4) وحي الواسطة قد ينتج عنه الشك

 

الشك هو خلاف اليقين، مصدره  سوء الظن والارتياب. انها صفة لا يتصف بها الا  من كان فاقد الثقة بنفسه . والشك عكس الايمان القائم  أساسا على التصديق. بمعنى أخر : هل يمكن أن تجتمع النبوة والشك بحال من الأحوال ؟. 

لقد جمع نبي الإسلام  في دعوته ما بين النبوة والشك . انه النبي الشكاك.

لقد كان النبي العربي يعاني من حالة الشك الشديد الاستفحال، الذي صاحبه منذ صباه وحتى مماته في جميع شؤون دينه ودنياه ، وفي قضاياه العامة والخاصة، الروحانية والمادية قبل وبعد بعثته.

هذا ما يؤكده لنا الواقع القرآني الذي لم يسلم من الشك النبوي . وهذا أيضا ما تؤكده لنا الأحاديث النبوية الشريفة  .

جاء في سورة هود (  فلا تكن في مريه منه إنه الحق من ربك) هود1. (المرية الشك) .

(لقد جاءك الحق من ربك فلا تكن من الممترين) يونس94.

( أنه منزل من ربك بالحق فلا تكونن من الممترين")أنعام114.

(الحق من ربك فلا تكونن من الممترين به) البقرة47 - أي من الشكاكين.

نزلت  سورة البقرة في المدينة . أي بعد ما يقارب أربعة عشر سنة من بدء رسالة محمد .

ولا زال الله يعاتبه ويقول له : انه (الحق من ربك فلا تكونن من الممترين به) ..

كلها شواهد صحيحة تبين بشكل لا ريب فيه حالة شك نبي الإسلام الشديدة والمستعصية .

جاء في سورة يونس : (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ) يونس 94-9.

أكان محمد يشك في  خبر الله  له ؟  حتى قيل له : ان كنت في شك مما أنزلنا إليك؟

ركون النبي للمشركين وإن كان قليلاً،  هو  سبب  شكه صلوات الله عليه في وحيه النازل عليه من السماء،  بواسطة ساعي بريد السماء جبريل عليه افضل السلام .

حالة الشك النبوية المستفحلة والمستحكمة ي نفس النبي صلوات الله عليه وسلم ،  كانت  توقع النبي في أزمات نفسية صعبة.

(ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين واعبد ربك حتى يأتيك اليقين) حجر97-99. ألم  يأت النبي اليقين بعد ؟ .

 

حالة الشك قد صاحبة النبي منذ بداية بعثته وحتى مماته .

عن السيرة النبوية : قال محمد لخديجة ( لقد خشيت على نفسي) قالت خديجة: كلا؛ والله لا يخزيك الله أبدا

روى ابن اسحق أنه كان يُرقَى من العين وهو بمكة قبل أن ينزل عليه القرآن، فلما نزل عليه القرآن أصابه نحو ما كان يصيبه قبل ذلك. فكان يصيبه قبل نزول القرآن ما يشبه الإغماء بعد حلول الرعدة به وتغميض عينيه وتزبُّد وجهه، أي تغيُّره، وغطيطه كغطيط البَكَر. فقالت له خديجة: "أوجّه إليك من يرقيك" قال: "أما الآن فلا" وقرر علماء المسلمين أن آمنة أم محمد رقَتْهُ من العَيْن. وقيل لما كانت حاملاً به جاءها الملَك وقال لها قولي إذا ولدتيه: أعيذه بالواحد، من شر كل حاسد (سيرة ابن هشام).

في السيرة المكية (على هامش السيرة الحلبيه 1: 183): "جاء في بعض الروايات ان خديجه، قبل ان تذهب به (محمد) الى ورقة، ذهبت به الى عداس، وكان نصرانيا من أهل نينوى...وعداس هذا كان راهبا.  وكان شيخا كبير السن، وقد وقع حاجباه على عينيه من الكبر وهو غير عداس غلام عتبه بن ربيعة الذي اجتمع بالنبي ص في الطائف...يروى أنه قال لها حين أخبرته بالخبر: يا خديجه إن الشيطان ربما عرض للعبد فأراه أمورا. فخذي كتابي هذا وانطلقي به ال  ى صاحبك: فإن كان مجنونا فإنه سيذهب عنه؛ وان كان من الله فلن يضره. فانطلقت بالكتاب معها". وتنقل السيرة الحلبيه (1: 267)

وفي رواية أحرى : فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى ابن عم خديجة وكان امرأ فد تنصر في الجاهلية وكان يكتب الكتاب العبراني فيكتب من الإنجيل ما شاء الله أن يكتب وكان شيخا كبيرا قد عمى فقالت له خديجة يا ابن العم اسمع من ابن أخيك فقال له ورقة يا ابن أخي ماذا ترى فاخبره رسول الله خبر ما رأى فقال له ورقة هذا الناموس الذي نزل الله على موسى .......)) البخاري باب بدء الوحي ح3 , ح6467 كتاب التعبير , ح4572 كتاب تفسير القران ,ح 3141 كتاب أحاديث الأنبياء .

