النبي أيوب 2- ابراهيم النبي 3-الايمان الحقيقي 4-هاجر واسماعيل  5-اسماعيل واسحاق 6-المزوّد

الفصل السادس
 
1- النبي ايوب
2- النبي ابراهيم
3- الايمان الحقيقي
4- هاجر واسماعيل
5- اسماعيل واسحاق
6- المزوّد



 
1 – ايوب النبي
بعد بلبلة الألسن التي حدثت في بابل، مضت عدة اجيال قبل ان يسجل الكتاب المقدس تدخل العناية الالهية مرة اخرى في التاريخ. وعبر كل هذه السنوات الماضية، لم ينس الرب وعده بارسال المخلص. ورغم ان الغالبية العظمى من الناس قد عاشت دون الايمان بالله، الا ان كل جيل كان يذكر هؤلاء الذين آمنوا بوعوده. وكان ابرام وساراي زوجان قد آمنا بهذه الوعود.
وكانت ساراي عقيمة، ولم يكن لها اولاد.
سفر التكوين 11: 30
انظر الى الشجرة التالية التي تمثل جيل ابراهيم
نوح
يافث حام سام
ارفاخاد شيلاح  ايبر بيليغ
رئيو سروخ ناحور تيراح
 ابرام (ابراهيم)
 ساراي(سارة)
اسحق
2- ابراهيم النبي
ولد ابرام في العراق، في مدينة اور مسقط رأسه، التي تقع الى الجنوب من بابل. واتبع ابرام تعليمات الرب وغادر بيته وانتقل الى حاران. وهنا تكلم الله اليه مرة ثانية.
وقال الرب لابرام انطلق من ارضك… الى الارض التي اريك… فأنطلق ابرام كما قال له الرب… وكان ابرام ابن خمس وسبعين سنة حين خرج من حاران.
 سفر التكوين 12: 1، 4
وكان هذا الانتقال بالنسبة لابرام مهمة صعبة، اذ لم تتوفر في ذلك الوقت وسائل الاتصال والمعلومات التي تتوفر لنا اليوم، كالخرائط وشركات السياحة والسفر او شبكة المعلومات الالكترونية التي تزودنا بسهولة بالمعلومات الوافية عن طرق السفر. لم يكن يعرف الى اين يذهب ! لم يخبره الله. وبعد ان بدأ السفر، كان يثق بان الله سيرشده الى الطريق يوما بيوم. وكان المكان الذي يقصده دون ان يعرف هو ارض كنعان، التي تسمى فلسطين اليوم.
وخرجوا ليمضوا الى ارض كنعان. فبنى هناك مذبحا للرب الذي ظهر له.
سفر التكوين 12: 5، 7
آمن ابرام أن الله سيخلصه من نتائج الخطيئة، فقدم ذبيحة الدم على المذبح كفارة لتغطية خطيئته. ورغم ان تقدمة الحيوانات كانت وسيلة من اجل ازالة الخطيئة فقط، فقد كانت ذبيحة ابراهيم، دليلا واضحا على أنه قد أدرك الحاجة الى بديل ليدفع عقوبة الموت عنه. كان يثق بالله تماما مثلما فعل هابيل ونوح، وكل الاشخاص الابرار الآخرين الذين عاشوا في العصور الماضية.
عاش ابرام حياة شبة بدوية، وكان يطلق عليه السكان المحليون اسم "العبراني"، وهي كلمة تحمل معنى المتجول، اي الشخص الذي يأتي من بعيد. وامضى ابرام وقتا طويلا في بلدة في المنطقة التي حل فيها، فاخذت البلدة اسم حبرون. ومنذ ذلك الحين وحتى اليوم كان يتم الاشارة الى ابرام ونسله بالعبرانيين (1).
 
