حالة النبي
النفسية والصحية عند الوحي إليه

كانت تنتاب النبي  بعض أعراض مرضية غير واضحة (ينسبها الإسلام إلى الوحي، في حين يرى آخرون أنها ظواهر من أمراض نفسية) مثل الغطيط والرغي والزَّبد، وما إلى ذلك.

وقد نقل لنا السيوطيي أقوالهم في حالة الوحي ( الإتقان 1: 45-46): فصل: وقد ذكر العلماء للوحي كيفيات.

إحداهما: أن يأتيه الملاك في مثل صلصلة الجرس، كما في الصحيح. وفي مسند أحمد عن عبد الله بن عمر: سألت النبي هل تحس بالوحي؟ فقال: أسمع صلاصل ثم اسكت عند ذلك؛ فما روى مرة بوحي إلا ظنت نفسي تقبض...وفي الصحيح ان هذه الحالة أشد حالات الوحي عليه.

الثانية: أن ينفث في روعة الكلام نفثا.

الثالثة: أت يأتيه في صورة الرجل فيكلمه، كما في الصحيح: "وأحيانا يتمثل لي الملاك رجلا فيكلمني فأعي ما يقول". زاد أبو عوانه في صحيحه: "وهو أهونه علي".

الرابعة:ان يأتيه الملاك في النوم.

الخامسة: ان يكلمه الله إما في اليقظة، كما في ليلة الإسراء، أو في النوم كما في حديث معاذ: "أتاني ربي فقال: فيم يختصم الملأ الأعلى...".

وان القران وحي في حالة "البرحاء" و"أل إغماء":  يقول (الإتقان 2): "أما النومي فمن أمثلته سورة الكوثر، اما روى مسلم عن أنس قال: بينا رسول الله بين أظهرنا إذ غفا إغفاءَة، ثم رفع رأسه مبتسما فقلنا: ما أضحكك يا رسول الله: أُنزِل عليَّ آنفا سورة، فقرأ "باسم الله الرحمن الرحيم. إنا أعطيناك الكوثر، فصل لربك وانحر، إن شائنك هو الابتر".

وقال الإمام الرافعي في (أماليه): "فهم فاهمون من الحديث ان السورة نزلت في تلك الإغفاءة، وقالوا: من الوحي ما كان يأتيه في النوم، لأن رؤيا الأنبياء وحي.

قال: وهذا صحيح، لكن الأشبه ان يقال ان القرآن كله نزل في اليقظة...

قال: ورد في بعض الروايات أنه أغمي عليه؛ وقد يُحمل ذلك على الحالة التي كانت تعتريه عند نزول الوحي ويُقال لها: برحاء الوحي. (قُلت) الذي قاله الرافعي في غاية الاتجاه، وهو الذي كنت أميل اليه قبل الوقوف عليه، والتأويل الأخير (حال الإغماء) أصح من الأول (حال النوم) لأن قوله "أنزل عليّ آنفا" يدفع كونها نزلت قبل ذلك.

بل نقول: نزلت في تلك الحالة )الإغماء) ، وليس الاغماء إغفاء نوم، بل الحالة التي كانت تعتريه عند الوحي، فقد ذكر العلماء أنه كان يُؤخذ عن الدنيا". الإتقان 23:1.

يُستدل من ذلك ان محمدا كانت تعتريه حالة الإغماء، ففسروها بحالة صوفية "أنه كان يُؤخذ عن الدنيا" وسموها "برحاء الوحي".

رابعا:  وينقلون عن عائشة في وصف "برحاء الوحي" حديثا قالت: "كان رسول الله إذا نزل عليه الوحي يغط في رأسه، ويتربد وجهه أي يتغير لونه بالجريدة، ويجد بردا في ثناياه، ويعرق حتى يتحدر منه مثل الجمان" الاتقان 46:1.

وينقل الأستاذ دروزة ( القران المجيد ص 22-23: قالت عائشه: (ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فينفصم عنه،وإن جبينه ليتفصد عرقا)...أخبر صفوان بن يعلي: ) فإذا بالنبي محمر الوجه يغط كذلك ساعة)...أخبر زيد بن ثابت (فأنزل الله على رسوله وفخذه على فخذي فثقلت عليّ حتى خفت ان تُرضّ فخذي؛ ثم سُري عنه فانزل الله "غير اولي الضرر".

