مقدمة لسفر الأمثال

يحتوي هذا السفر على 900 مثلا تقريبا ويركز على كل جوانب الحياة - الأخلاقية، والدينية، والاجتماعية، والسياسية.

وهو يضع في الاعتبار الأول العبادة والولاء لله وخدمته: مخافة الرب رأس المعرفة [أي بدايتها وجوهرها]، أما الجاهلون فيحتقرون الحكمة والأدب [الذي بحسب التقوى] (أمثال 7:1). وهذا يجب أن يؤدي إلى ثقة مطلقة في كلمة الله وأيضا سحب الثقة في الحكمة الذاتية أو المشاعر الشخصية (أمثال 5:3-6).

إن اتباع الحكمة يؤدي إلى الطاعة والأمانة والإخلاص والتضحية من أجل الرب في خضوع كامل لمشيئته (أمثال 1:3-18). فالحكمة هي إحدى صفات الله الخالق السرمدي ونحن نحتاج إلى حكمة الله لكي نتمم إرادته.

العبادة الحقيقية هي عبادة داخلية وخارجية. فالعبادة الخارجية - أي الترانيم التي نرنمها والكلمات التي نقولها - يجب أن تكون في توافق مع أفكارنا الداخلية (أمثال 9:14،25؛ 3:17). وأي شيء أقل من ذلك يعتبر نفاق ورياء. وهذا هو الذي يجعل العابد مقبولا أمام الله أو يجعله مكرهة أمامه (أمثال 20:11؛ 8:15). عندما نخطئ، فيجب أن نعترف بذنبنا ونخضع لتأديبه (13:28؛ 11:3).

والتركيز الثاني في هذا السفر يختص بمسئوليتنا من جهة السلوك الشخصي. وهذا يدخل تحت عدة بنود:

1-تجنب المعاشرات الرديئة (10:1-18؛ 20:13).

2-الطمع هو شر عظيم ومكاسبه وقتية فقط وهو يؤدي إلى خداع الآخرين (19:1؛ 4:23-5؛ 20:28).

3-الزنى، والشذوذ الجنسي، وجميع الخطايا الجنسية هي مكرهة (16:2-19؛ أصحاح 5؛ 23:6-35؛ أصحاح 7؛ 18:9؛ 14:22).

4-السعي للعيش في سلام مع الآخرين (29:3؛ 13:17).

5-البطالة والكسل يدمران فرص الإنسان (6:6؛ 4:13؛ 19:15).

6-يجب حفظ اللسان لأنه هو أداة الحياة والموت (3:13؛ 21:18؛ 23:21).

7-الحكيم والجاهل سيطلبان كلاهما صداقتك (أصحاح 9).

8-تجنب كشف أخطاء الآخرين وعيوبهم لأننا نتمنى نفس هذه المعاملة (12:10).

9-التزم بالأمانة في جميع تعاملك مع الآخرين (1:11؛ 14:20،28؛ 6:21).

10-اعلم أن الكبرياء ومدح النفس كلاهما ضد الحكمة ومكروهين من الله (9:12؛ 5:16، 18-19؛ 2:17؛ 4:21).

11-كن عطوفا على الآخرين - أشفق على المتألمين، وشجع اليائسين، وأعط المحتاجين (25:12؛ 24:16؛ 27:3؛ 31:14).

12-الحكيم يعتبر الحياة فرصة لإتمام إرادة الله، أما الجاهل فيعتبر الحياة فرصة للانغماس في المتع الشخصية (7:13؛ 1:23، 20-21، 29-32).

13-الغيرة والغضب يدمران صاحبهما (17:14،30؛ 1:15).

14-اعمل على تكوين صداقات مع الذين يحبون الرب وابذل كل جهد لمساعدتهم على الاقتراب أكثر من الرب (24:18).

15-تحذيرات بخصوص مخاطر وخداع الخمر (1:20؛ 17:21؛ 30:23-31؛ 4:31-5).

والفرق الأساسي بين الحكيم والجاهل يظهر في طريقة استخدامهم للوقت وللخيرات الزمنية - أي الأموال والمواهب والقدرات والممتلكات

اقرأ أمثال 1 -- 3

لا يوجد شيء يمكن أن نربحه في هذا العالم - حتى لو ربحنا العالم كله (متى 26:16؛ مرقس 36:8؛ لوقا 25:9) - يمكن أن يقارن بالقيمة الأبدية للحكمة الروحية الحقيقية. هذه الحكمة لا يمكن الحصول عليها بأي طريقة أخرى إلا بالتأمل في كلمة الله.

إن مرشدنا المحب، الذي يقودنا إلى أفضل ما في الحياة، ينصحنا قائلا: يا ابني إن قبلت كلامي وخبأت وصاياي عندك، حتى تميل أذنك إلى الحكمة وتعطّف قلبك على الفهم، إن دعوت المعرفة، ورفعت صوتك إلى الفهم، إن طلبتها كالفضة وبحثت عنها كالكنوز، فحينئذ تفهم مخافة الرب وتجد معرفة الله (أمثال 1:2-5).

هذا الرسالة موجهة إلى "ابني" (أمثال 1:2). فمثل الابن الذي يثق ثقة مطلقة في أبيه، ينصحنا الرب أن نقبل ... ونخبئ ... ونميل أذننا ... وندعو ... ونرفع صوتنا [أي نطلب بصوت عال] ... ونطلب ... ونبحث عن الحكمة كما يبحث الإنسان عن الكنوز الخفية (أمثال 1:2-4). هذا الفصل يركز على أهمية اختياراتنا. وكأن الرب يقول لنا: "خذ تعليمي بجدية". فإن اكتساب الحكمة من الرب ليس أمرا تلقائيا، ولا يحدث بأن ينجرف الإنسان إليه. وإنما الأمر يحتاج إلى قرار إرادي بالبدء والاستمرار. فهذه الكلمات تحتاج إلى إخلاص نابع من قلب موحد: إن دعوت المعرفة ورفعت صوتك إلى الفهم (أمثال 3:2). فالأمر يتطلب تصميما ثابتا.

توجد خطوط إرشادية بها يصبح الخضوع الكامل ممكنا للذين لديهم استعداد أن يطيعوا قول الرب: توكل على الرب بكل قلبك وعلى فهمك لا تعتمد. في كل طرقك اعرفه وهو يقوّم سبلك. لا تكن حكيما في عيني نفسك (أمثال 5:3-7). عندما تكون لدينا هذه الرغبة ونتمسك بها بإصرار فلا بد أن نتلامس مع حكمة الله وقوته التي تحفظنا من الشر.

إنه لأمر عجيب حقا هذا الكم الكبير من التعليم الدراسي الذي نعتقد أنه أساسي استعدادا لمدة حياتنا القصيرة التي تبلغ فقط 70 سنة. فإننا نقضي ست سنوات - من الدراسة اليومية - في المرحلة الابتدائية، ومع ذلك فهي ليست كافية للوصول إلى أهداف الحياة. ثم ست سنوات أخرى في المراحل الأعلى وتكون هذه أيضا غير كافية، ثم أربع سنوات في الكلية لمن يريدون التخصص في العلوم أو الطب أو غيرها من المجالات الفنية. أما في الحياة المسيحية، فعلى النقيض تماما، إذ يبذل معظم المسيحيين القليل جدا من الوقت والجهد في إعداد أنفسهم لما يريدهم الرب أن يكونوا من أجل تحقيق الغرض الذي من أجله خلقهم. إن الحصول على أفضل ما يريده الله لنا استعدادا للأبدية وأيضا لهذه الحياة، معناه التكريس والالتزام بنفس القدر الذي لدى أولئك الذين يطلبون أهدافا عالمية.