اربعة مواعيد
اعطى الله ابرام ايضا اربعة مواعيد محددة:
1- سأجعل منك امة عظيمة …(2)
2- سأجعل اسمك عظيما …(3)
3- ابارك مباركيك وشاتمك اللعنة…(4)
4- ويتبارك بك جميع عشائر الارض
سفر التكوين 12: 2، 3
عندما يبارك الله فانه يمنح فضله وحسناته، وعندما يوجه اللعنة فانه يجلب الحظ التعس.
كان وعد الله الاول لابرام خبرا عظيما.  فلكي يصبح امة عظيمة، كان عليه ان يكون ابا لاطفال. ولما لم يكن لديه نسل، لان ساره قد تخطت سن الانجاب، اصيب بالحيرة حول كيفية اتمام هذا الوعد. ولكن لله اعطى وعدا، ويجب ان يتحقق هذا الوعد.
وكان الوعد الاخير مرتبطا بالاول، واشارة مباشرة للمخلص. كان الله يقول لابرام، أن واحدا من نسله سيكون هو الممسوح، وبركة لكل انسان. ويقول الكتاب المقدس ان ابرام قد آمن بالله وفرح لفكرة رؤية يوم وصول المخلص (5).
بعد كل هذه الامور، كان كلام الرب الى ابرام في الرؤيا قائلا : لا تخف اللهم يا رب ما تعطيني وانا منصرف عقيم…؟ ثم اخرجه الله الى الخارج وقال له انظر الى السماء واحص الكواكب ان استطعت ان تحصيها. وقال له هكذا يكون نسلك. فآمن بالرب فحسب له ذلك برا.
سفر التكوين: 15: 1،2،5،6
 
ان الجملة الاخيرة تحمل معان كثيرة. سننظر الى ثلاث كلمات فيها تحمل هذه المعاني، وهي  "برا"، "حسب"، "آمن" . وتحتل الكلمة الاخيرة اهمية خاصة، ولهذا سأخصص لها قسما كاملا ؟
 
الـبر
رأينا سابقا ان كلمة البر تستعمل للاشارة الى كمال الله، أي ان الله مقدس ونقي ومنـزه وبلا عيب وبدون أي شائبة.
 
حسب
تحمل هذه الكلمة فكرة تسديد حساب نقدي من خلال الدفع. ويوجد لهذا المصطلح استعمال مألوف في عالم المال اليوم. نحب ان نرى المال يضاف الى حسابنا المصرفي، لانه يظهر بأننا الطرف المستلم! ولكن ماذا يعني الكتاب المقدس عندما يقول:
فآمن بالرب فحسب له ذلك برا ؟ سفر التكوين 15: 6
هل تتذكر "شهادة الدين" التي يحصل عليها كل انسان نتيجة الخطيئة؟ حسنا، كان ابرام يحمل شهادة مثلها ايضا. وبما ان ابرام  قد آمن بوعود الله، فقد وضع الله رصيدا في حسابه، واعطاه البر.
ويشبه ذلك قول الله: "يا ابرام، بما انك تثق بي، فأنني سأدفع عن خطيئتك مقدما، واضع كمالي لصالحك. وعليك ان تفهم الآن أن بري يزيد كثيرا عن حال خطيئتك. وما اعطيك اياه يعادل اكثر من جميع خطاياك. تستطيع ان تعتبر خطيئتك مدفوعة، وأن البر الذي اعطيك اياه، لن يتدبر امر خطيئتك فقط، وانما سوف يمنحك كل الكمال الذي تحتاج اليه لتعيش معي في السماء."
ويقول الكتاب المقدس ان ابرام كان يثق بأن الله يحفظ كلمته حتى انه…
كان يتطلع الى المدينة بأساساتها، والتي مهندسها وبانيها هو الله
الرسالة الى العبرانيين 11: 10
ورغم ان جسد ابرام سيموت في النهاية، فانه لن يختبر العقوبة المخيفة المرتبطة بالموت الثاني. لقد عرف انه سيعيش مع الله الى الابد في السماء.
طرحنا في السابق السؤال التالي الذي يمثل وجهين لعملة واحدة: "كيف نستطيع ان نتخلص من خطيئتنا، وان نكتسب برا يساوي بر الله، وان يتم قبولنا في حضرته؟" وكان الجواب بسيطا بالنسبة لابرام : ثق بالرب وآمن بوعوده وهو يمنحك ما تريد.
 
