تعليم الكتاب المقدس في شخص المسيح

 

هل لنا في اتحاد النفس بالجسد في الإنسان ما يقابل اتحاد اللاهوت بالناسوت في شخص المسيح ؟

ما هو تعليم الكتاب المقدس في شخص المسيح ؟

إلي كم تقسم أدلة الكتاب المقدس علي صحة هذا التعليم في شخص المسيح ؟

ما هي الأدلة الموردة من النوع الأول منها ؟

ما هي الأدلة الموردة من النوع الثاني ؟

ما هي الأدلة الموردة من النوع الثالث ؟

كيف تثبتون أن للمسيح طبيعتين متحدتين في شخص واحد ؟

كيف يتبين أن طبيعتي المسيح متحدتان ولكن غير ممتزجتين أو مختلطتين ؟

ما هي خلاصة تعاليم الكتاب المقدس في سر التجسد ؟

ما هي نتائج اتحاد طبيعتي المسيح الشخصي ؟

ما المراد باشتراك الصفات ؟

ما المراد بالقول أن جميع أعمال المسيح سواء كانت بشرية أم إلهية هي أعمال شخص واحد ؟

ما المراد بقولنا أن شخص يسوع المسيح موضوع السجود الديني ؟

ما المراد بقولنا أن المسيح يقدر أن يشعر مع شعبه ؟

ما المراد بالقول أن الكلمة المتجسد هو مصدر الحياة ؟

ما المراد بقولنا أن طبيعة المسيح البشرية ارتفعت بالتجسد ؟

هل لنا في اتحاد النفس بالجسد في الإنسان ما يقابل اتحاد اللاهوت بالناسوت في شخص المسيح ؟

الإنسان مركب من جوهرين ممتازين وهما النفس والجسد فالنفس جوهر غير مادي أي ليس لها شئ من خواص المادة بل هي روحية أي لها جميع خواص الروح وهي فاعلة حساسة عاقلة حرة. أما الجوهر الذي نسميه بالجسد فهو مادي أي له خواص المادة وليس له شئ من خواص الروح واتحاد النفس بالجسد في الإنسان يقوم:

1 بكونه اتحاداً شخصياً أي أنه يتألف من النفس والجسد في حال الاتحاد شخص واحد من الجنس البشري.

2 بكونه اتحاداً خالياً من الامتزاج والاختلاط فإن النفس تبقي روحاً والجسد يبقى مادة والنفس والجسد لا يمتزجان بل يبقيان ممتازين ولا تنتقل خواص الواحد إلي الآخر ؟

ومن نتائج هذا الاتحاد بين النفس والجسد في الإنسان الواحد:

1 اشتراك الإنسان في صفات جوهرية أي أن له صفات النفس والجسد معاً بحيث يمكننا أن ننسب إلي الإنسان كل ما ننسبه إلي جسده وكل ما ننسبه إلي نفسه فنقول أنه طويل أو قصير ومريض أو صحيح وجميل أو قبيح وكذلك حاذق وحكيم وصالح ومحسن أو عالم فكل ما يصدق علي أحد جوهري بنيته يصدق عليه في جملته غير أنه ليس كل ما يصدق علي الواحد منهما يصدق علي الآخر.

2 إمكان نسبة صفات متناقضة إلي شخص واحد فنقول مثلاً في إنسان واحد أنه ضعيف وقوي وأنه خالد وغير خالد وأنه يزول ويبقي إلي الأبد وأنه روح وتراب ورماد.

3 إمكان تسمية الإنسان بأحد جوهري طبيعته والاختبار عنه بما يصدق علي الجوهر الآخر فقط مثلاً يمكننا أن نسميه نفساً ناطقة ونقول أنه يجوع ويعطش ونسميه إنساناً حياً ونقول أنه قابل للتجديد أي الولادة الثانية.