إن السلوك بالروح لا تحبط هذه الطاقة الزائدة التي نسعى بها وراء النجاح الزمني. وإنما على العكس، فهي تدعونا إلى تحويل نفس هذه الطاقة - مثل الشخص الذي يبحث عن الفضة أو الكنوز الثمينة (أمثال 4:2) - إلى البحث عن الحكمة التي لا يستطيع أحد أن يعطيها إلا الله وحده. وهذا يعني عمرا بأكمله من المجهود الروحي المتزايد، يقضيه الإنسان في قبول كلام الله، وتخبئة وصاياه، وإمالة أذنه إلى الحكمة، وطلبها بصوت عال، والبحث والتنقيب عن الحق (أمثال 1:2-4).

إن كان أحدكم تعوزه حكمة فليطلب من الله الذي يعطي الجميع بسخاء ولا يعيّر، فسيُعطى له (يعقوب 5:1).

إعلان عن المسيح: كالخالق الذي أسّس الأرض وثبّت السموات (أمثال 19:3). كل شيء قد خُلق في المسيح.

أفكار من جهة الصلاة: انتظر الرب فسيجدد قوتك (إشعياء 31:40).

اقرأ أمثال 4 -- 7

يخصص سفر الأمثال جزءا كبيرا للتحذير من خداع الزنى والعهارة أكثر من أي خطية أخرى. فمن بين كل خدع الشيطان نجد هذا الشر بالذات يحتاج إلى تحذير خاص إذ أنه يذكر في أمثال 16:2-19؛ وأصحاح 5 بأكمله؛ 23:6-35؛ وأصحاح 7 بأكمله. إن التأكيد المتكرر على هذا الذنب تجاه الله يدل على أن الرب يضع الخطايا الجنسية بين أخطر الخطايا جميعا.

إن الخطايا الجنسية خادعة جدا لدرجة أن الله يبدأ بالقول: أمل أذنك (أمثال 1:5) - أي استمع بكل انتباه وكل جدية، وركز تفكيرك في الحق الذي سأقوله لك. إن العلاقة المحرمة قد تعطي متعة وإثارة مثل حلاوة العسل في الفم (أمثال 3:5). ولكن الزاني بامرأة عديم العقل، ومن يفعل ذلك يهلك نفسه (أمثال 32:6؛ 22:7-23). فهناك نتائج رديئة لا يمكن تجنبها: ضربا وخزيا يجد وعاره لا يمحى (أمثال 33:6).

إن تأجيل التوبة قد يؤدي إلى موت أبدي. فالفشل هنا له مضاعفات مدمرة عديدة، إذ أن كل من دخل إليها لا يؤوب ولا يبلغون سبل الحياة (أمثال 19:2). ويحذرنا الرب من أن النتيجة النهائية مرة كالأفسنتين (أمثال 4:5). والأفسنتين هو نبات مر وسام يسبب تشنجات وشلل وقد يؤدي إلى الموت.

إن الأفسنتين يمثل أيضا دينونة الله في نهاية الزمان (رؤيا 11:8)، وتوجد حقيقة مؤكدة لا يمكن الهروب منها وهي أنه بسبب امرأة زانية يفتقر المرء إلى رغيف خبز (أمثال 26:6). إن الخطايا الجنسية تؤدي إلى الانتحار الروحي: قدماها تنحدران إلى الموت، خطواتها تتمسك بالهاوية (أمثال 5:5). إن الخطايا الجنسية تجر ضحاياها إلى الدمار (أمثال 18:2؛ 27:7؛ 18:9؛ 14:22). تمايلت خطواتها ولا تشعر [أي أن طرقها معوجة ولا يمكنك أن تلاحظ ذلك] (أمثال 6:5) - فإن هذه المتعة الوقتية سرعان ما يحل محلها الخواء وتزعزع الثقة، إلى أن يأتي اليوم الذي فيه يصرخ الجاهل قائلا: كيف أني أبغضت الأدب ورذل قلبي التوبيخ! (أمثال 12:5).

ولا يزال التحذير يدوي عاليا وواضحا: ابعد طريقك عنها (أمثال 8:5) - أي لا تخضع لهذه التجربة بأي درجة.

إن المؤمنين في العهدين القديم والجديد يشبَّهون بعروس المسيح؛ لهذا فإن الممارسة الجنسية خارج نطاق الزواج تعتبر زنى روحي. في كثير من الأحيان يبرر الإنسان هذه الخطية بأنها "حق من حقوقه" لأن "الكل يفعلون ذلك". ولكن الرب يعلمنا: كل من ينظر إلى امرأة ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه (متى 28:5). والمرأة التي تعطي نفسها لأي رجل غير زوجها تسمى زانية (أمثال 26:6؛ تكوين 24:38؛ لاويين 29:19؛ هوشع 3:3).

فأي شخص خدعه الشيطان وعماه وأوقعه في الفخ في هذا الزمن الشرير - الذي فيه ينادى بالجنس وشهوة الجسد على أنه أسلوب حياة - يجب أن يصرخ إلى الله بتوبة صادقة، لأن كل من يقر بخطيته ويتركها يُرحم (أمثال 13:28).

طوبى للذين يصنعون وصاياه لكي يكون سلطانهم على شجرة الحياة [أي ليكون لهم حق الاقتراب إلى شجرة الحياة] ويدخلوا من الأبواب إلى المدينة، لأن خارجا الكلاب والسحرة والزناة والقتلة وعبدة الأوثان وكل من يحب ويصنع كذبا (رؤيا 14:22-15).

إعلان عن المسيح: بصفته معلم الحكمة (أمثال 7:4،11). المسيح هو المعلم "المذخر فيه جميع كنوز الحكمة والعلم" (كولوسي 3:2).

أفكار من جهة الصلاة: تذكر أن الرب يسمع صلواتك ويستجيبها (إشعياء 24:65).

اقرأ أمثال 8 -- 11

لا تستهن بحجم الكبرياء الموجودة في قلب الإنسان المغرور، والتي تجعله يبغضك إذا حاولت أن تؤنبه أو توبخه أو تصححه. فكما لو كانت أسهم التعليم تخطئ الهدف لديه وترتد إلى الشخص الذي أطلقها.

ومحور درس اليوم هو "يجب أن تكون حكيما في اختيار تلميذك". من يوبخ مستهزئا يكسب لنفسه هوانا، ومن ينذر شريرا يكسب عيبا. لا توبخ مستهزئا لئلا يبغضك، وبخ حكيما فيحبك. أعط حكيما فيكون أوفر حكمة، علم صديقا [أي شخصا بارا وفي علاقة صحيحة مع الله] فيزداد علما. بدء الحكمة مخافة الرب، ومعرفة القدوس فهم (أمثال 7:9-10).

إننا كثيرا ما نكون غير مدركين لشرور قلوبنا إلى أن يواجهنا أحدهم بالتوبيخ. فإن محاولة تأديب الشخص الذي يحب نفسه أكثر مما يحب الحق سيزيده غضبا ويجعله ينقلب عليك تماما. عندئذ يصبح الحقد والضغينة هما مكافأتك على ما حاولت أن تقدمه من خدمات.

وقد حذر بولس تيموثاوس من أن يعطي شخصا مبتدئا مكانا مرموقا في الخدمة: لئلا يتصلف فيسقط في دينونة إبليس (1 تيموثاوس 6:3).

وعلى العكس فهناك من يشعرون بالامتنان لك العمر كله لأنك أحببتهم إلى حد أنك أخبرتهم بالحق. فإن لسان حالهم: ليضربني الصديق فرحمة، وليوبخني فزيت للرأس، لا يأبى رأسي (مزمور 5:141).

إن الحكمة تنادي؛ وفي الواقع فإنها تصرخ بصوت عال. فهي تهتم بالناس بدرجة تجعلها لا تستطيع أن تصمت. إن رسالتها هامة جدا لذلك فهي لا تهتم بصورتها الشخصية، على الرغم من أن الكثيرين يبغضون الحق. ولكنها لا تنوي أن تجعل قضيتها العادلة تغرق في بحر الخجل.

