مقدمة لسفر إرميا

بدأ إرميا، النبي الكاهن، خدمته خلال الـ 40 سنة الأخيرة من تاريخ مملكة يهوذا، بعد أن هزم الأشوريون مملكة إسرائيل الشمالية بحوالي 100 سنة. وقد بدأت خدمته العلنية في السنة الـ 13 من حكم الملك التقي يوشيا الذي ملك لمدة 31 سنة. واستمرت خدمة إرميا خلال فترة حكم أربعة ملوك أشرار هم: يهوآحاز، ويهوياقيم، ويهوياكين، وصدقيا. وأثناء هذه المدة، بما فيها الفترة التي تولى فيها جدليا الحكم لوقت قصير، وقف إرميا بمفرده - وتعرض للبغضة والاضطهاد.

وبمرور السنين، ضعفت الإمبراطورية الأشورية وأخذت مكانها الإمبراطورية المادية البابلية. ووقعت إسرائيل تحت سيطرة نبوخذنصر بعد أن هزم مصر في كركميش، المدينة الرئيسية في شمال سوريا والتي كانت تحمي طريق التجارة الرئيسي عبر نهر الفرات. وحدث غزو يهوذا بعد حوالي سبع سنوات، وفي السنة الحادية عشر من ملك صدقيا سقطت أورشليم وسرعان ما تحققت للإمبراطورية البابلية السيادة الكاملة على العالم.

وأحداث هذا السفر ليست مرتبة تاريخيا ولكنها مرتبة بحسب ما استحسنه الروح القدس من أجل تنوير إدراكنا الروحي.

الأصحاحات 1-38 هي نبوات جاءت قبل سقوط أورشليم -ابتداء من أيام يوشيا (إرميا 6:3) - وهي مؤرخة طبقا للكلمات الافتتاحية في كل أصحاح. وقد تعين إرميا نبيا للشعوب (إرميا 5:1) وأنذر مملكة يهوذا بأن تتوب عن خطاياها وأن تعبد الرب. الأنبياء يتنبأون بالكذب والكهنة تحكم على أيديهم، وشعبي هكذا أحب! ... من النبي إلى الكاهن كل واحد يعمل بالكذب (إرميا 31:5؛ 13:6). (ملاحظة: فشحور في أصحاح 20 ليس هو نفسه فشحور بن ملكيا في أصحاح 1:21 و 1:38).

وقد أدان الرعاة الكذبة (إرميا 34:25) الذين هم آخر أربعة ملوك على يهوذا: يهوآحاز [شالوم]، ويهوياقيم، ويهوياكين [يكنيا]، وصدقيا. وأدان أيضا المعلمين الكذبة (إرميا 1:23-2)، والأنبياء الكذبة (إرميا 9:23)، والكهنة الكذبة (11:23).

الأصحاحان 29-30 موجهان للسبايا الأوائل الذين تم ترحيلهم من مملكة يهوذا إلى بابل قبل دمارها النهائي ببضعة سنوات: أرسل إلى كل السبي ... ها أيام تأتي، يقول الرب، وأرد سبي شعبي إسرائيل ويهوذا (إرميا 31:29؛ 3:30).

وأصحاح 39 مخصص لدمار أورشليم، والقبض على صدقيا، وإطلاق سراح إرميا من السجن.

الأصحاحات 40-44 هي رسالة موجهة إلى بني إسرائيل بعد دمار أورشليم، أولا في يهوذا (أصحاح 40-42) ثم في مصر (أصحاح 43-44).

أصحاح 45 مخصص لباروخ كاتب سفر إرميا.

الأصحاحات 46-51 هو نبوات مختصة بالشعوب الوثنية.

أصحاح 52 مخصص لصدقيا، آخر ملوك يهوذا، والذي قبض عليه وهو يحاول الهرب، فأذلوه واقتلعوا عينيه، وأخذوه مقيدا إلى بابل (2 ملوك 18:24 - 30:25). وهو يذكر السبب الذي أدى إلى دمار مملكة يهوذا المجيدة والتي عاصمتها هي أورشليم: هكذا قال الرب إله إسرائيل: ملعون الإنسان الذي لا يسمع كلام هذا العهد... فلم يسمعوا ولم يميلوا أذنهم (إرميا 3:11،8؛ أيضا 15:30).

اقرأ إرميا 1 -- 3

تركزت رسالة إرميا على الأهمية العظمى لإطاعة كلمة الله. فأي شيء أقل من ذلك سيقود إلى الوثنية التي تجلب دينونة الله. وقد كان إرميا مكلفا بالذهاب إلى كل من أرسلك إليه تذهب، وتتكلم بكل ما آمرك به ... أهل الشريعة [أي الذين يتداولون الناموس] لم يعرفوني، والرعاة عصوا عليَّ، والأنبياء تنبأوا ببعل وذهبوا وراء ما لا ينفع (إرميا 7:1؛ 8:2).

وبعد ذلك صوّر مشكلتهم قائلا: لأن شعبي عمل شرين: تركوني أنا ينبوع المياه الحية لينقروا لأنفسهم آبارا، آبارا مشققة لا تضبط ماء (إرميا 13:2). فالشرين كانا جسيمين في حق الله، الذي وحده يستطيع أن يسدد كل احتياجاتهم. لقد لجأوا إلى عمل أيديهم - مثل عبادة الآلهة الكاذبة والتحالف العسكري مع مصر - وهذه هي الآبار المشققة التي لا تضبط ماء .

في مناخ فلسطين الصحراوي، يعتبر الماء هو الضرورة الأولى لوجود الإنسان. وقد تناحر الرجال وماتوا من أجل الآبار. ولكن لا أحد يستبدل بحر الجليل بكل جماله وغزارته - وهو يرمز إلى الله "الماء الحي" - مقابل أفضل الآبار التي من صنع الإنسان. فمهما كانوا قد تعبوا في حفرها، ومهما كانت تبدو جذابة، فإنهم سيضطرون إلى الاعتماد على مورد محدود من الأمطار للإبقاء على حياتهم. فنحن نعتبر مثل هذه المساومة ضربا من الجنون.

ولكن الرب يقول أن بني إسرائيل ارتكبوا حماقة أكبر من هذه. فلقد كانوا الشعب الوحيد على الأرض الذي حصل على إعلان عن الله الواحد الحقيقي، وعندهم كلمته التي هي المصدر الوحيد لماء الحياة. ومع ذلك فلقد تحوّلوا إلى الأوثان.

وقال بعد ذلك: أليست هكذا كلمتي كنار يقول الرب، وكمطرقة تحطم الصخر؟ لذلك هأنذا على الأنبياء يقول الرب [أي الأنبياء الكذبة] الذين يسرقون كلمتي (إرميا 29:23-30). يسرقون كلمتي معناها أن يجعل الإنسان كلماته الشخصية تبدو أكثر أهمية. وهذه واحدة من أعظم الاهتمامات لدى البعض منا أيضا.

فإنه توجد اليوم كتب كثيرة تدّعي بتقديم الحلول لكل مشاكل الحياة؛ وللأسف فإنه بالنسبة للكثيرين أصبحت هذه الكتب بديلا عن الكتاب الوحيد الحقيقي الذي يؤدي إلى الحياة. إنها لحماقة أن نتحول نحو بدائل من تأليف البشر "من أجل الكسب الشخصي". إن كل الكتاب ... نافع للتعليم (2 تيموثاوس 16:3). فإذا أخذنا في الاعتبار الوقت المتاح لنا للقراءة، فيجب أن نسأل أنفسنا هذا السؤال: "هل الكتب التي نقرأها تقودنا إلى قراءة وفهم الكتاب المقدس، أم أنها بديل لما يريد أن يقوله الله لنا؟" ويجب أيضا أن نسأل أنفسنا: "هل هؤلاء المؤلفون أكثر مصداقية وأشد حرصا من الخالق على أن يقدموا لنا الحلول لمشاكل الحياة؟"

في وسط المقاومة استطاع إرميا أن يقول بانتصار: وُجِدَ كلامك فأكلته فكان كلامك لي للفرح ولبهجة قلبي، لأني دُعيت باسمك، يا رب إله الجنود (إرميا 16:15).

إعلان عن المسيح: بصفته ينبوع المياه الحية (إرميا 13:2). يسوع هو الينبوع الوحيد الذي يستطيع أن يروي النفس العطشانة (يوحنا 1:4-26).

أفكار من جهة الصلاة: اعترف للرب بخطاياك؛ فهو سريع الغفران (مزمور 5:32).

اقرأ إرميا 4 -- 6

بدأ إرميا خدمته الجهارية في السنة الـ 13 من جلوس الملك التقي يوشيا على عرش يهوذا (إرميا 2:1). وكان منسى، جد يوشيا، قد ملك لمدة 55 سنة، أما أبوه آمون فلقد قتل بعد سنتين فقط. وكانا كلاهما ملكين شريرين وقادا الشعب إلى الانحراف والفساد الأخلاقي. وكانا قد أشاعا عبادة الآلهة الكاذبة، بما في ذلك تقديم البخور لملكة السموات (إرميا 17:44-19،25) وتقديم الذبائح البشرية للآلهة الشيطانية.

وقد ملأ منسى وآمون شوارع أورشليم بدم الأبرياء (إرميا 17:44-19؛ 2 ملوك 6:21،16،19-23؛ 2 أخبار 2:33-9،20-23). وفوق ذلك أضلهم منسى ليعملوا ما هو أقبح من الأمم الذين طردهم الرب من أمام بني إسرائيل! (2 ملوك 9:21). ومع ذلك، فإن يوشيا ابن آمون عمل المستقيم في عينَي الرب (2 ملوك 2:22). وفي السنة الـ 18 من ملكه، بدأ يوشيا بتجديد الهيكل وإعادة العبادة الحقيقية، وعمل فصحا لم يحدث مثله في كل تاريخ إسرائيل (2 ملوك 22:23). وبلا شك أن إرميا كان مشجعا كبيرا لحركة الإصلاح التي قام بها يوشيا.

وبعد موت يوشيا (2 ملوك 30:23-32)، ارتدت الأمة إلى الطرق الشريرة التي اتبعها منسى. وفي الواقع، فإن يوشيا التقي كان كل أبناؤه أشرارا. وبسبب ذلك، كانت خدمة إرميا صعبة جدا ولم تلق قبولا لدى الناس.

وقد وصف إرميا حالة الخطية والعناد لدى الشعب بأنه شعب جاهل وعديم الفهم، لهم أعين ولا يبصرون، ولهم آذان ولا يسمعون (إرميا 21:5). ثم تكلم عن التمرد قائلا: صار في الأرض دهش وقشعريرة [أي أنه أمر رهيب يجلب الخراب والدمار على البلاد] (إرميا 30:5). لقد كان الشر موجودا في الهيكل، الذي هو مصدر التعليم الروحي. الأنبياء يتنبأون بالكذب، والكهنة تحكم على أيديهم (إرميا 31:5). وكان الكثيرون يخافون أن ينادوا ضد الخطايا التي كانت شائعة والتي أدت إلى سقوط الأمة. وآخرون أطلقوا العنان للطمع، فكانوا يتكلمون فقط بكلمات التملق التي يريد الناس أن يسمعوها للحفاظ على شعبيتهم. وكنتيجة لذلك، لم يتعلم الشعب ضرورة التوبة والعيش بطريقة ترضي الله.

