أحاديث الخلافة :

إن أغرب ما في موضوع الخلافة? في ظل وجود حادث السقيفة? هو وجود عدة أحاديث في هذا الموضوع جُعلت عماد ما يُسمى بفقه الخلافة? وهذه الأحاديث إذا نُوقشت تاريخياً (بغض النظر عن درجة صحتها) فسوف تضعنا في موقف صعب? حيث أنه في معظم فترات التاريخ الإسلامي لم يُطبق من هذه الأحاديث حرفٌ واحدٌ. أما إذا نُقشت من حيث المتن والسند.. فهذا أمرٌ آخر. ولكي تتضح أمامنا الصورة قليلاً? فلنقرأ بعض الأحاديث التي وردت في هذا الشأن.

أول هذه الأحاديث هو ما يرويه البخاري عن محمد بن جبير: أنه بلغ معاوية وهو عنده في وفد من قريش? أن عبد الله بن عمر يُحدث أنه سيكون مَلِكٌ من قحطان? فغضب? معاوية? فقام فأثنى على الله بما هو أهله? ثم قال: أما بعد فإنه بلغني أن رجالاً منكم يحدثون أحاديث ليست في كتاب الله ولا تؤثر عن رسول الله? وأولئك جُهَّالكم? فإياكم والأماني التي تُضل أهلها? فإني سمعت رسول الله يقول: إن هذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحد إلا كبه الله على وجهه ما أقاموا الدين . ويروي البخاري هذا الحديث بصيغة أخرى عن ابن عمر? لاحظ أن ابن عمر هو من اعترض عليه معاوية في الحديث السابق? لأنه يقول بإمارة غير القرشي? قال: قال رسول الله: لا يزال الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان (البخاري? 9:78). واضح أنه ليس من السهل تفسير الحديث السابق في ظل وجود حادث السقيفة? وهل كل من كانوا في السقيفة وقتها يجهلون هذا الحديث وهم من هم? ثم كيف تتفق محاولة أبي بكر أخذ البيعة لعمر أو لأبي عبيدة مع وجود حديث عن عائشة تقول فيه: قال لي رسول الله في مرضه: ادعي لي أبا بكر أباك? وأخاك? حتى أكتب كتاباً? فإني أخاف أن يتمنَّى متمنٍّ ويقول أنا أولى? ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر (مسلم? بشرح النووي? 5:248). ثم إذا كانت كل هذه الأحاديث التي وردت في خلافة أبي بكر صحيحة? فكيف تتفق مع ما رواه ابن سعد في طبقاته عن فاطمة قالت: لما تُوفى رسول الله قال العباس: يا علي قم حتى أُبايعك ومن حضر? فإن هذا الأمر إذا كان لم يرد مثله? والأمر في أيدينا فقال علي: وأحدٌ? يعني يطمع فيه غيرنا? فقال العباس: أظن والله سيكون! فلما بويع لأبي بكر ورجعوا إلى المسجد? فسمع علي التكبير فقال: ما هذا? فقال العباس: هذا ما دعوتك إليه فأبيت عليّ! فقال علي: أيكون هذا? فقال العباس: ما رُدّ مثل هذا قط! فقال عمر: قد خرج أبو بكر من عند النبي حين تُفيّ وتخلف عنده علي والعباس والزبير? فذلك حين قال العباس هذه المقالة (طبقات ابن سعد? 2:246). فهذا الحديث وعشرات غيره تؤكد أن الخلافة من حق علي دون غيره? كما نذكر مثلاً لاحصراً:

1 - عن جابر قال: قال النبي وهو أخذ بضبع علي? الضبع ما بين الإبط إلى نصف العضد? هذا إمام البررة? قاتل الفجرة? منصور من نصره? مخذول من خذله (المستدرك 3:129).

2 - عن ابن عباس قال: قال رسول الله لعلي: أنت ولي كل مؤمن بعدي (المراجعات? عبد الحسين الموسوي ـ173),

3 - عن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله لعلي: أنت مني بمنزلة هارون من موسى? إلا أنه لا نبي بعدي (المشكاة? حديث رقم 6078).

4 - عن زيد بن أرقم? أن رسول الله لما نزل بغدير خُمّ أخذ بيد عليِّ فقال: أَلستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم? قالوا: بلى? قال: أَلستم تعلمون أني أولى بكل مؤمن من نفسه قالوا: بلى? قال: اللهمَّ من كنت مولاه فعلي مولاه? اللهم والِ من والاه? وعادِ من عاداه فلقيه عمر بعد ذلك فقال هنيئاً يا ابن أبي طالب! أصبحت مولى كل مؤمن ومؤمنة (المشكاة? حديث رقم 6094).

كل ما سبق من أحاديث? وغيرها كثير? تؤكد أمراً واحداً? هو أن علي أحق الناس بالخلافة بعد النبي. وقد يقول قائل: إن علي إنما ترك الخلافة تواضعاً? فنجيبه بما قاله علي نفسه? وأوردناه سلفاً? في جوابه للعباس وأحدٌ? يعني يطمع فيها غيرنا .

إذن فعلي لم يكن راغباً عن الخلافة? بل كان راغباً فيها? وبالرغم من هذه الرغبة في الخلافة فإنه لم يحتج بأي من هذه الأحاديث لإثبات حقه الذي تركه له النبي. ولو افترضنا أنه لم يرد أن يُحدث فتنة بعد بيعة الصديق? فلماذا لم يتكلم بعد موت أبي بكر? أو حتى بعد موت عمر?

الصفحة الرئيسية