إن الطريقة التي بها يتلقى الإنسان التوبيخ تدل دائما على طبيعته الحقيقية. فالمبتدئ المتعجرف يعرف فقط القدر الذي يجعله مطمئنا أنه لا يخطئ وبذلك يخدع نفسه، وهو يواجه أي توبيخ بنوبة من الغضب. فهو يعتبر التوبيخ أنه هجوم شخصي عليه أو إهانة شخصية له. قد يكون هناك عيب في الشخص الذي يوجه التوبيخ، وهذا ما يحدث عادة حيث أنه مجرد إنسان. ولكن حتى إذا كان أسلوب التوبيخ غير حكيم أو عنيف أو جارح، فإن رد فعل الغضب يدل دائما على الكبرياء والعناد. أما الشخص الأمين فإنه سيفحص قلبه وسيصغي باهتمام مهما كان أسلوب المتكلم. فالشخص الحكيم الحقيقي يعرف أنه يحتاج إلى تعليم وهو يشعر بالامتنان عندما يحاول أحد أن يصحح خطأه بكل صدق - حتى وإن خلا ذلك التوبيخ من اللطف والكياسة.

لقد بدا يسوع عنيفا مع بطرس عندما قال له: اذهب عني يا شيطان ... لأنك لا تهتم بما لله لكن بما للناس (متى 23:16؛ مرقس 33:8). ولكن كلمات يسوع هذه كانت كلمات الحب الكامل.

إن موقف الشخص الحكيم روحيا يتضح في قول المرنم: سلامة جزيلة لمحبي شريعتك، وليس لهم معثرة (مزمور 165:119).

إعلان عن المسيح: بصفته الشخص الذي كان مع الآب "لما ثبت السموات" (أمثال 27:8-31). "وأنت يا رب في البدء أسست الأرض والسموات هي عمل يديك" (عبرانيين 10:1).

أفكار من جهة الصلاة: هل يمكنك أن تقول أنك مستعد لمجيء الرب؟ (ملاخي 2:3).

اقرأ أمثال 12 -- 15

أفضل رصيد يمكننا أن نضيفه إلى مستقبل أولادنا هو أن نعلمهم الطاعة - أولا الطاعة للمسيح كمخلصهم الشخصي، ثم الطاعة للوالدين، ثم لجميع الذين هم في منصب سلطة مثل المدرسين والقادة وقوانين البلاد. وقبل أن نعلم أولادنا الخضوع للسلطة، يجب أن نكون نحن أيضا خاضعين للسلطة.

إن العصا هي رمز السلطة التي أعطاها الرب للوالدين من أجل تربية أولادهم. والضرب بالعصا معناه ممارسة السلطة - وليس مجرد توجيه التهديدات التي نادرا ما تنفذ. فالعصا يجب أن تستخدم بحزم ولكن في نفس الوقت بمحبة وبروح الصلاة. هذا بالطبع لا يعني التنفيس عن الإحباطات المختزنة من خلال "الزعيق" والضرب وإصدار الأوامر.

إن الله في حكمته المتناهية يقول: من يمنع عصاه يمقت ابنه ومن أحبه يطلب له التأديب (أمثال 24:13). فإن منع العصا ليس من علامات الحب، بل من علامات الخيانة لله. إنها علامة للضعف والظلم الشديد للطفل (أمثال 18:19؛ 15:22؛ 13:23؛ 15:29،17).

هذا التأديب هو على مثال أبينا السماوي: لأن الذي يحبه الرب يؤدبه (عبرانيين 6:12). إن البركات المستقبلية للتأديب تفوق بمراحل ألمه الحاضر، كما يقول كاتب المزمور: قبل أن أذلل أنا ضللت، أما الآن فحفظت قولك (مزمور 67:119).

فيمكنك أن تنمي لدى أطفالك احترامهم للسلطة الممنوحة لك من الله، وفي نفس الوقت تزودهم بيقين محبتك. انظر إليهم بحب عندما تتحدث إليهم وعندما يتحدثون إليك. فالأطفال لديهم الكثير في أذهانهم، لذلك عندما يتحدثوا إليك أصغي إليهم باهتمام واستمع إلى ما يقولونه. دعهم يعرفون أنك تهتم بما يهمهم. اقض وقتا مع أولادك. تناول الطعام معهم، واشترك في أنشطتهم المدرسية، وشاهد التليفزيون معهم بشكل انتقائي جدا، وناقش معهم ما يشاهدون.

من المهم جدا أن تقرأ الكتاب المقدس معهم وأن تصلي معهم. دع أولادك يكتشفون خضوعك واعتمادك على أبانا الذي في السموات (متى 9:6). دعهم يسمعون صلواتك من أجلهم ورغبتك في إرضاء الرب.

صل من أجل الحكمة، ولكن ابدأ مبكرا - ليس بعد سن 3 سنوات - علمهم صلاة قصيرة وترنيمة وآيات كتابية. إنها مسئولية كبيرة على الوالدين أن يحبوا أولا الرب ويحبوا كلمته بكل قلوبهم؛ ثم يعلّمون أولادهم بكل اجتهاد المبادئ الكتابية (تثنية 2:6-18؛ أمثال 6:22).

الوالدان هم أمثلة حية. وما يراه الأولاد في البيت هو ما يظنون أنه صواب. يجب على الوالدين أن يحافظوا على السلطان الممنوح لهم من الرب في روح محبة المسيح وصبره. ليس من الحكمة تحقيق جميع شهوات الطفل. فالطفل يحتاج إلى حدود - وإلا فسيصبح متسلطا وكثير المطالب ويتحول إلى منحرف صغير. ولكن في نفس الوقت لا تتوقع منه الكمال.

أيها الأولاد أطيعوا والديكم في الرب لأن هذا حق. أكرم أباك وأمك التي هي أول وصية بوعد - لكي يكون لكم خير (أفسس 1:6-3؛ أيضا خروج 12:20؛ تثنية 16:5).

إعلان عن المسيح: بصفته الشخص الذي يكره الكذب (أمثال 22:12). "جميع الكذبة ... نصيبهم في البحيرة المتقدة بنار وكبريت" (رؤيا 8:21).

أفكار من جهة الصلاة: صل باتضاع، ولا تستعرض حالتك الروحية (متى 5:6-6).

اقرأ أمثال 16 -- 19

من الطبيعي أن نظن أننا متواضعون خاصة عندما نصلي. ولكن التواضع الحقيقي يظهر في موقفنا من الذين يسيئون إلينا. فإذا أجبناهم بالمثل - سواء خارجيا أو داخليا - فإن "تواضعنا" يكون مجرد كبرياء بشري مقنّع بالادعاء الديني.

يواجهنا سفر الأمثال بسبعة تحذيرات مختصة بالكبرياء. أولهم العيون المتعالية التي هي إحدى سبع خطايا يكرهها الرب (أمثال 16:6-17). أيضا يعلمنا أن مخافة الرب بغض الشر: الكبرياء، والتعظم، وطريق الشر، وفم الأكاذيب (أمثال 13:8؛ أيضا 2:11؛ 10:13؛ 3:14؛ 23:29). وأخيرا يحذرنا من النتيجة الحتمية للكبرياء: قبل الكسر الكبرياء وقبل السقوط تشامخ الروح. تواضع الروح مع الودعاء خير من قسم الغنيمة مع المتكبرين (أمثال 18:16-19).

إن التواضع ليس تمثيلية نؤثر بها على الآخرين، وإنما هو روح تظهر في اللطف تجاه غير اللطفاء، والصبر تجاه غير الصبورين، والرحمة تجاه المبغضين. فكيف يمكننا أن نقول أننا بتواضع قد سلمنا أنفسنا للمسيح إذا كنا نتعامل مع الآخرين بعنف وببغض ولا مبالاة؟ دعونا نعتبر أن الأشخاص الذين يصعب حبهم هم أدوات رحمة من الله من أجل تطهيرنا. فإنهم يتيحون لنا الفرصة لإظهار تواضع المسيح بالتعبير عن محبته.

