الله والشر والمصير

مقدمة

الأرواح الشريرة

الخطئية: تحديدها وأنواعها

مفهوم الخطئية الجدّية

الخطئية و التوبة و الاعتراف

موقف الله من الخطئية

ما معنى الفـداء؟

الدينونة و المصير

صـلاتنا ومصـير الراقـدين

طبيعـة اليوم الأخير

حمل هذا الكتاب

عودة للرئيسية

الفصل الثالث

الخطئية: تحديدها وأنواعها

ما هو تحديد الخطيئة؟

سنبدأ باستعراض مفاهيم عن الخطيئة تبدو لنا ناقصة ومجترأة, علّ ذلك يكون بمثابة تمهيد لتحديد الخطيئة لأقرب إلى الأصالة والشمول...

أولاً: مفاهيم ناقصة عن الخطيئة:

هناك مفاهيم عن الخطيئة شائعة بين الناس, ولكن يبدو لنا أن هذه المفاهيم تخفق فى الإحاطة بجوهر الخطيئة لأنها تتناولها بشكل ناقص ومجتزأ ....

ومن هذه المفاهيم:

          1ـ تحديد الخطيئة كمخالفة للشريعة:

صحيح أن مخالفة الشريعة الإلهية مؤشر للخطيئة ...

كون هذه الخالفة, إذا وقعت, تشير إلى إنقطاع حاصل بين الإنسان وصاحب الشريعة ...

يبقى أن هذه المخالفة لا تكفى على الاطلاق لتحديد جوهر الخطيئة ...

وذلك للاعتبارات التالية:

*      أ ـ لأن علاقة الله بالإنسان أبعد وأعمق بكثير من علاقة سيد يحاسب عبيده على قوانين فَرَضَ عليهم تنفيذها ...

إنها علاقة صميمة تفترض تحولاً كيانيًا فى ذات الإنسان واتصالاً حميمًا بينه وبين ربه ...

فلا بدّ بالتالى من تحديد للخطيئة يأخذ بعين الاعتبار تلك العلاقة الصميمة التى يفترض أن تقوم بين الله والإنسان, ومقتضياتها , وموقع الإنسان منها ...

لقد قال الله على لسان النبى هوشع الذى عاش فى القرن الثامن قبل الميلاد: [ إِنِّي أُرِيدُ رَحْمَةً لاَ ذَبِيحَةً وَمَعْرِفَةَ اَلْلَّهِ أَكْثَرَ مِنْ مُحْرَقَاتٍ  ] [ هوشع 6:6] ...

والمقصود أن الأهم بنظر الله من التقيد بأوامره من حيث تقديم الذبائح والمحرقات, إنما هو تحول الإنسان إلى " معرفة الله" , أى , بلغة هوشع النبى, إلى علاقة المحبة والألفة معه, بحيث يتجلى هذا التحوّل فى سلوك الإنسان, " رحمة لأخيه"...

وقد أكد الرب يسوع هذا التعليم الذى ورد فى نبوءة هوشع واستشهد به مرتين كما ورد فى إنجيل متى:

[ فَاذْهَبُوا وَتَعَلَّمُوا مَا هُوَ: إِنِّي أُرِيدُ رَحْمَةً لاَ ذَبِيحَةً لأَنِّي لَمْ آتِ لأَدْعُوَ أَبْرَاراً بَلْ خُطَاةً إِلَى اَلتَّوْبَةِ ] [ متى 9: 13 ] و

[ فَلَوْ عَلِمْتُمْ مَا هُوَ: إِنِّي أُرِيدُ رَحْمَةً لاَ ذَبِيحَةً لَمَا حَكَمْتُمْ عَلَى اَلأَبْرِيَاءِ ] [ متى 12: 7 ]...

 

*    ب ـ لأن الخطيئة قد تتواجد مع تتميم دقيق للشرائع الإلهية ...

ذلك أن الإنسان قد يتوهم أنه استنفد البرّ من جراء تتميمه ظاهر الشريعة بحذافيره, فيكتفى بذاته وينطوى على برّه المزعوم ويصبح من حيث لا يدرى عابدًا لنفسه, مستغنيصا عن الله, بينما هو يتصور أنه شديد الغيرة على الدين, بالغ الحرص على إطاعة شرائعه...

وينعكس هذا الانقطاع الفعلى عن الله, المتستر وراء نقيضه الظاهرىّ, فى علاقات هذا الإنسان بالآخرين التى تصبح خير مؤشر لزيف موقفه الروحى...

ذلك أنه يستعلى على الناس ويحتقرهم وينبذهم عوض أن يرى فيهم أبناء لله مثله جديرين, بهذه الصفة, بكل اهتمام واحترام ورعاية رغم كل ما يشوب سلوكهم من مساوئ...

تلك هى " خطية البار" التى تعتبر بحق ذروة الخطيئة لأنها تتخذ من الله نفسه ذريعة للانغلاق الفعلى دونه...

وهى التى أدّت إلى الصراع المرير بين يسوع المسيح وبين الذين كانوا فى عهده غلاة المحافظة على الشريعة, ألا وهم الفريسيون...

          2ـ تحديد الخطيئة كتدنيس الإنسان لنفسه بارتكاب المحرمات:

مفهوم ناقص آخر للخطيئة... شبيه بالأول ومرتبط به ... هو تحديد الخطيئة على أنها تدنيس الإنسان لنفسه من جراء ارتكاب المحرمات ...

صحيح أن الخطيئة هى, بمعنى من المعانى, دنس يلحق بالإنسان... لأنها تشويه لنقاوته ... خاصة إذا أخذنا " النقاوة" بمعنى " الأصالة" ...

ولكن المفهوم الذى نحن بصدده لا يكفى, مع ذلك, للإحاطة بطبيعة الخطيئة, وذلك للاعتبارات التالية:

 

*    أ ـ لأننا تعلمنا من الرب يسوع المسيح أن بعض ما كان محرمًا فى العهد القديم ...

والمرتبط بتصنيف الأشياء ( كالأطعمة والوظائف الجسدية وغير ذلك ) إلى طاهرة أو نجسة, لا علاقة له بجوهر علاقة الإنسان بربه, وبالتالى بجوهر الخطيئة, وأن ما يدنس الإنسان فعلاً ليس ما يحصل فى جسده أو ما يتصل به من أشياء, بل إرادته الشريرة النابعة من قلبه أى من صميم كيانه:

[ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ خَارِجِ اَلإِنْسَانِ إِذَا دَخَلَ فِيهِ يَقْدِرُ أَنْ يُنَجِّسَهُ لَكِنَّ اَلأَشْيَاءَ اَلَّتِي تَخْرُجُ مِنْهُ هِيَ اَلَّتِي تُنَجِّسُ اَلإِنْسَانَ...  لأَنَّهُ مِنَ اَلدَّاخِلِ مِنْ قُلُوبِ اَلنَّاسِ تَخْرُجُ اَلأَفْكَارُ اَلشِّرِّيرَةُ: زِنىً فِسْقٌ قَتْلٌ  سِرْقَةٌ طَمَعٌ خُبْثٌ مَكْرٌ عَهَارَةٌ عَيْنٌ شِرِّيرَةٌ تَجْدِيفٌ كِبْرِيَاءُ جَهْلٌ.  جَمِيعُ هَذِهِ اَلشُّرُورِ تَخْرُجُ مِنَ اَلدَّاخِلِ وَتُنَجِّسُ اَلإِنْسَانَ  ] [ مرقس 7: 15, 21 ]...