4 اشتراك الإنسان في خواص جوهرية وأعمالها أي أن خواص كل من النفس والجسد بسبب اتحادها الشخصي هي خواص الإنسان بكليته وكذلك كل من أعمال النفس والجسد الخاصة هي أعمال الإنسان.

5 ارتفاع شأن جسد الإنسان بسبب اقترانه بالنفس لأن ما يرفع الإنسان عن أجساد البهائم هو اتحاداً شخصياً بالنفس الناطقة الخالدة.

واتحاد اللاهوت والناسوت في أقنوم المسيح كاتحاد النفس والجسد في بنية الإنسان علي أنه لا يوجد مشابهة تامة بين شيئين في جميع أوصافهما وخواصهما وإنما في هذا التشبيه من العلاقات بين المشبه والمشبه به ما هو كاف لتقوية الإيمان وتفنيد الكفر وإيضاح الموضوع علي قدر الإمكان.

 

ما هو تعليم الكتاب المقدس في شخص المسيح ؟

خلاصة تعليم الكتاب المقدس في المسيح المتجسد ما يأتي :

1 إنه إنسان حقيقي أي ذو طبيعة بشرية كاملة ولذلك كل ما ينسب إلي الإنسان باعتبار ناسوته ما خلا الخطية يمكن أن ينسب إلي المسيح.

2 إنه إله بالحقيقة أي ذو طبيعة إلهية كاملة ولذلك كل ما يمكن أن ينسب إلي الله يمكن أن ينسب إلي المسيح.

3 إنه شخص أو ذات واحدة فإن نفس الشخص الذي قال أنا عطشان قال قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن وهذه القضايا الثلاث تتضمن تعليم الكتاب المقدس في شأن التجسد.

 

إلي كم تقسم أدلة الكتاب المقدس علي صحة هذا التعليم في شخص المسيح ؟

تنقسم هذه الأدلة إلي ثلاثة أنواع :

1 النص علي كل من ناسوت المسيح ولاهوته وشخصيته علي حدتها.

2 النص عليه تارة باعتبار كونه إنساناً وتارة باعتبار كونه إلهاً وأحياناً باعتبار كونه إنساناً وإلهاً معاً.

3 النص الصريح علي تعليم التجسد.

 

ما هي الأدلة الموردة من النوع الأول منها ؟

هي ما تتضمن عبارات تتعلق بكل من ناسوته ولاهوته وشخصيته الواحدة. ومن ذلك :

1 ما قيل في الكتاب بشأن ناسوت المسيح أنه ذو طبيعة بشرية كاملة شاملة جسداً حقيقياً ونفساً. ومن جملة نصوص الكتاب في هذا الموضوع :

أ ما ينسب إليه جسداً حقيقياً والمراد بذلك جسد مادي مركب من لحم ودم كأجساد البشر في كل ما هو جوهري لأنه ولد من امرأة واغتذى من جسمها وكان ينمو في القامة وكان له جميع أميال الجسد البشري فكان خاضعاً للألم واللذة والجوع والعطش والتعب والمرض والموت وكان ينظر ويلمس (قابل عب 2 : 14 ولو 24 : 39). وقيل في العهد القديم أنه نسل المرأة ونسل إبراهيم وابن داود وأنه إنسان ورجل أوجاع وسمي في الإنجيل ابن الإنسان نحو ثمانين مرة.

ب ما ينسب إليه نفساً ناطقة وعقلاً بشرياً محدوداً به كان يفتكر ويشعر ويفرح ويحزن وينمو في الحكمة ويجهل بعض الأشياء كزمن يوم الدينونة.

