )  وما أسهل أن يتغير الإنسان فى لحظة ، من خاطئ إلى تائب ، إلى قديس  . وينتقل من ظلمة إلى نور ، ومن موت إلى حياة ، وينال قوة .

ثم يتغير إلى العكس مرة ثانية ، وقد يهلك أخيراً !

لحظات مباركة

ليست لحظات خلاص

1 ـ فى حياة كل إنسان ، لا شك توجد لحظات مباركة :

قد تكون لحظات مباركة أو مقدسة .

أو لحظات مصيرية .

أو لحظات ممجدة .

أو لحظات زهد ونسك .

أو لحظات تغيير أو تحول  فى التفكير والقرارات .

أو لحظات اتفاق أو عهد مع الله .

أو لحظات توبة ، أو مصالحة مع الله .

أو لحظات تأمل .

ولكن ولا واحدة من هذه ، يمكن تسميتها لحظة خلاص .

وسنحاول أأن نضرب أمثلة لكل هذه أو بعضها :

2 ـ اللحظة التى تأمل فيها القديس أنطونيوس جثة أبيه ، وقال له : [ أين عظمتك وقوتك وسلطانك ؟! لقد خرجت من العالم بغير إرادتك . ولكننى سأترك العالم بارادتى ، قبل أن يخرجوننى كارهاً ]

كانت هى لحظة زهد ونسك ، وكانت لحظة مصيرية . ولكنها لم تكن لحظة خلاص . لأننا لا نستطيع أن نقول  عن القديس أنطونيوس انه خلص فى تلك اللحظة .

ولكن يمكننا أن نقول إنها لحظة مباركة ، لحظة تأمل ، شعر  فيها القديس أنطونيوس بفناء هذا العالم ، فى هذا ، وخط لنا الطريق الملائكى الجميل ...

3 _ كذلك اللحظات التى جلس فيه االابن الضال إلى نفسه ، وهو بين الخنازير فى تلك الكورة البعيدة ، وأدرك سوء حالته ، وعزم على التوبة والرجوع إلى بيت أبيه ....

كانت لحظات مصيرية ، غيرت حياة الابن الضال ، وارجعته إلى بيت أبيه ، ولكنها لم تكن لحظة خلاص ، لأن الخلاص لا يمكن أن يتم فى الكورة البعيدة !

4 ـ كذلك كانت لحظة مباركة تلك التى جلس فيها القديس أوغسطينوسإلى نفسه ، وأيضاً تلك الساعات التى تأثر فيها جداً بقراءة سيرة الأنبا أنطونيوس  ولكنها لم تكن مطلقاً لحظة خلاص .

إن القديس لم يخلص وهو يقرأ حياة الأنبا أنطونيوس !

5 ـ كذلك قد تمر على الإنسان لحظات توبة ، يشعر فيهاا بكراهية الخطية ، أو يرى فيها أن محبة الخطية قد انتزعت تماماً من قلبه ولم يعد يشتاق إليها ، سواء الخطية عموماً ، أو خطية معينة .. ولكن كل لحظة من هذه ، ليست لحظة خلاص .

إنها لحظة توبة ، وليست لحظة خلاص . وما أسهل أن يعود إلى الخطية مرة أخرى ، بعد شعوره أن محبتها قد انتزعت من قلبه .

6 ـ وقد تمر على الإنسان مقدسة ، يتمتع فيها بزيارة من زيارات النعمة ، ويسمع بها  صوت الله فى قلبه ، ويكون فى حالة روحية يشعر به تماما أنه فى الملكوت . ألم يقل الرب : ( ملكوت الله داخلكم ) ( لو 17 : 21 ) .

زيارة النعمة لحظة مقدسة ، ولكنها ليست لحظة خلاص .

إنها متعة بالله ، وشعور بوجوده ، وشعور بعمل الله داخل الإنسان . ولكنها لا تستمر . هى مجرد مذاقة للملكوت ، ثم يعود الإنسان إلى حالته الأولى ، أو إلى حالة أفضل قليلاً ، ولكنه لا يستمر فى هذا الملكوت طول حياته ...

7 ـ وقد تمر على الإنسان لحظات توبة أو لحظات تغير ، ولكنها ليست لحظات خلاص كما شرحنا وقد يشعر الإنسان بضرورة التوبة الآن ، وعدم تأجيلها مطلقاً ، كما حدث لأوغسططينوس ، وكما حدث للأبن الضال .. ولكن التوبة وليست هى الخلاص . هى مجرد فرع منه ، وتحتاج   إلى خطوات بعدها . كما  يمكن أن تحدث ردة أو نكسة للإنسان ، فيرجع إلى الخطية مرة أخرى بعد توبته . والشيطان قد يترك الشخص ( إلى حين ) ( لو 4 : 13 ) ثم يعود إلى تجاربه مرة أخرى .

مزمور واحد قد يغير حياة الإنسان ويجذبه إلى الله . ثم تجربة بعد ذلك قد تقذف به بعيداً . وهكذا يجتاز مراحل عديدة من التغير  ، حتى يستقر فى حضن الله ، ولكن ليس فى لحظة !

8 ـ كذلك قد تمر على الإنسان لحظات اتفاق أو عهد مع الله . يكون فى حالة روحية يبرم فيها مع الله عهداً  . ثم يقول : ( تعهدات فمى باركها يارب ) ( مز 119 ) لأنه ما أكثر تعهدات الإنسان التى لا يثبت فيها ، كما قيل :

كم وعدت الله وعداً حانثاً                   ليتنى من خوف ضعفى  لم أعد

حقاً إذا اقتنع القلب  ، تستطيع فى لحظة أن تصل إلى اتفاق مع الله إن أردت ..

ولكن الاتفاق شئ ، وتنفيذ الاتفاق شئ آخر . ربما تتفق مع الله فى لحظة ، ثم تكسر اتفاقك فى لحظات أخرى .

9 ـ هناك أيضاً لحظات مقدسة قد تقود إلى الإيمان . فلا شك أنها مقدسة ومملوءة بركة تلك اللحظة التى جلس فيها  مارمرقس إلى انيانوس الاسكافى ليصلح حذاءه ولكن احظة اصلاح الحذاء ، لم تكن هى لحظة الخلاص . إنما كانت بداية لحديث وشرح أدى إلى الإيمان وإلى المعمودية فيما بعد . ولم يتم كل ذلك فى لحظة .

ومع ذلك فقد كانت مقدسة ولحظة مباركة ، كبداية لطريق روحى اقتنع فيها ذلك الاسكافى بزيف الوثنية ، كما أقتنع بالإيمان المسيحى . ولا يمكن أن يكون هذا الإيمان قد تم فى لحظة .

1. ـ وقد تمر على الإنسان لحظات  فى العمل الروحى الداخلى .

لحظات  صلاة ، أو مناجاة ، أو صراع مع االله . يجلس فيها مع الله ويقول له : ,, يارب قد رجعت  إليك بعد زمان طويل من الغربة قضيته وأنا بعيد عنك .  أنا أريد أن أكون معك دائماً ... أريد أن أجلس إليك اصالحك ، وأصالحك بأى شرط ،،

صلاة جميلة ، ورغبة فى المصالحة ، ولكنها ليست لحظة خلاص . 

فقد تقف عوائق كثيرة ضد هذه االمصالحة ، ويتعرض الإنسان إلى مقاومات عملية ، وحروب داخلية وخارجية ، حتى يصل إلى هذا الصلح ... ويثبت فيه . لأنه ما أسهل أن يصطلح الإنسان مع الله ، ويرجع فيغضبه مرة أخرى .