إن الأشخاص المتواضعين حقا لا يشعرون بالغيرة أو الحسد عندما يتجاهلهم الناس بينما ينال غيرهم المدح. فالمتواضع يحب أن يسمع مدح الآخرين لأنه تعلم أن يتشبه بالمسيح الذي لم يطلب أن يرضي نفسه ولم يبحث عن كرامة لنفسه (فيلبي 5:2-8).

إن الكبرياء بها طاقة مدمرة والتواضع الكاذب يخدع صاحبه، وقد دفع ذلك الرسول بولس ليكتب إلى أهل رومية قائلا: مهتمين بعضكم لبعض اهتماما واحدا غير مهتمين بالأمور العالية بل منقادين إلى المتضعين. لا تكونوا حكماء عند أنفسكم (رومية 16:12).

وكتب بولس إلى أهل كورنثوس قائلا: المحبة لا تتفاخر، ولا تنتفخ، ولا تقبح [أي لا تعظم نفسها] ولا تطلب ما لنفسها [أي لا تصر على حقوقها أو على رأيها] (1 كورنثوس 4:13-5).

وكتب إلى أهل غلاطية قائلا: لا نكن معجبين نغاضب بعضنا بعضا ونحسد بعضنا بعضا (غلاطية 26:5). وكتب إلى أهل أفسس قائلا: أطلب إليكم ... أن تسلكوا كما يحق للدعوة التي دعيتم بها، بكل تواضع ووداعة وبطول أناة محتملين بعضكم بعضا في المحبة (أفسس 1:4-2).

وكتب إلى أهل فيلبي قائلا: بتواضع حاسبين بعضكم البعض أفضل من أنفسهم (فيلبي 3:2).

وإلى أهل كولوسي كتب قائلا: فالبسوا ... أحشاء رأفات ولطفا وتواضعا ووداعة وطول أناة محتملين بعضكم بعضا (كولوسي 12:3-13).

إعلان عن المسيح: بصفته الشخص الذي يعاقب المتكبرين (أمثال 5:16). "لأن كل من يرفع نفسه يتضع ومن يضع نفسه يرتفع" (لوقا 11:14). وبصفته "المحب [أي الصديق] الألزق من الأخ" (أمثال 24:18). يسوع هو صديقنا (يوحنا 14:15-15).. لا يتركنا ولا يتخلى عنا أبداً (عبرانيين 5:13).

أفكار من جهة الصلاة: اسأل واطلب واقرع على الباب بواسطة الصلاة عالما أن الله قد وعد بأن يستجيب (متى 7:7-8).

اقرأ أمثال 20 -- 22

لم يحدث أبدا أن خطط أحد أن يكون سكيرا. إنما بدأ يشرب قليلا بين الحين والآخر ليكتشف أنه يشرب أكثر من ذي قبل. فالأمر يبدأ باعتدال شديد، وقد يبدو مفيدا وغير ضار بالمرة، والواقع أن خداعه العجيب يعطي كل الأِشياء مظهرا بهيجا وبراقا ويجعلها أحلى بكثير، إنما لبضعة لحظات فقط. وبمجرد أن ينخدع الإنسان من الخمر فإنها تسيطر على حياته، وتسلب منه بعد ذلك الفضيلة والقوة والموارد وراحة البال والسمعة بل والحياة نفسها. الخمر مستهزئة، المسكر عجاج،ومن يترنح بهما ليس بحكيم (أمثال 1:20).

إنها حقيقة لا يمكن إنكارها أن الاشتهاء الجسدي والعاطفي للخمر يزداد باستمرار لدى الشخص السكير، بينما اللذة التي تمنحها له تتضاءل باستمرار. فويل للإنسان الغبي الذي يحاول أن يغرق أحزانه أو يهرب من مشاكله أو يتخفّى من ضغوط الحياة "بقليل" من الشراب. على هذا الإنسان أن يفكر في نتيجتها النهائية: لمن الويل؟ لمن الشقاوة [الحزن] ؟ لمن المخاصمات؟ لمن الكرب؟ لمن الجروح بلا سبب؟ لمن ازمهرار العينين؟ للذين يدمنون الخمر الذين يدخلون في طلب الشراب الممزوج (أمثال 29:23-30). إن السكير يستبدل الحقيقي بالمزيف، والكرامة بالهوان، والحياة بالموت. كم مرة تعجّبنا من حال أشخاص كانوا قبلا ناجحين وذوي نفوذ ثم صاروا إلى لا شيء بسبب الخمرة التي سيطرت عليهم.

إن وخزة الندم التي يعاني منها الشخص بعد أن يفيق تدعو للرثاء، ولكنها بسيطة بالمقارنة مع النتائج الحتمية التي تنتج عن هذا القيد الذي يضعه الشيطان على ضحاياه. لمن الكرب؟ لمن الجروح بلا سبب؟ (أمثال 29:23). فالجروح التي بلا سبب هي الجروح الجسدية والعاطفية التي تسببها الخمر.

في الآخر تلسع كالحية وتلدغ كالأفعوان. عيناك تنظران الأجنبيات وقلبك ينطق بأمور ملتوية [تتبادر إلى ذهنك أمور خاطئة وغير صحيحة] (أمثال 32:23-33).

فكيف يمكن لإنسان أن يبتلع بإرادته عدوا مثل هذا يسلبه عقله وقدرته على التفكير السليم. إن المستعبد للخمر يشبه إنسانا ينام على شفا حفرة سحيقة، وكلما استمر في الانغماس في الشراب كلما ازدادت غفلته عن نتائج سلوكه العنيد. لقد انخدع الملايين بهذا الشرك وتحطمت حياتهم، فالخمر تعزل النفس عن سيطرة الروح القدس وتضعها تحت سيطرة الشيطان.

إن قدرتنا على تمييز أمور الله وفهمها تعتمد على تنبهنا وسعينا إلى ما يريده الله أن يوصله لنا. لكن الخمر تدمر قدرة الإنسان على التيقظ وعلى تمييز ما يعلنه الله عن نفسه. فالسكير شخص مخدوع لأنه يظن أنه استثناء - وكلمة الله تنطبق على كل شخص سواه.

إن جميع الذين يحبون الرب يتفقون مع الرسول بولس في قوله: لا تسكروا بالخمر الذي فيه الخلاعة بل امتلئوا بالروح (أفسس 18:5).

إعلان عن المسيح: بصفته الشخص الذي يقدر أن يقول أنه طاهر وبلا خطية (أمثال 9:20؛ قارن مع عبرانيين 15:4).

أفكار من جهة الصلاة: يجب أن تكون صلواتك مقدمة لله بالروح وبالفهم (يوحنا 22:4-24).

اقرأ أمثال 23 -- 26

إن قراءة اليوم تحذرنا بشأن خطورة الابتهاج عند سقوط أحد أعدائنا الشخصيين. والأشر من ذلك هو أن نحتفظ في داخلنا برغبة دفينة في أن يصيبه مكروه. لا تفرح بسقوط عدوك، ولا يبتهج قلبك إذا عثر. لئلا يرى الرب ويسوء ذلك في عينيه فيرد عنه غضبه [ويحوله إليك] (أمثال 17:24-18).

قدم الرب يسوع تعليما من منظور مختلف عندما اقتبس هذا المثل: إن جاع عدوك فأطعمه وإن عطش فاسقه ... والرب يجازيك [أي يكافئك] (أمثال 21:25-22؛ متى 44:5). وكرر الرسول بولس أيضا هذه الآية فقال: إن جاع عدوك فأطعمه وإن عطش فاسقه ... لا يغلبنك الشر بل اغلب الشر بالخير (رومية 20:12-21). فهذه هي الغلبة الحقيقية على الطبيعة القديمة الأنانية، أن نحب أعداءنا ونصلي من أجل الذين يضطهدوننا (متى 44:5).