2 ما قيل في الكتاب في شأن لاهوت المسيح. فسمي إلهاً ولقب بجميع الأسماء والألقاب الإلهية فقيل أنه الله (عب 1 : 8) والإله القدير (أش 9 : 6) والله العظيم (تي 2 : 13) والإله علي الكل (رو 9 : 5) ويهوه والرب ورب الأرباب وملك الملوك. ووصف بجميع الصفات الإلهية منها أنه حاضر في كل مكان وعالم بكل شئ وقادر علي كل شئ وغير متغير وأنه هو هو أمساً واليوم وإلي الأبد وأنه خالق الكون والمعتني به والمتسلط عليه (كو 1 : 16 و 17) وأنه هو المعبود من جميع الخلائق العاقلة حتي الأسمى منها وأن جميع الملائكة أمرت أن تسجد له (عب 1 : 6) وأنه في يمين عرش الله وملائكة وسلاطين وقوات مخضعة له (1 بط 3 : 22) وأنه هو موضوع جميع الاحساسات الدينية كالاحترام والمحبة والإيمان الخ وأن جميع البشر والملائكة يجب أن يعطوا الجواب له عن صفاتهم وسيرتهم وهو نفسه أمر الناس أن يكرموه كما يكرمون الآب (يو 5 : 13) وأن يعترفوا به كما يؤمنون بالآب (يو 14 : 1) وقال أيضاً أنه هو والآب واحد (يو 10 : 30 و 17 : 11 و 21 و 22) وأن الذي رآه قد رأي الآب (يو 14 :9) ودعا جميع البشر إليه واعداً إياهم بغفران خطاياهم وإرسال الروح القدس إليهم وبأن يمنحهم راحة وسلاماً ويقيمهم في اليوم الأخير ويمنحهم حياة أبدية. والخلاصة أنه وصف في الكتاب الإلهي بنفس الأوصاف التي وصف بها الله له المجد ووعد وفعل بقدر ما وعد الله وفعل. ولذلك هو إله المسيحيين كما أن الآب أيضاً إلههم منذ تأسيس الدين المسيحي.

3 ما قيل في الكتاب في شأن شخصية المسيح الواحدة أي أنه إله تام وإنسان تام في ذات واحدة ومما يؤيد ذلك :

1 عدم وجود دليل علي تعداد الشخص فيه فإنه يعلمنا أن الآب والابن والروح القدس ممتازون في الأقنومية من استعمال الضمائر لهم عند الكلام علي كل منهم وأن الآب يحب الابن ويرسله والابن يحب الآب ويطيعه غير أنه لا يصح أن نميز طبيعتي المسيح علي هذا المنوال بل هو شخص واحد مؤلف من طبيعتين متحدتين فيه فإن ابن الله لا يخاطب ابن الإنسان كشخص ممتاز عن نفسه والكتاب المقدس لا يعلن لنا إلا مسيحاً واحداً.

2 البينات الصريحة ومنها أن المسيح يستعمل لنفسه ضمير المتكلم ويستعمل له عند الخطاب ضمير المخاطب وفي الغيبة ضمير الغيبة فقيل مرة أنه ليس له خمسون سنة بعد (يو 8 : 57) وقيل في محل آخر أنت يارب في البدء أسست الأرض الخ (عب 1 : 10) والإشارة إلي شخص واحد في كلتا الجملتين ولذلك نري أن المسيح يعتبر دائماً شخصاً واحداً إلهاً تاماً وإنساناً تاماً .

ما هي الأدلة الموردة من النوع الثاني ؟

هي ما يتعلق بنصوص الكتاب علي المسيح تارة باعتبار كونه إنساناً وتارة باعتبار كونه إلهاً وأحياناً باعتبار كونه إلهاً وإنساناً معاً. ففي العهد القديم وصف بأنه من نسل إبراهيم ومن سبط يهوذا ومن بيت داود وبأنه ولد من عذراء في مدينة بيت لحم وبأنه رجل أوجاع وبأنه يحتمل تأديب خطايانا ويسكب للموت نفسه. وقد وصف أيضاً فيه بأنه إله لأنه سمي ابن الله وعمانوئيل والله القدير والرب برنا وقيل أنه منذ الأزل والملائكة تعبده.