11 ـ ومن اللحظات المقدسة ، لحظة المغفرة .

فى اللحظة التى أسلم فيها المسيح نفسه على الصليب ، قدم مغفرة شاملة . هذا جهته هو . أما من جهة الناس فلم يناالوا هذه المغفرة فى لحظة .  إنما نالها كل شخص على حدة ، أو كل مجموعة بعد خدمة الكلمة والكرازة ، وبعد معجزات وآياات ، وبعد شرح واقناع ، وبعد إيمان وتوبة ومعمودية . ولم ينلها أحد فى لحظة  .

فرق  بين عمل الله الذى يتم فى لحظة ، وعمل الإنسان .

إن الله يقدر أن يغفر لك فى لحظة . ولكنك لكى تصل إلى استحقاق هذه المغفرة قد تحتاج  إلى جهاد طويل ووقت .

ومع ذلك قد غفر الله أحيانا ، ثم عاقب بعدها .

ولعل من ابرز الأمثلة على ذلك  قصة ذلك العبد المديون الذى ترك له السيد عشرة آلاف  وزنة . ثم تقابل هذا مع رفيق له مديون بمائة دينار فأمسكه وألقاه فى السجن .  فما  الذى حدث  لهذا العبد  المديون   الذى ترك  له سيده كل الدين ؟ يقول الكتاب :

( فدعاه حينئذ سيده  وقال له :  أيها العبد الشرير ، كل ذلك الدين تركته  لك ، لأنك طلبت إلى . أفما كان ينبغى أنك أنت أيضاً ترحم  العبد رفيقتك ، كما رحمتك أنا؟! وغضب سيده وسلمه إلى المعذبين ، حتى يوفى كل ما كان عليه ... فهكذا أبى السماوى يفعل بكم ، إن لم تتركوا  من قلوبكم كل واحد لأخيه زلاته ) ( مت 18 : 24 _ 35 ) .

وأخيراً هناك لحظة مجيدة قد تساوى حياة ...

مثل لحظة وقوف موسى وإيليا مع المسيح على جبل التجلى ، ومثل لحظات من رؤيا يوحنا الحبيب التى رأى فيها عرش الله والقوات السمائية ، ومثل اللحظة التى رأى فيها يعقوب أبو الآباء سلماً بين السماء والأرض والملائكة صاعدة زنازلة عليه  ، ومثل لحظة وقوف موسى أمام العليقة ، أو أمام البحر المنشق إلى نصفين ...

كلها لحظات مجيدة ، ولكنها ليست لحظات خلاص .

أخيراً

لا نأخذ كل جملة وردت فيها عبارة ( لحظة ) لكى تكون دليلاً على ( الخلاص فى لحظة ) ‍‍‍‍‍‍‍‍!! إن كل عبارة لها معناها واستخدامها ، الذى قد لا يكون له علاقة على الاطلاق بموضوع الخلاص .

كل كلمة فى الموضوعات اللاهوتية تحتاج إلى عمق فى فهمها ، لأن لفظة قد تختلف تماماً تماماً عن لفظة أخرى .

ومن له أذنان للسنع فليسمع ( لو 14 : 35 )

المغفرة قبل الصليب

يركز الاخوة البروتستانت ـ فى موضوع الخلاص ـ على مجموعة من الآيات ، يريدون أن يثبتوا بها أن الوغفرة قد تمت بدون تدخل من الكنيسة ، وبدون الأسرار ، وبدون الكهنوت !.. فما هى هذه الآيات لنفهما معاً ؟

آيات يلزمنا فهمها :

1 ـ قول الرب للمفلوج : ( مغفورة لك خاياك ) ( مر 2 : 5 )

2 ـ قول الرب للمرأة الخاطئة : ( مغفورة لك خاياك ) ( لو 7 : 48 )

3 ـ قوله عن زكا : ( اليوم حصل لهذا البيت ) ( لو 19 : 9 )

4 ـ قوله عن العشار : ( إنه نزل إلى بيته مبرراً ) ( لو 18 : 14 )

وقاعدتنا التى نسير عليها ، ، هى أن نفهم النصوص المقدسة فى ضوء المفهوم الاهوتى السليم ،

خوفاً من أن يحدث تناقض بين النصوص ، والمفاهيم اللاهوتية الثابتة . فما هى القواعد اللاهوتية الثاابتة . فما هى القواعد اللاهوتية التى نضعها أمامنا ، لكى نفهم هذه هذه الآيات وغيرها فهما سليماً ؟

القاعدة الأولى هى أنه ( بدون سفك دم لا تحصل مغفرة ) ( عب 9 : 22 ) وهذه القاعدة هى أساس الفداء عند الكل .

وهذه المغفرة تم نوالها ، حينما سفك السيد المسيح دمه على الصليب من أجلنا بعد أن ( وضع الرب عليه إثم جميعنا ) ( إش 53 : 6 ) وهكذا ( حمل خطايا  العالم كله ) ومات كفارة لخطايا العالم كله ( يو 1 : 29 ، يو 2 : 2 )

استناجاً من هذا نضع أمامنا قاعدة لاهوتية أخرى وهى :

لم ينل أحد الخلاص قبل صلب المسيح ، حتى الآباء والأنبياء .

بل ان القديس بولس الرسول عن كل أبطال الإيمان من الآباء والأنبياء : ( فى الإيمان مات هؤلاء أجمعون . وهم لم ينالوا المواعيد ، بل من بعيد نظروها وصدقوها ) ( عب 11 : 13 )

وكل الآباء والأنبياء انتظروا فى الجحيم ، على رجاء ، دون أن ينالوا الخلاص ، إلى أن نقلهم المسيح إلى الفردوس بعد صلبه .

لما مات المسيح ، ودفع أجرة الخطية التى هى الموت ( رو 6 : 23 ) ، حينئذ ( نزل إلى أقسام الأرض السفلى ) ( وسبى سبياً ) ( أف 4 : 9 ، 8 ) ( ذهب وكرز للأرواح التى فى السجن ) ( 1بط 3 : 19 ) وهكذا منح ( الخلاص الذى فتش وبحث عنه أنبياء ) ( 1بط 1 : 1. ) هذا الخلاص الذى لم ينله أحد إلا بدم المسيح ، الذى كان معروفاً سابقاً قبل تأسيس العالم  ، ولكن قد أظهر فى الأزمنة الأخيرة من أجلكم ) ( 1بط 1 : 2. ) .

فالذى ينادى بخلاص ومغفرة قبل صلب المسيح ، ، إنما ينكر عقيدة الفداء ويكون المسيح قد تجسد إذن عبثاً ، بلا هدف !

إن كان يمكن للرب أن يمنح الخلاص والمغفرة ، بكلمة ، بدون الدم والفداء ، فلماذا إذن التجسد والصلب والآلام والجلجثة ؟ وأين يكون موضع العدل الإلهى ؟!

حقاً إن الله يستطيع كل شئ ، ويستطيع أن يمنح المغفرة بكلمة .. ولكنه لا يفعل ذلك على حساب عدله !