 

ب ـ لأن تحديد الخطيءة كدنس يركّز على طهارة الإنسان الذاتية ...

وبالتالى على فرديته ...

بينما الأهم هو نوعية علاقته بالآخر...

فقد يهمل افنسان سواه بداعى تجنب المحرمات, وهو ما وبخ عليه الرب يسوع الكتبة والفريسيين عندما عارضوا شفاء الرجل ذى اليد اليابسة يوم السبت:

[ ثُمَّ دَخَلَ أَيْضاً إِلَى اَلْمَجْمَعِ وَكَانَ هُنَاكَ رَجُلٌ يَدُهُ يَابِسَةٌ. فَصَارُوا يُرَاقِبُونَهُ: هَلْ يَشْفِيهِ فِي اَلسَّبْتِ؟ لِكَيْ يَشْتَكُوا عَلَيْهِ. فَقَالَ لِلرَّجُلِ اَلَّذِي لَهُ اَلْيَدُ اَلْيَابِسَةُ: { قُمْ فِي اَلْوَسَطِ! } ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: { هَلْ يَحِلُّ فِي اَلسَّبْتِ فِعْلُ اَلْخَيْرِ أَوْ فِعْلُ اَلشَّرِّ؟ تَخْلِيصُ نَفْسٍ أَوْ قَتْلٌ؟ }.فَسَكَتُوا. فَنَظَرَ حَوْلَهُ إِلَيْهِمْ بِغَضَبٍ حَزِيناً عَلَى غِلاَظَةِ قُلُوبِهِمْ وَقَالَ لِلرَّجُلِ: { مُدَّ يَدَكَ }. فَمَدَّهَا فَعَادَتْ يَدُهُ صَحِيحَةً كَالأُخْرَى. فَخَرَجَ اَلْفَرِّيسِيُّونَ لِلْوَقْتِ مَعَ اَلْهِيرُودُسِيِّينَ وَتَشَاوَرُوا عَلَيْهِ لِكَيْ يُهْلِكُوهُ ] [ مرقس 3: 1ـ 6] و..

[وَفِي سَبْتٍ آخَرَ دَخَلَ اَلْمَجْمَعَ وَصَارَ يُعَلِّمُ. وَكَانَ هُنَاكَ رَجُلٌ يَدُهُ اَلْيُمْنَى يَابِسَةٌ  وَكَانَ اَلْكَتَبَةُ وَاَلْفَرِّيسِيُّونَ يُرَاقِبُونَهُ: هَلْ يَشْفِي فِي اَلسَّبْتِ لِكَيْ يَجِدُوا عَلَيْهِ شِكَايَةً. أَمَّا هُوَ فَعَلِمَ أَفْكَارَهُمْ وَقَالَ لِلرَّجُلِ اَلَّذِي يَدُهُ يَابِسَةٌ: { قُمْ وَقِفْ فِي اَلْوَسَطِ }. فَقَامَ وَوَقَفَ. ثُمَّ قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: { أَسْأَلُكُمْ شَيْئاً: هَلْ يَحِلُّ فِي اَلسَّبْتِ فِعْلُ اَلْخَيْرِ أَوْ فِعْلُ اَلشَّرِّ؟ تَخْلِيصُ نَفْسٍ أَوْ إِهْلاَكُهَا؟ }.ثُمَّ نَظَرَ حَوْلَهُ إِلَى جَمِيعِهِمْ وَقَالَ لِلرَّجُلِ: { مُدَّ يَدَكَ }. فَفَعَلَ هَكَذَا. فَعَادَتْ يَدُهُ صَحِيحَةً كَالأُخْرَى. فَامْتَلأُوا حُمْقاً وَصَارُوا يَتَكَلَمُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ: مَاذَا يَفْعَلُونَ بِيَسُوعَ؟  ] [ لوقا 6: 6ـ 11]...

وقد يرتكب الإنسان مظالم فادحة وهو متوهم بأنه طاهر لمجرد تقيده بظاهر التحريمات الشرعية...

على شاكلة الكتبة والفريسيين الذين شبههم الرب يسوع بـالقبور المبيضة المكلسة:  [ وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ لأَنَّكُمْ تُشْبِهُونَ قُبُوراً مُبَيَّضَةً تَظْهَرُ مِنْ خَارِجٍ جَمِيلَةً وَهِيَ مِنْ دَاخِلٍ مَمْلُوءَةٌ عِظَامَ أَمْوَاتٍ وَكُلَّ نَجَاسَةٍ. ] [ متى 23: 27 ]...

وأخذ عليهم أنهم: [ وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ لأَنَّكُمْ تُنَقُّونَ خَارِجَ الْكَأْسِ وَالصَّحْفَةِ وَهُمَا مِنْ دَاخِلٍ مَمْلُوآنِ اخْتِطَافاً وَدَعَارَةً!  ] [ متى 23: 25 ]...

هؤلاء الذين, إذ كانوا فى طريق اقترافهم جريمة نكراء بتسليمهم الرب يسوع للموت ظلمًا, كانوا إلى ذلك متشبثين بالطهارة الناموسية ولذا :

[ ... َلَمْ يَدْخُلُوا هُمْ إِلَى دَارِ اَلْوِلاَيَةِ لِكَيْ لاَ يَتَنَجَّسُوا فَيَأْكُلُونَ اَلْفِصْحَ  ] [ يوحنا 18: 28 ]...

من هنا يتضح أن الرب  يسوع قد قسا على خطايا تحكم شهوة المال وشهوة التسلط بالإنسان...

لأن هاتين الشهوتين تغلقان قلب الإنسان دون سواه وتنتزعان الرحمة من نفسه ...

أما خطيئة الجنس, فتكمن فى نظر الرب يسوع, لا فى اللذة الجسدية, كما لو كانت هذه اللذة دنسة بحدّ ذاتها, بل فى غعتبار الآخر مجرد أداة للمتعة, وبالتالى فى تشييئه...

من هنا أن جوهر خطيئة الجنس فى نظر الرب يسوع, إنما هو كامن فى نظرة إلى الآخر تجرّده من إنسانيته لتختزله مجرد موضوع شهوة وذرية للذة, أنه بعبارة أخرى, يكمن فى نظرة استعبادية إلى الآخر...

هذا هو معنى العبارة الإنجيلية:

[ إِنَّ كُلَّ مَنْ يَنْظُرُ إِلَى إمْرَأَةٍ لِيَشْتَهِيَهَا فَقَدْ زَنَى بِهَا فِي قَلْبِهِ ] [ متى 5: 28 ]...

 

**************

 

ثانيًا: تحديد الخطيئة من منظار إنجيلى:

      

1ـ الخطيئة مرتبطة بخبرة العلاقة بالله:

جوهر الخطيئة هى فى كونها اضطـراب فى عـلاقة الإنسان بالله...