 وقيل في العهد الجديد أنه إنسان وذكر فيه جدول نسبته بينة علي أنه من بيت داود ومن نسله وذكر أيضاً ولادته وحياته وموته. وكذلك قيل أنه إله وابن الله والكائن منذ الأزل وله كل سلطان وأنه مستحق الوقار والمحبة والطاعة الواجبة لله وأن الرسل سجدوا له وسألوه المغفرة فجميع هذه الأوصاف المتنوعة المنسوبة دائماً إلي شخص واحد لا يمكن توفيقها إلا باعتبار تعليم الكتاب المقدس في التجسد الإلهي الذي هو مفتاح لتفسير كل أقوال الكتاب المقدس في المسيح وبدونه تكون جميع أقوال الكتاب في المسيح مبهمة ومشوشة ومتضادة.

ما هي الأدلة الموردة من النوع الثالث ؟

هي ما يتضمن النصوص الصريحة علي تعليم التجسد ومن تلك النصوص ما يأتي :

1   (يو 1 : 1 14) ففيه أن الكلمة (والمشار بها إلي لاهوت المسيح) أزلي وأن بينه وبين الآب نسبة قريبة جداً وأنه إله وخالق كل الأشياء وأن الحياة فيه وبالنتيجة أنه مصدر الحياة لجميع الأحياء وأنه النور الحقيقي أي ينبوع كل معرفة وقداسة وأنه أتي إلي العالم وجاء إلي خاصته وأنه صار جسداً أي اتخذ طبيعتنا البشرية وسكن بيننا كإنسان. وخلاصة ما نتعلمه من هذه الآيات الثمينة هو أن شخصاً إلهياً بالحقيقة وهو الكلمة الأزلي خالق العالم صار إنساناً وما ذلك إلا تعليم التجسد تماماً بصريح العبارة.

2 (1 يو 1 : 1 3) وهو نص علي أن الذي كان من البدء عند الله ظهر علي الأرض وكان يري ويسمع ويلمس.

3 -  (رو 1 : 2 5) وهو نص الرسول علي طبيعتي المخلص ووحدانية شخصه إذ قال أن المسيح من جهة طبيعته الجسدية ابن داود ومن جهة طبيعته الإلهية ابن الله وقد نص في مكان آخر علي أنه الله العظيم (تي 2 : 13) وابن إبراهيم وعبراني بحسب ولادته الجسدية.

4 -  (1تي 3 : 16) وهو نص الرسول علي أن المسيح ظهر في الجسد الخ.

5 -  (في 2 : 6 11) وهو أن المسيح كان الله أو في صورة الله وأنه مساو للآب وأنه صار إنساناً واتخذ صورة عبد وأنه خضع للموت علي الصليب وأنه رفع فوق كل المخلوقات وقلد السلطان العام المطلق.

6 -  (عب 2 : 14) وفي بداءة هذه الرسالة قيل أن المسيح بهاء مجد الآب ورسم جوهره وخالق العالمين وحامل كل الأشياء بكلمة قدرته وأنه أسمي من الملائكة وأن جميعهم ملزمون أن يسجدوا له وفي الأصحاح الثاني قيل أنه إنسان وأن البشر إخوته.

 وخلاصة ما تقدم أن المسيح المتجسد هو إله وإنسان في شخصية واحدة وما أوردناه من الكتاب المقدس كاف لإرشاد المؤمن وتبين حقيقة تعليم الكتاب له في شخص المسيح. وسبب التعاليم الفاسدة في هذا الشأن إنكار صدق ما قيل في الكتاب المقدس في شأن لاهوت المسيح أو في شأن ناسوته أو في وحدانية شخصه ولذلك التزمت الكنيسة أن تبحث بحثاً مدققاً في هذا الشأن وتبين بالتفصيل معني أقوال الكتاب في حقيقة اتحاد الطبيعتين في المسيح ونتائج ذلك الاتحاد.