فما أسموه "برحاء الوحي," وصفه الشهود بانه حالة أغماء ، من أوصافها" "محمر الوجه يغط كذلك ساعة"؛ "يغط في رأسه ويتربد وجهه"؛ "وان جبينه ليتفصد عرقا"؛ "فثقلت فخذه علي حتى خفت أن تُرض فخذي". القران المجيد ص

نعم لقد كانت تنتاب النبي اثناء نزول الوحي اله ، بعض أعراض مرضية غير واضحة (ينسبها الإسلام إلى الوحي، في حين يرى آخرون أنها ظواهر من أمراض نفسية) مثل الغطيط والرغي والزَّبد، وما إلى ذلك. وهذا ما دلت عليه الروايات الصحية .

جاء في الأحاديث الصحيحة أنه إذا نزل عليه الوحي يُغشى عليه لتغيُّره من حالته المعهودة تغيراً شديداً حتى تصير صورته كصورة السكران. وقال علماء المسلمين أنه كان يؤخذ من الدنيا.

عن أسماء بنت عميس: كان محمد إذا نزل عليه الوحي يكاد يُغشى عليه.

وعن أبي هريرة: ·كان محمد إذا نزل عليه الوحي صدع فيغلف رأسه بالحناء  (السيرة النبوية لابن كثير ج1 باب كيفية إتيان الوحي).

وفي مسلم عن أبي هريرة: "كان محمد إذا نزل عليه الوحي لم يستطع أحد منا أن يرفع طرفه إليه حتى ينقضي الوحي" . راجع: النسائي 924.. احمد 24140 . . احمد 24092 . البخاري 2 . ماللك 425. النسائي 925. مسلم 4304.

وعن زيد بن ثابت: كان إذا نزل الوحي على محمد ثقل لذلك. ومرة وقع فخذه على فخذي، فوالله ما وجدت شيئاً أثقل من فخذ محمد  (صحيح البخاري كتاب التفسير باب سورة النساء).

عن ‏ ‏عبادة بن الصامت ‏ ‏قال ‏ كان النبي‏ ‏إذا أنزل عليه الوحي ‏ ‏نكس ‏ ‏رأسه ‏ ‏ونكس ‏ ‏أصحابه رءوسهم فلما ‏ ‏أتلي ‏عنه رفع رأسه  مسلم  4306. مسلم 4305 .

عن ‏ ‏عائشة ‏: ‏أن ‏ ‏الحارث بن هشام ‏ ‏سأل النبي ‏‏كيف يأتيك الوحي فقال ‏ ‏أحيانا يأتيني في مثل ‏ ‏صلصلة ‏ ‏الجرس وهو أشده علي ثم ‏ ‏يفصم ‏ ‏عني وقد وعيته وأحيانا ‏ ‏ملك ‏ ‏في مثل صورة الرجل فأعي ما يقول ‏ مسلم 4304 مسلم 4303.

عن ‏ ‏عائشة ‏أن ‏‏الحارث بن هشام ‏‏سأل رسول الله‏ ‏كيف يأتيك الوحي فقال رسول الله ‏ ‏‏يأتيني في مثل ‏ ‏صلصلة ‏ ‏الجرس وهو أشده علي وأحيانا يتمثل ‏لي ‏الملك ‏‏رجلا ‏ ‏فيكلمني ‏فأعي ‏‏ما يقول قالت ‏‏عائشة ‏ ‏فلقد رأيت رسول الله ينزل عليه الوحي في اليوم ذي البرد الشديد ‏فيفصم ‏ ‏عنه وإن جبينه ‏ليتفصد ‏عرقا‏ ‏قال ‏أبو عيسى ‏هذا ‏‏حديث حسن صحيح ‏  الترمذي 3567 مسند احمد 218. ‏ مسند احمد 6774.

عن ‏عائشة ‏قالت ‏إن كان ‏لينزل ‏‏على رسول الله ‏‏في ‏الغداة ‏‏الباردة ثم تفيض جبهته عرقا ‏ مسلم 4303.

عن ‏ ‏عبد الله بن عمرو ‏ ‏قال : ‏سألت النبي ‏‏فقلت يا رسول الله هل تحس بالوحي فقال رسول الله ‏ ‏‏نعم أسمع ‏ ‏صلاصل ‏ ‏ثم أسكت عند ذلك فما من مرة يوحى إلي إلا ظننت أن نفسي تفيض ‏ مسند احمد 6774.