في هذه الرواية إثبات ان الرسول كان يشك في سلامة قواه العقلية بينما كانت السيدة خديجة اربط منه جأشاً وأقوى منه قلباً .

ورد عن اسماعيل بن أبي حكيم مولى الزبير، أنه حدّث عن خديجة، إنها قالت لمحمد: أتستطيع أن تخبرني بصاحبك هذا الذي يأتيك إذا جاءك؟ قال: نعم. فجاءه جبريل، فقال لها محمد: يا خديجة هذا جبريل قد جاءني . قالت: قم يا ابن عم فاجلس على فخذي . فقام فجلس على فخذها. فقالت: هل تراه؟ قال: نعم. قالت: فتحوَّل فاجلس في حجري. فتحوّل محمد فجلس في حجرها. قالت: هل تراه؟ قال: نعم. فألقت خِمارها، ومحمد جالس في حجرها، ثم قالت: هل تراه؟ قال: لا. قالت: يا ابن عم اثبُت وابشِر، فوالله إنه لملاك وما هذا بشيطان (السيرة النبوية ابن كثير باب كيفية إتيان الوحي). راجع السيرة النبوية لابن هشام 1/256

قال علماؤهم إن خديجة أزالت غطاء رأسها لتعلم هل هذا جبريل الذي كان يأتي الأنبياء قبله، أو هل هو الإغماء الناشيء عن لِمَّة الجن، فيكون محمد من الكهّان لا من الأنبياء. وقال محمد بسببه لخديجة: "لقد خشيتُ على نفسي" وقد أجمع علماؤهم على أنه كان يعتريه الإغماء وهو بمكة قبل أن ينزل عليه القرآن، كما كان يعتريه عند نزول الوحي عليه. فبسبب إزالتها غطاء رأسها عنها اختفى، فلم يعُدْ إلى أن أعادت غطاء رأسها عليه.

فاستنتجت أن ما يعرض له هو الوحي، لأنّ الملاك لا يرى رأس المرأة المكشوف، بخلاف الجن! وهو استنتاج غريب انفرد به الإسلام ونبيه .

سؤال : هل ترَّبتْ خديجة بين الأنبياء، أو هل كان في عشيرتها نبيٌّ، تعتريه مثل هذه الحالة، فتقيس عليها حالة محمد؟

ألم تجد زوجة المصطفى وام المؤمنين رضى الله عنها ، طريقة افضل لمعرفة حقيقة شخصية جبريل غير طريقة عرض الأفخاذ وحسر الرأس والجلوس في الحجر؟؟.

لم يرد ان زوجة أحد الأنبياء الصادقين قد أجلست زوجها في حجرها لكي تثبت له صحة وحيه .

هل أجلست سارة ابراهيم على فخذها لكي تؤكد له صدق الوحي كم فعلت خديجة مع محمد ؟؟.

عن عائشة أُمّ المؤمنين انّها قالت: أول مابدىء به رسول الله من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم... فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل... . صحيح البخاري 1: رقم 3 كتاب بدء الوحي .

اقول: هلموا و انظروا قسا نصرانياً يعلم النبي ويؤكد له وحيه . والنبي لا يعلم!!! .

النبي لم يطمئن بتعينه رسولاً، وكأن الله لم يقدر على طمئنت وتفهيم رسوله .

القس النصراني عرف الملك (جبريل) والنبي الذي ظهر له جبريل لم يعرفهّّ ، بل كان يخشى على نفسه!! . كيف يفهم النبي نبوته بقول زوجته وبقول رجل نصراني اعمى دون وحي منزّل من الله سبحانه وتعالى . انظر ايها المسلم ممن تأخذ دينك ؟ !! .

فمن هذه الروايات نجد أن ورقة بن نوفل الإنسان العادي اعلم من الرسول في أمور الوحي كما نجد إن الرسول اطمأن بكلام ورقة وهذا يعني إن إطمئنان النبي  بالنبوة كان ببركة يقين ورقة بالنبوة ولا ندري كيف يمكن الاطمئنان بقول شخص واحد في إثبات إن الذي رآه النبي هو الوحي . خصوصا والقران لا يذكر  لمحمد اتصالا بملاك الوحي سوى مرة واحدة ، على نزلتين ، في رؤيا غار حراء ، كما يصف ذلك في هذه الرباعيات : وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى  مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى  وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى  عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى . النجم 1-1.

قال مفسّرو المسلمين إنه كان لمحمد عدوّ من شياطين الجن يقال له الأبيض، كان يأتيه في صورة جبريل .