وعدله يقتضى دفع ثمن الخطية ، وثمن الخطية هو الموت . والموت حدث على الصليب . لذلك تأجل منح كل مغفرة ، إلى أن يتم الفداء على الصليب . مادام الأمر هكذا ، فكيف نفهم كل مغفرة قبل الصليب ؟

كل مغفرة قبل الصليب ، هى وعد بالمغفرة ، أوصك بالمغفرة . وقد تم نوال هذه المغفرة لما مات المسيح على الصليب .

على الصليب غفر الرب خطايا المفلوج ، وخطايا المرأة الخاطئة ، وخطايا زكا والعشار . وأيضاً على الصليب ، وعليه وحده ،تمت المغفرة لكل الذين أخذوا كلمة أو صكاً بالمغفرة فى العهد القديم ، عن طريق ذبائح الخطية والإثم ، وعن طريق المحرقات وتصريحات الكهنة والأنبياء .

وبهذا لا يكون الخلاص من الخية قد تم فى لحظة ، بالنسبة إلى المفلوج ، والمرأة الخاطئة ، والعشار ، وزكا ، وأمثالهم ...

إنما أخذوا صحكاً بالمغفرة ، ونالوا هذه المغفرة على الصليب .

انهم استحقوا المغفرة بكلمة المسيح ، لأنها تصريح إلهى ونعمة إلهية . ولكن هناك فرقاً بين استحقاق المغفرة ونوال المغفرة .

فلو كان النفلوج أو العشار أو زكا ... قد مات قبل الصلب ، لكان عليه أن ينتظر فى الجحيم ، إلى أن ينقله المسيح إلى الفردوس ـ حسب وعده ـ بعد الصلب والفداء نقطة أخرى نضيفها ، أو مفهومالاهوتياً آخر :

لو عاش كل هؤلاء الذين سمعوا كلمة المغفرة ، إلى ما بعد تأسيس الكنيسة وأسرارها ، لكان عليهم أن ينالوا نعمة العماد ، وباقى نعم الأسرار الكنسية ، حسب قول الرب : ( من آمن واعتمد خلص ) ( مر 16 : 16 ) وحسب قوله : ( إن لم تأكلوا جسد ابن الإنسان وتشربوا دمه ، فليست لكم حياة فيكم ) ( يو 6 : 53 )

إن مغفرة الرب لهم قبل صلبه ، لا تعنى أن يخرجوا عن تعليمه الذى أودعه رسله قائلاً لهم : ( تلمذوا جميع الأمم ، وعمدوهم ... وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به ) ( مت 28 : 19 ، 2. )

فى وقت منح المغفرة لكل هؤلاء ، لم تكن الأسرار الكنسية قد تأست . وما كانوا مطالبين بمعمودية ، لأن المعمودية هى موت مع المسيح ( رو 6 : 3 ، 4 ) ولم يكن المسيح قد مات بعد ...

إن الأسرار الكنسية قد تأسست على استحقاقات دم المسيح . ولم يكن المسيح قد سفك بعد فى ذلك الحين ، فلا داعى إذن للحديث عن هذه الأسرار ، واشتراطها قبل تأسيسها ...

فإن قال أحد إنه فى كل أمثلة المغفرة السابقة ، لم يرد ذكر لكنيسة والكهنوت والأسرار ، فلا لزوم لكل هذا !! .. نقول أيضاً إنه لم يرد فى أى منها ذكر للفداء والدم والكفارة واالإيمان فادياً ومخلصاً فهل على نفس القياس ، لا لزوم لكل هذا ؟!

الإيمان والخلاص

لا يوجد أحد يجادل فى أن الإيمان لازم للخلاص .

فالذى لا يؤمن يهلك .  والسيد المسيح يقول : ( ومن لم يؤمن يدن ) ( مر 16 : 16 ) ويقول الكتاب أيضاً : الذى يؤمن به لا يدان . والذى لا يؤمن قد دين ، لأنه لم يؤمن باسم ابن الله الوحيد ) ( يو 3 : 18 ) انظر أيضاً ( يو 3 : 36 ) ولا داعى لأن نورد كل الآيات الخاصة بالإيمان ، فلزوم قاعدة مسلم بها من الجميع .

إنما الأمر غير المقبول هو التعليم بأن الخلاص يكون بأفيمان وحده ، مع تجاهل مسائل إيمانية   من تعليم المسيح نفسه !

فالمسيح هو الذى قال : ( من آمن واعتمد خلص ) ( مر 16 : 16 ) ولم يقل : ( من آمن خلص ) بحذف المعمودية . والمسيح هو الذى قال عن التوبة : ( إن لم تتوبوا ، فجميعكم كذلك تهلكون ) ( لو 13 : 3 ، 5 ) وهو الذى قال عن الأعمال : ( ليس كل من يقول لى يارب ، يدخل ملكوت السموات ) ( مت 7 : 21 ) .

لماذا إذن التركيز على الإيمان وحده فى موضوع الخلاص ، وتجاهل المعمودية والتوبة والأعمال ، وكلها من تعليم المسيح ؟! وكذلك التناول من جسده ودمه ( يو 6 : 53 ) !

إنه نوع من التطرف أن يتحمس إنسان لشئ ، فيدعى أنه كل شئ ، وإن ما عداه لا شئ !

الإيمان له أهميته . والمعمودية أيضاً لها أهميتها . والتوبة لها أهميتها . وباقى الأمور لها أهميتها . فما معنى إنكار كل شئ .  والاصرار على عبارة ( آمن فقط ) ، بينما الكتاب يذكر إلى جوار الإيمان أموراً كثيرة ... 

إننا نشدد على الإيمان ، فى الكرازة لغير المؤمنين ...

وهكذا كان يفعل الآيباء الرسل فى التبشير بالإنجيل لغير المؤمنين ، على اعتبار أن كل أعمالهم الصالحة بدون إيمان ، لا يمكن أن تخلصهم . فلابد من الإيمان بالفداء ، والإيمان بالمسيح فادياً ومخلصاً .

وإيمانهم هذا هو الخطوة الأولى التى تقودهم إلى باقى النقط التى هى من حقائق الإيمان المسيحى وجزء منه .

إن الرسل ما كانوا يستطعيون أن يحدثوا غير المؤمنين عن المعمودية واهميتها للخلاص .  فإن آمنوا ، حثوهم عنها ، وعمدوهم . وهم لا يستطيعون أن يبدأوا الحديث مع غير المؤمنين عن التناول من جسد المسيح ودمه ، إنما عليهم أولاً أن يؤمنوا بالمسيح ، وذبيحة المسيح على الصليب . وبعد ذلك يحدثونهم عن جسد المسيح ودمه ... فهذا هو المنطق الطبيعى لخطوات التعليم .

سجان فيلبى ، يحدثونه أولاً عن الإيمان بالمسيح لكى  يخلص . فإن آمن بالمسيح ، يحدثونه عن المعمودية ، ويعمدونه هو والذين له أجمعين ( أع 16 : 3. ـ 33 )

إن كلام الرسل عن الإيمان ، لا يلغى أهمية المعمودية والأسرار الكنسية التى تأتى بعده . بل الإيمان هو خطوة ممهدة لها ، لأنه لا ينال من أسرار الكنيسة إلا المؤمنون ... المؤمنون بالمسيح والمؤمنون بها . فهى جزء من الإيمان .

وهنا نأخذ الإيمان بمعناه الواسع ، أى الإيمان بكل الحقائق الإيمانية ، التى ترد فى قانون الإيمان ، وفى كل عقيدة الكنيسة فى كل تعليم المسيح .