 

كيف تثبتون أن للمسيح طبيعتين متحدتين في شخص واحد ؟

يتضح ذلك مما جاء في الكتاب المقدس من أن له جميع صفات الناسوت وجميع صفات اللاهوت معاً في شخص واحد. فقيل في شأن ناسوته أنه ذو جسد مولود من امرأة كان ينمو في القامة ويري ويشعر به ويلمس وأنه ذو نفس كانت تتعب وتفرح وتحزن وتنمو في الحكمة وتجهل بعض الأحوال والأمور. وقيل في شأن لاهوته أنه إله علي الكل عالم بكل شئ قادر علي كل شئ أزلي. ولذلك يعلمنا الكتاب أن الجوهرين المجموعين في شخصه أي الناسوت واللاهوت طبيعتان ممتازتان.

كيف يتبين أن طبيعتي المسيح متحدتان ولكن غير ممتزجتين أو مختلطتين ؟

إن اتحاد طبيعتي المسيح لا يقوم بمزجها وحدوث طبيعة ثالثة ليست هي ناسوتاً ولا لاهوتاً محضاً بل طبيعة مؤلفة منهما لأن ذلك من المستحيل لسبب أن خواص الطبيعتين متباينة. وكما أنه لا يمكن أن يكون من مزج العقل والمادة جوهر جديد ليس هو عقلاً ولا مادة لأن ذلك من باب التناقض هكذا لا يمكن الطبيعتين البشرية والإلهية أن يمتزجا وينتج منهما طبيعة ثالثة لأن الطبيعة الإلهية ممتازة عن الطبيعة البشرية ولا يمكن مزجهما. نعم أن المسيح هو إله وإنسان معاً ولكن ذلك باعتبار شخصه لا باعتبار طبيعته فإن الطبيعة الإلهية باقية عن الطبيعة البشرية ولو اتحدتا في شخص واحد لأنه لا يمكن جعل المحدود غير محدود أو غير المحدود محدوداً ولا يمكن جعل الله إنساناً ولا جعل الإنسان إلهاً وإنما يمكن وجود شخص واحد له طبيعة إلهية وبشرية معاً بشرط أن تكون الطبيعتان متحدتين لا ممتزجتين فيه.

 وخلاصة ما تقدم أن كلا من طبيعتي المسيح باقية علي حدة غير أنهما متحدتان في شخصية واحدة وكما أن الجسد البشري يحفظ كل خواصه المادية والنفس تحفظ كل صفاتها الروحية في اتحادهما في شخص واحد كذلك اللاهوت والناسوت يحفظ كل منهما خواصه في اتحادهما في شخص المسيح. فينتج من ذلك أن للمسيح مشيئة بشرية ومشيئة إلهية معاً فله مشيئة محدودة ومشيئة غير محدودة وقدرة محدودة وقدرة غير محدودة معاً وحكمة بشرية قابلة النمو وحكمة إلهية كاملة وكل ذلك سر بعيد عن الاستقصاء ولكنه ليس بأكثر خفاء من اتحاد العقل والمادة في بنيتنا البشرية.

وانتقال الصفات الواحدة إلي الأخرى مردود لأنه يسبب تغيراً في جوهر الطبيعتين المستقلة كل منهما عن الأخرى فإذا انتقلت مثلاً الصفات الإلهية إلي الطبيعة البشرية لم تبق طبيعة بشرية وبالعكس وإذا نزع النطق بالقوة من العقل ما بقي عقلاً وإذا أضيف النطق إلي المادة لم تبق مادة وإذا أعطى المحدود ما لغير المحدود انتفي كونه محدوداً. هذا وأن الكتاب المقدس يعلمنا صريحاً أن طبيعة المسيح البشرية بقيت علي حالها بعد التجسد وأن الطبيعة الإلهية بقيت إلهية.

