الفصل الأول

تمهيد

الجزيرة العربية:

هي تلك البقعة الجغرافية التي تُحد بالخليج الفارسي شرقاً? والبحر الأحمر غرباً? والمحيط الهندي جنوباً? وبادية العراق والشام شمالاً, وهي تلك المنطقة التي نشأ فيها الإسلام دين التوحيد المطلق? وترعرع فيها? وانطلق منها ليحكم أكثر من نصف المسكونة, وأيضاً هي المنطقة التي تميزت بكثرة الباحثين عن الله من أهلها بدءاً من كعب بن لؤي جد النبي البعيد? مروراً بزيد بن عمرو بن نفيل? وسويد بن الصامت? حتى أمية بن أبي الصلت,

وقد حبى الله الجزيرة بموقع منيع? فلم يكن من السهولة بمكان أن يهاجر إليها أحد إلا عن طريق بادية العراق والشام - مهد الأديان - مما جعل هذه الجزيرة ملجأ لكل دعاة الأديان? أو للفارين من الاضطهاد? أو الهراطقة, والجزيرة العربية هي ميدان لكل الباحثين الجاد منهم والهازل? فكم من كتب ومجلدات كتبت عنها? منها ما هو غث وما هو سمين وهي أيضاً ميداننا,, ودعوتنا للقارئ أن يشد رحاله إلى تلك الرحلة الشيقة للجزيرة العربية وأديانها قبل الإسلام,

استهلال

لا يخلو موضوع البحث في تاريخ الديانات في الجزيرة العربية قبل الإسلام من المتعة والإرهاق? أما المتعة فهي في محاولة سبر أغوار التاريخ والخروج بالحقيقة من وسط هذا الكم الهائل من الأقوال والأساطير? وأما الإرهاق فهو لصعوبة المصادر والمراجع حول هذا الموضوع, فمعظم المصادر إما فُقد أوأُعدم عمداً? فليس بخفي على أحد أن الغزوات التي تعرضت لها المنطقة العربية قد أفقدتها أعظم مكتبتين في التاريخ البشري? هما مكتبتا الإسكندرية وبغداد, ولعل القارئ يشعر بكم الإرهاق حين يحاول التيقن بنفسه من صدق خبر ورد في أحد كتب التاريخ العربي? فليس عندنا مثلاً أي شيء من الشعر الوثني الذي كُتب قبل الإسلام? ومن غير المعقول ألا يكتب قوم غارقون في عبادة الأصنام أي شيء عن أصنامهم? شعراً كان أم نثراً - اللهم إلا الشعر الذي تُسب فيه هذه الأصنام - كأشعار زيد بن عمرو بن نفيل - وجُل ما استطعت أن أفعله هو اعتمادي على كتابات من يؤمنون بعقيدة ما أو الاعتماد على أكثر المراجع حيادية, فمثلاً اعتمدت على الكتابات المنقولة عن اليهود والمسيحيية عند الحديث عنهم - ولم أناقش صحة هذا المعتقد أو خطئه حيث أن هذا لا يدخل في مجال هذا البحث - أما في حالة الوثنيين وغيرهم فقد اعتمدت على المراجع التاريخية وليست النقدية - دون التعرض بنقد لهذه المعتقدات - ودعوت القارئ أن يحاول أن يكون محايداً عند قراءة هذا البحث? حيث أنه - مرة أخرى - بحث تاريخي وليس بحثاً دينياً,

الصفحة الرئيسية