هل الإيمان ، هو فقط الإيمان بالمسيح فادياً ومخلصاً ؟ أم هو الإيمان أيضاً بلاهوت المسيح وتجسده وصلبه وقيامته وصعوده ومجيئه الثانى .. وأيضاً الإيمان بالثالوث القدوس ، وبعمل الروح القدس فى الكنيسة ، والإيمان بالمعمودية والقيامة العامة ، وكل حقائق الإنجيل .

والإيمان ليس هو الحقائق النظرية ، بل أيضاً حياة الإيمان .

وحياة الإيمان تشمل الإيمان الحى ( يع 2 : 17 ، 2. ) ، والعامل بالمحبة .

وحياة الإيمان تشمل الإيمان الحى ( غل 3 : 11 ، يع 17 ، 2. ) ، والإيمان العامل بالمحبة ( غل 5 : 6 ) الذى يثمر ثمر الروح ( غل 5 : 22 ) حقاً إن كلمة ( إليمان ) كلمة  واسعة للذين يفهمونها ، قد تشمل الحياة  الروحية كلها ( اقرأ الفصل الخاص بالإيمان فى كتابنا : الخلاص فى المفهوم الأرثوذكسى )

والحديث عن ألإيمكان ، حتى الإيمان  وحده ، لا يلغى أهمية الكنيسة . لأن الإيمان يناله عن طريق الكنيسة .

كيف وصل الإيمان  إلى العالم ؟ أليس عن طريق الكنيسة ؟ أليس عن طريق معلمى الكنيسة الذين نشروا الإيمان فى المسكونة كلها : أولاً الآباء الرسل ، ثم تلاميذهم الآباء الأساقفة والقسوس .. إلى كل المعلمين فى جيلنا .

هوذا بولس الرسول يقول : ( لأن كل من يدعو باسم الرب يخلص . فكيف يدعون بمن لم يؤمنوا به ؟ وكيف يؤمنون بمن لم يسمعوا  به ؟ وكيف يسمعون بلا كارز ؟ وكيف يكرزون إن لم يرسلوا ؟ ) ( رو 1.  : 13 ـ 15 )

ماذا نقول إذن عن الذين نالوا الإيمان عن طريق الكنيسة لكى يخلصوا . ولما آمنوا ، أكروا أهمية الكنيسة فى موضوع الخلاص ‌‍‍!

تبقى بعد ذلك نقطة خاصة بعلاقة الإيمان بالمعمودية :

فالبعض يمنعون معمودية الأطفال ، لأنهم لم يصلوا بعد إلى الإيمان الواعى وينتظرون عليهم بلا معمودية حتى ينضجوا !

فما مصير هؤلاء الأطفال إذن ، بلا معمودية ، وبلا إيمان ، هل نتركهم ليهلكوا ؟!

لقد خصصت باباً ططويلاً عن معمودية الأطفال ) فى الجزء الخاص بالمعمودية فى كتابنا ( اللاهوت المقارن ) أنصح  بقراءته . أماا ألان فأقول إن الأطفال ليست لهم أية عوائق  ضد الإيمان . ونحن نعمدهم على إيمان والديهم   ليخلصوا ، كما خلص الأفال الأبكار بإيمان والديهم الذين لطخوا الأبواب بدم الفصح ( خر 12 ) وكما خلص الأفال بإيمان آبائهم وأمهاتهم فى عبور البحر الأحمر ، وكما خلصوا بإيمان الآباء والأمهات بالختان فى اليوم الثامن ( تك 17 ) وكان الختان يرمز إلى المعمودية ( كو 2 : 11 ، 12 )

نعمد الأطفال حرصاً على خلاصهم ( يو 3 : 5 ، مر 16 : 16 ) وبالمعمودية يدخلون الكنيسة ويتلقون فيها الإيمان من نعومة أظفارهم . يعيشون فيه إيماناً حياً ، وليس مجرد إيمان عقلى .

أما أن تركنا الأطفال بدون عماد ، وبدون عضوية الكنيسة والاشتراك فى حياتها ، وفى عمل الروح القدس فى أسرارها ، فإننا نكون بذلك قد أبعاناهم عن الإيمان العملى الذى يحبونه بالممارسة ، ويتشربونه من حياة الكنيسة ... !

يقولون : وماذا إن كبر الطفل ولميؤمن أو فسد ؟

نقول إن تعليمه الإيمان هو المسئولية والديه ، ومسئولية الكنيسة . فإن رفض الإيمان حينما يكبر ، يكون كأى مرتد ( عب 1. : 38 ) ونكون نحن قد أدينا واجبنا من نحوه ، ولم نمنع هنه وسائط الخلاص . وفى نفس الوقت لسنا نرغم حرية إرادته ...

هنا ونود أن نقول ملاحظة عن(الإيمان الواعى ) :

هل كل الكبار لهم النضوج الروحى والذهنى ، الذى يدخلهم تحت عبارة ( الإيماان الواعى ) ؟ ألا يوجد كبار كثيرون ليس لهم هذا  الوعى ولا هذا النضوج ، ولا يعرفون من الإيمان إلا أموراً بسيطة . ولا يستوعبون كثيراً من أعماق الإيمان وحقائقه .. ما هى مقاييس هذا الإيمان الواعى ؟ وما مدى انطباقه على طبقات من الشعب تحتاج إلى مدى زمنى طويل لكى تصل إلى هذا الوعى ، وقد لا تصل إطلاقاً .. ! وعلى الرغم من هذا ، قد سمح بعمادهم من جهة السن . أما من جهة المعرفة فلا فرق بينهم وبين الصغار .. ! هل لا يسمح بعماد هؤلاء أايضاً ؟ وإلا لماذا إذن التركيز على الأطفال ، الذين قال عنهم المسيح : ( دعوا الأولاد يأتون إلى ولا تمنعوهم ، لأن لمثل هؤلاء ملكوت السموات ) (  مت 19 : 14 ) .

التبرير أم التقديس

يقولون : نحن فى الكلام عن الخلاص فى لحظة ، إنما نقصد التبرير وليس التقديس ، لأن التقديس يحتاج إلى مسيرة العمر كله .. !

فنجيبهم . ولكننا هنا نتحدث عن الخلاص . ولسنا نقول التبرير أو التقديس ، وإنما الخلاص بوجه عام .

فإن كنتم تقصدون مجرد التبرير ، إذن حددوا  كلامكم وقولوا : إنما نقصدج التبرير فى لحظة ،  وليس الخلاص فى لحظة .

فإن قصدتم بالتبرير ، الخلاص من الخطية الأصلية ، ومن الخطايا السابقة للمعمودية ، وليس البر الذى فى المسيح يسوع ( غلا 3 : 27 ) حينئذ نقدم السؤال الثانى :

وهل هذا التبرير ، هو أيضاً يتم فى لحظة ؟!

إن كان لابد من افيمان  والمعمودية حسب قول السيد المسيح : من آمن وأعتمد خلص ) ( مر 16 : 16 ) وإن كان لابد من التوبة حسب قول القديس بططرس فى يوم الخمسين ( أع 2 : 38 ) فكيف يمكن أن يجتمع الإيمان والتوبة والمعمودية فىا لحظة ؟!

إذن هذا التبرير لا يمكن أن يتم فى لحظة ...

إن قلنا إنه يتم فى (لحظة ) المعمودية ، نكون قد تجاهلنا الإيمان ، وتجاهلنا التوبة

التى ينبغى أن تسبق المعمودية .