ما هي خلاصة تعاليم الكتاب المقدس في سر التجسد ؟

إعلان الكتاب المقدس في ما يتعلق بتجسد المسيح يحيط بما يأتي وهو :

1 أن فيه طبيعتين أي اللاهوت والناسوت وأنهما متحدتان اتحاداً لا يقبل الانفكاك أو الانفصال.

2 أن هاتين الطبيعتين غير ممتزجتين امتزاجاً يتكون منه طبيعة ثالثة متميزة عن كل منهما بل أن كل واحدة منهما حافظة لكل خواصها.

3 أنه لم تنتقل صفة من الطبيعة الإلهية إلي البشرية وبالأولي لم تنتقل صفة من الطبيعة البشرية إلي الإلهية أي الناسوت في المسيح لم يصر إلهاً ولا اللاهوت صار إنساناً.

4 إن اتحاد الطبيعتين ليس علي سبيل حلول الطبيعة الإلهية في بنية بشرية بل علي سبيل اتحاد شخصي نشأ منه أن المسيح شخص واحد بطبيعتين ممتازتين إلي الأبد أي أنه هو إله وإنسان في وقت واحد.

ما هي نتائج اتحاد طبيعتي المسيح الشخصي ؟

نتائج إتحاد طبيعتي المسيح هي ما يأتي :

1 الاشتراك في الصفات.

2 أن جميع أعمال المسيح سواء كانت بشرية أو إلهية كانت أعماله باعتباره شخصاً واحداً.

3 أن يسوع المسيح باعتبار كونه شخصاً هو موضوع السجود الديني.

4 أن المسيح يقدر أن يشعر مع شعبه.

5 أن الكلمة المتجسد هو مصدر الحياة.

6 ارتفاع شأن طبيعة المسيح البشرية.

ما المراد باشتراك الصفات ؟

المراد به أن لشخص المسيح الواحد صفات الطبيعتين حتي أن كل ما يمكن أن يقال في كل منهما يمكن أن يقال فيه لا أن لكل من الطبيعتين صفات الأخرى فيصح أن يوصف المسيح بكل ما يصدق علي ناسوته وعلي لاهوته كما يصح أن يوصف الإنسان بكل ما يصدق علي نفسه وعلي جسده مثال ذلك قولنا أن الإنسان خالد وغير خالد ومخلوق من التراب وابن الله وعلي هذا النسق يمكننا أن نقول أن المسيح محدود وغير محدود وأنه يجهل أموراً ويعلم كل شئ وأنه دون الله ومساو له وأنه منذ الأزل وولد في وقت معلوم. وعلي هذا المبدأ أي أن ما يصدق علي كل من طبيعتي الشخص يصدق عليه يجب تفسير آيات كثيرة من الكتاب المقدس وقد قسمنا هذه الآيات إلي أربعة أصناف وهي :

1 ما كان المحمول فيه علي كل الشخص ومثاله كون المسيح فادينا وربنا وملكنا ونبينا وكاهننا وراعينا الخ فإن هذه الأقوال تصدق عليه بالنظر إلي كل شخصه لا باعتبار كونه إلهاً فقط أو مجرد إنسان.

2 ما كان الموضوع فيه الشخص والمحمول لا يصدق إلا علي اللاهوت. ومثاله قول مخلصنا قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن وقوله أيضاً بالمجد الذي كان لي عندك قبل تأسيس العالم وما شاكله كثير. فإن المسيح استعمل ضمير المتكلم في هذه الأقوال باعتبار كونه شخصاً غير أن المحمول لا يصدق إلا علي اللاهوت.

3 ما كان الموضوع فيه هو الشخص المحمول لا يصدق إلا علي الطبيعة البشرية. مثاله قول يسوع أنا عطشان ونفسي حزينة حتى الموت وقول البشير بكي يسوع وكذلك جميع الآيات التي مضمونها أن مخلصنا كان يمشي ويأكل وينام ويري ويلمس ويسمع صوته الخ.