تدفعنا الطبيعة البشرية إلى الدفاع عن حقوقنا وإلى مقاومة الذين يسيئون إلينا، وإن أمكن أيضا أن نسيء إلى الشخص الذي أخطأ في حقنا.

إن الحقد والكراهية والرغبة في الانتقام هي دلائل على أننا لسنا قريبين من المسيح بالقدر الكافي. لذا ينبغي أن نصلي فورا طالبين رحمة الرب وغفرانه، لأنه إن لم تغفروا للناس زلاتهم لا يغفر لكم أبوكم أيضا زلاتكم (متى 15:6؛ أيضا 23:18-35). إننا حقا نستحق غضب الله ونقمته من أجل زلاتنا الكثيرة في حق إلهنا القدوس.

ولا يمكن أن نكون حقا في علاقة صحيحة مع المسيح طالما أننا نحتفظ بمشاعر المرارة والبغضة والانتقام تجاه أي إنسان. وفي الواقع فإن كل من يبغض أخاه فهو قاتل نفس، وأنتم تعلمون أن كل قاتل نفس ليس له حياة أبدية ثابتة فيه ... يا أولادي لا نحب بالكلام ولا باللسان بل بالعمل والحق (1 يوحنا 15:3،18).

لا يمكن لأحد أن يبرر لنفسه سلوك الانتقام؛ فلا أحد فينا هو القاضي، وبالأولى فليس هو منفذ الحكم. والأخطر من ذلك، لا يمكننا أن ندعي لأنفسنا منصب الله الذي قال: لي النقمة أنا أجازي يقول الرب (رومية 19:12). ولكن عندما يقع علينا ظلم يجب أولا أن نطلب من الله أن يغفر لنا من أجل أفكار ومشاعر الحقد أو البغضة أو الرغبة في الانتقام. فإن هذه المشاعر تفصلنا في الحال عن العلاقة الصحيحة مع الله. بعد ذلك يجب أن نصلي من أجل الذي أساء إلينا.

إن مشاعر البغضة والرغبة في الانتقام مصدرها الشيطان، ولكن محبة المسيح من خلال الروح القدس الساكن فينا تعطينا القدرة على الشعور بالرحمة بدلا من البغضة تجاه الشخص الذي أساء إلينا. وفي الواقع فإن ردود أفعالنا تجاه السلوك الرديء تكشف عن الحالة الداخلية لقلوبنا - هل هي تحت سيطرة الروح القدس أم هي تحت سيطرة الطبيعة العتيقة الخاطئة. إن قال أحد إني أحب الله وأبغض أخاه فهو كاذب، لأن من لا يحب أخاه الذي أبصره كيف يقدر أن يحب الله الذي لم يبصره (1 يوحنا 20:4-21).

إعلان عن المسيح: بصفته الشخص الذي يكافئ كل من يقابل الشر بالخير (أمثال 21:25-22). "إن جاع عدوك فأطعمه وإن عطش فاسقه" (رومية 20:12). قال يسوع: "أحبوا أعداءكم" (متى 44:5؛ لوقا 27:6،35).

أفكار من جهة الصلاة: صل أن تكون حياتك دائما ترضي الرب (يوحنا 29:8).

اقرأ أمثال 27 -- 31

عندما نحب شخصا ما، نحب أن نكون معه ونعرف ما يسره لكي تنشأ بيننا علاقة حقيقية ودائمة. وكذلك نحاول أن نعرف ما هي الأشياء التي تغضبه كي نتجنبها. هذه القاعدة الهامة يجب أن نضعها في اعتبارنا إذا رغبنا أن تكون لنا علاقة وثيقة بالرب.

في قراءة اليوم نكتشف أن من يحول أذنه عن سماع الشريعة فصلاته أيضا مكرهة (أمثال 9:28). فإذا كنا نريد أن يصغي الرب إلينا فمن الضروري جدا أن نصغي نحن إليه.

تكون الصلاة مكرهة أمام الرب عندما يرفعها أشخاص يفترضون أنه لا حاجة لهم أن يعرفوا ما يقوله الرب أو يتجاهلون أجزاء معينة من الكتاب المقدس لأن هذه الأجزاء تدين أسلوب حياتهم.

لقد أعلن الخالق لموسى أن جميع أنواع السحر هي مكرهة للرب: لا يوجد فيك ... من يعرف عرافة [أي عراف] ، ولا عائف [أي يتنبأ بالمستقبل]، ولا متفائل [أي يقرأ الغيب بواسطة الكف أو غيره] ، ولا ساحر،ولا من يرقى رقية [أي يعمل حجاب] ، ولا من يسأل جانا أو تابعة، ولا من يستشير الموتى. لأن كل من يفعل ذلك مكروه عند الرب، وبسبب هذه الأرجاس الرب إلهك طاردهم من أمامك (تثنية 10:18-12).

وبخصوص الشذوذ الجنسي سواء في الذكور أو الإناث، قال الرب: لا تضاجع ذكرا مضاجعة امرأة، إنه رجس ... لأنه بكل هذه تنجس الشعوب الذين أنا طاردهم من أمامكم، فتنجست الأرض، فأجتزي ذنبها منها فتقذف الأرض سكانها (لاويين 22:18،24-25).

يوجد احتياج متزايد إلى أشخاص مثل إرميا الذي كشف الشر الموجود في جيله إذ قال: الأنبياء يتنبأون بالكذب، والكهنة تحكم على أيديهم [أي طبقا لأقوال الأنبياء الكذبة]، وشعبي هكذا أحب! ... ها إن كلمة الرب صارت لهم عارا، لا يسرون بها ... هل خزوا لأنهم عملوا رجسا؟ بل لم يخزوا خزيا ولم يعرفوا الخجل؟ ... لم يصغوا لكلامي وشريعتي رفضوها (إرميا 31:5؛ 10:6،15،19).

ألهم الروح القدس كاتب المزمور أن يسجل لنا هذا القول: إن راعيت إثما في قلبي لا يستمع لي الرب (مزمور 18:66).

وعلى النقيض تماما، فعندما يرفع الخاطئ التائب إلى الرب صرخة صادقة بسيطة مثل الطفل الصغير، فإنه يكون مقبولا جدا ومحبوبا جدا لدى الرب، في حين أن صلوات الشخص البار في عيني نفسه تكون إهانة لملك الخليقة.

نعلم أن الله لا يسمع للخطاة، ولكن إن كان أحد يتقي الله ويفعل مشيئته فلهذا يسمع (يوحنا 31:9). ركز الرب يسوع بشدة على ضرورة إطاعة كلمة الله كي يستجيب الصلاة، فقال: إن ثبتم في، وثبت كلامي فيكم، تطلبون ما تريدون فيكون لكم (يوحنا 7:15).

وفي زمن لاحق، حرص يوحنا التلميذ المحبوب على تذكير المؤمنين بهذه القاعدة: إن لم تلمنا قلوبنا فلنا ثقة من نحو الله، ومهما سألنا ننال منه لأننا نحفظ وصاياه ونعمل الأعمال المرضية أمامه (1 يوحنا 21:3-22).

إعلان عن المسيح: بصفته ابن الله (أمثال 4:30). "هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت" (متى 17:3).

أفكار من جهة الصلاة: تذكر أننا عندما نصلي باسم يسوع يجب أن نصلي بقلب المسيح (يوحنا 13:14-14).