وإن قلنا إنه يتم فى ( لحظة ) الإيمان ، نكون قد تجاهلنا المعمودية والتوبة ...

ومع ذلك فالإيمان لا يتم فى لحظة ، ولا المعمودية فى لحظة .  وقد شحنا هذا من قبل ( انظر ص 75 )

االإجابة بآية لا تكفى

درج البعض فى كثير من االأمور اللاهوتية ، أن يضعوا سؤالاً يجاب عليه بآية ويحاولون بهذا أن يقنعوا ( البسطاء ) وغير العارفين ، على أساس أن هذا هو تعليم الكتاب ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍! أو أن هذا هو الحق الإنجيلى ...

هكذا فعل السبتيون الأدفنتست فى كتابهم ( الله يتكلم ) . وهكذا يفعل كثير من كاتبى النبذات ، وواضعى الكتب المخالفة للعقيدة . ونحن نقول لكل هؤلاء :

 إن آية واحدة من الكتاب ـ فى الأمور المختلف عليها ـ  لا تكفى ، ولا تقدم الحق الكتابى . إنما يقدمه تجميع آيات الكتاب المتعلقة بالموضوع ، حتى يتكامل الفهم ...

وفى كتابنا ( الخلاص فى المفهوم الأرثوذكسى ) تجدون موضوعاً كاملاً بعنوان ( خطورة الآية الواحدة ) يمكن الرجوع إليه . أما فى هذا المجال فسوف أقدم لكم بضعة أمثلة ، تظهر لنا خطأ الإجابة بآية واحدة :

1 ـ لنفرض أن إنساناً سألك عن كيفية الولادة من الله ؟

أتستطيع أن تجيب عليه ، بأن تقدم له هذه الآية : (  إن علمتهم أنه بار هو فاعلموا أن كل من يصنع البر مولود منه ) ( 1يو 2 :29) !! هل يمكن بهذه الآية وحدها أن تقدم تعليماً كتابياً ، خلاصته أن الإنسان يولد من الله ، عن طريق أعمال البر التى يعملها ! دون ذكر اطلاقاً للإيمان والمعمودية !!

وبالمثل هل يمكن للإجابة على نفس السؤال ، أن تضع الآية التى تقول : ( شاء فولدنا بكلمة الحق ) ( يع 1 ك 17 ) ويصبح الميلاد الثاانى بمجرد الكلمة ، دون ذكر لقبول والإيمان والمعمودية والتوبة ... !

أم إنك فى الإجابة على السؤال الخاص بالميلاد  الثانى ، تضع كل الآيات المتعلقة بالميلاد ، هاتين وغيرهما ...

مثل قول السيد المسيح : (  إن كان أحد  لا يولد من الماء والروح  ، لا يقدر أن يدخل ملكوت الله ) ( يو 3 : 5 ) وأيضاً قول الكتاب : ( بل بمقتضى رحمته خلصنا ، بغسل الميلاد الثانى وتجديد الروح القدس ) (  تى 3 : 5 )

2 ـ ولنفرض أن إنساناً سألك : ماهى الديانة المقبولة من الله ؟

أتستطيع أن تجيبه بآية واحدة هى : ( الديانة الطاهرة النقية عند الله الآب ، هى هذه : اافتقاد اليتامى واالأرامل فى ضيقتهم ، وحفظ الإنسان نفسه بلا دنس من من العالم ) ( يع 1 : 27 ) وهل تمثل هذه الآية وحدها ، كل الحق الكتابى ، دون أى حديث عن الإيمان السليم ؟!

يقيناً أنك لن تقبل . فلماذا إذن تستخدم أسلوب الآية الواحدة فى مواضع أخرى ، لتخدم أفكارك ؟!

3 ـ وإن سألك أحد : كيف ينتقل الخاطئ من الموت إلى الحياة ؟

أتستطيع أن توقفه أمام آية واحدة فقط هى قول القديس يوحنا الرسول  : ( نحن نعلم أننا اانتقلناا من الموت إلى الحياة ، لأننا نحب الإخوة ) ( 1يو 3 : 14 ) هل بهذه الآية وحدها ، تكون قد قدمت التعليم الكتابى والحق الإنجيلى فى كيفية الانتقال من الموت إلى الحياة ، دون أن تقدم آية أاخرى عن الفداء والكفارة والصلب ، والتوبة والإيمان والمعمودية ... ؟‍‍‍‍‍!

لا يوجد أحد يقبل هذا الكلام . إنما يجدر بنا أن نضع آيات أخرى مثل : ( ونحن أموات بالخطايا ، أحيانا مع المسيح ) ( أف 2 : 5 ) و( إذ كنتم أمواتاً فى الخطايا ... أحياكم معه ، مسامحاً لكم بجميع الخطايا ، إذ محا الصك الذى علينا .. مسمراً إياه بالصليب ) ( كو 2 : 13 : 14 ) ( مدفونين معه بالمعمودية ، التى فيها أقمتم أيضاً معه ... ) ( كو 2 : 12 ) ( فدفنا معه بالمعمودية للموت . حتى كما اقيم المسيح من الأموات ... نسلك نحن أيضاً فى جدة الحياة . لأنه إن كنا متحدين معه بشبه موته ، نصير أيضاً بقيامته )  ( رو 6 : 4 ، 5 )

4 ـ وبالمثل أيضاً ، إن سألك أحد : كيف أخلص ؟

أتستيع أن تضع أمامه آية واحدة هى ( لاحظ نفسك والتعليم ، وداوم على ذلك فإنك إن فعلت هذا ، تخلص نفسك والذين يسمعونك أيضاً ) ( 1تى 4 : 16 )

هل هذه الآية وحدها يمكنها أن تكون إجابة كافية فى الخلاص ؟! بلا ذكر للدم والإيمان والمعموديثة !! أراك تنكر هذا ، ولك حق .

وبالمثل أيضاً من يجيب بآية أخرى هى : ( لأنك إن اعترفت بفمك بالرب يسوع ، وآمنت بقلبك أن الله أقامه من الأموات ، خلصت ) ( رو 1. : 9 )

إنها آية . ولكنها وحدها لا تكفى . لماذا لا تضع إلى جوارها آية أخرى هى : ( من آمن واعتمد خلص ) ( مر 16 : 16 )

ولماذا لا تضع إلى جوارها أيضا هذه الآية : ( إذ كان الفلك يبنى ، الذى خلص قليلون ، أى ثمانية أنفس بالماء . الذى مثاله يخلصنا نحن الآن ، أى المعمودية ) ( 1بط 3 : 2. ، 21 ) .

وبهذا يتكامل الحق الكتابى ، ولا تتعبنا ضمائرنا ، إذ نتعمد أخفاء الآيات ، أى إخفاء أجزتء من الحق الإنجيلى ، لكى نقدم مفهومنا الخااص ، وليس مفهوم الكتاب !!

إنه سؤال ، دائماً يحيرنى ، ولا أجد له جواباً :

 هؤلاء الإخوة ، الذين ينادون بالتعلمي الإنجيلى ، ويدافعون عن الحق الكتابى ، لماذا لا يعلنون هذه الآيات وأمثالها ، إلى جوار الآيات الأخرى ؟! لماذا يتعمدون إخفاءها ؟! أليست هى أيضاً من الإنجيل ومن الكتاب ؟! إنى أسال ...