واعترض بعضهم بأن هذا يعني عدم الوثوق بالوحي (وهو اعتراض في محله). ولكنهم أجابوا عن ذلك بأن الله جعل في محمد عِلماً ضرورياً يميّز به بين جبريل وبين هذا الشيطان. قالوا: ولعل هذا الشيطان غَيْر قرينه الذي أسلم ، كما جاء في الحدبث .

وفي كلام ابن العماد: وشيطان الأنبياء يُسمَّى الأبيض. قالوا: وهذا الشيطان هو الذي أغوى صيصا الراهب العابد بعد عبادته 500 سنة، وقيل 70 سنة. وهو المعنيُّ بقوله في القرآن: "كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ للإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ" (سورة الحشر 59: 16).

وقال الخازن: إن الشيطان المُسمَّى الأبيض تصدّى لمحمد وجاءه في صورة جبريل ليوسوس إليه على وجه الوحي، فلحقه جبريل فدفعه إلى أقصى الهند (الرازي في تفسيره للحج 22: 52 ، وتفسيره للتكوير 81: 20  .

لم يرد في كتاب الله أن نبياً كان له قرينٌ من الجنّ أو شيطان من الشياطين، فإن الشيطان لا يكون قريناً إلا لمن خلا من النعمة الإلهية! وهذا ما اكده القران الكريم بقوله تعالى : (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين) الحجر: 42 .

وفي سورة النحل: الآية: 99 - 100 (إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون، إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون) .

هناك حادثة غريبة وخطير سجلتها لنا كتب الصحاح .الا وهي محاولات انتحار النبي المتكررة ، بعد ان فتر عنه الوحي ، بعد موت مرشده الروحي قس مكة ووكيل زواجه من خديجة ورقة بن نوفل .

كما فتر الوحي عن محمد لفترة  ثلاث سنوات . فأصاب محمد فيها الحزن والاكتئاب الشديد، غدا منه مراراً كي يتردى من رءوس شواهق الجبال.

عن البخاري قال: فتر الوحي حتى حزن النبي فيما بلغنا حزناً غدا منه مراراً كي يتردى من رءوس شواهق الجبال، فكلما أوفى بذروة جبل لكي يلقي نفسه تبدى له جبريل فقال: يا محمد انك رسول الله حقاً فيسكن لذلك جأشه وتقر نفسه فيرجع.  راجع السيرة النبوية لابن كثير 1/412 مسند احمد

26712  .

فتر الوحي حتى حزن النبي فيما بلغنا حزناً غدا منه مراراً كي يتردى من رؤوس شواهق الجبال ، فكلما أوفي بذروة جبل لكي يلقي منه نفسه تبدى له جبريل فقال : يا محمد إنك رسول الله حقاً ، فيسكن لذلك جأشه وتقر عينه فيرجع ، فإذا طالت عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك ، فإذا أوفي بذروة جبل تبدى له جبريل فقال له مثل ذلك !! كتاب البخاري
ج 2 ص 208 .
ما بين بدء الدعوة وبين وفاة ورقة بن نوفل وفتور الوحي عن محمد ما يقارب من ست الى تسع سنوات . مع هذا لم تكن هذه المدة كافية لكي يطمئن محمد على صدق بعثته

لنتأمل قليلا في هذه الحادثة الضخمة، فخاتم الأنبياء والمرسلين قد وصل به اليأس من رحمة الله إلى حد كبير  جعله يقرر قتل نفسه رميا من ذروة جبل عال. يا له من يأس عميق استولى على نفس هذا النبي المسكين، حتى أنه لم يعد يرى فائدة من حياته، فأراد أن يضع لها نهاية سريعة.

وإن كان هذا قد حدث مرة قد يقول البعض أنها كانت نزوة عابرة بسبب اليأس القاتل، ولكن للأسف كررها المصطفى أكثر من مرة، بالرغم من محاولة الروح الذي ظهر له  لطمأنته ورده عن قراره المشئوم.

ولك أن تتخيل القصد والنية والعزم على الانتحار، فالإنسان يستغرق وقتا طويلا حتى يصل إلى ذروة الجبل، فهل في الطريق لم يراجع نفسه ويستغفر ربه ويعود إلى صوابه؟

تخيلوا معي لو أن كل مسلم يواجه مشاكل هذه الحياة أن يتخذ خاتم المرسلين وتصرفه هذا كمثال؟ . لم نسمع عن أحد من أنبياء الله أنه شرع في الانتحار يائسا من رحمة الله ولطفه. وها هو أيوب الذي فقد كل شيء يقول أنه مازال متمسكا بالله مهما صار له، لذلك مدحه الله وذكره الكتاب المقدس كمثال يُحتذى به في كل العصور. فهل مقام محمد عليه الصلاة والسلام أدنى من مقام أيوب الصدّيق؟ وما فعله أيوب قبله بمئات السنين فشل محمد في عمله وهو الذي يقول عنه الإسلام أنه أفضل المُرسلين! .

عودة