وهكذا أصبحت مملكة يهوذا في حالة يُرثى لها من الانحطاط الأخلاقي حتى أن كلمة الرب صارت لهم عارا [أي موضع سخرية] لا يسرون بها (إرميا 10:6).

يوجد اليوم بعض ممن هم أعضاء في الكنيسة، ويشغلون مراكز مرموقة، ويدعمون ميزانية الكنيسة، ولكنهم يعيشون يوما بعد يوم وسنة بعد سنة بدون أن يبذلوا أي جهد لقراءة الكتاب المقدس. ويبدو أنهم هم أيضا لا يسرون بها . هؤلاء ينطبق عليهم ما قيل للشعب في أيام إرميا: لم يصغوا لكلامي وشريعتي رفضوها (إرميا 19:6).

البعض يجدون تشابها بين سقوط يهوذا والانحدار الأخلاقي السريع الحادث اليوم وتزايد الديانات الكاذبة. قد يكون ذلك حصيلة جزئية لقلة حضور الاجتماعات سواء في يوم الرب أو في اجتماعات الصلاة وسط الأسبوع. إن إهمال كلمة الله هي خطوة أساسية نحو الارتداد. لقد أنبأنا الكتاب المقدس أنه قبل رجوع المسيح سيكون هناك ارتداد [أي سقوط عظيم] (2 تسالونيكي 1:2-3). فالمسيحي الحقيقي يفرح بكلمة الله - أشهى من الذهب والإبريز الكثير (مزمور 10:19).

إعلان عن المسيح: كان الرب مستعدا أن يصفح عن أورشليم لو كان فيها شخص واحد بار غير إرميا (إرميا 1:5). إن الرب مستعد أن يغفر للذين يأتون إليه بقلوب تائبة (1 يوحنا 9:1).

أفكار من جهة الصلاة: اشكر الرب على إرشاده لك بأن تقدم له بإرادتك ما يسره (مزمور 6:54).

اقرأ إرميا 7 -- 10

حدث في بداية حكم يهوياقيم ابن يوشيا أن الرب أمر إرميا بأن يقف عند باب بيت الرب حيث يدخل جموع العابدين الآتين من كل مدن يهوذا (إرميا 11:26-12). وكانت هذه المناسبة هي أحد الأعياد الثلاثة الرئيسية التي فيها يجب على جميع الذكور أن يأتوا إلى أورشليم. وكانت هذه الاحتفالات مليئة عادة بالبهجة والفرح. ولكن إرميا لم يوجّه إليهم كلمات الترحيب وإنما وجه إليهم اتهاما خطيرا من عند الرب: أتسرقون، وتقتلون، وتزنون، وتحلفون كذبا، وتبخرون للبعل، وتسيرون وراء آلهة أخرى لم تعرفوها، ثم تأتون وتقفون أمامي في هذا البيت الذي دعي باسمي عليه، وتقولون قد أنقذنا! - حتى تعملوا كل هذه الرجاسات؟ هل صار هذا البيت الذي دعي باسمي عليه مغارة لصوص في أعينكم؟ هأنذا أيضا قد رأيت يقول الرب (إرميا 9:7-11).

الأصحاحان 7 و 26 يشيران إلى نفس المناسبة. فالكلمات شبه متطابقة، بما في ذلك الإشارة إلى شيلوه (إرميا 12:7؛ 9:26). وقد اقتبس الرب يسوع من هذه الأصحاحات عندما دخل الهيكل وطرد الصيارفة قائلا لهم: بيتي بيت الصلاة يُدعى، وأنتم جعلتموه مغارة لصوص (متى 13:21).

وعلى الرغم من أن الإسرائيليين حافظوا على خدمات العبادة للرب، إلا أنهم أيضا عبدوا بعل إيزابل وملكة السموات التي تعبدها مصر. وآخرون بنوا مرتفعات توفة التي في وادي ابن هنوم ليحرقوا بنيهم وبناتهم بالنار [إكراما لمولك إله النار] (إرميا 18:7،31). ولكن الكهنة والأنبياء والشعب لم يحتملوا الإدانة من إرميا "الضيّق الذهن": وكل الشعب أمسكوه قائلين تموت موتا (إرميا 8:26). فكانوا يصرون على أن كل إنسان يجب أن يعبد بحسب ضميره الشخصي، تماما مثل ما نسمعه اليوم. فحذرهم إرميا وطلب منهم أن يتذكروا أن شيلوه - التي ظلت لعدة عصور مكانا لخيمة الاجتماع - قد خربت تماما، وإذا لم يتوبوا فإن أورشليم والهيكل سيخربان أيضا كما صنعت بشيلوه (إرميا 14:7-15).

ولكن الشعب اعتبر أن هذا تجديف. فإن الهيكل كان يعطيهم إحساسا بالأمان واليقين الشديد بأن الله الذي أرشد سليمان لبناء الهيكل كمكان سكناه والذي اختار أورشليم مدينة له، لن يسمح لهما أن يُهدما حيث صنع عهدا مع شعبه المختار. وبعد ذلك قال الرب لإرميا ثلاث مرات ألا يضيع وقته في الصلاة من أجلهم (إرميا 16:7؛ 14:11؛ 11:14).

لا يوجد أناس مخدوعون مثل أولئك الذين يتخيلون أن كل شيء على ما يرام طالما أنهم يحضرون اجتماع العبادة في اليوم الصحيح ومع الجماعة الصحيحة، وأن أسماءهم مسجلة بوضوح في دفاتر الكنيسة، وأنهم يسمعون المدح الإيجابي من أحد المبشرين المشهورين.

قال الرب يسوع عن العابدين في أورشليم: يقترب إليّ هذا الشعب بفمه ويكرمني بشفتيه وأما قلبه فمبتعد عني بعيدا (متى 8:15). وقال أيضا: ليس كل من يقول لي يا رب يا رب يدخل ملكوت السموات، بل الذي يفعل إرادة أبي الذي في السموات (21:7).

إعلان عن المسيح: كالشخص الذي طالب بتطهير الهيكل والعابدين فيه (إرميا 1:7-11). لقد اقتبس المسيح من هذه الأعداد في متى 13:21 وفي مرقس 17:11. (أيضا 1 كورنثوس 19:6-20).

أفكار من جهة الصلاة: اقرأ وادرس وأصغ إلى كلمة الله حتى تكون صلواتك مستجابة (أمثال 9:28)

اقرأ إرميا 11 -- 14

كان الرجل العبراني يلبس رداء طويلا وواسعا يشبه العباءة، ولتثبيته حول الجسم كان يشده بحزام من جلد يسمى "منطقة". وكان كل من إيليا ويوحنا المعمدان يرتديان منطقة من جلد (2 ملوك 8:1؛ متى 4:3؛ أيضا أعمال 8:21-11؛ 2 صموئيل 40:22؛ خروج 11:12).

والمنطقة المصنوعة من كتان التي كان الكاهن يرتديها تشير إلى العلاقة الوثيقة التي بين يهوذا وأورشليم وبين الرب - لأنه كما تلتصق المنطقة بحقوي الإنسان هكذا ألصقت بنفسي كل بيت إسرائيل وكل بيت يهوذا يقول الرب (إرميا 11:13). فكان ينبغي على بني إسرائيل أن يكونوا مقدسين مثل الكهنة ويعبدون الرب. وكنتيجة لذلك فإن قوة الله المعجزية ستسدد جميع احتياجاتهم وتوفر لهم الحماية. عندئذ سيكتشف جميع الشعوب ضرورة التخلي عن آلهتهم الوثنية ليعبدوا الرب. ولكنهم تخلوا عن الرب وتنجسوا فلم يعودوا صالحين لخدمته المقدسة.

وقد أرشد الرب إرميا أن يشتري منطقة من كتان ويرتديها، وقال له: لا تدخلها في الماء (إرميا 1:13). كان عليه أن يترك هذه المنطقة البيضاء الجميلة تتسخ جدا. وفي النهاية قال له: خذ المنطقة التي اشتريتها التي هي على حقويك، وقم انطلق إلى الفرات، واطمرها هناك في شقّ صخر ... وبعد أيام كثيرة ... إذا بالمنطقة قد فسدت لا تصلح لشيء ... هكذا قال الرب: هكذا أفسد كبرياء يهوذا وكبرياء أورشليم العظيمة (إرميا 4:13-9).

كان على إرميا أن يقطع رحلة طويلة وشاقة إلى أرض السبي التي أخذ إليها حزقيال، ودانيال، وشدرخ، وميشخ، وعبدنغو، وغيرهم الكثيرين الذين أخذهم البابليون أسرى.

كانت المنطقة قد دفنت لأيام كثيرة إلى أن أصبحت غير صالحة للاستعمال. بعد ذلك كان ينبغي على إرميا أن يرتدي هذه المنطقة المتعفنة ويعود بها إلى أورشليم لكي يجعل الشعب يفهمون أنهم لم يعودوا نافعين لخدمة الرب ولذلك سوف يؤخذون إلى بابل حيث "يدفنوا" هناك "لأيام كثيرة" - هي بالتحديد 70 سنة.

ربما كانت رحلة إرميا تبدو مضيعة للوقت والجهد، ولكن طاعته المطلقة كانت دليلا على رغبته في تحقيق قصد الله. وقد أعطى تشبيها لما كان على وشك أن يحدث- وما هو سبب حدوثه.

وربما كان غريبا في نظر الشعب أن يروا هذا النبي الكاهن يرتدي منطقة قذرة. ولا بد أن ذلك كان موضع كثير من التعليقات. وعندما عاد من بابل بنفس هذه المنطقة، بعد أن أصبحت في هذه المرة متعفنة وفاسدة، فلا بد أن ذلك قد جعل رسالته أعمق تأثيرا.

لقد نالت الأمة اليهودية العديد من البركات حتى أن شعبها تجاهلوا كلمة الله فتخللتها شرور عديدة بالإضافة إلى عبادة الأوثان. ولكن بعد أن خرب الهيكل وقاسى بنو إسرائيل الذل والهوان كعبيد للبابليين، عندئذ فقط أدركوا معنى الكلمات: أفسد كبرياء أورشليم العظيمة (إرميا 9:13).

لقد كانت مشكلتهم الرئيسية هي الكبرياء. وكما هو الحال في وقتنا الحالي فإن البعض قد انتفخوا بالكبرياء ففقدوا امتياز كونهم آنية مختارة. لأنه بعد أن باركهم الرب وأعطاهم النجاح، نجدهم يصابون بالغرور، وينجرفون إلى تحقيق مصالحهم الشخصية. وللأسف، فإنهم يكتشفون بعد أن يتقدم بهم العمر أن الفرص التي كانت قبلاً متاحة لهم لخدمة الرب لم تعد موجودة.

