الفصل الثاني

إستهلال

لم تكن فكرة كتابة هذه الفصل من البحث مطروحة بالمرّة? حيث أني قررت أن يكون البحث مجرد دراسة تاريخية عن الموروث التشريعي بين عرب الجاهلية. ولكني وجدت أن الموضوع سوف يكون مبتوراً إذا لم يتم تناول النظرة الإسلامية للحدود? خاصة وأن بعض هذه الحدود لم ينزل بها تشريع قرآني? ولم تأت في تقريرها أحاديث نبوية صحيحة? بل أن بعضها اتى مخالفاً لأكثر من نص قرآني مثل حد الردة. ولذا سأحاول في هذا الفصل أن أتناول بالعرض الحدود المتفق عليها في الفقه الإسلامي? والتي أتى بها نص قرآني واضح أو أحاديث نبوية صحيحة? وبالتحليل لتلك الحدود التي لم يأت بها أي نص واضح? والتي هي في الواقع مجرد إجتهاد قد يصيب أو يخيب.

 

الحدود في الإسلام

الحدّ لغة : هو الفاصل بين شيئين? وحد الشيء منتهاه? والحد المنع أو القيد. والحد في الفقه الإسلامي يعني العقوبة التي قدّرها المُشرِّع على فعلٍ خاطئ (دائرة المعارف الإسلامية - حدَّ ). والحدود النصية - أي التي ورد بها نص قرآني - في الفقه الإسلامي أربعة حدود هي: الزنى? والسرقة? والقذف? والحرابة (قطع الطريق(. وهذه الحدود ثابتة بالنص القرآني? ولامجال للاجتهاد مع وجود النص من حيث زيادة العقوبة أو نقصها? ولكن الاجتهاد يمكن في شروط تطبيق الحد? وموانع إقامته...إلخ. ولكن في الفقه الإسلامي لم يقف التشريع عند النص القرآني فقط? بل تعداه إلى ما ورد في الحديث النبوي الشريف? وإجماع الصحابة. ونتيجة لذلك أصبحت الحدود في الفقه الإسلامي ستة هي: حد السرقة? حد القذف? حد الزنى? وحد الحرابة (قطع الطريق)? وحد شرب الخمر ? وحد الردة (أصول الشريعة? العشماوي? ص 100). ( ملاحظة : عدَّد الأستاذ عبد القادر عودة في كتابه التشريع الجنائي في الإسلام الجرائم السابقة على أنها جرائم الحدود ? ولكنه أضاف حداً آخر هو حد البغي. وحسب علمي لم يقرر سواه مثل هذا الحد في الفقه الإسلامي).

هذه هي الحدود المقررة في الفقه الإسلامي? بالرغم من أن الشرع لم يحدد لبعضها عقوبة نصية مثل : حد شرب الخمر? وحد الردة - سنذكر هذا تفصيلياً في موضعه - وسوف نحاول في الصفحات القادمة أن نُعيد قراءة النصوص التي وردت في تقرير الحدود قراءة متأنية? فالواضح أن بعض فقهائنا المعاصرين لم يقرأوا أبواب الحدود بشكل واعٍ? ولذلك سنحاول أن نقرأها معهم مرة أخرى? عسى أن نجد بصيصاً من النور يُضيء لنا ظلمات هذا العصر الذي نحياه.

الصفحة الرئيسية