ابو بكر وشتمه

الصحابة

 

ابو بكر وشتمه

 

في هذا العصر كل المسلمين يكابدون حرقة الشوق لزيارة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والتبرك بآثاره الشريفة .. لكن من العجب العجاب أن تجد الكثير من أؤلئك الذين عاصروه يفعلون ما يغضبه ويزعجه ثم يقول القائل إنهم صحابة لا يجوز المساس بهم ..

هذه قضية تصلح لأن تكون أنموذجاً للتحليل وردت في كتاب (( مجمع الزوائد )) ج 8 ص 189 فلنلق عليها نظرة فاحصة ونحاول أن نخلص بنتيجة منطقية منها :

((
عن أبي هريرة أن رجـلا شتـم أبا بكر والنبي صلى الله عليه وسلم جالـس ؛ فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه ويتبسم ؛ فلما أكثــر رد عليه بعض قولــه !!

فغضـب النبي صلى الله عليه وسلم وقام ، فلحقـه ابو بكر فقال : يا رسول الله كان يشتمني وأنت جالس فلما رددت عليه بعض قوله غضبت وقمت ؟!


قال : إنه كان معك ملك يرد عنك فلما رددت عليه بعض قوله وقع الشيطان فلم أكن لأقعد مع الشيطان ..

ثم قال يا ابا بكر ثلاث كلهن حق ما من عبد ظلم بمظلمة فيفضي عنها لله عز وجل إلا أعز الله بها نصره وما فتح رجل باب عطية يريد بها صلة إلا زاده بها كثرة وما فتح باب مسألة يريد بها كثرة إلا زاده الله بها قلة .

روى أبو داود منه إلى قوله فلم أكن لأقعد مع الشيطان رواه أحمد والطبراني في الأوسط بنحوه ورجال أحمد رجال الصحيح )) ...

ويمكنك أن تراجع أيضاً المصادر التالية :

1 - سنن البيهقي ج 10 ص 236 .

2 - مسند أحمد ج 2 ص 436 .

3 - أسباب ورود الحديث للسيوطي ج 1 ص 203 .

4 - البيان والتعريف للحسيني ج 2 ص 16 .

5 - تفسير ابن كثير ج 4 ص 120 .

وهنا عدة إشكالات تطرح على هذه الرواية الصحيحة : ..

1 - إذا كان أبو بكر لا يستحق الشتم فلماذا سكت النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الشاتم 2 - إن سكوت النبي عن شاتم أبي بكر يعتبر تقريراً وهو من السنة التي يجب أن تتبع لأن السنة هي كل قول أو فعل أو تقرير وعلى هذا فإن شتم أبي بكر يعتبر سنة لأنه حدث أمام النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولم ينه عنه ! وكذلك فإن من السنة عدم الاعتراض على شتم أبي بكر لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يعترض على الشاتم !

3 -
إن الاعتراض على شتم أبي بكر أو الدفاع عنه يعتبر من المحرمــــات لأن الرسول - حسب الرواية - غضب على أبي بكر حينما رد عن نفسه ( بعض ) الشتم الذي تلقاه !!

ولا شك أن الحرمة ستزداد على المعترض المدافع عن أبي بكر حينما يرد بالمثـــل !! أما إذا زاد فلا شك أن ذلك سيكون من كبائر الذنوب أعاذنا الله وإياكم من ذلك ..

4 -
ومنه نكتشف أن الاعتراض على شتم أبي بكر أو الدفاع عنه (( بدعـــــة )) لأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لم يعترض ولم يدافع حسبما ورد في الرواية !! ولا يجوز ذلك إلا للملك فقط !

 

5 - إن الشيطان لم يحضر إلا عندما قام أبو بكر برد الشتم ولم يكن الشيطان موجوداً عندما شتمه الرجل وعلى هذا فالشيطان ملازم للمدافعين عن أبي بكر المعترضين على شتمه !! بينما الشاتمون له لا يستطيع أن يقترب منهم الشيطان فكأنهم حين شتمهم لأبي بكر يرمون الشيطان بالجمار فلا يستطيع الحضور !!


أو كأنهم عندئذ في حالة رفع أصواتهم بإعلاء كلمة الله من خلال الأذان حيث يهرب الشيطان وله (( ضراط )) حسبما يرويه البخاري وغيره !!


والنتيجة أن شتم أبي بكر حسبما تفضي إليه هذه الرواية أمر مستحسن والرد أو الدفاع أمر محرّم بلا جدال !


6 -
والإشكال الكبير في الأمر أن هذه الرواية تشير لنا إشارة واضحة إلى أن أبا بكر ليس من الصحابة بالمعنى الاصطلاحي بل هو صحابي بالمعنى اللغوي فقط لأن أهل السنة ينقلون في مروياتهم أن الرسول قال : (( لا تسبوا أصحابي ... الخ )) لكن في تلك الرواية الصحيحة ترك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الرجل يتفنن في شتم أبي بكر دون أن يذكره بعدم جواز سب صحابته !! وعلى ذلك لا يمكن اعتبار أبي بكر من الصحابة المنهي عن سبهم !!