لأن الناس يكونون محبين لأنفسهم، محبين للمال، متعظمين، مستكبرين (2 تيموثاوس 2:3).

إعلان عن المسيح: بصفته رجاء وخلاص شعبه (إرميا 8:14-9). فلا اليهود ولا الأمم يستطيعون أن ينالوا السلام إلا بقبولهم المسيح، ملك السلام، مخلصا لهم (لوقا 24:21-28).

أفكار من جهة الصلاة: اعترف بكل خطية وتخلى عنها (إشعياء 12:59-13).

اقرأ إرميا 15 -- 18

إنه لأمر مذهل أن يعتقد الخطاة أن لديهم كفاءة وحكمة كافية ليعرفوا ما هو الأفضل لهم - غير عالمين أن الرب هو المتحكم في مصائرهم. ولا عجب أن نقرأ أن إسرائيل الخاطئة المتمردة قد أجابت إرميا بطريقة مماثلة، فقيل لإرميا: قم انزل إلى بيت الفخاري وهناك أسمعك كلامي. فنزلت إلى بيت الفخاري وإذا هو يصنع عملا على الدولاب. ففسد الوعاء الذي كان يصنعه من الطين بيد الفخاري، فعاد وعمله وعاء آخر كما حسن في عينَي الفخاري أن يصنعه (إرميا 2:18-4). ثم قال الرب: هوذا كالطين بيد الفخاري، أنتم هكذا بيدي يا بيت إسرائيل ... إن تابت أمة عن شرها بعد أن أكون قد نويت على إهلاكها فإني أرجع عن الشر الذي قررت أن أصنعه بهم، وإن فعلت أمة الشر بعد أن أكون قد قررت أن أباركها فإني أرجع عن الخير الذي قلت أني أحسن إليها به (إرميا 6:18، 8-10). ولكنهم رفضوا أن يصدقوا إرميا وقالوا: لأننا نسعى وراء أفكارنا وكل واحد يعمل حسب عناد قلبه الرديء - لقد عمل كل واحد ما يراه الأفضل لنفسه (إرميا 12:18).

وكان رد الرب أنه أرسل إرميا إلى بيت الفخاري ليكتسب فهما صحيحا لمشكلة بني إسرائيل.

إن الله القدير هو الفخاري، وله مطلق السلطان أن يفعل ما يريد بخليقته. ولكن ليس هذا هو كل شيء، فالرب هو أيضا المحبة والقداسة والحكمة والعدل المطلق. والإنسان ليس إلا طين، لأن الرب قد نفخ في هذا الطين نسمة حياة ... وقال الله نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا، أي بعقل وإرادة خاصة به (تكوين 7:2؛ 26:1).

عندما فسد الوعاء - أي شعبه المختار الذين صنعهم من طين - في يد الفخاري (إرميا 4:18)، كانت القساوة في الطين ذاته وليس أن عمل الفخاري هو الذي أفسد الوعاء.

إن إسرائيل كأمة قد قاومت إرادة الله وفسدت بسبب خطيتها. لذلك فلقد انكسر الوعاء [أي إسرائيل] بواسطة بابل، وأخذ الشعب إلى السبي. وبعد 70 سنة في السبي (إرميا 11:25)، صنع الرب من الطين وعاء آخر إذ تخلى اليهود التائبون عن أوثانهم ورجعوا إلى أورشليم ليعيدوا بناء الهيكل ويعبدوا الرب.

إن الكثيرين في وقتنا الحالي مصممون بكل عناد وتمرد على المضي في عاداتهم الشريرة، وعذرهم في ذلك هو أنهم لا يملكون أن يتحكموا بما يفعلون.

إن كل إنسان يشبه وعاء الفخار، والرب لديه خطة لحياة كل واحد منا ليصبح إناء للكرامة يستخدمه هو. وبغض النظر عن حالة وعائك الآن، سواء كان فاسدا أو حتى مهشما إلى قطع بسبب الخطية أو الظروف، فإن أخبار الإنجيل السارة تبشرك بأنك إذا أعطيت نفسك اليوم للفخاري الأعظم، فإنه بيديه العطوفة سيعيد تشكيلك إلى وعاء آخر ، وعاء يصلح لاحتواء حضور المسيح نفسه.

رفع بولس هذه الصلاة: وإله السلام نفسه يقدسكم بالتمام ولتحفظ روحكم ونفسكم وجسدكم كاملة بلا لوم عند مجيء ربنا يسوع المسيح (1 تسالونيكي 23:5).

إعلان عن المسيح: قال إرميا: كان كلامك لي للفرح ولبهجة قلبي (إرميا 16:15). قال يسوع: الكلام الذي أكلمكم به هو روح وحياة (يوحنا 63:6). إنه هو الشخص الذي يفحص قلب الإنسان ويعطي كل واحد حسب طرقه، وحسب ثمر أعماله (إرميا 10:17؛ مزمور 23:139-24؛ رؤيا 23:2).

أفكار من جهة الصلاة: اسكب قلبك في الصلاة أمام الرب من أجل أولادك (مراثي 19:2).

اقرأ إرميا 19 -- 22

أخيرا تحولت المقاومة لإرميا إلى اضطهاد صريح. فلا عجب أن الرب قال له في بداية خدمته: لا ترتع من وجوههم ... فيحاربونك ولا يقدرون عليك (إرميا 17:1،19).

كان ينبغي على إرميا أن يتكلم بأحكام الرب على كل شرهم لأنهم تركوا الرب وبخروا لآلهة أخرى وسجدوا لأعمال أيديهم (إرميا 16:1).

وعندما قال الرب لإرميا: أنا ساهر على كلمتي لأجريها (إرميا 12:1)، ربما ظن إرميا أنه عندما يعرف الشعب عن شرورهم يتوبون ويرجعون إلى الرب. ولكنهم بدلا من ذلك بدأوا حملة تشهير ضده وخصصوا أناسا لمراقبة كل تحركاته قائلين: هلم فنفكر على إرميا [أي نتآمر ضده] ... هلم فنضربه باللسان [أي نقدم بلاغا ضده إلى الملك] ولكل كلامه لا نصغ (إرميا 18:18). وبدافع من البغضة اللئيمة، كان هؤلاء الجواسيس يراقبونه باستمرار، لكي يسجلوا أي كلمة يقولها يمكن أن تؤخذ على أنها هرطقة أو تجديف أو خيانة لبلده. وكنتيجة لهذه الجهود الموحدة فإن فشحور بن إمير الكاهن، وهو ناظر أول في بيت الرب.. ضرب إرميا وجعله في المقطرة (إرميا 1:20-2).

وبينما كان إرميا في السجن وحيدا وفاقد العزيمة، فكر في نفسه قائلا: لا أذكره ولا أنطق بعد باسمه ... ولكن كلام الرب كان في قلبه كنار محرقة محصورة في عظامه ... فلم يستطع أن يتمالك نفسه أكثر من ذلك (إرميا 9:20). لم يخطر على باله أبدا أن يرفض الرب، ولا أن يتعاون مع الأنبياء الكذبة، ولا أن يتغاضى عن الشرور التي كانت شائعة في أيامه. لقد كان بحق إنسانا شديد الولاء لكلمة الرب.

إن خدام الرب لا ينبغي أن يتعجبوا من المقاومة، لأنه يوجد "فشحور" في كل العصور لكي يقاومك ويضربك.

وبالطبع لم يكن إرميا أول من تعرض لهذا الشعور باليأس والفشل. فلعلنا نذكر ما قاله موسى للرب: لماذا أرسلتني؟ (خروج 22:5)؛ وكيف أن إيليا ظن أنه فاشل، حتى بعد أن جعل نارا تنزل من السماء (1 ملوك 4:19)؛ وكيف أن يوحنا المعمدان تعرض للشك في أن يسوع هو المسيح (متى 3:11).

في لحظات الذل والهوان والرفض الشديد، قال إرميا: ملعون اليوم الذي ولدت فيه! ... ملعون الإنسان الذي بشر أبي قائلا قد ولد لك ابن! - مفرحا إياه فرحا (إرميا 14:20-15). لقد كان هذا القول نابعا من اعتقاده للحظة بأنه قد خذل الرب وأضاع حياته، وبالتالي فإن التهنئة بمولده كانت بلا فائدة. ولكن على عكس جميع توقعاته، فإن مولد إرميا كان بركة عظيمة لشعبه ولملايين المؤمنين في كل أنحاء العالم حتى يومنا هذا.

لا يمكن للشخص الذي ينادي بكلمة الله أن يكون إنسانا فاشلا، ولا يمكن للشخص الذي يقرأ كلمة الله المقدسة ويعيش بموجبها أن يكون إنسانا فاشلا، لأن الرب قال: هكذا تكون كلمتي التي تخرج من فمي، لا ترجع إليّ فارغة بل تعمل ما سررت به وتنجح في ما أرسلتها له (إشعياء 11:55).

إعلان عن المسيح: بصفته الشخص الذي يتكلم بالقضاء على الأشرار والذين لا يطيعون كلمته (إرميا 15:19؛ قارن مع متى 26:7-27).

أفكار من جهة الصلاة: صل عندما تكون متضايقا ومتألما (يونان 2:2).

اقرأ إرميا 23 -- 25

لقد فات الأوان للصلاة من أجل نجاة أورشليم والهيكل (إرميا 16:7؛ 14:11؛ 11:14)، ولم يتبق إلا أن يعلن النبي أشد التهديدات من الرب: وأنا أحاربكم بيد ممدودة، وبذراع شديدة، وبغضب وحمو وغيظ عظيم (إرميا 5:21). فبعد بضعة شهور فقط كان البابليون يدمرون مملكة يهوذا تدميراً شاملاً. ويهوآحاز (شالوم) يموت في السبي؛ ويهوياقيم يدفن دفن حمار (إرميا 19:22)؛ وابنه يهوياكين (كنيا) الذي يشبّه بوعاء خزف مهان ومكسور (إرميا 28:22) يموت في بابل؛ وصدقيا تقتلع عيناه ويؤخذ إلى بابل مقيدا بالسلاسل (2 ملوك 7:25). هذه كلها أدلة رهيبة على أن الخطية والألم لا يفترقان.

ولكن بالنسبة لأولاد الله، فإن الألم والإحباط يمكن أن يستخدمهما الرب لتعميق الرغبة لدينا في علاقة أوثق معه لكي يستخدمنا بأكثر فاعلية في المناداة بالحق الروحي.

ومع انهيار المملكة اليهودية أمام الغزو البابلي، تحولت رسالة إرميا إلى تشجيع الأمناء القلائل الذين شبههم الرب بتين جيد ... أرسلته من هذا الموضع إلى أرض الكلدانيين للخير. وأجعل عيني عليهم للخير وأرجعهم إلى هذه الأرض (إرميا 5:24-6). كان التين يُجمع ثلاث مرات في السنة - في يونيو، وأغسطس، ونوفمبر، وكان التين الأول في يونيو يعتبر تينا فاخرا (إشعياء 4:28؛ هوشع 10:9؛ ميخا 1:7). لذلك أرسل الرب هذا التين المختار إلى السبي ليحميه من الدمار الجارف الآتي على "التين الرديء".