3- الايمان الحقيقي
يمكن ان يساء فهم الكلمة الثالثة  "ايمان" بسهولة كبيرة، ولهذا يجب علينا ان نفهم بعض المعاني المرتبطة بها كما تظهر في كلمة الله:
- ان الكلمات والمعاني المرتبطة بالاعتقاد والايمان والثقة والأمانة، غالبا ما تستعمل بشكل متبادل، كما يلي:
آمن ابرام بالرب آمن بما قاله الله
وضع ابرام ايمانه بالرب كان له ايمان بكلمته
وثق ابرام بالرب عرف بأن الله جدير بالثقة
كان لابرام ثقة بالرب كانت ثقته بالله وحده
 يبنى الايمان الصحيح على الواقع والحقيقة وليس على المشاعر. وعندما تجلس على كرسي من الخشب، تكون لديك الثقة بأنه سيحملك، وانت لا تجلس عليه لوجود علاقة شعورية او عاطفة طاغية بينك وبينه. وتدرك أن الكرسي حقيقي، ولذلك فانك تسند نفسك عليه. وقد استند ايمان ابرام على حقيقة وعد الله. كانت هذه قضية حسابية بسيطة، تتمثل كما يلي:
- قال الله : سيكون لك ابن
- ان الله عظيم لأنه يستطيع عمل أي شيء
- سيكون لابرام ابنا
- لا يتعلق الامر بمقدار ايمانك (6) وانما فيمن تضع ثقتك. يمكن ان يكون ايمان
ابرام قد تذبذب في بعض الاحيان، ولكن ثقته بالله كانت راسخة.
- ان الايمان الحقيقي بالكتاب المقدس لا يتوقف عند الموافقة الذهنية على
 الحقائق، والا فلن يكون ايمانا حقيقيا.
 
يمكن توضيح الايمان بالطريقة الآتية:
يقف صديقان في احد المنتزهات . يسأل احدهما الآخر: هل تعتقد بأن عربة القطار هذه ستصمد في مكانها على هذه السكة المتعرجة؟" ويجيب الآخر:" طبعا اعتقد ذلك." فيقول الصديق الاول "حسنا، دعنا نركبها". لكن الصديق الثاني كان مترددا، وبدأ في خلق الاعذار، لكي لا يشارك في هذه المتعة، فقد كان هناك شك في حقيقة ايمانه. ورغم انه يقول نعم، فهو يشك في ذلك في نفسه.
يمكن ان تسبب عربات القطار سوء الظن، ويمكن ان تكون هنالك اسباب جيدة اخرى لعدم ركوبها، ولكن النقطة الاساسية هي: ان الايمان واليقين يؤثران في اعمالنا.
تجاوز ايمان ابراهيم الموافقة، وقام بالمجازفة بحياته وسمعته واعماله من اجل ايمانه. ولانه آمن، كان مطيعا لله وسافر الى ارض غريبة، وقدم القرابين، واثقا بأن الله سيخلصه من نتائج الخطيئة.
ويجب ان نفهم في الوقت نفسه، بأن طاعة ابرام لم تكن محاولة لكي يبرهن لله او للآخرين عن صدق ايمانه، وانما لانه كان يثق بالله. كانت النتيجة الطبيعية انه فعل ما اراده الله ان يفعله. وعندما نقرأ الكلمات "آمن ابرام بالرب…" يجب ان نفكر في مغزى ذلك كله.
وكلما تعمقنا بالدراسة، ندرك المزيد من الحقائق، ونكتشف بصورة اوضح كيف يصبح الايمان عاملا مرتبطا بدفع الخطيئة - دين الانسان. ويكفي ان نعرف الآن بأن الله يكرم الذين يؤمنون به.
 