من هنا أن لا معنى للخطـيئة إذا لم تُختـبر فى سيـاق تلك العـلاقة ...

قد يخـالف المـرء شرائع وقوانيـن, وقد يعصى أوامـر مـن لهـم حـق السلطة عليه...

وقد يشعر بأنه مـن جـراء ذلك مـذنب...

ولكن الشعور بالـذنب يخـتلف نوعيًا عن الشعور بالخطيئة...

فالذنب لا يتحول إلى خطـيئة إلا إذا شعـر المـرء أنه مـذنب حيـال الله وأنه ارتـكـب الشـر أمامه...

أى أن ذنبه ليس مجـرد مخـالفـة لقـاعـدة يـراهـا واجبـة, أو لسُلطـة يعتـبرها مشروعة, أو حتى لقيـمة يؤمـن بها ( كالعدالة أو الصدق أو ما شابه ذلك ), إنمـا هو أبعـد من ذلك, إساءة إلى العـلاقة التى تربطـه بكائـن هو أصـل وجـوده ومرجـع هذا الـوجـود...

ومن جهة أخرى, فقد يخالف المرء سلطة العائلة أو العشيرة أو الحكام أو حتى المؤسسة الدينية عينها, إذا أمره هؤلاء بما هو مناف لإرادة الله, وقد يعتريه, من جراء ذلك, شعور بالذنب بفعل ما انطبع فى نفسيته من تشريط تربوى واجتماعى, لكنه, مع ذلك لا يعتريه شعور بالخطيئة, لأنه مقتنع بأنه حافظ على علاقته بالله سليمة عبر ما أقدم عليه من مخالفة, إذ:

[ يَنْبَغِي أَنْ يُطَاعَ اَللهُ أَكْثَرَ مِنَ اَلنَّاسِ  ] [ اعمال الرسل 5: 29 ].

يتضح مما سبق أن الخطيئة مفهوم دينى فى الأساس,

يتعدى المفهوم الأخلاقى أو الاجتماعى الذى يرتبط به مجرد الذنب..

 

**************

 

2ـ الخطيئة تغرّب عن حضور الله:

 

ولا يكتمل معنى الخطيئة ـ على الأقـل فى منظـار الإيمان المسيحى ـ إلا إذا شعر المرء أنه مخـطئ لا لمجرد كـونه قد عصى إرادة الله, وكأنه لمجرد هذا العصيان قد أسخط إلهًا متسلطًا لا يحتـمل أية مخالفـة لأوامـره ونواهيـه ويطـالب الإنسان بالخـضوع كغاية بحد ذاتـه وكشرط لا بـدّ منه للحصول على رضاه, وكأن الاستقـلال من حيث هو, إجـرام بحـق هذا الإله يستوجب مرتكبه العقاب...

 

خلافًا لهذه الصورة التى تعـكس وتخلـّد فى التدين موقف الطفل الصغير من والديه, فالخـطيئة بمفهـومها الإنجيـلى, جـوهـرها لا العـصيان بحـد ذاته, إنما ما يعـبّر عنه هذا العـصيان من تغـرّب المـرء عن حضـور الله, من نـبذ للألفـة التى أرادها الله بينـه وبيـن النـاس لكى يحيـوا به ويفـرحوا ولكـى يفـرح بفرحهم وحيـاتهم والتعـامل معهم...

 

الخطيئة هى إذًا فى الأساس أن يتوارى الإنسان عن الله كمـا توارى آدم عـن خالقه بين أشجار الفـردوس فيمـا كـان الله ينـاديه قائلاً :

[ وَسَمِعَا صَوْتَ اَلرَّبِّ اَلإِلَهِ مَاشِياً فِي اَلْجَنَّةِ عِنْدَ هُبُوبِ رِيحِ اَلنَّهَارِ فَاخْتَبَأَ آدَمُ وَاِمْرَأَتُهُ مِنْ وَجْهِ اَلرَّبِّ اَلإِلَهِ فِي وَسَطِ شَجَرِ اَلْجَنَّةِ. فَنَادَى اَلرَّبُّ اَلإِلَهُ آدَمَ: «أَيْنَ أَنْتَ؟»  ] [ تكوين 3: 8, 9 ].

هى أن يرفض أن يكون محبـوبـًا من الله كما رفض الابن " الشاطر" أن ينعم بحب أبيه " فشطر" مصـيره عن مصـير ذاك...

من هنا تأكيد الأب " بول فرغيـز" وهو لاهـوتى من الكنيسة السريانية الأورثوذكسية فى الهند, بأن:

" الخطيئة هى ما يحـول دون الولوج إلـى حضـرة الله ..." ...

من هنـا أيضـًا قول اللاهـوتى الأورثوذكسى " بول  أفدوكيموف" أن:

" خطـيئة الإنسان لا تكمـن فـى وجهـها السلبىّ الذى هو المخـالـفة والعـصيان,

بقـدر مـا تكـمن فى وجهـها الإيجـابى ألا وهو

 إمتـناع الإنسان عـن الاغتـناء بقـرب الله منه"...

 

**************

 

3ـ الخطيئة تقوقع على الذات:

هنـا لا بـدّ أن يتبـادر إلى الذهـن هـذا السؤال:

لمـاذا يتغـرّب الإنسان عـن الله ويتـوارى عـن حبـه؟...

الجـواب هـو:

أن الإنسان يرفـض بأن يكـون محبـوبًا لأنـه يتوهـم أنـه إذا رضـى بأن يتـلقى حـب الله وأن يتفـاعل مع هـذا الحب, فقـد استقلاله...

ذلك أن كـل مـن يتقـبل أن يدخـل فى عـلاقة حبيـة, على اختلاف أنواعهـا, لا بدّ له من اعتبار الآخـر الذى تربطـه به هـذه العـلاقة, مرجعـًا له وقطـبًا لوجـوده...

لـذا فقـد يهـرب الإنسان مـن الحب كـى يتـسنى له أن يبـقى المرجـع الوحيـد لنفسه والقطب الأوحـد لوجـوده, وبالأحـرى إذا كـان الأمـر يتعـلق بكائن لا بـدّ لنـا, إذا تجاوبنا مع حبـه, أن نعتبره ألِفنـا وياءنا وأن نسلم إليـه ذواتـنا فى أعمـق أعماقـها...

تلك هى قصـة الإنسان مـع ربـه عندمـا يحتمى من حبـه ليتشبث لا بوجـوده ـ فالله لا ينتـزع منـه الوجود ـ بل بمـلكيته هـذا الوجـود...

فاخطيئة, كمـا يحددهـا الفيلسوف الوجودى المسيحى " غبريال مارسيل", إنما:

" هى فى الأساس فعـل  الانغلاق عـلى الـذات  أى  اتخـاذ  الذات  مركـزًا"...

الخطيئة تتخـذ من الذات

 ( سواء أكانت الذات الفـردية أو الـذات الحمـاعية: العشيرة, الطائفة, الأمـة .. إلخ )

مرجعـًا مطلقـًا دون الله...

إنـها بهـذا المعـنى, تعبـّد للـذات عـوض التعبـّد لله,

ولـذا فقـد نعتهـا الكتاب المقدس تكـرارًا بالصنميـة...