وقد أعلن الرب عن الرجاء بالمملكة المقبلة التي سيجمع فيها بني إسرائيل من أطراف الأرض (إرميا 3:30). وقد أعطيت كلمة التشجيع هذه للأمناء القلائل عندما كانت جيوش بابل تحاصر أورشليم قبل سقوطها بأيام قليلة: ها أيام تأتي يقول الرب، وأقيم لداود غصن بر، فيملك ملك وينجح ويجري حقا وعدلا في الأرض ... وهذا ما تتسمى به "الرب برنا" (إرميا 5:25؛ 16:33).

بالميلاد الطبيعي، ليس بار ولا واحد (رومية 10:3). ولكن عندما نختبر الرب أنه برنا فإن هذه الآية تتحقق فينا - إذ نتحول عن الذات وعن الخطية إلى المسيح الذي لم يعرف خطية ... وصار خطية لأجلنا لنصير نحن بر الله فيه (2 كورنثوس 21:5). عندما نقبل المسيح مخلصا لنا، فإنه يعطينا روحه القدوس وطبيعته. إذا لا شيء من الدينونة الآن على الذين هم في المسيح يسوع السالكين ليس حسب الجسد بل حسب الروح. لأن ناموس روح الحياة في المسيح يسوع [أي قانون الحياة الموجود في المسيح يسوع والذي صار قانون كياننا الجديد] قد أعتقني من ناموس الخطية والموت ... لأنه إن عشتم حسب الجسد فستموتون، ولكن إن كنتم بالروح تميتون أعمال الجسد فستحيون (رومية 1:8-2، 13-14).

إعلان عن المسيح: بصفته "الرب برنا" (إرميا 5:23-6؛ أيضا 1 كورنثوس 30:1؛ 2 كورنثوس 21:5).

أفكار من جهة الصلاة: مجّد الرب، لأنه انتصر على الشيطان (زكريا 2:3).

اقرأ إرميا 26 -- 28

كان يوشيا التقي قد مات، وتولى ابنه الثاني يهوياقيم الملك على يهوذا بتكليف من فرعون. وعلى عكس أبيه، كان يهوياقيم معاديا لأنبياء الرب. ولتوضيح مدى حساسية الموقف، يذكر الكتاب المقدس في قراءة اليوم حادثة أوريا (مع أنها كانت قد حدثت في زمان آخر) ليبين خطورة وقوف إرميا في ساحة بيت الرب. فلقد كان أوريا قد تنبأ أيضا بأمانة ضد المدينة. ولما سمع الملك يهوياقيم وكل أبطاله وكل الرؤساء كلامه طلب الملك أن يقتله ... فضربه بالسيف (إرميا 21:26،23). وفي مثل هذه الظروف من المقاومة العنيفة، إذا بالرب يطلب من إرميا قائلا: قف في دار بيت الرب وتكلم على كل مدن يهوذا القادمة للسجود في بيت الرب بكل الكلام الذي أوصيتك أن تتكلم به إليهم، لا تنقّص كلمة (إرميا 2:26).

وكان لما فرغ إرميا من التكلم بكل ما أوصاه الرب أن يكلم كل الشعب به أن الكهنة والأنبياء وكل الشعب أمسكوه قائلين تموت موتا! (إرميا 8:26). فلقد ألقي القبض عليه في الحال وطالب المشتكون عليه بأن توقع عليه عقوبة الموت.

إن مناداة إرميا بقرب دمار الهيكل كان بلا شك صدمة للشعب. وقد طالبوا بأن توقع عليه عقوبة الموت لأنها كانت العقوبة الشرعية للتجديف (لاويين 16:24) وللتنبؤ بالكذب (تثنية 20:18). لقد كانت رسالة إرميا متناقضة تماما مع كلام الأنبياء الكذبة مثل فشحور (إرميا 6:20). فهؤلاء الأنبياء جميعهم قدموا وعودا بالسلام وبسرعة رجوع المسبيين من بابل.

وقد أصغى الشيوخ إلى الشهود، ثم جاءت الشهادة غير المتوقعة من أخيقام، الذي لم يكن نبيا ولكنه كان يشغل منصبا بارزا أثناء حكم يوشيا عندما وجدوا سفر الشريعة في بيت الرب (2 ملوك 12:22-14). وكان الملك يوشيا قد كلف أخيقام وأشخاصا آخرين بأن يذهبوا لاستشارة خلدة النبية - لأنه عظيم هو غضب الرب الذي اشتعل علينا من أجل أن آباءنا لم يسمعوا لكلام هذا السفر ليعملوا حسب كل ما هو مكتوب علينا (2 ملوك 13:22).

وقد وقف أخيقام بشجاعة ليدافع عن إرميا ضد القادة الدينيين والملك. فذكرهم بأن ميخا قد تنبأ في أيام الملك حزقيا وقال نفس المضمون الذي قاله إرميا: هل قتلا قتله حزقيا ملك يهوذا وكل يهوذا؟ (إرميا 19:26). فحيث أنه لم يتهم بالتجديف (وما يستوجبه من حكم الموت)في ذلك الوقت، فلا ينبغي أن توجه هذه التهمة لإرميا الآن. كان من الواضح أنه توجد سابقة.

ومما لا شك فيه أن شهادة هذا الشاهد غير المتوقع قد أثرت على صدور الحكم بالبراءة. وربما كانت بقية خدمة هذا النبي العظيم قد أصبحت ممكنة بفضل هذا الرجل الذي وقف إلى جوار ما يعرفه أنه حق.

كان إرميا قد تلقى أمرا بألا ينقص كلمة (إرميا 2:26). وجميعنا مسئولون أن نقدم مثل هذا الولاء للمسيح، بغض النظر عن النتائج. إن الحق الموجود في كلمة الله هو أقصى ما يحتاج إليه عالمنا المحتضر. فالمسئولية عاجلة والحق هو أمانة في أعناقنا.

إن معظمنا لا يستطيع أن يساهم بطريقة مباشرة مثل الخادم أو النبي أو المرسل في توصيل الحق إلى العالم، ولكننا معا نستطيع أن نحقق ذلك. وتكونون لي شهودا في أورشليم وفي كل اليهودية والسامرة وإلى أقصى الأرض (أعمال 8:1).

إعلان عن المسيح: من خلال إرميا، الذي اتهم باطلا من الكهنة والأنبياء الكذبة (إرميا 8:26-9). لقد تعرض الرب يسوع للتهديد والاتهام الباطل في العديد من المواقف عندما كانت تعاليمه لا تتّفق مع تعاليم القادة الدينيين في زمانه (يوحنا 48:8،59).

أفكار من جهة الصلاة: صل إلى الرب أن تتم مشيئته في كل موقف يواجهك اليوم (متى 10:6).

اقرأ إرميا 29 -- 31

لقد تنبأ إرميا عن دمار أورشليم وذهاب شعبها إلى السبي ورجوعهم إلى أورشليم بعد 70 سنة. وقد حذر الأنبياء مرارا وتكرارا من أن اليهود سيتشتتوا في كل الأرض، ولكنهم لن يفنوا تماما بواسطة أعدائهم، وإنما سيظلوا شعبا مميزا. ومن ناحية أخرى أعلن الرب أنه سيهزم أعداءهم: وإن أفنيت جميع الأمم الذين بددتك إليهم، فأنت لا أفنيك، بل أؤدبك بالحق ولا أبرئك تبرئة [أي لا أدعك تذهب بدون عقاب] (إرميا 11:30).

وقد تحققت هذه النبوة المميزة. فلقد فنيت تماما المملكتان العالميتان العظيمتان بابل وأشور. ولم يبق منهما سوى بضعة أنقاض تؤكد عظمتهما السابقة. وقد انهزمت أيضا الأمة اليهودية الصغيرة وصار شعبها عبيدا وتشتتوا في كل أنحاء العالم. ولكن كما أنبأ النبي، فقد رجع اليهود إلى أورشليم.

وأثناء السبي، نصح إرميا الشعب ألا يقوموا بأي ثورات وألا يصابوا باليأس والقنوط. وعلمهم أسلوب الرب في التعامل مع أعدائهم قائلا: اطلبوا سلام المدينة التي سبيتكم إليها (إرميا 7:29). هذا يعني أنهم يجب أن يكونوا بركة لمعتقليهم وأن يصلوا من أجلهم - فينالوا هم أيضا بركة.

هذا يوضح خطأ الاحتفاظ بالضغينة والسعي إلى الانتقام عندما نشعر بسوء المعاملة أو عندما نواجه مقاومة. فبدلا من الرثاء لأنفسنا وبدلا من أن نبغض الذين يحاولون اضطهادنا، نحن أيضا يجب أن نصلي من أجل أعدائنا ونطلب سلامهم ، ونحافظ على مصالحهم. قال يسوع: أحبوا أعداءكم ... وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويضطهدونكم (متى 44:5).

ما أتعس الشخص الذي يكون دائما ناقما على ظروفه و "ينتظر" باستمرار أن يأتي وقت فيه يقدر أن يستمتع حقا بحياته. ربما ينتظر الحصول على ترقية جديدة، أو أن يشفى من مرضه، أو يشتري منزلا أفضل، أو يتقاعد عن العمل. ولكنه على جميع الأحوال "ينتظر" شيئا ينقذه من واقعه الحالي - المليء بالمرارة والإحباط.

لقد كان العهد المعطى على جبل سيناء متمثلا في وصايا خارجية مكتوبة على حجارة. وقد كانت هذه الوصايا كاملة كما قال بولس الرسول: الناموس مقدس والوصية مقدسة وعادلة وصالحة (رومية 12:7). ولكننا خطاة، وبالطبيعة أبناء الغضب (أفسس 2:3) -وغير قادرين على تنفيذ شروط هذا العهد. لذلك فنحن نحتاج إلى طبيعة روحية جديدة، كما قال يسوع: إن كان أحد لا يولد من فوق لا يقدر أن يدخل ملكوت الله (يوحنا 3:3،5). فإننا بالولادة الجديدة نصبح شركاء الطبيعة الإلهية (2 بطرس 4:1).

ومنذ يوم الخمسين إلى الآن اختبر الملايين سلام الله العجيب الذي أنبأ عنه إرميا: هذا هو العهد الذي أقطعه مع بيت إسرائيل بعد تلك الأيام يقول الرب: أجعل شريعتي في داخلهم، وأكتبها على قلوبهم (إرميا 33:31).

هذا العهد الجديد هو عمل الروح القدس الذي يسكن فيك ويجعلك تبارك لاعنيك وتصلي لأجل الذين يسيئون إليك (لوقا 28:6).