أية اللحظات

الذين يتحدثون عن الخلاص فى لحظة ، يترددون أحياناً فى تحديد هذه اللحظة ما هى ؟ ومتى تكون ؟

1 ـ هل هى لحظة الإيمان ؟ أو لحظة قبول المسيح فادياً ومخلصاً ؟ علماً بأن الإيمان لا يتم فى لحظة ، بل هو ثمر لعمل النعمة وخدمة الكلمة ، ربما فى مدى زمنى ..

2 ـ أم هى لحظة المعمودية ؟ علماً بأن المعمودية لها طقس خاص ، لا يمكن إتمامه فى لحظة !

3 ـ أم هى لحظة التوبة ؟ والتوبة لا تهبط على الإنسان فى لحظة ، وإنما هى اقتناع القلب بالحياة الروحية ، وتخلصه من محبة الخطية ، وليس كل  هذا ابن لحظة !

4 ـ أم هى لحظة إنفتاح الذهن بالوعى ؟ أو لحظة ( اشراق النور فى الظلمة ) . وكل هذا قد يأتنى بالتدريج . والبعض لم يدركوه ، أو لم يدركوا أعماقه ... !

5 ـ أم هى لحظة التحول فى التفكير ،  فى القرارات وفى التصرفات ،  كما يقول البعض . بينما لا يوجد إنسان يتحول فكره فى لحظة ، وإلا كان تصرفه إنفعالياً أو سحياً ، ما أسهل أن يتحول إلى عكسه .

6 ـ أم هى لحظة ( تفجير مفاعيل المعمودية ) حسب تعبير البعض . ولا شك أن هذا التعبير إن صح ، يكون بالتدريج ، وقد يشمل الحياة كلها ..

7 ـ أم هى لحظة الادراك  ؟ كما  قيل عن إدراك بطرس لوجود المسيح ، بينما كان يصيد السمك بعد القيامة ( يو 21 : 7 ) أو ما قيلعن معرفة تلميذى عمواس بأن الذى يكلمهم هو المسيح  ( لو 24 : 31 ) .. أو اللحظة التى فاق فيها يعقوب من رؤيا السلم السماوى وقال : ( حقاً إن الرب فى هذا المكان ، وأنا لا أعلم ) ( تك 28 : 16 ) .

ومع أن كل قصص الأدراك هذه لا علاقة لها بالخلاص  اطلاقاً ، فلم يخلص بطرس ولا تلميذا عمواس ولا يعقوب فى ذلك الوقت ... إلا إن هذا الادراك لم يأت أيضاً فجأة فى لحظة . وكمثال ذلك ما قيل عن تلميذى عمواس فى ( لو 24 : 31 ، 32 ، 35 )

ومع ذلك ،فإن كل هذه الافتراضات حول كنه اللحظة ، تدل على عدم يقين من جهة الإيمان بها . كما تدل على فرض كلمة اللحظة فرضاً ، ثم البحث عن تفسيرها لها ، أو تعليل لها ، ولا يدل هذا على وجود قاعدة لا هوتية ثابتة .

لماذا إذن التشبث بفكرة ( اللحظة ) هذه ، وكد الذهن  عبثاً للحصول على تفسير لها ، ومحاولة تسخير الآيات فى غير موضعها ، لكى تساند موضوع اللحظة ، وتمنعه من الانهيار .. ؟‍‍‍! لماذا ؟

الفصل العاشر

الإختيار

المؤمنون والمختارون

تأتى فكرة ( الخلاص فى لحظة ) ، من الاعتقاد بأن المؤمن يخلص لحظة إيمانه . ولا يمكن أن يهلك بعد ذلك : والأعتقاد بأن المؤمن لا يهلك ، هو خلط بين كلمة ( مؤمنين ) وكلمة ( مختارين ) ، كما لو كانتا كلمة واحدة !

ونحن نقول إن كان كل المختارين مؤمنين ، ولكن ليس كل المؤمنين مختارين ، لأنه لا يجوز أن يرتد المؤمن ويهلك ...

وهنا لا يكون المؤمن قد خلص فى لحظة إيمانه . وإنما يخلص إذا ثبت فى حياة الإيمان طول عمره . فهو ليس فى حالة واحدة باستمرار . قد تمر عليه أوقات ضعف أو فتور ، أو أوقات سقوط وانهيار . وقد يرتد . وقد قال الكتاب :

( أما البار فبالإيمان يحيا . وإن ارتد لا تسر به  نفسى ) ( عب 1. : 38 ) ويفهم من هذه  ، احتمال أن يرتد المؤمن ...

وقصص الارتداد  فى الكتاب كثيرة ، مثل قصة ديماس ( 2تى 4 : 1. ) وكالذين قال عنهم القديس بولس : ( لأن كثيرين ممن كنت أذكرهم لكم مراراً ، والآن أذكرهم أيضاً باكياً وهم أعداء صليب المسيح ) ( فى 3 : 18 )

 كذلك النبوءات عن الارتداد كثيرة ، مثلما ورد فى( 1تى 4 : 2 ، 2 تس : 3 ) ومثال الارتداد أيضاً الغصن الذى لم يصنع ثمراً ، وقطع والقى فى النار ( يو 15 : 6 ) وقول الرسول : ( أما اللف فلك ، إن ثبت فى اللطف . وإلا فأنت  أيضاً ستقطع ) ( رو 11 : 22 ) .. إلخ

والسيد المسيح قال لبطرس : ( هوذا الشيطان طلبكم ، لكى يغربلكم كالحنطة ولكنى طلبت من أجلك لكى لا يفنى إيمانك ) ( لو 22 : 31 ، 32 ) إذن كان إيماناً معرضاً للفناء ‍‍‍‍‍! وإنه لا شك للذين يظنون أنهم نالوا الخلاص فى لحظة ، وصاروا من المختارين . ولن يرتدوا .. !

هنا ونناقش موضوع المختارين فى ضوء الفهم اللاهوتى :

هل الله إختار ؟

ما معنى ( الاختيار ) عند المعتقدين به ؟ هل معناه أن الله اختار أناسا ليكونوا  أبراراً ولهم النعيم ! وما فضلهم فى ذلك ؟! واختار أناساً ليكونوا أشراراً ولهم الجحيم ! وما ذنبهم فى ذلك ؟! أو ليس من حقناً أن نقول : 

1 ـ الاختيار بهذا المعنى ، يعنى محاباة للأبرار وظلماً للأشرار . 

وحاشا لله أن يكون هكذا . فالله ( ليس عنده محاباة ) ( أف 6 : 9 ) . ( بل فى كل أمة : الذى يتقيه ويصنع مقول عنده ) ( أع 1. : 35 ) وعن هذا المعنى قيل : ( كل من يدعو باسم الرب يخلص ) ( رو 1. : 13 ) وهناك قاعدة وضعها الرسول ، وهى :

 2 ـ الله يحب الجميع وهو : ( يريد أن جميع الناس يخلصون ، وإلى معرفة الحق يقبلون ) ( 1تى 2 : 4 )

وحينما أرسل ابنه الوحيد إلى العالم ، أرسله لأنه أحب العالم كله ، فبذلك ابنه الوحيد ، لكى لا يهلك كل من يؤمن به ) ( يو 3 : 16 ) وبذلك كان كفارة ( ليس لخطايانا فق  ، بل لخايا كل العالم أيضاً ) ( 1يو 2 : 2 )

 الله لا يريد أن أحد يهلك . بل قيل عنه إنه : ( لا يشاء موت الخاطئ ، بل أن يرجع ويحيا  ) ( 33 :  11 )

3 ـ بل حتى إن كاان الله قد حكم  على خاطئ بالموت ، ورجع هذا الخاطئ عن خطيئته وتاب ، يرجع الله عن حكمه ، فلا يموت الخاطئ بل يحيا .