الخطيئة إكتفـاء بالـذات دون الله,

إنهـا انعـزال فى حـدود الذات ورفـض تجاوزها إلى رحـاب الله اللامتناهـية...

 

إنهـا إلحـاد عمـلى, أى رفض وجودىّ بأن يكون الله إلهى أى مرجعى المطلق, وإن كنت أعترف بالله نظريـًا وذهنيـًا...

 

ولأن الخطيئة انغـلاق على الـذات وأهـوائهـا, فقـد شبهها الكتاب المقـدس بالخيـانة الزوجيـة ووصفـها بأنها زنـى وبغـاء...

ذلك أن كتاب الله, بـدءًا من نبـوة هـوشع, ومـرورًا بأرميـا وحـزقيـال وأشـعيـاء ونشيـد الأنشاد, ووصولاً إلى أمثال الرب يسوع ورسائل بولس ورؤيـا يوحنـا, قد شبّه علاقة الله بالإنسان بحب زوجى وغيور طالمـا بادلـه الإنسان, فـردًا وجماعة, بالجحـود والخيـانة, جانحـًا بالخطيـئة إلى الاسترسال فى أهـوائه والتعبّـد له...

 

من هنا نداء الأنبيـاء المُلِـحّ إلى العـودة بالتـوبة إلى الحب الإلهـى وتجـديـد عهـد الوفـاء له...

 

**************

 

4ـ الخطيئة انقطاع عن الآخرين:

ومن حيث هى انقطاع عن الله, فالخطيئة انقطاع عن الآخرين أيضـًا...

ذلك أن تغـرّب الإنسان عـن الله يعطّـل التجانس القائم بينه وبين ربّـه, تلك الصورة افلهية التى بموجبها خُلق الإنسان كما يقول الكتاب المقدس:

[  فَخَلَقَ اَللهُ اَلإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ اَللهِ خَلَقَهُ. ذَكَراً وَأُنْثَى خَلَقَهُمْ  ] [ التكوين 1: 27 ]...

فالله بطبيعته, كما تكشّف لنا فى يسوع المسيح, [مَحَبَّة ] [ 1 يوحنا 4: 8]  تقترن فيها الوحدة الكاملة بالتمايز الكامل...

إنه بطبيعته مَحَبَّة لأنه ثاَلُوث, ولذا فهو يُـوجـد الكون من العـدم ويرعاه بفيض من حبـه...

فمن تغـرّب عن الله ليغـرق فى ذاتـه

يتغـرّب عن المحبة والمشاركة

اللتين توقظهمـا وتفجـرهما فى القلب البشرى معاشرة الإلـه المحبـة ...

 

إنه يتنكر للنمـوذج الإلهـى الثـالوثـى المطبوع فى كيانه, فيتغرب عن الآخرين معتبرًا إياهـم مجـرد أدوات ومطـايا لأهـوائه...

وقد أوضـح الفيلسوف المسيحى " عمانوئيل مونييه" أن فى منطلق الفكـر الآبـائى برمـته:" أن الخطيئة ليست فى الأساس تدنيسـًا للفرد بل قبـل كـل شئ تمـزيقـًا للوحـدة البشرية ناتجـًا عن انفصـالها عن الله"...

 

وقد يكون هـذا التغـريب عـن الآخـر المـؤشر الأول للتغـرّب عن الله...

تلك   هى  حـال من إعتقـد نفسه بـارًا لمجـرد تتميمـه حـرف الشريعـة,

وإتخـذ من بـرّه المزعـوم حجـة للاستعـلاء عـلى الآخـرين  ونبذهـم  واحتقارهـم,

 

 شأن الفـريسى الـذى احتقـر العشار فى صلاته, فقـال عنـه يسوع أن صـلاته هـذه لم تـبرره أمـام الله:

[ وَقَالَ لِقَوْمٍ وَاثِقِينَ بِأَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ أَبْرَارٌ وَيَحْتَقِرُونَ الآخَرِينَ هَذَا الْمَثَلَ ... أَقُولُ لَكُمْ إِنَّ هَذَا نَزَلَ إِلَى بَيْتِهِ مُبَرَّراً دُونَ ذَاكَ لأَنَّ كُلَّ مَنْ يَرْفَعُ نَفْسَهُ يَتَّضِعُ وَمَنْ يَضَعُ نَفْسَهُ يَرْتَفِعُ  ] [ لوقـا 18: 9 ,14 ]...

 

تلك هـى أيضـًأ حـال الذين يمارسون أعمـال التقـوى, ولكنهـم يتجاهلـون بؤس إخـوتهم لا بل قـد يستفيدون منـه لمصـالحهم, فـإن:

[وَمَنْ يَثْبُتْ فِي الْمَحَبَّةِ، فَإِنَّهُ يَثْبُتُ فِي اللهِ، وَاللهُ يَثْبُتُ فِيهِ ] [ 1 يوحنا 4: 16 ],

أما [... الَّذِي يَمْلِكُ مَالاً يُمَكِّنُهُ مِنَ الْعَيْشِ فِي بُحْبُوحَةٍ، وَيُقَسِّي قَلْبَهُ عَلَى أَحَدِ الإِخْوَةِ الْمُحْتَاجِينَ، فَكَيْفَ تَكُونُ مَحَبَّةُ اللهِ مُتَأَصِّلَةً فِيهِ؟  ] [ 1 يوحنا 3: 17 ]...

 

**************

 

5 ـ الخطيئة تغرّ عن الذات الحقيقية:

ولكن انقطاع الإنسان عـن الله ينشئ عنـده لا إنفصـامًا عن الآخرين, وحسب, بل تغـربًا عـن ذاته الحقيقيـة أيضـًا...

تلك هى المفارقة: أن الإنسان ينغـلق على ذاته معتقـدًا أنـه هكـذا يجـد ذاتـه, فإذا بـه يخسرها, لأن ذاتـه لا تتحقـق فعـلاً إلا إذا تجـاوزت حدودهـا فى سعى دائب لا ينتهـى إلى الله الذى يشير إليه عطشهـا اللامتناهى العاجـزة عـن إروائـه كل خيرات الأرض...

" فالإنسان يتجاوز الإنسان" كما قال باسكال ... لذا فإنه إذا إنطـوى عـلى ذاتـه , خسر ذاتـه بمسخـه إياهـا وتقـزيمه لهـا, كمـا علّم الـرب يسوع منـذرًا بـأن : [ مَنْ طَلَبَ أَنْ يُخَلِّصَ نَفْسَهُ يُهْلِكُهَا وَمَنْ أَهْلَكَهَا يُحْيِيهَا  ] [ لوقا 17: 33 ]...

الخطيئة هى:

أن اتشبث بحدودى وارتاح نهـائيـًا إليهـا,

هـى بأن أكـون أكثـر مـن ذاتى,

هـى أن أرفـض النمـو والاتساع,

هى قصـر ونقـص فى الطمـوح...