4 - هاجر واسماعيل
انقضت السنوات، وابرام وساراي بدون ابناء، فقررا اخذ الامور بأيديهما. ووفق الطريقة المقبولة اجتماعيا في التعامل مع العقم، اخذت ساراي عبدتها هاجر واعطتها لابرام. وولد له منها ابنا اسمياه اسماعيل. واصبح لابرام نسلا حقيقيا حيا، يمكنه من الوفاء بوعد الله. كانت هنالك مشكلة واحدة. لقد قاما بتحقيق ذلك بطريقتهما وليس بطريقة الله.
وعندما بلغ ابرام من العمر تسع وتسعين سنة، ظهر له الرب وقال له :
انا الله القدير اسلك امامي وكن كاملا. ولا يكون اسمك ابرام بعد بل يكون اسمك ابرهيم لاني جعلتك ابا لجمهور من الامم.
سفر التكوين 17: 1، 5
ولم تعد هناك مشكلة لابراهيم الآن مع ما يقوله الله، اذ اصبح لديه نسلا. لقد اعطته هاجر ابنا - اسماعيل!
وقال الله لابرهيم ساراي امرأتك لا تسمها ساراي بل سمها سارة. وانا اباركها واعطيك منها ابنا واباركها وتكون اما وملوك وشعوب منها يكونون.
  سفر التكوين 17: 15، 16
لم تكن هذه الاخبار جيدة. لماذا يذكر الله ساره دائما ؟ الم يعلم الله بوجود هاجر؟ كان لابراهيم ابنا وهو اسماعيل! الا يمكن ان يأتي المخلص الموعود من خلاله؟ لماذا يجب ان يكون المخلص الموعود به من ساره ؟ فقد كانت امرأة كبيرة في السن! ويستحيل عليها الامر!
فسقط ابراهيم على وجهه وضحك، وقال في نفسه، ألابن مئة سنة يولد ام سارة وهي ابنة تسعين سنة تلد. فقال ابرهيم لله لو ان اسمعيل يحيا بين يديك.
سفر التكوين 17: 17،18
 اشار ابراهيم الى الله بأن اسماعيل كان مرشحا.
فقال الله بل سارة امرأتك ستلد لك ابناء وتسميه اسحق، واقيم عهدي معه، عهدا مؤبدا لنسله من بعده. واما اسماعيل فقد سمعت قولك فيه وهاءنذا اباركه وانميه واكثره جدا جدا، ويلد اثني عشر رئيسا واجعله امة عظيمة. غير ان عهدي اقيمه مع اسحق الذي تلده لك سارة في مثل هذا الوقت من قابل. سفر التكوين 17: 19-21
وهكذا كان الامر، ستحصل سارة على الطفل الموعود خلال سنة، وقد اعطى الله الطفل اسم اسحق. ولم ينس الله اسماعيل ايضا. وسوف نقرأ المزيد عنهما لاحقا.
 
ثلاثـة زوار
انتظر ابراهيم وسارة، وظهر الله في الوقت المحدد مرة ثانية، على شكل رجل يصحبه ملاكان ظهرا ايضا على شكل البشر.
الرب: اين امرأتك سارة ؟
ابراهيم: هي في الخباء
الرب: سارجع اليك في مثل هذا الوقت من قابل ويكون لسارة امرأتك ابن.
وكانت سارة تسمع عند باب الخباء وهو وراءه. وكان ابراهيم وسارة كبيرين وطاعنين في السن، وقد امتنع ان يكون لسارة كما للنساء. فضحكت سارة في نفسها قائلة: أبعد فنائي يكون لي تنعم وسيدي قد شاخ
الرب (لابراهيم): ما بال سارة قد ضحكت قائلة ايقينا ألد وقد شخت. أهذا على الرب بامر عسير. في مثل هذا الوقت من قابل أعود اليك ويكون لسارة ابن.
سارة: …كانت خائفة فجحدت وقالت: لم اضحك.
الرب: لا بل ضحكت.
سفر التكوين 18: 9-15
لا بد ان الامر كان وحيا لسارة، فقد عرفت بأن الله قد قرأ افكارها وهو العالم بكل شيء. حاولت ان تنكر بأنها قد ضحكت، ولكن ذلك لا ينطلي على الله. فقد قال: لا بل ضحكت. ان الله يجعل الشخص مسؤولا عن اعماله.
آمن ابراهيم وسارة بأن الله سوف يحفظ وعده،  ومر ايمانهما كما شاهدنا بارتفاع وهبوط، وكان هناك صراع مع الشك في بعض الاحيان. ولكن الشيء المدهش عن الله انه كما يقول: يكرم الايمان ولو كان بحجم حبة الخردل (6). ان حبوب الخردل صغيرة جدا. ليست القضية في مقدار الايمان الذي لديك، وانما في من تؤمن. كان ابراهيم وسارة يثقان بالله.
 
