حد الحرابة :

ويسمى أيضاً: حد قطع الطريق ? وورد هذا الحد في القرآن في سورة المائدة 5:33-34 إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَا عْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ . ونزلت هذه الآية كما يروي الواحدي عن أنس قال: إن رهطاً من عكل وعرينة أتوا رسول الله فقالوا: يا رسول الله إنا كنا أهل ضرع ولم نكن أهل ريف فاستوخمنا المدينة' - أي سكنوا على حدودها - فأمر لهم رسول الله بذود - مجموعة من إناث الأبل لاتقل عن ثلاث ولا تزيد عن ثلاثين - أن يخرجوا فيها ويشربوا من ألبانها وأبوالها? فقتلوا راعي النبي واستاقوا الذود? فبعث رسول الله في آثارهم? فأُتي بهم فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم - فقأها - وتركوا في الحر حتى ماتوا على حالهم فنزلت فيهم هذه الآية (أسباب النزول? الواحدي? ص134). وبالرغم من أن الآية والحديث يبدوان واضحين بغير حاجة إلى تأويل? إلا أن الفقهاء - كعادتهم - وضعوا شروطاً عجيبة لتطبيق هذا الحد? فقال الحسن البصري: المحارب هو المشرك? إذ نزلت الآية في أهل الشرك. وقال الضحاك: الآية في أهل الكتاب? لأن محاربة الله ورسوله لاتكونإلا من أهل الكتاب. وقال مالك: لاتكون المحاربة إلا في الصحراء. وقال سفيان لاتكون المحاربة إلا في الصحراء (المحلى? ابن حزم? 13:308 ?312)وقال ابن قدامة: يشترط في المحاربة أن تكون في الصحراء? لأن المصر يلحق به الغوث غالباً (المغني? ابن قدامة? 8:28).

وقال أبو حنيفة : لا تكون المحاربة في مدينة ولا مصر ? ومن شَهَر علىآخر سلاحاً ليلاً أو نهاراً? فقتل المشهور عليه عمداً فلا شيء عليه. فإن شهر عليه عصا نهاراً في مصر فقتله عمداً قُتل به? وإن كان في الليل في مصر أو مدينة أو في طريق في غير مدينة? فلا شيء على القاتل. وإن جرح فقط أو قتل عمداً فتاب? أو كان فيهم غير مكلف? أو ذو رحم محرم من المارة? أو قطع بعض المارة على بعض? أو قطع الطريق ليلاً أو نهاراً في مصر أو بين مصرين فلا حد (المحلى? ابن حزم? 13:312). وهذا الرأي من أبي حنيفة هو أغرب الآراء على الأطلاق, ملاحظة: تتبع مصر المذهب الحنفي في الفقه. ومضمون الحكم الحنفي يفيد أن القاتل الذي يقتل إنسان عامداً بالعصا ليلاً في مصر أو في طريق مأهول لا شيء عليه. والقاتل الذي يقتل إنساناً عمداً بالسلاح ليلاً أو نهاراً في مدينة أو مصر لا شيء عليه. والقاتل الذي يقتل إنساناً عمداً ثم تاب لا عقوبة له. قاطع الطريق في مصر أو بين مصرين لا شيء عليه!!! (ديوان الجنايات? د. محمد طلبة زايد? ص 492) .

قرر بعض المعاصرين أن هذه الآية خاصة بالنبي وحده? ويقول العشماوي: واضح من الآية وسبب نزولها أنها تقضي بالجزاء على من يحارب الله ورسوله? أي يحارب دين الله وشخص الرسول? فهي بذلك من الآيات المخصصة بشخص النبي والنبي? وحده? هو الذي يوقع الجزاء على من يحاربه ويحارب الله في شخصه? وهو الفيصل العدل في تحديد شخص من حاربه وما يعتبر حرباً عليه. أما بعد النبي? وبعد خلفائه الراشدين? وحين صار الملك عضوضاً. بعد ذلك? فمن ذا يكون كذلك? الخلفاء ومنهم الفاسقون? أم الفقهاء وفيهم المغرضون! ? ( أصول الشريعة? العشماوي? ص 108) .

هذه هي الحدود الآربع التي نزل بها نص قرآني. وبالرغم من أن النصوص القرآنية لم تحدد أشياء كثيرة حول هذه الحدود كما رأينا? وبالرغم أن التراث الإسلامي نقل لنا مجموعة إجتهادات لبعض الصحابة مثل تعطيل عمر لحد السرقة عام المجاعة? وإلغائه لسهم المؤلفة قلوبهم من الزكاة - مما يعني أن هناك منه إجتهاداً حتى في ظل وجود نص ثابت - إلا أن دعاة التأسلم اليوم يأبون إلا الجمود? فقد ادّعوا أن باب الاجتهاد قد أغلق إلى الأبد ولا يمكن إعادة فتحه مرّة أخرى? وهذا الرأي على ما فيه من خطورة ينقلنا عصوراً سحيقة للخلف. فيجب علينا أن نعيد التسري بالإماء وافتتاح أسواق الجواري? لا لشئ إلا لأن أهل الفقه لم يقولوا بمنع هذه الأشياء أيام كان باب الاجتهاد مفتوحاً? ويجب علينا ألا نحاكم قطاع الطرق? لأنهم قطعوا الطريق بين المدينة? ولعل من كانوا يطالبون بتطبيق حد الحرابة على تجار المخدرات والمغتصبين يعرفون الآن موقف دعواهم من الفقه الإسلامي عامة والحنفي خاصة? وهو المذهب الذي تتبعه مصر. ويجب علينا أيضاً ألا نحاكم المرأة غير المتزوجة إذا وجدت حاملاً? لأن الحمل لايؤخذ به في تقرير الزنا. لقد قلنا قبلاً وسنعيد تكرارها مراراً? إننا في حاجة إلى فقه آخر? فقه يتعامل مع معطيات الزمن الذي نحياه? فقد اجتهد القدماء لهم ولعصرهم لا لكل العصور. إننا نريد أن يعلم المتفقهون أن من يرفض ما قاله ابن حزم وابن تيمية لعدم ملائمته للواقع الذي نحياه ليس بكافر? وإن من يطلب باجتهاد مستنير ليس بمارق? وإن من يقول بعدم إلزامية إجتهاد الفقهاء لكل العصور ليس بزنديق? وإلا فليقولوا لنا كيف نثبت حد الزنا الآن مع الشكل الحالي للبيوت وعدم الأخذ بالحمل كدليل? أو كيف يعاقب قطاع الطرق داخل المدن? مع وجود شبه إجماع من الفقهاء على أن قطع الطريق لايكون في المدينة. إنها أسئلة كثيرة قد يستوعبها من هم فعلاً أهل للفقه? ولكن لا يستوعبها أو يستسيغها المتنطعون? وقد صدق النبي حين قال: هلك المتنطعون ولكنهم للأسف سيهلكون وسيهلكونا معهم إذا لم نستيقظ ونعرف أن العصر الذي نحياه يختلف عما كان يحياه غيرنا من ألف سنة مضت.

* * *

استعرضنا فيما سبق الحدود التشريعية التي ورد بها نص قرآني واضح? ولكن - وكما قررنا قبلاً - هناك حدود أخرى لم يرد بها نص في القرآن? ولم يرد بها أيضاً أحاديث صحيحة عن النبي? ونقصد بهذه الحدود حدي الردة? وشرب الخمر.

الصفحة الرئيسية