 

يقول اللاهوتى الارثوذكسى الأب الكسندر شميمان:

" ... نعرف أن الخطيئة هى بالدرجـة الأولـى رفـض الحيـاة كتقـدمة,

 كذبيـحة لله ,

 أو بكلمـة أخـرى كاتجـاه إلهـى ...

 والخطيئة إذًا هى بالأصل انحـراف حبنـا عـن غايتـه الأخيرة  وهى الله" ...

 

فالإنسان فى جوهـره, امتـداد إلـى الله...

فإن تقـوقـع عـلى ذاتـه عطـل طبيعتـه الأصليـة وأخفـق فى بلـوغ ملء تَوْقـه الإنسانى...

ويتجـلى هـذا الاخفـاق على صعيدين:

 

                أ ـ على صعيد علاقته بنفسه:

 

يركز الإنسان المنقطـع عن الله اهتمـامه عـلى رغـائبه الجزئيـة ( كشهوة السلطة والتملّك واللذة والمعـرفة ومـا إليها ... ), عازلاً إياهـا عن مُجمـل مسار شخصيتـه ومُتجـاهلاً بقيـة أبعـاد كيانـه...

هكذا تتضخـم هـذه الرغائب الجزئيـة بشكـل مُفـرط, عشوائى, سرطـانى ـ إذا صـح التعبير ـ  فتحجب وتُعطـّل الرغبـة المحـورية العميقـة التى هـى وحـدها قـادرة على جمـع الرغائب كلهـا, والمؤالفة فيما بينها, وتعبئتها فى مسعى موحـّد إلى تحقيـق كامـل للذات عبـر الألفـة مع الله ومشاركـة النـاس...

 

هكـذا يفقـد الإنسان حريتـه إذ تتحكـم به رغبـة مـن رغائبـه على حساب تـوقه المحـورى العميق...

إنه, خلافـًا لما قد يعتقـد, لا يفعـل عنـد ذاك ما يريـد, بل ما تريـده عنـه وتفرضـه عليـه رغبـة استطاعت أن تصـادر لحسابهـا الخاص مُجمـل طاقـاته فحـرمته من إمكانيـة توظيفهـا بصورة متوازنـة ومنسجمـة, لصالح كيانه الشامل بمختلـف أبعاده...

 

هكـذا فالخطيئة استعبـاد للإنسان واستلال له, كما عـلّم الرب يسوع:

 [  ألْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَنْ يَعْمَلُ الْخَطِيَّةَ هُوَ عَبْدٌ لِلْخَطِيَّةِ  ] [ يوحنا 8: 34 ]...

 

هـذا وقد اكتشف علم نفس الأعماق الحديث, فى خط مدرسة كارل جوستاف يونج, بطريقته الخاصة, وعلى الصعيد السيكولوجى, فداحـة الانفصـام الذى يحصل فى الإنسان عندمـا ينعـزل أحـد ميولـه ويتضخـم بشكـل مفـرط على حساب كيانـه الجوهـرى المتكامـل...

 

                ب ـ على صعيد علاقته بالكون:

 

أمـا على صعيد العلاقة بالكون, فالخطيئة تجعـل الإنسان يتوقف عند عطايا الله التى يتألف منهـا عالمنـا, فينظر إليهـا كمجـرد مواضيع لشهوتـه وحوافـز لرغبتـه فى التمتـع والتمـلك, فيغيب عنه معنـاها العميـق ولا يـرى فيهـا تعابيـر حب يخـاطب بهـا المعـطى قلبه ويدعوه من خلالهـا إلى مؤالفته...

 

هكـذا تتحـول الخـلائق إلى مرايـا تعكس له ذاته وتأسره فى عزلتـه, عوض أن تكون نوافـذ يطـّل منها على رحاب الله ويتمرس من خلالها على العيش بمعيتـه...

 

هكـذا فالخطيئة ليست, كما قد نتوهـم, محبة مفرطـة للحيـاة تثـور على كل ما يعـوقها,

إنها بالعكس انتقاص للحيـاة وتكبيـل لنموهـا وتجميـد لانطـلاقهـا,

تلك  الانطـلاقة  التى  لا تتحقـق

إلا فى تجاوز يسمح وحـده للإنسان بأن يتخـطى حدوده ويشارك  لا  نهـائيًا فى غنى الله ...

 

**************

 

6ـ الخطيئة لاتكتشف إلا بفعل الاحتكاك بالله:

 

إذا كانت الخطيئة فى جوهرها, كما رأينا, انقطاعـًا عـن الله وتصدعـًا للعلاقة التى تربطنا به, فإنها بالتالى لا تُكشف فعـلاً  إلا إذا استطاع صاحبهـا أن يحسّ بحضـور الله, وأن يعـى فى نور هـذا الحضـور الإلهـى كم هو مُظـلم و شقـىّ و فارغ من جـراء تغـرّبه عنـه...

هكـذا , فالابـن الشاطر لم يُدرك عمـق سقطتـه إلا عندما تذكـر بيت والده وما كتان ينعـم فيـه مـن هنـاء وكرامة, مقـارنًا ذاك الوضـع بـذلّه وشقائـه الحاضـرين:

[ فَرَجَعَ إِلَى نَفْسِهِ وَقَالَ: كَمْ مِنْ أَجِيرٍ لأَبِي يَفْضُلُ عَنْهُ اَلْخُبْزُ وَأَنَا أَهْلِكُ جُوعاً!  ] [ لوقا 15: 17 ]...

 

هـذا الحضـور الإلهـى الكاشف للخطيئة قـد تجـلى لنـا, ولا يزال, بملئـه فى يسوع المسيح...

لذا نـرى بطـرس الرسول, بعـد أن شاهد الصيـد العجيب الحاصـل استجابة لأمـر الرب يسوع فى بحيرة طبـرية:

[ فَلَمَّا رَأَى سِمْعَانُ بُطْرُسُ ذَلِكَ خَرَّ عِنْدَ رُكْبَتَيْ يَسُوعَ قَائِلاً:  اُخْرُجْ مِنْ سَفِينَتِي يَارَبُّ لأَنِّي رَجُلٌ خَاطِئٌ   ] [ لوقا 5: 8 ]...

 

لـذا أيضـًا نرى أن الرب يسوع المسيج كـان يعاشر خطـأة عصره دون أن يشترط توبتـهم المسبقة, متحـديًا بـذلك معـارضة الأتقياء من كتبـة وفريسيين الذين كانتوا يتذمـرون عليـه قـائلين:

[وَكَانَ جَمِيعُ اَلْعَشَّارِينَ وَاَلْخُطَاةِ يَدْنُونَ مِنْهُ لِيَسْمَعُوهُ.فَتَذَمَّرَ اَلْفَرِّيسِيُّونَ وَاَلْكَتَبَةُ قَائِلِينَ: هَذَا يَقْبَلُ خُطَاةً وَيَأْكُلُ مَعَهُمْ ] [ لوقا 15: 1, 2 ]...

ذلك انـه كـان يريـد أن يحمـل إليهـم, عبـر معليشته لهـم, ذلك الحضـور الإلهـى الـذى تغـربوا عنـه, بحيث يتسنى لهـم أن يتلمسوه فيكتشفـوا على هديـه ضياعهم علّهم يُشفَون منه ويعـودون...