عن ‏أبا سلمة بن عبد الرحمن ‏ ‏يقول أخبرني ‏ ‏جابر بن عبد الله ‏ ‏أنه ‏ سمع رسول الله ‏‏ ‏يقول ثم ‏ ‏فتر ‏ ‏الوحي عني فترة فبينا أنا أمشي سمعت صوتا من السماء فرفعت بصري قبل السماء فإذا الملك الذي جاءني ‏ ‏بحراء ‏ ‏الآن قاعد على كرسي بين السماء والأرض ‏ ‏فجئثت ‏ ‏منه ‏ ‏فرقا ‏ ‏حتى هويت إلى الأرض فجئت أهلي فقلت ‏ ‏زملوني ‏ ‏زملوني ‏ ‏زملوني ‏ ‏فزملوني ‏ ‏. ‏مسند احمد 13959. احمد14502 .

يسمّي الأطباء هذا الإغماء داء الصرع.  والمرض لا يتنافى والنبوة. لكن من الغريب ان يقرنوا ذلك الداء بحالة الوحي، ويسموه "برحاء الوحي"، وقد بدأ معه في سن الطفولة لمّا كان معه مرضعه، وهو دون الخامسة، وسموا الحادث أسطورة "شق الصدر".

روى ابن اسحق أنه كان يُرقَى من العين وهو بمكة قبل أن ينزل عليه القرآن، فلما نزل عليه القرآن أصابه نحو ما كان يصيبه قبل ذلك. فكان يصيبه قبل نزول القرآن ما يشبه الإغماء بعد حلول الرعدة به وتغميض عينيه وتزبُّد وجهه، أي تغيُّره، وغطيطه كغطيط البَكَر. فقالت له خديجة: "أوجّه إليك من يرقيك" قال: "أما الآن فلا" وقرر علماء المسلمين أن آمنة أم محمد رقَتْهُ من العَيْن. وقيل لما كانت حاملاً به جاءها الملَك وقال لها قولي إذا ولدتيه: أعيذه بالواحد، من شر كل حاسد (سيرة ابن هشام). وقال مفسّرو المسلمين إنه كان لمحمد عدوّ من شياطين الجن يقال له الأبيض، كان يأتيه في صورة جبريل .

إن ما اسموه "برحاء الوحي" كان مرض الإغماء اي داء الصرع الذي اعتراه منذ الصغر.

ولعلهم أخذوا الاسم من الأقدمين الذي كانوا يسمون الصرع "المرض الإلهي". يقول العقاد ( العبقريات الإسلامية - مطلع النور ص 58- دار الآداب بيروت) : كان الغالب على الرائين انهم قوم تملكهم حالة "الوجد" أو "الجذابة" او "الصرع". فيتدفقون بالوعد والوعيد، وينذرون الناس بالويل والثبور، ويقولون كلاما لا يذكرونه وهم مفيقون. فيحسب السامع ان  الوثن المعبود يجري هذا الكلام على ألسنتهم للموعظة والتبصرة. وسمّي الصرع من أجل هذا بالمرض الإلهي في الطب القديم".

والعرب سمّوا صاحب هذا المرض الإلهي مَن "به جنة". فهو في عرفهم "مجنون" اي تسكنه جنة.

والقران ينقل شهادتهم وتفسيرهم البسيط البدائي لداء النبي: أم يقولون" به جنة"(71:23)؛ "إن هو إلا رجل به جنة"(25:23) "أم به جنة"

(8:38). فلا ينكر القران المرض، لكن يرد على تفسيرهم له: ما بصاحبكم من جنة" (46:34)؛ " ما بصاحبهم من جنة"(184 كان العرب يشاهدون إغماء محمد فينسبونه "للجنون" اي به جنة، "ويقولون: انه لمجنون" (51:68)؛ :إنك لمجنون"

(6:15)؛ " وقالوا: مجنون وازدجر"(9:54). وبعضهم شك ما بين السحر "والجنون": "قالوا: ساحر او مجنون" (52:51)؛ "قال ساحر او مجنون"(39:51). وبعضهم خلط بين الشعر و"الجنون": "ويقولون: أإنا تاركوا آلهتنا لشاعر مجنون"(36:37). وبعضهم زاد التعلم من الغير على "الجنون": "وقالوا معلم مجنون" ( 14:44). وبعضهم نسب حاله الى الكهانه أو الجنون (29:52). فيجيبهم دائما بسماحة وحزم: "فذكر فما انت بنعمة ربك بكاهن ولا مجنون"(29:52)؛ " وما انت بنعمة ربك بمجنون"( 2:68)؛ "وما صاحبكم بمجنون"(22:).

فالقران ينفي تفسير حال النبي "بالجنون"، لكنه لا ينفي مرض الاغماء الذي يشاهدون.

ففي تهمة "الجنون" الشعبية دليل على صحة المرض -  وبما ان التهمة متواترة في القران كله، فهي الدليل على ان حالات الصرع رافقت تنزيل سوره.

عودة