إعلان عن المسيح: بصفته الشخص الذي يصفح عن الإثم (إرميا 34:31). ولكن لكي تعلموا أن لابن الإنسان سلطانا على الأرض أن يغفر الخطايا، حينئذ قال للمفلوج: قم احمل فراشك واذهب إلى بيتك (متى 6:9؛ قارن مع 10:8-11).

أفكار من جهة الصلاة: اغفر للآخرين بدون استثناء، واطلب من الرب أن يغفر لك (متى 12:6).

اقرأ إرميا 32 -- 33

كان إرميا قد أنبأ عدة مرات بأن شر بني إسرائيل سيؤدي إلى دمار بلدهم بواسطة الإمبراطورية البابلية. واستمر يحذر بأن الشعب سيُطرد ويؤخذ إلى السبي. وبسبب أقواله، كان إرميا النبي محبوسا في دار السجن (إرميا 2:32). ومع ذلك ففي وسط هذه الظروف الصعبة، كان الرب قد قال له: اشتر لنفسك الحقل بفضة وأشهد شهودا، وقد دفعت المدينة ليد الكلدانيين [أي على الرغم من ذلك] (إرميا 25:32). وبدون تردد دفع إرميا ثمن الأرض، وأخذ الإيصالات، وسجل العقد، واستخرج النسخ، وسلم المستندات أمام شهود كثيرين (إرميا 6:32-12).

فبالنسبة للذين سمعوا تحذيراته من جهة قرب حدوث السبي، فإن هذا التصرف كان يبدو بلا شك غير منطقي ومتعارض مع كلامه. ولكن إرميا كان قد أعلن أيضا جهارا بأن الشعب سيعود إلى أرضه، وأن هذه الصفقة هي دليل على إيمانه بأن الله هو المتحكم في مصيرهم. لقد كان إيمان إرميا يمتد إلى ما هو أبعد من الصلاة والوعظ. فلقد كان واضحا في البيع والشراء وبصفة خاصة في هذه الصفقة التجارية.

ومع أنه لم يكن يعرف كيف سيحدث هذا، إلا أن قراره كان مبنيا على كلمة الله. فلقد استعاد في ذاكرته تاريخ إسرائيل - وكيف أن الله قد أنقذ شعبه من مصر، ووفر لهم الحماية والإعالة حتى أدخلهم أرض الوعد (إرميا 21:32-22).

بعد ذلك تحول بأفكاره إلى الواقع المحير - أي الدينونة الفعلية التي سيجلبها الرب على الأمة بسبب شرها. كيف في ظل هذا كله يمكن لوعد الرب بالإنقاذ أن يتحقق بعد 70 سنة؟ (إرميا 36:32-44). لم يكن في استطاعته أن يفهم جميع طرق الله؛ وكذلك نحن أيضا: لأن أفكاري ليست أفكاركم، ولا طرقكم طرقي يقول الرب (إشعياء 8:55). بعد ذلك أعطى الرب لإرميا تأكيدا جديدا من جهة كلمته: هأنذا الرب إله كل ذي جسد، هل يعسر عليّ أمر ما؟ (إرميا 27:32).

كم هو رائع أن نعرف أننا في أشد الظروف المحيرة يمكننا أن نهدأ ونطمئن ونثق أن الله يقدر أن يخرج الخير من الشر.

ولا تزال كلمته صادقة اليوم: ادعني فأجيبك وأخبرك بعظائم وعوائص لم تعرفها (إرميا 3:33).

إن إيماننا بكلمة الله يمكن أيضا أن يقاس بمدى تأثيرها على سلوكنا وتصرفاتنا. فيجب علينا كلنا أن نسأل أنفسنا: "إلى أي مدى يساهم إيماني في تشكيل قراراتي اليومية؟ وإلى أي مدى ستختلف حياتي بدون إيماني بالكتاب المقدس؟ هل هو اختلاف بسيط أم أنه اختلاف جوهري؟" إن الإجابة على هذه الأسئلة هي التي تحدد ما إذا كان إيماننا صحيحاً وحقيقياً أم أنه مجرد تقليد "ديني".

إن أي تضارب بين اعترافاتنا الإيمانية وبين سلوكنا اليومي يدل على أن "إيماننا" كاذب، وذلك لأن الإيمان الحقيقي يظل كما هو في كل أوقات الحياة. فلا يمكن للإيمان أن يكون مقتصرا على أوقات العبادة في الاجتماع. وإذا كان إيماننا إيمانا حقيقيا فإنه سيكون المبدأ الرئيسي الذي يؤثر على ما نفعله.

فإذا كنتم تأكلون أو تشربون أو تفعلون شيئا فافعلوا كل شيء لمجد الله (1 كورنثوس 31:10).

إعلان عن المسيح: بصفته غصن داود (إرميا 5:23؛ 15:33). يسوع هو المسيا، الذي صار من نسل داود من جهة الجسد [أي طبيعته الإنسانية] (رومية 3:1).

أفكار من جهة الصلاة: اسأل فسيُعطى لك (لوقا 9:11).

اقرأ إرميا 34 -- 36

بعد أربع سنوات من تعيين فرعون مصر ليهوياقيم ملكا على يهوذا، هزم نبوخذنصر المصريين، واستولى على أورشليم، وجعل يهوياقيم ملكا خاضعا له. وعلى عكس أبيه التقي يوشيا، كان يهوياقيم حاكما قاسيا وشريرا. وأخذ نبوخذنصر بعض الإٍسرائيليين البارزين، بما فيهم دانيال ورفقائه الثلاثة، كما أخذ من الهيكل بعض آنية بيت الله (دانيال 2:1).

في ذلك الوقت، تكلم الرب إلى إرميا، والذي بدوره أمر سكرتيره باروخ أن يسجل في درج [وهو لفافة من ورق البردي أو الجلود تكتب عليها الوثائق] كل أحكام الرب التي كلمه بها على إسرائيل وعلى يهوذا وعلى كل الشعوب من اليوم الذي كلمتك فيه من أيام يوشيا إلى هذا اليوم (إرميا 2:36). لقد كان هدفه هو أن يقود شعب يهوذا إلى التوبة (إرميا 3:36).

وطلب منه أن يقرأ هذا الدرج في ثلاث مناسبات. اقرأ في الدرج الذي كتبت عن فمي كل كلام الرب في آذان الشعب في بيت الرب في يوم الصوم ... واقرأه أيضا في آذان كل يهوذا القادمين من مدنهم ... لعلهم يرجعوا كل واحد عن طريقه الرديء (إرميا 6:36-10). ولا يقال شيء عن رد فعل الشعب باستثناء أن ميخا تقابل مع جميع الرؤساء وأخبرهم بكل الكلام الذي سمعه عندما قرأ باروخ السفر في آذان الشعب... فأرسلوا إلى باروخ وطلبوا منهم أن يقرأه مرة أخرى على مسامعهم، فقرأ باروخ في آذانهم (إرميا 13:36-15). ويبدو أنهم ارتعبوا من كلمات النبي، فألح هؤلاء الرؤساء على باروخ قائلين: اذهب واختبئ أنت وإرميا (إرميا 19:36)، وفي نفس الوقت أرسلوا وفدا لإخبار الملك.

بعد ذلك أرسل الملك رجلا اسمه يهودي ليحضر الدرج (إرميا 20:36-21). كان هذا في شهر كسلو الذي يوافق شهري نوفمبر وديسمبر عندنا - وكان الجو بارداً وماطرا، والكانون [أي المدفأة] قدامه متقد (إرميا 22:36). وللمرة الثالثة بدأ يهودي في القراءة، ولكن الملك لم يدعه يكمل القراءة. فبعد أن قرأ يهودي ثلاثة شطور [أي عواميد] أو أربعة ، استشاط الملك يهوياقيم غضبا وانتزع الدرج من يده، وشقه بمبراة [أي مطواة] (إرميا 23:36)، وكلمة شقه تحمل معنى التقطيع عدة مرات، ثم بعد ذلك ألقاه في النار. كان هذا هو كل ما استطاع أن يفعله كملك - أما أن يفند محتوياته فلقد كان ذلك فوق حدود استطاعته. وعلى الرغم من أن الدرج قد احترق إلا أن الحق الموجود بداخله لا يمكن تدميره أو إخماده. ولكن رد فعل يهوياقيم كان يشير إلى رفضه وكراهيته للحق.

إن الحق أبدي - لأن كلمة الله تبقى إلى الأبد (1 بطرس 25:1). وكما قال الرب يسوع: كلامي لا يزول (لوقا 33:21).

ومثل يهوياقيم، فإن الكثيرين اليوم يختمون مصائرهم ويقطعون على أنفسهم كل رجاء في الحياة الأبدية برفضهم قراءة كل الحق الذي أعطاه لنا الرب لنعد به أنفسنا لعمل ما يرضيه. إن التاريخ يسجل مناسبات عديدة فيها أحرق الكتاب المقدس؛ ولكن ما الفرق بين الذي يحرق الكتاب وبين الذي يتجاهله في حياته؟ لقد كانت دائما كلمة الله موضع هجوم وموضع تقطيع بالألسنة المتمردة وبالقلوب المتحجرة. إن يهوياقيم لم يكن رافضا للكتاب في حد ذاته وإنما كان يرفض إله الكتاب. إن أوراق الواعظ يمكن تمزيقها بسهولة، ولكن الحق الذي تحتويه العظة لا يمكن أبدا أن يزول.

فدعونا لا ننسى أبدا كلمات المسيح الذي قال: لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد... بل خافوا بالحري من الذي يقدر أن يهلك النفس والجسد كليهما في جهنم (متى 28:10).

إعلان عن المسيح: بصفته الشخص الذي يريد الحرية للمأسورين (إرميا 13:34-16؛ قارن مع إشعياء 1:61). قال يسوع: روح الرب عليّ ... لأنادي للمأسورين بالإطلاق (لوقا 18:4-19؛ قارن مع 2 كورنثوس 17:3).

أفكار من جهة الصلاة: يجب أن تكون صلواتك مقدمة إلى الله بقلب خاضع (لوقا 42:22).

اقرأ إرميا 37 -- 40

خلال السنة العاشرة أو الحادية عشرة من ملك صدقيا، كانت جيوش نبوخذنصر قد أحاطت بأورشليم. وعندما اقترب جيش ملك بابل لأول مرة من أورشليم، كان صدقيا قد سبق وطلب نبوة إرميا قائلا: لعل الرب يصنع معنا حسب كل عجائبه (إرميا 2:21). ولكن إجابة الرب كانت حازمة: قد جعلت وجهي على هذه المدينة للشر (إرميا 10:21).

ولم يتب صدقيا عن خطاياه ولم يرجع إلى الرب ... ولم يسمع هو ولا عبيده ولا شعب الأرض لكلام الرب (إرميا 2:37).

