شخصية المسيح في القرآن

لنستجمع الآن الخطوط التي تتكون منها شخصية السيد المسيح في القرآن كما رسمها لنا . لقد أوجزها بلفظة واحدة : أنه " آية للعالمين".

أعز الأشخاص على النبي العربي هم : إبراهيم وموسى وعيسى ومحمد نفسه . ولا يخط القرآن لواحد منهم صورة تداني الصورة التي يرسمها لعيسى ابن مريم ، مسيح الله و كلمة الله وروح الله . فإن أجمل وصف ، وأكمل تعريف حلاه القرآن بالنعوت الغنية والألقاب السامية هو خبر عيسى ابن مريم ؛ وإن أسمى شخصية فيه تستلفت العقول وتستهوي القلوب هي شخصية المسيح  . وإليك الخطوط الكبرى التي تتكون منها صورة المسيح في القرآن ؛ إنها مجموعة ميزات خارقة انفردت بها شخصيته على العالمين

ميلاده المعجز

طهارته المعجزة

حداثته الخارقة

عفته المعجزة

قداسته المعجزة

كيف أدى المسيح رسالته؟

ميلاده المعجز

عيسى ابن مريم منذ مولده شخص فوق البشرية ، شخص عجيب غريب فريد وحيد . جميع الأنبياء ، حتى محمد بن عبد الله " خاتم النبيين " ، ولدوا بحسب ناموس الطبيعة البشرية . أما المسيح فوحده ولد من أم بتول لم يمسسها بشر ( مريم : 20 ؛ آل عمران : 45 ؛ النساء : 156 ؛ الأنبياء : 91 ؛ المؤمنون : 51 ) ؛ ملاك متقدم على الملائكة المقربين يبشر به أمه ؛ وروح القدس يظلل مريم وينفخ فيها فتحمل وتلد وهي عذراء . وهذه المعجزة الوحيدة في تاريخ البشرية ترفع المسيح منذ مولده على كل البشر والأنبياء والمرسلين ، لأنها دليل خاص فائق على أن الله اصطفاه على العالمين ، كما اصطفى أمه على نساء العالمين " وجعلنا ابن مريم وأمه آية " ( المؤمنون : 51 )

طهارته المعجزة

تخطى الله من أجل المسيح ليس سنة الطبيعة فحسب بل سنة نعمته أيضاً . فقد حفظ أمه من مس الشيطان ، ومن أذاه لكل كولود حين يولد :" إني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم " ( آل عمران : 36 ) ؛ وأي مس للشيطان ، وأي أذى يلحق منه بالمولد سوى الخطيئة التي يولد بها أبناء آدم ؟ حدث أبو هريرة عن النبي العربي قال :" سمعت رسول الله يقول : ما من مولود من بني آدم يولد إلا نخسه الشيطان حين يولد ، فيستهل صارخاً من نخسه إياه ، إلا مريم وابنها" . وقد أخرج الصحيحان هذا الحديث بقولهما :" كل ابن آدم يطعنه الشيطان في جنبه باصبعه حين يولد ، غير عيسى ابن مريم ذهب ليطعن فطعن في الحجاب " . لقد عبروا عن خطيئة الجنس البشري الموروثة بالتناسل ، بطعنة الشيطان للمولود ومسه ونخسه . وقد صور القرآن حالة النفس الطبيعية الناتجة عن مس الشيطان بقوله :" وإن النفس لأمارة بالسوء" . فعصم القرىن ، وكذا الحديث المسيح وأمه من هذه الوصمة الأصلية . ونجد في ميلاد المسيح من بتول لم يمسسها بشر دليلاً وتفسيراً لعصمة المسيح من الخطيئة ، ونجد في الخوارق التي اكتنفت الولادة المعجزية والطهارة المعجزة بياناً لهما وبرهاناً