بهـذا المعنـى قال:

[  فَأَجَابَ يَسُوعُ: لاَ يَحْتَاجُ اَلأَصِحَّاءُ إِلَى طَبِيبٍ بَلِ اَلْمَرْضَى.  لَمْ آتِ لأَدْعُوَ أَبْرَاراً بَلْ خُطَاةً إِلَى اَلتَّوْبَةِ  ] [ لوقا 5: 31 , 32 ]...

 

العشارون والبغايـا كانوا ولا شك يشعرون أنهـم يخالفـون الشرائـع والاعـراف, وأنهـم بسبب ذلك أصبحـوا على هامش الديـن والمجتمـع ومنبوذيـن من " الأتقياء"...

ولكن هـذا الشعور بالذنب لم يكـن لديهـم بعد شعـورًا حقيقيـًا بالخطيئـة...

لأن الخطيئـة تُختـبر, كمـا قلنـا, أمـام الله...

أمـا هـم فلـم يكـن قـد تسنّى لهـم قبل لقـائهم بالرب يسوع أن يواجهـوا الله مواجهتة حقيقيـة حيـة وليس فقط من خـلال كلمـات ونصـوص...

أمـا اتصـالهم بالرب يسوع فقـد أعطـاهم فرصـة فريـدة ليكتشفـوا الله لا كمجـرد كلمـة أو شريعـة ...

بـل كحضـور يُشـعّ بالقـداسة والرحمـة والحنـان, كينبـوع حيـاة وتجـدد وسـلام, وكدعـوة حيـة نافـذة إلى تحقـيق الذات بتجاوزهـا...

فإذا هـم يكتشفـون, ولأول مـرة, خطيـئتهم, إذ يحسّون ملْ الإحساس كـم هم منفيـون عـن ملكـوت المحبـة والخيـر والحيـاة, هـذا الذى تراءى لهـم, وكـم بذروا المواهـب التى مُنحت لهـم وأحبطـوا دعوتهم إلى الاكتمـال والفـرح...

فإذا بالمـرأة الزانيـة, وقد شعرت, كمـا تقـول طقـوس الأسبوع العظيـم " باللاهـوت " المستقـر فى المعـلّم والمشـعّ منـه, تكتشف بـآن معـًا وبالمقـابل مـرارة غربتهـا, فتبـلل أقـدام السيد بدموعهـا...

وباتصـالهـا بينـبوع المحبـة تُـدرك كـم كانت تعيسة بهـدر طاقات الحب الكامنـة فيهـا وتبديدهـا فى علاقـات سطحيـة, زائفـة, فتتفجـر فى كيانهـا نقـاوة كانت تظـن أنهـا أُقصيت عنهـا إلى الأبـد ...

وإذا بـزكـا رئيس العشاريـن, يشعر تحت وقـع نظـرة الرب يسوع إليه ثم زيـارتـه له فى منـزله, كـم ابتعـد عن ينبـوع الحيـاة عندمـا توغـل فى دروب الجشـع والظلـم, فإذا به يأخـذ عهـدًا على نفسه أمـام المـلأ بـأن يعطى المساكين نصف أمـواله وأن يعـوض أربعـة أضعـاف على الذين ظلمهـم...

 

أمـا الكتبـة والفريسيون, المعتـدون ببرّهـم, فقـد أغـلقـوا على أنفسهـم, بسبب ذلك, دون النور الإلهى الـذى كـان يفتقـدهم بيسوع المسيح, لـذا فإنهـم فوّتـوا على أنفسهم فرصـة اكتشاف خطيئـتهم وبالتالى فرصـة الشفاء منهـا, تلك الفـرصة التى عـرف كيف يستفيـد منهـا هـؤلاء " الخطـأة" المحتقـرون منهـم...

لـذا حـذرهم المعلم قائلاً:

[ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ إِنَّ الْعَشَّارِينَ وَالزَّوَانِيَ يَسْبِقُونَكُمْ إِلَى مَلَكُوتِ اللَّهِ. لأَنَّ يُوحَنَّا جَاءَكُمْ فِي طَرِيقِ الْحَقِّ فَلَمْ تُؤْمِنُوا بِهِ وَأَمَّا الْعَشَّارُونَ وَالزَّوَانِي فَآمَنُوا بِهِ. وَأَنْتُمْ إِذْ رَأَيْتُمْ ‏لَمْ تَنْدَمُوا أَخِيراً لِتُؤْمِنُوا بِهِ ] [ متى 21: 31 ]...

 

من هنـا أن حضـور الرب يسوع كان ـ ولا يزال ـ دينونة للناس بالمعنى الأصلـى للكلمـة اليونانيـة KRISIS  الواردة بهـذا المعنـى فى الإنجيـل والتى تفيـد الفـرز والتميـيز...

إنه يضـع النـاس أمـام النـور, فيتضـح من جـراء تلك المواجهـة الفـارق بين الذين بفتحـون قلوبهـم للنـور فيعـوا خطيئـتهم ويتـوبوا, وبين الذين يتعـامون عنـه, ربمـا بسبب اعتدادهـم ببـرّهم, فـلا يشعرون بخطيـئتهـم ويبقوت فيهـا مقيمـين:

[ فَقَالَ يَسُوعُ: { لِدَيْنُونَةٍ أَتَيْتُ أَنَا إِلَى هَذَا اَلْعَالَمِ حَتَّى يُبْصِرَ اَلَّذِينَ لاَ يُبْصِرُونَ وَيَعْمَى اَلَّذِينَ يُبْصِرُونَ }. فَسَمِعَ هَذَا اَلَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ مِنَ اَلْفَرِّيسِيِّينَ وَقَالُوا لَهُ: { أَلَعَلَّنَا نَحْنُ أَيْضاً عُمْيَانٌ؟ }  قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: { لَوْ كُنْتُمْ عُمْيَاناً لَمَا كَانَتْ لَكُمْ خَطِيَّةٌ. وَلَكِنِ اَلآنَ تَقُولُونَ إِنَّنَا نُبْصِرُ فَخَطِيَّتُكُمْ بَاقِيَةٌ }] [ يوحنا 9: 39ـ 41 ]...

 

يتضـح ممـا سبق هـذا القـول للأب " ليف جيلله" أحـد كبـار الروحيين الأرثوذكسيين فى هـذا العصـر:

 

المـرء لا ينتقـل من وعى الخطيئـة إلى حضور الرب يسوع,

بـل, بالعكس,

من حضـور الرب يسوع  إلـى وعـى الخطيئـة..

 

**************

 

7 ـ الشعور بالخطيئة يقترن بالشعور بقرب الخلاص:

إذا كان الإنسان, كمـا أشرنا, لا يختـبر فعـلاً  خطيـئـته على أنهـا خطيئـة إلا إذا واجـه الله, فإن هـذا يعنى أنـه, وبـآن معـًا, يختـبر, إلى جانب ابتعـاده المريـر عـن الله, رحمـة الله لـه واستعداده لمنحـه الغفـران والمصـالحـة ولتجـديد عهـد الحب معـه...