وهو نفسه  يقول فى ذلك : ( إذا قلت للشرير موتاً  تموت . فإن رجع عن خطيته وعمل بالعدل والحق ... فإنه حياة يحيا ، لا يموت ) ( خر 33 : 14 ـ 16 ) ( تارة أتكلم عن أمة بالقلع والهدم والإهلاك ، فترجع  تلك الأمة التى تكلمت عليها عن شرها ، فأندم على الشر الذى قصدت أن أصنعه بها ) ( إر 18 : 7 ، 8 ) وهكذا فعل الله بالنسبة إلى مدينة نينوى ( يون 3 )

4 ـ وإن كان هناك اختيار ، فلماذا إذن الوصايا ؟ ولماذا إذن الكتب المقدسة ،  وألنبياء والرسل والانذارات ؟

ولماذا  جعل فى كنيسته ( البعض مبشرين ، والبعض رعاة ومعلمين ... لعمل الخدمة لبنيان جسد المسيح ) ( أف 4  : 11 ) ما لزوم وما فائدة كل هؤلاء إن كان المختارون معروفين ، والمرذولون معروفين ؟ ... ولماذا أرسل الله أناساً لخدمة المصالحة كبولس الرسول الذى يقول : ( وأعطانا خدمة المصالحة ... نسعى كسفراء للمسيح ، كأن الله يعظ بنا ، نطلب عن المسيح : تصالحوا مع الله ) ( 2كو 5 : 18 ـ 2. )

5 ـ وإن كان هنااك اختيار ، فلماذا إذن يتعب الشيطان

لماذا يتعب فى اغراء  الصديق ، بينما هو مختار ، لن يرتد ولن يهلك ، وقد خلص خلاصاً لا رجعة فيه . ما الجدوى إذن من محاربته ؟! ولماذا يتعب الشيطان فى إسقاط الذين لم يخترهم الرب ، المرذولين الذين هم هالكون هالكون بدون حرب ؟!

6 ـ وما جدوى مع ما قاله مع ما قاله الرسول عن الحروف الروحية ( أف 6 )

ما دام هناك مختارون ومرذولون ، فما لزوم القتال إذن ، والمصير معروف ؟! ألا نستيع أن نقول فى صراحة تامة :

إن عقيدة الاختيار ، تعطى يأساً للخطاة ، وتراخيا للابرار !!

7 ـ  ثم ما موقف النعمة هنا ممن يهلك ؟ وما مسئولياتها ؟

مادام  الاختيار محتوم ، ومن جانب الله ، وهذه إرادته ؟ ما الذى تفععله إذن وبلا جدوى ... !

 8 ـ وإن كان هناك اختيار ، فما معنى الثواب والعقاب ؟ وما علاقة هذا بعدل الله وبمحبته وبصلاحه ؟

كيف يختار الله إنساناً للعقاب ، ثم يعاقبه ؟ أين العدل فى هذا ؟ بل أين المحبة أيضاً ، إن كان الله  يختار أناساً للعذاب الابدى ؟ ويكون هو الذى اختارهم لهذا !! بل هل يتفق هذا مع صلاح الله : ان يختار أناساً ليكونوا أشراراً ؟! حاشا...

9 ـ ومبدأ الاختيار هذا ، لا يتفق مع حرية الإرادة .

 لقد خلق الله الإنسان حراً هو الذى يختار مصيره . وهكذا قال له : ( انظر : قد جعلت اليوم قدامك الحياة والخير ، والموت والشر ... قد جعلت قدامك الحياة والموت ، البركة واللعنة . فاختر الحياة لكى تحيا أنت ونسلك ) ( تث 3. : 15 ، 19 )

1. ـ إذن الاختيار قد جعله الله فى يد الإنسان :

 الإختيار فى يد الإنسان

بامكان الإنسان أن يكون من المختارين ، أولا يكون :

فإن صار من غير المختارين ، فمعنى هذا انه بسلوكه لم يرد أن يكون مختاراً ..

وهوذا الله يعاتب أورشليم ويقول لها : ( يا أورشليم يا أورشليم ، يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين  إليها . كم مرة أردت أن أجمع أولادك ، كماا تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها ، ولم تريدوا . هوذا بيتكم يترك لكم خراباً ) ( مت 23 : 37 ، 38 )

هنا الله يريد ، والبشر لا يريدون . إذن الخراب ليس سببه إرادة الله ، وإنما رفض الإنسان لإرادة الله الحيرة .

هوذا الرب يعاتب اليهود الذين رفضوه ويقول لهم :

( لا تريدون أن تأتوا إلى لتكون لكم حياة ) ( يو 5 : 4. )

أليس هذا ما قاله عن دينونة الرذولين ، ليس لأن رذلهم ولم يخترهم . وإنما ( هذه هى الدينونة : ان النور جاء إلى العالم . وأحب الناس الظلمة أكثر من النور ، لأن أعمالهمكانت شريرة ) ( يو 3 : 19 )

11 ـ لم يرفضهم النور ، إنما هم الذين رفضوه ...

وفى هذا قال الإنجيل عن السيد المسيح : ( إلى خاصته جاء ، وخاصته لم تقبله  . وأما كل الذين قبلوه ، فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله ، أى المؤمنين باسمه ) ( يو 1 : 11 ، 12 ) وهنا نرى أن القبول أو الرفض ، أتى من  جانب الإنسان وليس من جانب الله .

الله واقف على كل باب يقرع . والإنسان يفتح أو لا يفتح .

وهو يقول للكل : ( إن سمع أحد لصوتى ، وفتح الباب ، أدخل إليه وأتعشى معه ) ( رؤ 3 : 2. ) إن فتح أحد ، أى أحد .. الفرصة معروضة على الجميع ...

12 ـ إن الله يعرض . ويتوقف  الأمر على إرادة الإنسان :

وهكذا يقول الرب : ( إن أراد أحد أن يأتى ورائى ، فلينكر نفسه ويحمل صليبه .. ) ( مت 16 : 24 ) (  إن أردت أن تكون كاملاً ، إذهب بع كل مالك واعطه للفقراء .. ) ( مت 19 : 21 ) ( من أراد أن يخلص نفسه ، يهلكها . ومن يهلك نفسه من اجلى ، فهذا يخلصها ) ( لو 9 : 23 ، 24 )

13 ـ فى هذه الآيات ، إرادة من الإنسان ، وعمل يناسبها ...

الله يشرح الطريق المؤدى إلى الاختيار . والإنسان حر يختاره أو لا يختار  . قد يكون الطريق صعباً ، ولا يسلك فيه الإنسان .. كأن يرفض أن ينكر ذاته ويحمل صليبه ، أو يرفض أن يعطى أمواله للفقراء ، أو يرفض أن يهلك نفسه ليخلصها . او يرفض أن يدخل من الباب الضيق المؤدى إلى الحياة ( مت 7 : 14 ) وهنا تقف أمامنا الآية الرهيبة التى تقول :

( العريس مستعد . وأما المدعون فلم يكونوا مستحقين ) ( مت 22 : 8 )

يخيل إلى أن فى هذه الآية التعبير الصادق فى موضع الاختيار وعدمه : العرس مستعدة . والرب يرسل عبيده للمدعوين . ولكنهم يرفضون ، ويقول عنهم الكتاب : ( لكنهم تهاونوا . ومضى واحد إلى حقله ، وآخر إلى تجاربه ) ( مت 22 : 3 _ 5 ) بل يقول بالأكثر : ( فلم يريدوا أن يأتوا ) ( مت 22 : 3 ) هل نقول إذن أن الله اختار أناساً للحياة الأبدية ، أم نقول : 

الله دعا الجميع إلى عرسه . والبعض  ( لم يريدوا أن يأتوا ) حقاً  يقول الله للمريض ( أتريد أن تبرأ )  ( يو 5 : 6 ) .