 

مقدمة لسفر الجامعة

الكلمة اليونانية التي ترجمت إلى "الجامعة" تعني "الواعظ"، أو الشخص الذي يخاطب جمعا من الناس. ويشير الكاتب لنفسه بأنه ابن داود، الملك في أورشليم (جامعة 1:1)، ونقرأ: أنا الجامعة كنت ملكا على إسرائيل في أورشليم (جامعة 12:1). وقد ذكر سليمان 27 إنجازا أنجزه في حياته، قائلا: ومهما اشتهته عيناي لم أمسكه عنهما (جامعة 10:2). وخلال هذه الفترة انتهك كلمة الله بإرادته إذ أكثر لنفسه الخيل والأموال والنساء وأقر بأنه لم يمنع قلبه من كل فرح (جامعة 10:2؛ تثنية 16:17-17). وبعد ذلك اعترف قائلا: ثم التفت أنا إلى كل أعمالي التي عملتها يداي وإلى التعب الذي تعبته في عمله فإذا الكل باطل وقبض الريح.. فكرهت الحياة لأنه رديء عندي العمل الذي عمل تحت الشمس لأن الكل باطل وقبض الريح (جامعة 11:2-17). وقد تكرر استخدام العبارة: الكل باطل - فالإنجازات، والملذات، والثروة - كانت مثل البخار عديمة الجدوى (جامعة 1:1-11).

لقد التفت سليمان إلى حياته فوجدها أسوأ مثال يحتذي به. وقد اعترف بأنه سلك بحسب الحكمة، ولكن بالانفصال عن الله؛ وبحسب العلم ولكن ليس بحسب كلمة الله. وهذا يعتبر انتهاكا مباشرا لمسئوليات الملك أمام الله (تثنية 17:17-20).

كانت موارد سليمان غير محدودة، إذ كانت له ثروة واسعة وسلطة عظيمة. ولكن بانتهاء ملكه الذي استمر 40 سنة، كانت الحكومة قد فسدت وكان الشعب على وشك الثورة إذ أرهقته الضرائب الباهظة.

وبعد أن عاش حياته هباء، اعترف سليمان بأنه من الغباء أن يظن الإنسان أنه يستطيع أن يحقق السعادة والشبع بمجهوداته الشخصية وقدراته ومهاراته وطموحاته - ولكن سعادة الإنسان الحقيقية تكمن في خضوعه لكلمة الله، وقد وصف نفسه بأنه ملك شيخ جاهل (جامعة 13:4).

وقد أدرك سليمان أن الخطاة أغبياء. ولكن لاحظ أن حتى المتدينين يدخلون إلى بيت الرب بغير وقار، ويتلون صلوات طويلة لا تنبع من القلب، وينذرون نذورا سرعان ما ينسونها (جامعة 1:5-7).

فاستنتج سليمان أنه مهما كثرت مواهب الإنسان وقدراته وإمكانياته والفرص المتاحة له وممتلكاته فإنها لا تعطيه الشبع الحقيقي لأن الإنسان دائما يريد المزيد (جامعة 10:5-20؛ 1:6-9). لأن جميع الأِشياء هي ملك لله ولا يمكن أن تجلب السعادة الحقيقية إلا إذا استخدمت لمجده وتكريمه - فليس للحياة سوى غرض واحد، وهو الاستعداد للأبدية - وسيأتي يوم فيه يصحح الرب جميع الأوضاع الخاطئة (جامعة 12:8-13؛ 14:12).

عندما قال سليمان: افرح أيها الشاب في حداثتك، وليسرك قلبك في أيام شبابك، واسلك في طرق قلبك وبمرأى عينيك (جامعة 9:11)، فهو إنما كان يصف بالضبط ما فعله هو. وإذا اكتفينا بهذا الجزء من القول فإننا نظن أنه يشجع الشباب أن يضربوا بالحذر عرض الحائط وأن يجعلوا الهوى والمتعة غايتهم. ولكنه أضاف قائلا: واعلم أنه على هذه الأمور كلها يأتي بك الله إلى الدينونة (جامعة 9:11؛ أيضا 6:8؛ 13:4).

إن الرسالة الأساسية لهذا السفر هي الدعوة لاكتشاف حكمة الإنسان الحقيقية التي تكمن في مخافة الرب. فاذكر خالقك في أيام شبابك [أنك لست ملك نفسك بل ملكه هو الآن] .. لأن الله يحضر كل عمل إلى الدينونة على كل خفي إن كان خيرا أو شرا (جامعة 1:12،14).

اقرأ جامعة 1 -- 4

كان سليمان واحدا من أعظم الملوك في زمنه - سواء من جهة القدرات أو الممتلكات. وكان بهاء مدينته وقصره يخلب أنظار العالم. وكان العالم مبهورا بحكمته، ولكنه قال عن ذلك: في كثرة الحكمة كثرة الغم والذي يزيد علما يزيد حزنا (جامعة 18:1).

من السهل أن نشعر بالغيرة من المشاريع المثيرة التي حققها سليمان: فعظمت عملي، بنيت لنفسي بيوتا، غرست لنفسي كروما ... جنات وفراديس ... أشجارا من كل نوع ثمر... برك مياه ... عبيدا وجواري ... بقر وغنم ... فضة وذهبا وخصوصيات الملوك ... مغنين ومغنيات ... سيدة وسيدات. فعظمت وازددت أكثر من جميع الذين كانوا قبلي في أورشليم ... ومهما اشتهته عيناي لم أمسكه عنهما ... ثم التفت أنا إلى كل أعمالي التي عملتها يداي وإلى التعب الذي تعبته في عمله فإذا الكل باطل وقبض الريح ولا منفعة تحت الشمس (جامعة 4:2-11). استطاع في وقتها أن يقول: قلبي فرح بكل تعبي (جامعة 10:2). استطاع حقا أن يقول: مهما اشتهته عيناي فعلته، لم أنكر على نفسي أي متعة. ولكنه كان متضايقا حقا عندما قال: فكرهت كل تعبي الذي تعبت فيه تحت الشمس حيث أتركه للإنسان الذي يكون بعدي (جامعة 18:2). وبعد موته بلحظات، صار الجزء الأكبر من مملكته العظيمة تحت سيطرة أحد عبيده، وبعد زمن قصير كانت الثروة والبهاء التي ورثها ابنه قد وقعت في حوزة ملك مصر.

إن قصة سليمان تذكرنا بكثيرين ممن باركهم الرب بنجاح مادي وتركوا أغلب ثروتهم لأبنائه أو لمنظمات خيرية لا تضيف شيئا إلى ملكوت المسيح. هؤلاء، شأنهم شأن سليمان، قد تعلموا بعد فوات الأوان أن يفكروا بجدية في السؤال: أي منفعة لمن يتعب مما يتعب به (جامعة 9:3). لقد اضطر سليمان أن يجيب: "لا شيء". ومع أن سليمان كان مدركا تماما أن الله سيدين الصديق والشرير (جامعة 17:3)، فلقد فات الأوان للتخلص من نتائج طموحاته الأنانية. لقد بدأ سليمان ملكه بقلب منقسم. كان يحب الرب ولكن قلبه كان متجها أيضا إلى الأهداف المادية. ومع تطور كل من هذه المشروعات، أصبحت فلسفته أكثر تأثر بالمبادئ الإنسانية التي أخرجت الله تدريجيا من حياته.

يوجد فراغ داخل الإنسان لا يستطيع أي شيء وأي شخص آخر أن يملأه. وبلا جدوى يحاول الإنسان، وفي النهاية يموت. المال والشهرة والجنس والمخدرات - جميعها لا تقدر أن تملأ المكان المعد خصيصا لكي يملأه الله وحده. فلم يفكر الملك سليمان الطموح أن الله قد جعل الأبدية في قلبهم [أي وضع إحساسا بوجود غرض مستمر عبر العصور لا يستطيع أحد تحت الشمس أن يشبعه سوى الله وحده] التي بلاها لا يدرك الإنسان العمل الذي يعمله الله من البداية إلى النهاية (جامعة 11:3).