وكما عصم الله المسيح من الخطيئة الأصلية التي يولد بها كل الناس ، حتى الأنبياء ، عصمه أيضاً من الخطايا الفعلية التي يصيبها سائر بني آدم ، حتى الأولياء الصالحين والمرسلين ، طيلة حياتهم . روي عن قتادة :" وذكروا لنا أنهما كانا ( المسيح وأمه) لا يصيبان من الذنوب كما يصيب سائر بني آدم". ورأى المفسرون في اسم المسيح إشارة إلى أنه مُسح بما طهره من الذنوب مبدئياً( البيضاوي) ودليلاً على أنه مُسح من الأوزار والآثام ، فلم يكن لها عليه من سبيل ( الرازي). فقد مُسح بالبركة وظل " مباركاً أين كان" ( مريم : 30 ) . وقد نسب القرآن الاثم والخطيئة إلى كل الناس وكل الأنبياء ، وواحد في العالمين يقول عنه القرآن والحديث والتفسير أنه كان معصوماً من الخطيئة. ونجد في انتصار المسيح في آخرته على سلطان الموت تفسيراً كاملاً لإنتصاره في حياته على سلطان الخطيئة

حداثته الخارقة

وتتوالى الخوارق الإلهية في طفولة المسيح وحداثته . قال الجلالان : كان الحمل بالمسيح والتصوير والولادة في ساعة . وقال الزمخشري : حملته في ساعة وصُور في ساعة ووضعته في ساعة حين زالت الشمس من يومها . وقالوا غير ذلك . وعن ابن عباس : كانت مدة الحمل ساعة واحدة ، وكما حملته نبذته . حملت بمعجزة وولدت بمعجزة ، فأمه هي الأم البتول وحدها بين النساء

وأطعم الله الوالدة من نخلةيابسة في الشتاء ، وسقاها من " سري" ناشف " لم تقع التسلية بهما من حيث أنهما طعام وشراب ولكن من حيث أنهما معجزتان تريان للناس أنهما من أهل العصمة " الزمخشري

والوليد يتكلم للحال منذ مولده : نُطقه معجزة ، وكلامه نبوة ، وكلاهما ميزة فريدة " فأشارت إليه . قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبياً" قال : إني عبد الله ..."(مريم : 26) ، قال الرازي :" هي خاصة شريفة كانت حاصلة له ، و لا حصلت لأحد من الأنبياء قبله ولا بعده". لقد استنبأه الله طفلاً:" يا عيسى ابن مريم أذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدتك بروح القدس ، تُكلم الناس في المهد وكهلاً"( المائدة : 113) ؛ إن إبراهيم وموسى ومحمداً وسائر الأنبياء صاروا أنبياء بعدما تخطوا الكهولة ، أما المسيح فوحدهوُلد نبياً ، واستنبأه الله طفلاً . قال الشهرستاني :" جميع الأنبياء بلاغ وحيهم أربعون سنة ، وهو قد أُحي إليه إنطلاقاً في المهد ، وأُحي إليه إبلاغاً عند الثلاثين"

منذ مولده تعلم من الله مباشرة " الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل " ( آل عمران: 48) فيما يتخذ الله بينه وبين أنبيائه الملائكة واسطة بوحي بهم إلى عبيده :" يُنزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده لينذروا يوم التلاق" ( النحل : 2 ؛ غافر : 15 ؛ الشورى : 52 ) ؛ واتخذ جبريل واسطة لوحي محمد :" قل من كان عدواً لجبريل ؟ فإنه نزله على قلبك بإذن الله " ( البقرة : 97 ). قال الشهرستاني " نفس وجوده وفطرته آية كاملة على صدقه ، ونطقه من غير تعليم سالف " ؛ فلا غرو أن ينفرد بالوحي منذ مولده بين العالمين ، فهو " كلمة الله " فلا حاجة له إلى أن ينقل إليه كلام الله وهو " روح الله " فلا حاجة له إلى من يُسر إليه أسرار الله

وكانت إعالته مع أمه على رابية غناء معجزة أخرى " وجعلنا ابن مريم وأمه آية ، وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين" ( المؤمنون : 51 ) . ولا يذكر القرآن لمحمد أو لغيره من الأنبياء معجزة في حداثته فيما يذكر للمسيح معجزة الخلق :" وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني فتنفخ فيها فتكون طيراً بإذني" ( المائدة : 113 ؛ آل عمران : 49 ) ، يسوع يتسلى بخلق الطيور في حداثته ! إنها لبداية ملأى بالخوارق والمعجزات