4 ما دخل تحت الصنف الأول من هذه الأصناف ولكن يمتاز عنه في كون الموضوع مما يختص بالطبيعة الإلهية والمحمول لا يصدق علي نفس الطبيعة الإلهية بل علي الطبيعتين الإلهية والإنسانية معاً في حال الاقتران. ومثاله قول الرسول فحينئذ الابن نفسه أيضاً سيخضع للذي أخضع له الكل (1 كو 15 : 28) فالموضوع هنا هو الابن باعتبار كونه إلهاً وإنساناً معاً والإشارة إلي تسليمه الملك الذي تقلده كوسيط بين الله والإنسان لأجل إجراء عمل الفداء. ومثال آخر هو قول المخلص الآب أعظم مني فهذا لا يصح علي الطبيعة الإلهية بل يصح علي الإله والإنسان معاً أي علي المسيح باعتبار كونه وسيطاً. فيتبين مما تقدم أن الكتبة الأطهار نسبوا إلي مخلصنا صفات الناسوت وصفات اللاهوت بدون نظر إلي الاسم الذي سموه به وذلك باعتبار كونه شخصاً واحداً فسموه الرب والابن ونسبوا إليه ما يصدق عليه فقط باعتبار كونه إلهاً وإنساناً معاً.

ما المراد بالقول أن جميع أعمال المسيح سواء كانت بشرية أم إلهية هي أعمال شخص واحد ؟

المراد بذلك أن أعمال المسيح بعضها إلهي محض كالعجائب وبعضها بشري محض كالأكل والشرب والنوم وبعضها إلهي وبشري وهو ما يشترك في عمله الطبيعتان كعمل الفداء ولا يخفي أن جميع تلك الأعمال هي أعمال المسيح أي أعمال شخص واحد وأن أعمال المسيح هي أعمال شخص إلهي وإن اختصت بطبيعته البشرية ولذلك يجوز أن نعتبر طاعة المسيح وآلامه وإن كانت ليست طاعة وآلام الطبيعة الإلهية إنها طاعة وآلام شخص إلهي. فإن نفس الإنسان لا يمكن أن تجرح ولا أن تحرق ولكن متي أصاب الجسد شئ من ذلك نسبناه إلي الإنسان كله وعلي هذا المبدأ نقول أن طاعة المسيح بر الله وأن دم المسيح دم إلهي ومن ذلك نتج الاستحقاق غير المحدود وفاعلية عمله. وهو منصوص عليه في الكتاب المقدس كما قال الرسول لأنه لا يمكن أن دم ثيران وتيوس يرفع خطايا (عب 10 : 4). ولكن بما أن للمسيح روحاً أزلياً كمل المقدسين إلي الأبد بتقديم نفسه مرة واحدة. وهذا هو الأمر الأخص الذي أطنب الرسول بإثباته في رسالته إلي العبرانيين والسبب الذي قدمه لعدم اقتضاء تكرير ذبيحة المسيح هو أن فاعليتها أعظم من فاعلية ذبائح النظام القديم إلي غير نهاية. وهو قد طبع علي قلوب المؤمنين في جميع القرون حتي أن كلاً منهم يقول من كل قلبه يا يسوع إلهي دمك فقط يقدر أن يكفر عن الخطية.

وربما سمي شخص المسيح بإحدى طبيعتيه ونسب إليه من الأعمال ما هو خاص بالطبيعة الأخرى وذلك كما تقدم في الكلام علي صفاته. فإنه في الكلام علي تسليمه نفسه للموت سمي الله وابن الله ورب المجد. وسمي أيضاً الإنسان وابن الإنسان ونسب إليه من الأعمال ما هو خاص بسلطانه الإلهي فقط ومن ذلك القول أن ابن الإنسان هو الذي يغفر الخطايا ورب السبت ويقيم الأموات ويرسل ملائكته ليجمع مختاريه.