وأثناء هذه المحنة جاء جيش مصر وحارب الجيش الكلداني ومنع مؤقتا دخول نبوخذنصر إلى أورشليم (إرميا 5:37). وكان صدقيا قد أرسل رؤساءه (أي الأشخاص المسئولين) إلى مصر للدخول في تحالف عسكري معها، ظنا منه بأن مصر ستضمن له النجاة من الكلدانيين. وأرسل أيضا صدقيا رسلا إلى إرميا، لأنه في مثل هذه الأوضاع الحرجة يبدو من الحكمة إظهار "النوايا الحسنة" لنبي الرب، فطلب منه قائلا: صل لأجلنا إلى الرب إلهنا (إرميا 3:37). ولكن إرميا رفض أن يصلي، وإنما قال: هكذا قال الرب: لا تخدعوا أنفسكم قائلين إن الكلدانيين سيذهبون عنا لأنهم لا يذهبون ... فإنهم يقومون ... ويحرقون هذه المدينة بالنار (إرميا 9:37-10).

وعلى الرغم من ذلك فإن صدقيا ومستشاريه كانوا مقتنعين بأن مصر أقوى من بابل وعندما ينتقل الصراع إلى هاتين القوتين العظميين فمن المتوقع أن ينالوا استقلالهم. لذلك عندما انسحب الجيش الكلداني من أورشليم أمام جيش فرعون، ظن الرؤساء أن تمردهم على نبوخذنصر وتحالفهم مع مصر كان موفقا بدون حاجة إلى صلوات إرميا النبي بالرغم من تحذيراته.

ولكن صدقيا لم يكن مستريح النفس، فأرسل وأحضر إرميا سرا من السجن وسأله: هل توجد كلمة من قبل الرب؟ فقال إرميا: توجد!.. إنك تُدفع ليد ملك بابل (إرميا 17:37).

ولأن صدقيا وقواده لم يتوبوا ولم يرجعوا إلى الرب، فلقد أصبح سقوطهم حتميا. وهكذا ظلت مدينة أورشليم الحصينة محاصرة لما يقرب من سنة ونصف، ذاق خلالها الشعب أهوال الجوع والأوبئة. وعندما رأى صدقيا أن الهزيمة مؤكدة حاول الهرب. ولكن للأسف فإن آخر ملوك إسرائيل، ابن الملك التقي يوشيا، وقع في أيدي الأعداء بالقرب من أريحا (إرميا 5:39).

إن الذين يتخذون قراراتهم بناء على رأي الأصدقاء، بدلا من رأي الرب، هم في الواقع مثل صدقيا أسرى للخطية. فإن هذا الملك الأعمى الأسير (إرميا 7:39) هو مثال للنتائج الروحية التي تنتظر أولئك الذين يرفضون بعناد أن يتوبوا عن خطاياهم - لأن إله هذا الدهر قد أعمى أذهان غير المؤمنين (2 كورنثوس 4:4). كم من السهل أن نخدع أنفسنا عندما نرفض أن نقرأ كلمة الله. فإننا لا نستطيع أن نعيش شيئا لا نعرفه. وإنه لمن الحماقة أن نقرأ فقط ما نريد أن نصدقه - وكأن الله قد وضع شيئا عديم الأهمية في كتابه الوحيد المرشد إلى الحياة.

لقد وصف صدقيا دقة شهادة النبي إرميا عندما قال: عرفت يارب أنه ليس للإنسان طريقه: ليس لإنسان يمشي أن يهدي خطواته (إرميا 23:10).

إعلان عن المسيح: كالخالق (إرميا 1:1).

أفكار من جهة الصلاة: صل أن يصير المسيحيون واحدا كما أن المسيح والآب واحد (يوحنا 11:17،21).

اقرأ إرميا 41 -- 44

بعد أن انهزم صدقيا أمام نبوخذنصر، قام نبوخذنصر بتعيين جدليا حاكما على فقراء الأرض الذين لم يسبوا إلى بابل (إرميا 7:40). وكان جدليا، وهو صديق لإرميا، من أسرة مرموقة وذات نفوذ. وكان جده هو شافان الذي عمل كسكرتير للدولة في أيام الملك يوشيا والذي أعلن للملك عن اكتشاف سفر الشريعة (2 ملوك 10:22). وكان والد جدليا، أي أخيقام، هو الذي أنقذ إرميا من القتل على يد إحدى العصابات بعد الاتهام الشائن له في الهيكل (إرميا 24:26).

وأقام جدليا حكومته في مدينة المصفاة، والتي تبعد حوالي خمسة أميال شمال أورشليم. وعندما هاجم نبوخذنصر اليهود، كان إسماعيل وهو قائد أحد الأحزاب الوطنية المعادية لبابل، وهو أيضا من العائلة المالكة ومن بيت داود، قد هرب مع كثيرين غيره عبر الأردن والتجأوا إلى ملك عمون. ولكنه عندما سمع أن جدليا قد تعين حاكما من قبل البابليين رجع إلى يهوذا.

فاستقبله جدليا بحفاوة وأقام له وليمة تكريما له مع بعض الجنود البابليين المقيمين بالمصفاة. وفي هذه المناسبة بالتحديد، قام إسماعيل ورفقاؤه العشرة بقتل جدليا والجنود البابليين (2 ملوك 25:25؛ إرميا 7:40 - 18:41).

وتوقع الإسرائيليون أن نبوخذنصر لابد أن ينتقم، لذلك طلبوا من إرميا أن يصلي لأجلهم قائلين: فيخبرنا الرب إلهك عن الطريق الذي نسير فيه والأمر الذي نفعله (إرميا 3:42). فأعلن لهم الرب أنهم يجب أن يمكثوا في يهوذا وألا يخافوا من ملك بابل (إرميا 10:42-11). ولكنهم في الواقع لم يسألوا هل ينبغي أن يمكثوا في أرض الموعد، لأنهم كانوا قد اتخذوا قرارهم بالفعل بالهروب إلى مصر (إرميا 19:42-21). فطلبوا من إرميا أن يصلي من أجلهم لأنهم كانوا يريدون أن يعرفوا إلى أين يتجهون وأي طريق يسلكون لتنفيذ خطتهم المسبقة. فتجاهلوا تحذير الرب وهربوا إلى مصر وأجبروا إرميا على الذهاب معهم.

كانت مصر - التي ترمز إلى العالم - تبدو مكانا آمنا. وقد كانت واحدة من أعظم البلاد المنتجة للقمح في العالم القديم، لذلك شعر اللاجئون أنه لن يعوزهم الطعام. والأكثر من ذلك فإنهم كانوا يعتبرون مصر من البلاد الصديقة. ولشدة العجب فلقد تركوا الصديق الحقيقي الوحيد والتجأوا إلى مستعبديهم السابقين.

ولم يكن هناك أشق على نفس إرميا من أن يُجبر على الذهاب إلى مصر كرهينة. وهناك شاهد الناس وهم ينحدرون أكثر في الخطية وفي الوثنية، رافضين الله الحقيقي وعابدين آلهة مصر التي تعرف باسم ملكة السموات (إرميا 15:44-19).

قد يقول البعض أن إرميا النبي العظيم كان بلا شك يستحق معاملة أفضل من ذلك نظرا لولائه وإخلاصه للرب بدلا من أن يجبر على الذهاب إلى مصر. ولكن إرميا لم يكن يتوقع حياة سهلة. وعلى الرغم من ضيقه بسبب عدم إيمان الشعب إلا أنه لم يكن لديه ما يخاف منه. لقد كان خادما لله العلي وكان يعتبر ذلك امتيازا له أن يخدمه.

ومثل إرميا فإننا لن نختبر السلام الحقيقي - سلام الله الذي يفوق كل عقل (فيلبي 7:4) - إلا بعد أن نتخلى بإرادتنا عن اهتماماتنا لنكون له شهودا، بغض النظر عن النتائج.

من أجله خسرت كل الأشياء وأنا أحسبها نفاية لكي أربح المسيح (فيلبي 8:3).

إعلان عن المسيح: من خلال "عبيدي الأنبياء" (إرميا 4:44؛ قارن مع أعمال 20:3-21).

أفكار من جهة الصلاة: رنم للرب وسبّحه حتى في أوقات الشدة (أعمال 22:16-25).

اقرأ إرميا 45 -- 48

وسط كل النبوات التي تنبأ بها إرميا على الدول العظمى في العالم، قاده الروح القدس لتخصيص أصحاح لباروخ مساعده. وقد كان حسيا، جد باروخ، حاكما على أورشليم أثناء حكم الملك يوشيا (إرميا 12:32؛ 2 أخبار 8:34). وربما ظن باروخ أن المؤهلات التي لديه تجعله يستحق أن يصبح أكثر من مجرد كاتب. فهل كان يتوقع نصيبا من الامتيازات التي سيعطيها نبوخذنصر لإرميا عندما يعلم كيف أنه حرض الشعب على الخضوع لبابل؟ لقد كان باروخ يطلب لنفسه أمورا عظيمة - ربما كان يريد منصبا مرموقا بعد أن تغيرت السلطة وجلس الملك الجديد على العرش. ولكن إرميا على عكس ذلك لم يكن ليقبل مكافأة من نبوخذنصر. فالإنجاز الأعظم في حياة باروخ كان ينبغي أن يكون امتياز مساعدة إرميا - وأنه جعل شعب الرب والعالم كله يعرف كل كلام الرب الذي كلمه به (إرميا 4:36).

ولكن بدلا من ذلك كان باروخ يريد أن يحقق ذاته من خلال مصالح شخصية. فعندما كان يعمل مع إرميا لم يبد باروخ أي حزن على المآسي الرهيبة التي علم أنها ستقع على مملكة يهوذا أو على معاناة شعب أورشليم. وإنما نقرأ فقط أنه كان ساخطا على وضعه: ويل لي لأن الرب قد زاد حزنا على ألمي. قد غشي علي في تنهدي ولم أجد راحة (إرميا 3:45)، بمعنى "أني لست أجد تحقيقا لذاتي". ربما وجد أن العمر يتقدم به - وأن طموحاته الشخصية لم تتحقق - وأنه لم يجد راحة . ومما لا شك فيه أن خدمته ككاتب كانت وسيلة أراد من خلالها أن يحقق أهدافه الذاتية. وربما توقع كلمات الشفقة والرثاء، ولكنه بدلا من ذلك نال توبيخا شديدا من الرب: وأنت فهل تطلب لنفسك أمورا عظيمة؟ لا تطلب. لأني هأنذا جالب شرا على كل ذي جسد، وأعطيك نفسك غنيمة [أي أن نجاتك من الموت هي مكافأتك الوحيدة] في كل المواضع التي تسير إليها (إرميا 5:45).

على الرغم من أن باروخ كان يسجل كلمة الله المقدسة الموحى بها، فإنه لم تكن له البصيرة الروحية مثل إرميا الذي كان يعلم كم مهم أن يكون الشخص خادما للرب. لقد كان الفكر الوحيد لدى إرميا هو أن يعيش ليرى الرب ممجدا في أورشليم وفي مملكة يهوذا. يا له من امتياز ثمين كان متاحا لباروخ أن يكون في نفس المركز الذي كان يشغله أليشع بالنسبة لإيليا. ولكن للأسف فإن باروخ، كان مثل جيحزي، منشغلا جدا بنفسه.