5- اسماعيل واسحق
وانتقد الرب سارة كما قال ، وفعل الرب لسارة كما وعد. فحملت سارة وولدت لابراهيم ابنا في شيخوخته في الوقت الذي حدده الله. فسمى ابراهيم ابنه المولود له الذي ولدته له سارة اسحق.
سفر التكوين 21: 1-3
حافظ الله على وعده لابراهيم وسارة حتى في شيخوختهما، لانه يحفظ كلمته دائما ، ويسر بعمل المستحيل. واصبح لابراهيم الآن ابنان: اسحق من سارة، واسماعيل من هاجر. ورغم ان لهذا الشيخ اولاد آخرون، فان اسحق واسماعيل هما اللذان نعرف الشيء الاكثر عنهما.
وعندما بلغ اسماعيل ستة عشر سنة تقريبا، كان اسحق في سن الثانية فقط، حصل حادث غير حياة اسماعيل… وتاريخ العالم.
ورأت سارة ابن هاجر المصرية الذي ولدته لابراهيم ساخرا.
سفر التكوين 21: 9
كان اسماعيل يسخر من اسحق، فلم يفهم اسماعيل عندما كان في السادسة عشرة من عمره، ولم يقدر خطة الله في ان يجعل اسحق اب امة عظيمة سيخرج منها الانبياء، والكتاب المقدس، والمخلص نفسه في النهاية. لم تتقبل سارة سخرية اسماعيل لابنها.
فقالت لابراهيم: اطرد هذه الأمة وابنها فان ابن هذه الأمة لا يرث مع ابني اسحق. فساء هذا الكلام جدا في عيني ابراهيم من جهة ابنه.
سفر التكوين 21: 10-11
ورغم ان الله قد قال بأن المخلص الموعود سوف يأتي من اسحق، فان هذا الامر لا يقلل من حقيقة ان اسماعيل كان لا يزال ابنا لابراهيم. كان هناك حب الأب الواضح لابنه. واصبح ابراهيم واقعا بين غيرة الحماية لامرأته ومحبته لابنه.
فقال الله لابراهيم لا يسوء في عينيك امر الصبي وامر أمتك. كل ما تقوله لك ساره، فاسمع لقولها لانه باسحق يدعى لك نسل. وابن الامة ايضا اجعله امة فانه نسلك.
سفر التكوين 21: 12-13
وبمعنى آخر كان الله يقول لابراهيم بأن يعطي هاجر حريتها.
فبكر ابراهيم في الغداة واخذ خبزا وقربة ماء فدفعهما الى هاجر وجعلهما على منكبها، وأعطاها الصبي وصرفها، فمضت وتاهت في برية بئر سبع. ونفذ الماء من القربة، فطرحت الصبي تحت بعض الشجر. ومضت فجلست تجاهه بعيدا قدر رمية قوس لانها قالت لا ارى موت الصبي. فجلست تجاهه ورفعت صوتها وبكت.
سفر التكوين 21: 14-16
تستطيع ان تتخيل يأس هاجر. كانت تفعل افضل ما بوسعها للعناية بابنها دون مساعدة او مكان تقيم فيه. وفي وسط تأوهاتها نسيت ان الله قد اهتم بها وبابنها:
وسمع الله صوت الغلام فنادى ملاك الله هاجر من السماء وقال لها: ما لك يا هاجر لا تخافي فان الله قد سمع صوت الغلام حيث هو. قومي فخذي الغلام، ولتكن يدك معه، فاني جاعله امة كبيرة . وكشف الله عن عينيها فرأت بئر ماء ، فمضت وملأت القربة ماء وسقت الغلام. وكان الله مع الغلام، حتى كبر فأقام بالبرية وكان راميا بالقوس، واقام ببرية فاران واتخذت له امرأة من ارض مصر.
سفر التكوين 21: 17-20
يقول الكتاب المقدس بأن الله كان مع اسماعيل حتى كبر وبلغ سن الرجولة. ورغم ان الله سيرسل المخلص عن طريق اسحق، فقد اراد الله ان يبارك اسماعيل ايضا. يريد الرب ان يكون الها لجميع الناس، يستطيع كل فرد الوصول اليه اذا اقترب منه بطريقة الله.
ومثلما وعد الله، اصبح اسماعيل امة كبيرة. ويعود اصل العديد من الشعوب العربية مباشرة اليه.
واقام ببرية فاران واتخذت له امة امرأة من ارض مصر
سفر التكوين 21: 21
 