عفته المعجزة

حسب القرآن قضى المسيح حياته كلها في البتولية ، في عفة لا يدانيه فيها نبي من كل من ذكر . فلا ينسب إلى عيسى ابن مريم أدنى علاقة بالزواج والنساء ؛ فيما يتكلم عن أعمال الأنبياء وخطاياهم وأخطائهم ، وعن أزواجهم ومشاكلهن ( الرعد : 40 ) ، ويتطرف إلى كلام عن النبي العربي ، وعن أزواجه يحتاج إليها شرح كثير حتى نستسيغه ؛ فالمسيح وحده ارتفع فوق حاجة الرجل إلى حواء ، فعاش بتولاً ورُفع بتولاً ، وفي هذا الكمال الذي انفرد به. وليس ذلك من نوع التقصير الجنسي كما يغمز الأستاذ العقاد ( عبقرية محمد ، ص 178 ) حيث قال :" قال لنا المستشرقين أن تسع زوجات لدليل على فرط الميول الجنسية . قلنا أنك لا تصف السيد المسيح بأنه قاصر الجنسية لأنه لم يتزوج قط . فلا ينبغي أن تصف محمداً بأنه مفرط الجنسية لأنه جمع بين تسع زوجات" . ولكن هذا دليل على أنه خضع لعازة الرجل إلى المرأة حسب القول المأثور عن على ابن أبي طالب :" المرأة شر كلها ، وشر ما فيها أنها لابد منها " ، فيما سما السيد المسيح فوق هذه العازة البشرية سمواً كاملاً لا يدانيه فيه أحد

قداسته المعجزة

 كما شهد القرآن ، أيضاً ، للمسيح بالقداسة الكاملة التي لا يرسم لنا عنها مثيلاً لمثله . ولد " غلاماً زكياً" ( مريم : 18 ) وعاش قديساً " واوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حياً " ( مريم : 31 ) ز لم يكن له في العالم من صلة سوى أمه فكان " براً بوالدته " ( مريم : 32 ) . عاش بعيداً عن كل ما يمت إلى السلطان والطغيان والسيف بصلة " ولم يجعلني جباراً شقياً " ( مريم : 32 ) . بُعث رحمة للعالمين فكيف يكون غير الرحمة ( مريم : 21 ) . لقد عاش كرجل الله بكل ما غي هذه الكلمة من معنى ، فلا يفطن إلا لما لله . فقد يهمل أمور الحياة والزواج والرزق والتسلية ، قد يترك أمور جسده ودنياه حتى لا يفكر إلا بمناجاة الحق ودعوة الناس إلى الإيمان بالله وحبه . لم يبن مثل غيره منازل لأزواجه قرب المسجد ، ليختلف كل ليلة إلى واحدة منهن بعد صلاة العشاء ( محمد حسين هيكل : حياة محمد ، ص 413 ) ، بل كان يقضي ليلته في الصلاة إلى الله ( لوقا 6 : 13 ؛ يوحنا 6 : 13 ) ؛ لم يكن لغزو ولا ليُقرع بين نسائه ، فأيهن خرج سهمها خرج بها معه ( محمد حسين هيكل : حياة محمد ، ص 324) ، كأنه لا يقدر أن يستغني عن المرأة حتى في معامع الحروب ؛ بل كان يقول لتلاميذه : إن طعامي أن أعمل مشيئة الذي أرسلني وأتمم عمله " ( يوحنا 4 : 34 ). لم يكن بحاجة في أول أمره إلى أن " يشرح الله له صدره ليضع عنه وزره الذي أنقض ظهره " ( الشرح : 1 و 2 ) . ولا في آخر عهد أن " يغفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر " ( الفتح : 2 ) ؛ فهذه القداسة السامية التي يفترضها القرآن في المسيح لهي أكبر نعمة وأعظم ميزة يقدر الله أن يتحف بها مخلوقاً ز إن عيسى ابن مريم أكمل مثال للكمال كما صوره القرآن