 

وهكـذا يتضح أن الإنسان الذى يكتشف نفسه خاطئـًا يكتشف بحكـم الحـال أنـه يتـألم لانفصـاله عن الإله المحبـة, وأنه يعـود أليـه بالتـالى أن يقـدم على قفـزة الإيمـان التى تحقـق اللقـاء بينه وبين الله فتـزول بهـذا اللقـاء خطيئـته...

 

من هنا أن الإنسان الذى يشعـر بخطيئتـه أمـام الله, لا يجـد نفسـه مضطـرًا إلى أحـد أمـرين...

إمـا أن ينـوء تحت عبء شعور ساحـق بالـذنب...

أو أن يستميت فى إنكـار هـذا الذنب وتبريـر مواقفـه كمـا لو كانت القضيـة بالنسبة إليه قضيـة حيـاة أو مـوت, وجـود أو عـدم وجـود...

ذلـك أن ذنبـه ليس لاصقـًا بـه, ملازمـًا له, بل أنه قادر أن يتحـرر منـه عندمـا يشاء, وأنـه يكفيـه لذلك أن يعـود إلى الله ويرتمـى فى أحضـان حنـوّه, كمـا فعـل الابن الشاطر عندمـا :

[فَقَامَ وَجَاءَ إِلَى أَبِيهِ. وَإِذْ كَانَ لَمْ يَزَلْ بَعِيداً رَآهُ أَبُوهُ فَتَحَنَّنَ وَرَكَضَ وَوَقَعَ عَلَى عُنُقِهِ وَقَبَّلَهُ ] [ لوقا 15: 1, 2 ]...

 

أن من يختبـر نفسه خاطئـًا أمـام الله يعـى بـآن معـًا أن تلك الخطيئـة ليست صفـة نهـائية له, بل أن إمكـانية التحـوّل والتجـدّد مقدمـة له الآن وأنهـا رهـن إرادتته...

 

هـذا ما لـم يدركـه " فرويـد" بسبب إلحـاده المبـدئى...

فقـد اعتقـد أن المـرء كلمـا توغـّل فى الفضيلـة والقتداسة, كلمـا أطبـق عليـه شعـور خانـق بالإثم...

وقـد غـاب عن باله أن القـديسين هـم أُنـاس منتصـبون فى كـل حين أمـام الله, وان هـذه المواجهـة الدائمـة لربهـم تعطيهـم بآن معـًا شعـورًا حـادًا بخطيئتهم , وشعـورًا لا يقـل حـدة عـن الأول, برحمـة الله لهـم وبقـدرته المحـرّرة لهـم والمجـدّدة لحيـاتهم...

فالرسول بولس, الذى كـان يعتـبر نفسه أول الخطـأة, كان يشعر بآن معـًا أن قـوة الله تسطع بأجلـى بيان فى اقتـدارها على إنقـاذه مـن ضعفـه وأن كل شئ يغـدو مستطاعـًا له بفعلهـا...

هـذا ترديـدًا لأقوال الرب يسوع:

[غَيْرُ اَلْمُسْتَطَاعِ عِنْدَ اَلنَّاسِ مُسْتَطَاعٌ عِنْدَ اَللهِ  ] [ لوقا 17: 28, مرقس 10: 27, متى 19: 26]...

 

هكـذا فإن القـلق الـذى ينتـاب المـرء عندمـا يُـدرك خطيئتـه يتغلب عليه سلام نـابع من ثقتـه برحمـة الله...

من هنـا, كمـا يوضـح الطبيب النفسـانى الدكتـور " مارسيل إيك" أن قلـق الشعـور بالخطيئـة ليس قلقـًا كليـًا لأنه يحمل فى ذاتـه عنصـرًا يخفـف مـن وطـأته...

فمـن استطـاع أن يعـى خطيئتـه فعـلاً أمـام الله, هذا لا ينحصـر فى متـاهات عقـدة الذنب ولا يقـع فريسة لعوارضهـا المرضـيّة...

إنه, حتى ولو انتـابه شعور مستعـص بالذنب نـابع ممـا ترسب فـى نفسه متن عـِقَد نتيجة ظـروف حياتـه وطبيعـة حبرات طفولتـه, يجـد مـلاذًا له فى ثقتـه العميقـة بالله, تلك التـى يعبّر عنهـا الرسول يوحنـا بقـوله:

[عِنْدَئِذٍ نَتَأَكَّدُ أَنَّنَا نَتَصَرَّفُ بِحَسَبِ الْحَقِّ، وَتَطْمَئِنُّ نُفُوسُنَا فِي حَضْرَةِ اللهِ، وَلَوْ لاَمَتْنَا قُلُوبُنَا؛ فَإِنَّ اللهَ أَعْظَمُ مِنْ قُلُوبِنَا، وَهُوَ الْعَلِيمُ بِكُلِّ شَيْءٍ. ] [ 1 يوحنا 3: 19, 20 ]...

 

من هنـا أن الشعـور الأصيـل بالخطيئـة, كما كشفـه لـنا الرب يسوع , لا يكـبّل المرء بل يحرره...

إلى الناس الذين كثيـرًلا ما يرفضـون الله لأنهم يعتقـدون أن مواجهـة الله تقتضـى منهـم أن يـروا أنفسهـم مذنبـين, يأتى الرب يسوع ليقـول أن الأمـر إنمـا هو على نقيض ذلك: فأمـا البشر لا بـد أن يشعر كـل إنسان أنـه مذنب, لكـن أمـام الله, الذى هتو صـالح وحـق, فكـل إنسان يستطـع أن يحسّ بأنـه محبـوب ومغسـول ومسـامَح وحـرّ...

 

لا بـل قد قيـل أن الشعـور بالخطيئـة لا يتختذ كل ابعـاده إلا إذا اختبـر الإنسان الغفـران, لأنه إذ ذاك, على ضـوء علاقتـه المستعـادة بالله, يـدرك حـقّ الإدراك كـل غنى الحيتاة التى كتان قد عزل نفسته عنهتا وكل فداحـة الحرمـان الذى كان يعـانى منـه من جـراء ذلك...

حيث يقول مارك أوريزون:

إنمـا فى الغفـران تُعـرف الخطيئـة..

 

************

 

 

هل الخطايا جميعها متساوية فى ما بينها؟ كيف ذلك ؟

عرض مختصـر

1 ـ الخطيئة تباعد:

الخطيئة, تحـديدًا, هـى التبـاعد بينى وبين الله, هى تصـدّع العـلاقـة التى يقيمهـا حبـّه بيننا...

هـذا مـا يشير إليـه مثـل " الابـن الضـال" الـذى تسميـه لغتنـا الطقسيـة " الابـن الشاطر", لأنـه شَطَرَ, أى فَصَلَ, مصـيره عن حيـاة أبيـه ( الذى يمثـّل الله فى هـذا المثـل ) وقطـع بإرادتـه ربـاط المشـاركة القـائمـة بينهمـا وعبـّر عن ذلك الانقطـاع بابتعـاد جغرافى عـن بيت أبيـه:

[ إِنْسَانٌ كَانَ لَهُ اِبْنَانِ. فَقَالَ أَصْغَرُهُمَا لأَبِيهِ: يَا أَبِي أَعْطِنِي اَلْقِسْمَ اَلَّذِي يُصِيبُنِي مِنَ اَلْمَالِ. فَقَسَمَ لَهُمَا مَعِيشَتَهُ. وَبَعْدَ أَيَّامٍ لَيْسَتْ بِكَثِيرَةٍ جَمَعَ اَلاِبْنُ اَلأَصْغَرُ كُلَّ شَيْءٍ وَسَافَرَ إِلَى كُورَةٍ بَعِيدَةٍ وَهُنَاكَ بَذَّرَ مَالَهُ بِعَيْشٍ مُسْرِفٍ   ] [ لوقـا 15: 11 ـ 13 ]...