5-المـزوّد
  في الكتاب المقدس قصة تشير الى حادثة في حياة ابراهيم لم ينساها ابدا:
وكان بعد هذه الامور ان امتحن الله ابراهيم. فقال له: يا ابراهيم ! قال: لبيك . قال خذ ابنك وحيدك الذي تحبه اسحق، وامض الى ارض موريه واصعده عنده محرقة على احد الجبال الذي اريك. فبكر ابرهيم من الغداة وأكف حماره واخذ معه غلامين واسحق ابنه وشقق حطبا لمحرقة، وقام ومضى الى الموضع الذي اشار له الله اليه. وفي اليوم الثالث رفع ابراهيم طرفه، فأبصر الموقع من بعيد. فقال ابراهيم لغلاميه امكثا انتما ههنا مع الحمار، وانا والغلام نمضي الى هناك فنسجد ونرجع اليكما. واخذ ابراهيم حطب المحرقة، وجعله على ابنه، واخذ بيده النار والسكين، وذهبا كلاهما معا. فكلم اسحق ابراهيم اباه وقال يا ابت. قال لبيك يا بني. قال هذه هي النار والحطب، فأين الحمل للمحرقة. فقال ابراهيم الله يرى له الحمل للمحرقة يا بني. ومضيا كلاهما معا. فلما افضيا الى الموضع الذي اشار الله اليه، بنى ابراهيم المذبح هناك ونضد الحطب واوثق اسحق ابنه والقاه على المذبح فوق الحطب. ومد ابراهيم يده فأخذ السكين ليذبح ابنه. فناداه ملاك الرب من السماء قائلا: ابراهيم.. ابراهيم. قال ها أنذا. قال لا تمدد يدك الى الغلام، ولا تفعل به شيئا، فاني الآن عرفت انك متق لله ، فلم تذخر ابنك وحيدك عني. فرفع ابراهيم طرفه ونظر، فاذا بكبش وراءه، معتقل بقرنية في الجداد. فعمد ابراهيم الى الكبش واخذه واصعده  محرقة بدل ابنه. وسمى ابراهيم ذلك الموضع "الرب يرى" ولذلك يقال اليوم جبل الرب يرى. ونادى ملاك الرب ابراهيم ثانية من السماء. وقال بنفسي اقسمت يقول الرب، بما انك فعلت هذا الامر، ولم تذخر ابنك وحيدك، لاباركنك واكثرن نسلك كنجوم السماء، والرمل الذي على شاطئ البحر، ويرث نسلك باب اعدائه. ويتبارك في نسلك جميع امم الارض. انك سمعت لقولي.
سفر التكوين 22: 1-18
ان هذه قصة مؤثرة للغاية، تظهر للوهلة الاولى ان الله يؤيد التضحية بالطفل! ولكن علينا ان ننظر الى ما هو ابعد من ذلك .
 