إن باروخ مثال لكثيرين ممن يشعرون بعدم الرضى والإحباط بسبب شغلهم للمركز الثاني أو بسبب وجودهم في مكانة أقل في نظرهم مما يستحقون - غير عالمين أن الرفعة تأتي لا من المشرق ولا من المغرب ولا من برية الجبال، ولكن الله هو القاضي! هذا يضعه وهذا يرفعه (مزمور 6:75-7).

من المستبعد أن يكون باروخ هو الرجل الوحيد المؤهل للقيام بعمل الكاتب. وكذلك فنحن جميعا معرضون للاستبدال. ولكن قليلون هم الذين لديهم القدرة أن يطلبوا أولا ملكوت الله وبره ، ويثقوا بأن الرب يسدد جميع الاحتياجات (متى 33:6). إن وقتنا كنز ثمين، وهو مُلك للرب، وكذلك جميع مواهبنا وقدراتنا ومؤهلاتنا يجب أن تُستخدم لعمل قصده من نحونا. فالكل ملك للرب، ولا يمكننا أن نحقق أنفسنا بطريقة باقية وحقيقية إلا عندما نقدم الكل لخدمة الرب في حياتنا.

فإن من أراد أن يخلص نفسه [أي يضمن حياته الزمنية ويبحث عن الراحة] يهلكها، ومن يهلك نفسه من أجلي يجدها (متى 25:16).

إعلان عن المسيح: بصفته الشخص الذي يؤدب شعبه بالحق (إرميا 28:46). لأن الذي يحبه الرب يؤدبه (عبرانيين 6:12).

أفكار من جهة الصلاة: تذكر أن الإيمان هو أداة هامة في حياة الصلاة لضمان استجابة صلواتك (رومية 3:12).

اقرأ إرميا 49 -- 50

ربما بدا لمملكة يهوذا أن بابل هي المسئولة عن شئون العالم تماما مثلما كانت أشور في فترة سابقة من التاريخ. ومن بعدها جاءت مادي وفارس واليونان والرومان. ولكن أثناء قراءتنا للكتاب المقدس، نجد أن الله خالق الكون، هو صاحب السلطة العليا على كل شعوب الأرض، وأيضا على جميع الأفراد.

إن النبوة الأولى في قراءة اليوم مختصة بالعمونيين، وهم نسل لوط وابنته، والذين كانوا على مر التاريخ معادين لشعب الرب (2 أخبار 1:20-3؛ 2 ملوك 1:24-2؛ إرميا 3:27). وبسبب شرهم ضد إسرائيل أنبأ الرب بأنهم سيصيرون تلا خربا (إرميا 2:49). بعد ذلك تحول الرب جنوبا من عمون إلى موآب، قائلا: تطردون كل واحد إلى ما أمامه (إرميا 5:49). ثم حول انتباهنا إلى أدوم، وهم نسل عيسو توأم يعقوب. وقد كانوا دائما من الأعداء اللدودين وانضموا إلى نبوخذنصر في نهب مدينة أورشليم. وقد تنبأ إرميا بدقة عن مصيرهم: جردت عيسو.. هلك نسله.. فلا يوجد (إرميا 10:49).

ثم تحول القضاء إلى دمشق (إرميا 23:49-27)، عاصمة سوريا، مع حماة وأرفاد التي كانت ممالك أصغر تحت سيادة دمشق - وجميعهم أعداء ليهوذا. قال: وأشعل نارا في سور دمشق فتأكل قصور بنهدد [لقب للعديد من ملوك سوريا] (إرميا 27:49) - ثم نطق بالحكم على قيدار، وحاصور، وعيلام (إرميا 28:49-39).

وفي النهاية أنبأ عن دينونة بابل التي بدت أنها لا تقهر. كان عرض الأسوار المحيطة بها 80 قدم وبارتفاع 300 قدم. ولكن بهاؤها العظيم لم يقف عقبة أمام إرميا النبي الجريء الذي قال: أخبروا في الشعوب ... طلعت عليها أمة [يقصد مادي] من الشمال هي تجعل أرضها خربة فلا يكون فيها ساكن (إرميا 2:50-3). وحتى اليوم، بعد أكثر من 2500 سنة، لا تزال أنقاض بابل تشهد على دقة الكتاب المقدس. والمساحة المخصصة في الكتاب المقدس للكلام عن دينونة بابل تعادل تلك المخصصة لجميع الشعوب الأخرى مجتمعة؛ ربما لأن بابل كانت مسئولة عن دمار هيكل الإله الواحد القدوس الحقيقي.

وعقب التنبؤ بهلاك بابل وبإطلاق بني إسرائيل من السبي، تنبأ إرميا عن تحول قلوب الشعب إلى الرب.

في تلك الأيام وفي ذلك الزمان، يقول الرب، يأتي بنو إسرائيل هم وبنو يهوذا معا يسيرون سيرا ويبكون ويطلبون الرب إلههم. يسألون عن طريق صهيون ووجوههم إلى هناك قائلين هلم فنلصق بالرب بعهد أبدي لا ينسى (إرميا 4:50-5). ولاحظ أنهم أبدوا توبة ورجوعا حقيقيين - يبكون ويطلبون الرب إلههم . لقد كانوا يبحثون عن صهيون - أي بيت الرب. وكانت ظهورهم إلى بابل.

البعض لديهم القدرة على البكاء وفي نفس الوقت يظلوا في "بابل" - التي تشير إلى العالم. لذلك يجب أن نسأل أنفسنا: "ماذا نحن طالبون؟" و "ما هو سبب بكائنا؟" فإن هذا يكشف لنا إلى أين وجوهنا متجهة فعلا.

قريب هو الرب من المنكسري القلوب ويخلص المنسحقي الروح (مزمور 18:34).

إعلان عن المسيح: بصفته الفادي (إرميا 34:50). مبارك الرب إله إسرائيل، لأنه افتقد وصنع فداء لشعبه! (لوقا 68:1).

أفكار من جهة الصلاة: صل إلى الرب لكي يعطيك القدرة على تعزية وتشجيع الآخرين (2 كورنثوس 3:1-4).

اقرأ إرميا 51 -- 52

كانت إمبراطورية بابل العالمية العملاقة تفوق كل شيء آخر عرفه العالم. فإن بابل تحت حكم نبوخذنصر كانت تبدو أنها لا تقهر. وكانت الإمبراطورية تتمتع بالسيادة المطلقة على جميع شعوب العالم في الوقت الذي أعلن فيه إرميا قائلا: سقطت بابل بغتة ... أتت آخرتك ... وتكون بابل كوما ... لا يكون فيه ساكن من الناس إلى البهائم بل يكون خربا أبدية (إرميا 8:51،13،37،62). وفي تمام نهاية سبي يهوذا أي بعد 70 سنة، سقطت إمبراطورية بابل الشهيرة - في الليلة التي رأى فيها بيلشاصر اليد الكاتبة على الحائط (دانيال 5).

وعقب سقوط بابل، حذر الرب بني إسرائيل قائلا: اهربوا من وسط بابل! ... لا تهلكوا بذنبها (إرميا 6:51). ولكن معظم الجيل القديم الذي كان قد ذهب إلى السبي في بابل كان قد مات، والجيل الجديد كان قد حقق نجاحا وشعر بأنه لا داعي للهرب. فالأوثان المألوفة من حولهم لم تكن تبدو مؤذية، وفي نفس الوقت لم يشعروا بالخسارة من جهة العبادة في الهيكل لأنهم لم يختبروا هذا الأمر من قبل. فالأغلبية كانوا قد تأقلموا روحيا وأخلاقيا مع النظام العالمي لدى معتقليهم.

إن عدم استعداد الأغلبية العظمى من اليهود أن يتركوا الرفاهية في بابل مقابل الفقر في أورشليم يشبه ما يحدث في أيامنا الحالية.

فإن إمبراطورية بابل المرفهة تشير إلى الكنيسة الاسمية المزيفة، التي هي نظام عالمي كنسي ديني وتجاري عظيم له دوافع سياسية ... جالسة على وحش قرمزي مملوء أسماء تجديف (رؤيا 3:17-5). فالكنيسة الاسمية تعتمد على الوحش - أي النظام العالمي - في الدعم والأمان والنفوذ. أليس هذا وصفا دقيقا للناس المتدينين الذي يثقون في السلطة والنفوذ والثروة بدلا من أن يثقوا في الرب؟ لقد كتب يوحنا في جزيرة بطمس قائلا: سقطت سقطت بابل العظيمة!وصارت مسكنا لشياطين ... جميع الأمم وملوك الأرض زنوا معها وتجار الأرض استغنوا [أي حققوا ثروة] من وفرة نعيمها ... اخرجوا منها يا شعبي لئلا تشتركوا في خطاياها ولئلا تأخذوا من ضرباتها (رؤيا 2:18-4). إن هذا النظام الديني سيسقط عندما يرجع الرب ليملك.

إن كثيرين اليوم يعترفون بأنهم مسيحيون، ولكنهم يخصصون وقتهم وعشورهم ومواهبهم لمباهج وضمانات وأهداف نظام العالم على الرغم من تحذير الرب القائل لنا: لا تحبوا العالم (1 يوحنا 15:2-17).

هؤلاء المسيحيون المزيفون يمكن تمييزهم من علاقاتهم - إذ نجدهم يحبون تقدير العالم بدلا من تأنيبه، ويسعون لإرضاء العالم لكي يتجنبوا الألم، ويعيشون من أجل إشباع الذات بدلا من تقديم الذات.

إن الكنيسة المزيفة وأعضاءها تكتسب قيمتها من ثروتها وتفتخر بقبول العالم لها. هذا على النقيض تماما مع المسيحية الحقيقية ومؤسسها الذي ولد في مذود بقر، والذي قال: إن كانوا قد اضطهدوني فسيضطهدونكم (يوحنا 20:15).

إن المؤمنين الحقيقيين يعرفون أهمية ألا يشتركوا في أعمال الظلمة غير المثمرة ... ويعلمون أن محبة العالم عداوة لله (أفسس 11:5؛ يعقوب 4:4).

إعلان عن المسيح: بصفته الخالق (إرميا 15:51). فإنه فيه خُلق الكل (كولوسي 16:1).

أفكار من جهة الصلاة: صل أن يظهر المسيح من خلالك (فيلبي 20:1-21).

 

مقدمة لسفر مراثي إرميا

يعبر سفر مراثي إرميا عن الحزن العميق بسبب دمار مملكة يهوذا ومدينة أورشليم المختارة من الله، والتي حاول إرميا بكل الطرق أن ينقذها.

كان إرميا يعرف النتائج الحتمية للعصيان: لأن الرب قد أذلها لأجل كثرة ذنوبها؛ ذهب أولادها إلى السبي قدام العدو ... ولكن هذا حدث من أجل خطايا أنبيائها [أي أنبيائها الكذبة] وكهنتها السافكين في وسطها دم الصديقين (مراثي 5:1؛ 13:4).