15 ـ الإنسان هو الذى يقررمصيره فى الحياة . وعلى أعماله تتوقف أبديته ولذلك يقول الرسول : ( لأن من يزرع لجسده ، فمن الجسد يحصد فساداً . ومن يزرع للروح ، فمن الروح يحصد حياة أبدية ) ( غل 6 : 8 ) أتراه يزرع للجسد ، ويقول إن الله لم يخترنى ؟‍‍‍!

إعتراضات والرد عليها

1 ـ يعترضون بأن الله اختار يعقوب دون عيسو ، من بطن أمه . وقال لها ( فى بطنك أمتان .. وكبير يستعبد لصغير ) ( تك 25 : 23 ) كما هو مكتوب : ( أحببت يعقوب ، وأبغضت عيسو ) ( رو 9 : 12 ، 13 )

ولا شك ان هذا الاختيار مبنى على علم الله السابق . فهو كان يعلم ماذا سيكون عليه يعقوب  بكامل إرادته ، وكيف سيكون عيسو بكامل إرادته ( زانيا ومستبيحاً ) ( عب 12 : 16 ) ولن يبالى بالبكورية بل سيبعها بأكلة عدس ويحتقرها ( تك 25 : 34 ) ولكن الله فى كل ذلك لم يدفع عيسو إلى  طريق  الهلاك . ولم يرغم يعقوب على عمل الخير . وهذا الاختيار المبنى على سابق علم الله ، يوضحه القديس بولس االرسول بقوله :

( الذين سبق فعرفهم ، سبق فعينهم ) ( رو 8 : 29 )

فالله يعرف ما سوف تعمله خلائفه فى المستقبل بكاامل إرادتها ، وكيف ستكون شخصيتها وسلوكها . وبناء على هذا ، يختار الشخص المناسب للعمل المناسب . وقد يهبه المواهب التى تساعده على ذلك كما حدث مع يوحنا المعمدان ، وإرمياء النبى ويعقوب ، الذين أختارهم من بطون أمهاتهم ، ومنحهم مواهب ...

على أن هناك أشخاص آخرون منحهم الله مواهب وهلكوا ...

حتى الشيطان نفسه  كان من أصحاب المواهب ، وبدأ حسناً كرئيس ملائكة ثم أهلك نفسه . ولم يختره الله  للشر ، بل هو حول نفسه إلى شيطان .. ويهوذا اختاره الرب ضمن الاثنى عشر ، واستامنه على الصندوق ، وكان يجلس قريباً منه على المائدة ... ولكنه خانه وأهلك نفسه ... ‍‍‍‍‍!

مبدأ الفرص إذا كان محتاجاً للكل . والبعض اتيحت لهم الفرصة والاختيار وأهلكوا أنفسهم .

2 ـ يعترضون بقول الكتاب : ( ما أعده  الله للذين يحبونه ) ( 1كو 2 : 9 ) وحسناً  أن الآية هنا تقول : ( للذين يحبونه ) وليس ( للذين يحبهم ) فبناء على ما فى قلوب هؤلاء المحبين لله من مشاعر مقدسة ، قد أعد الله لهم ذلك النعيم الابدى

3 ـ يعترضون بقول الكتاب : ( ليس لمن يشاء ، ولا لمن يسعى ، بل الله الذى يرحم  ) ( رو 9 : 16 )

ولعل هذه الآية تذكرنا بآية أخرى على نسقها   تماماً وهى : ( أنا غرست وأبولس سقى ، لكن كان ينمى . إذن ليس الغارس شيئاً ، ولا الساقى ، بل الله الذى ينمى ) ( 1كو 3 : 6 ، 7 ) وطبيعى أن الله لا ينمى الفراغ ، إنما ينمى ما قد غرس وسقى ... وبنفس الوضع ( ليس لمن يشاء ، ولا لمن يسعى ، بل الله الذى يرحم )

والله يرحم من ؟ يرحم الذى يشااء ، الذى يسعى . ولكن مشيئة الإنسان وحدها لا تكفى ، وسعيه لا يكفى ، بدون رحمة الله . تماماً كما أن الغرس والسقى وحدهما لا يكفيان بدون الله الذى ينمى ...

إذن ليس معنى الآية أن الله يرفض المشيئة المقدسة والسعى المقدس . ويرحم من لا يشاء ولا يسعى ، كلا طبعاً . إنما الأهمية الكبرى تعى لعمل الله معنا ، حتى لا يفتخر أحد بأعماله ...

4 ـ يعترضون بعبارة : ( ألعل الجبلة تقول لجابلها : لماذا صنعتنى هكذا ؟ ) ( رو 9 : 2. )

وطبيعى ان الإنسان لا يقول لخالقه : ( لماذاا صنعتنى هكذا ؟ ) فليكن كما يكون ، صااحب مواهب كثيرة ، أولا مواهب له ... ولكن ليس لهذا تأثير على أبديته وخلاصه ...

وقد يكون اناء هوان على الأرض ، ويكون مصيره الابدى عكس هذا ، كماا كان لعازر المسكين . ولكن لا يمكن أن تعنى ( إناء للهوان ) أن يكون انااء للشر ، لأن الخزاف العظيم لا يمكن أن يصنع آنية للشر . فالشر ليس الله مصدره .

5 ـ ومع ذلك كثيراً ما جعل الله بعض الناس آنية كرامة على الأرض ، وهم غيروا مصائرهم بصفة دائمة أم مؤقتة :

فشاول البنيامينى  حل عليه روح الرب   فتنبأ ، وصار رجلاً آخر ( 1صم 1. ) ، وأخذ المسحة المقدسة من صموئيل النبى ، ولكنه  حول نفسه إلى إناء هوان بارادته ، لما استقل عن الله وخالفه ، ففارق روح الرب شاول ( 1صم 16 ) .

وبلعام كان آنية للكرامة ، وتنبأ نبوءات عن السيد المسيح ، وكان موضع إكرام الملوك ( عد 22 _ 24 ) ولكنه حول نفسه آنية للهوان ، لما وقع فى الضلالة ، ونصح بلاق أن يلقى معثرة أمام االشعب ( رؤ 2 : 14 )

وشمشون جعله الله آنية وحل عليه روح الرب وكان يقوده ( قض 13 ) ولكنه حول نفسه إلى آنية هوان فى فترة معينة وفقد كرامته وكسر نذره ( قض 16 ) وأخيراً عاد آنية للكرامة وحسب مع رجال الإيمان ( عب 11 : 32 )

6 ـ أرى البعض كانوا مختارين ، فليسمعوا إذن قول الرسول :

لذلك بالأكثر اجتهدوا أيها الإخوة أن تجعلوا دعوتكم واختياركم ثابتين ) ( 2بط 1 : 1. )