لم يظهر نبي خلال حكم سليمان الذي امتد 40 عاما. فلقد كان يفكر بمنطق غير المؤمنين ذوي الاهتمامات العالمية. ولذلك فإننا نقرأ العديد من الآراء المشوهة مثل: من يعلم روح بني البشر هل هي تصعد إلى فوق؟ (جامعة 21:3). هذا أبعد ما يكون عن الحقيقة. ولكن هذا كان أسلوبه في الحياة أثناء السنوات الأولى من ملكه إذ كان يبحث عن السعادة متجاهلا الله وكلمته. فمن ذا الذي يحب أن يفكر في يوم الدينونة أو الكنوز الأبدية إذا كان يعيش لمصالحه الذاتية؟

إن كل واحد منا يحتاج أن يواجه بجدية هذا السؤال: "ما هو الغرض والقيمة من وجودنا؟" - ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه [أي خسر حياته الأبدية في ملكوت الله]؟ (مرقس 36:8).

إعلان عن المسيح: في جامعة 11:2 يقول: "ثم التفت أنا إلى كل أعمالي التي عملتها يداي وإلى التعب الذي تعبته في عمله فإذا الكل باطل وقبض الريح ولا منفعة تحت الشمس". هذا يذكرنا بما قاله المسيح: "ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه؟" (متى 26:16).

أفكار من جهة الصلاة: افرح لأن مخلصنا حي (يوحنا 15:20-18).

اقرأ جامعة 5 -- 8

بحث سليمان عن السعادة بكل الطرق الممكنة، واستنتج في النهاية أن الكل باطل وقبض الريح (جامعة 4:4،16). وأثناء بحثه لاحظ أيضا أن ليس الأغنياء فقط وإنما أيضا الفقراء تسيطر عليهم الأباطيل. ثم تحول الجامعة [أي الواعظ] بعد ذلك من الحياة العالمية إلى الحياة الدينية، حيث يحول الناس أفكارهم من الأمور الزمنية إلى الأمور الروحية الأبدية، ويتفرغون لعبادة الخالق.

وقد لاحظ سليمان بإلهام من الروح القدس أن كثيرين يذهبون إلى بيت الرب بأذهان مشتتة ورياء؛ لذلك حذر قائلا: احفظ قدمك حين تذهب إلى بيت الله. فالاستماع أقرب من تقديم ذبيحة الجهال لأنهم لا يبالون بفعل الشر. لا تستعجل فمك ولا يسرع قلبك إلى نطق كلام قدام الله، لأن الله في السموات وأنت على الأرض فلذلك لتكن كلماتك قليلة (جامعة 1:5-2).

عندما نجتمع لكي نعبد الرب، يجب أن نحول أذهاننا عن الاهتمامات العالمية وعن مصادر القلق وأيضا عن الثرثرة الحمقاء.

وأحد المتطلبات الأخرى للعبادة الحقيقية هو الطاعة لكلمة الله: أي الاستماع [أو الاقتراب بهدف السماع والطاعة] (جامعة 1:5). مهم جدا أن نسمع ماذا يريد الرب أن يقوله لنا وأن تكون لدينا الرغبة أن نعرف ما يطلبه منا ثم بعد ذلك نلتزم بتنفيذه.

فالعبادة الحقيقية معناها أن يحل حضور الله المعجزي غير المنظور في وسط تلاميذه المجتمعين الذين التقوا مع بعضهم البعض بهدف عبادة رب الخليقة. والعبادة تبدأ بروح الخشوع - أي الإحساس بالضآلة البشرية - لأن الله في السموات وأنت على الأرض (جامعة 2:5). والعبادة لا تتجه إلى إرضاء الذات وإنما إلى إرضاء الرب، كما قال داود: هبوا الرب مجد اسمه [أي قدموا للرب المجد اللائق باسمه] (1 أخبار 29:16).

وكما أن الزوان [وهو نبات علفي] ينمو وسط الحنطة [أي القمح] كما في المثل الذي قاله الرب يسوع (متى 24:13-30)، فمن الممكن أيضا أن يكون في أي اجتماع للعبادة أشخاص ينطقون بالكلمات الصحيحة سواء في الترنيم أو الصلاة ويقدمون عطايا سخية، لكنهم أتوا بدوافع أخرى ولم يُخضعوا حياتهم بالكامل للرب. إن مثل هذه "العبادة" الطقسية الشكلية تسمى ذبيحة الجهال . وهي مهينة لله ومدمرة لصاحبها وذلك لأن الله لا يتغاضى عن عبادة الجهال، وإنما كما يقول سليمان: لماذا يغضب الله على قولك ويفسد عمل يديك؟ (جامعة 6:5).

إن بيت الله هو المكان الذي يجتمع فيه الرجال والنساء ليعبدوا الرب. قد يكون كاتدرائية فخمة، أو بيت أحد التلاميذ، أو سفح جبل، أو مغارة في باطن الأرض. فأماكن العبادة والبيئة المحيطة بها - سواء كانت طبيعية أو صناعية، بما في ذلك كل ما يروق للعين أو الأذن - هذه كلها قد تحرك المشاعر ولكنها لا تضيف شيئا للعبادة الحقيقية وليست لها أي قيمة روحية. قال يسوع: الساجدون الحقيقيون يسجدون للآب بالروح والحق (يوحنا 23:4).

ويحرضنا كاتب المزمور قائلا: ليقل مفديو الرب الذين فداهم من يد العدو .. (مزمور 2:107)؛ ثم يكرر ثلاث مرات: فليحمدوا الرب على رحمته وعجائبه [أي أعماله العجيبة] لبني آدم! (جامعة 8:107،15،21).

إعلان عن المسيح: بصفته الشخص الذي ينتظر منا أن نفي بنذورنا (جامعة 4:5). "ليكن كلامكم نعم نعم، لا لا، وما زاد على ذلك فهو من الشرير" (متى 37:5).

أفكار من جهة الصلاة: اطلب من الرب الجرأة لكي تخبر الآخرين عن المسيح (أعمال 29:4).

اقرأ جامعة 9 -- 12

بعد أن قضى سليمان عمره كله باحثا عن السعادة بكل الطرق الممكنة، توصل إلى هذا الاستنتاج والذي كرره أكثر من 30 مرة: باطل الأباطيل قال الجامعة، الكل باطل (جامعة 8:12).

وختم الجامعة رسالته بخلاصة المبادئ الأساسية للحكمة الحقيقية: اذكر خالقك في أيام شبابك، قبل أن تأتي أيام الشر، أو تجيء السنون إذ تقول [عن المتع الجسدية] ليس لي فيها سرور ... فلنسمع ختام الأمر كله، اتق الله واحفظ وصاياه لأن هذا هو الإنسان كله [أي هذا هو القصد الكامل والأصلي من خلقه، وأساس كل سعادة، والتوافق بين كل الظروف والأحوال المتناقضة تحت الشمس] (1:12،13).

كل شيء آخر في الحياة، كل الأهداف والطموحات والأولويات الأخرى لا تزيد عن كونها بخار وسراب وعدم. فالكل باطل ومزيف ووقتي، هكذا يقول الجامعة!

فلا جدوى إذن من طلب المال أو الأمان أو التطلع إلى أهداف أعلى وأعظم، لأن الكل باطل. ولا جدوى أيضا من اشتهاء شهوة الجسد [المتعة الحسية]، وشهوة العيون [طمع الذهن]، وتعظم المعيشة [اتكال الإنسان على موارده الشخصية أو على الأشياء الأرضية] (1 يوحنا 16:2).

فالعالم لا يستطيع أن يعطي شبعا - لأنه لا يملك أي بركة لها تأثير دائم. وإنما الشبع يأتي فقط عندما نتقى الله ونحفظ وصاياه (جامعة 13:12). وهذا يعني أكثر بكثير من مجرد حفظ الوصايا العشر، على افتراض أن هذا ممكن. وإنما يعني تقديم الحياة بأكملها - الوقت، والمواهب، والموارد - من أجل إتمام مقاصد الله. هذا هو المصدر الحقيقي للسعادة، وراحة البال، والمتعة الأصيلة حيث أن الصديقين والحكماء وأعمالهم في يد الله (جامعة 1:9).