وسبق أن أعمال الإنسان مقسومة إلي ثلاثة أنواع وهي عقلية محضة كالفكر وجسدية محضة كالاغتذاء والهضم ومختلطة من عقلية وجسدية كالتكلم والكتابة وما أشبهها وهي كلها تنسب إلي شخص واحد فكذلك أعمال المسيح الإلهية والبشرية والمختلطة تنسب بجملتها إلي ذات واحدة.

ما المراد بقولنا أن شخص يسوع المسيح موضوع السجود الديني ؟

المراد بالسجود في هذه الجملة تقديم الإكرام الديني بناء علي وجود صفات إلهية في المسجود له وهو الأساس الوحيد لذلك السجود وبالنتيجة ناسوت المسيح ليس هو أساس السجود بل لاهوته علي أن المعبود هو شخص اتحد فيه اللاهوت بالناسوت.

ما المراد بقولنا أن المسيح يقدر أن يشعر مع شعبه ؟

هو قول الرسول أن المسيح هو رئيس كهنة رحيم وأمين وبالنتيجة أنه نفس المخلص الذي نحتاج إليه. فإنه باعتبار كونه الله والكلمة الأزلي لا يمكنه أن يكون ولا يعمل حسب ما تقتضي احتياجاتنا فكيف يمكنه ذلك لو كان إنساناً فقط مهما كان حكيماً ومقدساً ومحسناً فالذي نحتاج إليه نبتغيه إنما هو مخلص يكون إلهاً وإنساناً معاً. فينبغي أن يكون إلهاً ليقدر أن يكون دائماً حاضراً في كل مكان وقادراً علي كل شئ وغير محدود في وسائطه ليخلص ويبارك وينبغي أن يكون إنساناً ليمكنه أن يحس بضعفاتنا ويتجرب مثلنا ويخضع للناموس الذي تعديناه ويحتمل القصاص الذي استوجبناه. وأما المسيح ففيه يحل كل ملء اللاهوت جسدياً وقد وجد في الهيئة كإنسان لكي يمكننا الوصول إليه والامتلاء من ملئه. ولذلك نحن كاملون فيه لا يعوزنا شئ بعد.

ما المراد بالقول أن الكلمة المتجسد هو مصدر الحياة ؟

إن الكتاب المقدس يعلمنا أن الكلمة هو الحياة الأبدية وأن له الحياة في نفسه وهو مصدر الحياة الجسدية والعقلية والروحية. وأيضاً أن تجسده هو الكيفية المختارة لإيصال بركات الحياة الروحية إلي بني البشر. ولذلك هو المخلص الوحيد ومصدر الحياة الوحيد لنا ونحن نصير شركاء هذه الحياة بالاتحاد به وهذا الاتحاد يتم بواسطة سكن الروح القدس فينا وبواسطة الإيمان به. وهو يصير للمؤمنين بأنه الله ظهر في الجسد حياة أبدية لأنه ليس هم الذين يحيون بل المسيح يحيا فيهم. (غل 2 : 20)

ما المراد بقولنا أن طبيعة المسيح البشرية ارتفعت بالتجسد ؟

كما أن الجسد البشري بسبب اتحاده الجوهري بالنفس الناطقة رفع بما لا يقاس فوق كل مخلوق مادي في الكون كذلك ناسوت المسيح بسبب اتحاده بطبيعته الإلهية رفع بدون قياس في المقام والقدر ولا سيما السلطان علي جميع الخلائق العاقلة.


أول الصفحة

أرغب في توجيه سؤال لكم

صفحات أخرى ذات صلة بالموضوع

 راجع لمزيد من التفصيل        ماذا عن يسوع 

موت المسيح وصلبه في القرآن

سيرة المسيح في القرآن

ماذا تعني العبارة " صفات الله"؟

الصليب وماذا تعرف عنه؟

هل علم الكتاب المقدس عن التثليث؟

هل حقاً أتى الله تعالى في جسم بشر؟

ما المراد بوحدانية الله؟

 الرجوع إلى قائمة " ركن الأسئلة المشهورة