هـذا ابـنك
طلب الله من ابراهيم ان يأخذ ابنه ويضحي به على مذبح، وان يعده  للموت. ولم يكن هذا طلبا عشوائيا. عندما تشير كلمة الله الى هذا الابن بالابن الوحيد لابراهيم، لا يعني ذلك انه لم يكن لابراهيم نسلا آخر، وانما كان الرب يركز الانتباه على ان المسيح عليه السلام سوف ينحدر من ابن ابراهيم، الطفل الذي انتظره لفترة طويلة. ولم يكن اسحق ايضا الابن الذي وعد الله بأنه سيكون ابا لاحفاد لا يحصون، وانما كان هو الابن الذي سوف يأتي منه المخلص. كان الرب واضحا حول هذا الامر، وأن ابنا ميتا لا يكون له نسل!
لا شك ان طلب الله قد سبب الحيرة لابراهيم. ويحتمل ان يكون ابراهيم قد شاهد القرابين البشرية التي تقدمها الامم الاخرى في عصره، وعرف بأن تقديمها كان شكلا مألوفا لتهدئة آلهتهم. ولكن الأمر الذي وجهه الله لابراهيم كان يخالف كل ما عرفه ابراهيم عن الخالق. وعد الله اسحق بنسل كثير، وهذا الوعد السابق من الله لا ينسجم مع امره الراهن. ولكن ابراهيم كان يؤمن بأن الرب جدير بالثقة بشكل كامل، وفعل تماما كما طلب منه الله. واستدعى ابنه واسرج حمار العائلة واخذ المستلزمات لعمل الذبيحة، وانطلق لينفذ ما امره الله. ولا بد ان قلبه كان يتمزق من الحزن والكرب! اظهرت طاعته ايمانه المطلق بصلاح الله وجهدا كبيرا من طرفه.
لم يترك لنا الكتاب المقدس مجالا نعرف من خلاله الطريقة التي كان يفكر بها ابراهيم، وانما يخبرنا أنه قد تمسك بوعد الله، وكان يؤمن بأنه لو ضحى باسحق، فان الرب سيحييه من بين الاموات.
والايمان لما امتحنه الرب فقد قدم ابراهيم اسحاق كتضحية…. وعلل ابراهيم ذلك بأن الله يمكنه ان يقيم الموتى… ويرجع اسحق من الموت.
الرسالة الى العبرانيين 11: 17، 19
يقول الكتاب المقدس أن الله كان يمتحن ايمان ابراهيم، وسنعرف السبب في الصفحات التالية. واظهر هذا الامتحان لنا ثقة ابراهيم الحقيقية بالرب.
وانطلق ابراهيم وابنه ومعهما شابان آخران الى جبال موريا. وعندما اقترب الجميع من المكان، ذهب ابراهيم مع ابنه منفردين، وكان الابن يحمل الحطب. وسأل اسحق اباه في الطريق،: اين الحمل ؟ وكان اسحق بدون شك قدشهد في الماضي تقديم الاضاحي، وكان الامر لا يتطلب الحصول على معرفة كبيرة، لكي يدرك بأن احد العناصر الاساسية للتضحية كان مفقودا -وهو الذبيحة نفسها:

هذه النار والحطب فأين الحمل للمحرقة؟
سفر التكوين 22: 7
لا يستطيع المرء الا ان يتساءل: هل كان اسحق يفكر بطرق التضحية بالاطفال في الديانات الاخرى. كان لديه ثقة كبيرة بالله، وعندما اجاب ابوه بأن الله سيوفر الحمل، استمر يسير معه برضى. ويقول الكتاب المقدس بأنهما ذهبا معا.
 