وقد لاحظ أيضا الجامعة أن الإنسان لا يقدر أن يحكم إلا بالمظاهر، ولذلك فالأشرار أحيانا يتلقون مدحا من أجل أعمال حسنة معمولة أصلا بفضل شخص آخر، بينما الذين يعملون الخير كثيرا ما يساء فهمهم. ولكن الله سيُحضر كل عمل إلى الدينونة على كل خفي إن كان خيرا أو شرا (جامعة 14:12) - أي أن الله سيحكم على عمل كل واحد ليس بناء على مظهر الإنسان أو أقواله وإنما بناء على القيمة الفعلية الأبدية لأعماله. وبهذا التحذير العلني يختتم الجامعة سفره. ومن الواضح أن هذا أقصى ما نحتاجه في يومنا الحالي.

إن الله هو المصدر الحقيقي الوحيد لجميع البركات وهو مصدر الحياة نفسها، ولابد أننا جميعا نظهر أمام كرسي المسيح لينال كل واحد ما كان بالجسد بحسب ما صنع خيرا كان أم شرا (2 كورنثوس 10:5).

إعلان عن المسيح: في القول: "لأن الله يحضر كل عمل إلى الدينونة" (جامعة 14:12). "أحكامه حق وعادلة" (رؤيا 2:19).

أفكار من جهة الصلاة: أيها الرجال أحبوا نساءكم كما أحب المسيح الكنيسة (أفسس 25:5).

 

مقدمة لسفر نشيد الأنشاد

كاتب سفر نشيد الأنشاد هو سليمان (نشيد 1:1). وهو عبارة عن قصة حب جميلة تعبر عن رابطة الزواج الطاهرة المقدسة التي رسمها الخالق - ليكن الزواج مكرما عند كل واحد والمضجع غير نجس، وأما العاهرون والزناة فسيدينهم الله (عبرانيين 4:13).

ينظر معلمو اليهود إلى هذا السفر على أنه صورة للعلاقة بين الله وبين إسرائيل. ويعتقد العديد من القادة المسيحيين أنه يعبر عن المحبة الكائنة بين المسيح وكنيسته. فهو يعبر عن الأشواق التي في النفس المسيحية للوجود في محضر العريس السماوي، والاتحاد الثمين بين العروس والعريس - ملك الملوك ورب الأرباب. فهو يصور حقا الحب الروحي - أو العلاقة الروحية المقدسة بين الله وبين الذين يحبونه.

ويحكي سفر نشيد الأنشاد قصة حلم جميل حلمت به زوجة شابة عندما تأخر عريسها. فإن الحب الثمين بين الزوج وزوجته يعلي من شأن صفاتهما كليهما.

والقصة بأكملها تأخذ شكل الحلم. فإن الظروف مبهمة ولا تشبه ما يحدث في الحياة العادية. فالشوق والحيرة والبحث تمثل صور الأحلام. لقد كانت الزوجة نائمة في فراشها، ولكن أفكارها كانت ممتلئة من الزوج الغائب. طلبت من تحبه نفسي، طلبته فما وجدته (نشيد 1:3).

توجد صعوبات عديدة في التفسير الروحي لبعض هذه الأقوال، ولكن في الواقع توجد أيضا صعوبات في تفسير علاقة الكنيسة بالمسيح عريسها. فأحيانا يكون لدينا إحساس عميق بحضوره ولكن هذا الإحساس قد يزول بلا سبب. ومع ذلك فإن محبتنا له تتزايد إذ نستمر ننتظره مترقبين تلك اللحظة التي فيها ستقع عيوننا عليه: فإننا ننظر الآن في مرآة في لغز لكن حينئذ وجها لوجه، الآن أعرف بعض المعرفة ولكن حينئذ سأعرف كما عرفت (1 كورنثوس 12:13). إن أهمية هذا النشيد تتضح بطريقتين. أولا، أن الخالق الذي يتحكم في قلوب الملوك قاد جامعي الكتاب المقدس أن يضموا إليه هذا النشيد؛ وثانيا أن الرب نفسه قال إن كل الكتاب هو موحى به من الله ونافع للتعليم (2 تيموثاوس 16:3).

اقرأ نشيد الأنشاد 1 -- 8

هذا النشيد يصف المتعة الصحيحة في الحب الزوجي، وتلذذ العريس بعروسه والعروس بعريسها. وهو يصور حب المؤمن وشوقه إلى سرعة رجوع المسيح ملك الملوك.

تصف العروس نفسها بأنها سوداء ...لأن الشمس قد لوحتها (نشيد 5:1-6). وكلمة سوداء لا تعني بالضرورة أن يكون لون الجلد أسود، بل أنه ملفوح من الشمس وداكن. وهذه هي نفس العبارة المستخدمة في مراثي إرميا 8:4، حيث يصور المظهر الملفوح للشخص الذي كان يعمل في الحقل طول النهار فأصبح جلده داكنا ويابسا.

وقد شهدت لها بنات أورشليم بأنها أجمل النساء (نشيد 1:6). أورشليم هي مكان سكنى الملك العظيم، وبنات أورشليم هنّ أبناء أو رعايا الملكوت. فالعروس تعبر عن موقف المسيحيين كعروس للمسيح والذين يعرفون نقائصهم وسواد خطيتهم. ولكن المسيحيين يبتهجون بالآية التي تقول: إن اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل حتى يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل إثم (1 يوحنا 9:1).

إن كل مؤمن لديه اليقين بأن حبيبي لي (نشيد 16:2) وذلك لأنه دخل إلى حياتنا فأصبحنا أشخاصا مختلفين تماما بفضل علاقتنا بالعريس المزمع أن يأتي. إنه حياتنا - المسيح يحيا فيّ (غلاطية 20:2). وقد صرنا أولاد الله.. ووارثون مع المسيح (رومية 16:8-17). إنه لي، يحمل كل أحمالي، ويوفّي كل ديوني، ويجاوب على كل الذين يتهمونني، وينتصر على كل أعدائي. إنه لي في عشاء عرس الخروف (رؤيا 9:19) - في بيت الخمر [أي وليمة الحب] (نشيد 4:2).

فالإنسان الخاطئ، الذي ضلّ وتاه … يتقابل مع المخلص الذي وجده وقاده إلى بيت الخمر حيث يشبع كل جوعه ويمتعه بخيره وحبه.

أربع مرات في الأعداد الأربعة الأولى من أصحاح 3 نجد التعبير عن مشاعر الغرام من جانب العروس: من تحبه نفسي ، وهو التعبير الذي جاء أولا في نشيد 7:1. ومرتان نجد التعبير عن عدم إشباع أشواقها إليه: طلبته فما وجدته (نشيد 1:3-2). لقد كانت العروس نائمة: أنا نائمة وقلبي مستيقظ (نشيد 2:5). ولكن أفكارها كانت مشغولة ونشطة. لقد كان حبيبها يستحوذ على قلبها بالكامل.

إن هذه العبارات التي تتكرر كثيرا تدل على الحب الحقيقي العميق: يا من تحبه نفسي ... طلبت من تحبه نفسي ... أنا لحبيبي وحبيبي لي ... اجعلني كخاتم على قلبك... لأن المحبة قوية كالموت (نشيد 7:1؛ 1:3؛ 3:6؛ 6:8).

إعلان عن المسيح: "المعلم بين ربوة" (نشيد 10:5). يسوع هو "ملك الملوك ورب الأرباب" (رؤيا 16:19).

أفكار من جهة الصلاة: اشكر الرب من أجل السلام الروحي الذي نجده فيه (عبرانيين 9:4-10).

 

عودة للفهرس