كيف أدى المسيح رسالته؟

 أداها كمثال للنبي والرسول الذي يهدي غلى الله ، بأقواله وأعماله :" لقد أحسن في كل ما صنع" هكذا شهد له الشعب اليهودي؛ والشرطة الرومانية المكلفة بتوقيفه ، ولم تفعل أجابت : " لم يتكلم قط إنسان هكذا مثل هذا الإنسان" ( يوحنا 7 : 46) . كان يهدي الناس لا عن طريقالهبة والقوة ، ولا عن طريق الرغبة والمال : فلا يذكر القرآن أن المسيح شرع جهاداً لتوطيد حقيقة دينه بلترك لسلطان الإيمان أن يفتح للحق مغاليق العقول والقلوب ؛ ولا يذكر القرآن أن المسيح قام بغزو أو حاصر قوماً .. لم يغزُ قوماً ولم ينهض على بلد! ولا سير السيرايا والغزوات ليجلب لرجاله المال والمعيشة ، بل كان يعيش من حسنات الشعب ، ووصى مبعوثيه لنشر دينه " ألا يحملوا في الطريق لا عصاً ولا زاداً " . بل عاش فقيراً ومحباً للفقراء والمساكين محرماً " عبادة سيدين : الله والمال " . لم يهد المسيح العالم إلى الله بسلطان السيف ، ولا بسلطان المال ، ولا بسلطان الإغراء بطيبات الدنيا والآخرة ، ولا بسلطان العلم والفلسفة ، ولا بشئ من مغريات الحياة الدنيا ؛ بل فرض احترامه واحترام دينه بالزهد ، والقداسة ، والنبؤآت والمعجزات

بل ويشهد القرآن أن الله اختص رسالة المسيح بتأييد الروح القدس :" ولقد آتينا موسى الكتاب ، وقفينا من بعده بالرسل ، وآتينا عيسى ابن مريمالبينات وأيدناه بروح القدس" ( البقرة : 87 و 253). أجل ، لا نفهم صريحاً ما يقصد القرآن بروح القدس ؛ غير أننا نرى ملياً أنه أيد علوي فريد لم ينله أحد من الأنبياء من قبله أو بعده . فقد ميز الله المسيح بين الأنبياء والمرسلين بتأييد الروح القدس ، وقد لا ينعت " الروح " بالقدس إلا في كلامه عن المسيح :" إذ قال الله يا عيسى أذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدتك بالروح القدس" ( المائدة : 113 ) . فهذا التأييد كان نعمة كبرى وميزة عظمى من الله . وإن رسالة يؤيدها روح القدس لهي ، بالطبع ، أفضل رسالة

وقد شهد الله للمسيح بمعجزة النبؤآت التي لم يفه بمثلها لغيره . بينما يصرح القرآن مراراً وتكراراً عن محمد بن عبد الله ، بأنه لا يعلم الغيب ( الأنعام : 50 و 124) ، فعلم الغيب من خصائص الله :" وعنده مفاتيح الغيوب " ( المائدة: 120) . فإذا أشرك الله أحداً في هذه الميزة يكون قد شهد له أفضل شهادة . والقرآن يقر بأن المسيح أُتي علم الغيب :" وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم ؛ إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين" ( آل عمران : 49 ) . وتنبأ من مهده أكبر نبؤة عن آخرته :" والسلام علىيوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حياً " ( مريم : 33) . منذ مولده يتنبأ أنه سوف يبعث حياً ، وقد تحققت النبؤة لما " رفعه الله إليه " ( النساء : 157) . فهل يذكر القرآن لرسول معرفة الغيب بهذه الصراحة وهذه القوة ؟ وهل حققت الأيام قولاً كما حققت نبؤة المسيح

وشهد القرآن للمسيح أيضاً بمعجزة العجائب الباهرة ( العجيبة فعل يفوق طاقة المخلوق ، ومعجزة إلهية لا يقدر أن يجترحها إلا الله القادر على كل شئ) . فإذا اختص الله عبداً له بشئ من هذه القدرة الإلهية ، فذلك دليل ساطع على أن الله اصطفاه على سواه . والقرآن لا ينسب لنبي من المعجزات كما نسب للمسيح . وفيما يصرح القرآن مراراً أن الآيات والخوارق مُنعت عن محمد " وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون " ( الإسراء : 59) ، يشهد مراراً للمسيح باجتراح المعجزات العظام:" ورسولاً إلى بني إسرائيل ، إني قد جئتكم بآية من ربكم ، أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله ، وأبرئ الأكمه والأبرص ، وأحي الموتى " ( آل عمران : 49 ) ؛ ثم يعود إلى ذكرها أيضاً في آخر عهده ( المائدة : 113 ) . فأي خارقة أعظم من إحياء الموتى وأعظم من القدرة على الخلق ؟! هل ينسب القرآن إلى بشر أو نبي أو مخلوق ما ، ما ينسبه إلى المسيح من خوارق في شخصه ورسالته ؟ وتتخطى معجزاته نطاق الأرض إلى السماء ، فينزل على الحواريين ( تلاميذه ) مائدة من السماء يأكلون منها فتطمئن قلوبهم ، ويؤمنون به مستشهدون في سبيله ( المائدة : 111 - 115 ) ؛ فظلت لهم :" عيداً لأولهم وآخرهم " وأعظم آية من الله في تاريخ الأنبياء والمرسلين