لذلك أخذ الرب على عاتقه أن يدمر أورشليم تماما: أتم الرب غيظه؛ سكب حمو غضبه وأشعل نارا في صهيون فأكلت أسسها (مراثي 11:4؛ أيضا 1:2-12). وكانت النتيجة أن تعرضت أورشليم لأهوال الحرمان والمرض والألم والجوع (مراثي 19:2؛ 10:4). أكثر من 30 مرة في هذه الأصحاحات القصيرة يذكرنا بأن: الرب سكب غضبه ... أشعل نارا ... قتل ولم يشفق (مراثي 11:4؛ 43:3) - غير تارك أي مجال للشك من جهة من الذي أخرب مملكتهم.

فمن الواضح أن الدمار الذي لحق بهم هو من الرب نفسه كما سبق وأنبأ موسى (تثنية 63:28-65). ولكن النبي كان واثقا تماما في رحمة الرب وإشفاقه وأنه سيرد شعبه مرة أخرى - لأن السيد لا يرفض إلى الأبد (مراثي 31:3-32؛ أيضا 22:4).

غير المؤمن لا يستطيع أن يرى من سقوط الدول سوى نتيجة للظروف البشرية. ولكن لا نجد في أي مكان آخر كما في كتابات إرميا هذا الحق الأساسي واضحا وهو أن سقوط الدول يحدث بسبب إغفالهم لسماع كلمة الرب ... لأن شعبي عمل شرين: تركوني أنا ينبوع المياه الحية لينقروا لأنفسهم آبارا، آبارا مشققة لا تضبط ماء (إرميا 4:2،13).

هذا السفر الحزين لا يزال يُقرأ في التاسع من شهر آب (يقابل شهري يوليو وأغسطس) من كل سنة في المجامع في كل أنحاء العالم إذ ينوح اليهود على دمار الهيكل ليس مرة واحدة بل مرتين - في سنة 586 ق.م.، وفي سنة 70 م

اقرأ مراثي إرميا 1 -- 2

على مدى ما يقرب من 475 سنة، تعرضت أورشليم للعديد من هجمات الأعداء. وقد كانت الأسوار المحيطة بأورشليم تحمي شعب الرب، وهيكله المقدس، وتابوت العهد الذي كان يحتوي على النسخة الأصلية من الوصايا المعطاة لموسى منذ عدة قرون مضت. وكان الأنبياء الكذبة في زمن إرميا قد أعلنوا أن أورشليم، المدينة المقدسة - والمكان الوحيد على الأرض حيث تقدم الذبائح لله - لا يمكن أن تسقط حيث أنها مدينة الملك العظيم (مزمور 2:48).

ولكن الفشل الروحي يؤدي لا محالة إلى فقدان الحرية الروحية. قد أخطأت أورشليم خطية [أي أخطأت بشكل محزن]؛ من أجل ذلك صارت رجسة [وصارت مرفوضة] (مراثي 8:1).فالتجمعات المهيبة والأعياد المبهجة التي كانت تمثل متعة في حضورها في مدينة الملك العظيم أصبحت مجرد ذكريات لأمور مضت. ومرة أخرى نجد هذه الحقيقة الواضحة أن الخطية تخدع وتدمر السعادة الحقيقية. فها هو الأمر المستبعد قد حدث، والبقية القليلة من الشعب أصبحت تجلس في خرائب وفي ذهول وحزن لا مثيل لهما. يا لها من صورة مرعبة - أورشليم وقد هاجمها الأعداء، أصبحت خربة وأطفالها يموتون من الجوع، وقلوب والديهم تتمزق عليهم إذ يقولون لأمهاتهم أين الحنطة ... وتُسكب نفسهم في أحضان أمهاتهم (مراثي 12:2). لقد جاء ليل إسرائيل مثل كابوس رهيب. فلقد استيقظوا على الواقع الأليم بأن كل ما هو ثمين قد أصبح الآن كومة من الأنقاض. لقد أصبحوا الآن مضطرين لمواجهة ما أنبأ به النبي: دفعني السيد إلى أيدٍ لا أستطيع القيام منها ... لأني قد عصيت أمره (مراثي 14:1،18).

لن نتمكن من فهم معنى وأهمية هذه "المأساة الفائقة" لو فشلنا في اكتشاف قصد الله ومحبته بصورة كاملة - أي طول أناته ورحمته في رد بني إسرائيل إلى العبادة الحقيقية ومنحهم بركته. إن كل عقاب أو تأديب من أجل الخطية هو موجه بحكمة من قاضي البر ولا يمكن تجنبه أو مقاومته. فإن ملك بابل لم يكن سوى أداة في يد الرب استخدمها ليأتي بالإسرائيليين إلى التوبة وليحوّلهم عن العبادة الوثنية.

ولكي نطلب الرب، نحتاج جميعا إلى الإحباطات والأحزان والآلام أو إلى شخص يوقظنا. فنحن أيضا نحتاج أن "نستيقظ" من البرودة الروحية الناتجة عن تراكم الممتلكات المادية.

وفي كل العصور، هنالك الأنبياء الكذبة الذين يخدّرون مستمعيهم بوعود كاذبة حول التمتع بالصحة والثروة. هؤلاء القادة الكذبة يتجاهلون تحذير الرب لنا: تحفظوا من الطمع، فإنه متى كان لأحد كثير فليست حياته من أمواله (لوقا 15:12)، وأيضا أما اختار الله فقراء هذا العالم أغنياء في الإيمان (يعقوب 5:2).

لا يحدث مكروه لأي من أولاد الله إلا في حدود محبة الله ورحمته وطول أناته - ربما من أجل التأديب على الخطية، وربما لكي يفطمنا عن جاذبيات العالم، أو لكي يجعلنا نكف عن عبادة الممتلكات المادية، وربما أيضا لكي يمنعنا من أن نضيع حياتنا، والأفضل من هذا كله لكي تستنير عيون أذهانكم لتعلموا ما هو رجاء دعوته وما هو غنى مجد ميراثه في القديسين (أفسس 18:1).

إعلان عن المسيح: من خلال حزن إرميا على أورشليم عند سقوطها (مراثي 12:1-22). وقد عبر يسوع عن حزنه على فشل أورشليم في الرجوع إليه (متى 37:23؛ لوقا 34:13).

أفكار من جهة الصلاة: قدم للرب الشكر وسبّحه علانية، لأنه فداك بواسطة دمه وغفر جميع خطاياك (كولوسي 12:1-14).

اقرأ مراثي إرميا 3 -- 5

إن إلهنا العجيب الذي هو الحب الأمثل والحكمة المثلى يجلب على الأمة قضاء أمثل يكون بمثابة عقاب لفاعلي الشر وبركة للذين يطيعونه. لأن الذي يحبه الرب يؤدبه (عبرانيين 6:12). فالألم يفتح عيوننا على القيم الحقيقية في الحياة ويبدد أي حلم مضلل.

كان الإسرائيليون قد فقدوا كل شيء - نعم، جميع الأشياء - بلا استثناء - التي لها قيمة في نظرهم. فلقد كانت مملكتهم على الأرض هي المملكة الوحيدة التي وضع فيها الله اسمه وهيكله. وفوق هذا كله، كان لديهم أعظم كنز على الأرض - كلمة الله، التي هي مصدر كل حكمة. فيا له من امتياز عظيم. ولكنهم الآن، بكل حسرة وألم، قد صاروا أذلاء كالعبيد يخدمون حاكما وثنيا أمميا هو نبوخذنصر.

وقد صلى إرميا طالبا التجديد ليس للهيكل ولا لأورشليم، بل للشعب. فكان يسكب قلبه أمام الرب مصليا: ارددنا يا رب فنرتد! جدد أيامنا كالقديم! (مراثي 21:5).

كان الرب قد بارك الإسرائيليين أكثر من جميع الشعوب بالثروة والهيبة. ولكنهم تجاهلوا كلمته وكأن الفضل في هذه الممتلكات يرجع لهم وليس للرب. فالتجأوا إلى كل المصادر الأخرى، ما عدا الرب، طلبا للعون - حتى إلى الآلهة الكاذبة. آه! كم هو سهل اكتساب الإحساس بالكفاية الذاتية عندما يكون كل شيء على ما يرام. ففي تلك الأوقات نظن أننا لا نحتاج أن نصلي: خبزنا كفافنا أعطنا اليوم (متى 11:6)، حيث أنه يوجد لدينا فائض. في كثير من الأحيان نضطر إلى فقدان كل ثروة وأمان مادي لكي نحوّل قلوبنا إلى الرب وإلى القيم الأبدية. إن كل أحكام الرب وتأديباته - كل آلامنا وأحزاننا من شأنها أن تجعلنا نبصر جليا إرادته في حياتنا. ولكن يجب أن نعرف أن كل إحباط وخسارة واختبار مؤلم يمكن أن يصبح إما صخرة نخطو فوقها للدخول في علاقة أعمق مع الرب، وإما حجر عثرة بسبب عدم الرضى. إن المقصود من الآلام هو أن نتحول إلى الأفضل؛ ولكننا نوقع أنفسنا في المرارة بسبب نقص التمييز الروحي أو بسبب العناد أو حتى بسبب السخط الناتج عن البر الذاتي.

وإنه لمن المعزي بلا شك لجميعنا أثناء الأوقات الصعبة أن نذكّر أنفسنا بمراحم الرب التي لا تنتهي، والتي لا نستحقها. فإنه ولو أحزن يرحم حسب كثرة مراحمه (مراثي 32:3). هذا الحزن يشبه عادة الليالي الحالكة الظلام التي يختفي فيها ضوء النجوم، ولكنها موجودة هناك بلا شك سواء رأيناها أم لا.

ويتكلم في أصحاح 3 عن يوم أكثر إشراقا حيث يذكر هذا الأمر سبع مرات على الأقل. وهذا الأصحاح المحوري يكشف عن الإيمان الحقيقي لدى النبي: (1) من إحسانات الرب أننا لم نفن، لأن مراحمه لا تزول (مراثي 22:3)؛ (2) نصيبي هو الرب.. لذلك أرجوه (مراثي 24:3)؛ (3) جيد أن ينتظر الإنسان ويتوقع بسكوت خلاص الرب (مراثي 26:3)؛ (4) فإنه ولو أحزن يرحم حسب كثرة مراحمه (مراثي 32:3)؛ (5) دعوتك.. قلت لا تخف (مراثي 57:3)؛ (6) خاصمت يا سيد خصومات نفسي [أي أنك دافعت عن قضيتي، ودبرت أموري، وحفظت نفسي وحقوقي] (58:3)؛ (7) فككت حياتي [أي أنقذت وفديت حياتي] (مراثي 58:3).

إعلان عن المسيح: بصفته المخلص الرحيم (مراثي 22:3). لأني أكون صفوحا عن آثامهم ولا أذكر خطاياهم وتعدياتهم في ما بعد (عبرانيين 12:8).

أفكار من جهة الصلاة: اجعل كل ما تفعله مادة للصلاة (1 تسالونيكي 17:5).

 

عودة للفهرس