7 -
ومنه نستخلص أنه ليس كل من رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحصل على مميزات خاصة بل من يحصل على المقام الرفيع هم الصحابة الخلص الذي لم يغيروا ولم يبدلوا ولم ينقلبوا على أعقابهم وامتازوا بحسن الخاتمة وليس أمثال من كان يصيح آخر لحظات حياته (( الويل لعمر ولأم عمر إن لم يغفر الله لي )) حتى توفى وهذه

الكلمات ما زالت على شفتيه كما في مجمع الزوائد !

8 - ثم كيف جاز لأبي بكر أن يتطاول على صحابي بالشتم وهو يعلم بنهي الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عن سب الصحابة ؟!

9 - وإذا كان ما يرويه أهل السنة صحيحاً في قولهم : (( أصحابي كالنجوم بأيهم أقتديتم اهتديتم )) فإن ذلك يعني جواز الشتم - اقتداء بأبي بكر أو شاتمه - لأي من الصحابة المستحقين بأفعالهم وفي ذلك هداية للشاتم !!

10 - ولماذا يصر المتمسلفون على مخالفة الرسول واتباع الشيطان في دفاعهم عن أبي بكر أفيدونا أطال الله أعماركم ...

الآية التي ذكرت بالأمس فقال من يعمل سوء يجز به فما منا أحد يعمل سوء إلا جزى به ، فقال عمر : لبثنا حين نزلت ما ينفعنا طعام ولا شراب ، حتى أنزل الله بعد ذلك ورخص وقال : من يعمل سوء أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيما) انتهى . الدر المنثور للسيوطي  ج 2 ص 227

عن سليمان بن يسار أن رجلاً يقال له صبيغ قدم المدينة فجعل يسأل عن متشابه القرآن فأرسل إليه عمر وقد أعد له عراجين النخل فقال : من أنت ؟ قال أنا عبدالله صبيغ ، فأخذ عمر عرجوناً من تلك العراجين فضربه وقال : أنا عبدالله عمر ، فجعل له ضرباً حتى دمي رأسه ، فقال يا أمير المؤمنين حسبك قد ذهب الذي كنت أجد في رأسي !. سنن الدارمي ج 1 ص 54.

عن نافع مولى عبد الله أن صبيغ العراقي جعل يسأل عن أشياء من القرآن في أجناد المسلمين حتى قدم مصر ، فبعث به عمرو بن العاص الى عمر بن الخطاب فلما أتاه الرسول بالكتاب فقرأه فقال : أين الرجل ؟ فقال في الرحل ، قال عمر أبصر أن يكون ذهب فتصيبك مني به العقوبة الموجعة ! فأتاه به فقال عمر تسأل محدثة !! فأرسل عمر الى رطائب من جريد فضربه بها حتى ترك ظهره دبرة ثم تركه حتى برأ ، ثم عاد له ! ثم تركه حتى برأ ، فدعا به ليعود له !! قال فقال صبيغ : إن كنت تريد قتلي فاقتلني قتلاً جميلاً ، وإن كنت تريد أن تداويني فقد والله برئت !! فأذن له الى أرضه وكتب الى أبي موسى الأشعري أن لا يجالسه أحد من المسلمين ! فاشتد ذلك على الرجل فكتب أبوموسى الى عمر أن قد حسنت توبته ، فكتب عمر أن يأذن للناس بمجالسته !! ) . كنز العمال ج 2 ص 331 .

عن السائب بن يزيد قال : أتى عمر بن الخطاب فقيل : يا أمير المؤمنين إنا لقينا رجلاً يسأل عن تأويل مشكل القرآن ، فقال عمر : اللهم أمكني منه ، فبينما عمر ذات يوم جالس يغدي الناس إذ جاء وعليه ثياب وعمامة صفراء ، حتى إذا فرغ قال يا أميرالمؤمنين ( والذاريات ذرواً فالحاملات وقرا ) فقال عمر أنت هو ، فقام اليه وحسر عن ذراعيه فلم يزل يجلده حتى سقطت عمامته ، فقال : والذي نفس عمر بيده لو وجدتك محلوقاً لضربت رأسك ، ألبسوه ثياباً واحملوه على قتب ، وأخرجوه حتى تقدموا به بلاده ، ثم ليقم خطيب ، ثم يقول : إن صبيغاً ابتغى العلم فأخطأه ، فلم يزل وضيعاً في قومه حتى هلك ، وكان سيد . لااجع : كنز العمال ج 2 ص 510 . كنز العمال ج 11 ص 296. الدر المنثور ج 2 ص 7. ج 3 ص 161 . إكمال الكمال ج 5 ص 221 .

 

عودة