إلا أن أعظم الشهادات ، في القرآن عن المسيح ، وميزة الميزات التي انفرد بها السيد المسيح ، ومعجزة المعجزات التي أختص بها الله عيسى ابن مريم ، دون سائر الأنبياء والمرسلين ، بلا إستثناء ، هي أن " الله رفعه إليه " فهو حي ، نفساً وجسداً ، عند الله وإلى ما شاء الله :" وما قتلوه يقيناً ، بل رفعه الله إليه ، وكان الله عزيزاً حكيماً" ( النساء : 157)

البشر كلهم يموتون ، وينتهي أمرهم بالموت . ويولودون ليموتوا ؛ حتى الأولياء والصالحون ، والأنبياء والمرسلون ، ماتوا جميعاً . ومحمد " خاتم النبيين " مات كغيره ، وقبره في المدينة المنورة " وما محمد إلا رسولاً قد خلت من قبله الرسل ، أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم " ( آل عمران : 144 ) . فالموت سلطان السلاطين ! الموت آخرة كل شئ ؛ آخرة القداسة والنبوة ، وآخرة العلم والفلسفة والسلطان . واحد وحده لم يكن للموت عليه من سلطان ، هو عيسى ابن مريم ، مسيح الله ! فهو وحده حي عند الله ! وإذ هو وحده حي فيما غيره قد مات وصار رميماً ، فرسالته دائمة ، وشفاعته دائمة . أليست رسالة الحي الدائم أفضل من رسالة الميت ؟ أليست شفاعة الحي عند الله أفضل من شفاعة الميت الذي صار تراباً ؟ قال السيد المسيح في الإنجيل :" أنا هو القيامة والحياة ، من آمن وإن مات سيحيا" ( يوحنا 14 : 26) . وقال القرآن :" إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلى ، ومطهرك من الذين كفروا ، وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة" ( آل عمران : 55 )

وهكذا ، فقد اتفقت شهادة الإنجيل والقرآن للمسيح أنه حي عند الله . فهذه ميزته الخاصة التي إنفرد بها دون العالمين ؛ وهي ميزة الميزات ومعجزة المعجزات

فلا عجب بعد ذلك ، غذا سمعنا القرآن يصف عيسى ابن مريم بألقاب ترفعه فوق الرسلين ،وسائر المخلوقين إلى صلة خاصة شخصية مع الله . لقد غمر القرآن المسيح بألقاب نبوية ، قد يشترك فيها غيره ، ولكن القرآن قد خص ابن مريم بألقاب غريبة سماوية ، وأسماء إلهية . فقد أعطاه مع الإنجيل ، إسماً يفوق كل اسم :" إنما المسيح عيسى ابن مريم : رسول الله ، وكلمته ، ألقاها إلى مريم ، وروح منه" ( النساء : 157) . فعيسى ابن مريم، رسول الله ، هو بالحقيقة مسيح الله ، وكلمة الله ، وروح الله ! مهما يكن من معنى هذه الألقاب الفريدة التي لا ينسبها القرآن لأحد من المرسلين والعالمين ، فهي تجعل المسيح وحده في صلة شخصية مع الله ، صلة مصدرية عقلية روحية ، ترفعه فوق صفة المخلوق


أول الصفحة

أرغب في توجيه سؤال لكم

صفحات أخرى ذات صلة بالموضوع

هل حقاً أتى الله تعالى في جسم بشر؟

ماذا عن يسوع؟

الصليب وماذا تعرف عنه؟

هل علم الكتاب المقدس عن التثليث؟

 الرجوع إلى قائمة " ركن الأسئلة المشهورة"