هـذا ولا بـدّ مـن الإشـارة إلـى أن عـلاقتى بالله تمـرّ بعـلاقتى بالبشر إخـوتى وأعضـاء عائلـة الله, بحيث أننى,

 

إذا تنكّرتُ لهـم تنكّـرت له وتباعدت عنـه..

 

**************

 

2ـ لهذا التباعد درجات:

وغذا كانت الخطيئـة, كمـا رأينـا, تبـاعـُد فى جوهـرها, فإن لهـذا التبـاعـد درجـات تختـلف مـع اختـلاف درجـات تنكـّرى للإلـه المحبـة:

 

1ـ درجـة التبـاعـد مرتبطـة بخطـورة العمـل الـذى أسئ بـه إلى المحبـة:

فإننى أخطـئ إلـى الآخـر ( وبالتـالى إلى الله ) عـلى قـدر الأذى الـذى أرتضـى أن ألحقـه بـه..

وقـد يكـون مقـدار الأذى أفـدح بكثيـر ممـا يظهـر لأول وهـلة...

فهنـاك عـدة وجـوه لقتـل إنسان ... أو شعب...

 

2ـ درجـة التبـاعـد مرتبطـة أيضـًا بموقفـى الداخـلى ...

فقـد ألحـق بالغيـر أذى عـن غـير قصـد منـى ( وإن كنت أحيـانـًا, فى هـذه الحـال, مطـالبـًا باستهتارى, الذى قـد يكون عـلى درجـات )...

ولكننـى قـد أؤذى الأخـر عـن سابق تصـوّر وتصميم ...

أو قـد أضمـر له الأذى دون أن يتـاح لى, لسبب مـا, تحـقيـق ذلك, قتكـون خطيئتـى على قـدر فداحـة سوء نيتـى:

[ وَكُلُّ مَنْ يُبْغِضُ أَخاً لَهُ، فَهُوَ قَاتِلٌ. وَأَنْتُمْ تَعْرِفُونَ أَنَّ الْقَاتِلَ لاَ تَكُونُ لَهُ حَيَاةٌ  أَبَدِيَّةٌ  ثَابِتَةٌ  فِيه ] [ 1 يوحنـا 3: 15 ]...

 

3ـ درجـة التباعـد مرتبطـة بدرجـة اللامبـالاة بالآخـر:

وهناك خطيئـة تقـوم لا على عمـل أُقـدم عليـه, إنمـا على إحجـامى عـن القيـام بعمـل كانت المحبـة تفرضـه علىّ...

إن بعـض التشريعـات تعـاقب إنسانـًا إذا لـم يمـدّ يـد المعـونة لإنسان آخـر كان فى حـالة الخطـر...

كـذلك فهنـاك خطيئـة اللامبتلاة بمـن حـولى وهى خظيئـة " الأوادم" الـذين " لايؤذون أحـدًا", ولكنهـم يتركـون الأذى يفتـك بسواهـم دون أن يحـركوا ساكنـًا, ولسان حـالهـم:

[ فَقَالَ اَلرَّبُّ لِقَايِينَ: «أَيْنَ هَابِيلُ أَخُوكَ؟» فَقَالَ: «لاَ أَعْلَمُ! أَحَارِسٌ أَنَا لأَخِي؟»  ] [ تكـوين 4: 9]...

فـداحـة هـذه الخطيئـة مرتبطـة بفـداحـة اللامبـلاة التى وراءهـا وبدرجـة تعمّـدها...

هـذا صحيـح ليس فقـط على الصعـيد الفـردى بـل على الصعيـد الحمـاعى أيضًا...

فقـد يتهـرب المـرء مـن إتخـاذ موقف فى القضـأيـا العـامة التى تحـدّد مصـائر النـاس, وكـان الأمـر لا يعنيـه...

 

4ـ درجـة التبـاعد مرتبطـة بدرجـة الإصرار عليـه:

أخيرًا, فإن فداحـة الخطيئـة مرتبطـة بدرجـة إصرارى عليهـا...

فقـد ألحِـق أذى كبيـرًا بالآخـرين ولكـن بتأثيـر فترة ضعف ـ قـد تقصر أو تطـول ـ أنقـاد فيهـا إلى أهـوائى ثم أعـود عـن غيـّى وأحـاول قـدر الإمكـان التعويض  عمـا فعلت...

وقـد أصـر بالعكس عـلى لامبـالاة بالآخـرين قد لا تتجـلى باعتـداء مباشر عليهـم إنمـا بتغـرّب مقصـود ودائـم عن حاجاتهم مـن شأنـه أن يشلّ المحبـة فـىّ دون رجعـة...

هـذا الموقف الأخـير أشد خطـورة مـن الأول...

فزكـا رئيس العشارين ارتكب الظلـم والنهب على قـدم وساق, ولكنـه ترك نظـرة المسيح تلمس قلبـه وتذيب جليد هـذا القلب, وإذا به يعطى المساكين نصف أمـواله ويرد أربعـة أضعـاف لمـن غبنهـم...

أمـا غنـىّ المثل الإنجيلى فلا يبـدو أنـه ارتكب الكبـائر, ولكنـه كـان كل يـوم يتنعّـم بترفـه وموائـده مُتجـاهـلاً لعـازر المسكين المطـروح عنـد باب بيتـه يتضـوّر جوعـًا وألمـًا...

لـذا نـراه فى الجحيـم شأن الذيـن لا يتـوبون...

إن عـد التـوبة هـذا, أى الإصـرار النهـائى علـى التوغّـل فى الخطيئـة هـو ما سُـمّى بالـتجديف على الروح القـدس:

[ ... وَأَمَّا مَنْ قَالَ عَلَى اَلرُّوحِ اَلْقُدُسِ فَلَنْ يُغْفَرَ لَهُ لاَ فِي هَذَا اَلْعَالَمِ وَلاَ فِي اَلآتِي  ] [ متى 12 : 32]...

وبالخطيئـة التـى تقـود إلى المـوت:

[...فَهُنَالِكَ خَطِيئَةٌ لاَبُدَّ أَنْ تَنْتَهِيَ إِلَى الْمَوْتِ.... ] [ 1 يوحـنا 5: 16]...

وقـد قيـل أن هـذه الخطيئـة لا تُغْتَـفَر,

 لَيْس لأن لغـفران الله حـدودًا,

بـل لأنهـا تُمثـّل إِصْـرَارًا نِهـَائيـًا على الاغْـتِرَابِ

 عـن يَنْبُـوع المحبـة والغـفران.