موثـق
فلما افضيا الى الموضع الذي اشار له الله اليه، بنى ابراهيم هناك المذبح ونضد الحطب واوثق  اسحق ابنه والقاه على المذبح فوق الحطب.
سفر التكوين 22: 9
لم يكن ابن ابراهيم طفلا، فقد كانت كلمة "غلام" في اللغة العبرية تستعمل للاشارة الى الذكور الصغار حتى سن الخدمة العسكرية. وكان كبيرا بما فيه الكفاية لكي يبدأ عراكا، اضافة الى ان ابراهيم لم يكن شابا صغيرا. ولا يوجد دليل على حدوث اي مقاومة. والواضح ان الابن قد خضع لارادة أبيه، وهذا عمل اظهر ثقة ضمنية في والده الذي عرف بأنه يتبع كلمة الله.
وعندما ربط اسحق على المذبح، كان دون حول ولا قوة، وكان تحت امر الله المباشر والمحدد لكي يذبح. لم تتوفر لدية اي وسيلة يستطيع من خلالها انقاذ نفسه. ويقول الكتاب المقدس بأن ابراهيم مد يده واخذ السكين. تستطيع ان ترى يد الرجل المسن وهي ترتجف، وفكاه يرتخيان، وقلبه على وشك ان ينكسر.هذا هو ابنه! ان الشعور في هذه اللحظة رهيب. وترتفع الذراع المرتجفة ببطء، ويلمع معدن السكين البارد في ضوء النهار الداكن، ونية صادقة تدفعه الى القيام بالعمل.. ثم … يتدخل الله. ونادى ملاك الرب ابراهيم من السماء وقال…
لا تمدد يدك الى الغلام، ولا تفعل به شيئا، فاني الآن عرفت انك متق لله فلم تذخر ابنك وحيدك عني.
سفر التكوين 22: 12
لا بد ان الدموع قد سالت بغزارة. تستطيع ان ترى الأب يبكي بمرارة. لقد تدخل الله، وأزال حكم الموت! زال حكم الموت عن الابن على الاقل، ولكن لا يزال هنالك موت.
 
بـديـل
يقول الكتاب المقدس ان الله قدم حيوانا.
فرفع ابراهيم طرفه ونظر فاذا كبش وراءه معتقل بقرنية في الجداد.
سفر التكوين 22: 13
ولأن الكبش كان مربوطا بهذه الطريقة، فانه لم يبذل الجهد لكي يحرر نفسه.
فعمد ابراهيم الى الكبش واصعده محرقته بدل ابنه
سفر التكوين 22: 13
 
حسنا، لقد كان هنالك ذبح، وذبح الكبش بدلا من اسحق. واصبح ابن ابراهيم حرا لان كبشا مات عنه. لقد وفر الله له بديلا. وترك هذا الحادث اثرا كبيرا في نفس ابراهيم وفكره، فاطلق اسمه على الجبل، لكي يتذكر الناس عظمة الله.
وسمى ابراهيم ذلك الموضع "الله يرى" ولذلك يقال اليوم جبل الرب يرى.
سفر التكوين 22: 14
وجد ابراهيم ان الله حق …
فخلص في وقت الضيق.
ارميا 14: 8
وتنتهي القصة بتأكيد وعد الله لابراهيم، سيكون نسله كبيرا - كل شعب يعقوب. وتضمن هذا الوعد ان المسيح عليه السلام سيكون احد احفاد ابراهيم واسحق. وسيكون بركة لجميع الناس:
 اقسمت بنفسي يقول الرب….يتبارك في نسلك جميع امم الارض من اجل انك سمعت لقولي.
سفر التكوين 22: 16، 18
كان طلب الله من ابراهيم ان يضحي بابنه، طلبا فريدا في حياته وفي تاريخ الانسانية. لقد اراد الله ان يوصل الينا جميعا بعض الحقائق، وليس الى ابراهيم فقط، وتتعلق هذه الحقائق بالحكم والايمان والخلاص من خلال البديل او التضحية.
وكما خضع اسحق لامر الله المباشر بالموت، تخضع الانسانية كلها لحكم الموت(7). لم يستطع ابن ابراهيم ان يخلص نفسه. ولكن ثقة ابيه بالله وايمانه، دفعاه الى الاعتقاد بأن الله المحب سيفعل شيئا. وتدخل الله بالفعل، ووفر طريقة للهرب من خلال البديل… حياة مقابل حياة … والبريء يموت بدلا عن المذنب.
وكما قدم هابيل ضحية لكي تموت بدلا منه، ذبح الكبش بدل اسحق. ومثلما نظر الله الى ذبيحة هابيل بأنها مقبولة، رأى الله ان يوفر كبشا بدلا من اسحق ليكون ضحية مقبولة. كانت الفكرة لله، وكان الانسان مؤمنا بأن كلمة الله حقة.
 

-----------------

 إلى الفصل السابع | إلى محتويات كتاب غريب على الطريق | إلى مكتبة النعمة